logo
#

أحدث الأخبار مع #السلوك

أنتَ حصيلة عاداتك!
أنتَ حصيلة عاداتك!

الجزيرة

timeمنذ 3 أيام

  • صحة
  • الجزيرة

أنتَ حصيلة عاداتك!

يقول الشيخ علي الطنطاوي: "إن سلوك الإنسان مجموعة عادات، وإن كل عمل جديد هو بداية عادة جديدة، إما أن يستمر فيها وإما أن يرجع عنها". تُعرف العادة بأنها شيء تفعله باستمرار حتى يصبح فعله سهلًا؛ أي أنها سلوكيات تقوم بها بطريقة تلقائية ومن دون أيّ جهد، وهي محفورة في لاوعي الإنسان، يُمارسها تكرارًا -عن وعي أو عن غير وعي- مرات عديدة جدًّا إلى درجة أنها تصبح تلقائية. كتب الرياضي والفيلسوف ألفريد نورث وايتهيد: "الحضارة تتقدّم عن طريق التوسع في العمليات التي نستطيع تأديتها من دون التفكير فيها". ويخبرنا علم النفس بأن 90% من سلوكياتنا نكتسبها بالتعود! أي أن العديد من أنشطتنا اليومية هي ببساطة مجرد روتين؛ فمنذ استيقاظك في الصباح إلى الوقت الذي تذهب فيه للنوم مساءً، هناك مئات الأشياء التي تفعلها بالطريقة نفسها كل يوم. وهذا يشمل طريقة ارتدائك ملابسك، وتناولك الإفطار، وغسل أسنانك، وتفقدك بريدك الإلكتروني. العادات هي في الواقع بمثابة الخيارات الافتراضية في دماغنا، إنها الاستجابة التي يُفعّلها دماغنا، ونقوم بها من غير مراجعة أو تحليل واعٍ. والخبر الجيد هو أن العادات تساعد في تحرير ذهنك في أثناء عمل جسمك بشكل تلقائي، وهذا يسمح لك بتخطيط يومك في أثناء اغتسالك، أما الخبر السيئ، فهو أنك قد تتعلّق بالعادات التي لا تخدم مصلحتك، كأنماط السلوك الانهزامية التي تعيق نموك. كم من الوقت تحتاج لتغيير عادة ما؟ يقول جيمس كلير، مؤلف كتاب "العادات الذرية": "التخلص من عادة سيئة يشبه اجتثاث شجرة بلوط قوية من داخلنا، فيما بناء عادة حسنة يشبه غرس زهرة رقيقة، ورعايتها يومًا تلو آخر". إن أكثر الإجابات الشائعة لهذا السؤال هي: "حوالي 21 يومًا"… وما ستكتشفه أنه بعد 21 إلى 30 تجربة مع العادة الجديدة، سيصبح عدم فعلها أصعب من فعلها؛ فإذا كنت تفعل شيئًا مرارًا وتكرارًا لمدة 30 عامًا، فربما لا تستطيع التخلي عنه في بضعة أسابيع قليلة. "العادة هي العادة، ولن يستطيع أي إنسان الإلقاء بها من النافذة، بل عليه دفعها تدريجيًّا بمعدل درجة واحدة في كل مرة"، [مارك توين]. لن تتغير حياتك أبدًا حتى تُغيّر شيئًا ما تفعله بشكل يومي، وذلك يعني تبنّي عادات رائعة. نستطيع أن نروّض أنفسنا على أي سلوك من داخلنا إذا ما أدينا هذا السلوك بالتكرار الكافي والقوة العاطفية اللازمة. إنّ العادات هي الهندسة غير المرئية للحياة اليومية، إنّنا نُكرر حوالي 45% من سلوكياتنا يوميًّا، لذا فإن عاداتنا تشكل وجودنا ومستقبلنا، وإذا غيرنا عاداتنا فنحن نغير حياتنا. في سلسلة من ست دراسات تناولا فيها البالغين والأطفال، برهن براين غالّا وأنجيلا دكوروث، الباحثان في علم النفس، على أنّ العادات الإيجابية هي المفتاح لما نطلق عليه غالبًا -وبشكل خاطئ- عبارة "السيطرة على النفس". لنستطيع تشكيل عاداتنا بنجاح، يجب علينا معرفة ذواتنا. وتكوين العادات يختلف من شخص لآخر؛ فالعادات في سلوكنا تشبه الخيارات الافتراضية في الحاسوب فوائد بناء العادات الجيدة تحسين صنع القرار: وجدت الدراسة التي نشرت في مجلة "Plos One" أن الأشخاص الذين لديهم عادات جيدة يتخذون قرارات أفضل من أولئك الذين ليست لديهم