
هل يستطيع مشروع 'طريق التنمية' إصلاح الشرق الأوسط؟
في وقتٍ يشهد فيه الشرق الأوسط صراعات متفاقمة ومحاولات متعثرة لإعادة صياغة علاقات الإقليم، يعود العراق إلى الواجهة بمبادرة استراتيجية قد تغيّر موازين الجغرافيا الاقتصادية والسياسية في المنطقة، بحسب تحليل يقدمه موقع " أسباب".
حيث يمثل مشروع طريق التنمية، أو كما يصفه البعض بـ"القناة الجافة"، رهان بغداد على إعادة التموضع كلاعب مركزي في التجارة بين الشرق والغرب، من خلال ربط موانئ الخليج العربي بتركيا وأوروبا عبر شبكة حديثة من الطرق والسكك الحديدية.
ما دام الموقع الجغرافي للعراق ميزة كامنة، لكنها كثيراً ما تحوّلت إلى عبء بسبب التدخلات الإقليمية والصراعات الداخلية. اليوم، تحاول بغداد استثمار هذه الميزة عبر إنشاء ممر لوجستي يمتد من ميناء الفاو الكبير على الخليج العربي حتى الحدود التركية شمالاً بطول 1200 كيلومتر، متصلاً بخطوط النقل الأوروبية.
تُقدَّر كلفة المشروع بنحو 7 مليارات دولار.
يهدف إلى نقل ما يقارب 40 مليون طن من البضائع سنوياً.
يُولِّد نحو 250 ألف فرصة عمل.
تحقيق إيرادات تصل إلى 4 مليارات دولار من رسوم العبور سنوياً.
وبحسب التحليل، فإن هذه الأرقام تكشف أن الرهان ليس اقتصادياً فحسب، بل تنموياً وجيوسياسياً في آنٍ واحد.
ميناء الفاو: حجر الأساس لمشروع طريق التنمية
جوهر هذا المشروع هو ميناء الفاو الكبير، الذي يُبنى على جزيرة اصطناعية عند مصب شط العرب. من المقرر أن يضم الميناء 99 مرسى، بطاقة استيعابية تصل إلى 36 مليون طن من الحاويات سنوياً (ما يعادل 4 ملايين حاوية قياسية)، وهو رقم يقارب قدرة موانئ مثل بورسعيد أو أبوظبي. وبدأت أعمال البناء بالفعل، وتتوقع الحكومة العراقية استكماله بحلول عام 2038.
ويُعد حاجز الأمواج الذي تم إنشاؤه بطول 15 كيلومتراً – وهو الأطول في العالم – بمثابة إعلان واضح عن التزام بغداد بهذا المشروع. وعلى الصعيد السياسي، يحاول العراق أن يُقدّم نفسه كطرف جامع بدلاً من أن يكون ساحة صراع. ففي أبريل/نيسان 2024، استضافت بغداد قمة تركية – عراقية هي الأولى منذ أكثر من عقد، تُوّجت بتوقيع أكثر من 24 اتفاقية، أبرزها اتفاق لتقاسم المياه بين دجلة والفرات، ومذكرة تفاهم لمكافحة حزب العمال الكردستاني.
لاحقاً، تحرّكت بغداد نحو الخليج، ووقّعت اتفاقات استثمارية مع قطر والإمارات. وقد بدا واضحاً أن العراق يحاول حشد أكبر قدر من الشركاء الإقليميين لدعم المشروع، في خطوة تختلف عن مشاريع موازية مثل الممر الاقتصادي الهندي – الشرق أوسطي – الأوروبي الذي يمر عبر إسرائيل، أو الممر الشمالي المدعوم من روسيا، أو الممر الأوسط الصيني. الميزة العراقية تكمن في السعي إلى شمول الجميع، وعدم إقصاء أي طرف، في مقابل مشاريع ذات طابع محوري يُقصي بعض اللاعبين.
منافسة عالمية شرسة
ينافس المشروع العراقي عدة مبادرات طموحة على الساحة الدولية:
الممر الاقتصادي الهندي – الشرق أوسطي – الأوروبي: تلقى هذا المشروع دفعة خلال قمة العشرين 2023، بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند، ويفترض أن يربط مومباي بموانئ الإمارات ثم يعبر السعودية والأردن وإسرائيل وصولاً إلى اليونان.
الممر الشمالي – الجنوبي الروسي: تسعى موسكو من خلاله إلى ربط بحر قزوين بالخليج عبر إيران، لتعويض خسائرها من العقوبات الأوروبية.
مبادرة الحزام والطريق الصينية: عبر الممر الأوسط الذي يمر من آسيا الوسطى إلى تركيا.
