
يديعوت أحرونوت: "معضلة" المساعدات تستنزف الجيش الإسرائيلي
سلطت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية الضوء على المعضلة التي يواجهها الجيش الإسرائيلي في أعقاب الإعلان عن الآلية الجديدة لتوزيع المساعدات للفلسطينيين، والتي تتضمن إشرافا مباشرا على توزيعها من خلال مراكز محددة داخل قطاع غزة.
ووسط اتهامات متصاعدة بتجويع سكان غزة، ينخرط الجيش الإسرائيلي في مهمة غير قتالية تتمثل في حماية مراكز المساعدات وتأمين طرق توزيعها لسكان غزة، بالإضافة إلى السماح لعشرات الشاحنات بالوصول إلى شمال قطاع غزة في ظل عدم إنشاء مراكز توزيع هناك حتى الآن.
ويقول التقرير الذي أعده المحلل العسكري للصحيفة يوآف زيتون إن هذه المهمة تُفاقِم مشكلة التصدي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي لا تزال "تملك كتائب فاعلة تعمل من خان يونس حتى مدينة غزة وضواحيها".
وينقل زيتون عن قادة في الجيش الإسرائيلي اعترافهم بأن إطلاق النار المستخدم "لضبط الحشود الكبيرة" أمام مراكز توزيع المساعدات أدى إلى "مقتل فلسطينيين" عزل كانوا يسعون للحصول على الغذاء، وهو ما أثار موجة انتقادات دولية وعمّق الضغوط على حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، التي تواجه اتهامات بتغذية كارثة إنسانية.
وكانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) أكدت أن 400 فلسطيني على الأقل قتلوا منذ بدء تطبيق آلية توزيع المساعدات الإسرائيلية الأميركية قبل نحو شهر، فيما تؤكد الحكومة الفلسطينية في غزة ومنظمات الإغاثة الإنسانية أن الاحتلال يدعم العصابات التي تستولي على شاحنات المساعدات التي تتوجه لشمال غزة.
معضلة الجيش الإسرائيلي
وبحسب تقرير زيتون، بات الجنود الإسرائيليون مكلفين بتأمين الطرق لمئات الشاحنات التي تحمل الغذاء والوقود والغاز، خصوصًا في شمال قطاع غزة حيث عاد نحو 800 ألف فلسطيني أخيرا. لكن هذه العمليات تصطدم بموجة من أعمال النهب التي تظهرها مقاطع الفيديو المنتشرة أخيرا، ما يفاقم الضغط الدولي على الحكومة الإسرائيلية، فيما يثير من ناحية ثانية انتقادات أوساط اليمين، التي تتهم حكومة نتنياهو بدعم إعادة تأهيل حماس بشكل غير مباشر عبر إدخال المساعدات.
وطالب نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، الأسبوع الماضي، بإعداد خطة بديلة لإيصال المساعدات إلى شمال غزة دون أن تقع في أيدي حماس، على حد زعمه، ولكن التقرير ينقل عن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية غضبها وتأكيدها أن مثل هذه الخطط البديلة مطروحة بالفعل منذ أسابيع على طاولة صناع القرار.
ويكشف زيتون أن هذه الخطط تتضمن، من بين أمور أخرى، إنشاء مراكز توزيع جديدة للمواد الغذائية في مناطق أخرى من القطاع، لكن المؤسسة الأمنية أوضحت للقيادة السياسية أنه لا بديل أيضا عن استمرار تدفق المساعدات عبر الشاحنات، لما له من أهمية إنسانية وأمنية.
ويتحدث التقرير عن الصعوبات التي يواجهها الجيش الإسرائيلي، لأنه لا يملك إلا تأمين شاحنات المساعدات من الجو، إذ لا يمكن لقوات الجيش الحضور في كل مفترق طرق في غزة، بل إنه يتحدث عن معضلة نقص القوات على الأرض، ويقول "في الحرب مع إيران نقلنا لواء كان يعمل في بلدة قريبة من شمال قطاع غزة لتعزيز قطاعات أخرى، ودخل آلاف الفلسطينيين، بمن فيهم نشطاء حماس، على الفور إلى هذا الفراغ".
