
اتخاذ القرارات بالذكاء الاصطناعي، فهم آلية الوصول إلى حسن التقدير وتحسين العملية
تتمثل الطريقة الأولى في طرح الأسئلة، حيث ترتبط جودة الإجابة بأسلوب طرح السؤال. وبالتالي، يُعد حسن التقدير عاملاً محورياً لصياغة السؤال بطريقة تسمح لنا بالحصول على الإجابة المطلوبة. ويمكن التحقق من أهمية هذا العامل عبر توجيه سؤالٍ معين وبطرق مختلفة إلى أحد نماذج اللغة الكبيرة، مثل تشات جي بي تي. ثم تأتي البرمجة، حيث تحتاج كتابة مخرجات الذكاء الاصطناعي إلى برنامج محدد. ويجب على المستخدم أن يكون على دراية بقدرة البرنامج على تحقيق هذه الغاية، وأذكر كمثال على ذلك وجود أي تحيز من قبل مصمم البرنامج، فمن الضروري أن يمتلك المستخدم حسن التقدير لتقييم هذا الأمر. ونستخدم الذكاء الاصطناعي أيضاً من أجل تدريب البيانات، فذلك ضروري لتحديد العناصر المطلوبة في الإجابة عن الأسئلة، مما يتيح لنا الحصول على إجابات محددة. ولا بدّ من وجود حسن التقدير للتأكد من أن بيانات التدريب ملائمة، وذلك بالتحقق من طريقة طرح السؤال.
أما الطريقة الرابعة فهي التحقق من جودة البيانات، إذ يوجد ارتباط وثيق بين جودة الأسئلة وجودة الإجابات. ومن الضروري التحلي بحسن التقدير للتأكد عند الضرورة من الحصول على إجابة وافية.
الطريقة الخامسة تتلخص في عملية تفسير النتائج، فمن الضروري توافر حسن التقدير للتحقق من دقة الإجابة المقدمة. ويمكن أن يشمل أيضاً الحاجة إلى التحقق من الجوانب الواقعية، مع وجود احتمال أن يكون الذكاء الاصطناعي يختلق الإجابة.
ما العناصر الرئيسية في وجود آلية فعالة لحسن التقدير تتيح للأفراد والمؤسسات تطبيق القرارات بصورة منهجية؟ وكيف يمكننا مراقبة النتائج؟
يوجد الكثير من آليات حسن التقدير التي تم تطويرها على مدار السنوات الماضية، بعد جهودٍ حثيثة شملت التحدث إلى مئات الأفراد والحصول على المعلومات من مصادر متنوعة. وتدل هذه الآليات على ضرورة أخذ العناصر التالية بعين الاعتبار:
المعلومات والخبرات الضرورية ذات الصلة ، فجميعنا نحتاج إلى هذه العوامل للتحلي بحسن التقدير، مع التأكيد على ضرورة وجود صلة وثيقة بين هذه المعلومات والتجارب والقضايا المطروحة. ونحن نتخذ قراراتنا وفق سياقات خاصة بكلِ منها، ولا بدّ من الاستفادة من المعلومات والتجارب المتاحة عند صياغة هذا السياق.
يجب أن تكون لدينا ثقة في المعلومات والأشخاص الذين نعتمد عليهم، فهذه العملية تفرض علينا الاعتماد على أشخاص آخرين والحصول على المعلومات من مصادر متنوعة. وللوصول إلى حسن التقدير، لا بدّ من وجود الثقة في هؤلاء الأشخاص وفي هذه المعلومات.
ومن الضروري توافر الوعي بالظروف الخاصة. فعند اتخاذنا لقرار معين، يجب أن نكون مدركين للظروف وحالة الأفراد المشمولين بهذه القرارات، بما في ذلك التحقق من وجود أجندات شخصية محددة قيد التنفيذ، وهو ما يؤثر على أسلوب مناقشتهم للقضية المطروحة وإجابتهم عن الأسئلة.