إلا أن المشروع العراقي يتميز بتركيزه على المصالح المشتركة بين الأطراف الإقليمية، ما يجعله أكثر قابلية للتنفيذ رغم العوائق. ورغم طموحات المشروع، تعترضه العديد من التحديات:
الجغرافيا السياسية المعقدة: النزاعات بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، والصراعات الحزبية داخل الإقليم نفسه، مثل الانقسام بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني.
الفساد ونقص التمويل: مشاريع كبرى سابقة في العراق تعثرت بسبب الفساد، ما يثير الشكوك حول الإدارة الفعالة لهذا المشروع.
التهديدات الإقليمية: إيران ترى أن الممر قد يقلّص من نفوذها اللوجستي في العراق وسوريا.
المنافسة البحرية: خصوصاً من الكويت التي أعلنت عن توسيع ميناء مبارك الكبير، ما قد يشكّل تحدياً مباشراً لميناء الفاو.
ولا يقتصر أثر المشروع على البنية التحتية، بل يُعوّل عليه لإعادة توزيع التنمية داخل العراق. فمع مرور الطريق عبر مدن مثل البصرة والنجف وبغداد والموصل، تأمل الحكومة في خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة عبر قطاعات النقل، والخدمات، والصناعة، إلى جانب تحريك الاقتصاد الريفي عبر تحسين الخدمات وربط القرى بشبكة الطرق، وتحفيز الاستثمارات المحلية من خلال عقود فرعية. وتشير تقديرات حكومية إلى أن المشروع قد يُحدث سلسلة من العوائد الاقتصادية تتجاوز البنية التحتية، لتشمل النقل والزراعة والتصنيع الخفيف.
سباق الممرات وصراع النفوذ
يأتي المشروع العراقي في خضم "حرب ممرات" عالمية. فالممر الاقتصادي الهندي – الأوروبي تلقى ضربة قوية بفعل الحرب في غزة، لأن مساره يمر عبر إسرائيل والسعودية، أما الممرات الروسية والصينية فتواجه تحديات تتعلق بالعقوبات أو الجغرافيا.
ووسط هذا المشهد، يبدو أن المشروع العراقي، إن اكتمل، قد يقدّم مساراً واقعياً وآمناً، خاصةً في ظل الاضطرابات في البحر الأحمر. ويعوّل المسؤولون العراقيون على أن يؤدي المشروع إلى تحريك الاقتصاد المحلي، وخلق فرص عمل، وإنعاش الريف، وتخفيف الضغط على المدن. كما يأملون أن يساعد على تعزيز المركزية وتقليص الفجوة بين المركز والأطراف.
في المقابل، يرسل المشروع رسالة إلى الخارج مفادها أن العراق لا يريد أن يبقى حلبة لصراعات الآخرين، بل منصة للتعاون الإقليمي والتنمية. ومشروع طريق التنمية العراقي ليس مجرد بنية تحتية، بل هو اختبار لقدرة الدولة العراقية على الاستقرار، ولرؤية المنطقة لمستقبلها الجماعي.
فهل ينجح العراق في تحويل مركزية موقعه من نقمة إلى نعمة؟ الإجابة لا تزال رهنًا بالتحولات المقبلة، لكن ما هو واضح أن المشروع يُعيد تعريف العراق، لا كعبء، بل كجسر حيوي بين آسيا وأوروبا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بوست عربي
منذ 11 ساعات
- بوست عربي
فجأة تبخّر استثمار بقيمة 30 مليار دولار.. لهذه الأسباب رفضت بريطانيا دعم مشروع يربطها بالمغرب
فاجأت الحكومة البريطانية إحدى الشركات العملاقة المتخصصة في الطاقة، ومعها المغرب، بعد أن أعلنت بشكل رسمي تخليها عن واحد من أكبر مشاريع الطاقة الخضراء في العالم، مع العلم أن الشركة البريطانية قامت فعلاً باستثمار مئات ملايين الدولارات في المشروع الذي قُدرت قيمته بنحو 30 مليار دولار. هذا المشروع الذي روّجت له شركة "X Links" البريطانية العملاقة، والذي كان مقرراً أن يبدأ في الإنتاج خلال عام 2027، لم يتمكن من إقناع الحكومة البريطانية بالفوائد التي سيعود بها على مجال الطاقة في بريطانيا، وبالتالي فشل في الحصول على الدعم الحكومي اللازم من أجل مواصلة الاستثمار في هذا المشروع. فما أهمية هذا المشروع بالنسبة للمغرب، وكيف سيؤثر ذلك على المملكة، خاصة في مجال الطاقة؟ وما الأسباب التي دفعت الحكومة البريطانية للتخلي عن دعم هذا المشروع الضخم؟ وهل سيؤثر قرار لندن على استثمارات أجنبية أخرى في مجال الطاقة بالمغرب؟ وهي الأسئلة التي سنجيب عنها في التقرير التالي. مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا بدايةً، وقبل الحديث عن الأسباب التي دفعت الحكومة البريطانية للتخلي عن دعم مشروع الربط الكهربائي مع المغرب، لا بد من العودة إلى المشروع، ومن كان وراءه، والفوائد التي كان سيجنيها المغرب من خلال استثمار 30 مليار دولار في المشروع. كان يخطط مشروع تصدير الكهرباء من المغرب إلى بريطانيا، المعروف باسم "إكس لينكس"، إلى نقل إنتاج مزارع الرياح والطاقة الشمسية، التي تمتد عبر منطقة بحجم لندن في منطقة كلميم واد نون جنوب المغرب، عبر خط كهرباء بحري، وهو ما يكفي لتزويد أكثر من 9 ملايين منزل بريطاني بالكهرباء. وكان يُتوقع أن يبدأ المشروع بمدّ خطَّي كهرباء بحريين يتصلان بخطَّين آخرين في بريطانيا، وستُولَّد الكهرباء بجهة كلميم واد نون عبر محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بقدرة 10.5 غيغاواط، ومرافق لبطاريات التخزين بسعة 20 غيغاواط، وفق ما أورده الموقع الرسمي لشركة "Xlinks". وكان يأمل الرئيس التنفيذي السابق لشركة "تيسكو"، المسؤول الحالي بشركة "إكس لينكس" (Xlinks First) -المشرفة على مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا- ديف لويس، بناء أطول خط كهرباء بحري في العالم لتسخير مصادر الطاقة المتجددة في شمال أفريقيا لدعم خطة الطاقة النظيفة في بريطانيا. وحال تنفيذ المشروع، فإن خط كهرباء يبلغ طوله 4 آلاف كيلومتر مدفون في قاع البحر، سينقل ما يصل إلى 8% من احتياجات بريطانيا من الكهرباء من مشروعات الطاقة المتجددة والبطاريات في كلميم واد نون جنوب المغرب إلى ساحل ديفون في أقل من ثانية. ويرى ديف لويس أنه بالإضافة إلى أشعة الشمس الدائمة في المغرب وسرعات الرياح المستمرة، فإن مشروع تصدير الكهرباء من المغرب إلى بريطانيا، من الناحية النظرية، قد يوفّر لحكومة لندن مصدراً متوقعاً وموثوقاً للطاقة المتجددة لمدة 19 ساعة يومياً على مدار العام، حسب ما نقله موقع " الطاقة" الإخباري المتخصص. تولّى ديف لويس منصب الرئيس التنفيذي لشركة "إكس لينكس"، التي تقف وراء خطط تصدير الكهرباء من المغرب إلى بريطانيا، في عام 2020 بعد تنفيذ خطة إنقاذ مدتها 5 سنوات لإعادة أكبر بائع تجزئة في بريطانيا من حافة الانهيار. منذ ذلك الحين، أجرى المسؤول البريطاني محادثات مع 6 وزراء للطاقة خلال السنوات الـ6 الماضية من أجل التوصل إلى اتفاق، والحصول على دعم مالي وتقني يسمح ببدء تنفيذ المشروع بين المملكة المتحدة والمغرب بحلول عام 2030، لكن نتائج المحادثات كانت سلبية، وانتهت بإعلان تخلي الحكومة البريطانية عن المشروع. لماذا تخلّت الحكومة البريطانية عن المشروع؟ صباح الجمعة 27 يونيو/حزيران 2025، انتشر خبر مفاده أن وزير الطاقة البريطاني، إد ميليباند، قرر إفشال مشروع XLinks الضخم للطاقة المتجددة، الذي تبلغ تكلفته 25 مليار جنيه إسترليني (نحو 30 مليار دولار)، والذي كان من المفترض أن يخفض سعر الطاقة بنسبة 10٪ في البلاد. وقالت تقارير إعلامية بريطانية إن أحد أكبر مشاريع الربط البيني في العالم يتعثر، فقد رفضت حكومة المملكة المتحدة أخيراً توقيع عقد الفروقات لمدة 25 عاماً مع شركة XLinks، الشركة التي كانت تنوي توريد الطاقة المتجددة من المغرب إلى المملكة المتحدة. وفقاً للصحافة البريطانية، فإن قرار وزير الطاقة بعدم الاستثمار في مشروع الربط الكهربائي مع المغرب، يعود بالأساس إلى رغبة الحكومة البريطانية في عدم الاعتماد على دول ثالثة، ويفضّلون أن يكونوا أكثر استقلالية في مجال الطاقة، حتى لو كانت التكلفة أعلى. كما أن القرار يأتي بعد أزمة انقطاع التيار الكهربائي في إسبانيا والبرتغال، وهما دولتان كان من