logo
هذا هو حلم إسرائيل الأكبر في سوريا

هذا هو حلم إسرائيل الأكبر في سوريا

الجزيرةمنذ 5 أيام
دعا حكمت الهجري، أحد المرجعيات الدرزية الروحية في محافظة السويداء السورية، إلى فتح معبر دولي بين السويداء والأردن جنوبًا، وفتح الطرقات التي توصل السويداء بمنطقة شرق الفرات شمالًا، وهي المنطقة التي تسيطر عليها قوات حماية الشعب الكردية "قسد".
هذه الدعوة من الرجل المعروف بتعاونه مع الاحتلال الإسرائيلي، جاءت مباشرة عقب مغادرة الجيش السوري والأجهزة الأمنية محافظة السويداء نتيجة قصف الطيران الإسرائيلي المكثف لها.
وكانت تعبيرًا عن شعور بالانتصار على الدولة السورية بدعم إسرائيلي مباشر، وبأن الوقت حان لتمهيد الطريق لخروج السويداء عن حكم السلطة في دمشق، ما دام الحديث بات عن معبر سيادي خاص بالمحافظة مع الأردن.
الطائفية وإسرائيل
الهجري لا يمثل بالضرورة الأغلبية الدرزية في سوريا، في ظل وجود مرجعيات روحية أخرى أمثال الحنّاوي وجربوع، رافضة للتدخل الإسرائيلي، بالإضافة إلى الشيخ ليث البلعوس، القيادي في تجمع رجال الكرامة، الذي يقف ضد الهجري ويتمسك بوحدة الدولة السورية.
خروج الهجري عن الصف الدرزي والوطني، منذ سقوط نظام الأسد، تقاطع مع سياسات إسرائيل التي عملت على تدمير مقدرات الجيش السوري عبر مئات الغارات الجوية، بالإضافة إلى احتلالها مرتفعات جبل الشيخ، وأراضيَ سورية تقع خلف خط هدنة العام 1974، بعمق يصل إلى نحو 3 كيلومترات.
وما كان له أن يقف ضد الحكم الجديد في دمشق، لولا دعم إسرائيل له بالمال والسلاح، وبتدخلها مباشرة عبر سلاح الطيران لصالحه، ما يعني أن إسرائيل هي المحرك، وهي من يرسم حدوده وسقفه.
إسرائيل، المتهمة بالإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، ورئيس وزرائها مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، والتي تقتل يوميًا 28 طفلًا فلسطينيًا منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحتى الآن، حسب إحصاءات الأمم المتحدة، ليست أخلاقية أو إنسانية، وليست أهلًا لدعم حقوق شريحة من طائفة في بلد آخر.
وواقع الحال يشير إلى أن إسرائيل تستخدم الهجري لتحقيق أهدافها السياسية الاستعمارية في سوريا، ومنها إقامة ما يسمى بـ"ممر داود" في عمق الأراضي السورية، والذي يمر حُكمًا بمحافظة السويداء التي يقطنها الرجل وأتباعه.
ما هو "ممر داود"؟
حسب التنظير الصهيوني التوراتي، فإن إسرائيل تتطلع لإقامة محور أو ممر جيوسياسي ينطلق من شمال فلسطين عبر الجولان ومحافظتي درعا والسويداء، ومن ثم التمدد في الأراضي السورية الشرقية نحو الشمال، عبر منطقة التنف (نقطة التقاء الحدود السورية مع الأردن والعراق) وصولًا إلى شرق الفرات على الحدود التركية العراقية، والدخول بلسان جغرافي من محافظة الأنبار العراقية إلى كردستان العراق.
هذا المخطط يرتبط بفكرة إسرائيل الكبرى ودولة بني إسرائيل في عهد النبي داود، وهي دولة مزعومة، ليس لها ما يدل عليها في علم الآثار في بلاد الشام أو العراق، ما يشير إلى أهداف إسرائيل الاستعمارية الرامية إلى التمدد والسيطرة عبر التحكم بالجغرافيا.
إسرائيل تحتل الآن أجزاء واسعة من محافظة القنيطرة السورية المحاذية لفلسطين، وهي تعمل بالتعاون مع حكمت الهجري لإنشاء كيان موالٍ لها في محافظة السويداء، في وقت تدعم فيه قوات "قسد" الكردية المسيطرة واقعيًا على شرق الفرات.