ونمتلك جميعاً مشاعرنا وآراءنا الخاصة ، التي ستؤثر علينا حتماً عند اتخاذ أي قرار. ويؤثر هذا العامل في طريقة وصولنا إلى حسن التقدير، لا سيما طريقة انتقائنا للمعلومات التي سيكون لها الدور الأكبر في اتخاذ القرار. ويتعين علينا أن نكون مدركين لدور هذه المشاعر والآراء والرغبات الشخصية في اتخاذ القرار السليم.
أما طريقة اتخاذ القرار فيمكن أن تتأثر بمجموعة من المتغيرات التي تطرأ على خياراتنا. وعلى سبيل المثال، قد نعتمد على اجتماع يهيمن عليه شخص واحد، أو قد يتم إخفاء بعض المعلومات عن الأفراد الذين يتخذون القرار.
لذا، يمكن فعلاً أن تؤثر العملية المحددة لاتخاذ القرار على حسن التقدير لدينا.
وتأتي في النهاية قابلية تنفيذ هذه القرارات على أرض الواقع، فقد يشتمل حسن التقدير على وجوب اتخاذ قرار لا يمكن تنفيذه، وذلك بالتأكيد لن يندرج في إطار حسن التقدير، علماً أن ذلك ليس ضرورياً، فقد يتوقف حسن التقدير عند حدود تكوين رأي معين. وبناءً عليه، يجب أن ينطوي حسن التقدير على إمكانية تنفيذ القرار المتخذ.
وأذكر في ما يلي العوامل المطلوبة للتحلي بحسن التقدير عند اتخاذ قرار معين.
– كيف يمكن تحسين عملية حسن التقدير؟ وإلى أي مدى يجب أخذ مصلحة الجهات المعنية بعين الاعتبار؟
يجب أولاً إدراك أن حسن التقدير عملية قائمة بحدّ ذاتها، وأنه من خلال مراحل هذه العملية المذكورة التي ذكرناها، يمكن تحديد مجالات التحسين المتاحة.
وبعدها، علينا التركيز على هذه العناصر في الإطار المذكور بما يتيح لنا تطوير العملية. فمثلاً، في حال الافتقار إلى الخبرة المطلوبة، يمكن العمل على اكتساب هذه الخبرة أو اللجوء إلى مَن يمتلكها. أما في حال وجود مشكلة أو تحيز (مثل الميل إلى المبالغة في التفاؤل)، علينا إدراك المشكلة ومواجهتها من خلال التخفيف عمداً من حالة التفاؤل أو عبر استقطاب أشخاص آخرين إلى المجموعة لمواجهة ميلنا إلى المبالغة في التفاؤل من خلال اتباعهم منهجية أكثر تحفظاً.
إن هذا المثال يغطي فقط أحد جوانب حسن التقدير، وتوجد مجموعة واسعة من الطرق لتحسينه، إذ تتوفر قائمة تضم أكثر من 100 طريقة في كتابي 'حسن التقدير: اتخاذ قرارات أفضل' 'Judgement at work; Making better choices' (يرجى مراجعة رمز الاستجابة السريعة أدناه).
-ما الطرق التي تتيح للشركات الارتقاء بحسن التقدير لديها عند اختيار المرشحين للوظائف؟
من خلال استخدام جميع أجزاء عملية حسن التقدير التي ذكرناها عند اتخاذ قرار حول خصائص الوظيفة، وطريقة إجراء عملية الاختيار، واختيار الشخص المناسب للمنصب الوظيفي. فعلى سبيل المثال، يكون إجراء المقابلات في معظم الأحيان جزءاً صعباً من عملية اختيار المرشحين. ويمكن تحديد إن كانت المقابلة مفيدة (أو مضللة) من خلال الانتباه إلى الجوانب التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار وكيفية إجراء العملية. ونوضح هنا الإطار المذكور سابقاً والمعتمد في عملية إجراء المقابلات.