مثل هذه العادات. انخفاض مستويات التوتر: تساعدك العادات الجيدة على تقليل مقدار التوتر الذي تعاني منه في حياتك اليومية.. عندما يكون لديك روتين إيجابي، فإن كل شيء في حياتك اليومية يبدو قابلًا للإدارة. زيادة الدافع: يمنحك امتلاك عادات جيدة إحساسًا بالسيطرة على حياتك. تحسين احترام الذات: حين تكتسب عادات جيدة، تبدأ في رؤية نفسك من منظور أكثر إيجابية، وتنمو ثقتك في نفسك. السماح بالمرونة في أنماط سلوكك يجعلك قادرًا على المحافظة على عاداتك حتى وسط الظروف المتغيرة كيف تتشكل العادات؟ لنستطيع تشكيل عاداتنا بنجاح، يجب علينا معرفة ذواتنا. وتكوين العادات يختلف من شخص لآخر؛ فالعادات في سلوكنا تشبه الخيارات الافتراضية في الحاسوب، يمكنها أن تجعل الذهاب إلى السلوك الجيّد تلقائيًّا. يمكنك عبر هذه الخطوات البسيطة تكوين عادات صحية: إنشاء روتين يومي: هي الخطوة الأولى، وربما الأكثر أهمية.. الروتين اليومي الثابت لا يضطرك إلى التفكير في عاداتك في كل مرة تستيقظ فيها أو تذهب إلى النوم. اعتماد أسلوب المراقبة والمتابعة لسلوكك: يساعدك في اكتساب العادات التي تريدها. الاستمرار والمحافظة على "ألا تقطع السلسلة": كل انقطاع طويل عن سلوك معيّن، تسعى لتحويله إلى عادة، يمكنه منع نشوء هذه العادة أو زعزعة العادات الموجودة (مثل التخلف عن الذهاب إلى النادي مرات عدة، مقارنة بالتخلف مرة واحدة). يساعد ربط العادات الجديدة بالعادات الموجودة في تنمية العادات الجديدة: اربط الأمور التي ترغب في أن تبدأ القيام بها بانتظام (مثل تناول الفاكهة، أو حركات رياضية معينة) بأمر تفعله عادةً (مثل شرب القهوة في الصباح، أو الخروج إلى العمل). السماح بالمرونة: في أنماط سلوكك يجعلك قادرًا على المحافظة على عاداتك حتى وسط الظروف المتغيرة. مكافأة نفسك: قم بتحفيز نفسك، وعند تحقيق تقدم في بناء عادة جديدة، امنحها مكافأة صغيرة لتزيد من رغبتك في الاستمرار. الصبر والمثابرة: تكوين عادات جيدة يحتاج وقتًا.. تغيير سلوكك يتطلب وقتًا وجهدًا. صمم كل من ريتشارد باندلر وجون جريندر عملية إعادة تشكيل، لتحويل أي عادة غير مرغوب فيها إلى عادة مرغوب فيها، وذلك من خلال: تحديد النمط أو السلوك الذي ترغب في تغييره. إقامة تواصل مع ذلك الجزء من مخك الذي يولد هذا السلوك. التفريق بين القصد والسلوك. إيجاد سلوك بديل. النجاح مسألة فهم وممارسة بتفانٍ لعادات محددة وبسيطة تؤدي إلى النجاح دائمًا روبرت جيه رينجر عاداتك تحدد نتائجك، والعادات التي تكتسبها الآن تحدد في النهاية كيف يبدو مستقبلك. إن التغييرات التي تبدو بسيطة وغير مهمة في البداية، ستتراكم وتتحول إلى نتائج مذهلة لو أنك واصلت الالتزام بها لسنوات. كلنا نواجه عقبات، لكن جودة حياتنا على المدى البعيد تعتمد في الأساس على جودة عاداتنا. إن هذه المعارك الصغيرة هي التي ستحدد ما ستكون عليه حياتك في المستقبل.. إن الزمن يعظّم الهامش بين النجاح والفشل، وهو سيعظّم أي شيء تفعله. لا تصبح فوائد العادات الحسنة وتكاليف العادات السيئة جلية إلا حين نتأملها بعد مرور عدة أعوام لاحقة! وبعبارة أُخرى، إنك تدفع تكلفة عاداتك الحسنة في الحاضر، بينما تدفع تكلفة عاداتك السيئة في المستقبل. "النجاح مسألة فهم وممارسة بتفانٍ لعادات محددة وبسيطة تؤدي إلى النجاح دائمًا"، [روبرت جيه رينجر].

