logo
نزع السلاح في كردستان.. بداية نهاية "الإرهاب الكردي" أم هدنة مؤقتة؟

نزع السلاح في كردستان.. بداية نهاية "الإرهاب الكردي" أم هدنة مؤقتة؟

الحركات الإسلاميةمنذ يوم واحد
في مشهد بدا أقرب إلى لحظة تاريخية حاسمة، شرع مقاتلو حزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان العراق في تسليم أسلحتهم، في مراسم وُصفت بأنها تمثل التحول الأبرز في مسار أحد أطول النزاعات المسلحة في المنطقة. وبحسب تقارير إعلامية، فقد ألقي نحو 30 عنصراً من الحزب، بينهم أربعة من القيادات الميدانية، سلاحهم، في كهف ناءٍ بمحافظة السليمانية، وأضرموا فيه النيران، في خطوة رمزية تعكس تحولاً جوهرياً في نهج التنظيم الذي طالما حمل السلاح ضد الدولة التركية منذ عام 1984، مخلفاً أكثر من 40 ألف قتيل، بينهم مدنيون وأفراد من القوات الأمنية التركية.
تأتي هذه الخطوة بعد إعلان الحزب، في مايو الماضي، عن حل بنيته التنظيمية ونهاية الكفاح المسلح، وذلك استجابة لدعوة زعيمه التاريخي عبد الله أوجلان، الذي يقضي عقوبة السجن المؤبد منذ عام 1999 في جزيرة إيمرالي التركية.
وقد طالب أوجلان، في تسجيل مصور مؤرخ في 19 يونيو، بإنهاء الكفاح المسلح طوعاً، والانتقال إلى العمل السياسي والقانوني، داعياً إلى إنشاء آلية منظمة لعملية نزع السلاح بشكل عملي وسريع.
هذه التصريحات، التي بُثت لاحقاً، أكدت أن الحزب لم يتخذ القرار بمعزل عن تنسيق داخلي وبدعم من وساطات إقليمية ودولية.
في هذا السياق، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريح رسمي، أن عملية السلام دخلت "مرحلة جديدة"، واعتبر أن ما وصفه بـ"آفة الإرهاب" قد بدأت في الزوال.
وأكد أردوغان أن اليوم الذي بدأ فيه مسلحو حزب العمال الكردستاني بتسليم أسلحتهم هو يوم تاريخي لتركيا، معلناً أن صفحة جديدة فُتحت في البلاد، وأن كل المواطنين، من أتراك وأكراد وعرب، سينعمون بثمار السلام بعد عقود من العنف وسفك الدماء.
ولم تغب الأرقام عن خطابه، إذ أشار إلى أن العمليات الإرهابية التي تعرضت لها تركيا خلال سنوات الصراع أسفرت عن مقتل نحو 10 آلاف من عناصر الأمن و50 ألف مدني، فضلاً عن خسائر اقتصادية تجاوزت التريليوني دولار، وهي أرقام توضح مدى فداحة الثمن الذي دفعته البلاد جراء استمرار النزاع المسلح.
ومع أن هذه الخطوة تنظر إليها الأوساط السياسية كفرصة ذهبية لإنهاء الصراع، إلا أن مراقبين يرون أن خلف هذا التحول تقف مجموعة من العوامل المتشابكة، التي لم تكن كلها إرادية أو سلمية الطابع.
فمن ناحية، فإن حزب العمال الكردستاني، الذي قضى العقدين الأخيرين من الصراع متحصناً في الجبال الوعرة شمال العراق، واجه ضغوطاً متزايدة بعد سنوات من العمليات العسكرية التركية التي طالت معاقله هناك، حيث شنت أنقرة عشرات الغارات الجوية، وأقامت قواعد عسكرية في الأراضي العراقية، بدعوى محاربة "الإرهاب".
ومن ناحية أخرى، فإن التحولات الجيوسياسية في المنطقة، خصوصاً بعد انهيار تنظيم داعش، قلّصت من الدور الذي كانت تلعبه القوى الكردية المسلحة، التي لطالما استفادت من حالة الفوضى التي رافقت الحرب على الإرهاب في كل من العراق وسوريا.
على الصعيد الداخلي التركي، لا يُخفى أن توقيت هذه الخطوة يرتبط أيضاً بمساعٍ سياسية للرئيس أردوغان، الذي يسعى إلى ترسيخ شرعيته أمام جمهور واسع يتطلع إلى الأمن والاستقرار بعد سنوات من القلق الأمني والتوترات الداخلية.
