logo
ما هي 'مهمة الرب' التي قال ترامب إنه مرسل لتنفيذها، وإنه لا يمكن لأحد إيقاف ما هو قادم؟

ما هي 'مهمة الرب' التي قال ترامب إنه مرسل لتنفيذها، وإنه لا يمكن لأحد إيقاف ما هو قادم؟

يمنات الأخباريمنذ 10 ساعات
عبد الوهاب الشرفي*
في تصريحاته ومنشوراته المثيرة للجدل، نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منشوراً لافتاً لا يمكن للمراقبين تجاهله دون التمعّن فيه ومحاولة فهم مضمونه. فقد كتب: 'أنا مرسل بمهمة من الرب، ولا أحد يمكنه إيقاف ما هو قادم'. فما هي هذه المهمة؟ وما هو هذا 'القادم' الذي لا يمكن إيقافه؟
نشر ترامب هذا التصريح في 29 مايو 2025، أي قبل بدء العدوان الأمريكي والإسرائيلي على إيران بنحو نصف شهر فقط. وقد جاء ذلك بعد عدة تصريحات له، ألمح فيها إلى أن أموراً ما ستحدث لروسيا، أو أن شيئاً كبيراً سيقع في إيران أو في الشرق الأوسط. وهو ما يُفهم منه أن ما جرى في ولايته الأولى، وما سيجري لاحقاً، إنما هو ضمن أحداث مخططة مسبقاً ويتم تنفيذها بالتدريج.
يتحدث ترامب عن 'الرب' بشكل لافت في تصريحاته، وأحياناً بأسلوب يُوحي بأنه رجل دين، لا زعيم سياسي. ومن تابع حملته الانتخابية سيتذكر كيف روّج له بعض أنصاره على أنه مرسل من الرب، بل إن بعضهم يعتقد أنه 'المخلّص' الذي جاء ليقاتل 'الأشرار'.
من الواضح أن فكرة 'المخلّص' وكذلك 'المسيح' هي فكرة دينية مسيحية، وترامب مسيحي. لكن تلك الفكرة، وفق العقيدة المسيحية، تفترض أن المسيح سيأتي من السماء، وهو ما لا ينطبق على ترامب. في المقابل، ينسجم اعتقاد أنصاره أكثر مع العقيدة اليهودية، التي تؤمن بقدوم 'الماشيحين' اثنين: الأول يقود اليهود في حروبهم ويمهد الطريق للثاني، الذي هو 'الماشيح' الملك المنتظر.
لم يعلن ترامب صراحة أنه صهيوني، كما فعل الرئيس السابق جو بايدن، لكنه أكد في أكثر من مناسبة أنه حليف قوي للصهيونية وللشعب الإسرائيلي، وأعلن دعمه اللامحدود لإسرائيل. بل إن من أبرز قراراته خلال ولايته الأولى كان نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو قرار لم يتجرأ أي رئيس أمريكي سابق على اتخاذه.
ما سبق يوضح أن 'مهمة الرب' التي يتحدث عنها ترامب تنطلق من تصوّر مرتبط بالصهيونية والكيان الإسرائيلي، غير أن ما يجعل هذه الفكرة أكثر وضوحاً هو تصريح مايك بومبيو – وزير الخارجية السابق ومدير CIA وعضو الكونغرس – الذي قال فيه: 'الرب أرسل ترامب لإنقاذ اليهود'. هذا التصريح من شخصية بهذا الوزن السياسي يُعد بمثابة 'وضع للنقاط على الحروف'.