ووفق التقرير، فإن مراكز توزيع المواد الغذائية في جنوب القطاع، التي كان يفترض ألا يشارك فيها الجنود الإسرائيليون ميدانيا كما تعهد المستوى السياسي سابقًا، باتت تعتمد يوميا على مئات الجنود لحماية عمليات التوزيع وتنظيم الحشود الهائلة التي تصل أحيانًا إلى 50 ألف فلسطيني قبل ساعات طويلة من فتح المراكز.
قتل طالبي المساعدات
وهنا يعترف التقرير بأن طالبي المساعدات الذين يتجاوزون الخط الأحمر الذي خطط لهم في مراكز المساعدات يتعرضون لما أسماها "نيران تحذيرية"، يقول التقرير نقلا عن ضباط إسرائيليين إنها "ليست دقيقة دائمًا"، وهو ما يعد تبريرا لتعمد القوات الإسرائيلية إطلاق النار على طالبي المساعدات كما تؤكد تقارير الأمم المتحدة والحكومة الفلسطينية بغزة.
ولذلك يزعم التقرير أن "بعض الفلسطينيين يحاولون الاقتراب من الدبابات وناقلات الجنود المدرعة وهم يحملون أواني طعام فارغة بهدف تصوير مشاهد استفزازية، وبينهم أطفال لا يُعرف ما إذا كانوا أبرياء أو مكلفين بمهام من قبل حماس مثل اختبار رد فعل القوات أو تنفيذ هجمات محتملة"!
ولكن المحلل العسكري ينقل عن ضباط في الجيش أن هذه المهام اللوجستية الهائلة تستنزف الجيش الإسرائيلي وتبعده عن مهامه العسكرية الأصلية، وأشاروا إلى أن سرايا كاملة باتت منشغلة بحماية مراكز توزيع الغذاء، بدلًا من تنفيذ عمليات هجومية ضد أهداف حماس، التي لا تزال تمتلك قدرات قتالية معتبرة في غزة، رغم مرور نحو 21 شهرًا على بدء حرب الإبادة على القطاع.
ويضيف "القادة الذين يقاتلون على الأرض يشهدون على استمرار وجود الكتائب الفاعلة والمختصة لحماس في قطاع غزة، من خان يونس إلى مدينة غزة ومحيطها".
ويشير التقرير إلى أن الفرقة 98 في الجيش الإسرائيلي، التي سُحبت من قطاع غزة أخيرا تحسبًا لاحتمال التصعيد مع إيران، تستعد للعودة إلى القطاع مجددًا، في انتظار قرار سياسي بشأن المرحلة المقبلة، إذ تُدرس في إسرائيل خيارات حاسمة، بينها المضي نحو صفقة تبادل أسرى تؤدي إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد، أو مواصلة القتال البري ضد حماس حتى تحقيق أهداف أوسع.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 6 دقائق
- الجزيرة
لماذا تتركز كمائن المقاومة في "عبسان الكبيرة" بخان يونس؟
أثار تصاعد عمليات المقاومة في مدينة خان يونس (جنوبي قطاع غزة)، خاصة في المنطقة الشرقية منها، تساؤلات بشأن الأسباب والعوامل التي ساعدت المقاومة على تنفيذ عمليات وكمائن نوعية. وفي هذا الإطار، يقول الخبير العسكري حاتم كريم الفلاحي إن خان يونس من أكبر محافظات القطاع، وهي ذات رقعة جغرافية كبيرة، ويعتقد جيش الاحتلال الإسرائيلي أنها تشكل موقعا جيوسياسيا لفصائل المقاومة