وتزامنت تصريحات أردوغان مع إشارات إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد تسارعاً في الخطوات السياسية التي تهدف إلى إدماج الأكراد في العملية السياسية من خلال تشكيل حزب سياسي جديد يُبنى على أنقاض حزب العمال الكردستاني.
وبحسب مصادر عراقية، فإن عملية نزع السلاح يُتوقع أن تكتمل بحلول عام 2026، مما يعني أن السنوات المقبلة ستشهد تحولات بنيوية داخل الكيان الكردي المسلح، تمهيداً لولادة كيان سياسي جديد يسعى إلى التأثير في السياسة التركية عبر الوسائل الديمقراطية لا العنف.
لكن هذا الانتقال من الكفاح المسلح إلى السياسة الديمقراطية لا يخلو من التحديات، فالتجربة التركية السابقة مع "عملية السلام" التي بدأت في العقد الماضي ثم انهارت عام 2015، أظهرت أن السلام الهش يمكن أن ينهار بسرعة إذا لم يُدعّم بإصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية.
كما أن الشكوك لا تزال قائمة في بعض الأوساط التركية، التي ترى في هذه الخطوة تكتيكاً من الحزب لإعادة التموضع، لا إعلاناً نهائياً عن نهاية العنف.
وفي المقابل، فإن قطاعات من الأكراد في تركيا لا تزال متشككة في وعود أنقرة، وتخشى من أن تقتصر العملية على تسليم السلاح دون أن تقابلها خطوات حقيقية تعالج التهميش السياسي والثقافي الذي يعانون منه منذ عقود.
أما في المحيط الإقليمي، فإن لهذه الخطوة تداعيات عميقة.
و في سوريا، لا يزال الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني – والمتمثل في وحدات حماية الشعب الكردية – محور خلاف بين أنقرة وواشنطن، التي تدعم هذه الوحدات في إطار الحرب على تنظيم داعش.
وتخشى تركيا من أن يؤدي استمرار الدعم الأمريكي لها إلى ولادة كيان كردي مستقل على حدودها الجنوبية. أما في العراق، فإن حكومة إقليم كردستان تنظر بعين الحذر إلى التطورات الجارية، خاصة في ظل التوتر المزمن بين أربيل وبغداد من جهة، والتنافس الكردي الداخلي من جهة أخرى.
وبرغم الاحتفالية التي أحاطت بالمراسم، إلا أن الواقع الأمني والسياسي لا يزال معقداً. فإلقاء السلاح لا يعني تلقائياً إلقاء أسباب النزاع، كما أن مشاهد إحراق البنادق قد تكون رمزية أكثر منها فعلية، خاصة وأن الحزب لا يزال يحتفظ ببنية تنظيمية قائمة، حتى لو أُعلن عن "حلّه"، إضافة إلى ذلك، فإن الجماعات المنشقة أو الرافضة لهذا المسار قد تواصل العنف، ما لم تُدرج ضمن آلية نزع السلاح والتسوية السياسية.
ومع ذلك، فإن ما يجري حالياً لا يمكن إنكار أهميته، فهو يعكس، على أقل تقدير، إرادة سياسية لدى أطراف النزاع للخروج من دوامة الدم، في منطقة أنهكتها الحروب والهويات المتصارعة.
ويرى مراقبون أنه في حال اقترن تنفيذ هذه الخطوة بإجراءات عملية تضمن الحقوق الثقافية والسياسية والاقتصادية للأكراد داخل تركيا، فإن الأمل يبقى قائماً في أن تتحول لحظة تسليم السلاح إلى بداية حقيقية لمصالحة تاريخية طال انتظارها، أما إذا لم تُستثمر هذه الفرصة بالشكل المطلوب، فقد يُفتح الباب مجدداً أمام عودة التنظيمات إلى حمل السلاح، ولكن تحت عنوان جديد، وبمظلومية ربما تكون أعمق وأكثر تعقيداً من ذي قبل.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"عقبايي: أزمة شرعية النظام تؤكد ضرورة الحل الثالث لإسقاطه بيد الشعب الإيراني"
"عقبايي: أزمة شرعية النظام تؤكد ضرورة الحل الثالث لإسقاطه بيد الشعب الإيراني"