إذا استطاعت إسرائيل، تحت إشرافها وسيطرتها، الوصل جغرافيًا بين محافظة القنيطرة التي تحتل أجزاء منها جنوب غرب سوريا، وبين السويداء جنوب شرق سوريا، ومن ثم فتحت طريقًا بين السويداء جنوبًا وشرق الفرات شمالًا- وهو ما طالب به حكمت الهجري كما أُشير له في بداية المقال- فإن ذلك سيُعد نجاحًا إستراتيجيًا لإسرائيل، سيكون له الكثير من التداعيات الجيوسياسية.
التمدد الجغرافي داخل الأراضي السورية، وصولًا إلى شرق الفرات، سيكون توطئة للوصول إلى كردستان العراق عبر محافظة الأنبار العراقية، فيكتمل هنا ما يسمى "ممر داود".
إنجاز هذا المشروع الاستعماري يعتمد على مستوى نجاح إسرائيل في توظيف الأقليات الطائفية (الدروز) والعرقية (الأكراد)؛ وهذا ما تعمل عليه إسرائيل وقوى الاستعمار بإثارتها الأبعاد الطائفية والعرقية، بعيدًا عن الحس الوطني أو الانتماء لفكرة الأمة، لإبقاء دول المنطقة ممزقة، مستنزفة، وغير قادرة على حماية نفسها.
التهديد الوجودي
لطالما كان للجغرافيا تأثير كبير على سلوكيات البشر والكيانات السياسية، فالدول المطلة على البحار، سلوكها ونظريات أمنها القومي تختلف عن الدول الداخلية، كما الدول ذات المساحة الصغيرة والدول التي تحظى بمساحات كبيرة ارتباطًا بالتعداد السكاني.
إسرائيل، منذ إنشائها وحتى الآن، تعيش عقدة الديمغرافيا قليلة العدد، وانحسار الجغرافيا لمحدودية مساحة فلسطين المحتلة، ما يجعلها على الدوام تتحدث عن مواجهتها تهديدات وجودية، وذلك لعدة أسباب، منها:
1- الشعور العميق لدى الإسرائيليين بالاغتراب، وعدم الأصالة، وانعدام اليقين؛ فإسرائيل نبتٌ من خارج نسيج المنطقة العربية، واتصالها بالغرب وسياساته الاستعمارية يجعلها دائمة القلق.
وهذا يفسر سبب حرصها الدائم طوال 77 سنة من الاحتلال على اعتراف الشعب الفلسطيني بشرعية وجودها كدولة يهودية.
2- محدودية مساحتها وفقدانها العمق الجغرافي؛ فرغم قوتها العسكرية المدعومة من واشنطن وعموم المنظومة الغربية، فإنها تعيش خشية متعاظمة مع مرور الزمن، لا سيما في السنوات الأخيرة، مع التقدم الكبير في منظومات الصواريخ والمسيرات الهجومية التي أصبحت متاحة لأغلب الدول، كما هو الحال مع إيران التي قصفت بعنف مواقع إسرائيلية حساسة بصواريخها الفَرط صوتية ردًا على العدوان الإسرائيلي عليها في الشهر الماضي.
3- توسع ظاهرة المقاومة المناهضة للاحتلال الإسرائيلي من داخل فلسطين وعبر الحدود، كما تقوم بذلك حركة حماس والمقاومة الفلسطينية وحزب الله اللبناني، إضافة إلى خشية إسرائيل من تداعيات ارتفاع منسوب العداء لها من قبل الشعوب العربية؛ بسبب سياساتها وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني، والتي دفعت الشعب اليمني لنصرة غزة في مواجهة الإبادة الجماعية.
في ظل هذه البيئة السياسية الرافضة للاحتلال، تعيد إسرائيل النظر في محددات أمنها القومي، بإدخال عنصر التوسع الجغرافي في المنطقة لمواجهة تحدياتها الأمنية الوجودية، مستعينةً بأساطير توراتية لتضفي القداسة والشرعية اللاهوتية على احتلالها أراضي الدول العربية المجاورة لفلسطين المحتلة.
الجغرافيا والأمن القومي
