
عاشوراء: لماذا يحيي الشيعة ذكرى مقتل الحسين وكيف تُقام طقوسها؟
يروي مؤرخون أن الحسين بن علي بن أبي طالب توجه مع عدد من أهله وصحبه إلى الكوفة قادماً من الحجاز عام 680 ميلادية، للمطالبة بالخلافة بعد تلقيه دعوات من أهل العراق. وكان يزيد بن معاوية قد تولى الخلافة إثر وفاة أبيه، الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان.
لكن والي يزيد في البصرة والكوفة أرسل قوة لمواجهة الحسين مع النفر القليل من أنصاره، مما اضطرهم إلى مواصلة السير باتجاه كربلاء. وهناك حوصروا ومنعوا من الوصول إلى ماء نهر الفرات، ومن ثم قتلوا بعد منازلة غير متكافئة. وأسرت النساء والأطفال، وبين من أسر أخته زينب وابنه علي زين العابدين، الإمام الرابع لدى الشيعة.
منعطف تاريخي
يُعدّ مقتل الحسين وأنصاره وسبي أهله في "واقعة الطف" منعطفاً هاماً في تحديد المنحى الذي سارت عليه طقوس الطائفة الشيعية، الأمر الذي أسهم، إلى حد كبير، في تشكيل هويتها. فقد مثّل مقتل الإمام الثالث عند الشيعة الإثني عشرية سنة 61 هجرية فاصلاً تاريخياً دأبوا على استحضاره سنوياً للتفكّر في دلالاته ومعانيه.
إلا أن رمزية الحدث وعِبَره تجاوزت دائرة الإيمان الديني أو الانتماء الطائفي، وامتدت إلى أوساط اجتماعية وسياسية واسعة تقف ضد الظلم وتطالب بالعدالة، مستنيرة بقول الحسين في تلك الواقعة "إنما خرجت لطلب الإصلاح".
AFP
أما طقوس هذه المناسبة، التي تبدأ في الأول من محرم لتبلغ ذروتها في العاشر منه، فلم تقتصر على المجتمع الشيعي في العراق بل يجري إحياؤها في بلدان إسلامية أخرى، لهذه الطائفة وجود فيها، كما امتدت إلى بلدان المهجر أيضا، وإن على نطاق ضيق.
عادات وتقاليد
تقام خلال الأيام العشرة الأولى من محرم المجالس الحسينية وتسيّر المواكب لاستذكار الحدث والتعبير عن الحزن بالبكاء ولطم الصدور. وينتشر اللون الأسود تعبيراً عن الحزن ليشمل اللباس والرايات الحسينية.
وتعد تلك المجالس والمواكب، التي يرافقها تقديم الطعام لمن يحتاجه، من أهم الطقوس لدى الشيعة الذين يؤمنون بأن لمقتل الحسين دوراً في ترسيخ الدين وديمومة المعتقد، لما يملكه من شاهد على الثبات على المبدأ والمطالبة بالحق.
وفي بعض المناطق يتضمن إحياء الذكرى مسرحة الحدث، إذ تقدم عروض في الهواء الطلق تسمى "التشابيه" تروى خلالها أحداث واقعة كربلاء وتجسد شخوصها الرئيسية، بحضور أعداد غفيرة من الجمهور.
وهناك من يراه نوعاً من الشعور التاريخي بالذنب بسبب "خذلان الإمام الحسين والتقاعس عن نصرته" عند قدومه إلى الكوفة، وثمة من يعزوه إلى الجهل في مغزى استذكار الحدث.
يجري إحياء ذكرى مقتل الحسين، وأربعينيته كذلك، في مدينة كربلاء التي يؤمها الزوار من مناطق مختلفة في العراق وخارجه. لكن طقوسها تمارس أيضا في المدن الأخرى التي تقطنها غالبية شيعية في العراق، إضافة الى بلدان أخرى.
تقييد الطقوس
EPA
كانت السلطات العراقية إبان حكم الرئيس السابق صدام حسين، اتخذت إجراءات للحد من ممارسة طقوس الشيعة الذين يشكلون الأكثرية السكانية في البلاد. لكن إجراءات التضييق تلك لم تكن الأولى من نوعها في التاريخ، فقد تعرضت الطقوس الشيعية إلى مواقف مشابهة في فترات تاريخية سابقة.