المواطنة الرقمية.. المادة الغائبة عن مدارسنا في زمن الاقتصاد المفتوح
المواطنة الرقمية.. المادة الغائبة عن مدارسنا في زمن الاقتصاد المفتوح

صحيفة سبق

time٢٤-٠٦-٢٠٢٥

  • صحيفة سبق

المواطنة الرقمية.. المادة الغائبة عن مدارسنا في زمن الاقتصاد المفتوح

لا أحد يوقّع على ميثاق عندما يخلق لنفسه هوية افتراضية، ولا أحد يخضع لاختبار أخلاقي قبل أن يدخل تطبيقًا أو يرسل تغريدة على منصات التواصل الاجتماعي، ومع ذلك، الكل هناك. نعرف أن شاشة الجوال ليست مرآة، لكنها تأخذ أكثر مما تعكس. نضع أفكارنا في العلن، نشارك الخصوصيات، نستهلك الصور، وننتج الانفعالات.. ثم نغلق الجهاز ونعود لما نظنه 'الحياة الحقيقية'. لكن من قال إن الواقع محصور خارج الشاشة؟ ومن يُعلّم الأجيال كيف يكون الإنسان حاضرًا ومسؤولًا في فضاءٍ لا يُرى؟ هذا عصر لا تعيش فيه المجتمعات على الأرض فقط، بل تقيم وجودها أيضًا على الشبكة العنكبوتية، كل تفاصيل الحياة مرهونة بها: من العلاقات إلى القرارات، ومن التعلّم إلى التفاعل الاجتماعي. ومع ذلك، لم تُدرَّس المواطنة الرقمية في المدارس كما ينبغي. ما زالت تُعامل كفكرة هامشية، أو كإضافة عابرة، رغم أنها باتت جزءًا أصيلًا من تكوين الإنسان المعاصر المواطنة الرقمية لا تعني فقط السلوك المهذب على الإنترنت، بل تتجاوز ذلك إلى إدراك الحدود الأخلاقية، والحقوق الفردية، والواجبات الجماعية. إنها وعي يتعلّق بالخصوصية، واحترام الرأي، والتثبت من المعلومة، والتفكير النقدي، والتمثيل المسؤول للذات. أن يكون الحضور الرقمي انعكاسًا للوعي، لا مجرّد تكرار لما يطلبه 'الترند'. وكما تحكم القوانين السلوك في الميادين العامة، فإن المبادئ ذاتها يجب أن ترافق الإنسان في الميادين الرقمية، لأن الوطن لا يغيب حين تُغلق الأبواب، ولا حين يُغلق التطبيق. وما نُعلّمه في الصف عن الصدق والأمانة، يجب أن يجد امتداده في تغريدة أو تعليق أو مشاركة. كما قيل: السلوك هو المعيار الوحيد للفهم، سواء في الطريق أو في التايملاين. يتّضح البعد الأهم حين يُنظر إلى هذه المسألة من زاوية اقتصادية. فالعالم يعيش تحوّلات متسارعة نحو الاقتصاد الرقمي، وقد أصبحت البيانات والسلوك الرقمي والمحتوى منصات استثمار كبرى. ومع ذلك، ما زال جزء من الأجيال الجديدة يتعامل مع الفضاء الرقمي