من حيث الإمكانيات والقدرات العسكرية. ووفق الفلاحي، فإن عملية " عربات جدعون" -التي أطلقها جيش الاحتلال منتصف مايو/أيار الماضي- ترتكز على منطقتين رئيسيتين في قطاع غزة هما منطقة الشمال وخان يونس جنوبا. لكن عمليات المقاومة تركّزت في الأسابيع الأخيرة على المحور الشرقي من خان يونس، وتكررت على وجه التحديد في منطقة عبسان الكبيرة لأسباب عدة هي: طبيعة المنطقة الجغرافية في عبسان الكبيرة تصلح لنصب الكمائن بشكل كبير. تموضع المقاومة دفاعيا في هذه المنطقة يختلف عن بقية المناطق الأخرى. هناك انطباع بأن المقاومة قادرة على تنفيذ عمليات بالمنطقة من دون إيقافها إسرائيليا. وعبسان الكبيرة هي قرية فلسطينية تقع إلى الشرق من خان يونس، ويربط بعض المؤرخين سكانها بـ"قبيلة عبس"، التي كانت منتشرة في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، وبلغ عدد سكانها عام 2023 حوالي 31.5 ألف نسمة. وتعرضت عبسان -التي تبلغ مساحتها نحو 16 ألف دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع)- في جميع الحروب التي شنتها إسرائيل على القطاع لعمليات تدمير واسعة، من خلال القصف الجوي والمدفعي، فضلا عن التوغلات البرية. وأوضح الخبير العسكري أن فصائل المقاومة في حرب العصابات لا تتموضع دفاعيا في منطقة محددة وإنما في مجاميع عسكرية صغيرة. وتتنقل هذه المجاميع الصغيرة من منطقة إلى أخرى حسب الإمكانية والقدرة والموقع الجغرافي -حسب الفلاحي- رغم أن جيش الاحتلال يضغط على خان يونس ويتقدم من شرقها وشمالها وجنوبها. وأعلنت سرايا القدس الجناح العسكري ل حركة الجهاد الإسلامي ، الاثنين، تدمير دبابة ميركافا وجرافة إسرائيلية من نوع " دي 9" شرقي خان يونس ، وقالت إن تدمير الميركافا جاء بالاشتراك مع كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). وكذلك، أعلن الجناح العسكري للجهاد الإسلامي إيقاع مقاتليه قوة إسرائيلية راجلة في كمين محكم داخل منزل تحصنت بداخله شرقي خان يونس يوم 28 يونيو/حزيران الماضي. وأوضحت السرايا أن المنزل تم تفخيخه بعبوات مضادة للأفراد والتحصينات، في حين هرعت قوات النجدة إلى المكان قبل الاشتباك معها بالأسلحة الرشاشة وقذائف "آر بي جي". وفي ضوء هذه التطورات، تدخل الطيران المروحي الإسرائيلي بكثافة نارية ودخانية "لإنقاذ من تبقى من جنوده على قيد الحياة"، وفق السرايا. والأحد الماضي، ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن 30 ضابطا وجنديا قُتلوا في قطاع غزة -بينهم 21 قتلوا بعبوات ناسفة- منذ استئناف إسرائيل الحرب في 18 مارس/آذار الماضي. وفي السياق ذاته، ذكرت صحيفة هآرتس أن 20 جنديا إسرائيليا قُتلوا في القطاع خلال شهر يونيو/حزيران الماضي.


