
في عصر كاميرات المراقبة وبرامج التتبع.. مخاوف على الصحة النفسية والقدرات العقلية
وبالمثل يشعر الكثيرون في العصر الحالي أن طرفا ثالثا مجهولا يراقبهم باستمرار، فملايين الكاميرات التي تعمل بأنظمة الدوائر التلفزيونية المغلقة تتابعك بشكل دائم بينما تسير وتقود سيارتك وتشتري احتياجاتك، بل إن معادلات خوارزمية تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي تتابع نشاطك على الإنترنت ومواقع التواصل وتتعرف على اهتماماتك على مدار الساعة، لاسيما أن بعض التطبيقات الحديثة تستطيع تحديد هويتك بمجرد الاطلاع على ملامح وجهك.
ويقول كليمنت بيليتير اختصاصي علم النفس بجامعة كليرمونت أفيرن في فرنسا إن "تأثير الشعور بالمراقبة يعتبر من القضايا الرئيسية التي يهتم بها علم النفس". وقد أثبت عالم النفس نورمان تربليت عام 1898 أن الدراجين يبذلون جهدا أكبر في التسابق في حضور المتفرجين.
وفي سبعينيات القرن الماضي، أكدت الدراسات أن الإنسان يغير من سلوكياته عندما يشعر أنه مٌراقب، حفاظا على وضعه وشكله الاجتماعي. وكشفت أبحاث أجريت على مدار عشرات السنين أن الشعور بالمراقبة لا يغير السلوكيات فحسب، بل يتسلل إلى داخل العقل ويغير طريقة التفكير أيضا، ويؤكد باحثون أن هذه النتائج تثير مخاوف بشأن الصحة النفسية للبشر بشكل عام.
وأثبتت التجارب أن الإنسان يستشعر بشكل فوري أن شخصا ما ينظر إليه ويراقبه، حتى في الأماكن المزدحمة، وأن هذه الخاصية تظهر في مرحلة مبكرة من العمر. وتقول كلارا كولومباتو المتخصصة في الإدراك المعرفي الاجتماعي بجامعة ووترلو في كندا إن هذه الخاصية تطورت على الأرجح لدى الإنسان الأول حتى يستطيع رصد الضواري التي تريد افتراسه، وهو ما يفسر الشعور بعدم الارتياح الذي ينتاب الشخص عندما يشعر أنه مُراقب، وينعكس هذا الشعور الداخلي في بعض المؤشرات الخارجية مثل التعرق على سبيل المثال.
وأضافت كولومباتو، في تصريحات للموقع الإلكتروني "ساينتفيك أميركان" المتخصص في الأبحاث العلمية، أنه على مستوى الوعي، يتصرف الإنسان بشكل مختلف عندما يكون تحت المراقبة، حيث تصبح سلوكياته متماشية بشكل أفضل مع أعراف المجتمع، حيث تتراجع احتمالات أن يقوم الإنسان بالغش أو إلقاء النفايات في الشارع مثلا عندما يكون مُراقبا. وتعزز مثل هذه النظريات فكرة أن المراقبة تعود بالفائدة على المجتمع، لمنع بعض السلوكيات الضارة مثل الجريمة، وهو ما يتفق مع رؤية الفيلسوف جيرمي بانثام بشأن "السجن المثالي".
المراقبة تؤثر سلبا على التركيز
ولكن في السنوات الأخيرة، وجد بعض الباحثين في علم النفس أن الشعور بالمراقبة يؤثر على الوظائف المعرفية للإنسان مثل الذاكرة والقدرة على التركيز. فقد وجدت تجربة أن المتطوعين الذين يؤدون عملا يتطلب مهارة معرفية أو استدعاء معلومات من الذاكرة يكون أداؤهم أسوأ عندما توضع أمامهم صور فوتوغرافية لأشخاص ينظرون إليهم. واستخلص الباحثون من هذه التجربة أن النظر بشكل مباشر إلى شخص ما يؤدي إلى تشتيت تركيزه ويضعف قدرته على الأداء.
وخلصت تجارب أخرى إلى أن وظائف عقلية أخرى مثل الإدراك المكاني أو قدرات المعالجة اللغوية تتأثر سلبا أيضا عندما يشعر الشخص أنه تحت المراقبة.