الحركات الإسلامية

timeمنذ 2 ساعات

  • الحركات الإسلامية

"عقبايي: أزمة شرعية النظام تؤكد ضرورة الحل الثالث لإسقاطه بيد الشعب الإيراني"

صرح مهدي عقبايي، عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، اليوم أن أزمة الشرعية غير المسبوقة التي يعانيها نظام الملالي، والتي تفاقمت بفعل الحرب الأخيرة وخسائره العسكرية والنووية، تؤكد أن الحل الثالث، الذي طرحته السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، في لقائها مع صحيفة «النهار» اللبنانية في 8 يوليو 2025، هو السبيل الوحيد لإنهاء الديكتاتورية وإقامة إيران ديمقراطية. وقال عقبايي: "منذ 13 يونيو 2025، كشفت الحرب مع إسرائيل وضربات الولايات المتحدة لمواقع نووية في فوردو ونطنز وأصفهان عن هشاشة النظام. هذه الضربات دمرت مراكز قيادته العسكرية ومنشآته النووية، التي كلفت تريليوني دولار، مما أضعف قدراته الاستراتيجية. الأزمة الاقتصادية، مع تضخم يتجاوز 40% وبطالة متصاعدة، إلى جانب العقوبات الدولية، جعلت النظام عاجزاً عن استعادة قوته. الانتخابات الأخيرة، بمشاركة هزيلة أقل من 10%، عكست رفض الشعب الإيراني للنظام، مما يظهر عزلته الكاملة." وأضاف: "خسائر النظام في قادته العسكريين وعلمائه النوويين، إلى جانب انقسامات بين النخب الحاكمة، عمّقت أزمته. محاولاته الدعائية لتوحيد الصفوف ضد 'العدو الخارجي' فشلت، إذ يدرك الشعب أن هذه الحروب تخفي الفشل الداخلي. النظام لجأ إلى الإعدامات، حيث أعدم أكثر من 400 شخص في النصف الأول من 2024، مستهدفاً النشطاء والأقليات. كما نقل في 23 يونيو 2025 سجناء سياسيين من إيفين إلى سجني طهران الكبرى وقرجك ورامين بعنف، دون السماح لهم بأخذ متعلقاتهم. في قرجك، تُحشر 200 سجينة في عنابر مظلمة بلا نوافذ، مع مياه ملوثة وطعام رديء. السجينة سايه صيدال وصفت قرجك بـ'الموت البطيء'، مما يكشف وحشية النظام." وتابع: "رغم القمع، توسعت أنشطة وحدات المقاومة، التي نفذت آلاف العمليات في 2024، معكسة إرادة الشعب للتغيير. شعارات الانتفاضات مثل 'الموت لخامنئي' و'الموت للظالم، سواء الشاه أو المرشد' تؤكد دعماً شعبياً واسعاً. المقاومة، التي قدمت 100 ألف شهيد خلال 40 عاماً، تمثل بديلاً ديمقراطياً بدعم شبكة وطنية من النشطاء." وأكد عقبايي: "كما أوضحت رجوي في 'النهار'، الحل الثالث يرفض المساومة والحرب، ويعتمد على تغيير ديمقراطي بيد الشعب. برنامجها من 10 نقاط، المقدم عام 2006، يرسم إيران حرة: جمهورية ديمقراطية، فصل الدين عن الدولة، مساواة بين الجنسين، إلغاء الإعدام، حكم ذاتي للقوميات، وإيران غير نووية تدافع عن السلام. سياسة المهادنة الدولية عززت النظام، لكن دعم المقاومة سيسرّع إسقاطه." واختتم: "ندعو مجلس حقوق الإنسان والهيئات الدولية لإدانة قمع النظام، إطلاق سراح السجناء السياسيين، وإرسال بعثة لتفقد السجون. الشعب الإيراني مصمم على إقامة ديمقراطية حرة."

