
هل يمكن أن يكون النمو الاقتصادي ضارًا؟
- ويعود هذا الشغف العالمي بالنمو اليوم بقوة مصحوبًا بتوقعات قد تتجاوز حدود الواقع. ولكن، ماذا لو كان هذا السعي المحموم للنمو هو جزء من المشكلة لا الحل؟.
- في خضم هذا الجدل الدائر، يأتي كتاب "النمو: مراجعة شاملة" للمفكر دانيال ساسكيند، ليقدم لنا بوصلة فكرية تقودنا من حماسة الشغف إلى فهم أعمق وأكثر نضجًا لأعقد القضايا الاقتصادية في عصرنا.
من الركود الطويل إلى الدعوة إلى تراجع النمو
- يصحبنا ساسكيند في رحلة تاريخية، بادئًا بآلاف السنين من "الركود الطويل" حيث كان التقدم الاقتصادي بطيئًا ويكاد يكون شبه معدوم.
- ثم، مع الشرارة التي أطلقتها الثورة الصناعية، انطلق قطار النمو بسرعة غير مسبوقة، ليتحول في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى طموح عالمي مشترك، تُقاس نجاحاته بنسب نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوية.
- لكن الصورة ليست وردية بالكامل؛ فهذا النمو الذي انتشل الملايين من الفقر ودفع عجلة التكنولوجيا إلى الأمام، كشف عن وجهه المظلم: تدهور بيئي ينذر بالخطر، واتساع مقلق في فجوة عدم المساواة.
- ومن رحم هذه المخاوف، وُلدت حركة فكرية مناهضة للنمو، بدأت تكتسب زخمًا منذ تقرير "حدود النمو" الشهير عام 1972، وبلغت ذروتها اليوم في تيارات "تراجع النمو المتعمد" (Degrowth) التي تدعو صراحةً إلى كبح جماح النمو الاقتصادي، أو حتى عكس مساره، بهدف إنقاذ الكوكب.
الأفكار أولاً: إعادة تعريف محرك الازدهار
- يرفض ساسكيند الاستسلام لدعوات "تراجع النمو"، مؤكدًا أن الحل لا يكمن في التخلي عن التقدم، بل في إعادة توجيهه.
- وهنا يقدم أطروحته المحورية التي تشكّل جوهر الكتاب، والتي تقول بأن المحرك الحقيقي للنمو الاقتصادي على المدى الطويل ليس مجرد تكديس العمالة ورأس المال، بل هو "الأفكار".
- حيث تتجلى هذه الأفكار في التقدم التكنولوجي والابتكار، وهي القوة القادرة على تحقيق النمو دون استنزاف الموارد المادية.
- ويشدد ساسكيند على فكرة ثورية أخرى؛ ألا وهي أن التقدم التكنولوجي ليس قدرًا حتميًا يمضي في مسار واحد، بل يمكن "ترويضه وتوجيهه".
- فلا يوجد قانون اقتصادي ينص على أن التقنيات المعززة للنمو يجب أن تكون مدمرة للبيئة بالضرورة.
- ويمكن تحقيق ذلك من خلال مزيج من السياسات الذكية، مثل فرض ضريبة الكربون، وتحفيز جهود البحث والتطوير في مجال التقنيات النظيفة، وخلق استثمارات عامة رشيدة.
البوصلة الأخلاقية المفقودة في صناعة السياسة
- لعل الإضافة الأكثر أصالة في فكر ساسكيند هي دعوته الجريئة لإعادة "الأخلاق" إلى قلب عملية صنع السياسات الاقتصادية.
- فعلى مدى عقود طويلة، ساد وهم بأن المعادلات والنماذج الرياضية وحدها قادرة على حسم قضايا الضرائب أو توزيع الموارد.
- وهنا يوضح ساسكيند ببراعة أن هذا محض خيال؛ فالمقايضات بين النمو والبيئة، أو بين الكفاءة والمساواة، هي في جوهرها قرارات أخلاقية وليست فنية.