-ما هي الأمثلة البارزة لتطبيق العناصر الستة في كتاب 'حسن التقدير' لتعزيز عملية اتخاذ القرار والتفكير الاستراتيجي؟
شاركتُ على مدار السنوات القليلة الماضية في مساعدة العديد من الشركات والأفراد بهذه الطريقة. فعلى سبيل المثال، تعتمد إحدى الشركات الاستشارية الرائدة عالمياً هذا الإطار في تدريب موظفيها الجدد على مفهوم حسن التقدير في بيئة العمل الاستشارية.
كما تشكل مهنة التدقيق مثالاً آخر على ذلك، إذ تُعد ممارسة حسن التقدير المهني عاملاً أساسياً في ما يتعلق بجودة عمل المختصين. وقد ساعدتُ الجهة التنظيمية للتدقيق بالمملكة المتحدة في وضع إطار عمل لشركات التدقيق، بهدف تحديد وتطبيق ممارسات حسن التقدير المهني في عملها. وقدمتُ دورة تدريبية عبر الإنترنت للهيئة المهنية للمدققين لمساعدة الأفراد فيها على تعلم كيفية ممارسة حسن التقدير المهني، بالإضافة إلى مساعدة شركات التدقيق في تدريب موظفيها على ذلك.
كما تشكل مساعدة الطلبة الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و18 عاماً في اختيار مساراتهم المهنية مثالاً آخر على ذلك في سياقٍ مختلف تماماً. وقد قدّمتُ هذا الدعم لسنوات عديدة في المملكة المتحدة للأطفال في المدارس المحلية، بالإضافة إلى تقديم دورة تدريبية لمدرسة في المكسيك بعد تواصلها معي.
ويمكن للأفراد من مختلف أنحاء العالم الانضمام إليّ في دورة تدريبية عبر الإنترنت تشتمل على 90 دقيقة من التدريب والتعليم الشخصي. ويمكن للمهتمين التواصل عبر رمز الاستجابة السريع أدناه:
– متى نلجأ للاعتماد على الحدس والتقدير بدلاً من البيانات وخصوصاً في قرارات التوظيف حيث تلعب الانطباعات الأولى دوراً مؤثراً؟ وما المخاطر المرتبطة بذلك؟
قبل التفكير في الاعتماد على الحدس، يتوجب علينا الأخذ بعين الاعتبار أن نفكر في ما إذا كانت الأدلة والبيانات مطلوبة عند اتخاذ إجراءات معينة وما مدى أهميتها.
ففي حال كانت هناك حاجة لإثبات هذه الأدلة والبيانات، للزملاء أو الجهات التنظيمية أو القانونية، فإن الحدس لن يكون كافياً لتشكيل أساسيات حسن التقدير، إذ لا يمكن الاعتماد على ذلك في الحصول على معلومات كافية أو التوصل إلى الأساسيات التوضيحية الدقيقة.
وعند عدم وجود حاجة إلى تقديم الأدلة ولم يكن للنتيجة أي فروقات جوهرية (مثل اختيار اللون الفضي بدلاً من الأسود عند شراء سيارة جديدة)، يمكن حينها الاعتماد على الشعور الداخلي واختيار المزيج الأنسب من التحليلات والحدس في ظل هذه الظروف.
أما في حال لم تكن هناك ضرورة لتقديم الأدلة وكانت النتيجة ذات أهمية، فإن اعتماد الحدس وحسن التقدير يقوم على التقييم الصحيح للمخاطر وإدارتها، إذ إن المخاطر الناجمة عن الاعتماد على الحدس تزداد مع ازدياد أهمية الموضوع المعني. وكلّما كانت الظروف غير اعتيادية، ترتفع المخاطر الناجمة عن الاعتماد على الحدس. كما تزداد مخاطر ممارسات حسن التقدير المعتمدة على الحدس مع زيادة كمية القرارات الخاطئة التي اتخذتها سابقاً.