مشروع "ممر داود" يشكل رأس جسرٍ بري لاختراق بلاد الشام حتى شمال العراق، توطئة لاختبار إمكانية تمدد الاحتلال في أراضي الدول العربية، تحقيقًا لفكرة إسرائيل الكبرى.
الأهداف المنشودة لمشروع "ممر داود"، تتمثل في عدة أمور منها:
توسيع مساحة إسرائيل بالسيطرة على أراضٍ عربية كجزء من إسرائيل الكبرى إن استطاعت إلى ذلك سبيلًا، وإن لم تتوفر الظروف والبيئة المناسبة لذلك، فيمكن تحويل الممر إلى منطقة هيمنة لإسرائيل بالتعاون مع "الدروز" جنوبًا و"الأكراد" شمالًا، وبغطاء أميركي، حيث تتواجد القوات الأميركية شرق الفرات.
خلق بيئة لتقسيم سوريا على أساس طائفي وعرقي؛ كيان درزي جنوب سوريا في السويداء، وكردي شرق الفرات، وعَلوي على الساحل، وسني عربي في الوسط، ما يؤدي إلى إضعاف سوريا وإنهاكها على المدى الطويل.
الفصل بين سوريا والعراق، وإضعاف فرص التنسيق بينهما كدولتين عربيتين مهمتين مناهضتين للاحتلال الإسرائيلي.
إضعاف النفوذ الإيراني بقطع خط التواصل بين طهران وبيروت، عبر السيطرة على الحدود الشرقية لسوريا مع العراق، ما يعني إضعاف حزب الله كقوة مقاومة ضد إسرائيل.
الاقتراب من حدود تركيا الجنوبية وتهديد أمنها الإقليمي كدولة منافسة ومزاحمة لإسرائيل في الشرق الأوسط، وتقليص نفوذها داخل سوريا بعد نجاح الثورة السورية.
التدخل في الشؤون العراقية الداخلية عبر المكونات الطائفية والعرقية.
الاستفادة من مصادر الطاقة والأراضي الزراعية شرق الفرات.
ختامًا
اشتباكات محافظة السويداء بين مليشيات درزية تابعة لـ (حكمت الهجري) وبين العشائر العربية في منتصف يوليو/ تموز الجاري، ربما كانت فعلًا مقصودًا بتحريض إسرائيلي، لدفع الجيش السوري والأجهزة الأمنية للتدخل، ما يؤدي إلى تكرار تدخل إسرائيل في المشهد السوري بذريعة الدفاع عن الدروز، لتثبيت واقع نزع سلاح الدولة السورية في المحافظات الجنوبية، ولتدمير ما يمكن تدميره لإعاقة البناء والنهوض في سوريا، بعد نجاح الإدارة السورية الجديدة في اختراق الحصار المضروب عليها.
هذا الاشتباك بين الدروز من أتباع (حكمت الهجري) والعشائر العربية، أعطى مؤشرًا مهمًا على دور إسرائيل التخريبي في سوريا، ولعبها على وتر الطوائف والأقليات، لإنهاك سوريا، وتعظيم التدخل والنفوذ الإسرائيلي فيها.
إسرائيل متحفزة لاستمرار ضغطها على دمشق لدفعها للقبول بشروطها، وفي مقدمتها الاعتراف بإسرائيل، والتطبيع معها، والتنازل عن هضبة الجولان وأراضٍ سورية أخرى في الجنوب السوري.
إن حصل اعتراف دمشق بوجود إسرائيل على أرض فلسطين المحتلة، وهو أمر مستبعد، فلن يحول دون أطماع إسرائيل في سوريا والأراضي العربية، لقناعة إسرائيل بأن العرب لا يأتون إليها إلا مذعنين ضعفاء تحت سيف القوة، ما يزيد شراهتها الاستعمارية وتطلعها لكسب المزيد.
في هذا السياق، فإن فكرة مشروع "ممر داود" تُعد تحديًا إستراتيجيًا لسوريا والعراق ولبنان وإيران وتركيا، ما يستدعي النظر إليه باهتمام، والنظر في كيفية مواجهته، ومواجهة عبث إسرائيل في أمن المنطقة التي تعيش حالة من انعدام اليقين، بسبب رعونة إسرائيل التي ترى نفسها فوق القانون وخارج نطاق المحاسبة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مظاهرات أوروبية رفضا لعدوان الاحتلال على القطاع وسياسة التجويع
مظاهرات أوروبية رفضا لعدوان الاحتلال على القطاع وسياسة التجويع

