
حكم إلقاء السلام من الرجال على النساء.. مفتى الجمهورية يجيب
وقال فى إجابته عن السؤال عبر موقع دار الإفتاء النصرية: إنه يجوز شرعًا إلقاء السلام وردُّه بين جماعة كل من الرجال والنساء، أو بين جماعة الرجال وامرأة منفردة، أو بين جماعة النساء ورجل منفرد، أو بين رجل وامرأة منفردين إذا أمنت الفتنة، وإلَّا حرم الإلقاء والرد، فقد ورد عن السيدة أسماء ابنة يزيدَ رضي الله عنها قالت: «مرَّ علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في نسوة، فسلَّم عليْنا» رواه ابن ماجه في "سننه".
بيان فضل إفشاء السلام وحكم إلقائه وردِّه
وأشار الى أن إفشاء السلام مِن أحبِّ الأعمال إلى الله عز وجل، ومن الفضائل التي تنشر الود بين الناس، وهو تحية المسلمين فيما بينهم في الدنيا، وتحية أهل الجنة كما أخبر بذلك عز وجل؛ فقال سبحانه: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾ [الأحزاب: 44].
بل إنَّه من أجلِّ القُرَب الموصِّلة إلى دخول الجنة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا؛ أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» رواه مسلم في "صحيحه".
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (2/ 36، ط. إحياء التراث العربي): [وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف كما تقدم في الحديث الآخر، والسلام أول أسباب التألف ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تَمَكُّنُ أُلفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع وإعظام حرمات المسلمين... وفيها لطيفة أخرى وهي أنها تتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء وفساد ذات البين التي هي الحالقة] اهـ.
ولفت الى أن إلقاءُ السلام هو حقُّ المسلم على أخيه المُسلم؛ لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ». قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ» رواه مسلم في "صحيحه".
وهو سُنَّة عَيْنٍ على المُنفرِد المارِّ على غيره، وسُنَّة كفائيَّة على الجماعة المارين على غيرهم بحيث إذا ألقاه بعضهم سقط الطلب به عن الباقين، وأمَّا رَدُّ السلام ففرضُ عينٍ في حق المُنفرِد، وفرضُ كفايةٍ في حقِّ الجماعة، بحيث يأثمون جميعًا بتركه، ويسقط الإثم بردِّ أحدهم.
قال العلامة البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 383-384، ط. عام الكتب): [السلام (سُنّة) عين من منفرد، (ومن جمع) اثنين فأكثر (سنة كفاية)... (ورده)؛ أي: السلام إن لم يكره ابتداؤه (فرض كفاية)؛ فإن كان الْمُسَلَّمُ عليه واحدًا تعيّن عليه] اهـ.
حكم إلقاء السلام من الرجال على النساء
وأردف قائلا: مع أنَّ الأمر بنشر تحية الإسلام جاء عامًّا يشمل الرجل والمرأة، إلا أنَّ للرجل مع المرأة الأجنبية أحكامًا تخصهما في ابتداء السلام ورَدِّه؛ دفعًا للمفسدة وأمنًا للفتنة.
وأوضح أنه من المقرر جواز إلقاء السلام ورده مِن الرجال على النساء أو العكس إن كان المُلقِي جمعًا والمُلقَى عليه فردًا، أو كان المُلقِي فردًا والمُلقَى عليه جَمْعًا، وذلك ما لم تخش فتنة؛ لما ورد عن أسماء ابنة يزيدَ رضي الله عنها قالت: «مرَّ علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في نسوة، فسلَّم عليْنا» رواه ابن ماجه في "سننه".
قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 601، ط. دار الفكر): [ولو كان النساء جمعًا فسلم عليهن الرجل أو كان الرجال جمعًا كثيرًا فسلموا على المرأة الواحدة فهو سنة إذا لم يخف عليه ولا عليهن ولا عليها فتنة] اهـ.
وتابع: أمَّا إن كان إلقاءُ السَّلام بين فرادى كإلقاء الرجل المنفرِد على المرأة أو العكس: فقد فرَّق الفقهاء بين العجوز والشابَّة، فاتفقوا على جواز ابتداء السلام وردِّه في حق المرأة العجوز، أمَّا في خصوص المرأة الشابَّة فاختلفوا فيه، فذهب الحنفية إلى كراهة ابتدائه مِن أحدهما، فإن بدأهُ الرجل ردَّت المرأة في نفسِها لا بلسانها، وإن بدأتهُ هي ردَّ الرجل في نفسِهِ لا بلسانِهِ، وعَبَّرَ بعضُ الحنفية بالحرمة.