المفترض أن يمر الكابل عبر مياههما، وفي المعركة الأوروبية الكبرى للتخلص من الغاز الروسي، والتوقف عن الاعتماد على أطراف ثالثة. صحيفة "The Times" كتبت في تقرير نشرته الخميس 26 يونيو/حزيران أن وزارة الطاقة البريطانية منعت تنفيذ مشروع Xlinks، الذي كان سيُنقل الطاقة النظيفة من المغرب عبر كابل بحري ضخم، بتكلفة تُقدَّر بـ24 مليار جنيه إسترليني. وكشفت الصحيفة أن أسباب تخلّي الحكومة عن المشروع تعود بالأساس إلى ارتفاع التكاليف من 16 إلى 24 مليار جنيه إسترليني، إضافة إلى مخاوف أمنية واقتصادية، ورغبة الحكومة البريطانية في تطوير مشاريع الطاقة محلياً. كما قالت وكالة رويترز إن الحكومة البريطانية أكدت وقف دعمها لمشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا، واعتبرت أن الطاقة المحلية المنبع "أفضل استراتيجية للبلاد وأولى بمصالح الشعب والمال العام"، مع العلم أن المشروع كان مدعوماً من شركات عالمية مثل Total Energies وOctopus Energy. خيبة أمل المستثمر البريطاني وشركائه في المغرب خيّب قرار الحكومة البريطانية آمال مروّج المشروع السير ديف لويس، رئيس شركة Xlinks، الذي عبّر عن إحباطه من قرار لندن عدم دعم مشروع الربط الكهربائي مع المغرب، وفق ما جاء في بيان لديف لويس صدر عقب قرار الحكومة البريطانية. وقال في البيان: "نحن مندهشون للغاية ومحبطون للغاية لأن حكومة المملكة المتحدة قررت تفويت الفرصة لإطلاق العنان للقيمة الكبيرة التي سيجلبها مشروع طاقة متجددة واسع النطاق مثل هذا، ولا سيما فرصة خفض سعر الجملة للكهرباء، والذي يعد حالياً واحداً من أعلى الأسعار في أوروبا". وتجدر الإشارة إلى أن المشروع لم يكن يتطلب أي استثمار حكومي مقدماً، ويقدّم سعراً تنافسياً للغاية للعقود مقابل الفروقات، وسيُخفض أسعار الكهرباء بالجملة بأكثر من 9٪ خلال عامه الأول، ويوفّر 20 مليار جنيه إسترليني من القيمة الاجتماعية والاقتصادية. وحسب المستثمر الرئيسي في المشروع "إكس لينكس"، فإن المشروع كان سيغطي 8٪ من احتياجات الكهرباء في البلاد في وقت يرتفع فيه الطلب بشكل كبير، فضلاً عن تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من قطاع الكهرباء بنسبة 10٪ تقريباً خلال عامه الأول. بينما يسعى المسؤولون عن شركة "إكس لينكس" وشركاؤها، بما في ذلك شركات عالمية المستوى مثل GE Vernova وTotalEnergies وTAQA الإماراتية وOctopus Energy البريطانية، إلى البحث عن حل للأزمة التي تسبب بها القرار البريطاني، وعدم التخلي عن المشروع، وإيجاد مخرج آخر. مع العلم أنه تم فعلاً استثمار أكثر من 100 مليون جنيه إسترليني من قبل شركات الطاقة الكبرى في تطوير المشروع، وقال مدير "إكس لينكس" البريطانية: "ليس أمامنا خيار سوى قبول قرار وزارة الطاقة. ونحن نعمل الآن على إطلاق إمكانات المشروع وتعظيم قيمته لجميع الأطراف بطريقة مختلفة". كيف سيؤثر إلغاء المشروع على المغرب؟ المشروع الذي قُدرت قيمته بأكثر من 30 مليار دولار، كان يُعتبر من أكبر الاستثمارات الطاقية الموجّهة نحو المغرب، وكان سيخلق آلاف الوظائف في مناطق مثل كلميم وطانطان، مع تنمية بنية تحتية للطاقة الشمسية والريحية بقدرة 10.5 غيغاواط. ومن شأن إلغاء المشروع أن يؤخّر الطموح المغربي لتصدير الكهرباء الخضراء، مع العلم أن المشروع كان أحد أهم النماذج الترويجية للطاقة المتجددة المغربية نحو أوروبا، ويطمح المغرب من ورائه إلى تعزيز مكانته كمزوّد طاقة نظيفة لأوروبا. وهذا الإلغاء قد يُضعف ثقة المستثمرين الدوليين مؤقتاً في قابلية تصدير الكهرباء من إفريقيا نحو أوروبا عبر الكابلات البحرية، كما ستكون له انعكاسات على استراتيجية الهيدروجين الأخضر المغربية. من جهة أخرى، فإن المشروع كان يُستخدم كـ"نموذج نجاح" للدبلوماسية المغربية الطاقية، غير أن قرار