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

مظاهرات أوروبية رفضا لعدوان الاحتلال على القطاع وسياسة التجويع

شهدت عدة مدن أوروبية مظاهرات حاشدة رافضة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ومنددة بسياسة التجويع التي ينتهجها الاحتلال في القطاع. ففي أسكتلندا، خرجت مظاهرة في مدن عدة بينها العاصمة إدنبره احتجاجا على زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومطالبة بوقف العدوان على غزة. ورفع المتظاهرون لافتات تطالب بإنهاء حرب إسرائيل على غزة وأخرى تعبر عدم ترحيبهم بترامب. في العاصمة الفنلندية هلسنكي جابت مسيرة دراجات ترفع الأعلام الفلسطينية شوارع العاصمة، دعما للشعب الفلسطيني وتنديدا بعدوان الاحتلال وسياسة التجويع ضد قطاع غزة. وفي النمسا، عرقل ناشطون حفل الافتتاح الرسمي لمهرجان سالزبورج 2025 اليوم السبت، تضامنا مع غزة ورفضا للعدوان عليها ولسياسة التجويع. وأطلق العديد من الناشطين شعارات مثل "أيديكم ملطخة بالدماء" ورفعوا لافتات كتب عليها "أوقفوا الإبادة الجماعية". وفي كوبنهاغن، نظم ناشطون مسيرة جابت شوارع العاصمة الدانماركية للمطالبة بتحرك فوري لإنهاء الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. كما طالب المتظاهرون بالتحرك الفوري من أجل إدخال مساعدات إنسانية إلى غزة. كما شهدت مدينة هلسنبوري السويدية مظاهرة حاشدة دعما لقطاع غزة وتنديدا بسياسة التجويع والعدوان الإسرائيلي.

وزير إسرائيلي سابق: عزلتنا تتوسع من شواطئ اليونان إلى الشباب الأميركي
وزير إسرائيلي سابق: عزلتنا تتوسع من شواطئ اليونان إلى الشباب الأميركي

