logo
هل يستطيع الذكاء الاصطناعي تحقيق رخاء اقتصادي شامل؟

هل يستطيع الذكاء الاصطناعي تحقيق رخاء اقتصادي شامل؟

البورصةمنذ 4 أيام
رغم الزخم الكبير الذي يحيط بتقنيات الذكاء الاصطناعي في الوقت الراهن، فإن ثمة قليل من الإجماع حول تأثيرها الحقيقي.
مع ذلك، يبدو أن هناك توقعاً واسع الانتشار بين الشركات والمستثمرين والمحللين بأن الذكاء الاصطناعي سيعزز الإنتاجية في مجالات متعددة، لكن حتى لو تحققت هذه المكاسب، هل ستكون مجدية فعلاً؟
يتوقع العديد من المراقبين أن تحقق تقنيات الذكاء الاصطناعي مكاسب كبيرة على صعيد الإنتاجية.
وتشير مجموعة متنامية من دراسات الحالات إلى وجود مؤشرات أولية داعمة لذلك.
علاوة على ذلك، فإن التوسع السريع في قدرات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب انخفاض تكاليف التدريب والتشغيل، والاتجاه المتزايد نحو أدوات وأنظمة مفتوحة المصدر، يضيف أسباباً قوية للاعتقاد بأن هذه التقنية يمكن أن تُطبق بطرق مجدية في جميع القطاعات والمهن تقريباً.
مع ذلك، فإن تنفيذ الذكاء الاصطناعي بشكل فعال ليس أمراً مضموناً، كما أنه لن يتحقق بين ليلة وضحاها، نظراً للتحديات المرتبطة بإمكانية الوصول وانتشار الاستخدام ومنحنيات التعلم.
وحتى لو تم تجاوز هذه العقبات، فإن تحقيق مكاسب إنتاجية مدفوعة بالذكاء الاصطناعي لا يضمن تلقائياً تحقيق فوائد واسعة على صعيد التوظيف والدخل. إذ يرتبط ذلك بما يحدث في مجالين أساسيين، وهما أدوات الذكاء الاصطناعي وسوق العمل.
نعلم أن أدوات الذكاء الاصطناعي تتوسع بسرعة، لكن إذا ركرت معظم هذه الأدوات على محاكاة القدرات البشرية، وبالتالي استبدال العمالة البشرية، فإن تحسينات الإنتاجية قد تصاحبها آثار توزيعية سلبية، حسب ما نقله موقع 'بروجكت سنديكيت'.
في هذا السياق، أشار أندرياس هاوبت وإريك برينجولفسون ، مؤخراً إلى أن مجموعة من معايير التقييم الحالية لأنظمة التعلم الآلي متحيزة لصالح الأتمتة، إذ تضم القليل فقط من الاختبارات التي تشمل التفاعل مع البشر.
لتفادي تحول تطوير الذكاء الاصطناعي إلى 'لعبة تقليد'، نصح هاوبت وبرينجولفسون مجتمع المطورين باعتماد ما يُعرف بـ'تقييمات القنطور'، والتي يُطلب فيها من البشر وأنظمة الذكاء الاصطناعي حل المهام بشكل مشترك.
ويسهم هذا التحول في توجيه تطوير التعلم الآلي نحو التعزيز والتعاون البشري الآلي، بدلاً من الأتمتة الكاملة.
ومع ذلك، فإن ضمان تقاسم فوائد الذكاء الاصطناعي بشكل واسع يتطلب أيضاً النظر إلى سوق العمل.
فعلى سبيل المثال، في الولايات المتحدة، يعمل نحو 20% من العمال في القطاع القابل للتجارة، والذي يشمل التصنيع (40%) والخدمات القابلة للتصدير (60%).
أما النسبة المتبقية، أي نحو 80% من القوة العاملة، فهي تعمل في قطاعات الخدمات غير القابلة للتجارة، مثل الحكومة والتعليم والضيافة والتجزئة التقليدية والبناء.
اتسعت الفجوة تدريجياً خلال العقود الثلاثة الماضية بين القطاعين القابل وغير القابل للتجارة من حيث الإنتاجية والدخل.
فبوجه عام، يتمتع القطاع القابل للتجارة، الذي يضم وظائف مثل إدارة الشركات متعددة الجنسيات، وتصميم أشباه الموصلات والحواسيب، وإجراء البحوث والتطوير، بإنتاجية أعلى ونمو أسرع، إضافة إلى نمو أكبر في الدخل.
ولهذا، ورغم تراجع التوظيف في قطاع التصنيع ثم استقراره لاحقاً، واصل الناتج، أو بدقة أكبر القيمة المضافة، نموه.
في حال غاب الحذر، فإن الذكاء الاصطناعي قد يزيد من اتساع الفجوة بين القطاعين، مما يؤدي إلى تصاعد حاد في التفاوت.