قال العلامة سراج الدين ابن نجيم في "النهر الفائق شرح كنز الدقائق" (1/ 271، ط. دار الكتب العلمية): [يكره السلام على المصلي والقارئ والجالس للقضاء أو البحث في الفقه أو التخلي، وزيد عليه مواضع، وأحسن من جمعها الشيخ صدر الدين الغزي فقال رحمه الله تعالى: سلامك مكروه على من سَتَسْمَعُ...كذا الأجنبياتُ الفتيَّاتُ أمنعُ] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (1/ 616، ط. دار الفكر): [(قوله سلامك مكروه) ظاهره التحريم] اهـ.
وذهب المالكيةُ إلى كراهة إلقاء السلام وردِّه على المرأة الشَّابة، قال العلَّامة أبو عبد الله المواق المالكي في "التاج والإكليل" (2/ 224): [ويكره السلام على الشابة ولا بأس به على المتجالة] اهـ.
وذهب الشافعيةُ إلى كراهة ابتدائه وردِّه في حق الرجل، وإلى الحُرمة في حقِّ المرأة ابتداء وردًّا، فإن سلَّم الرجل حرم على المرأة الرَّد، قال الشيخ زكريا الأنصاري في "شرح روض الطالب" (4/ 184، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ويسن) السَّلام (للنساء) مع بعضهن وغيرهن، (لا مع الرَّجالِ الأجانبِ) أفرادًا وجمعًا (فيَحْرُم) السلام عليهم (مِن الشَّابةِ ابتداءً ورَدًّا) خوف الفتنة، (ويُكرَهان) أي: ابتداء السلام وردُّه (عليها)] اهـ.
وذهب الحنابلة إلى كراهة ابتدائِهِ منهما مطلقًا، أمَّا الردُّ فلا يلزمها إن بدأ الرجل بالسلام، وإن بدأت المرأة به لزم الرجل الردُّ، قال الشيخ أبو النجا الحجاوِي الحنبلي في "الإقناع" (1/ 239، ط. دار المعرفة): [وإن سلَّمت شابةٌ على رجل ردَّه عليها، وإن سلَّم عليها لم تردَّه] اهـ.
واستثنوا من هذه الكراهة الشابة البَرْزَة، وهي المرأة العفيفة العاقلة التي من عادتها الخروج لحوائجها وملاقاة الرجال بحيث تخرج وتدخل آمنة على نفسها، فلا يكره إلقاء السلام ورده بينها وبين الرجل؛ وعللوا ذلك بأمن الفتنة غالبًا.
وبين انه يستفاد مما سبق أنَّ إلقاء السلام ورده بين الرجال والنساء جماعة أو فرادى دائر مع أمن الفتنة وجودًا وعدمًا؛ فحيث أمنت الفتنة جاز الإلقاء والردُّ، وإلَّا حرُمَ، وهو ما أفادته رواية ابن ماجه السابقة عن السيدة أسماء ابنة يزيدَ رضي الله عنها، والذي فيها إلقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم السلامَ على جمعٍ من النساء من غير كراهة أو نهي عن ذلك، أو تخصيص بعددٍ دون عددٍ؛ لـما فيه من انتفاء الفتنة، وهو ما فهمه العلماء ونصُّوا عليه.
قال العلامة السندي في "حاشيته على سنن ابن ماجه" (2/ 398، ط. دار الجيل): [قال الحليميُّ: كان النبي صلى الله عليه وسلمَ يُسلِّمُ للعصْمَةِ، وكان مأمونًا من الفتنة، فمن وثق من فتنته بالسلام فليسلم، وإلا فالصمتُ أسلم اهـ. فالحاصل أن سلام الرجل عليهنَّ جائز في نفسه، بل مسنون، لكن بشرط السلامة بأن ظنَّ بها، وإلا تعين الترك] اهـ.