كملعب عبثي، لا كمساحة للتأثير أو الإنتاج. في عالم تتسارع فيه التفاعلات وتتشابك فيه الاهتمامات، يزداد أثر الكلمة العابرة، وتتّسع دائرة النتائج غير المقصودة. وفي الوقت الذي تزداد فيه المنصات الوطنية والمشاريع السعودية في الاقتصاد الرقمي، تتعاظم الحاجة إلى جيل يُحسن تمثيل نفسه ضمن هذه المنظومة من هنا، تبدو فكرة 'تدريس المواطنة الرقمية' في المدارس أمرًا يستحق التفكير، ولا سيما في سياق دور وزارة التعليم في مواكبة التحولات المجتمعية والتقنية. ليس من باب التخصص أو الاهتمام، بل من زاوية عامة تمليها طبيعة المرحلة. مادة أو مسار يتكامل مع جهود التعليم لبناء وعي رقمي متزن، لا يكتفي بالتقنية كأداة، بل يتعامل معها كمجال حياة ومصدر دخل، ومكان لتمثيل القيم لا استهلاكها فقط. ومع توسع الذكاء الاصطناعي والمهن الرقمية المستحدثة، لن يكون من كماليات التعليم أن نُعلّم التعامل مع التقنية، بل من ضروراته، حتى يتمكّن الجيل من المساهمة في وظائف لم تُولد بعد، وتحديات لم تظهر بعد. فمنذ السنوات الأولى، يبدأ التشكّل الرقمي للطفل، ولو دون وعي، ولهذا يجب أن تسبق التربية التقنية أول نقرة. الجيل القادم لا يحتاج من يُملي عليه كيف يتفاعل، بل من يمنحه أدوات التفكير الحر والتمثيل الواعي. وقد بدأت دول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة إدراج المواطنة الرقمية في مناهجها مبكرًا، إدراكًا لأثر التقنية على سلوك الأفراد وبُنية الاقتصاد. وقد أكدت رؤية السعودية 2030 على تطوير المهارات الرقمية وتعزيز المحتوى المحلي، كجزء من بناء اقتصاد معرفي تنافسي، مما يجعل هذا المسار التعليمي خطوة طبيعية ضمن هذا التوجه الوطني. ختام القول.. إن بناء مجتمع رقمي لا يبدأ من التقنية بل من الإنسان، ولا يزدهر بالمنصات الرقمية وحدها بل بالوعي الذي يُحسن استخدامها. وفي زمن لم تعد فيه الحدود مرئية، ولم تعد القيم محفوظة داخل الجدران، فإن التعليم يظل هو الجدار الأول والأخير. المواطنة الرقمية ليست خيارًا مستقبليًا، بل ضرورة آنية، وإذا كانت رؤية السعودية 2030 قد رهنت مستقبل الاقتصاد بالتحول الرقمي، فإن مستقبل هذا التحول مرهون ببناء جيل يعرف من هو، حتى حين لا يراه أحد. وربما كانت أعظم المواطنة.. أن يعرف الإنسان كيف يمثل بلاده حين لا يراقبه أحد.