التقويم السلمي في تركيا/3
التقويم السلمي في تركيا/3

شفق نيوز

timeمنذ 9 ساعات

  • شفق نيوز

التقويم السلمي في تركيا/3

جاء في الخطاب التأريخي المنتظر للرئيس أردوغان السبت، 12/7/2025 ما يلي: الرئيس أردوغان: بدءًا من يوم أمس دخلت آفة الإرهاب التي استمرت 41 عاما مرحلة النهاية بإذن الله. الرئيس أردوغان: اليوم يوم جديد وصفحة جديدة فتحت في التاريخ، اليوم فُتحت أبواب تركيا العظيمة والقوية على مصراعيها الرئيس أردوغان: التغيرات التي حصلت في سوريا والعراق ساعدتنا في التعامل مع الإرهاب. الرئيس أردوغان: أقول بوضوح إن مشروع "تركيا الخالية من الإرهاب" الذي نسعى لتحقيقه مؤخرا ليس نتيجة مفاوضات أو مساومة. الرئيس أردوغان عن إلقاء تنظيم حزب العمال الكردستاني سلاحه: تركيا انتصرت وانتصر الأتراك والأكراد والعرب وكل فرد من مواطنينا البالغ عددهم 86 مليون نسمة. الرئيس أردوغان: لم ولن ننخرط في أي عمل لا يخدم مصلحة تركيا وموقفنا اليوم وسياستنا وتوجهاتنا موجهة فقط لمصلحة تركيا. الرئيس أردوغان: وجود الأتراك والأكراد والعرب مرتبط بتضامنهم ووحدتهم. الرئيس أردوغان: عندما تتحد القلوب تختفي الحدود، وكخطوة أولى سنُنشئ لجنة برلمانية لبدء مناقشة المتطلبات القانونية (لعملية ترك سلاح العمال الكردستاني). الرئيس أردوغان: سنسهل إتمام العملية بسرعة دون إيذاء مشاعر أحد، بما يتماشى مع حساسية المرحلة، وسنتابع بدقة عملية تسليم السلاح. الرئيس أردوغان: ليست قضية مواطنينا الأكراد فحسب، بل مسألة أشقائنا الأكراد في العراق وسوريا هي قضيتنا أيضا. نناقش هذه المرحلة معهم وهم سعداء للغاية بذلك. الرئيس أردوغان: نواصل العمل مع الحكومة السورية وشركائنا الدوليين، وأؤمن من أعماق قلبي بأن صفحة الإرهاب ستُطوى هناك أيضا وتنتصر الأخوة. الرئيس أردوغان: تركيا ستنمو بالأخوة وستقوى بالديمقراطية وستسير نحو المستقبل بأمن واستقرار. يُعَدُّ هذا الخطاب التأريخي إيذانًا ببدء مرحلة تنفيذ المبادرة التي أطلقها دولت باهجلي من مجلس الأمة التركي، بتأريخ 22/10/2024، والخاصة بعملية السلام في تركيا، وهذا يعني أن الحكومة التركية أخذتْ على عاتقها مهمة إرساءَ قواعد السلام في تركيا، وما جاورها. سنكون بانتظار الرئيس أردوغان لنشهد معا المراحل القادمة في عملية السلام هذه، بدءًا من تشكيل لجنة برلمانية تواكب مُستجدّات المرحلة القادمة القانونية والدستورية، ومرورا بتحقيق الاحتواء والتجانس الوطني، داخليا، وإرساء حالة السلم والاستقرار في سوريا والعراق، خارجيا، وانتهاءً بتشكيل تحالف كردي تركي في حوض الميزوبوتاميا. رغبةُ الرئيس أردوغان بتصميم عملية السلام وفق مقاسه واستراتيجيته، وتعارضُها مع مصالح بعض القوى الفاعلة في المنطقة، قد تعيقُ استكمالَ مراحل السلم في المنطقة، ناهيك عن وجود أزمة ثقة بين أطراف القضية.. وهذا يعني أن عملية السلام تسير في طريق شائك، يستوجب على الأطراف مزيدا من الحرص والتفَهّم والمرونة. نجاحُ هذه المهمة مرهونٌ بما يدور في خُلْدِ أردوغان، والمصالحِ الإسرائيلية في المنطقة، والدورِ الأمريكي فيها، إضافة إلى مواقف إيران، وقسمٍ من التيار القومي التركي داخل الدولة العميقة في تركيا، ويصعبُ استقراءُ مستقبل المنطقة في ظلّ هذه التناقضات، سوى أننا سنشهد سلاما في المستقبل القريب، حتما، سلمًا تحقّقَ أم حربًا.

