logo
في أية ظروف تعمل المنظمات المدافعة عن المهاجرين في تونس؟

في أية ظروف تعمل المنظمات المدافعة عن المهاجرين في تونس؟

الجزيرةمنذ 14 ساعات
تونس- تشهد تونس جدلا متزايدا بسبب استمرار ملاحقة عدد كبير من نشطاء المجتمع المدني، لا سيما العاملين في مجال الهجرة واللاجئين، حيث توجّه لهم السلطة تهما خطِرة منها تسهيل دخول "أشخاص أجانب" بطريقة غير نظامية والسعي إلى توطينهم في البلاد.
وتأتي هذه القضية في ظل وضع عام يعاني فيه البلد من تضييق متزايد على الحريات السياسية والمدنية، وتراجع كبير في هامش العمل الحقوقي، وفق ما يؤكد مراقبون ومحللون سياسيون.
ومن المعتقلين، ناشطات وناشطون بارزون مثل رئيسة جمعية "تونس أرض اللجوء" شريفة الرياحي، المحتجزة منذ أكثر من سنة، وتواجه تهما بـ"مساعدة مهاجرين في وضعية غير قانونية" و"غسْل أموال"، رغم أن التحقيق المالي لم يثبت وجود أي شبهات في هذا الجانب.
قمع وتضييق
كما تحتجز أيضا سعدية مصباح الناشطة الحقوقية ورئيسة جمعية "منامتي" المناهضة للعنصرية، والتي اعتُقلت قبل سنة ضمن حملة شاملة طالت منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال الهجرة.
ويشمل ملف الموقوفين أيضا مصطفى الجمالي المدير الإقليمي السابق للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الذي يواجه تهما بالإرشاد والتوسط لدخول وإيواء مهاجرين.
إضافة إلى عبد الرزاق كريمي، الناشط في المجلس التونسي للاجئين، وذلك على خلفية إعلان المجلس طلب عروض لتأمين إقامة إنسانية لطالبي اللجوء واللاجئين.
وترى منظمات المجتمع المدني في هذه الاعتقالات تجريما مباشرا للعمل الإنساني والتضامني، متهمة السلطة بتسخير القضاء ضمن سياسة ممنهجة لقمع الأصوات الحرة، ومحاولة إسكات أشكال التضامن مع المهاجرين وطالبي اللجوء.
كما تؤكد أن النظام السياسي الحالي في عهد الرئيس قيس سعيد يستخدم هذه الاتهامات لتبرير حملات القمع والتضييق عبر خطاب يشدد على وجود "تغيير في التركيبة الديمغرافية" و"مؤامرة تهدد أمن الدولة".
ووفقا لها، فإن استمرار اعتقال هؤلاء النشطاء يشكل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، بحرمانهم من حريتهم تعسفا بناءً على نشاطهم المدني والإنساني، داعية إلى الإفراج الفوري على جميع المعتقلين ووقف الملاحقات السياسية والقضائية.
استهداف ممنهج
في هذا السياق، يقول رمضان بن عمر، الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي) إن هناك إرادة سياسية لدى السلطة لاستهداف نشطاء المجتمع المدني الموقوفين وتحويلهم إلى أكباش فداء، سعيا لدعم الرواية الرسمية التي تتحدث عن مؤامرة ضد الدولة وتأليب الرأي العام ضدهم.