يتّضح من تصرفات ترامب وتصريحاته أنه شخص مصاب بما يُعرف بـ'العتة' – نقص في العقل دون جنون – مصحوب بنرجسية مفرطة وأنا عالية، يُمحور كل شيء حول ذاته. ويبدو أن الصهيونية قد استغلت هذه الصفات فيه، وأقنعته بأنه 'المخلّص'، أو ما يُعرف في العقيدة اليهودية بـ'الماشيح ابن يوسف'، الذي يأتي ليُمهد الطريق لـ'الماشيح ابن داود' – ملك اليهود المنتظر.
من هنا، تتجلى طبيعة المهمة التي يزعم ترامب أن الرب أرسله لتنفيذها، وهي مهمة دينية – سياسية تتماهى مع العقيدة اليهودية لا المسيحية، وتتمثل في التمهيد لظهور 'الماشيح الثاني'.
وفقاً لهذه الرؤية، فإن أولى خطوات التمهيد كانت الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو ما فعله ترامب في ولايته الأولى. وقد صرّح آنذاك بأن 'فلسطين صغيرة'، وهو تصريح ينبع من قناعته بمفهوم 'أرض إسرائيل الكبرى'، التي تشمل:
جنوب لبنان (حتى نهر الليطاني)
جنوب سوريا حتى دمشق
البحر الميت ونهر الأردن وكل ما غربه
أجزاء من الأردن الحالي
وهذه الخريطة تتسق مع التصور اليهودي لـ'أرض إسرائيل' وحدودها التاريخية، التي تشمل أيضاً ما يسمونه 'أراضي نفوذ إسرائيل'، والتي تمتد إلى:
سيناء ودلتا النيل
مراحل التنفيذ
يتطلب استكمال هذا المشروع أمرين رئيسيين:
1. القضاء على 'أعداء إسرائيل':
كل دول المنطقة تُعتبر ضمن هذا التصنيف.
البعض يتم التعامل معهم بوسائل غير عسكرية، أما حركات مثل حماس، حزب الله، وإيران فتتم مواجهتهم بالقوة العسكرية.
كل هذا في إطار مفهوم يردده ترامب: 'فرض السلام بالقوة'، وهو جزء من عقيدة 'الماشيح الأول' الذي يُمهد لظهور الثاني.
2. تهيئة النظام العالمي لحرب كبرى:
التدخل في الأنظمة المعادية لإسرائيل قد يهدد الأمن القومي لدول كبرى مثل روسيا والصين.
إعادة رسم خرائط المنطقة لصالح إسرائيل.
تقويض الأمم المتحدة والنظام الدولي.
تدمير القوى غير الصهيونية وإرهاق الشعوب للقبول بما يُفرض عليها.
ما تبقى من ولاية ترامب الحالية ثلاث سنوات، وهو وقت غير كافٍ لإكمال هذه الخطة. ربما لهذا تحدث ترامب بشكل غريب عن إمكانية ترشحه لفترة رئاسية ثالثة، قائلاً إن هناك 'ثغرة في الدستور' تسمح له بذلك. وهو ما قد يكون جزءاً من المخطط الصهيوني لتمكينه من الاستمرار، باعتباره 'الماشيح الأول'.
وإذا لم ينجح في الوصول لولاية ثالثة، فربما – بحسب الفكرة اليهودية ذاتها – يُغتال طعناً، وتُستخدم حادثة اغتياله لفرض استكمال المشروع تحت ذريعة الأمن القومي الأمريكي.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ما هي 'مهمة الرب' التي قال ترامب إنه مرسل لتنفيذها، وإنه لا يمكن لأحد إيقاف ما هو قادم؟
ما هي 'مهمة الرب' التي قال ترامب إنه مرسل لتنفيذها، وإنه لا يمكن لأحد إيقاف ما هو قادم؟