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

وزير إسرائيلي سابق: عزلتنا تتوسع من شواطئ اليونان إلى الشباب الأميركي

بينما تتهاوى مكانة إسرائيل الدولية بشكل غير مسبوق، وتجد نفسها مرفوضة ومنبوذة في العديد من الساحات السياسية والشعبية، لا تزال الحكومة اليمينية تواصل تجاهل العالم، بل وترسم أحلاما استعمارية حول مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، كما لو أن شيئا لم يتغير. هذا هو الواقع الذي يحاول وزير شؤون الشتات الإسرائيلي السابق والمتحدث العسكري الأسبق نحمان شاي، تسليط الضوء عليه في مقاله المنشور بصحيفة معاريف، محذرًا من أن إسرائيل تتجه نحو "منبوذية عالمية"، بسبب المجاعة والمعاناة التي تفرضها على قطاع غزة. عزلة عالمية في مقدمة مقاله المنشور يستعرض شاي، الذي يتقلد أيضا منصب عميد كلية الاتحاد العبري في معهد الدراسات اليهودية في القدس، حادثة مثيرة وقعت مؤخرا لركاب سفينة الرحلات البحرية الإسرائيلية " كراون آيرس" (Crown Iris)، التي رست قبالة السواحل اليونانية قبل بضعة أيام، حيث منعت السلطات ركابها من النزول إلى الشاطئ بسبب مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين أغلق خلالها المتظاهرون الميناء. ويصف شاي هذا المشهد بأنه "لحظة مضحكة ومؤلمة"، تذكّر بسفن اللاجئين اليهود التي طردتها سلطات الاستعمار البريطاني قبل أكثر من 80 عاما. ويضيف بمرارة: "نحن اليوم لا نُرغب، لا نريد إسرائيليين". وتجاهل الكاتب أن الانتداب البريطاني على فلسطين هو الذي فتح باب الهجرة اليهودية إلى فلسطين بموجب وعد بلفور (1917). لكن حادثة هذه السفينة، برأيه، ليست سوى واحدة من سلسلة أحداث تعكس تحولًا عالميًّا في النظرة لإسرائيل، بالتوازي مع تصاعد الصور المروعة من قطاع غزة، حيث يُظهر الإعلام الدولي -وأخيرًا الإعلام الإسرائيلي- مئات الآلاف من الفلسطينيين وهم يتدافعون للحصول على لقمة العيش من مراكز الإغاثة، معتبرا أنه لم يعد بالإمكان إنكار أن ما يجري هو "كارثة إنسانية واسعة النطاق"، وأن العالم بدأ بالفعل في التحرك أو التهديد بالتحرك ضد إسرائيل. "الصهيونية الدينية" في المقابل، يسخر الكاتب من اجتماع انعقد في الكنيست لأعضاء حزب "الصهيونية الدينية"، تحدثوا فيه بحماسة عن "غزة الجديدة"، حيث يحلمون بإقامة مدينة سياحية على طراز "الريفييرا"، مزوّدة بمراسي يخوت ومراكز أكاديمية، وكأن قطاع غزة منطقة خالية من السكان الفلسطينيين. ويشير شاي إلى أن وزيرة الاستخبارات وعضوة الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود غيلا غمليئيل قدمت خطة متضمنة فيلما من إنتاج الذكاء الاصطناعي يروّج لغزة المستقبل كجنة على الأرض، بشرط أن تكون دون فلسطينيين! ويعلق على ذلك بالقول "هذه ليست رؤية، بل كارثة"، يقول شاي، إن الإسرائيليين على متن السفينة في اليونان بدؤوا يفهمون للمرة الأولى ما معنى أن تكون محاصَرًا