ويضيف للجزيرة نت، أن القضاء قام بتشديد التهم الموجهة لهؤلاء النشطاء الموقوفين حيث قامت النيابة العمومية برفض التهم البسيطة ضدهم وحولتها إلى جنائية خطِرة عقوبتها قاسية.
كما أشار إلى وجود "تمطيط" في المسار القضائي للنشطاء المعتقلين، حيث تستمر فترة الاحتجاز في بعض الحالات أكثر من سنة دون اتخاذ قرارات واضحة، مع رفض دائم لطلبات الإفراج المقدمة من الدفاع.
وحسب بن عمر، هناك حالات إنسانية حرجة بين المعتقلين، مثل شريفة الرياحي التي كانت قد وُجهت إليها تهم ثقيلة قبل إسقاطها، لكنها ما تزال محرومة من لقاء أطفالها مباشرة. وأضاف أن هناك موقوفين يعيشون أوضاعا صحية صعبة على غرار مصطفى الجمالي وعياض بوسالمي وسعدية مصباح.
ويربط هذا التصعيد القضائي بخطاب رسمي "عنصري" أطلقه الرئيس قيس سعيد في فبراير/شباط 2023 ضد المهاجرين الأفارقة، والذي أشار فيه إلى "وجود مؤامرة تهدف إلى تغيير التركيبة الديمغرافية بتوطين المهاجرين الأفارقة في تونس".
وتعكس الملاحقة القضائية لنشطاء المجتمع المدني -وفق بن عمر- موقفا رافضا من أعلى هرم السلطة تجاه المنظمات المستقلة التي لا تتماهى في رؤية الرئيس السياسية.
بدوره، اعتبر هشام العجبوني، القيادي في حزب التيار الديمقراطي، أن القضايا المرفوعة ضد نشطاء المجتمع المدني مفتعلة وتهدف إلى إلصاق تهم باطلة بالمعتقلين، تستند إلى سردية مزعومة عن مؤامرة تغيير التركيبة الديمغرافية.
وقال للجزيرة نت، إن هذه الاتهامات مبنية على مغالطات، حيث أثبت المعهد الوطني للإحصاء أن عدد المهاجرين الأجانب في تونس قليل جدا، ما يدحض السردية الرسمية التي تستخدمها السلطة لتبرير القمع.
وحسب العجبوني، أصبح القضاء على أي صوت معارض أو مستقل سياسة رسمية للنظام، الذي يفرض على منظمات المجتمع المدني إما الانخراط في رؤيته السياسية أو مواجهة اتهامات التخوين والتجريم، وهو ما ينطبق على كل الجمعيات التي لا تتوافق مع هذا الإطار.
وأكد أن مسلسل التهم والمحاكمات التي تشهدها تونس سواء ضد المعارضين أم نشطاء المجتمع المدني خلق حالة من الرعب والترهيب في أوساط المجتمع المدني والسياسي، حيث لم يُستثن أحد من هذه الملاحقات، في ظل بيئة حقوقية وسياسية تتسم بتراجع حاد في حرية التعبير والعمل المدني.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تفاصيل انطلاق أوسع حملة إيرانية لترحيل الأفغان غير النظاميين
تفاصيل انطلاق أوسع حملة إيرانية لترحيل الأفغان غير النظاميين