يمنات الأخباري

timeمنذ 10 ساعات

  • يمنات الأخباري

ما هي 'مهمة الرب' التي قال ترامب إنه مرسل لتنفيذها، وإنه لا يمكن لأحد إيقاف ما هو قادم؟

عبد الوهاب الشرفي* في تصريحاته ومنشوراته المثيرة للجدل، نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منشوراً لافتاً لا يمكن للمراقبين تجاهله دون التمعّن فيه ومحاولة فهم مضمونه. فقد كتب: 'أنا مرسل بمهمة من الرب، ولا أحد يمكنه إيقاف ما هو قادم'. فما هي هذه المهمة؟ وما هو هذا 'القادم' الذي لا يمكن إيقافه؟ نشر ترامب هذا التصريح في 29 مايو 2025، أي قبل بدء العدوان الأمريكي والإسرائيلي على إيران بنحو نصف شهر فقط. وقد جاء ذلك بعد عدة تصريحات له، ألمح فيها إلى أن أموراً ما ستحدث لروسيا، أو أن شيئاً كبيراً سيقع في إيران أو في الشرق الأوسط. وهو ما يُفهم منه أن ما جرى في ولايته الأولى، وما سيجري لاحقاً، إنما هو ضمن أحداث مخططة مسبقاً ويتم تنفيذها بالتدريج. يتحدث ترامب عن 'الرب' بشكل لافت في تصريحاته، وأحياناً بأسلوب يُوحي بأنه رجل دين، لا زعيم سياسي. ومن تابع حملته الانتخابية سيتذكر كيف روّج له بعض أنصاره على أنه مرسل من الرب، بل إن بعضهم يعتقد أنه 'المخلّص' الذي جاء ليقاتل 'الأشرار'. من الواضح أن فكرة 'المخلّص' وكذلك 'المسيح' هي فكرة دينية مسيحية، وترامب مسيحي. لكن تلك الفكرة، وفق العقيدة المسيحية، تفترض أن المسيح سيأتي من السماء، وهو ما لا ينطبق على ترامب. في المقابل، ينسجم اعتقاد أنصاره أكثر مع العقيدة اليهودية، التي تؤمن بقدوم 'الماشيحين' اثنين: الأول يقود اليهود في حروبهم ويمهد الطريق للثاني، الذي هو 'الماشيح' الملك المنتظر. لم يعلن ترامب صراحة أنه صهيوني، كما فعل الرئيس السابق جو بايدن، لكنه أكد في أكثر من مناسبة أنه حليف قوي للصهيونية وللشعب الإسرائيلي، وأعلن دعمه اللامحدود لإسرائيل. بل إن من أبرز قراراته خلال ولايته الأولى كان نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو قرار لم يتجرأ أي رئيس أمريكي سابق على اتخاذه. ما سبق يوضح أن 'مهمة الرب' التي يتحدث عنها ترامب تنطلق من تصوّر مرتبط بالصهيونية والكيان الإسرائيلي، غير أن ما يجعل هذه الفكرة أكثر وضوحاً هو تصريح مايك بومبيو – وزير الخارجية السابق ومدير CIA وعضو الكونغرس – الذي قال فيه: 'الرب أرسل ترامب لإنقاذ اليهود'. هذا التصريح من شخصية بهذا الوزن السياسي يُعد بمثابة 'وضع للنقاط على الحروف'. يتّضح من تصرفات ترامب وتصريحاته أنه شخص مصاب بما يُعرف بـ'العتة' – نقص في العقل دون جنون – مصحوب بنرجسية مفرطة وأنا عالية، يُمحور كل شيء حول ذاته. ويبدو أن الصهيونية قد استغلت هذه الصفات فيه، وأقنعته بأنه 'المخلّص'، أو ما يُعرف في العقيدة اليهودية بـ'الماشيح ابن يوسف'، الذي يأتي ليُمهد الطريق لـ'الماشيح ابن داود' – ملك اليهود المنتظر. من هنا، تتجلى طبيعة المهمة التي يزعم ترامب أن الرب أرسله لتنفيذها، وهي مهمة دينية – سياسية تتماهى مع العقيدة اليهودية لا المسيحية، وتتمثل في التمهيد لظهور 'الماشيح الثاني'. وفقاً لهذه الرؤية، فإن أولى خطوات التمهيد كانت الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو ما فعله ترامب في ولايته الأولى. وقد صرّح آنذاك بأن 'فلسطين صغيرة'، وهو تصريح ينبع من قناعته بمفهوم 'أرض إسرائيل الكبرى'، التي تشمل: جنوب لبنان (حتى نهر الليطاني) جنوب سوريا حتى دمشق البحر الميت ونهر الأردن وكل ما غربه أجزاء من الأردن الحالي وهذه الخريطة تتسق مع التصور اليهودي لـ'أرض إسرائيل' وحدودها التاريخية، التي تشمل أيضاً ما يسمونه 'أراضي نفوذ إسرائيل'، والتي تمتد إلى: سيناء ودلتا النيل مراحل التنفيذ يتطلب استكمال هذا المشروع أمرين رئيسيين: 1. القضاء على 'أعداء إسرائيل': كل دول المنطقة تُعتبر ضمن هذا التصنيف. البعض يتم التعامل معهم بوسائل غير عسكرية، أما حركات مثل حماس، حزب الله، وإيران فتتم مواجهتهم بالقوة العسكرية. كل هذا في إطار مفهوم يردده ترامب: 'فرض السلام بالقوة'، وهو جزء من عقيدة 'الماشيح الأول' الذي يُمهد لظهور الثاني. 2. تهيئة النظام العالمي لحرب كبرى: التدخل في الأنظمة المعادية لإسرائيل قد يهدد الأمن القومي لدول كبرى مثل روسيا والصين. إعادة رسم خرائط المنطقة لصالح إسرائيل. تقويض الأمم المتحدة والنظام الدولي. تدمير القوى غير الصهيونية وإرهاق الشعوب للقبول بما يُفرض عليها. ما تبقى من ولاية ترامب الحالية ثلاث سنوات، وهو وقت غير كافٍ لإكمال هذه الخطة. ربما لهذا تحدث ترامب بشكل غريب عن إمكانية ترشحه لفترة رئاسية ثالثة، قائلاً إن هناك 'ثغرة في الدستور' تسمح له بذلك. وهو ما قد يكون جزءاً من المخطط الصهيوني لتمكينه من الاستمرار، باعتباره 'الماشيح الأول'. وإذا لم ينجح في الوصول لولاية ثالثة، فربما – بحسب الفكرة اليهودية ذاتها – يُغتال طعناً، وتُستخدم حادثة اغتياله لفرض استكمال المشروع تحت ذريعة الأمن القومي الأمريكي.