وأكد بناءً على ذلك أنه يجوز شرعًا إلقاء السلام وردُّه بين جماعة كل من الرجال والنساء، أو بين جماعة الرجال وامرأة منفردة، أو بين جماعة النساء ورجل منفرد، أو بين رجل وامرأة منفردين إذا أمنت الفتنة، وإلَّا حرم الإلقاء والرد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 41 دقائق
- صدى البلد
آيتان تعدلان قيام الليل وتحفظان من الشيطان .. لا تغفلهما قبل النوم
يغفل الكثيرون عن آيتين من القرآن الكريم يعدلان قيام الليل كله ويحفظان من الشيطان الرجيم، حيث جعل الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز من الآيات ما يقي المسلم والمسلمة ويحفظهما من كل مكروه وشر، ويحصنان به أنفسهما من شر ما خلق في عالم الأكوان. يقول تعالى:"إِنّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً وأَنّ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً". آيتان يعدلان قيام الليل ويحفظان من الشيطان وتعدد حديث القرآن الكريم وإخباره عن الليل وفضله، بل إن الحق سبحانه وتعالى أقسم بالليل وما فيه من آيات في مواضع عدة سواء أكان الليل أو الفجر، فقال جل وعلا:" وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ" سورة الليل الآيات (1-4)، وقد جاء في فضل قيام الليل أخبر القرآن الكريم بقوله :"وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)". ويبدأ وقت قيام الليل من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، فصلاة النافلة في هذا الوقت هي من قيام الليل، وقد صح في الأحاديث أن أفضل وقت لقيام الليل هو الثلث الأخير، لكن إن صلى المسلم في أي وقت في الليل فقد أصاب السنة ونال الأجر إن شاء الله تعالى، ويصلي الإنسان في قيام الليل ما شاء من الركعات، فالعدد فيها مطلق، والسنة الاقتصار على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة كما ورد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل. ورد عن المولى عزوجل قوله:"االَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ". وقد ورد في النصوص الشرعية أن أوقات استجابة الدعاء كثيرة جدًا نذكر منها: الدعاء في ليلة القدر، والدعاء في وقت السحر آخر الليل، والدعاء بين الأذان والإقامة، والدعاء في الساعة الأخيرة من يوم الجمعة، والدعاء في السجود، والدعاء عند شرب ماء زمزم. وفي شأن آيتان يعدلان قيام الليل ويحفظان من الشيطان، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بهما في حديثه الشريف 'عليكم بسيدة آيات القرآن مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ»، وهما أن نقرأ الآيتين الآخيرتين من سورة البقرة يقول جل وعلا:' آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ". آيات التحصين من الجن والشياطين كما جاء في أدعية تحصين النفس من الجن والشيطان ما يلي: أعوذ بك يا الله وبكلماتك التامة، وأعوذ بك من شر الإنس والجن وكل هامة، واحفظني يا الله من كل عين حاسدة ولامة، أعوذ بالكلمات الصالحات التامات، وأعوذ بك من شر قد ينزل من السماء، ومن شر قد يخرج من الأرض أعوذُ باللَّهِ السَّميعِ العَليمِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ مِن هَمزِهِ، ونَفخِهِ ونَفثِهِ ومن كلمات دعاء تحصين النفس من الجن أعوذ بالله العلي العظيم من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن شر إبليس وجنده، ومن شر شياطين الإنس والجن، ومن شر ما يظهر بالليل ويكمن بالنهار، ومن شر ما يظهر بالنهار ويكمن بالليل، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها. كما جاء في الحديث عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا فَزِعَ أَحَدُكُمْ فِي النَّوْمِ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُلَقِّنُهَا مَنْ بَلَغَ مِنْ وَلَدِهِ ويستحب لابعاد الجن عنك أن تقول اللهم يا