الجزيرة
منذ 7 دقائق
- الجزيرة
الضربة الأميركية في إيران والرسالة تقرأ بالصين
مع تباين المواقف الدولية والإقليمية حول الضربة الأميركية التي استهدفت منشآت إيرانية، اختارت الصين زاوية مغايرة في التعاطي، تجاوزت فيها الخطاب السياسي إلى تفكيك تقني دقيق لما جرى. ففي تغطية غير مألوفة، سلطت صحيفة غلوبال تايمز -المعروفة بقربها من دوائر صنع القرار في بكين- الضوء على خصائص السلاح المستخدم، وتوقيت العملية، وسياقها الإستراتيجي الأوسع. ويكشف تتبع الخطاب أن الضربة لم تُقرأ في الصين كمجرد تحرك ضد إيران ، بل كرسالة أميركية تتجاوز حدود الإقليم، وتحمل مؤشرات على إعادة اختبار موازين الردع الدولية، وهو ما استدعى تقديرا صينيا لاحتمالات توسيع نطاق استخدام القوة الكاسرة خارج أطر الحرب التقليدية. الضربة الأميركية كاختبار ميداني نفّذت الولايات المتحدة الأميركية ضربة عسكرية استثنائية استهدفت منشآت نووية إيرانية محصنة تحت الأرض، حيث شنّ سلاح الجو الأميركي فجر 22 يونيو/حزيران 2025 غارة جوية استخدم خلالها 6 قنابل خارقة للتحصينات من طراز " جي بي يو-57" (GBU-57). وتُعد هذه القنبلة، التي تزن نحو 30 ألف رطل، واحدة من أخطر أدوات الردع في الترسانة العسكرية الأميركية، وقد استُخدمت في قصف موقع فوردو النووي الإيراني شديد التحصين. وقد نفذت الضربة في وقت كانت فيه إسرائيل تواجه تحديا في الوصول إلى أهداف مشابهة، ما اعتبر رسالة أميركية مزدوجة: دعم الحليف الإسرائيلي، واختبار فعلي في ميدان مفتوح لسلاح لطالما ارتبط بالردع النظري تجاه القوى الكبرى. صحيفة غلوبال تايمز الصينية، التقطت هذا البعد بدقة، ففي افتتاحيتها في اليوم التالي للضربة، وصفت استخدام القنبلة بأنه تصعيد خطير يغذي الفوضى في المنطقة، واعتبرت أن الضربة سابقة تهدد أساس النظام الأمني الدولي. ورأت الصحيفة أن هذه الضربة تمثل تجاوزا لمجلس الأمن و الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، ما يضع واشنطن في موقع من يستخدم القوة لتحديد مصير البرنامج النووي الإيراني من طرف واحد، بعيدا عن الأطر التعددية. ولا يمكن عزل هذا الموقف الصيني عن حقيقة أن استخدام هذه القنبلة بحد ذاته يحمل دلالات إستراتيجية ثقيلة، فوفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، لم تُنتج الولايات المتحدة حتى عام 2025 سوى نحو 20 قنبلة فقط من هذا الطراز، ما يعكس محدودية تصنيعها واستخدامها، إذ يُحتفظ بها فقط للعمليات المعقدة والسيناريوهات القصوى. ويبدو أن هذا ما دفع بكين إلى متابعة الحدث كاختبار ميداني حقيقي، ويمكن ربط ذلك بتقارير متزامنة، منها ما نشرته وكالة رويترز حول توجه قاذفات الشبح الأميركية من طراز "بي 2" (B-2) إلى قاعدة غوام في المحيط الهادي، في خطوة فسرها مراقبون على أنها رفع للجهوزية الإستراتيجية الأميركية. وفي المقابل، كشفت صحيفة بولغاريان ميلتيري العسكرية عن تقارير استخبارية تشير إلى أن البحرية الصينية أرسلت وحدات تجسس متقدمة إلى مياه الخليج العربي بالتزامن مع الضربة الأميركية، ما يعزز من فرضية أن الصين كانت تتابع بدقة سيناريو استخدام القوة الأميركية الخارقة، وربما تقيّم استعداداتها تجاه احتمالات مشابهة مستقبلا. وفي