ولن تُحقق مكاسب إنتاجية على مستوى الاقتصاد ككل، أو زيادات شاملة في الدخل، إلا إذا تم تطبيق الذكاء الاصطناعي بفعالية في كلا القطاعين، بما يشمل الوظائف ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة.
لهذا، يجب أن تُبذل جهود منهجية لتوجيه تطوير الذكاء الاصطناعي نحو التعزيز والتعاون عبر جميع مستويات الوظائف والدخل.
ثمة بعض المؤشرات الإيجابية في هذا الصدد.
فقد أجرت وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة في الولايات المتحدة مسابقات تركز على التعاون بين الإنسان والروبوت، مثل الروبوتات التي تعزز القدرات الجسدية للبشر، أو تلك التي يتم توجيهها من قبل البشر للتنقل في بيئات مادية معقدة وسريعة التغير.
إلا أن الجهود الحالية لا تزال غير كافية، ويجب أن تركز تمويلات الأبحاث الأساسية في مجال الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التمويل الحكومي، على التعزيز والتعاون، إلى جانب تقديم حوافز للمطورين من القطاع الخاص.
يمكن أن تلعب اعتبارات أخرى دوراً في تشكيل مسار تطوير الذكاء الاصطناعي.
فمثلاً، يقدم نظام 'ألفافولد' من 'ديب مايند' مكاسب كبيرة في الكفاءة والإنتاجية من خلال أداء مهمة كانت تستغرق وقتاً طويلاً وتتطلب جهداً بشرياً مكثفاً، وهي التنبؤ ببنية البروتينات استناداً إلى تسلسل الأحماض الأمينية، لكن الهدف من هذا النظام ليس استبدال البشر، بل دفع عجلة التقدم في علوم الطب الحيوي، وهو ما يعود بالنفع على الإنسان بطرق أخرى.
مع ذلك، يجب أن يكون ضمان توفير أدوات ذكاء اصطناعي تركز على التعزيز والتعاون عبر القطاعات ومستويات الدخل المختلفة أولوية قصوى.
لكن ذلك وحده لا يكفي لضمان تحقيق طفرة حقيقية في الرخاء الاقتصادي الشامل، لأن هناك عوامل توازن عامة لا تزال تؤثر على النتائج.
وقد شهدنا هذا الأمر في الموجة الرقمية السابقة، حيث تم أتمتة العديد من الوظائف الروتينية والقابلة للترميز.
ومع إضافة عامل العولمة، التي أدت إلى الاستعانة بمصادر خارجية لوظائف التصنيع كثيفة العمالة، اضطر عدد كبير من العمال، وغالباً من الطبقة الوسطى، إلى التحول نحو وظائف غير روتينية، غالباً بإنتاجية ودخل أقل، ولم يكن هذا الانتقال سلساً بطبيعة الحال.
في المرحلة المقبلة من التحول المدفوع بالذكاء الاصطناعي، ستؤدي مكاسب الإنتاجية إلى انخفاض التكاليف، ومع ضغوط المنافسة الطبيعية، إلى انخفاض الأسعار.
لكن إذا كان الطلب في القطاع المعني غير مرن (أي أن مرونة الطلب أقل من واحد)، فإن خسائر الوظائف ستكون حتمية.
وبالطبع، ستنشأ وظائف جديدة في قطاعات أخرى ذات مرونة طلب أعلى.
غير أن التنقل بين القطاعات وفئات الوظائف ينطوي على درجة عالية من الاضطراب، مع وجود خطر حقيقي بحدوث زيادة مؤقتة في العرض من العمالة مقارنة بالطلب، ما قد يُضعف قدرة العمال على التفاوض.
وأشار العديد من الخبراء إلى أن دعم الانتقال، سواء من حيث الدخل أو اكتساب المهارات، أمر أساسي.
ومن المرجح أن تسهم أدوات الذكاء الاصطناعي ذاتها في جهود إعادة التدريب واكتساب المهارات.
وفي الوقت ذاته، ينبغي على صُناع السياسات توليد طلب على العمالة، على غرار ما حدث بعد الكساد الكبير.
بالنسبة للولايات المتحدة، فإن هذه اللحظة تمثل فرصة لضرب عصفورين بحجر واحد، إذ تعاني البلاد من تأخر ملحوظ في تطوير وتحديث البنية التحتية، لأسباب متعددة.
ويمكن أن يؤدي عكس هذا الاتجاه إلى خلق وظائف جيدة وتحفيز الطلب على العمالة، مما يوفر حاجز أمان مرحلي خلال التحول القادم المدفوع بالذكاء الاصطناعي.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هل يستطيع الذكاء الاصطناعي تحقيق رخاء اقتصادي شامل؟
هل يستطيع الذكاء الاصطناعي تحقيق رخاء اقتصادي شامل؟