الجزيرة

timeمنذ 9 ساعات

  • الجزيرة

تفاصيل انطلاق أوسع حملة إيرانية لترحيل الأفغان غير النظاميين

طهران- دخلت إيران ، الأحد، مرحلة التنفيذ الكامل لبرنامج ترحيل المهاجرين الأفغان غير النظاميين، في خطوة مثيرة للجدل تعتبرها السلطات "إجراء قانونيا لتنظيم أوضاع الأجانب"، فيما تراها منظمات إنسانية واحدة من أوسع عمليات الترحيل الجماعي في المنطقة خلال العقود الأخيرة. وأتى هذا التصعيد في ظل سياق داخلي مشحون، أعقب العدوان الإسرائيلي على طهران، وما تبعه من توتر أمني واسع واعتقالات طالت مواطنين إيرانيين وأجانب، من بينهم عدد من الأفغان، بتهم التجسس وتسريب معلومات عسكرية. ومنذ منتصف يونيو/حزيران الماضي، أعلنت السلطات الإيرانية عن اعتقال ما لا يقل عن 5 مواطنين أفغان في مدن عدة، أبرزهم طالب جامعي في مدينة ري، قالت وكالة "تسنيم" إنه ضُبط بحوزته ملفات مرتبطة بتكنولوجيا الطائرات المسيّرة والعبوات الناسفة. عمليات واسعة كما بث الإعلام الرسمي مقاطع مصورة لاعترافات موقوفَين في غرب طهران، اتُّهما بإرسال إحداثيات مؤسسات حكومية إلى جهات خارجية، فيما أُعلن عن توقيف 3 آخرين في مدينة باكدشت، بينهم اثنان من ولاية بدخشان، وصفتهم الجهات الأمنية بأنهم مرتبطون بأجهزة استخبارات أجنبية. ورغم هذه المزاعم، لم تصدر السلطة القضائية حتى الآن بيانات رسمية مفصلة حول هذه القضايا، في حين نفى مسؤولون إيرانيون الربط التلقائي بين الجنسية الأفغانية والتهم الأمنية، مؤكدين أن الاعتقالات تمت أيضا في سياق ضبط أوضاع المقيمين غير النظاميين. مع حلول المهلة النهائية التي حددتها الحكومة (6 يوليو/تموز الجاري)، بدأت قوات الأمن وشرطة الهجرة بتنفيذ عمليات واسعة النطاق لترحيل الأفغان الذين لا يحملون وثائق إقامة قانونية. وأكدت حكومة حركة طالبان عودة 38 ألف مواطن إلى أفغانستان قادمين من إيران خلال الـ24 ساعة الماضية. وتقدّر السلطات الإيرانية أن نحو 3.5 إلى 4 ملايين أفغاني يعيشون في البلاد بصورة غير نظامية، من أصل أكثر من 6 ملايين أفغاني يقيمون في طهران، ما يجعلهم يشكلون نحو 95% من مجموع الأجانب. ومن بين هؤلاء، نحو مليوني أفغاني يتمتعون بوضع قانوني، سواء عبر بطاقات هوية قديمة صادرة من وزارة الداخلية منذ فترة الاحتلال السوفياتي، أو من خلال جوازات سفر وإقامات سارية. بينما لا يزال قرابة مليونين آخرين مسجلين في التعداد دون تسوية وضعهم القانوني. قلق إيراني ومنذ بداية 2025، سُجلت عودة أكثر من 1.2 مليون أفغاني إلى بلادهم، وفق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ، بينهم عشرات الآلاف عادوا قسرا أو تحت ضغوط قانونية. وبلغت ذروة العودة يوم 26 يونيو/حزيران الماضي مع مغادرة نحو 36 ألف شخص في يوم واحد. في مقابل المبررات