ومرفوضًا، بينما يستمر السياسيون المتدينون القوميون في نسج خيالاتهم الاستعمارية. صفعة دبلوماسية في اليوم نفسه، وصلت صفعة دبلوماسية قوية من المجتمع الدولي، إذ وجّهت 25 دولة -من بينها فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا وسويسرا- رسالة مباشرة إلى الحكومة الإسرائيلية، تطالب بوقف القتال وترفض صراحة فكرة "المدينة الإنسانية" في رفح، التي روجت لها الحكومة الإسرائيلية. كما حمّلت تلك الدول تل أبيب المسؤولية عن معاناة المدنيين في غزة، رغم تأكيدها على ضرورة إطلاق سراح الأسرى. ويشير الكاتب إلى أن وزارة الخارجية الإسرائيلية سارعت إلى رفض هذه المواقف، رغم أنها صادرة عن "أفضل أصدقائنا"، ويقول إن "هذه هي الدول التي لطالما أردنا أن ننتمي إليها، لكنها الآن تدير ظهرها لنا". علامات فتور ويرى الكاتب أن إسرائيل تتذرع بمعاداة السامية لتبرير الانتقادات، لكنه يرد بوضوح: "هذا تراجع حقيقي في مكانتنا الدولية، لا علاقة له بكراهية اليهود، بل بواقع سياستنا على الأرض". ويحذر من أن هذا التدهور في السمعة الدولية يترافق مع أزمة أعمق بكثير، وهي فقدان التأييد الأميركي، الحليف الأهم لإسرائيل تاريخيا. ويشير شاي إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه، المعروف بعلاقته الخاصة مع إسرائيل، بدأ يُظهر علامات فتور. ويقول إن البيت الأبيض وصف نتنياهو مؤخرًا بـ"المجنون"، واعتبر أنه يعطل السياسات الأميركية في سوريا، بل ونُسب إليه أيضا مسؤولية قصف كنيسة كاثوليكية في غزة، رغم زعم الجيش الإسرائيلي أن القصف "كان عن طريق الخطأ". ويلفت الكاتب إلى أن ترامب "فهم التلميح"، وبدأ يعيد تموضعه بناءً على المزاج الشعبي الأميركي. ويستند شاي أيضا إلى استطلاع جديد نشرته شبكة "سي إن إن" (CNN)، يُظهر أن 23% فقط من الأميركيين يعتبرون أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة مبررة، بانخفاض 27 نقطة مئوية عن استطلاع مماثل أجري بعد هجوم 7 أكتوبر". ويضيف أن التراجع طال المعسكرين السياسيين، لكنه كان أشد حدة في صفوف الديمقراطيين، حيث تراجعت نسبة الدعم من 38% إلى 7% فقط. أما الجمهوريون، الذين ظنّت الحكومة الإسرائيلية أنهم "في جيبها"، فتراجع الدعم بينهم من 68% إلى 52%. الأخطر من كل ذلك، حسب شاي، هو تراجع الدعم بين الأجيال الشابة: "واحد فقط من كل 10 أميركيين تحت سن 35 يبررون الحرب، كما أن معظمهم يعارضون استمرار دعم الولايات المتحدة لإسرائيل". هذه المعطيات، برأي شاي، كفيلة بأن تثير الذعر في أي نظام سياسي مسؤول، لأنها تنذر بمستقبل لا تستطيع فيه إسرائيل أن تخوض الحروب، أو أن تبقى اقتصاديا، أو أن تتجنب العقوبات الدولية. ويختتم الوزير السابق مقاله بالقول: "دون شرعية دولية، لا تستطيع إسرائيل شنّ الحروب. ودون علاقات تجارية مع أوروبا وأميركا، لن تبقى واقفة. ومن دون إعادة التفكير بسياساتنا، سنُدفع إلى الزاوية أكثر فأكثر".