البورصة

timeمنذ 4 أيام

  • البورصة

هل يستطيع الذكاء الاصطناعي تحقيق رخاء اقتصادي شامل؟

رغم الزخم الكبير الذي يحيط بتقنيات الذكاء الاصطناعي في الوقت الراهن، فإن ثمة قليل من الإجماع حول تأثيرها الحقيقي. مع ذلك، يبدو أن هناك توقعاً واسع الانتشار بين الشركات والمستثمرين والمحللين بأن الذكاء الاصطناعي سيعزز الإنتاجية في مجالات متعددة، لكن حتى لو تحققت هذه المكاسب، هل ستكون مجدية فعلاً؟ يتوقع العديد من المراقبين أن تحقق تقنيات الذكاء الاصطناعي مكاسب كبيرة على صعيد الإنتاجية. وتشير مجموعة متنامية من دراسات الحالات إلى وجود مؤشرات أولية داعمة لذلك. علاوة على ذلك، فإن التوسع السريع في قدرات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب انخفاض تكاليف التدريب والتشغيل، والاتجاه المتزايد نحو أدوات وأنظمة مفتوحة المصدر، يضيف أسباباً قوية للاعتقاد بأن هذه التقنية يمكن أن تُطبق بطرق مجدية في جميع القطاعات والمهن تقريباً. مع ذلك، فإن تنفيذ الذكاء الاصطناعي بشكل فعال ليس أمراً مضموناً، كما أنه لن يتحقق بين ليلة وضحاها، نظراً للتحديات المرتبطة بإمكانية الوصول وانتشار الاستخدام ومنحنيات التعلم. وحتى لو تم تجاوز هذه العقبات، فإن تحقيق مكاسب إنتاجية مدفوعة بالذكاء الاصطناعي لا يضمن تلقائياً تحقيق فوائد واسعة على صعيد التوظيف والدخل. إذ يرتبط ذلك بما يحدث في مجالين أساسيين، وهما أدوات الذكاء الاصطناعي وسوق العمل. نعلم أن أدوات الذكاء الاصطناعي تتوسع بسرعة، لكن إذا ركرت معظم هذه الأدوات على محاكاة القدرات البشرية، وبالتالي استبدال العمالة البشرية، فإن تحسينات الإنتاجية قد تصاحبها آثار توزيعية سلبية، حسب ما نقله موقع 'بروجكت سنديكيت'. في هذا السياق، أشار أندرياس هاوبت وإريك برينجولفسون ، مؤخراً إلى أن مجموعة من معايير التقييم الحالية لأنظمة التعلم الآلي متحيزة لصالح الأتمتة، إذ تضم القليل فقط من الاختبارات التي تشمل التفاعل مع البشر. لتفادي تحول تطوير الذكاء الاصطناعي إلى 'لعبة تقليد'، نصح هاوبت وبرينجولفسون مجتمع المطورين باعتماد ما يُعرف بـ'تقييمات القنطور'، والتي يُطلب فيها من البشر وأنظمة الذكاء الاصطناعي حل المهام بشكل مشترك. ويسهم هذا التحول في توجيه تطوير التعلم الآلي نحو التعزيز والتعاون البشري الآلي، بدلاً من الأتمتة الكاملة. ومع ذلك، فإن ضمان تقاسم فوائد الذكاء الاصطناعي بشكل واسع يتطلب أيضاً النظر إلى سوق العمل. فعلى سبيل المثال، في الولايات المتحدة، يعمل نحو 20% من العمال في القطاع القابل للتجارة، والذي يشمل التصنيع (40%) والخدمات القابلة للتصدير (60%). أما النسبة المتبقية، أي نحو 80% من القوة العاملة، فهي تعمل في قطاعات الخدمات غير القابلة للتجارة، مثل الحكومة والتعليم والضيافة والتجزئة التقليدية والبناء. اتسعت الفجوة تدريجياً خلال العقود الثلاثة الماضية بين القطاعين القابل وغير القابل للتجارة من حيث الإنتاجية والدخل. فبوجه عام، يتمتع القطاع القابل للتجارة، الذي يضم وظائف مثل إدارة الشركات متعددة الجنسيات، وتصميم أشباه الموصلات والحواسيب، وإجراء البحوث والتطوير، بإنتاجية أعلى ونمو أسرع، إضافة إلى نمو أكبر في الدخل. ولهذا، ورغم تراجع التوظيف في قطاع التصنيع ثم استقراره لاحقاً، واصل الناتج، أو بدقة أكبر القيمة المضافة، نموه. في حال غاب الحذر، فإن الذكاء الاصطناعي قد يزيد من اتساع الفجوة بين القطاعين، مما يؤدي إلى تصاعد حاد في التفاوت. ولن تُحقق مكاسب إنتاجية