الأمنية، عبّرت قطاعات اقتصادية إيرانية عن قلق متزايد من تداعيات الترحيل الجماعي على سوق العمل، خصوصا في المهن الصغيرة والخدماتية التي هيمن عليها الأفغان لعقود، مثل البناء والحراسة والسباكة والعمالة الزراعية وجمع النفايات. ويخشى عدد من المستثمرين وأصحاب الورش والمزارع من أن يؤدي غياب هذه الفئة الحيوية من اليد العاملة إلى اضطرابات في الإنتاج، وارتفاع تكاليف التشغيل، وتباطؤ في إنجاز المشاريع، لا سيما في ظل بيئة اقتصادية مثقلة بالعقوبات وتراجع الاستثمار الأجنبي. من جهته، يؤكد محسن روحي صفت، الدبلوماسي الإيراني السابق المتخصص في شؤون أفغانستان وباكستان، أن حملة تنظيم أوضاع الأجانب بدأت منذ منتصف عام 2024، ضمن خطة أطلقتها الحكومة الجديدة بهدف الحد من الإقامة غير القانونية للأجانب الذين دخلوا بعد انهيار حكومة الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني. وأوضح للجزيرة نت أن الحكومة أرسلت رسائل نصية إلى المهاجرين غير النظاميين تُبلغهم بضرورة المغادرة قبل صيف 2025. وأضاف "مع تصاعد التوتر الأمني بعد العدوان الإسرائيلي، جرى التأكيد مجددا على تنفيذ هذه الخطة دون تعديل، مع إعطاء أولوية للأمن الداخلي". وتابع صفت أن الضغوط الاقتصادية، من نقص في المياه والطاقة والدقيق، زادت من ضرورة تخفيف العبء السكاني، مشيرا إلى أن هذا الإجراء لا يستهدف الأفغان تحديدا، بل يشمل كل من لا يملك وثائق إقامة قانونية، "تماما كما تفعل حكومة طالبان في كابل التي تعتقل أي إيراني يُضبط دون إقامة قانونية". متابعة أفغانية من جانبها، أبدت الحكومة الأفغانية دعمها الكامل لإيران في مواجهة العدوان الإسرائيلي، ووصفت نهاية الحرب بـ"الانتصار"، لكنها في الوقت نفسه دعت إلى عدم تسييس ملف اللاجئين الأفغان أو استغلاله كأداة ضغط في العلاقات الثنائية. وأكدت وزارة اللاجئين الأفغانية أنها تتابع ملف العائدين عن كثب، لكنها حذرت من أن "طوفان" العائدين قد يؤدي إلى انهيار جزئي في البنية التحتية والخدمات الاجتماعية، خصوصا في ولايات حدودية مثل نيمروز وهرات وفراه، التي تفتقر للإمكانات الكافية لاستيعاب هذا العدد الهائل من المرحّلين. بدورها، حذرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن التسارع في عمليات العودة يهدد بـ"أزمة إنسانية واسعة النطاق"، مؤكدة أن كثيرا من العائدين يصلون إلى بلادهم بلا مأوى أو مصادر دخل، وبعضهم في حالة صحية حرجة نتيجة ظروف الترحيل أو الاحتجاز. ودعت المفوضية إلى زيادة الدعم الدولي لبرامج إعادة الإدماج داخل أفغانستان، وتوفير خدمات الطوارئ وفرص العمل والرعاية الصحية لضمان استقرار العائدين، محذرة من أن أي فشل في ذلك قد يؤدي إلى موجات نزوح جديدة، وفوضى اجتماعية في الداخل الأفغاني.