الحكومة البريطانية عدم دعم المشروع قد يُفسَّر على أنه "فشل سياسي" للدبلوماسية المغربية، وهو ما قد تستغله جهات خارجية للنيل من المغرب. وقد يؤثر على مشاريع أخرى مماثلة، في مقدمتها مشروع الملياردير الأسترالي أندرو فورست، الذي يعمل في مجال التعدين، وكان يسعى للحصول على الدعم من وزير الطاقة البريطاني إد ميليباند لإنشاء خط كهرباء جديد بقيمة مليارات الدولارات بين أوروبا وشمال أفريقيا. وأجرى مؤسس ورئيس شركة فورتسكيو العملاقة لخام الحديد، أندرو فورست، المعروف باسم "تويجي"، مناقشات مع وزير الطاقة حول مشروع ربط كهربائي بين المغرب وبريطانيا، وفق ما ذكرته تقارير في شهر مايو/أيار 2025.


بوست عربي
منذ 2 أيام
- بوست عربي
من إندونيسيا إلى قلب أوروبا: مقاتلات ومسيرات تركيا ترسم حدوداً واسعة لنفوذها الجيوسياسي
سلّط تقرير نشره موقع أسباب للدراسات الجيوسياسية الضوء على تنامي ثقل الصناعات الدفاعية التركية عالمياً، حيث أعلنت أنقرة عن صفقتين دفاعيتين بارزتين مع إندونيسيا وإيطاليا. ففي حدثين متزامنين، أعلنت أنقرة عن أول صفقة تصدير لمقاتلتها من الجيل الخامس "قآن" إلى إندونيسيا، وتتضمن إنتاج وتسليم 48 مقاتلة بقيمة 10 مليارات دولار خلال عشر سنوات. وجاء التوقيع خلال معرض الدفاع الإندونيسي في جاكرتا، بحضور الرئيسين أردوغان وبرابوو سوبيانتو. وفي باريس، وعلى هامش معرض الطيران الدولي، وقّعت شركة "بايكار" التركية للصناعات الدفاعية اتفاقية تعاون مشترك مع شركة "ليوناردو" الإيطالية، إحدى أكبر شركات الصناعات الدفاعية في أوروبا. وجاءت الاتفاقية بعد دخول أداة "العمل الأوروبي من أجل الأمن" SAFE حيّز التنفيذ، وهي آلية تتيح للدول الأوروبية تمويل استيراد معدات دفاعية من دول غير أعضاء في الاتحاد، من بينها تركيا. وتُظهر الصفقتان أن تركيا لم تعد تتموضع كفاعل أمني هامشي ضمن الناتو، تتلقى السلاح من الغرب وتخضع لشروطه، بل تعيد صياغة موقعها كقوة دولية متوسطة يصعب استبعادها من طاولة الصناعات الدفاعية الدولية، وفق تقرير موقع أسباب. ففي آسيا، يتعزز التموضع التركي من خلال تقديم بديل للدول التي تسعى لتجنب تناقضات الأحلاف الكبرى بين الصين والولايات المتحدة. أما في أوروبا، فإن تغير المزاج الاستراتيجي – بعد الغزو الروسي لأوكرانيا والاتجاه الأمريكي لفك الارتباط الأمني التاريخي مع أوروبا – يسمح لتركيا بتأكيد موقعها باعتبارها شريكاً أمنياً استراتيجياً يمكن الوثوق به، لا كتهديد يُحتوى. وبهذا، تتحول الصناعات الدفاعية التركية إلى نقطة ارتكاز لإعادة تعريف العلاقة مع الأطراف الدولية، لا باعتبارها تابعاً أمنياً، بل طرفاً فاعلاً في مستقبل الصناعات الدفاعية. ورغم هذا الزخم، تواجه الصناعات الدفاعية التركية تحديات عميقة، قد تعيق استدامة هذا التمدد، أبرزها ما يلي: يتطلب التطوير الثابت لقطاع الصناعات الدفاعية توفر ميزانيات مرتفعة، وتأمين التمويل اللازم لأبحاث التطوير وعمليات التصنيع التي لا تحقق عوائد اقتصادية مباشرة في الأجل القريب. ولذلك، تعتمد تركيا على تطوير شراكات مع دول أخرى يمكنها تقديم التمويل للتصنيع المشترك. إن تسليم 48 مقاتلة لإندونيسيا خلال عشر سنوات يتطلب توسعة كبيرة في القدرات الإنتاجية، دون تأخير الجدول الزمني المخصص للجيش التركي، ما يفرض ضغطاً على الشركات التركية في إدارة الأولويات والموارد. لا تزال بعض المكونات الأساسية في "قآن" و"بيرقدار" تعتمد على سلاسل توريد غربية، ما يجعلها عرضة لفرض قيود أو تعطيل خطوط التصنيع إذا تغير المزاج السياسي في العواصم الكبرى. قد تتحول الشراكات المفتوحة إلى موضع تنافس داخلي في أوروبا، إذا ما بدأت الشركات التركية في اقتطاع حصص سوقية حقيقية، لا مجرد ملء ثغرات مؤقتة. وبالتالي، فإن نجاح تركيا في تثبيت موقعها المستقل كمصدر