سميع يا عليم، يا حافظ من كل شيطان رجيم، ويا مالك الملك ويوم الدين، أعوذ بك ربي واستعين، وأسألك أن تحفظني من شر الإنس والجن، اللهم اني أعوذ بك كما استعاذ بك موسى وإبراهيم، من شر الشيطان وجنوده، وأعوذ بك كما استعاذ بك عيسى الذي وفي من شر الجن والإنس. دعاء قيام الليل المستجاب -" إذا ناجى العبد ربه في السَّحر واستغاث به وقال: يا حيُّ يا قيُّوم لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث؛ أعطاه الله من التمكين ما لا يعلمه إلا الله". -اللهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت الله لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك يارب العالمين. - عن عبدالله بن عباس، أن رسول لله صلى لله عليه وسلم كان اذا قام الى الصلاة من جوف الليل يقول: (اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والارض ولك الحمد أنت قيوم السماوات والارض ولك الحمد أنت رب السماوات والارض ومن فيهن أنت الحق وقولك الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك امنت و عليك توكلت واليك انبت وبك خاصمت واليك حاكمت فاغفر لى ماقدمت وأخرت وأسررت وأعلنت أنت إلهى لا إله الا أنت). - (اللهم اجعلْ في قلبي نورًا، و في سمعي نورًا، و عن يميني نورًا، و عن يساري نورًا، و فوقي نورًا، و تحتي نورًا، و أمامي نورًا، و خلفي نورًا، و أعظِمْ لي نورًا اللهم اجعلْ لي نورًا في قلبي، و اجعلْ لي نورًا في سمعي، و اجعلْ لي نورًا في بصري، و اجعلْ لي نورًا عن يميني، و نورًا عن شمالي، و اجعلْ لي نورًا من بين يديَّ، و نورًا من خلفي، وزِدْني نورًا، و زِدْني نورًا، و زِدْني نورًا). - لا إله إلّا الله الملك الحقّ المبين، لا إله إلّا الله العدل اليقين، لا إله إلّا الله ربّنا وربّ آبائنا الأوّلين، سبحانك إنّي كنت من الظّالمين، لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير، وإليه المصير، وهو على كلّ شيءٍ قدير، لا إله إلّا الله إقرارًا بربوبيّته، سبحان الله خضوعًا لعظمته، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم. - اللهمّ يا نور السماوات والأرض، يا عماد السماوات والأرض، يا جبّار السماوات والأرض، يا ديّان السماوات والأرض، يا وارث السماوات الأرض، يا مالك السماوات والأرض، يا عظيم السماوات والأرض، يا عالم السماوات والأرض، يا قيّوم السماوات والأرض، يا رحمن الدّنيا ورحيم الآخرة . - اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد، لا إله إلّا أنت الحنّان المنّان، بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام برحمتك يا أرحم الرّاحمين. بسم الله أصبحنا وأمسينا، أشهد أنّ لا إله إلّا الله وأنّ محمّدًا رسول الله، وأنّ الجنّة حق، والنّار حق، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور. - الحمد لله الّذي لا يُرجى إلّا فضله، ولا رازق غيره، الله أكبر ليس كمثله شيء في الأرض، ولا في السّماء، وهو السّميع البصير، اللهمّ إنّي أسألك في صلاتي ودعائي بركةً تطهّر بها قلبي، وتكشف بها كربي، وتغفر بها ذنبي، وتصلح بها أمري، وتُغنى بها فقري، وتذهب بها شرّي، وتكشف بها همّي وغمّي، وتشفي بها سقمي، وتقضي بها ديني، وتجلو بها حزني، وتجمع بها شملي، وتبيّض بها وجهي يا أرحم الرّاحمين. اللهمّ إليك مدّت يدي، وفيها عندك عظمت رغبتي، فاقبل توبتي، وارحم ضعف قوّتي، واغفر خطيئتي، واقبل معذرتي، واجعل لي من كلّ خيرٍ نصيبًا وإلى كلّ خيرٍ سبيلًا.


بيروت نيوز
منذ ساعة واحدة
- بيروت نيوز
عندما تفقد السياسة روح الخدمة تتحوّل إلى صراع المصالح