لماذا المسلمون وحدهم يحرمون من السلاح النووي؟
لماذا المسلمون وحدهم يحرمون من السلاح النووي؟

الجزيرة

timeمنذ 11 ساعات

  • الجزيرة

لماذا المسلمون وحدهم يحرمون من السلاح النووي؟

أعاد الإجماع الغربي، على تصفية المشروع النووي الإيراني، السؤال مجددًا بشأن ما إذا كان لمنطقة الشرق الأوسط الحق في امتلاك سلاح نووي. الخطاب الشعبوي العربي، منذ عقود مضت وإلى الآن، يعتقد بأن الفيتو، الذي عادة ما يرفع، في وجه أحلام، أي دولة عربية (أو مسلمة) في دخول نادي الكبار النووي، يمثل امتدادا لحقبة الحروب الصليبية القديمة (1096 ـ 1291). استقى هذا الخطاب ـ المؤسس على "تديين الفيتو" ـ شرعيته الجماهيرية، من "شواهد" عززت فيه هذه النزعة، نحو "التفسير الديني" للإجابة عن هذا السؤال الكبير: لماذا المسلمون وحدهم، الذين تُقمع أشواقهم في هذا الإطار؟! لا سيما أن "مبدأ المعاملة بالمثل" المتأصل في القانون الدولي والعلاقات بين الدول لا يُصادر حقهم قانونيًا وأخلاقيًا في امتلاك أسلحة دمار شامل؛ بما فيها السلاح النووي؟ والحال أن الغرب ذاته، عزز من "صدقية"، هذا الخطاب الشعبوي، بما يكفي، سواء بالتطبيق غير المتكافئ، للقانون الدولي، خاصة فيما يتعلق بإسرائيل، أو لمعرفته بأن الشريعة الإسلامية، لا تتمتع بنفوذ كبير في مجال التطبيق في الدول الشرق أوسطية ، وأن الصناعات النووية الوظيفية، لا تزال على بعد سنوات عديدة من تحقيقها في أغلب البلدان العربية. ومع ذلك فإنه ـ أي الغرب ـ ما انفك يثير الشكوك والمخاوف، بادعائه أن إضفاء الشرعية، على أسلحة الدمار الشامل، بين المثقفين الدينيين ذوي التوجهات الحكومية، يظهر مستوى جديدًا من القلق الغربي، إزاء ما يشير إلى سعي المنطقة، إلى الحصول على الطاقة النووية، تحت غطاء من المؤسسة الدينية الرسمية. ليس بوسع "الشعبويين"، أن يلجوا إلى مساحات أخرى، تتخطى الديني إلى ما هو سياسي، يتعلق ببنية الدولة، والنظم السياسية المتعاقبة على الحكم بها. وما إذا كان الفيتو الغربي، يستند إلى مخاوف، من أن تمتلك نظم غير ديمقراطية السلاح النووي، ورهن قرار استخدامه في يد شخص واحد "الزعيم" الذي لا يخضع لأي مساءلة برلمانية أو قضائية؟! بيد أن التفسير السياسي، يفتقر إلى أسس الإقناع، إذ تمتلك نظم غير ديمقراطية، مثل الصين وكوريا الشمالية وروسيا السلاح النووي، فيما تظل تجربتا الهند وباكستان، محل تساؤلات مشروعة، بشأن تفلتهما من الرقابة الدولية، الصارمة والقلقة من انتشار الأسلحة النووية، وانضمامهما إلى نادي الكبار النوويين. وإن كان ثمة تفسير يرى أن نجاح إسلام آباد "المسلمة"، في امتلاك أسلحة نووية، حدث خلال فترة وجيزة، من عدم الاستقرار الجيوسياسي، عقب سقوط جدار برلين. ولعل بُعد باكستان الجغرافي، ومحدودية مدى القوة الجوية الغربية، هما السببان الوحيدان في تجنّبها التدخل العسكري. وتبقى إسرائيل وحدها، أسهل نموذج يمكن استدعاؤُه، للتدليل على "الانحياز الديني"، أو " الفرز الديني" للدول التي تتلقى "المساعدات النووية"، من الغرب الذي يملك وحده فتح "طاقة القدر" لأية دولة في العالم، ترغب في امتلاك السلاح النووي، أو منعها ولو باستخدام القوة والتدخل العسكري (العراق وإيران نموذجان). ليس بوسع أي مراقب، إنكار أن إسرائيل، أيًا كان نظام الحكم بها، هي دولة "أقلية دينية/اليهود"، يتمتع فيها اليمين المتطرف، بنفوذ كبير، وربما يخضع قرار الحرب والسلام فيها، لإرضاء هذا التيار المتوحش والعدواني، وأثناء العدوان على غزة، طُرح خيار "القنبلة النووية" للخروج بنصر، استعصى عليهم تحقيقه، بعد دخول الحرب عامها الثاني، دون أن تحقق تل أبيب هدفًا واحدًا من أهدافها المعلنة. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، قال وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، إن أحد الخيارات هو إلقاء قنبلة نووية على غزة، للرد على هجوم حماس، على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. ومع ذلك شاركت الدول الغربية بحماس لم يفتر، في بناء ترسانتها النووية وعلى سبيل المثال: بنت فرنسا مفاعل ديمونة النووي، ووفرت المملكة المتحدة والنرويج الماء الثقيل للمفاعل، ووفرت الولايات المتحدة – بشكل مباشر وغير مباشر – اليورانيوم المخصب، والصمامات النووية، وتقنيات التوجيه (تكنولوجيا نظام توجيه صاروخ بيرشينج-2) لصاروخ أريحا-3، وقاذفات مقاتلة طويلة المدى متطورة، لإطلاق القنابل النووية (طائرات إف-15 وإف-16). كما زودت واشنطن إسرائيل، بأجهزة كمبيوتر فائقة السرعة، تُستخدم لمحاكاة التجارب النووية والتحقق من حيوية الترسانة، وزودت ألمانيا إسرائيل، بغواصات متطورة (دولفين)، قادرة على إطلاق صواريخ كروز ذات رؤوس نووية، وزودت بلجيكا الدولة اليهودية، بخامات اليورانيوم، من مستعمرتها السابقة زائير. وفي عام 1979، قامت أجهزة المخابرات الفرنسية، بمساعدة الموساد، بتخريب قلب المفاعل النووي الذي باعته فرنسا للعراق قبل شحنه، وأطاح حلف شمال الأطلسي بالقذافي، كما خضعت ليبيا لعقوبات اقتصادية من الغرب. لا يعجز منظرو السياسات الغربية، عن "الشوشرة" على أي تفسيرات منطقية، تبرئ ساحتهم، من الاحتكام إلى "الفرز الديني" كلما تطرق الأمر إلى الفيتو الغربي على الشرق المسلم، على وجه الخصوص، كلما شاء أن يمتلك السلاح النووي، إذ يعتقد المبررون له "أن الشرق الأوسط النووي ليس شرقًا أوسط آمنًا". ويجادل "دانيال سيروير" الأستاذ بمعهد السياسة الخارجية بكلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، بأن أي خطوة حاسمة من جانب إيران ـ مثلًا ـ نحو الأسلحة النووية، قد تفتح الباب على مصراعيه. لافتًا إلى أنه إذا حدث ـ والحال كذلك ـ فإنه، في غضون أشهر، قد نشهد أربع قوى نووية جديدة في المنطقة، بالإضافة إلى القدرات النووية الحالية في إسرائيل. وحذر من أن دقائق فقط من زمن إطلاق الصواريخ، تفصل عواصم القوى النووية المحتملة في الشرق الأوسط، حيث ينتشر العداء المتبادل، وعدم الفهم في جميع أنحاء المنطقة. لا أحد هنا في الشرق، يصدق ما يقال هناك في الغرب، خاصة أن الخلط بين الديني والسياسي، مع ترجيح الأول على الثاني، له ما يبرره، إذ إن ما يتردد من شعارات، ما بعد الحرب العالمية الثانية- ومن بينها أن هوية أوروبا "مسيحية ـ يهودية"- ما زال حاضرًا، في الخطاب السياسي الرسمي الغربي، كلما تنامى في العواصم الغربية، جدل المخاوف من التمدد الإسلامي الرمزي. على سبيل المثال، كتب حزب الشعوب الأوروبي – أكبر كتلة سياسية في أوروبا – في بيان له، أن القارة الأوروبية، تشترك في "ثقافة وتراث يهودي- مسيحي مشترك"، وأن "علينا حماية أسلوب حياتنا الأوروبي بالحفاظ على قيمنا المسيحية". وفي مقال رأي، أكد رئيس الوزراء الفلمنكي جان جامبون، على هذا "التراث اليهودي المسيحي"، واضعًا إياه جنبًا إلى جنب، مع الديمقراطية اليونانية، وسيادة القانون الرومانية باعتبارها المبادئ الأساسية الثلاثة للهوية الأوروبية. وأثناء الحرب الإسرائيلية الأميركية على إيران، ترددت في بعض المواقع الإسلامية آراء تستند إلى ما استقر في الضمير الشعبوي العربي والمسلم، بشأن الفيتو الغربي، على أي أحلام عربية، بامتلاك مظلة نووية، مشيرة إلى أن إسرائيل ليست امتدادًا لهذه الهوية الغربية المزعومة وحسب، وإنما تخدم أيضًا طموحات الحركات الدينية في الغرب، التي تخشى إحياء الحضارة الإسلامية، ووصولًا إلى الحركات المسيحية الصهيونية، التي تؤمن بأن الهيمنة اليهودية على الشرق الأوسط، ضرورية للمجيء الثاني للمسيح. هذه الجماعات، ذات التأثير العميق على صنع القرار الأميركي، ترى في كل دولة عربية أو إسلامية – بغض النظر عن هوية قادتها تهديدًا يجب احتواؤه. وفي نهاية المطاف، فإن التطورات المُحيطة بالبرنامج النووي الإيراني، أكدت حقيقةً أكبر، وهي أن الصراع على الطاقة النووية، جزءٌ من صراع حضاري أوسع. وأن الغرب قد عزم، على حرمان العالم الإسلامي، من الوصول إلى الطاقة النووية، حتى لو استلزم ذلك اللجوء إلى الحرب.