بعصر كاميرات المراقبة وبرامج التتبع.. دراسة: شعور الإنسان أنه مراقب يغيّر نمط التفكير
بعصر كاميرات المراقبة وبرامج التتبع.. دراسة: شعور الإنسان أنه مراقب يغيّر نمط التفكير

الجزيرة

time٠١-٠٦-٢٠٢٥

  • صحة
  • الجزيرة

بعصر كاميرات المراقبة وبرامج التتبع.. دراسة: شعور الإنسان أنه مراقب يغيّر نمط التفكير

في عام 1785 ابتكر الفيلسوف الإنجليزي جيرمي بنثام ما أطلق عليه اسم "السجن المثالي"، وهو عبارة عن مجموعة من الزنازين المشيدة بشكل دائري حول برج في المنتصف داخله حارس مستتر يستطيع أن يراقب حركة المساجين دون أن يرونه، بحيث يفترض السجين طوال الوقت أن الحارس ربما يراقبه، وهو ما يضطره إلى التصرف والتعامل من هذا المنطلق بشكل دائم. وبالمثل، يشعر الكثيرون في العصر الحالي أن طرفا ثالثا مجهولا يراقبهم باستمرار، فملايين الكاميرات التي تعمل بأنظمة الدوائر التلفزيونية المغلقة تتابعك بشكل دائم، في حين تسير وتقود سيارتك وتشتري احتياجاتك، بل إن معادلات خوارزمية تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي تتابع نشاطك على الإنترنت ومواقع التواصل وتتعرف على اهتماماتك على مدار الساعة، ولا سيما أن بعض التطبيقات الحديثة تستطيع تحديد هويتك بمجرد الاطلاع على ملامح وجهك. ويقول اختصاصي علم النفس في جامعة كليرمونت أفيرن في فرنسا كليمنت بيليتير إن تأثير الشعور بالمراقبة يعتبر من القضايا الرئيسية التي يهتم بها علم النفس، وقد أثبت عالم النفس نورمان تربليت عام 1898 أن الدراجين يبذلون جهدا أكبر في التسابق بحضور المتفرجين. وفي سبعينيات القرن الماضي أكدت الدراسات أن الإنسان يغير سلوكياته عندما يشعر بأنه مراقب، حفاظا على وضعه وشكله الاجتماعي. إعلان وكشفت أبحاث أجريت على مدار عشرات السنين أن الشعور بالمراقبة لا يغير السلوكيات فحسب، بل يتسلل إلى داخل العقل ويغير طريقة التفكير أيضا، ويؤكد باحثون أن هذه النتائج تثير مخاوف بشأن الصحة النفسية للبشر عموما. وأثبتت التجارب أن الإنسان يستشعر بشكل فوري أن شخصا ما ينظر إليه ويراقبه، حتى في الأماكن المزدحمة، وأن هذه الخاصية تظهر في مرحلة مبكرة من العمر. عدم ارتياح وتشير المتخصصة في الإدراك المعرفي الاجتماعي بجامعة ووترلو في كندا كلارا كولومباتو إلى شعور بعدم الارتياح ينتاب الشخص عندما يشعر بأنه مراقب، وينعكس هذا الشعور الداخلي في بعض المؤشرات الخارجية مثل التعرق على سبيل المثال. وأضافت كولومباتو -في حديث للموقع الإلكتروني العلمي "ساينتفك أميركان"- أنه على مستوى الوعي يتصرف الإنسان بشكل مختلف عندما يكون تحت المراقبة، حيث تصبح سلوكياته متماشية بشكل أفضل مع أعراف المجتمع، حيث تتراجع احتمالات أن يقوم الإنسان بالغش أو إلقاء النفايات في الشارع مثلا عندما يكون مراقبا. وتعزز مثل هذه النظريات فكرة أن المراقبة تعود بالفائدة على المجتمع لمنع بعض السلوكيات الضارة