استمرت أكثر من ساعة.. ماذا دار في مكالمة بين بوتين وترامب؟
استمرت أكثر من ساعة.. ماذا دار في مكالمة بين بوتين وترامب؟

اليمن الآن

timeمنذ 12 ساعات

  • اليمن الآن

استمرت أكثر من ساعة.. ماذا دار في مكالمة بين بوتين وترامب؟

أجرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الخميس، اتصالًا هاتفيًا مطولًا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، استمر لأكثر من ساعة، ناقشا خلاله عددًا من القضايا الدولية البارزة، أبرزها حرب أوكرانيا والملف الإيراني، وفق ما أكد مستشار الكرملين للسياسة الخارجية يوري أوشاكوف. وتأتي هذه المكالمة – وهي السادسة المُعلنة منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض – في ظل حالة من الجمود التي تواجه جهود واشنطن لوقف الحرب في أوكرانيا، وبعد توقف مؤقت في شحنات الأسلحة الأمريكية لكييف قبل يومين فقط. وفي تصريحات للصحفيين، قال أوشاكوف إن الزعيمين ناقشا بشكل مفصل الوضع في الشرق الأوسط، خاصة القضية الإيرانية، مشيرًا إلى أن بوتين شدد على ضرورة تسوية النزاع مع إيران بالطرق الدبلوماسية فقط، بعيدًا عن التصعيد العسكري. وتأتي هذه التصريحات في أعقاب غارات أمريكية استهدفت ثلاثة مواقع في إيران يوم 22 يونيو/حزيران، في إطار دعم واشنطن للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد ما تصفه بـ"البنية التحتية النووية" لطهران. وبشأن الحرب في أوكرانيا، أوضح أوشاكوف أن ترامب عبّر عن رغبته في إنهاء الحرب بسرعة، فيما أبلغه بوتين أن روسيا ماضية في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، مؤكداً أن موسكو مستعدة لمواصلة المفاوضات مع كييف، لكنها تعتبر هذه المحادثات قضية ثنائية لا تستدعي تدخل الولايات المتحدة. وفي المقابل، لم تُطرح قضية تعليق شحنات الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا خلال المكالمة، وفق أوشاكوف، رغم أهميتها في سياق التطورات الميدانية. ومن المقرر أن يتحدث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع ترامب يوم الجمعة لمناقشة هذا الملف الحساس. وكان البنتاغون قد أكد تعليق بعض الشحنات بشكل مؤقت في انتظار مراجعة المخزون الأمريكي، وتشمل هذه الشحنات صواريخ دفاع جوي، ومدفعية دقيقة، ومعدات أخرى، بحسب مصادر أمريكية رسمية رفضت الكشف عن هويتها. اللافت أن الاتصال بين ترامب وبوتين جاء بعد يومين فقط من مكالمة نادرة جمعت بوتين بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، هي الأولى بينهما منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، ما يعكس حراكًا دبلوماسيًا متزايدًا في مسار الأزمة الأوكرانية والملفات الإقليمية الأخرى.