حديثه للجزيرة نت، فسر المحلل السياسي والعسكري نضال أبو زيد، تحرك القاذفات نحو "غوام" على أنه رسالة ردع موجهة أيضا إلى بكين وبيونغ يانغ، نظرا للموقع الجغرافي الحساس لقاعدة غوام القريبة من بحر جنوب الصين وشبه الجزيرة الكورية، ما يعكس استخدام واشنطن للقوة العسكرية كأداة ضغط جيوسياسي يتجاوز نطاق المواجهة الإيرانية. قلق يتجاوز حدود التضامن مع إيران لم تقف الصين عند حدود الإدانة الدبلوماسية، بل رفعت من سقف خطابها واتهمت واشنطن بتقويض النظام الدولي، وتجاوز المؤسسات الأممية، بسبب أن القصف طال منشآت مقامة بموجب ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ووصفت غلوبال تايمز الضربة بالانتهاك الخطير لمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، ورفضا للموقف المبدئي للمجتمع الدولي، بما في ذلك الصين والاتحاد الأوروبي الذي تعامل مع القضية النووية الإيرانية من خلال مفاوضات متعددة الأطراف لسنوات عديدة. ووفقا لبيان نشر على الموقع الرسمي للبعثة الدائمة للصين لدى الأمم المتحدة، قال فو كونغ، الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة، في الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن، إن التصرفات الأميركية أدت إلى "تفاقم التوترات في الشرق الأوسط، ووجهت ضربة قوية لنظام منع الانتشار النووي الدولي". وأضاف أنه "يجب على المجتمع الدولي دعم العدالة وبذل جهود ملموسة لتهدئة الوضع واستعادة السلام والاستقرار". من جهتها، أدانت وزارة الخارجية الصينية بشدة الهجمات الأميركية على إيران، وقالت إن هذا الإجراء الأميركي، لا يؤدي فقط إلى تفاقم التوترات في الشرق الأوسط، بل يُخاطر أيضا بإشعال أزمة أوسع نطاقا. ويرى رئيس تحرير مركز الدراسات العربية الأوراسية، أحمد دهشان، أن هذه التصريحات المتلاحقة تعكس محاولة صينية للتأكيد على أن النظام الدولي القائم يدار بمعايير مزدوجة، تقوده واشنطن وفق مصالحها، دون أي اكتراث للقانون الدولي أو المؤسسات الأممية، ومن هذا المنطلق ترى بكين أن الردع الحقيقي لتصرفات واشنطن لا يمكن أن يكون قانونيا فقط، بل يجب أن يكون عسكريا وإستراتيجيا كذلك. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" الصينية، عن خبراء دبلوماسيين أن الضربة الأميركية لم تكن مجرد تصعيد عابر ولكنها إشارة قوية وواضحة لاحتمال تدخل الولايات المتحدة في صراعات أخرى تمس المصالح الحيوية الصينية. وأكد التقرير أن التصعيد عمّق قناعة بكين بصعوبة التنبؤ بسلوكيات البيت الأبيض، وهو ما دفعها إلى تعزيز استعداداتها الإستراتيجية في مضيق تايوان وبحر جنوب الصين، تحسبا لسيناريوهات مشابهة خارجة عن الأطر التقليدية للنزاعات. وتتركز نقاط الخلاف بين بكين وواشنطن على المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية والتجارية، إلى جانب التوترات العسكرية في بحر جنوب الصين وتايوان، التي تعتبرهما الصين جزءا من سيادتها، بينما ترفض واشنطن ذلك، وهذا يبقي أفق النزاع مفتوحا في أي لحظة . من المراقبة للتقدير الذاتي انتقلت الصين من مرحلة المراقبة السياسية إلى مرحلة أعمق من التقييم التقني والإستراتيجي، إذ لم تكتف بالمراقبة بل عملت على تحليل تفاصيل