الاقتصاد الأسود بين حزب الله والحرس الثوري.. واشنطن تفكك شبكات التهريب والتمويل غير المشروعة
الاقتصاد الأسود بين حزب الله والحرس الثوري.. واشنطن تفكك شبكات التهريب والتمويل غير المشروعة

الحركات الإسلامية

timeمنذ 10 ساعات

  • الحركات الإسلامية

الاقتصاد الأسود بين حزب الله والحرس الثوري.. واشنطن تفكك شبكات التهريب والتمويل غير المشروعة

في خطوة جديدة لتكثيف الضغوط الاقتصادية على الكيانات الإرهابية وشبكات التمويل غير المشروعة، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأمريكية في الأسبوع الماضي عقوبات واسعة شملت مسؤولين كبار في مؤسسة "القرض الحسن" اللبنانية، التابعة لحزب الله، وعددًا من الكيانات الدولية المتورطة في تهريب النفط الإيراني، تمثل هذه الإجراءات امتدادًا لجهود مستمرة تهدف إلى تجفيف منابع التمويل لكل من حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، في وقت يشهد فيه الاقتصاد اللبناني تدهورًا متسارعًا وتتصاعد فيه الدعوات الدولية للحد من تدخل الجماعات المسلحة في الشأن المالي للدول. ففي السياق اللبناني، استهدفت وزارة الخزانة الأمريكية سبعة مسؤولين كبار وكيانًا واحدًا مرتبطًا بمؤسسة "القرض الحسن" (AQAH)، وهي مؤسسة مالية خاضعة لسيطرة حزب الله كانت قد أدرجت على قائمة العقوبات منذ عام 2007. وبحسب بيان الوزارة، فإن هؤلاء الأفراد لعبوا أدوارًا إدارية حساسة ساعدت حزب الله في التهرب من العقوبات الأمريكية من خلال طمس طابع المعاملات المالية وربطها بمؤسسات مصرفية لبنانية رسمية، مما عرّض هذه المؤسسات لمخاطر قانونية كبيرة مرتبطة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. نائب وزير الخزانة، مايكل فولكندر، أكد أن هذه الشخصيات حاولت تضليل النظام المالي اللبناني لصالح حزب الله، ما سمح للجماعة بنقل الأموال بحرية داخل النظام المصرفي الرسمي رغم تصنيفها كمنظمة إرهابية. وتشير التفاصيل إلى أن شبكة AQAH لم تكن تعمل في الظل فحسب، بل استندت إلى نمط معقد من "المصرفيين الظليين" عبر فتح حسابات مصرفية مشتركة وتحريك ملايين الدولارات بطرق تتعمد حجب ارتباطها المباشر بحزب الله، ومن بين أبرز هؤلاء المسؤولين: نعمة أحمد جميل، الذي ترأس قسمي التدقيق والأعمال في AQAH وكان على مدى 20 عامًا مسؤولًا عن إدارة الخدمات المالية لحزب الله، كما يمتلك جميل إلى جانب شخصيات أخرى مصنّفة، شركة "تسهيلات SARL" التي كانت تقدم قروضًا عقارية بعد حرب 2006، وتُعتبر جزءًا من البنية التحتية المالية التي يستخدمها حزب الله لتأمين التمويل بعيدًا عن الرصد الدولي. ومن بين الشخصيات الأخرى المدرجة، برز اسم عيسى حسين قصير، المشرف على قسم المشتريات والخدمات اللوجستية، الذي حوّل نحو مليون دولار إلى أعضاء آخرين في AQAH، في حين تولى سامر حسن فواز مهام التنسيق والإدارة مع شركات لوجستية تدعم أنشطة حزب الله، أما عماد محمد بيز، مسؤول صفقات الذهب، فقد أرسل أكثر من 2.5 مليون دولار إلى ثلاثة مسؤولين سابقين في المؤسسة، بينما أشرف علي محمد كرنيب على شراء أكثر من ألف أونصة من الذهب لصالح AQAH خلال عام واحد، كما كُشف عن ارتباط علي أحمد كريشت، مدير فرع AQAH في صور، بحسابات مصرفية مباشرة لصالح حزب الله، وعلاقته الوثيقة بالمستشار المالي المدرج على لائحة العقوبات حسن مقلد، إضافة إلى ذلك تولى محمد سليمان بدير مهام نائب المدير في فرع AQAH بالنبطية، وكان له حساب