ومصمم للشراكات الدفاعية يتطلب استثماراً استراتيجياً طويل الأمد في الاكتفاء التكنولوجي، وتنويع الشركاء، وبناء تحالفات تحصّن المشروع الصناعي من الارتدادات الجيوسياسية وتقلبات المشهد العالمي. صفقة "قآن" إلى إندونيسيا نقطة تحول في مسار الصناعات الدفاعية التركية يمثّل تصدير مقاتلات "قآن" إلى إندونيسيا نقطة تحول في مسار الصناعات الدفاعية التركية؛ فهي ليست فقط أول عملية تصدير لطائرة مأهولة من الجيل الخامس تركية الصنع، بل تأتي قبل أن تدخل المقاتلة الخدمة فعلياً في سلاح الجو التركي، ما يعكس ثقة أنقرة المتزايدة في نضج مشروعها الصناعي العسكري، وقدرتها على تسويقه كمنتج استراتيجي حتى قبل اكتمال دمجه محلياً. وتفتح الصفقة الباب أمام شراكة طويلة الأمد مع إندونيسيا، أكبر دولة مسلمة من حيث عدد السكان وعضو فاعل في مجموعة العشرين، تقوم على نقل التكنولوجيا، والإنتاج المشترك، وتبادل المنفعة السياسية والصناعية. تأتي الصفقة تتويجاً لمسار تراكمي من التقارب، بدأ مع تصاعد التوتر في بحر الصين الجنوبي، والذي دفع جاكرتا إلى إعادة صياغة أولوياتها الدفاعية والبحث عن مصادر تسليح أقل ارتباطاً بالتحالفات الكبرى. وبعد سنوات من الحذر الاستراتيجي، بدأت إندونيسيا تتجاوز نمط الحياد التقليدي باتجاه شراكات تكنولوجية أكثر استقلالاً. تُمثّل الصفقة نموذجاً متكاملاً لدبلوماسية التصنيع العسكري التركي، إذ لا يُستخدم السلاح كوسيلة ضغط سياسية، بل كأداة لبناء التحالفات، وتوسيع الحضور الجيوسياسي عالمياً. إذ تمنح هذه الصفقة تركيا نقطة ارتكاز استراتيجية في جنوب شرق آسيا، في قلب منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي تُعد اليوم المسرح الأبرز لتنافس القوى الكبرى. وبدلاً من نموذج البيع المشروط الذي يقدمه الغرب، تقدّم تركيا نفسها كشريك إنتاج، وهي ميزة نادرة في سوق تفتقر فيه الدول الإسلامية الكبرى لخيارات صناعية سيادية. اتفاقية "بايكار – ليوناردو" فصل جديد في الشراكة الأمنية بين تركيا وأوروبا جاءت اتفاقية "بايكار – ليوناردو" بعد إطلاق أداة "SAFE" العمل من أجل الأمن الأوروبية، مما يمثّل فرصة نادرة لإعادة إدماج تركيا في النظام الدفاعي الأوروبي عبر بوابة الاقتصاد وتكنولوجيا السلاح. فالطائرات المسيّرة التركية، التي واجهت في السابق عقبات تصديرية بسبب استخدامها في صراعات مثل كاراباخ وليبيا، أصبحت اليوم مرشحة لتصنيع مشترك ضمن آلية أوروبية مشتركة. تمنح هذه الشراكة أنقرة موطئ قدم مباشر داخل السوق الدفاعية الأوروبية، ليس كمورّد خارجي، بل كشريك إنتاج يعمل من داخل البنية الصناعية للاتحاد الأوروبي. ويشير هذا التطور إلى تحول في المزاج الاستراتيجي داخل العواصم الأوروبية، إذ فرضت تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والتوجه الأمريكي لفك الارتباط الأمني مع القارة، منطقاً براغماتياً جديداً، أعاد التأكيد على محورية موقع تركيا الجيوسياسي الذي يجعل من الصعب إقصاء أنقرة، خاصة حين تتقاطع قدراتها مع ضرورات الأمن الجماعي الأوروبي، بالرغم من الاعتراضات السياسية التقليدية من دول مثل اليونان وقبرص. تحتل شركة ليوناردو الإيطالية المرتبة الثالثة أوروبياً والثالثة عشرة عالمياً في تصنيف معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) عام 2024، بإجمالي مبيعات دفاعية 12.4 مليار دولار سنوياً. أما شركة بايكار، فقد دخلت قائمة أكبر 100 شركة سلاح في العالم عام 2022، وجاءت في المرتبة 79، بإجمالي مبيعات 1.9 مليار دولار. ويعود نجاح "بايكار" إلى ما هو أبعد من الكفاءة التقنية؛ إذ نجحت الشركة التركية في تطوير نموذج صناعي مرن ومنخفض التكلفة، قادر على سد فجوات قائمة منذ سنوات في القدرات الدفاعية الأوروبية، لاسيما في مجالات المسيّرات القتالية والذخائر الذكية.