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد الأول، في كنيسة الصرح البطريركي في الديمان، يعاونه المطران الياس نصار، الخوري نافذ صعيب،الوكيل البطريركي في الديمان الخوري طوني الآغا ،آمين الديوان الخوري خليل عرب والأب هادي ضو. وحضر القداس النائب السابق جوزيف اسحق، رئيس الرابطة المارونية في أستراليا جون شديد ونائبه دجو يونان، مختار الديمان ريمون البزعوني، مسؤول مكتب 'القوات اللبنانية' في الديمان المحامي ماريو صعب، رئيس نادي الديمان الكاتب والصحافي أنطوان فرنسيس، مسؤول كاريتاس الجبة الدكتور ايليا ايليا، وحشد من أهالي الديمان مقيمين مغتربين. وبعد تلاوة الانجيل المقدس ألقى الراعي عظة بعنوان'دعا يسوع رسله الإثني عشر، وأرسلهم، وأعطاهم سلطانًا' (متى 10: 1). قال فيها : 'بدأ الربّ يسوع حياته العلنيّة بعمر ثلاثين سنة. فاختار رسله الإثني عشر بأسمائهم للدلالة على محبّته لكلّ واحد منهم، ومن هذه المحبّة ولدت المحبّة فيما بينهم. وأرسلهم ليعلنوا اقتراب ملكوت الله، وليشهدوا لمحبّة المسيح، ويبنوا حضارة المحبّة. وأعطاهم سلطانًا لطرد الأرواح النجسة، ولشفاء الشعب من كلّ مرض وعلّة. إنّ دعوة الرسل وخلفائهم الأساقفة، ومعاونيهم الكهنة، هي من المسيح الذي يختار ويرسل ويعطي سلطانًا'. وأردف: 'يطيب لي أن أرحّب بكم جميعًا للإحتفال معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، وبنوع خاص بأهالي بلدة الديمان الأعزّاء، الذين نكنّ لهم كلّ محبّة وتقدير، كما نرحبّ بالآتين من مختلف المناطق. فنقدّم هذه الذبيحة الإلهيّة على نيّتكم، ولشفاء مرضاكم، وراحة نفوس موتاكم، ولحفظ الإيمان في قلوبكم ونموّه. الرسل وخلفاؤهم الأساقفة ومعاونوهم الكهنة، مرسلون من المسيح لمتابعة رسالته، على ما قال: 'كما أرسلني أبي، أرسلكم أنا أيضًا' (يو 20: 21). فباسم يسوع يقومون برسالته الخلاصيّة. وأكّد لهم: 'من يقبلكم يقبلني' (متى 10: 40). كما أنّ يسوع قبل رسالته من الآب لا من تلقاء نفسه (راجع يو 5: 19 و 30)، هكذا المرسل لا يستطيع شيئًا من دون المسيح مرسله الذي يأخذ منه مهمّة رسالته والسلطان لإتمامها. هؤلاء الرسل يسمّيهم بولس الرسول: 'خدّام العهد الجديد' (2 كور 3: 6)، 'وسفراء المسيح للمصالحة' (2 كور 5: 20)، و 'خدّام الله' (2 كور 3: 6)، وخدّام المسيح ووكلاء أسرار الله' ( 1 كور 4: 1). وقال: 'بعد قيامة الربّ يسوع من الموت، وحلول الروح القدس على الرسل يوم العنصرة، أصبح جوهر رسالتهم أن يكونوا شهودًا لقيامة الربّ يسوع، لأنّها مصدر قيامتنا من حالة الخطيئة إلى حالة النعمة، ولأنّها غاية تبشيرنا بالمسيح، إذ لولا القيامة لكان تبشيرنا باطلًا. لقد أرسلهم الربّ ليكرزوا 'باقتراب ملكوت السماوات'، وهو ملكوت المحبّة والرحمة، الظاهر في 'طرد الأرواح النجسة، والشفاء من كلّ مرض وعلّة'. هذا هو إنجيل الملكوت أي دخول الله في حياة البشر، والعيش معهم في شركة الرحمة والحبّ. هذا الإنجيل هو إيّاه يسوع المسيح الإله الذي صار إنسانًا وسكن بيننا. 'ملكوت السماء' هو الكنيسة، سرّ الشركة، المؤلّفة من العنصر الإلهيّ والعنصر البشريّ. إنّ رسالة الكنيسة 'إعلان ملكوت المسيح'، وتجسيده في أفعال المحبّة والرحمة والعدالة والسلام'. وتابع: 'ما أحوجنا اليوم في وطننا لبنان إلى العودة إلى روح هذا الإنجيل. أرسل الربّ تلاميذه لا ليبسطوا نفوذًا بل ليقدّموا خدمة، لا ليجمعوا حولهم الجموع بل ليذهبوا نحو المهمّشين والجرحى والمتألّمين. الوطن رسالة، واللبنانيّ مرسل في وطنه، لا ليعتزل بل ليشارك، لا ليحتمي في خصوصيّته، بل ليبني مع الآخرين مستقبلًا مشتركًا. ولكن كم من المسؤولين نسوا أنّ المسؤوليّة رسالة خدمة وتضحية لا صفقةٌ. إنّ ما يضعف وطننا اليوم ليس الفقر فقط، ولا الأزمة الإقتصاديّة، بل انعدام الإحساس بالرسالة. عندما تفقد السياسة روح الخدمة تتحوّل إلى صراع المصالح. وعندما ينكمش المواطن في قلقه، وييأس من قدرة التغيير، تتوقّف الرسالة. جميعنا مدعوّون اليوم إلى استعادة معنى 'الإرسال' الوطنيّ: أن نخرج من منطق الراحة إلى مجال المبادرة. أن نلتقي الآخر، لا أن نحاربه. أن نخدم بعضنا