ويشير المؤرخون الشيعة إلى أن شعائر عاشوراء منعت في بعض الحواضر إبان حكم المماليك الذين حكموا العراق بين منتصف القرن الثامن عشر إلى الربع الأول من القرن التاسع عشر. لكنها استؤنفت في ما بعد خلال الحكم العثماني عندما وقعت الاستانة وثيقة سلام مع الإيرانيين إثر انتهاء حكم المماليك.
كما جرت مساعٍ أخرى للسيطرة عليها في فترات أخرى من تاريخ العراق الحديث وخصوصاً في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، أي إبان الحكم الملكي.
ويعد الدافع السياسي من أهم العوامل التي تحدو بالسلطات إلى اتخاذ إجراءات لتقييد تلك التظاهرات ومنع تحولها إلى أداة ضغط سياسية، لكونها مناسبة للتعبير عن الاعتراض أو الرفض أو الاحتجاج، وربما تشكل حافزاً للانتفاضات العشائرية والمناطقية.
ما بعد الاحتلال
Reuters
لكن ما شهده العراق عام 2003 مع انهيار نظام صدام حسين إثر دخول القوات الأمريكية وحلفائها البلاد، غيّر من الخارطة السياسية إذ حصل الشيعة على تمثيل بارز في الحكومة، بعد أن كانوا في الظل أثناء الحكومات التي توصف بأنها "سنية" في الفترات التي سبقت ذلك التاريخ.
وبعد إجراء انتخابات برلمانية في العراق هيمنت الأحزاب الإسلامية الشيعية على الحكومة بمشاركة قوى سنية وكردية حسب الترتيبات التي أفرزتها مرحلة الاحتلال وما بعده.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت ممارسة طقوس عاشوراء وغيرها من المناسبات الدينية تجرى بحرية وأحيانا دون قيود. لكن تلك التجمعات أضحت هدفاً سهلاً للهجمات الانتحارية والتفجيرات التي نفذتها جماعات متشددة أثناء وجود القوات الأمريكية في البلاد وبعد خروجها في نهاية عام 2011.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 12 ساعات
- موقع كتابات
عاشوراء بين التضحية والإيمان
يحلّ علينا يوم عاشوراء، بكل مسمياته ومعانيه، حاملاً في طياته أعظم دروس الفداء والصبر والإيمان، حاملاً كل معاني التضحية الحقيقية لنصرة الدين الإسلامي. ذلك اليوم الذي ارتبط فيه ضمير العالم الحر مع الوجدان الإسلامي بملحمة تاريخية لا يمكن وصفها بكلمات، لأنها بقيت خالدة على مر العصور. إنها ملحمة كربلاء، عندما وقف الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) بوجه الظلم والفساد، رافعًا راية الحق ضد الباطل، مضحيًا بنفسه وأهله وأصحابه في سبيل المبادئ التي آمن بها. نعم، إنهم آل بيت رسول الله، ومن منهجه الطاهر الشريف يستلهمون العبر… لم تكن واقعة كربلاء مجرد معركة عادية عابرة التقت فيها السيوف مع صهيل الخيول، بل كانت اختبارًا للإرادة الإنسانية، ومعنىً حقيقيًا للتضحية في أسمى صورها. فالإمام الحسين لم يخرج طلبًا للسلطة أو رغبة في الدنيا، بل خرج ليُصلح في أمة جده، ويُعيد روح الإسلام إلى مسارها الحقيقي، بعد أن عبث بها الطغاة. لم يكن يطلب كرسي السلطة لأنه من الأشخاص الذين طهرهم الله وأبعدهم عن كل منافع الدنيا ومغرياتها، وها نحن اليوم نستفيد الدروس الكثيرة ونتعلمها من يوم عاشوراء، وخاصة عندما نرى الإيمان وقد تجلّى في أبهى صوره، حين اختار الامام الحسين أن يواجه الموت على أن يبايع الظالم، حين حمل السيف وهو يعلم أنه ذاهب إلى الشهادة، لا النصر، لكنه نصرٌ من نوع آخر.… نصر المبادئ على المصالح، ونصر الكرامة على الذل. نصر المظلوم على الظالم ونصر الفقراء على الجبابرة. في هذا اليوم، لا نبكي الحسين فقط دون أن نستفيد من ذلك الدرس العظيم الذي تركه لنا لتتعلمه كل الأجيال، ونستلهم من موقفه الشجاعة في قول الحق، والثبات على المبدأ، والتضحية لأجل القيم التي نؤمن بها. فهو لم يُقتل ليُحزننا، بل ليستنهض فينا الضمائر، ويُذكّرنا أن الإيمان الحق لا يكتمل إلا حين يُختبر في ميدان الفعل، ليعطينا درسًا في القيم الأخلاقية ويجدد فينا مبادئ الإسلام الحنيف. إن يوم عاشوراء هو درسٌ خالد في الإباء، ونداءٌ مستمر لكل الأحرار في العالم. نداء نسمع كلماته وصيحاته وهو ينادي جميع المسلمين بمشارق الأرض ومغاربها، ينادي شجعان العالم بحكمته وهو يقول للطواغيت كافة وعلى مر العصور الزمنية: 'هيهات منا الذلة'.