العملية ومراجعة قدراتها العسكرية. وفي هذا الإطار، شككت صحيفة غلوبال تايمز الصينية في صحة الادعاء الأميركي حول نجاح الهجوم على المواقع النووية الإيرانية، مشيرة إلى أن منشأة فوردو النووية تقع على عمق يقارب 100 متر تحت الأرض، وهذا يجعل تدميرها بالكامل بضربة أو اثنين، حتى باستخدام القنابل الخارقة للتحصينات، أمرا بالغ الصعوبة. ونقلت الصحيفة عن خبير الشؤون العسكرية، تشانغ جون شي، تأكيده على أن الضربة الأولى للجيش الأميركي ربما لم تكن كافية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية بالكامل، مع الإشارة إلى أن الغارات الأميركية أضرت بالبنية التحتية النووية في إيران، بغض النظر عن مدى تدمير المنشآت. ومن جهة أخرى، أظهر تقرير صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" أن الصين انتقلت إلى مرحلة تقييم ذاتي معمق لقدراتها العسكرية، وخصوصا في مجال القاذفات الإستراتيجية العابرة للقارات، فالضربة التي نفذت بواسطة طائرة من طراز "بي 2" وهي القاذفة التي حملت وألقت القنابل "جي بي يو-57" الخارقة للتحصينات في مهمة طويلة المدة، أعادت للواجهة أهمية القاذفات الإستراتيجية كعنصر أساسي في الردع. وأكد محللون صينيون أن القاذفات تظل أداة لا غنى عنها حتى في ظل تطور خيارات الضربات بعيدة المدى، لما توفره من قدرة على تنفيذ ضربات نووية سريعة وذات كفاءة عالية، في حين أشار التقرير إلى استمرار بكين في تطوير قاذفات الشبح الصينية "إتش-20" (H-20) كجزء من جهودها لتعزيز قدراتها في الردع. وفي تحليل أعمق، يوضح دهشان أن الصين تركز بشكل متزايد على رصد ومتابعة التطورات العسكرية العالمية، خصوصا ما يتعلق بالحروب الأميركية، بهدف تطوير قدراتها الدفاعية والهجومية، مستفيدة من الدروس المستخلصة، سواء للاستعداد في حال وقوع مواجهة عسكرية مستقبلية أو لتعزيز موقعها كقوة تمتلك أدوات ردع فعّالة. ويقول في حديثه للجزيرة نت، إن الصين تخشى من التعرض لضغوط دولية لإجبارها على الدخول في اتفاقيات للحد من التسلح، خاصة في ظل سعيها الحالي إلى التسلح بدون قيود واضحة. ولذلك، تعمل على تحصين نفسها عسكريا وإستراتيجيا. ويضيف أن بكين تتابع بعناية التجربة الإيرانية، التي طالما وصفت بأنها نموذج فريد في بناء التحصينات، لكنها لم تُختبر عمليا من قبل، أما الآن، ومع الضربة الأميركية الأخيرة لإيران، فقد تم اختبار تلك التحصينات ميدانيا، وهو ما دفع الصين إلى دراسة هذه التجربة بجدية كحالة عملية يمكن الاستفادة منها في بناء منظومتها الدفاعية. وانطلاقا من هذه القناعة، تعتمد الصين في عقيدتها العسكرية على مبدأ "رأس برأس" مع الولايات المتحدة، حيث تسعى إلى مواكبة كل تطور عسكري أميركي بإنتاج أو تطوير قدرات مماثلة أو بدائل قادرة على تحقيق التوازن والردع. وبهذا، ترى بكين أن بناء منظومة ردع متقدمة هو السبيل الوحيد لضمان احترام مصالحها وحماية أمنها القومي في مواجهة الهيمنة الأميركية، وفق دهشان. وبهذا تعد الصين من أبرز الدول إن لم تكن الوحيدة التي تبنت قراءة مختلفة للصراع الأميركي الإيراني، قراءة لم تكتف بالتنديد أو الترقب، بل انطلقت نحو تحليل إستراتيجي معمق مدفوعة بإدراك متزايد لمراجعة قدراتها الهجومية والدفاعية، إذ رأت في الضربة الأميركية لإيران جرس إنذار يستدعي تعزيز موقعها العسكري، تحسبا لأي سيناريوهات مشابهة قد تطالها في المستقبل.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