الدين الفيدرالي الأمريكي في 2025.. هل اقتربت الولايات المتحدة من الانهيار؟
الدين الفيدرالي الأمريكي في 2025.. هل اقتربت الولايات المتحدة من الانهيار؟

وكالة الصحافة اليمنية

timeمنذ 12 ساعات

  • وكالة الصحافة اليمنية

الدين الفيدرالي الأمريكي في 2025.. هل اقتربت الولايات المتحدة من الانهيار؟

تقرير/خاص/وكالة الصحافة اليمنية// في خضم العاصفة الاقتصادية التي تهز العالم بأسره، يبرز الدين الفيدرالي الأمريكي كأعظم تحدٍ يواجه النظام المالي الدولي في القرن الحادي والعشرين. لقد تحول هذا الدين من مجرد رقم في الميزانيات إلى كابوس حقيقي يطارد صناع القرار في واشنطن والمستثمرين حول العالم. مع تجاوز الدين حاجز الـ36 تريليون دولار خلال العام الجاري 2025، واتجاهه الصاروخي نحو 40 تريليون دولار في غضون سنوات قليلة، أصبحنا أمام معضلة وجودية تهدد أسس الاقتصاد العالمي وفقا لخبراء أقتصاد. الخبراء أكدوا أن قصة هذا الدين هي قصة تراكمات عقود من السياسات المالية المتساهلة، حيث تحول من 10 تريليونات دولار فقط في عام 2008 إلى أكثر من ثلاثة أضعاف هذا الرقم في أقل من عقدين، في سلسلة متصاعدة من الأزمات والقرارات الخاطئة التي بدأت بالأزمة المالية العالمية، مروراً بسياسات التحفيز غير المحسوبة في عهد ترامب، ووصولاً إلى الإنفاق الجنوني خلال جائحة كورونا الذي أضاف 5 تريليونات دولار إلى الدين في عامين فقط، لتصبح الولايات المتحدة اليوم أسيرة لآلة دين لا تعرف التوقف، تعمل كقطار سريع لا يمكن إيقافه، حيث يتجاوز العجز السنوي 1.7 تريليون دولار، وتستهلك خدمة الدين وحدها أكثر من 1.3 تريليون دولار سنوياً، وهو مبلغ يكفي لتمويل أنظمة تعليمية وصحية متكاملة لدول بأكملها. جذور هذه الأزمة تعود وفقا لتقارير دولية، إلى خلل هيكلي عميق في النظام المالي الأمريكي، حيث تتسع الفجوة بين الإنفاق الحكومي الجامح الذي يتجاوز 6 تريليونات دولار سنوياً، والإيرادات الضريبية المتراجعة بسبب نظام ضريبي معتل يسمح للشركات الكبرى والأثرياء بالتهرب من دفع حصصهم العادلة. ففي الوقت الذي تنفق فيه الولايات المتحدة أكثر من 900 مليار دولار على الدفاع سنوياً، وهو ما يفوق إنفاق الدول العشر التالية مجتمعة، وتستنزف برامج الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي ميزانيات ضخمة تزداد مع شيخوخة السكان، نجد أن الإيرادات الضريبية غير قادرة على مجاراة هذا الإنفاق، خاصة مع استمرار سياسات الإعفاءات الضريبية للشركات والأثرياء التي تكرست في عهد ترامب ولم يتم إصلاحها بشكل جذري. التقارير تشير إلى تفاقم الأزمة مع الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة الذي دفعته سياسات الاحتياطي الفيدرالي لمكافحة التضخم، حيث قفزت الفائدة إلى 5.5%، وهو أعلى مستوى منذ عام 2001، مما جعل خدمة الدين تلتهم ما يقارب 12% من إجمالي الإيرادات الحكومية، وهو مبلغ ينفق على الفوائد وحدها دون أي عائد حقيقي على الاقتصاد أو المواطنين. ولكن الأخطر من حجم الدين نفسه هو بداية انهيار الثقة في النظام المالي الأمريكي الذي ظل ل decades العمود الفقري للاقتصاد العالمي. لقد بدأت علامات التصدع تظهر