موقع كتابات
منذ 12 ساعات
- موقع كتابات
ثورة الامام الحسين (ع) مشروع إصلاحي وأيقونة خالدة بالتاريخ البشري
ثوره الامام الحسين بن علي كانت صرخه في وجه الظلم وصرخه في وجه السلطه التي حرفت مسار الرساله الالهيه والإسلام وجعلت من الحكم وسيله لاستعباد الناس لا لخدمتهم خرج الحسين لا من اجل سلطان ولا من اجل دنيا بل من اجل اصلاح ما فسد في جسد الامه وازاله ما علق بها من مظاهر الانحراف والضياع لقد وقف الحسين في كربلاء رافعا رايه الحق والكرامه وهو يعلم ان طريقه مفروش بالدم والدمع وان نهايته ستكون بالشهاده ومع ذلك تقدم بخطى ثابته وعزم لا يلين لانه كان يرى ان في موته حياه لدين جده وفي دمه نورا يهدي الامه من بعد ظلمه لم تكن ثوره الحسين لحظه عابره في التاريخ بل كانت حدثا غيّر الوعي الجمعي واثبت ان القوه ليست في السلاح بل في الموقف وان النصر الحقيقي هو نصر المبدا لا نصر المعركه ولذا بقي الحسين حيا في ضمائر الاحرار وبقيت كربلاء رمزا يتجدد كل عام في كل مره تحضر فيها عاشوراء يعود الحسين الى الواجهه لا كشخص بل كفكره وكقضيه تنبض بالحياه تلهم الثائرين وتوقظ النائمين وتعيد للامه وجهها الحقيقي وجه التضحيه والثبات والعدل لقد سقط الجسد في كربلاء لكن الروح ارتفعت لتسكن في قلوب الملايين ممن لم يروه ولم يعاصروه لكنهم امنوا به واحبوه وساروا على نهجه الحسين لم ينتصر بالسيف لكنه انتصر بالحق لم يسجل نصرا عسكريا لكنه سجل اعظم انتصار اخلاقي في تاريخ البشريه ومنذ ذلك اليوم والحسين لا يغيب عن ذاكره الضعفاء ولا عن قلوب المقاومين بل هو حاضر في كل صرخه ضد الاستبداد والظلم والطغيان والفساد وفي كل حركه تسعى للعدل والكرامه من كربلاء بدأ المسير ولن يتوقف ما دامت هناك كلمه حره وروح ترفض الذل. واليوم نجدد العهد والولاء لسيد الشهداء ونقولها بكل صوت وكلمة واضحة للعالم كله( هيهات من الذلة ) بهذه الكلمات نجسدها فعلا وقولاً ونموت واقفين ولن نركع لا لله .