بعضًا، لا أن نستغلّ بعضنا بعضًا. أن نعود إلى القيم التي بُني عليها لبنان أي المحبّة، الكرامة، العيش المشترك، الإنفتاح، الإبداع. لبنان لا يقوم إلّا إذا حمل أبناؤه مسؤوليّاتهم بروح رساليّة. لبنان يتطلّب أن نكون رسلًا في السياسة، في الإقتصاد، في التربية، في القضاء، في كلّ مجال يخدم الخير العام. أن يحمل كلّ صاحب سلطة رسالته كأمانة لا كإمتياز. أن يرى كلّ مواطن في وطنه رسالة يجب أن تصان، لا غنيمة تقتسم'. وختم الراعي: 'فلنصلِّ، ملتمسين من الله، بشفاعة سيّدة قنّوبين، أن يبعث فينا روح الرسالة، ويفتح عيوننا على حاجات إخوتنا، ويفتح آذاننا لسماع أنين الناس، ويفتح أيدينا للعطاء، وقلوبنا للمصالحة والبذل والمحبّة. له المجد والتسبيح والشكر الآن وإلى الأبد، آمين'. وبعد القداس، استقبل الراعي المشاركين في الذبيحة الإلهية يتقدمهم النائب إسحق ورئيس الرابطة شديد ونائبه يونان اللذين وضعا غبطته في اجواء الزيارة التي يقومون بها لدعم الجيش اللبناني وابناء الشهداء وأكدا للبطريرك ضرورة انتخاب المغتربين في الدوائر اللبنانية الخمسة عشر ليكونوا ضمن المكون الأساسي السياسي في لبنان ثم ألقى الخوري عرب كلمة باسم رعية الديمان طالبا بركة غبطته لابناء الرعية معربا عن عمق الروابط الروحية بين الأهالي وسيد الصرح سائلا الرب أن يعود غبطته بالصحة والسلامة، وقال: 'يطيب لنا يا أبانا وراعينا صاحب الغبطة والنيافة أن تلتقي بكم في هذا الصرح الكبير، نحن أبناءك رعية مار يوحنا مارون – الديمان – علية قنوبين – كهنة ومؤمنين، محافظين على هذه العادة التي تحمل في طياتها دلالات كبيرة، وقد باتت تقليدا سنويًا نفتخر ولنسر به ، متمنين لغبطتكم اقامة سعيدة، وللجميع صيفا واعدا وهاننا في ربوع الوادي المقدس، يحمل معه كل الخير والسلام . فباسمي وباسم أخي العزيز وشريكي في الخدمة الرعوية الخوري نافذ صعيب، ولجنة الوقف، والمختار والنادي وسائر الفعاليات والعائلات الديمانية، ولا سيما القادمين منهم من بلدان الانتشار في اوستراليا، وكندا، والحاملين الديمان والوطن في قلوبهم على الدوام أعبر لكم، وغبطتكم الأب والرأس، وهذا ما تعنيه كلمة بطريرك، عن محبتنا لكنيستنا المارونية الأم، ولائتمائنا اليها، ولبطريركها وراعيها السابع والسبعين الذي أعطي له مجد لبنان. ورب قائل، والتاريخ يعلمنا، وهو خير شاهد، إنه عندما تكون البطريركية المارونية بخير، يكون وطنا وجميعنا بخير ؛ واليوم يفيض الخير وتفيض النعم بلقاء أبناء الرعية براعيهم ورأس كنيستهم، وهذا هو لسان حال أبناء الديمان الذين، وان تهللوا بقدومكم ورحبوا ، فإنَّما يُرحبون بسيد الدار، صاحب القلب الكبير الذي يضم الجميع ويتسع لكل أبنائه، وهم عازمون أن يؤكدوا مجددًا على عمق الروابط والعلاقات التاريخية والروحية التي تجمع الديمان بمقام السيد البطريرك، والبطريركية المارونية، وقد توطدت هذه العلاقة أكثر فأكثر تحت عنوان الشركة والمحبة، شعار خدمتكم البطريركية . اننا نلتمس في هذه المناسبة بركتكم الأبوية، مصغين الى توجيهاتكم الحكيمة من ينابيع الإنجيل المقدس، ونسأل الرب يسوع أن يعضدكم بيمينه القديرة، بشفاعة السيدة العذراء ، سيدة قلوبين التي آليتكم على – أنفسكم أن تصلوا مسبحتها مع الآلاف يوميًا، دون توقف، ومار مارون، ومار يوحنا مارون، لتبقوا العين الأبوية الساهرة على القطيع الصغير بمصابيح مضاءة، وعلى رعية الديمان رعيتكم، التي لها خصوصيتها التاريخية والجغرافية والروحية، والمنتمية إلى أبرشيتكم، أعني الأبرشية البطريركية. وهي رعية متجذرة في هذه الأرض المقدسة، تحافظ على إيمانها، وإيمان أجدادها، وتمتد بأغصانها الى بلدان الإنتشار، وتفتخر بأبنائها هناك يحققون نجاحات باهرة في شتى الميادين، ويشهدون لإيمانهم شهادة حية. ولسنين عديدة يا سيدنا ، نلتقي فيها بغبطتكم في هذا الصرح الكبير ، وان الرب لسميع مجيب'.