المقاومة ترفع تكلفة "عربات جدعون" والاحتلال يمهّد للانسحاب
غزة- ارتفعت الخسائر التي تكبدها الجيش الإسرائيلي مؤخرا خلال المعارك المحتدمة مع المقاومة الفلسطينية داخل قطاع غزة ، ليسجل أكبر عدد قتلى في صفوفه منذ عدة أشهر. وقُتل 20 جنديا خلال الأسبوع الأخير فقط، حسبما كشفت عنه القناة الـ12 العبرية، مما زاد من حدة الانتقادات الموجهة للحكومة الإسرائيلية، واتهامها بمواصلة الحرب من دون وجود خطة واضحة للتعامل مع القطاع. وبعد مرور 45 يوما على انطلاق عملية " عربات جدعون"، قال جيش الاحتلال للمستوى السياسي إنه يقترب من استنفاد مرحلة العمليات في القطاع، وإن استمرار القتال يعرّض حياة الجنود الأسرى للخطر، فهل يشكل ذلك ضغطا على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، المطلوب ل لمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، لدفعه للتوصل إلى وقف إطلاق النار؟ انتقادات إسرائيلية ترى أوساط سياسية وأمنية إسرائيلية أن العمليات العسكرية في غزة استنفدت أهدافها، وذلك بعد مرور أكثر من 21 شهرا على الحرب، وهو ما دفع عضو الكنيست عن حزب الليكود عميت هاليفي للقول إن "عربات جدعون" لم تحقق شيئا من أهدافها، وإن الخطط العسكرية التي وضعها رئيس الأركان إيال زامير لا تعكس فهما لكيفية القتال ضد "حرب العصابات"، لأن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لا تزال تسيطر سيطرة كاملة على معظم الأراضي والموارد والسكان. وسألت مراسلة القناة الـ12 العبرية دانييلا فايس وزير الحرب يسرائيل كاتس: "ما الهدف من الحرب على غزة؟ متى ستقولون: إلى هنا وكفى؟ ما الذي نفعله اليوم بشكل مختلف عما قمنا به في الماضي؟". وأجاب كاتس: "إن هذه الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل، ولن تكون بلا نهاية، وسيتم الانتهاء منها إذا تحققت الظروف المواتية، ومنها استعادة الأسرى والاتفاق على اليوم التالي". من جانبه، دعا زعيم حزب معسكر الدولة بيني غانتس إلى ضرورة التوصل لاتفاق يضمن إعادة جميع المحتجزين مرة واحدة من غزة مهما كلّف ذلك، حتى لو كان وقفا طويلا لإطلاق النار. إعلان ويعتقد الكاتب في صحيفة معاريف، آفي أشكنازي، أن كل المهام العسكرية انتهت فعليا في غزة، والرغبة في الاستمرار بالقتال، وإطالة العملية أمر غير ضروري، ويعرّض الجنود للخطر. وعزز تلك الانتقادات ما بثته فصائل المقاومة الفلسطينية مؤخرا من مقاطع فيديو مصورة لوقوع جيش الاحتلال في كمائن محكمة، ومن أبرزها مقتل 7 جنود من سلاح الهندسة داخل ناقلة جند في خان يونس الأسبوع الماضي، حيث فشلت الجهود لإنقاذهم بعد اشتعال الناقلة بفعل عبوة ناسفة. تقدم بطيء ويبدو أن الجيش الإسرائيلي يتجه نحو إنهاء عملياته في قطاع غزة، بعدما أبلغ المستوى السياسي أنه يسيطر على 60% من غزة، وسيسيطر خلال أسبوعين إلى 3 أسابيع على 80%، لكنه حذر من أن ما بعد ذلك سيشكل خطرا على سلامة الأسرى، وطلب من المجلس الوزاري المصغر "الكابينت" اتخاذ قرار بمستقبل