وتقول الباحثة كايلي سيمور من جامعة العلوم التكنولوجية في سيدني بأستراليا إن الشعور بالمراقبة يؤدي إلى تسريع آليات معالجة المعطيات الاجتماعية لدى الإنسان لأقصى درجة، وتنشيط غريزة حب البقاء التي تعرف باسم "قاتل أو اهرب"، وهذه الآلية لها تأثير على القدرات العقلية.
وأوضحت سيمور في تصريحات للموقع الإلكتروني "ساينتفيك أميركان" أن "العيون الإلكترونية" التي تنظر إلينا تؤثر على الصحة العقلية، ولها تأثير أسوأ على مرضى بعض الأمراض العقلية مثل الفصام، وقد تؤدي إلى القلق الاجتماعي بل الشعور بالتوتر. وأضافت: "الشعور بالمراقبة الدائمة في العصر الحديث يجعلنا منتبهين إلى البيئة الاجتماعية التي نعيش فيها بشكل دائم، ومتأهبين للتفاعل".
ويسلط الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكا الضوء مجددا على نظرية "السجن المثالي" التي طرحها جيريمي بانثام، قائلا إن شعور المرء أنه تحت المراقبة أصبح متجذرا داخل الإنسان نفسه، بمعنى أنه على غرار السجين داخل الزنزانة، أصبح الرجل العصري يشعر باستمرار أنه يخضع لمراقبة خوارزميات الذكاء الاصطناعي وبرمجيات التواصل الاجتماعي وتطبيقات فك الشفرات، دون أن يعرف من الذي يراقبه على وجه التحديد.
ويرى عالم النفس كليمنت بيليتير أن الشعور الدائم بالمراقبة يؤثر على الإدراك المعرفي بطريقة لا نفهمها تماما حتى الآن، ويوضح أن "القدرات العقلية التي تتأثر سلبا بالمراقبة هي نفس القدرات التي تجعلنا نركز وننتبه ونسترجع الذكريات"، وبالتالي عندما تجهد هذه القدرات تحت تأثير المراقبة، تتراجع قدرة الانسان على التركيز مثلا. وأثبتت مجموعة من الدراسات أن شعور الموظف أنه يخضع للمراقبة في بيئة العمل تقلل الإنتاجية، وأن الطلاب الذين يخضعون لاختبارات أمام كاميرات المراقبة يحققون درجات أقل.
وتختتم الباحثة كلارا كولومباتو حديثها: "قبل 50 عاما، لم يكن لدينا مثل هذا القدر من المراقبة والوصلات الاجتماعية، فنحن نعيش في سياق اجتماعي جديد لم نألفه حتى الآن، وبالتالي من المهم أن نفكر في تأثير ذلك على قدراتنا المعرفية بما في ذلك في إطار اللاوعي لدى الإنسان".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
موجة الحر في أوروبا أودت بحياة 2300 شخص
أفاد تحليل علمي عاجل، نُشر اليوم (الأربعاء)، بأن نحو 2300 شخص لقوا حتفهم لأسباب مرتبطة بالحرارة في 12 مدينة أوروبية خلال موجة الحر الشديدة التي انتهت الأسبوع الماضي. وركزت الدراسة على الأيام العشرة التي انتهت في الثاني من يوليو (تموز)، والتي شهدت خلالها أجزاء كبيرة من غرب أوروبا حرارة شديدة، حيث تجاوزت درجات الحرارة 40 درجة مئوية في إسبانيا واندلعت حرائق غابات في فرنسا. درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز) ووفقاً للدراسة التي أجراها علماء في جامعة إمبريال كوليدج لندن وكلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة، فإن من بين 2300 شخص يُقدّر أنهم لقوا حتفهم خلال هذه الفترة، ارتبطت 1500 حالة وفاة بتغير المناخ الذي جعل موجة الحر أكثر حدة. وقال الباحث في «إمبريال كوليدج لندن»، الدكتور بن كلارك: «تسبب تغير المناخ في ارتفاع درجة الحرارة بشكل كبير عما يجب أن تكون عليه، وهو ما يجعلها أكثر خطورة». وشملت الدراسة 12 مدينة، منها برشلونة ومدريد ولندن وميلانو، وقال الباحثون إن تغير المناخ أدى إلى زيادة درجات الحرارة خلال موجة الحر بما يصل إلى أربع درجات مئوية. وأوضح العلماء أنهم استخدموا أساليب خضعت لمراجعة من نظرائهم لإصدار تقدير سريع لعدد الوفيات، لأن معظم حالات الوفاة المرتبطة بالحر لا يُبلغ عنها رسمياً، وبعض الحكومات لا تنشر هذه البيانات. وقالت خدمة «كوبرنيكوس» لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي، خلال