على مستوى الاقتصاد ككل، أو زيادات شاملة في الدخل، إلا إذا تم تطبيق الذكاء الاصطناعي بفعالية في كلا القطاعين، بما يشمل الوظائف ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة. لهذا، يجب أن تُبذل جهود منهجية لتوجيه تطوير الذكاء الاصطناعي نحو التعزيز والتعاون عبر جميع مستويات الوظائف والدخل. ثمة بعض المؤشرات الإيجابية في هذا الصدد. فقد أجرت وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة في الولايات المتحدة مسابقات تركز على التعاون بين الإنسان والروبوت، مثل الروبوتات التي تعزز القدرات الجسدية للبشر، أو تلك التي يتم توجيهها من قبل البشر للتنقل في بيئات مادية معقدة وسريعة التغير. إلا أن الجهود الحالية لا تزال غير كافية، ويجب أن تركز تمويلات الأبحاث الأساسية في مجال الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التمويل الحكومي، على التعزيز والتعاون، إلى جانب تقديم حوافز للمطورين من القطاع الخاص. يمكن أن تلعب اعتبارات أخرى دوراً في تشكيل مسار تطوير الذكاء الاصطناعي. فمثلاً، يقدم نظام 'ألفافولد' من 'ديب مايند' مكاسب كبيرة في الكفاءة والإنتاجية من خلال أداء مهمة كانت تستغرق وقتاً طويلاً وتتطلب جهداً بشرياً مكثفاً، وهي التنبؤ ببنية البروتينات استناداً إلى تسلسل الأحماض الأمينية، لكن الهدف من هذا النظام ليس استبدال البشر، بل دفع عجلة التقدم في علوم الطب الحيوي، وهو ما يعود بالنفع على الإنسان بطرق أخرى. مع ذلك، يجب أن يكون ضمان توفير أدوات ذكاء اصطناعي تركز على التعزيز والتعاون عبر القطاعات ومستويات الدخل المختلفة أولوية قصوى. لكن ذلك وحده لا يكفي لضمان تحقيق طفرة حقيقية في الرخاء الاقتصادي الشامل، لأن هناك عوامل توازن عامة لا تزال تؤثر على النتائج. وقد شهدنا هذا الأمر في الموجة الرقمية السابقة، حيث تم أتمتة العديد من الوظائف الروتينية والقابلة للترميز. ومع إضافة عامل العولمة، التي أدت إلى الاستعانة بمصادر خارجية لوظائف التصنيع كثيفة العمالة، اضطر عدد كبير من العمال، وغالباً من الطبقة الوسطى، إلى التحول نحو وظائف غير روتينية، غالباً بإنتاجية ودخل أقل، ولم يكن هذا الانتقال سلساً بطبيعة الحال. في المرحلة المقبلة من التحول المدفوع بالذكاء الاصطناعي، ستؤدي مكاسب الإنتاجية إلى انخفاض التكاليف، ومع ضغوط المنافسة الطبيعية، إلى انخفاض الأسعار. لكن إذا كان الطلب في القطاع المعني غير مرن (أي أن مرونة الطلب أقل من واحد)، فإن خسائر الوظائف ستكون حتمية. وبالطبع، ستنشأ وظائف جديدة في قطاعات أخرى ذات مرونة طلب أعلى. غير أن التنقل بين القطاعات وفئات الوظائف ينطوي على درجة عالية من الاضطراب، مع وجود خطر حقيقي بحدوث زيادة مؤقتة في العرض من العمالة مقارنة بالطلب، ما قد يُضعف قدرة العمال على التفاوض. وأشار العديد من الخبراء إلى أن دعم الانتقال، سواء من حيث الدخل أو اكتساب المهارات، أمر أساسي. ومن المرجح أن تسهم أدوات الذكاء الاصطناعي ذاتها في جهود إعادة التدريب واكتساب المهارات. وفي الوقت ذاته، ينبغي على صُناع السياسات توليد طلب على العمالة، على غرار ما حدث بعد الكساد الكبير. بالنسبة للولايات المتحدة، فإن هذه اللحظة تمثل فرصة لضرب عصفورين بحجر واحد، إذ تعاني البلاد من تأخر ملحوظ في تطوير وتحديث البنية التحتية، لأسباب متعددة. ويمكن أن يؤدي عكس هذا الاتجاه إلى خلق وظائف جيدة وتحفيز الطلب على العمالة، مما يوفر حاجز أمان مرحلي خلال التحول القادم المدفوع بالذكاء الاصطناعي.