- ويرى ساسكيند أن دور الاقتصاديين يقتصر على توضيح تكلفة هذه المقايضات وتأثيراتها المحتملة، لكن القرار النهائي يجب أن يُترك للمجتمع عبر العملية السياسية.
- ويذهب الكاتب إلى أبعد من ذلك باقتراح آليات مبتكرة مثل "المجالس المُصغرة للمواطنين"، حيث يشارك أفراد عاديون في نقاش هذه المقايضات المعقدة، لضمان أن تعكس السياسات القيم الحقيقية للمجتمع.
جرعة من الواقعية: هل الأفكار وحدها تكفي؟
- على الرغم من وجاهة أطروحة ساسكيند، فإنها لا تخلو من تحديات واقعية؛ إذ أن نظرية أن "الأفكار" هي المحرك الأوحد تبدو فضفاضة؛ فقد حققت دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية قفزات هائلة بالاستثمار المادي الضخم في التعليم والبنية التحتية والمصانع، وليس فقط بالأفكار المجردة.
- ويكمن التحدي الآخر في أننا اليوم نغرق في محيط من "الأفكار"؛ فمع ملايين الأوراق البحثية وبراءات الاختراع سنويًا، أصبح العثور على الأفكار العبقرية الحقيقية أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش.
- وقد يكون هذا الفيضان المعلوماتي سببًا في التباطؤ الملحوظ في معدل الابتكار الجذري الذي يشير إليه اقتصاديون بارزون.
نحو إبداع مسؤول
- يختتم دانيال ساسكيند كتابه بجرعة من التفاؤل بقدرة البشرية الإبداعية، لكنه يتركنا أمام السؤال الأهم: كيف يمكننا بناء الآليات الفعاّلة لترويض هذا الإبداع وتوجيهه نحو الخير العام؟ وكيف نميز بين الأفكار الثمينة والغثاء الذي لا قيمة له؟
- إن كتاب "النمو" ليس نهاية المطاف، بل هو بداية حوار ضروري ومُلح. إنه دعوة مفتوحة للسياسيين والمفكرين والمواطنين للتوقف عن تقديس النمو كغاية في حد ذاته، والبدء في النظر إليه كوسيلة لتحقيق مستقبل أكثر استدامة وعدلاً وإنسانية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أرقام
منذ 3 ساعات
- أرقام
دول بريكس تعرب عن قلقها الشديد حيال رسوم ترامب الجمركية
أعربت دول مجموعة بريكس في ريو دي جانيرو الأحد عن "قلقها الشديد" إزاء التعرفات الجمركية، فيما تثير الرسوم الإضافية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب توترا في العالم. وجاء في إعلان مشترك صادر عن قمة لقادة دول المجموعة وحكوماتها "نعرب عن قلقنا الشديد إزاء تزايد الإجراءات الجمركية وغير الجمركية المُشوّهة للتجارة". تُمثل الدول الناشئة الإحدى عشرة التي تشكل مجموعة بريكس وبينها البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا حوالى نصف سكان العالم و40% من الناتج الاقتصادي العالمي. تختلف دول المجموعة حول قضايا كثيرة لكنها تجتمع على مواجهة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحروبه الجمركية. واعتبرت مجموعة بريكس أن هذه الرسوم الجمركية غير قانونية وتعسفية، وتُهدد "بالحد من التجارة العالمية بشكل إضافي، وتعطيل سلاسل التوريد، وإدخال حالة من عدم اليقين إلى الأنشطة الاقتصادية والتجارية الدولية". في نيسان/أبريل، هدد ترامب حلفاءه ومنافسيه على حد سواء بسلسلة من الرسوم الجمركية، لكنه عاد وقدّم إعفاءات مفاجئة في مواجهة تراجع في الأسواق. وحذر ترامب من أنه سيفرض مجددا رسوما أحادية الجانب على شركائه ما لم يتوصلوا إلى "صفقات" بحلول الأول من آب/أغسطس.