مثل الجريمة، وهو ما يتفق مع بنثام بشأن "السجن المثالي". لكن في السنوات الأخيرة وجد بعض الباحثين في علم النفس أن الشعور بالمراقبة يؤثر على الوظائف المعرفية للإنسان، مثل الذاكرة والقدرة على التركيز. ووجدت تجربة أن المتطوعين الذين يؤدون عملا يتطلب مهارة معرفية أو استدعاء معلومات من الذاكرة يكون أداؤهم أسوأ عندما توضع أمامهم صور فوتوغرافية لأشخاص ينظرون إليهم. واستخلص الباحثون من هذه التجربة أن النظر بشكل مباشر إلى شخص ما يؤدي إلى تشتيت تركيزه ويضعف قدرته على الأداء. وخلصت تجارب أخرى إلى أن وظائف عقلية أخرى -مثل الإدراك المكاني أو قدرات المعالجة اللغوية- تتأثر سلبا أيضا عندما يشعر الشخص بأنه تحت المراقبة. آلية "قاتل أو اهرب" وتقول الباحثة كايلي سيمور من جامعة العلوم التكنولوجية في سيدني بأستراليا إن الشعور بالمراقبة يؤدي إلى تسريع آليات معالجة المعطيات الاجتماعية لدى الإنسان لأقصى درجة، وتنشيط غريزة حب البقاء التي تعرف باسم "قاتل أو اهرب"، وهذه الآلية لها تأثير على القدرات العقلية. وأوضحت سيمور -في تصريحات للموقع الإلكتروني "ساينتفك أميركان"- أن "العيون الإلكترونية" التي تنظر إلينا تؤثر على الصحة العقلية، ولها تأثير أسوأ على مرضى بعض الأمراض العقلية مثل الفصام، وقد تؤدي إلى القلق الاجتماعي، بل والشعور بالتوتر. وأضافت "الشعور بالمراقبة الدائمة في العصر الحديث يجعلنا منتبهين إلى البيئة الاجتماعية التي نعيش فيها بشكل دائم، ومتأهبين للتفاعل". ويسلط الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكا الضوء مجددا على نظرية "السجن المثالي" التي طرحها جيرمي بنثام، قائلا إن شعور المرء أنه تحت المراقبة أصبح متجذرا داخل الإنسان نفسه، بمعنى أنه على غرار السجين داخل الزنزانة أصبح الرجل العصري يشعر باستمرار بأنه يخضع لمراقبة خوارزميات الذكاء الاصطناعي وبرمجيات التواصل الاجتماعي وتطبيقات فك الشفرات، دون أن يعرف من الذي يراقبه على وجه التحديد. ويرى عالم النفس كليمنت بيليتير أن الشعور الدائم بالمراقبة يؤثر على الإدراك المعرفي بطريقة لا نفهمها تماما حتى الآن. ويوضح أن "القدرات العقلية التي تتأثر سلبا بالمراقبة هي نفس القدرات التي تجعلنا نركز وننتبه ونسترجع الذكريات"، وبالتالي عندما تجهد هذه القدرات تحت تأثير المراقبة تتراجع قدرة الإنسان على التركيز مثلا. وأثبتت مجموعة من الدراسات أن شعور الموظف أنه يخضع للمراقبة في بيئة العمل تقلل الانتاجية، وأن الطلاب الذين يخضعون لاختبارات أمام كاميرات المراقبة يحققون درجات أقل. وتختتم الباحثة كلارا كولومباتو حديثها قائلة "قبل 50 عاما لم يكن لدينا مثل هذا القدر من المراقبة والوصلات الاجتماعية، فنحن نعيش في سياق اجتماعي جديد لم نألفه حتى الآن، وبالتالي من المهم أن نفكر في تأثير ذلك على قدراتنا المعرفية، بما في ذلك في إطار اللاوعي لدى الإنسان".