أزمة الإسكان فى الصين أسوأ مما تبدو عليه
أزمة الإسكان فى الصين أسوأ مما تبدو عليه

البورصة

timeمنذ 6 أيام

  • البورصة

أزمة الإسكان فى الصين أسوأ مما تبدو عليه

تُظهر ملامح الاقتصاد الصيني حالياً تشابهاً مقلقاً مع الاقتصاد الياباني في تسعينيات القرن الماضي، حين أدى انهيار فقاعة الإسكان إلى فترة طويلة من الركود. غير أن ما يُعرف بـ'العقود الضائعة' في اليابان لم يكن نتيجة حتمية لاتجاهات لا رجعة فيها، بل انعكاساً لأخطاء سياسية نابعة من سوء فهم لطبيعة التحديات الاقتصادية. والسؤال المطروح الآن هو: هل يكرر صناع القرار في الصين الأخطاء ذاتها؟ شهدت فقاعة الإسكان اليابانية ارتفاعاً حاداً في نسبة أسعار المنازل إلى الدخل السنوي، إذ قفزت النسبة في طوكيو من 8 في عام 1985 إلى 18 في عام 1990. وجاء هذا الارتفاع مدفوعاً بعدة عوامل، منها سياسات الضرائب على الأراضي، والتحرير المالي، وسوء التنسيق بين السياسات المالية والنقدية. كما أسهم الطلب القوي من المشترين لأول مرة، والذين تراوحت أعمارهم بين 39 و43 عاماً في المتوسط، بشكل كبير في هذه الزيادة، بحسب ما أوضحه موقع 'بروجكت سنديكيت'. أدى شعور مالكي المنازل بالثراء إلى زيادة في الاستهلاك، ما رفع بدوره أسعار السلع والخدمات والأسهم، وساهم في خلق المزيد من الوظائف وتراجع البطالة. غير أن الطلب على المنازل الجديدة بدأ بالانخفاض لاحقاً، وكان للتغيرات الديموغرافية دور أساسي في ذلك. ففي عام 1991، ومع وصول نسبة السكان الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً إلى 13%، بدأت أعداد المشترين لأول مرة في التراجع. وانهارت قيم العقارات، وتهاوت سوق الأسهم، ودخلت اليابان في فخ انكماشي سمته انخفاض الخصوبة وارتفاع البطالة. وقد فاقم التشخيص الخاطئ للأزمة الوضع سوءاً، إذ اعتُبر ما كان في جوهره مرضاً ديموغرافياً مزمناً حالة طارئة مؤقتة. اعتقد صُناع السياسات حينها أن اليابان تواجه أزمة ناتجة عن ارتفاع قيمة الين بعد اتفاق 'بلازا' عام 1985، الذي توافقت فيه القوى الاقتصادية الكبرى على تخفيض قيمة الدولار. ورداً على ذلك، لجأت الحكومة اليابانية إلى طباعة النقود، وخفض أسعار الفائدة، وزيادة العجز المالي، وتطبيق سياسات التيسير الكمي. أسفرت هذه السياسات، إلى جانب انتعاش أعداد المشترين الجدد منذ عام 2001، عن ارتفاع جديد في أسعار المنازل، مما فاقم الأزمة الديموغرافية الأساسية، إذ أصبحت تكاليف تكوين الأسرة أعلى، ما دفع الشباب إلى تأجيل الزواج وإنجاب عدد أقل من الأطفال. وسعت الحكومة إلى رفع معدلات الإنجاب من خلال زيادات في المخصصات المالية للأطفال وتحسين خدمات رعاية الطفولة، لكنها لم تحقق سوى نجاح محدود؛ فارتفع معدل الخصوبة من 1.26 طفل لكل امرأة في عام 2005 إلى 1.45 فقط بعد عقد. في مرحلة لاحقة، وضع رئيس الوزراء آنذاك شينزو آبي هدفاً يتمثل في رفع معدل الخصوبة إلى 1.8. لكن الإجراءات المتخذة، والتي شملت تسهيل عودة النساء إلى العمل بعد الإنجاب، لم تكن كافية لتعويض تأثير السياسات النقدية المرنة التي اعتُبرت ضرورية لمواجهة الانكماش وتحفيز النمو. وواصلت أسعار العقارات ارتفاعها، وتراجعت معدلات الزواج، وانخفض عدد المواليد. وفي العام الماضي، بلغ معدل الخصوبة في اليابان 1.15 طفل فقط لكل امرأة. في السابق، كانت اليابان ترحب بأسعار الفائدة المنخفضة والين الضعيف نظراً لاعتماد اقتصادها الكبير على