كما يشكل السياق العامل الأهم كما هو الحال في الكثير من الأمور المتعلقة بمجال حسن التقدير، حيث يتوجب علينا تحقيق التوازن بين المخاطر النسبية للاعتماد على الحدس من عدمه في الظروف الخاصة بكل حالة.
وتتمثل إحدى أبرز القضايا في هذا الصدد في أهمية الانصياع للحدس أو الشعور الغريزي عند مقابلة شخص ما للمرة الأولى، مثل لقاء زميل أو عميل جديد محتمل، فقد ينطوي على نوع من المخاطرة في هذه الحالة. ونعتمد في الحالات المثلى على الخبرة المكتسبة على مدار سنوات طويلة، إلا أن هناك العديد من الأشخاص الماهرين في تقديم أنفسهم بصورة مميزة ولكنهم لا يتمتعون بالصفات التي تنطوي عليها هذه الصورة، بالإضافة إلى الأشخاص الذين يتمتعون بهذه الصفات دون القدرة على تمثيلها بالشكل الصحيح عند الاعتماد على الحدس.
البروفيسور أندرو ليكرمان، كلية لندن للأعمال، يوليو 2025.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 11 ساعات
- صحيفة الخليج
فريق بحثي من جامعة الإمارات يحصل على براءة اختراع تطوير روبوتات لصيانة الأنابيب تحت الأرض
العين-وام حصل فريق بحثي من جامعة الإمارات العربية المتحدة، على براءة اختراع من مكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراع والعلامات التجارية، عن تصميم نظام متطور من الروبوتات الذكية المتحولة، المصممة خصيصاً لفحص وصيانة الأنابيب الأرضية تحت السطح، باستخدام تقنية السرب. ضم الفريق الدكتور فادي النجار، المتخصص في الذكاء الاصطناعي المرتكز على الإنسان والروبوتات العصبية، والدكتور وليد أحمد، الخبير في التصنيع الإضافي والهندسة الميكانيكية، وأمجد الحسن، طالب ماجستير ومساعد باحث في الهندسة الميكانيكية، إضافة إلى المهندس الفني مثنى أحمد عزيز. يعتمد النظام على مجموعة روبوتات صغيرة الحجم قادرة على التنسيق في ما بينها بآلية مستلهمة من سلوك النمل والنحل، حيث تتوزع المهام تلقائياً، وتتفاعل الروبوتات في الوقت الحقيقي مع التحديات البيئية. ويمكن لكل روبوت أداء وظيفة محددة مثل الكشف عن التسريبات، والتقاط الصور، أو تنفيذ الإصلاحات داخل الأنابيب، ما يعزز من كفاءة الفحص والصيانة ويقلل من الحاجة إلى تدخل بشري أو حفر خارجي. وأوضح الدكتور فادي النجار أن الروبوتات الذكية تم تطويرها، لتعمل ضمن بنية جماعية مترابطة تتواصل في ما بينها وتتكيف مع البيئات المعقدة، ما يُعد نقلة نوعية في تقنيات إدارة وصيانة شبكات الأنابيب، خاصة في البيئات الصعبة. وأشار إلى أن هذا النظام سيسهم في تقليل التكاليف التشغيلية، والحد من الأعطال، وتقليل نسب التلوث الناتج عن التسريبات، فضلاً عن إطالة عمر البنية التحتية الحيوية. وأكد أن هذا الابتكار يعكس دعم جامعة الإمارات للبحث العلمي التطبيقي، ويمثل تقدماً علمياً نوعياً يعزز من دورها مركزاً رائداً في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات والهندسة المستدامة، مشيراً إلى أن الفريق يطمح إلى مواصلة تطوير ابتكارات جديدة تدعم الاستدامة وتخدم الاقتصاد المعرفي.