في عصر كاميرات المراقبة وبرامج التتبع.. مخاوف على الصحة النفسية والقدرات العقلية
في عصر كاميرات المراقبة وبرامج التتبع.. مخاوف على الصحة النفسية والقدرات العقلية

العربية

time٢٩-٠٥-٢٠٢٥

  • صحة
  • العربية

في عصر كاميرات المراقبة وبرامج التتبع.. مخاوف على الصحة النفسية والقدرات العقلية

في عام 1785، ابتكر الفيلسوف الإنجليزي جيريمي بانثام ما أطلق عليه اسم "السجن المثالي"، وهو عبارة عن مجموعة من الزنازين المشيدة بشكل دائري حول برج في المنتصف داخله حارس مستتر يستطيع أن يراقب حركة المساجين من دون أن يروه، بحيث يفترض السجين طيلة الوقت أن الحارس ربما يراقبه، وهو ما يضطره إلى التصرف والتعامل من هذا المنطلق بشكل دائم. وبالمثل يشعر الكثيرون في العصر الحالي أن طرفا ثالثا مجهولا يراقبهم باستمرار، فملايين الكاميرات التي تعمل بأنظمة الدوائر التلفزيونية المغلقة تتابعك بشكل دائم بينما تسير وتقود سيارتك وتشتري احتياجاتك، بل إن معادلات خوارزمية تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي تتابع نشاطك على الإنترنت ومواقع التواصل وتتعرف على اهتماماتك على مدار الساعة، لاسيما أن بعض التطبيقات الحديثة تستطيع تحديد هويتك بمجرد الاطلاع على ملامح وجهك. ويقول كليمنت بيليتير اختصاصي علم النفس بجامعة كليرمونت أفيرن في فرنسا إن "تأثير الشعور بالمراقبة يعتبر من القضايا الرئيسية التي يهتم بها علم النفس". وقد أثبت عالم النفس نورمان تربليت عام 1898 أن الدراجين يبذلون جهدا أكبر في التسابق في حضور المتفرجين. وفي سبعينيات القرن الماضي، أكدت الدراسات أن الإنسان يغير من سلوكياته عندما يشعر أنه مٌراقب، حفاظا على وضعه وشكله الاجتماعي. وكشفت أبحاث أجريت على مدار عشرات السنين أن الشعور بالمراقبة لا يغير السلوكيات فحسب، بل يتسلل إلى داخل العقل ويغير طريقة التفكير أيضا، ويؤكد باحثون أن هذه النتائج تثير مخاوف بشأن الصحة النفسية للبشر بشكل عام. وأثبتت التجارب أن الإنسان يستشعر بشكل فوري أن شخصا ما ينظر إليه ويراقبه، حتى في الأماكن المزدحمة، وأن هذه الخاصية تظهر في مرحلة مبكرة من العمر. وتقول كلارا كولومباتو المتخصصة في الإدراك المعرفي الاجتماعي بجامعة ووترلو في كندا إن هذه الخاصية تطورت على الأرجح لدى الإنسان الأول حتى يستطيع رصد الضواري التي تريد افتراسه، وهو ما يفسر الشعور بعدم الارتياح الذي ينتاب الشخص عندما يشعر أنه مُراقب، وينعكس هذا الشعور الداخلي في بعض المؤشرات الخارجية مثل التعرق على سبيل المثال. وأضافت كولومباتو، في تصريحات للموقع الإلكتروني "ساينتفيك أميركان" المتخصص في الأبحاث العلمية، أنه على مستوى الوعي، يتصرف الإنسان بشكل مختلف عندما يكون تحت المراقبة، حيث تصبح سلوكياته متماشية بشكل أفضل مع أعراف المجتمع، حيث تتراجع احتمالات أن يقوم الإنسان بالغش أو إلقاء النفايات في الشارع مثلا عندما يكون مُراقبا. وتعزز مثل هذه النظريات فكرة أن المراقبة تعود بالفائدة على المجتمع، لمنع بعض