التصدير. لكن شيخوخة القوى العاملة وتناقص أعدادها أديا إلى ضغوط تصاعدية على الأجور، ما زاد التضخم الداخلي وأضعف قطاع التصنيع، وحول اليابان من بلد فائض إلى بلد يعاني من العجز، لتصبح أكثر عرضة لتضخم مستورد. وهكذا، نجحت اليابان في الخروج من فخ الانكماش، لكنها سقطت في فخ تضخمي طويل الأمد يقلص القوة الشرائية والقدرة على الإنجاب، ويمهد لانهيار ديموغرافي يُحول 'العقود الضائعة' إلى 'قرون ضائعة'. تشكل هذه التجربة تحذيراً جدياً للصين التي تواجه أزمات عقارية وديموغرافية مماثلة. فعلى مدى العقود الأخيرة، أدت وتيرة التوسع العمراني السريعة، ونُدرة الأراضي المدفوعة بالسياسات الحكومية، واعتماد الحكومات المحلية على عوائد بيع الأراضي، بجانب التوقعات المرتفعة للنمو المستقبلي، إلى ارتفاع كبير في أسعار العقارات. وأسهم الطلب القوي من المشترين لأول مرة، بدور مهم أيضاً، إذ إن غالبية الشباب الصينيين، نتيجة عقود من تقييد الإنجاب، لا يملكون إخوة، ما يجعلهم يشترون منازلهم الأولى في سن أصغر بـ11 عاماً مقارنةً بنظرائهم اليابانيين. لكن عدد السكان الصينيين في المناطق الحضرية ممن تتراوح أعمارهم بين 28 و32 عاماً بلغ ذروته في عام 2019، وسرعان ما انفجرت فقاعة العقارات بعد ذلك. واليوم، يعاني قطاع العقارات، الذي وصل في ذروته خلال 2020 و2021 إلى مساهمة بنسبة 25% من إجمالي الناتج المحلي، و38% من إيرادات الحكومة، من ضعف الطلب، وتراجع البناء، وتخمة في المعروض. كما أدى انخفاض الأسعار إلى تآكل ثروة الأسر، بخسائر تعادل حجم الاقتصاد السنوي للصين، ما قوض الاستهلاك والتوظيف والاقتراض والاستثمار. تتسم الأزمة الراهنة في الصين بحدة تفوق ما واجهته اليابان في التسعينيات. ففقاعة العقارات الصينية أكبر بكثير، إذ بلغت الاستثمارات السكنية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 ما يعادل 1.5 ضعف نظيرتها في اليابان عام 1990. كما مثلت العقارات نحو 70% من إجمالي أصول الأسر الصينية في 2020، مقارنة بنسبة أقل بكثير في اليابان آنذاك. علاوة على ذلك، فإن معدل الخصوبة في الصين أقل مما كان عليه في اليابان. وبينما شهدت اليابان موجة ثانية من المشترين لأول مرة بعد عقد من الموجة الأولى، فإن الصين لا تُبشر بأي موجة مماثلة. بل إن نسبة السكان فوق 65 عاماً تتزايد بوتيرة أسرع بكثير مما كانت عليه في اليابان، إذ استغرقت اليابان 28 عاماً للوصول إلى النسبة التي ستحققها الصين بحلول عام 2040. وخلال الفترة المشابهة (1997 – 2025)، لم يتجاوز متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي في اليابان نسبة 0.6% سنوياً. وأخيراً، تواجه الصين ضغوطاً انكماشية وبطالة أشد من اليابان، إذ لم تتعد نسبة استهلاك الأسر 38% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، مقارنة بنسبة 50% في اليابان عام 1990. ربما يكون المؤشر الأكثر إثارة للقلق هو استمرار الحكومة الصينية في الترويج لمعدل نمو محتمل يبلغ 5%، بينما يرى بعض المسؤولين إمكانية الوصول إلى نسبة 8%. ولتحقيق ذلك، يعتمد صُناع السياسات على إجراءات تحقق عوائد سريعة على المدى القصير، مثل زيادة المعروض من الإسكان الميسر وتطبيق التيسير الكمي، بينما يغضون الطرف عن الركائز الضعيفة للاقتصاد. كما قال الفيلسوف الألماني هيغل ذات يوم: 'الشيء الوحيد الذي نتعلمه من التاريخ، هو أننا لا نتعلم من التاريخ'. : الصينالعقاراتاليابان