بوست عربي
منذ 2 أيام
- بوست عربي
هل يستطيع مشروع 'طريق التنمية' إصلاح الشرق الأوسط؟
في وقتٍ يشهد فيه الشرق الأوسط صراعات متفاقمة ومحاولات متعثرة لإعادة صياغة علاقات الإقليم، يعود العراق إلى الواجهة بمبادرة استراتيجية قد تغيّر موازين الجغرافيا الاقتصادية والسياسية في المنطقة، بحسب تحليل يقدمه موقع " أسباب". حيث يمثل مشروع طريق التنمية، أو كما يصفه البعض بـ"القناة الجافة"، رهان بغداد على إعادة التموضع كلاعب مركزي في التجارة بين الشرق والغرب، من خلال ربط موانئ الخليج العربي بتركيا وأوروبا عبر شبكة حديثة من الطرق والسكك الحديدية. ما دام الموقع الجغرافي للعراق ميزة كامنة، لكنها كثيراً ما تحوّلت إلى عبء بسبب التدخلات الإقليمية والصراعات الداخلية. اليوم، تحاول بغداد استثمار هذه الميزة عبر إنشاء ممر لوجستي يمتد من ميناء الفاو الكبير على الخليج العربي حتى الحدود التركية شمالاً بطول 1200 كيلومتر، متصلاً بخطوط النقل الأوروبية. تُقدَّر كلفة المشروع بنحو 7 مليارات دولار. يهدف إلى نقل ما يقارب 40 مليون طن من البضائع سنوياً. يُولِّد نحو 250 ألف فرصة عمل. تحقيق إيرادات تصل إلى 4 مليارات دولار من رسوم العبور سنوياً. وبحسب التحليل، فإن هذه الأرقام تكشف أن الرهان ليس اقتصادياً فحسب، بل تنموياً وجيوسياسياً في آنٍ واحد. ميناء الفاو: حجر الأساس لمشروع طريق التنمية جوهر هذا المشروع هو ميناء الفاو الكبير، الذي يُبنى على جزيرة اصطناعية عند مصب شط العرب. من المقرر أن يضم الميناء 99 مرسى، بطاقة استيعابية تصل إلى 36 مليون طن من الحاويات سنوياً (ما يعادل 4 ملايين حاوية قياسية)، وهو رقم يقارب قدرة موانئ مثل بورسعيد أو أبوظبي. وبدأت أعمال البناء بالفعل، وتتوقع الحكومة العراقية استكماله بحلول عام 2038. ويُعد حاجز الأمواج الذي تم إنشاؤه بطول 15 كيلومتراً – وهو الأطول في العالم – بمثابة إعلان واضح عن التزام بغداد بهذا المشروع. وعلى الصعيد السياسي، يحاول العراق أن يُقدّم نفسه كطرف جامع بدلاً من أن يكون ساحة صراع. ففي أبريل/نيسان 2024، استضافت بغداد قمة تركية – عراقية هي الأولى منذ أكثر من عقد، تُوّجت بتوقيع أكثر من 24 اتفاقية، أبرزها اتفاق لتقاسم المياه بين دجلة والفرات، ومذكرة تفاهم لمكافحة حزب العمال الكردستاني. لاحقاً، تحرّكت بغداد نحو الخليج، ووقّعت اتفاقات استثمارية مع قطر والإمارات. وقد بدا واضحاً أن العراق يحاول حشد أكبر قدر من الشركاء الإقليميين لدعم المشروع، في خطوة تختلف عن مشاريع موازية مثل الممر الاقتصادي الهندي – الشرق أوسطي – الأوروبي الذي يمر عبر إسرائيل، أو الممر الشمالي المدعوم من روسيا، أو الممر الأوسط الصيني. الميزة العراقية تكمن في السعي إلى شمول الجميع، وعدم إقصاء أي طرف، في مقابل مشاريع ذات طابع محوري يُقصي بعض اللاعبين. منافسة عالمية شرسة ينافس المشروع العراقي عدة مبادرات طموحة على الساحة الدولية: الممر الاقتصادي الهندي – الشرق أوسطي – الأوروبي: تلقى هذا المشروع دفعة خلال قمة العشرين 2023، بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند، ويفترض