النشرة
منذ 3 ساعات
- النشرة
تصوير الله الآب (2)
وديعة الإيمان الَّتي تسلَّمناها من الربِّ يسوع المسيح، صخرة الكنيسة، بواسطة الرسل الأطهار، واستمرَّت في الروح القدس من خلال الآباء القدِّيسين، ما تزال وديعةً كاملةً ومتكاملةً، تُعاش بأمانة وترتيب، بعيدًا عن كلِّ انحراف وتشويش وتخيُّلات بشريَّة. يشمل هذا الأمر كلَّ أبعاد الكنيسة: الإيمانيَّة والعقائديَّة والليتورجيَّة والفنِّيَّة والتنظيميَّة، وحياة المؤمنين، وكلِّ ما يدخل في الإطار الكنسيِّ. وهذا ما دعا إليه بولس الرسول بقوله: "لأَنَّ اللهَ لَيْسَ إِلهَ تَشْوِيشٍ بَلْ إِلهُ سَلاَمٍ، كَمَا فِي جَمِيعِ كَنَائِسِ الْقِدِّيسِينَ" (1 كورنثوس 14: 33). يمكن للتشويش أن يتسرَّب إلى كلِّ بعد من الأبعاد المذكورة أعلاه إذا ابتعدنا عن الإيمان المستقيم ، أي التسليم الشريف الَّذي يضمُّ كلَّ الأبعاد الكنسيَّة. والابتعاد هو انحراف يولِّد هرطقات بلا نهاية، وهذه الهرطقات تنزع السلام من النفوس. الإنسان المصلِّي هو إنسان مصلٍّ روحًا وجسدًا، يمارس إيمانه ويعيشه بكلِّ حواسِّه الخمس، لذلك فإنَّ كلَّ ما يدور حوله ويسمعه ويلمسه ويذوقه ويشمُّه ويراه يؤثِّر فيه إيجابًا إذا كان صحيحًا، وسلبًا إذا شابه النقص والانحراف. واجب الكنيسة هو الحفاظ على الترتيب الإلهيِّ لتساعد المؤمن في جهاده وإيمانه وصلاته، كما أنَّ واجب المؤمن هو عدم الابتعاد عن الإيمان الحقيقيِّ، كي لا تجرفه الهرطقات والبدع. فالحياة المسيحيَّة هي إيمان وعيش لهذا الإيمان، ومعرفة وصقل لهذه المعرفة بالتفسيرات الصحيحة. إذا أخذنا موضوع الأيقونات مثلًا، فقد حرصت الكنيسة منذ البداية على أن يكون كلُّ تصوير متجانسًا مع إيمانها لأنَّه منبثق منه، ويسير في اتجاه واحد مع الكتاب المقدَّس وفهمه الصحيح، وخلاف ذلك يُعدُّ مرفوضًا. لذا ظهرت من بداية القرون المسيحيَّة الأولى الجداريَّات والأيقونات للربِّ يسوع المسيح، لأنَّه ابن الله الحيّ المتجسِّد، بينما لم يُصوَّر الآب السماويُّ لأنَّه لم يتجسَّد. لكن عادت وظهرت تصاوير للآب كشخص مسنٍّ ذي لحية بيضاء، خاصَّة في روسيا بعد الألف الأولى، متأثِّرة بالغرب وبالنهضة الإيطاليَّة، ثمَّ عبرت إلى اليونان وإلى بلادنا. وقد ردَّ مجمع Stoglav الروسيُّ (1551م) على ذلك مؤكِّدًا نبذ كلِّ تعديل أو ابتكار أو تحريف يشوِّه المعنى اللاهوتيَّ للأيقونة، ورفض كلَّ ما يتعارض مع ما هو مسلّم إلينا والمتَّبع في الفنِّ الإيقونوغرافيِّ (قانون 42-43). كما اشترط أن يكون كاتبو الأيقونات على معرفة لاهوتيَّة دقيقة بالعقيدة وبالفنِّ الأيقونيِّ، وأمر بتكريم الأيقونات بشكل لائق، ومنع معاملتها باستخفاف أو قلَّة احترام. أمَّا المجمع الكبير في موسكو (1666–1667م)، فقد أدان بشدَّة تصوير الآب (قانون 59)، واعتبره عبثًا وهرطقةً بشكل رسميٍّ، محرِّمًا تمامًا رسم ربِّ الصباؤوت – أي الله الآب – على هيئة شيخ ذي لحية بيضاء يحمل الابن، وكذلك تصوير الروح القدس على شكل حمامة. والسبب