السلوكيات الضارة مثل الجريمة، وهو ما يتفق مع رؤية الفيلسوف جيرمي بانثام بشأن "السجن المثالي". المراقبة تؤثر سلبا على التركيز ولكن في السنوات الأخيرة، وجد بعض الباحثين في علم النفس أن الشعور بالمراقبة يؤثر على الوظائف المعرفية للإنسان مثل الذاكرة والقدرة على التركيز. فقد وجدت تجربة أن المتطوعين الذين يؤدون عملا يتطلب مهارة معرفية أو استدعاء معلومات من الذاكرة يكون أداؤهم أسوأ عندما توضع أمامهم صور فوتوغرافية لأشخاص ينظرون إليهم. واستخلص الباحثون من هذه التجربة أن النظر بشكل مباشر إلى شخص ما يؤدي إلى تشتيت تركيزه ويضعف قدرته على الأداء. وخلصت تجارب أخرى إلى أن وظائف عقلية أخرى مثل الإدراك المكاني أو قدرات المعالجة اللغوية تتأثر سلبا أيضا عندما يشعر الشخص أنه تحت المراقبة. وتقول الباحثة كايلي سيمور من جامعة العلوم التكنولوجية في سيدني بأستراليا إن الشعور بالمراقبة يؤدي إلى تسريع آليات معالجة المعطيات الاجتماعية لدى الإنسان لأقصى درجة، وتنشيط غريزة حب البقاء التي تعرف باسم "قاتل أو اهرب"، وهذه الآلية لها تأثير على القدرات العقلية. وأوضحت سيمور في تصريحات للموقع الإلكتروني "ساينتفيك أميركان" أن "العيون الإلكترونية" التي تنظر إلينا تؤثر على الصحة العقلية، ولها تأثير أسوأ على مرضى بعض الأمراض العقلية مثل الفصام، وقد تؤدي إلى القلق الاجتماعي بل الشعور بالتوتر. وأضافت: "الشعور بالمراقبة الدائمة في العصر الحديث يجعلنا منتبهين إلى البيئة الاجتماعية التي نعيش فيها بشكل دائم، ومتأهبين للتفاعل". ويسلط الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكا الضوء مجددا على نظرية "السجن المثالي" التي طرحها جيريمي بانثام، قائلا إن شعور المرء أنه تحت المراقبة أصبح متجذرا داخل الإنسان نفسه، بمعنى أنه على غرار السجين داخل الزنزانة، أصبح الرجل العصري يشعر باستمرار أنه يخضع لمراقبة خوارزميات الذكاء الاصطناعي وبرمجيات التواصل الاجتماعي وتطبيقات فك الشفرات، دون أن يعرف من الذي يراقبه على وجه التحديد. ويرى عالم النفس كليمنت بيليتير أن الشعور الدائم بالمراقبة يؤثر على الإدراك المعرفي بطريقة لا نفهمها تماما حتى الآن، ويوضح أن "القدرات العقلية التي تتأثر سلبا بالمراقبة هي نفس القدرات التي تجعلنا نركز وننتبه ونسترجع الذكريات"، وبالتالي عندما تجهد هذه القدرات تحت تأثير المراقبة، تتراجع قدرة الانسان على التركيز مثلا. وأثبتت مجموعة من الدراسات أن شعور الموظف أنه يخضع للمراقبة في بيئة العمل تقلل الإنتاجية، وأن الطلاب الذين يخضعون لاختبارات أمام كاميرات المراقبة يحققون درجات أقل. وتختتم الباحثة كلارا كولومباتو حديثها: "قبل 50 عاما، لم يكن لدينا مثل هذا القدر من المراقبة والوصلات الاجتماعية، فنحن نعيش في سياق اجتماعي جديد لم نألفه حتى الآن، وبالتالي من المهم أن نفكر في تأثير ذلك على قدراتنا المعرفية بما في ذلك في إطار اللاوعي لدى الإنسان".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store