أن يربط مومباي بموانئ الإمارات ثم يعبر السعودية والأردن وإسرائيل وصولاً إلى اليونان. الممر الشمالي – الجنوبي الروسي: تسعى موسكو من خلاله إلى ربط بحر قزوين بالخليج عبر إيران، لتعويض خسائرها من العقوبات الأوروبية. مبادرة الحزام والطريق الصينية: عبر الممر الأوسط الذي يمر من آسيا الوسطى إلى تركيا. إلا أن المشروع العراقي يتميز بتركيزه على المصالح المشتركة بين الأطراف الإقليمية، ما يجعله أكثر قابلية للتنفيذ رغم العوائق. ورغم طموحات المشروع، تعترضه العديد من التحديات: الجغرافيا السياسية المعقدة: النزاعات بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، والصراعات الحزبية داخل الإقليم نفسه، مثل الانقسام بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. الفساد ونقص التمويل: مشاريع كبرى سابقة في العراق تعثرت بسبب الفساد، ما يثير الشكوك حول الإدارة الفعالة لهذا المشروع. التهديدات الإقليمية: إيران ترى أن الممر قد يقلّص من نفوذها اللوجستي في العراق وسوريا. المنافسة البحرية: خصوصاً من الكويت التي أعلنت عن توسيع ميناء مبارك الكبير، ما قد يشكّل تحدياً مباشراً لميناء الفاو. ولا يقتصر أثر المشروع على البنية التحتية، بل يُعوّل عليه لإعادة توزيع التنمية داخل العراق. فمع مرور الطريق عبر مدن مثل البصرة والنجف وبغداد والموصل، تأمل الحكومة في خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة عبر قطاعات النقل، والخدمات، والصناعة، إلى جانب تحريك الاقتصاد الريفي عبر تحسين الخدمات وربط القرى بشبكة الطرق، وتحفيز الاستثمارات المحلية من خلال عقود فرعية. وتشير تقديرات حكومية إلى أن المشروع قد يُحدث سلسلة من العوائد الاقتصادية تتجاوز البنية التحتية، لتشمل النقل والزراعة والتصنيع الخفيف. سباق الممرات وصراع النفوذ يأتي المشروع العراقي في خضم "حرب ممرات" عالمية. فالممر الاقتصادي الهندي – الأوروبي تلقى ضربة قوية بفعل الحرب في غزة، لأن مساره يمر عبر إسرائيل والسعودية، أما الممرات الروسية والصينية فتواجه تحديات تتعلق بالعقوبات أو الجغرافيا. ووسط هذا المشهد، يبدو أن المشروع العراقي، إن اكتمل، قد يقدّم مساراً واقعياً وآمناً، خاصةً في ظل الاضطرابات في البحر الأحمر. ويعوّل المسؤولون العراقيون على أن يؤدي المشروع إلى تحريك الاقتصاد المحلي، وخلق فرص عمل، وإنعاش الريف، وتخفيف الضغط على المدن. كما يأملون أن يساعد على تعزيز المركزية وتقليص الفجوة بين المركز والأطراف. في المقابل، يرسل المشروع رسالة إلى الخارج مفادها أن العراق لا يريد أن يبقى حلبة لصراعات الآخرين، بل منصة للتعاون الإقليمي والتنمية. ومشروع طريق التنمية العراقي ليس مجرد بنية تحتية، بل هو اختبار لقدرة الدولة العراقية على الاستقرار، ولرؤية المنطقة لمستقبلها الجماعي. فهل ينجح العراق في تحويل مركزية موقعه من نقمة إلى نعمة؟ الإجابة لا تزال رهنًا بالتحولات المقبلة، لكن ما هو واضح أن المشروع يُعيد تعريف العراق، لا كعبء، بل كجسر حيوي بين آسيا وأوروبا.