نشرة شهرية اليوم (الأربعاء)، إن الشهر الماضي كان ثالث أكثر شهور يونيو (حزيران) حرارة على الإطلاق على كوكب الأرض، مقارنة بالشهر نفسه في عامي 2024 و2023. سيدة تغطّي وجهها من موجة الحرارة الشديدة في روما (رويترز) وبذلك يواصل سطح الكوكب تسجيل متوسطات درجات حرارة غير مسبوقة، مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب بسبب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الأنشطة البشرية. وأظهرت حسابات أجرتها «وكالة الصحافة الفرنسية»، استناداً إلى بيانات «كوبرنيكوس»، أنّ 12 دولة ونحو 790 مليون شخص حول العالم شهدوا أشدّ شهر يونيو حرارة. ومن هذه الدول اليابان والكوريتان الشمالية والجنوبية، بالإضافة إلى باكستان وطاجيكستان. وشهد الشهر الماضي موجتي حرّ؛ بين 17 و22 يونيو، ثمّ ابتداء من 30 يونيو.


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
7 أشياء تعزز الصحة النفسية لحديثي الولادة
أظهرت دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة وارويك الإنجليزية، أنه على الرغم من التحسينات الجارية في رعاية الأطفال حديثي الولادة وفرص بقائهم على قيد الحياة، لا يزال الأطفال الخدج يواجهون صعوبات أكبر في مراحل حياتهم اللاحقة مقارنةً بأقرانهم، بما في ذلك ارتفاع خطر الإصابة بمشاكل الصحة النفسية. من أجل هذا سعت الدراسة التي نشرت، الأربعاء، في «جورنال أوف شايلد سيكولوجي أند سيكاتري»، إلى تحديد العوامل العائلية والاجتماعية التي يمكنها أن تعزز حماية الصحة النفسية للأطفال بعد الولادة المبكرة. ومن خلال تحليل بيانات أكثر من 1500 طفل خدج - الأطفال الذين يولدون في وقت مبكر عن التوقيتات المعتادة للولادة - حدد الباحثون سبعة عوامل عائلية واجتماعية مرتبطة بنتائج أفضل للصحة النفسية للأطفال الخدج. وأفادت النتائج بأن تنمية القدرات العقلية والعاطفية وتحسين التنظيم الذاتي للأطفال حديثي الولادة، وتنشئة الأطفال في أحياء صحية، وحمايتهم من التنمر، وتقوية علاقاتهم مع الوالدين من جانب، وتعزيز العلاقة بين الوالدين أنفسهم من جانب آخر، كلها عوامل مرتبطة بتحسن نتائج الصحة النفسية لدى الأطفال الخُدّج في المستقبل. قال البروفسور ديتر وولك، من قسم علم النفس بجامعة وارويك، والمؤلف المشارك للدراسة: «اللافت للنظر أن هذه كلها أمور يُمكننا تغييرها من خلال التدخلات». وأضاف في بيان صادر الأربعاء أن «دعم عوامل الأبوة والأمومة، وتحسين العلاقات بين الوالدين، والتصدي للتنمر، يُمكن أن تحدث فرقاً حقيقياً في الصحة النفسية للأطفال الخُدّج». وتحث الدراسة على الرعاية والمتابعة اللتين تبدآن في المستشفى وتستمران بعد الخروج، ولا تدعمان الطفل فحسب، بل تدعمان منظومته الأسرية بأكملها. وتعد هذه هي أول دراسة تُلقي نظرة شاملة على العوامل القابلة للتعديل التي تُعزز مرونة الصحة النفسية لدى هذه الفئة من الأطفال، مُحددةً ليس فقط ما يُعرّض الأطفال للخطر، ولكن أيضاً ما يُساعدهم على النجاح. وتُظهر الدراسة أنه على الرغم من أهمية التدخلات الطبية، فإنها ليست السبيل الوحيد لتحسين نتائج الفئات المُستضعفة. قالت الدكتورة سابرينا تويلهار، الأستاذة المساعدة في قسم علم النفس بجامعة وارويك، والمؤلفة الرئيسية للدراسة: «يحقق ما يقرب من نصف الأطفال الخدّج نتائج إيجابية في صحتهم النفسية، بينما يواجه آخرون صعوبات». وأضافت أن «إيجاد هذه العوامل التي تُنبئ بنتائج إيجابية يُؤكد أن مرونة الصحة النفسية ليست مجرد حظ، بل إنها تتشكل جزئياً بالبيئات التي ينشأ فيها الأطفال، وقد أصبحت لدينا الآن فكرة أوضح عن الجوانب التي يجب أن نركز عليها لمساعدة المزيد من الأطفال على النجاح في حياتهم المستقبلية».