عضو بأسطول الحرية: إسرائيل تهدد بوقف "حنظلة" وحكوماتنا متواطئة
عضو بأسطول الحرية: إسرائيل تهدد بوقف "حنظلة" وحكوماتنا متواطئة

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

عضو بأسطول الحرية: إسرائيل تهدد بوقف "حنظلة" وحكوماتنا متواطئة

وسط أجواء من الترقب والتحدي، تواصل سفينة "حنظلة" إبحارها باتجاه قطاع غزة ، حاملة على متنها 21 ناشطا دوليا من جنسيات متعددة، من بينهم ممثلون عن برلمانات أوروبية وشخصيات فنية وإعلامية، في محاولة جديدة لكسر الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 17 عاما. ومن على بعد نحو 105 أميال بحرية عن شواطئ غزة، أكدت عضو اللجنة التوجيهية لأسطول الحرية ، الناشطة هويدا عراف، في مداخلة مع قناة الجزيرة، أن السلطات الإسرائيلية بعثت برسائل غير مباشرة عبر حكومات أجنبية بأنها ستعترض السفينة وتمنعها من الوصول إلى القطاع. واعتبرت عراف أن أي اعتراض لسفينة "حنظلة" في المياه الدولية يعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي وعملا عدائيا يستهدف متضامنين مدنيين لا يحملون سوى مساعدات رمزية وألعاب أطفال، مؤكدة أن الحكومات التي تسمح بذلك تتحمل مسؤولية التواطؤ في جريمة ضد الإنسانية. وأضافت أن الناشطين على متن السفينة أبحروا بطريقة قانونية من ميناء غاليبولي الإيطالي، وأنهم لا يسعون سوى للوصول إلى غزة لإيصال مساعدات رمزية ولتأكيد حق الفلسطينيين في الحياة والكرامة، مطالبة الحكومات الغربية بموقف واضح يحمي هذا الحق. وحذّرت من أن استمرار صمت الحكومات يشكل غطاء سياسيا للاعتداءات الإسرائيلية، قائلة إن "من لا يرفض اعتراضنا لا يدافع عنا، ومن لا يدافع عنا فهو شريك في الجريمة". وأكدت أن الدول التي يفترض بها أن تحمي القانون الدولي تتقاعس عن ذلك بشكل مخز. ردود مخجلة وتابعت أن الردود الرسمية التي تلقاها طاقم السفينة من بعض الدول الغربية كانت "مخجلة ومخادعة"، إذ اقتصر مضمونها على تطمينات لفظية لا تتجاوز وعودا فضفاضة بأن الطاقم سيكون بخير، من دون اتخاذ أي خطوات حقيقية لحمايتهم من التهديد الإسرائيلي. وقالت عراف إن ما يخشاه الناشطون ليس الاعتداء بحد ذاته، بل "عالم يراقب بصمت بينما تتكرر الجرائم بحق المدنيين"، مشيرة إلى أن هذا السكوت يشجع الاحتلال على المضي في انتهاكاته من دون رادع، ويضع الجميع أمام اختبار أخلاقي لا يقبل الحياد. وأوضحت أن رسالة المشاركين في الرحلة هي أنهم لن يقبلوا أن تحدد إسرائيل من يصل إلى غزة ومن لا يصل، ولن يسمحوا بأن يصبح القانون الدولي أداة انتقائية تُطبق حينا وتُهمل حينا آخر حسب مصالح القوى الكبرى. وفي ردها على سؤال عن محدودية عدد السفن التي حاولت كسر الحصار رغم تعاظم الدعم الشعبي العالمي للقضية الفلسطينية، أكدت أن هذه المحاولات تواجه تحديات لوجستية وسياسية، لكنها لم تتوقف منذ انطلاق أسطول الحرية قبل سنوات. تجربة ملهمة ولفتت إلى أن "حنظلة" تمثل المحاولة 37 من قِبل أسطول الحرية للوصول إلى غزة، مشيرة إلى أن تجرية السفينة "مادلين" ألهمت المزيد من الأفراد والمجموعات في أنحاء العالم لتنظيم مبادرات مشابهة. وأضافت أن الناشطين بدؤوا بالفعل التحضير لإطلاق سفن أخرى، في رسالة واضحة لإسرائيل مفادها أن محاولات الحصار والترويع لن تمنع التضامن الدولي، بل ستزيد من زخمه وتوسّع نطاقه في أنحاء العالم. وأكدت عراف أن التحرك البحري نحو غزة لا يهدف فقط إلى إيصال مساعدات رمزية، بل هو فعل رمزي وميداني في وقت واحد، يعكس رفضا عالميا للإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون، وللسياسات التي تدعمها أو تسكت عنها دول كبرى. وأعربت عن أملها في أن تتمكن "حنظلة" من الوصول إلى غزة، رغم المخاطر، مؤكدة أن رمزية كسر الحصار وحدها كفيلة بإحداث تأثير معنوي كبير لدى أهالي القطاع الذين يتعرضون لحرب شرسة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. وشددت على أن هذه المبادرة جزء من سلسلة جهود مستمرة منذ 17 عاما، لم تكن يوما مبادرات فردية أو موسمية، بل خطوات متواصلة تهدف لإعادة تسليط الضوء على واقع محاصر تُغلق في وجهه كل الأبواب، في حين يتفرج العالم بصمت.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store