في أية ظروف تعمل المنظمات المدافعة عن المهاجرين في تونس؟
في أية ظروف تعمل المنظمات المدافعة عن المهاجرين في تونس؟

الجزيرة

timeمنذ 14 ساعات

  • الجزيرة

في أية ظروف تعمل المنظمات المدافعة عن المهاجرين في تونس؟

تونس- تشهد تونس جدلا متزايدا بسبب استمرار ملاحقة عدد كبير من نشطاء المجتمع المدني، لا سيما العاملين في مجال الهجرة واللاجئين، حيث توجّه لهم السلطة تهما خطِرة منها تسهيل دخول "أشخاص أجانب" بطريقة غير نظامية والسعي إلى توطينهم في البلاد. وتأتي هذه القضية في ظل وضع عام يعاني فيه البلد من تضييق متزايد على الحريات السياسية والمدنية، وتراجع كبير في هامش العمل الحقوقي، وفق ما يؤكد مراقبون ومحللون سياسيون. ومن المعتقلين، ناشطات وناشطون بارزون مثل رئيسة جمعية "تونس أرض اللجوء" شريفة الرياحي، المحتجزة منذ أكثر من سنة، وتواجه تهما بـ"مساعدة مهاجرين في وضعية غير قانونية" و"غسْل أموال"، رغم أن التحقيق المالي لم يثبت وجود أي شبهات في هذا الجانب. قمع وتضييق كما تحتجز أيضا سعدية مصباح الناشطة الحقوقية ورئيسة جمعية "منامتي" المناهضة للعنصرية، والتي اعتُقلت قبل سنة ضمن حملة شاملة طالت منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال الهجرة. ويشمل ملف الموقوفين أيضا مصطفى الجمالي المدير الإقليمي السابق للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الذي يواجه تهما بالإرشاد والتوسط لدخول وإيواء مهاجرين. إضافة إلى عبد الرزاق كريمي، الناشط في المجلس التونسي للاجئين، وذلك على خلفية إعلان المجلس طلب عروض لتأمين إقامة إنسانية لطالبي اللجوء واللاجئين. وترى منظمات المجتمع المدني في هذه الاعتقالات تجريما مباشرا للعمل الإنساني والتضامني، متهمة السلطة بتسخير القضاء ضمن سياسة ممنهجة لقمع الأصوات الحرة، ومحاولة إسكات أشكال التضامن مع المهاجرين وطالبي اللجوء. كما تؤكد أن النظام السياسي الحالي في عهد الرئيس قيس سعيد يستخدم هذه الاتهامات لتبرير حملات القمع والتضييق عبر خطاب يشدد على وجود "تغيير في التركيبة الديمغرافية" و"مؤامرة تهدد أمن الدولة". ووفقا لها، فإن استمرار اعتقال هؤلاء النشطاء يشكل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، بحرمانهم من حريتهم تعسفا بناءً على نشاطهم المدني والإنساني، داعية إلى الإفراج الفوري على جميع المعتقلين ووقف الملاحقات السياسية والقضائية. استهداف ممنهج في هذا السياق، يقول رمضان بن عمر، الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي) إن هناك إرادة سياسية لدى السلطة لاستهداف نشطاء المجتمع المدني الموقوفين وتحويلهم إلى أكباش فداء، سعيا لدعم الرواية الرسمية التي تتحدث عن مؤامرة ضد الدولة وتأليب الرأي العام ضدهم. ويضيف للجزيرة نت، أن القضاء قام بتشديد التهم الموجهة لهؤلاء النشطاء الموقوفين حيث قامت النيابة العمومية برفض التهم البسيطة ضدهم وحولتها إلى جنائية خطِرة عقوبتها قاسية. كما أشار إلى وجود "تمطيط" في المسار القضائي للنشطاء المعتقلين، حيث تستمر فترة الاحتجاز في بعض الحالات أكثر من سنة دون اتخاذ قرارات واضحة، مع رفض دائم لطلبات الإفراج المقدمة من الدفاع. وحسب بن عمر، هناك حالات إنسانية حرجة بين المعتقلين، مثل شريفة الرياحي التي كانت قد وُجهت إليها تهم ثقيلة قبل إسقاطها، لكنها ما تزال محرومة من لقاء أطفالها مباشرة. وأضاف أن هناك موقوفين يعيشون أوضاعا صحية صعبة على غرار مصطفى الجمالي وعياض بوسالمي وسعدية مصباح. ويربط هذا التصعيد القضائي بخطاب رسمي "عنصري" أطلقه الرئيس قيس سعيد في فبراير/شباط 2023 ضد المهاجرين الأفارقة، والذي أشار فيه إلى "وجود مؤامرة تهدف إلى تغيير التركيبة الديمغرافية بتوطين المهاجرين الأفارقة في تونس". وتعكس الملاحقة القضائية لنشطاء المجتمع المدني -وفق بن عمر- موقفا رافضا من أعلى هرم السلطة تجاه المنظمات المستقلة التي لا تتماهى في رؤية الرئيس السياسية. بدوره، اعتبر هشام العجبوني، القيادي في حزب التيار الديمقراطي، أن القضايا المرفوعة ضد نشطاء المجتمع المدني مفتعلة وتهدف إلى إلصاق تهم باطلة بالمعتقلين، تستند إلى سردية مزعومة عن مؤامرة تغيير التركيبة الديمغرافية. وقال للجزيرة نت، إن هذه الاتهامات مبنية على مغالطات، حيث أثبت المعهد الوطني للإحصاء أن عدد المهاجرين الأجانب في تونس قليل جدا، ما يدحض السردية الرسمية التي تستخدمها السلطة لتبرير القمع. وحسب العجبوني، أصبح القضاء على أي صوت معارض أو مستقل سياسة رسمية للنظام، الذي يفرض على منظمات المجتمع المدني إما الانخراط في رؤيته السياسية أو مواجهة اتهامات التخوين والتجريم، وهو ما ينطبق على كل الجمعيات التي لا تتوافق مع هذا الإطار. وأكد أن مسلسل التهم والمحاكمات التي تشهدها تونس سواء ضد المعارضين أم نشطاء المجتمع المدني خلق حالة من الرعب والترهيب في أوساط المجتمع المدني والسياسي، حيث لم يُستثن أحد من هذه الملاحقات، في ظل بيئة حقوقية وسياسية تتسم بتراجع حاد في حرية التعبير والعمل المدني.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store