مصرفي مشترك مع مسؤولين آخرين، في إطار ما وصفته وزارة الخزانة بـ"خطة منظمة للالتفاف على النظام المالي". وفي الموازاة، كشفت وزارة الخزانة عن شبكة دولية معقدة لتهريب النفط الإيراني، على رأسها رجل الأعمال العراقي البريطاني سليم أحمد سعيد، الذي استخدم منذ عام 2020 شركات متعددة الواجهات في الإمارات والمملكة المتحدة والعراق لتسويق النفط الإيراني تحت غطاء أنه نفط عراقي، لجأ سعيد إلى عمليات خلط ممنهجة بين النفطين الإيراني والعراقي، مستخدمًا وثائق مزورة وعمليات نقل من سفينة إلى سفينة، واستفاد من تسهيلات قدمها مسؤولون عراقيون متواطئون تلقوا رشاوى بملايين الدولارات، من بين أبرز شركاته المصنفة، شركة "VS Tankers FZE" و"VS Oil Terminal FZE" و"Rhine Shipping" و"VS Petroleum DMCC"، إضافة إلى شركتين بريطانيتين هما "The Willett Hotel Limited" و"Robinbest Limited". كما تبيّن أن سعيد استخدم هذه الشبكات لتهريب العملة الصعبة إلى إيران براً عبر سيارات وشاحنات محمّلة بملايين الدولارات، لتُستخدم كدفعات مباشرة مقابل شحنات النفط، وهو ما يعد خرقًا مباشرًا لنظام العقوبات الأمريكي والدولي. وتطرقت العقوبات أيضًا إلى الناقلات والسفن التي تُشكل ما يُعرف بـ"أسطول الظل" الإيراني، الذي يعتمد عليه النظام في تصدير النفط سرًا إلى الأسواق الآسيوية، ومن بين السفن التي خضعت للعقوبات ناقلة "فيزوري" التي ترفع علم الكاميرون، و"فوتيس" و"ثيميس" اللتان ترفعان علم جزر القمر وبنما على التوالي، وناقلة "بيانكا جويسيل" التي نقلت وحدها أكثر من عشرة ملايين برميل منذ منتصف عام 2024، وتدير هذه السفن شركات واجهة مثل "إيجير للشحن" و"فوتيس لاينز إنكوربوريتد" و"ثيميس المحدودة"، التي تم إدراجها بدورها ضمن العقوبات لارتباطها بقطاع النفط الإيراني. وقد عملت شركة "Trans Arctic Global" التي تتخذ من سنغافورة مقرًا لها، كجهة تنسيق لعبور ناقلات النفط الإيرانية عبر مضيق ملقا، ممهّدةً الطريق أمام عمليات نقل النفط من سفينة إلى أخرى في المياه الإقليمية قبالة سنغافورة. ويرى المراقبون أن هذه الحزمة المتقدمة من العقوبات تمثل تصعيدًا نوعيًا في سياسة الضغط القصوى التي تتبعها الإدارة الأمريكية ضد إيران ووكلائها في المنطقة، خاصة حزب الله، كما أن التزام وزارة الخزانة الأمريكية بتجفيف مصادر التمويل، سواء عبر التهريب النفطي أو القنوات المصرفية المحلية في لبنان، يشير إلى إصرار واضح على عدم ترك أي منفذ مالي لهذه الجماعات، ويعتقد كثير من المحللين أن العقوبات لم تعد تُصمم فقط لردع الأنشطة الحالية، بل لإحباط أي محاولة لإعادة بناء البنية التحتية المالية لحزب الله وفيلق القدس مستقبلًا، في الوقت نفسه تشكّل هذه العقوبات رسالة مباشرة إلى الحكومة اللبنانية الجديدة بضرورة فك الارتباط مع المؤسسات المالية التابعة لحزب الله أو المتواطئة معه، خاصة في ظل استمرار الانهيار الاقتصادي في البلاد، والذي يتغذى جزئيًا من هذه الأنشطة المشبوهة. وإذا كان من دلالة لهذه الإجراءات، فهي أن واشنطن ماضية في توسيع نطاق استهدافها لشبكات الدعم المالي التي تربط بين طهران وبيروت وبغداد، وأنها لم تعد تكتفي بتجفيف منابع التمويل الظاهرة، بل تستهدف البنية العميقة للشبكات التي تستفيد من ثغرات القانون، ومن الفساد الرسمي، ومن ضعف الرقابة، لتواصل تمويل الإرهاب وزعزعة الاستقرار الإقليمي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store