صحيفة الخليج
منذ 12 ساعات
- صحيفة الخليج
أعشاب بحرية تقاوم تغير المناخ
رغم التغيرات البيئية السريعة التي يشهدها خليج مين بأمريكا، أظهرت غابة عشب البحر في منطقة «كاتشيز ليدج» البحرية مؤشرات مشجعة على قدرتها على التكيف مع آثار تغير المناخ، وفقاً لنتائج رحلة استكشافية حديثة قادها عالم الأحياء البحرية جون ويتمان من جامعة براون الأمريكية. وخلال الرحلة، لاحظ فريق الباحثين أن كثافة أعشاب البحر وحجمها قد ازدادا مقارنة بعامين مضيا، في حين ظلت أنواع في حالة جيدة نسبياً. كما سُجلت وفرة ملحوظة في أعداد الأسماك، خاصةً سمك الكنر والبولوك، ما يعكس استمرار الإنتاجية البيئية. لكن الفريق أبدى قلقاً من انتشار الطحالب الحمراء الغازية، التي تُغير كيمياء قاع البحر وتُهدد الموائل البحرية الحساسة. منذ عام 1987، يزور ويتمان كاتشيز ليدج، الواقعة على بعد 128 كيلومتر من ساحل خليج مين، لرصد التغيرات طويلة الأمد في هذه المنطقة التي تُعد من أكثر مواقع التنوع البيولوجي غنىً على الساحل الشرقي للولايات المتحدة. وتعمل الجامعة على تصنيف الموقع كمحمية بحرية وطنية، بهدف حمايته من الأنشطة التجارية الضارة، ويجري حالياً النظر في الاقتراح من قبل الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي. وقال الباحثون: «كاتشيز ليدج أشبه بمتحف حيّ، وهي تظهر بعض المرونة في مواجهة تغير المناخ، لكن استمرار الرصد ضروري مع تسارع وتيرة الاحترار في خليج مين، إحدى أسرع مناطق المحيطات دفئاً في العالم».


ارابيان بيزنس
منذ 17 ساعات
- ارابيان بيزنس
اتخاذ القرارات بالذكاء الاصطناعي، فهم آلية الوصول إلى حسن التقدير وتحسين العملية
استفسر محرر أريبيان بزنس عن نصائح البروفيسور أندرو ليكرمان ، كلية لندن للأعمال، حول السبل التي تساهم باتخاذ قرارات صائبة ، وبسؤاله عن تأثير حسن التقدير على عملية اتخاذ القرار المؤسسي باستخدام الذكاء الاصطناعي و المخاطر المحتملة التي يجب أن تكون المؤسسات على دراية بها، أجاب بالقول:' من الضروري التحلي بحسن التقدير عند استخدام الذكاء الاصطناعي لاتخاذ القرارات. ونحن نتعامل مع الذكاء الاصطناعي بالطرق الخمس التالية: تتمثل الطريقة الأولى في طرح الأسئلة، حيث ترتبط جودة الإجابة بأسلوب طرح السؤال. وبالتالي، يُعد حسن التقدير عاملاً محورياً لصياغة السؤال بطريقة تسمح لنا بالحصول على الإجابة المطلوبة. ويمكن التحقق من أهمية هذا العامل عبر توجيه سؤالٍ معين وبطرق مختلفة إلى أحد نماذج اللغة الكبيرة، مثل تشات جي بي تي. ثم تأتي البرمجة، حيث تحتاج كتابة مخرجات الذكاء الاصطناعي إلى برنامج محدد. ويجب على المستخدم أن يكون على دراية بقدرة البرنامج على تحقيق هذه الغاية، وأذكر كمثال على ذلك وجود أي تحيز من قبل مصمم البرنامج، فمن الضروري أن يمتلك المستخدم حسن التقدير لتقييم هذا الأمر. ونستخدم الذكاء الاصطناعي أيضاً من أجل تدريب البيانات، فذلك ضروري لتحديد العناصر