ما فوائد وتكاليف سلاسل القيمة العالمية؟
ما فوائد وتكاليف سلاسل القيمة العالمية؟

البورصة

time٢٩-٠٦-٢٠٢٥

  • البورصة

ما فوائد وتكاليف سلاسل القيمة العالمية؟

تُعد العوامل الجيوسياسية من المحركات الرئيسة لموجة فكّ الارتباط الاقتصادي العالمي التي تقودها الولايات المتحدة حالياً، لكن ثمة أيضاً اعتبارات اقتصادية تدفع العديد من الدول إلى إعادة سلاسل التوريد إلى مناطق أقرب. وهنا يظهر تساؤل جوهري: ما هي التكاليف الاقتصادية للعولمة؟ وهل تفوق فوائدها؟ للإجابة عن هذا السؤال، لا بد أولاً من التمييز بين نوعين من المشاركة في سلاسل القيمة العالمية، هما المشاركة 'العكسية' والمشاركة 'الأمامية'. تُشير المشاركة العكسية إلى اعتماد الإنتاج المحلي في دولة ما على مدخلات وسيطة مستوردة، أي النسبة التي تمثلها القيمة المضافة الأجنبية في إجمالي صادرات الدولة. فعلى سبيل المثال، حين تُنتج فيتنام وتُصدر هواتف 'سامسونج جالاكسي'، فإنها تعتمد إلى حد كبير على مكونات تقنية عالية مستوردة من كوريا الجنوبية ودول أخرى، ما يجعل مؤشر مشاركتها العكسية في سلاسل القيمة مرتفعاً جداً، بينما تكون القيمة المضافة المحلية محدودة نسبياً. أما المشاركة الأمامية في سلاسل القيمة العالمية، فتعني استخدام صادرات دولة ما كمدخلات في عمليات إنتاج لدى شركائها التجاريين، أي ما تضيفه هذه الصادرات من قيمة إلى صادرات الآخرين. على سبيل المثال، عندما تُصدر الولايات المتحدة قطع غيار السيارات إلى المكسيك لتجميعها هناك، فإن مؤشر مشاركتها الأمامية في سلاسل القيمة يكون مرتفعاً. تُظهر دراسات حديثة أن المشاركة العكسية في سلاسل القيمة غالباً ما تُسهم في تعزيز النمو الاقتصادي، بينما المشاركة الأمامية قد تؤدي إلى إضعافه. لكن هذا الاستنتاج العام يخفي وراءه العديد من التفاصيل الدقيقة، حسب ما ذكره موقع 'بروجكت سنديكيت'. فعلى سبيل البدء، تُسجل المشاركة الأمامية في سلاسل القيمة تأثيرات سلبية أكبر على النمو في الاقتصادات التي تفتقر إلى المرونة. ويُحتمل أن السبب في ذلك هو أن هذه الاقتصادات، عندما تُعيد توجيه الأجزاء ذات القيمة المضافة المنخفضة من سلاسلها الإنتاجية إلى الخارج، تفشل في إعادة تخصيص الموارد البشرية والمادية المرتبطة بها داخلياً. وبالتالي، ورغم أن الشركات متعددة الجنسيات استفادت من نقل خطوط التصنيع خارج الولايات المتحدة مثلاً، فإن المكاسب على مستوى الاقتصاد الكلي الأمريكي تبقى أقل وضوحاً، وقد تضررت بالفعل بعض الفئات من العمال. يمكن أن يُفسر هذا جزئياً ما خلُصت إليه دراسة أخرى، من أن الأثر السلبي للمشاركة الأمامية في سلاسل القيمة يعتمد إلى حد كبير على العناصر التي تم ترحيلها إلى الخارج. ففي قطاع تكنولوجيا المعلومات في كوريا الجنوبية، تم نقل تجميع المنتجات النهائية إلى دول أخرى، بينما بقي البحث والتطوير والتسويق في الداخل، وهو ما أضر بالنمو. أما في قطاع السيارات، حيث احتُفظ بمعظم خطوط التجميع داخل