الحرب على غزة. في هذا الإطار، قال الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة إنه أمام التقدم البطيء والحذِر لجيش الاحتلال، تبدو عربات "نمر" و"إيتان" و"بوما"، التي شكلت عماد عمليات "عربات جدعون" في غزة، وكأنها تتحول إلى فريسة متنقلة في مرمى المقاومة، لا سيما بعد تكثيف عمليات الاستهداف بالقذائف الموجهة والعبوات شديدة الانفجار في مناطق الزنة والسطر الغربي بخان يونس، وشرق مدينة غزة، وجباليا في شمالي القطاع. وأكد عفيفة -للجزيرة نت- أن المقاومة الفلسطينية سجلت تقدما ملحوظا في تكتيك "اصطياد العربات" وإيقاع الجنود في كمائن نارية، وهو ما دفع الاحتلال إلى استدعاء سلاح الجو لتغطية انسحابات مدرعاته من بعض المحاور. وأجبرت الأثمان البشرية والمادية المتزايدة -وفقا له- قادة الجيش للحديث على استحياء عن اقتراب نهاية العمليات البرية في القطاع، في محاولة لتهيئة الرأي العام الإسرائيلي لتراجع ميداني لا يمكن تبريره عسكريا. وحسب عفيفة، فإن حديث جيش الاحتلال عن قرب انتهاء المهمة في القطاع يبدو أقرب إلى خشية من غرق عربات جدعون في وحل غزة، أو إنه تمهيد للانسحاب تحت غطاء تحقيق أهداف تكتيكية، خصوصا مع تصاعد الأصوات داخل المؤسسة الأمنية بضرورة إنهاء الحرب. ولا يستبعد الكاتب والمحلل السياسي أن يشكّل هذا المسار العسكري ضغطا إضافيا يُسرّع في الوصول إلى وقف إطلاق نار، حتى لو جزئيا، خصوصا مع تحرك الوسطاء وتجدد الحراك الأميركي خلال الأسابيع الأخيرة. يُذكر أن الجيش الإسرائيلي أعلن، يوم 16 مايو/أيار الماضي، توسيع عمليته العسكرية في غزة، وبدء شن ضربات واسعة ضمن ما سماها "حملة عربات جدعون". وقال حينها إن عمليته تمر بـ3 مراحل: الأولى: توسيع الحرب. الثانية: عملية جوية وبرية بهدف نقل معظم السكان إلى رفح جنوبي قطاع غزة. الثالثة: دخول قوات عسكرية برا لاحتلال أجزاء واسعة من غزة بشكل تدريجي، والإعداد لوجود عسكري طويل الأمد في القطاع بهدف القضاء على حركة حماس، والعمل على هدم أنفاقها بشكل كامل. يقرأ الباحث في الشأن العسكري والأمني رامي أبو زبيدة حديث الجيش الإسرائيلي عن أن مهمته في غزة أوشكت على الانتهاء، بأنه يفتح المجال أمام الوصول إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار. واستدرك -في حديثه للجزيرة نت- قائلا: "لكن الجيش لا يمارس ضغطا حقيقيا على رئيس الحكومة لوقف الحرب، ويحيل رؤيته للمستوى السياسي لاتخاذ القرار النهائي، خاصة أن نتنياهو لديه القدرة على تطويع المؤسسة العسكرية لصالح توجهاته السياسية". ويلمس الباحث في الشأن العسكري قناعة متزايدة لدى الجيش الإسرائيلي وقيادته الميدانية بعدم وجود حل عسكري شامل في قطاع غزة، لا سيما أنه استنفد الأهداف العملياتية الأساسية، ويتعرض لضربات قاسية، وحملة استنزاف في صفوفه. ويشير إلى أن الجيش يرفض التورط باحتلال شامل للقطاع ويعتبر ذلك كابوسا مكلفا وخطيرا، وهو ما تؤكده المعلومات الميدانية. يُشار إلى أن جيش الاحتلال اعترف رسميا بمقتل 880 في صفوفه منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، من بينهم 438 جنديا منذ بدء عملياته البرية، و30 جنديا منذ استئناف الحرب على قطاع غزة في 19 مارس/آذار الماضي.