جلية في السنوات الأخيرة، حيث تتسارع حركة التمرد على هيمنة الدولار، فالدول الكبرى مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل بدأت تتبنى سياسات نشطة لتقليل اعتمادها على الدولار في تجارتها الدولية واحتياطياتها النقدية، حيث انخفضت حصة الدولار في الاحتياطيات العالمية من 72% في ذروة الهيمنة الأمريكية إلى 58% فقط في 2025، وهي أدنى مستوى منذ عقود. كما بدأ المستثمرون العالميون يطالبون بعوائد أعلى على سندات الخزانة الأمريكية، مما يزيد العبء على الميزانية الفيدرالية، حيث تتوقع بعض التقديرات أن تصل خدمة الدين السنوية إلى 2 تريليون دولار بحلول 2030، وهو رقم سيجبر الحكومة على خيارات مؤلمة بين التضخم الجامح الناتج عن طباعة النقود، أو التقشف المالي الذي سيؤدي إلى غضب شعبي واسع. وفي خضم هذه العاصفة المالية، يبدو المشهد السياسي في واشنطن عاجزاً عن تقديم حلول جذرية، حيث يستمر الجدل العقيم بين الجمهوريين الذين يصرون على خفض الإنفاق الاجتماعي تحت شعار 'محاربة الإسراف الحكومي'، والديمقراطيين الذين يرون الحل في زيادة الضرائب على الأثرياء والشركات الكبرى. لكن الحقيقة المرة هي أن كل الإدارات المتعاقبة، من بوش إلى أوباما إلى بايدن إلى ترامب، أسهمت في تفاقم الأزمة، سواء عبر الحروب الخارجية المكلفة مثل حربي العراق وأفغانستان التي كلفت تريليونات الدولارات، أو عبر سياسات التحفيز المالي غير المدروسة مثل التخفيضات الضريبية في عهد ترامب سابقا أو حزم الإنفاق الضخمة في عهد بايدن، ثم ترامب مجددا. حتى أزمة سقف الدين التي كانت تُستخدم كفرصة لإصلاح النظام المالي، تحولت إلى مجرد مسرحية سياسية يتفق الطرفان في النهاية على رفع السقف دون أي إصلاحات حقيقية، في دورة مفرغة تتكرر كل عامين تقريباً. السيناريو الأسوأ الذي يحذّر منه خبراء الاقتصاد منذ سنوات لم يعد مجرد نظرية، بل أصبح احتمالاً ملموساً يلوح في الأفق: فقدان الثقة المفاجئ في سندات الخزانة الأمريكية. فإذا بدأ المستثمرون العالميون في الشك بقدرة الولايات المتحدة على سداد ديونها المتضخمة، قد يشهد العالم هروباً جماعياً من السندات الأمريكية، مما سيؤدي إلى انهيار قيمة الدولار وموجة تضخم غير مسبوقة ستضرب الاقتصاد العالمي كله. عندها لن تكون الأزمة اقتصادية فحسب، بل ستتحول إلى أزمة جيوسياسية كبرى، حيث أن تراجع الهيمنة المالية الأمريكية سيكون بالضرورة مقدمة لتراجع النفوذ السياسي والعسكري الأمريكي على الساحة الدولية، لصالح قوى صاعدة مثل الصين التي تعمل بجد لتعويض الدولار بعملتها الخاصة في التجارة الدولية. ورغم كل هذه التحذيرات والإنذارات التي يطلقها الخبراء يومياً، يبدو أن واشنطن ما زالت تعيش في حالة إنكار، ترفض الاعتراف بحجم الكارثة المقبلة. فبدلاً من العمل على إصلاح النظام الضريبي المعتل، أو مراجعة سياسات الإنفاق الجامح، أو إصلاح نظام الرعاية الصحية المتدهور، تستمر الحكومة الفيدرالية في زيادة الدين سنة بعد سنة، والعجز بعد عجز، في انتظار اللحظة التي ستنفجر فيها الفقاعة، ليس فقط في وول ستريت، بل في كل عاصمة مالية حول العالم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store