موقع كتابات
منذ يوم واحد
- موقع كتابات
خيارات الحسين (ع) واصحابه
بالفطرة كل انسان عندما يريد اتخاذ قرار او ان يخطو خطوة ، يضع في حساباته الخيارات وما يترتب عليها حتى يختار الافضل ، ولو قمنا بعمل استطلاع على الامام الحسين عليه السلام ومن كان معه في تلك الواقعة الماساوية باحداثها الدامية والمهمة في تثبيت الاسلام ، لكي نستقرئ خياراتهم عندما اصبح عليهم نهار العاشر من محرم. سناخذ عينة ونحاول قراءة خياراتهم ، فمثلا بطل الطف الامام الحسين عليه السلام ماهي الخيارات التي كانت في حساباته وما عرض عليه من قبل يزيد ؟ لو سلم الامر ليزيد هذا الخيار ماذا سيترتب عليه؟ اما ان يحفظ دمه ويجنب عياله وصحبه القتل ، او يغدر به يزيد ويقتله حتى لو سلم الامر له ، والخياران يترتب عليهما ذلة مع انتكاسة راية الاسلام والحسين عليه السلام قال هيهات منا الذلة ، والخيار الاخر انه يرفض البيعة ويواجه العدو ، وهنا خيار واحد لا غير وهو استشهاده هو ومن معه ، ومن ثم ماذا ؟ الفوز برضا الله عز وجل وصيانة رسالة الاسلام وسيكون حديث الاحرار عبر الزمن ما دام هنالك ليل ونهار ، واليوم نرى بام اعيننا كيف الاحرار يحيون ذكراه في العاشر من محرم ، وهنا لابد لنا الاشارة ان خيارات الامام الحسين عليه السلام تختلف عن خيارات من معه لانه الامام المعصوم والقدوة للمسلمين وقراراته نص لاستنباط الحكم الشرعي . ناتي لدراسة خيارات اصحابه باستثناء عبدالله بن الضحاك المشرقي الذي قاتل مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء لكنه انسحب من القتال بناءً على اتفاق بينهم كما ذكرت الروايات عن ذلك. لكن مثلا حبيب بن مظاهر خياراته اما ان ينسحب او يقاتل ، ولو انسحب فهو كبير قومه لكن ماذا سيقول عنه قومه ، وان قاتل سيستشهد بحكم التفاوت بين قوة الطرفين ، يعني خياراته اما الموت او الحياة ، فكان رايه الموت ، جون هذا العبد الفقير لو انسحب سوف لا يتلقى توبيخ اصحابه وحتى التاريخ ، لان الحسين عليه السلام اصلا عرض عليه الانسحاب ، وكان خياره الانسحاب او القتال والموت ؟ فاختار القتال والموت ، وهكذا كل اصحابه ، وهنا لنسال لماذا اختاروا الموت ؟ ماهو الايمان اليقيني الذي يتمتعون به حتى يفضلون الموت مع الحسين على الحياة ؟ اما عبد الله ابن الضحاك فان خياره القتال من اجل ان يقال انه قاتل مع الحسين والحفاظ على روحه وليس دفاعا عن الحسين عليه السلام يعني انه قاتل لاجل سلامته باطنا وذكره ضمن اصحاب الحسين ظاهرا ، واختار الحفاظ على روحه بدلا من اكمال القتال حتى لا يكون خيار الموت في حساباته . طبعا يقابلها خيارات يزيد وعبيد الله بن زياد والشمر وشبث وعمرو بن سعد فلكل طاغية خياراته ، مثلا يزيد هو من حدد خياراته ظاهرا لكن باطنا لديه خيار واحد فظاهرا يريد من الحسين ان يبايع ويتركه واذا قاتل قتله ، وهنا يزيد يعلم ان مسالة البيعة له لا تكون لذا جعله خيار حتى يمرر عذره على الحمقى لقتل الحسين عليه السلام . اليوم ماذا ترتب على يزيد بعد جريمته هذه ؟ التاريخ يلعنه الى ابد الابدين وفضحه بكل جرائمه وفسقه لانه لم يحسن اختيار الخيارات التي كانت امامه . اما الامام الحسين عليه السلام فانه اختار اصعب خيار لانه يعلم ما بعده ستكون كل الخيارات في صالح الاسلام ويبقى هو الحسين في القلب والضمير وما احياء عاشوراء الا دليل من عدة ادلة على علو خياره . اليوم عندما يرى الموظف امام عينه الفساد او يطلب منه ان يقول الحقيقة على مسؤوله الفاسد فيكون لديه خيارين اما الاعتراف وسيكون الثمن حسب رايه فقدان الوظيفة وهذا قلة الايمان بالله عز وجل ، او الكذب للحفاظ على كما يقول رزقي ورزق عيالي على حساب بقاء الفساد ، ولا يفكر ما سيترتب عليه من تفاقم المنكر ولا يقارن حاله بحال اصحاب الحسين عليه السلام . خيارات الحسين عليه السلام واصحابه هي بعينها خياراتنا في قراراتنا اليوم ونحن نعيش مفترق طرق ، لكي نعيش اما احرارا او عبيدا .