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
بلورات سيليكون ساخنة ترسم ملامح كوكب ناشئ خارج النظام الشمسي
رصد علماء فلك المراحل الأولى لتكوين كواكب حول نجم، وهي عملية مُشابهة لتلك التي شكَّلت نظامنا الشمسي، وفق دراسة نشرتها مجلة «نيتشر». وفي هذا السياق، نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن الأستاذة في جامعة لايدن في هولندا والمعدّة الرئيسية للدراسة، ميليسا ماكلور، قولها في بيان صادر عن المرصد الأوروبي الجنوبي: «للمرة الأولى، رصدنا أولى اللحظات التي بدأ فيها تشكّل كوكب حول نجم غير شمسنا». يشكّل «هوبس-315» الموجود في سديم الجبار على بُعد 1300 سنة ضوئية، نجماً فتيّاً يُشبه شمسنا إلى حدّ كبير في مراحلها الأولى. الكون يسترجع ذاكرته (أ.ف.ب) تُحاط هذه النجوم الناشئة بأقراص من الغاز والغبار، تُسمَّى «الأقراص الكوكبية الأولية»، والتي تتشكّل فيها الكواكب. داخلها، تتكثَّف معادن بلورية تحتوي على أول أكسيد السيليكون (SiO) عند درجات حرارة مرتفعة جداً. ومع مرور الوقت، تتجمَّع هذه المعادن وتزداد حجماً ووزناً لتشكّل «كواكب مصغّرة»، وهي أول الأجزاء الصلبة من الكواكب. في نظامنا الشمسي، كانت هذه المعادن البلورية التي أدّت لاحقاً إلى نشأة كواكب مثل الأرض أو نواة كوكب المشتري، عالقة في نيازك قديمة. ويستخدم علماء الفلك هذه البيانات لتحديد تاريخ بداية تشكُّل زاويتنا من درب التبانة. من خلال رصد القرص المحيط بالنجم «هوبس-315»، وجد معدّو الدراسة أدلة على أنّ هذه المعادن الساخنة بدأت بالتكثُّف هناك. أظهرت نتائجهم أنّ أول أكسيد السيليكون موجود حول النجم الشاب في حالة غازية، وكذلك داخل هذه المعادن البلورية، ممّا يشير إلى أنه بدأ حديثاً في التصلُّب. وقالت المُشاركة في إعداد الدراسة، ميليسا ماكلور: «لم تُرصَد هذه العملية من قبل في قرص كوكبي أولي، ولا في أيّ مكان آخر خارج نظامنا الشمسي». رُصدت هذه المعادن للمرّة الأولى باستخدام التلسكوب «جيمس ويب» الفضائي. ثم رصد العلماء النظام باستخدام جهاز «ألما» التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي في تشيلي لتحديد المصدر الدقيق للإشارات الكيميائية. واكتشفوا أنّ مصدر هذه الإشارات جزء صغير من القرص المحيط بالنجم، يُعادل مدار حزام الكويكبات المحيط بشمسنا، وهذا يجعل «هوبس-315» مرآةً لماضينا. وقال الأستاذ في جامعة بيردو والمُشارك في إعداد الدراسة، ميريل فانت هوف: «يُعدّ هذا النظام من أفضل الأنظمة التي نعرفها لاستكشاف بعض العمليات التي حدثت في نظامنا الشمسي».