أنَّ الله الآب لم يتجسَّد ولم يره أحد، إلَّا الابن الوحيد، الواحد في الجوهر معه، الَّذي تجسَّد. والآب والابن والروح القدس إلهٌ واحد[1]. فكان قرار المجمع تصحيحًا للانحراف الَّذي دخل حديثًا إلى الكنيسة الروسيَّة. وقد استند الانحراف إلى تفسير خاطئ للآية: "كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ وُضِعَتْ عُرُوشٌ، وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ. لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ، وَعَرْشُهُ لَهِيبُ نَارٍ، وَبَكَرَاتُهُ نَارٌ مُتَّقِدَةٌ." (دانيال 7: 9)، باعتبار أنَّ "القديم الأيَّام" هو الآب. لكنَّ دانيال النبيَّ لم يقل إنَّه رأى إنسانًا أو وجه إنسان، بل أعطى وصفًا يشير إلى الألوهة والنقاوة والحكمة الإلهيَّة. إنَّه مشهد الدينونة نفسه الَّذي رآه القدِّيس يوحنَّا الإنجيليُّ عن المسيح: "وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ، وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ." (رؤيا 1: 14). وقد طابق القدِّيس إكليمندس الإسكندريُّ (150–215م) رؤيا دانيال مع ما ذكره يوحنَّا عن العرش في الرؤيا: "نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، وَمِنَ السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ." (رؤيا 1: 4). كما تكلَّم الربُّ يسوع عن هذا في الدينونة العامَّة حين يجلس على العرش ليدين الناس بحسب أعمالهم (متَّى 25: 31–32). وشرح القدِّيس يوحنَّا الدمشقيُّ (675–749م) أنَّ ما ورد في رؤيا دانيال يشير إلى المسيح. إذًا، التفسير الكتابيُّ الخاطئ يضرب عقيدة الثالوث القدُّوس، لأنَّه يجعل الآب منظورًا، وهذا لم يحصل قطُّ لا في الرؤيا ولا في الحقيقة: "اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" (يوحنَّا 1: 18). هناك من فسَّر جداريَّة القبَّة في سرداب San Biagio (1196م) في إيطاليا على أنَّها تمثِّل "القديم الأيَّام"، لكنَّها في الواقع للمسيح، إذ إنَّ الصليب ظاهر داخل الهالة حول رأسه. ويحيط بالمسيح نجوم، والكروبيم، ورموز الإنجيليِّين الأربعة، وإلى جانبه النبيَّان دانيال وحزقيَّال. كما تحيط بالجداريَّة مشاهد من حياة المسيح: البشارة، الرحلة إلى مصر، الدخول إلى الهيكل، ودخول المسيح إلى أورشليم. التصوير يمزج بين الأسلوبين الشرقيِّ والغربيِّ. أشهر التصاوير للقديم الأيَّام هي تلك الَّتي رسمها مايكل أنجلو في سقف كنيسة سيستين (1508–1512)، حيث جمع بين تصوير القديم الأيَّام والتصوير الكلاسِّيكيِّ القديم للإله جوبيتر، ودمجهما مع صورة اليد الإلهيَّة الممتدَّة للإنسان، الَّتي كانت شائعة في الفنِّ المسيحيِّ الأوَّل. في الختام، نعود إلى ما شدَّد عليه المجمع المسكونيُّ السابع بخصوص التصوير الإيقونوغرافي ِّ: "إنَّ تصوير الأمور المقدَّسة لا يُترك لأهواء الرسَّامين، بل يجب أن يكون وفقًا لما تسلَّمناه من الكنيسة، كما نُقِل إلينا عبر الآباء القدِّيسين". إلى الربِّ نطلب.