المطلوبة في الإجابة عن الأسئلة، مما يتيح لنا الحصول على إجابات محددة. ولا بدّ من وجود حسن التقدير للتأكد من أن بيانات التدريب ملائمة، وذلك بالتحقق من طريقة طرح السؤال. أما الطريقة الرابعة فهي التحقق من جودة البيانات، إذ يوجد ارتباط وثيق بين جودة الأسئلة وجودة الإجابات. ومن الضروري التحلي بحسن التقدير للتأكد عند الضرورة من الحصول على إجابة وافية. الطريقة الخامسة تتلخص في عملية تفسير النتائج، فمن الضروري توافر حسن التقدير للتحقق من دقة الإجابة المقدمة. ويمكن أن يشمل أيضاً الحاجة إلى التحقق من الجوانب الواقعية، مع وجود احتمال أن يكون الذكاء الاصطناعي يختلق الإجابة. ما العناصر الرئيسية في وجود آلية فعالة لحسن التقدير تتيح للأفراد والمؤسسات تطبيق القرارات بصورة منهجية؟ وكيف يمكننا مراقبة النتائج؟ يوجد الكثير من آليات حسن التقدير التي تم تطويرها على مدار السنوات الماضية، بعد جهودٍ حثيثة شملت التحدث إلى مئات الأفراد والحصول على المعلومات من مصادر متنوعة. وتدل هذه الآليات على ضرورة أخذ العناصر التالية بعين الاعتبار: المعلومات والخبرات الضرورية ذات الصلة ، فجميعنا نحتاج إلى هذه العوامل للتحلي بحسن التقدير، مع التأكيد على ضرورة وجود صلة وثيقة بين هذه المعلومات والتجارب والقضايا المطروحة. ونحن نتخذ قراراتنا وفق سياقات خاصة بكلِ منها، ولا بدّ من الاستفادة من المعلومات والتجارب المتاحة عند صياغة هذا السياق. يجب أن تكون لدينا ثقة في المعلومات والأشخاص الذين نعتمد عليهم، فهذه العملية تفرض علينا الاعتماد على أشخاص آخرين والحصول على المعلومات من مصادر متنوعة. وللوصول إلى حسن التقدير، لا بدّ من وجود الثقة في هؤلاء الأشخاص وفي هذه المعلومات. ومن الضروري توافر الوعي بالظروف الخاصة. فعند اتخاذنا لقرار معين، يجب أن نكون مدركين للظروف وحالة الأفراد المشمولين بهذه القرارات، بما في ذلك التحقق من وجود أجندات شخصية محددة قيد التنفيذ، وهو ما يؤثر على أسلوب مناقشتهم للقضية المطروحة وإجابتهم عن الأسئلة. ونمتلك جميعاً مشاعرنا وآراءنا الخاصة ، التي ستؤثر علينا حتماً عند اتخاذ أي قرار. ويؤثر هذا العامل في طريقة وصولنا إلى حسن التقدير، لا سيما طريقة انتقائنا للمعلومات التي سيكون لها الدور الأكبر في اتخاذ القرار. ويتعين علينا أن نكون مدركين لدور هذه المشاعر والآراء والرغبات الشخصية في اتخاذ القرار السليم. أما طريقة اتخاذ القرار فيمكن أن تتأثر بمجموعة من المتغيرات التي تطرأ على خياراتنا. وعلى سبيل المثال، قد نعتمد على اجتماع يهيمن عليه شخص واحد، أو قد يتم إخفاء بعض المعلومات عن الأفراد الذين يتخذون القرار. لذا، يمكن فعلاً أن تؤثر العملية المحددة لاتخاذ القرار على حسن التقدير لدينا. وتأتي في النهاية قابلية تنفيذ هذه القرارات على أرض الواقع، فقد يشتمل حسن التقدير على وجوب اتخاذ قرار لا يمكن تنفيذه، وذلك بالتأكيد لن يندرج في إطار حسن التقدير، علماً أن ذلك ليس ضرورياً، فقد يتوقف حسن التقدير عند حدود تكوين رأي معين. وبناءً عليه، يجب أن ينطوي حسن التقدير على إمكانية تنفيذ القرار المتخذ. وأذكر في ما يلي العوامل المطلوبة للتحلي بحسن التقدير عند اتخاذ قرار معين. – كيف يمكن تحسين عملية حسن التقدير؟ وإلى أي مدى يجب أخذ مصلحة الجهات المعنية بعين الاعتبار؟ يجب أولاً إدراك أن حسن التقدير عملية قائمة بحدّ ذاتها، وأنه من خلال مراحل هذه العملية المذكورة التي ذكرناها، يمكن تحديد مجالات التحسين المتاحة. وبعدها، علينا التركيز على هذه العناصر في الإطار المذكور بما يتيح لنا تطوير العملية. فمثلاً، في حال الافتقار إلى الخبرة المطلوبة، يمكن العمل على اكتساب هذه الخبرة أو اللجوء إلى مَن يمتلكها. أما في حال وجود مشكلة أو تحيز (مثل الميل إلى المبالغة في التفاؤل)، علينا إدراك المشكلة ومواجهتها من خلال التخفيف عمداً من حالة التفاؤل أو عبر استقطاب أشخاص آخرين إلى المجموعة لمواجهة ميلنا إلى المبالغة في التفاؤل من خلال اتباعهم منهجية أكثر تحفظاً. إن هذا المثال يغطي فقط أحد جوانب حسن التقدير، وتوجد مجموعة واسعة من الطرق لتحسينه، إذ تتوفر قائمة تضم أكثر من 100 طريقة في كتابي 'حسن التقدير: اتخاذ قرارات أفضل' 'Judgement at work; Making better choices' (يرجى مراجعة رمز الاستجابة السريعة أدناه). -ما الطرق التي تتيح للشركات الارتقاء بحسن التقدير لديها عند اختيار المرشحين للوظائف؟ من خلال استخدام جميع أجزاء عملية حسن التقدير التي ذكرناها عند اتخاذ قرار حول خصائص الوظيفة، وطريقة إجراء عملية الاختيار، واختيار الشخص المناسب للمنصب الوظيفي. فعلى سبيل المثال، يكون إجراء المقابلات في معظم الأحيان جزءاً صعباً من عملية اختيار المرشحين. ويمكن تحديد إن كانت المقابلة مفيدة (أو مضللة) من خلال الانتباه إلى الجوانب التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار وكيفية إجراء العملية. ونوضح هنا الإطار المذكور سابقاً والمعتمد في عملية إجراء المقابلات. -ما هي الأمثلة البارزة لتطبيق العناصر الستة في كتاب 'حسن التقدير' لتعزيز عملية اتخاذ القرار والتفكير الاستراتيجي؟ شاركتُ على مدار السنوات القليلة الماضية في مساعدة العديد من الشركات والأفراد بهذه الطريقة. فعلى سبيل المثال، تعتمد إحدى الشركات الاستشارية الرائدة عالمياً هذا الإطار في تدريب موظفيها الجدد على مفهوم حسن التقدير في بيئة العمل الاستشارية. كما تشكل مهنة التدقيق مثالاً آخر على ذلك، إذ تُعد ممارسة حسن التقدير المهني عاملاً أساسياً في ما يتعلق بجودة عمل المختصين. وقد ساعدتُ الجهة التنظيمية للتدقيق بالمملكة المتحدة في وضع إطار عمل لشركات التدقيق، بهدف تحديد وتطبيق ممارسات حسن التقدير المهني في عملها. وقدمتُ دورة تدريبية عبر الإنترنت للهيئة المهنية للمدققين لمساعدة الأفراد فيها على تعلم كيفية ممارسة حسن التقدير المهني، بالإضافة إلى مساعدة