عكاظ
منذ 3 ساعات
- عكاظ
روسيا لـ«بريكس»: المستقبل للأسواق الناشئة سريعة النمو
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في قمة لقادة مجموعة بريكس، اليوم، أن النموذج الليبرالي للعولمة عفا عليه الزمن، وأن المستقبل سيكون للأسواق الناشئة سريعة النمو، التي ينبغي أن تعمل على زيادة استخدام عملاتها الوطنية في التجارة. وقال بوتين إلى القمة المنعقدة في ريو دي جانيرو عبر رابط فيديو: «كل شيء يشير إلى أن النموذج الليبرالي للعولمة عفا عليه الزمن، مركز النشاط التجاري يتحول نحو الأسواق الناشئة». ودعا بوتين دول «بريكس» إلى تكثيف التعاون في مجالات من بينها الموارد الطبيعية والخدمات اللوجستية والتجارة والتمويل. وتمثل بريكس الآن 45% من سكان العالم، وكان لبنك غولدمان ساكس السبق في طرح فكرة تأسيس هذه المجموعة قبل عقدين، عندما تحدث في تقرير له عن النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين وغيرها من الأسواق الناشئة الرئيسية. ووفقا لصندوق النقد الدولي، يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لأعضاء بريكس الخمسة الأساسيين (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) 28 تريليون دولار، بينما يزيد ناتج دول مجموعة السبع على 51 تريليون دولار. وتضم «بريكس» أيضا مصر وإثيوبيا وإندونيسيا وإيران والإمارات، لكن التكتل يكتسب معظم نفوذه من الصين، التي يتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي ناتج كل دول المجموعة مجتمعة بنسبة تزيد على 60%. أخبار ذات صلة


مباشر
منذ 5 ساعات
- مباشر
بوتين يدعو من قمة "بريكس" إلى توسيع استخدام العملات الوطنية
القاهرة- مباشر: شارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة دول تجمع "بريكس"، التي تستضيفها مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، عبر تقنية الفيديو، موجهاً دعوة إلى دول التجمع لتعزيز استخدام العملات الوطنية في تعاملاتها التجارية والمالية، في خطوة تهدف إلى تقليص الاعتماد على الدولار والنظام المالي الغربي. وأكد بوتين في كلمته أن مجموعة "بريكس" تزداد تأثيراً ونفوذاً على الساحة الدولية عاماً بعد عام، مشيراً إلى أن التجمع بات يتفوق على تكتلات اقتصادية كبرى، مثل مجموعة الدول السبع، من حيث القوة الشرائية. واعتبر أن النظام الأحادي القطبية الذي حكم العلاقات الدولية لعقود أصبح من الماضي، وأن العالم يشهد حالياً تحولات جذرية تُعيد تشكيل موازين القوى العالمية. ودعا الرئيس الروسي إلى تكثيف التعاون بين دول التجمع في عدة مجالات رئيسية، من بينها التجارة، والتمويل، والموارد الطبيعية، والخدمات اللوجستية، بما يعزز استقلالية "بريكس" وقدرتها على التأثير في النظام العالمي. كما أشار إلى أن المجموعة تسير بخطى ثابتة نحو إنشاء بورصة للحبوب ومنصة لوجستية دائمة، إلى جانب إطلاق برامج تعاون رياضي، تعكس طموح التجمع في تنويع مجالات التعاون بين أعضائه. حمل تطبيق معلومات مباشر الآن ليصلك كل جديد من خلال آبل ستور أو جوجل بلاي للتداول والاستثمار في البورصة المصرية اضغط هنا تابعوا آخر أخبار البورصة والاقتصاد عبر قناتنا على تليجرام لمتابعة قناتنا الرسمية على يوتيوب اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك السعودية.. تابع مباشر بنوك السعودية.. اضغط هنا