كوريا الجنوبية، فقد كانت الآثار السلبية للمشاركة الأمامية محدودة. لا تقل تباينات التأثيرات وضوحاً في حالة المشاركة العكسية. ففي إسبانيا، أسهمت المشاركة العكسية في قطاعات مثل الصناعات الدوائية والغذائية والصناعية، بالإضافة إلى القطاع الصناعي الكلي، في دعم النمو الاقتصادي العام، لكنها لم تُحقق نفس الأثر الإيجابي في قطاع السيارات. أما في كوريا الجنوبية، فإن المشاركة العكسية لم تُسهم إيجاباً في معظم القطاعات، بل أثرت سلباً على النمو في مجالات مثل الحوسبة والخدمات المالية. يبدو أن طبيعة الهيكل الصناعي والمؤسسي في كل بلد هي العامل الحاسم في ذلك. ففي كوريا الجنوبية، تهيمن التكتلات الكبرى المتنوعة التي تعتمد على تكامل عمودي في سلاسل القيمة، ما يعني أن زيادة الروابط العكسية تعني عملياً استيراد مدخلات أجنبية لتحل محل منتجات كانت تُصنع محلياً ضمن سلاسل إنتاج داخلية، بالتالي خسارة سلاسل قيمة وطنية كانت تعمل بكفاءة داخل حدود الدولة. وعلى النقيض، فإن البنية الصناعية في إسبانيا تتسم بدرجة عالية من التخصص والاندماج الأفقي مع دول الجوار الأوروبي، بدلاً من التكامل العمودي. لذا فإن المدخلات الوسيطة المستوردة تمثل غالباً خيارات أكثر كفاءة وجدوى اقتصادية للإنتاج المحلي. يُعد قطاع الصناعات الدوائية نموذجاً على ذلك، إذ تتجاوز درجة المشاركة العكسية في صادرات إسبانيا في هذا القطاع نسبة 30%، إذ تؤدي إسبانيا دور 'عقدة' في شبكة صناعية أوروبية متكاملة. ولا تسيطر إسبانيا على المراحل الأعلى قيمة في هذه الشبكة، بل تعمل بالقرب من الأسواق الاستهلاكية النهائية. لكنها، في الوقت ذاته، تتمتع بقدرات علمية وتكنولوجية قوية مكنتها من تطوير شركاتها المحلية باستمرار. وبين عامي 1995 و2020، سجلت صادراتها الدوائية نمواً مضاعفاً. في المقابل، تُعد آثار المشاركة العكسية على النمو الاقتصادي أكثر غموضاً في الاقتصادات الأقل تطوراً. فكما تُظهر حالة قطاع السيارات في تايلاند وقطاع تكنولوجيا المعلومات في فيتنام، تُسجل اقتصادات الأسواق الناشئة عادةً معدلات مرتفعة من المشاركة العكسية، وهو ما يُسهم في توفير فرص عمل. لكن نظراً لأن هذه المشاركة ترتبط غالباً بقيمة مضافة محلية منخفضة، فإن قدرتها على ترقية التكنولوجيا وزيادة الإنتاجية تبقى محدودة، وهذا ما يُفسّر لماذا يصعب الخروج من 'فخ الدخل المتوسط'. ورغم أن المشاركة في سلاسل القيمة العالمية ليست مفيدة على نحو شامل، فإن الدعوات إلى الانسحاب منها تفتقر إلى الوضوح الاقتصادي. فالمقاربة المتوازنة تقتضي فهماً دقيقاً للمقاطع التي تسيطر عليها الدول محلياً داخل السلاسل، إضافة إلى السياسات التي يمكن أن تُعزز الآثار الإيجابية لهذه المشاركة. وربما يكون الأجدى من رفض سلاسل القيمة العالمية هو أن تعمل الحكومات على زيادة مرونة هياكلها الصناعية، أو دعم ارتفاع القيمة المضافة المحلية ضمن سلاسل الإنتاج.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store