شركات التدقيق في تدريب موظفيها على ذلك. كما تشكل مساعدة الطلبة الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و18 عاماً في اختيار مساراتهم المهنية مثالاً آخر على ذلك في سياقٍ مختلف تماماً. وقد قدّمتُ هذا الدعم لسنوات عديدة في المملكة المتحدة للأطفال في المدارس المحلية، بالإضافة إلى تقديم دورة تدريبية لمدرسة في المكسيك بعد تواصلها معي. ويمكن للأفراد من مختلف أنحاء العالم الانضمام إليّ في دورة تدريبية عبر الإنترنت تشتمل على 90 دقيقة من التدريب والتعليم الشخصي. ويمكن للمهتمين التواصل عبر رمز الاستجابة السريع أدناه: – متى نلجأ للاعتماد على الحدس والتقدير بدلاً من البيانات وخصوصاً في قرارات التوظيف حيث تلعب الانطباعات الأولى دوراً مؤثراً؟ وما المخاطر المرتبطة بذلك؟ قبل التفكير في الاعتماد على الحدس، يتوجب علينا الأخذ بعين الاعتبار أن نفكر في ما إذا كانت الأدلة والبيانات مطلوبة عند اتخاذ إجراءات معينة وما مدى أهميتها. ففي حال كانت هناك حاجة لإثبات هذه الأدلة والبيانات، للزملاء أو الجهات التنظيمية أو القانونية، فإن الحدس لن يكون كافياً لتشكيل أساسيات حسن التقدير، إذ لا يمكن الاعتماد على ذلك في الحصول على معلومات كافية أو التوصل إلى الأساسيات التوضيحية الدقيقة. وعند عدم وجود حاجة إلى تقديم الأدلة ولم يكن للنتيجة أي فروقات جوهرية (مثل اختيار اللون الفضي بدلاً من الأسود عند شراء سيارة جديدة)، يمكن حينها الاعتماد على الشعور الداخلي واختيار المزيج الأنسب من التحليلات والحدس في ظل هذه الظروف. أما في حال لم تكن هناك ضرورة لتقديم الأدلة وكانت النتيجة ذات أهمية، فإن اعتماد الحدس وحسن التقدير يقوم على التقييم الصحيح للمخاطر وإدارتها، إذ إن المخاطر الناجمة عن الاعتماد على الحدس تزداد مع ازدياد أهمية الموضوع المعني. وكلّما كانت الظروف غير اعتيادية، ترتفع المخاطر الناجمة عن الاعتماد على الحدس. كما تزداد مخاطر ممارسات حسن التقدير المعتمدة على الحدس مع زيادة كمية القرارات الخاطئة التي اتخذتها سابقاً. كما يشكل السياق العامل الأهم كما هو الحال في الكثير من الأمور المتعلقة بمجال حسن التقدير، حيث يتوجب علينا تحقيق التوازن بين المخاطر النسبية للاعتماد على الحدس من عدمه في الظروف الخاصة بكل حالة. وتتمثل إحدى أبرز القضايا في هذا الصدد في أهمية الانصياع للحدس أو الشعور الغريزي عند مقابلة شخص ما للمرة الأولى، مثل لقاء زميل أو عميل جديد محتمل، فقد ينطوي على نوع من المخاطرة في هذه الحالة. ونعتمد في الحالات المثلى على الخبرة المكتسبة على مدار سنوات طويلة، إلا أن هناك العديد من الأشخاص الماهرين في تقديم أنفسهم بصورة مميزة ولكنهم لا يتمتعون بالصفات التي تنطوي عليها هذه الصورة، بالإضافة إلى الأشخاص الذين يتمتعون بهذه الصفات دون القدرة على تمثيلها بالشكل الصحيح عند الاعتماد على الحدس. البروفيسور أندرو ليكرمان، كلية لندن للأعمال، يوليو 2025.