logo

صانع السوق موجود.. ولكن!

الاقتصادية٠٥-٠٧-٢٠٢٥
رغم أن صانع السوق يمثل عصب السيولة في الأسواق المتقدمة، إلا أن وجوده في السوق المالية السعودية يبدو شكلياً أكثر من كونه فعلياً، فبالنظر إلى دليل "تداول" الرسمي، نجد عددا من الجهات المرخصة للعمل كصناع سوق لعشرات الشركات، ومع ذلك تبقى السيولة ضعيفة في كثير من تلك الأسهم، وتبقى الفروقات السعرية واسعة، بل تشهد بعض تلك الأسهم ركوداً ملحوظاً في حركة التنفيذ، فالمفترض أن صانع السوق الحقيقي يلتزم بتوفير أوامر بيع وشراء دائمة وبكميات معينة، مما يضيق الفجوة بين العرض والطلب ويساعد على تسعير الأوراق المالية بشكل عادل حتى في الفترات التي يقل فيها عدد المشترين والبائعين الطبيعيين، لكن إذا كانت السوق تعاني من ضعف السيولة على الرغم من وجود هذا العدد من صناع السوق المعتمدين، فالسؤال المطروح: هل النموذج الربحي لصانع السوق في السعودية قابل للتطبيق أصلاً؟ وهل التنظيم الجديد الذي أعلنت عنه "تداول" الأسبوع الماضي بخصوص تعديل وحدات تغير أسعار الأسهم يساعد أم يعيق عمل صناع السوق؟
المفارقة أن بعض الشركات أعلنت عن موافقة جمعياتها العامة أو مجالس إدارتها عن تعيين صناع سوق منذ فترة، ومع ذلك إما لم يتم ذلك فعلياً أو بعضها جربها قليلاً ثم توقف عن ذلك، ولا نعلم هل الأسباب من الشركات أنفسها أم من صناع السوق. من جانب آخر، قامت "تداول السعودية" أخيرا بتعديل وحدات تغير أسعار الأسهم لتكون أضيق منها سابقاً، وفق نطاقات سعرية محددة بهدف تحسين كفاءة السوق وتقليل تقلبات الأسعار وزيادة جاذبيتها للمستثمرين. ومع أن خفض وحدة تغير السعر، مثلاً بدلاً من 5 هللات كحد أدنى في إحدى شرائح الأسعار أصبحت الآن هللتين فقط، وهذه – على العكس مما يظنه بعض المتداولين – مفيدة في منح البائعين والمشترين مرونة أكثر، ولكن هل تقليص الفارق بين العرض والطلب (وهو ما يصبح ممكناً الآن مع تلك الوحدات الجديدة) مفيد لصانع السوق؟
إذا كانت "تداول" تسعى إلى تعزيز دور صناع السوق ورفع مشاركتهم في توفير السيولة، فبكل تأكيد إن تقليص الفارق بين العرض والطلب ليس في مصلحتهم، وهنا إشكالية يجب التعامل معها بطريقة أو أخرى، أي أنه نعم هناك حاجة لدعم صناعة السوق وفي الوقت نفسه هناك حاجة لتقليص "السبريد" على المتداولين، والاثنان لا يجتمعان بسهولة. لماذا؟ السبب هو أن ربحية صانع السوق تعتمد على عدد الصفقات التي تتم خلال اليوم، وعلى الفارق بين سعري البيع والشراء، لأن صانع السوق يعمل كأي تاجر يشتري بسعر ويبيع بسعر آخر. وهذه الإشكالية موجودة حتى في الأسواق الأمريكية التي تتمتع بأقل وحدة تغير للسعر، عادة سنت واحد أو أقل، ولكن هناك يستفيد صناع السوق من حجم النشاط اليومي الكبير. وبالمناسبة، حتى في الأسواق الدولية يواجه صناع السوق تحديات، وبدأت أعدادهم بالتناقص ولكن الأسباب تختلف عن المشكلة في السعودية، فهناك تشديدات رقابية جاءت بعد الأزمة المالية العالمية، نتج عنها تراجع في أعداد صناع السوق، إضافة إلى ارتفاع متطلبات رأس المال (كما في "بازل 3")، وتغيرات في تسعير العمولات وتدفق الأوامر بين الوسطاء والأسواق وصناع السوق، نتج عنها انخفاض في عدد صناع السوق المسجلين في بعض البورصات بنسبة تتجاوز 30% خلال العقد الأخير، بسبب تآكل "السبريد" وارتفاع تكاليف الامتثال والمخاطر خلال فترات التقلبات الحادة. لذا بدأت تظهر حوافز مالية لصناع السوق لمساعدتهم على ممارسة أعمالهم المنوطة بهم، المتمثلة في تقديم عروض بيع وشراء بشكل مستمر طوال اليوم.
إذا فمسؤولية "تداول" وهيئة السوق المالية السعودية أصبحت مضاعفة، فالتنظيم والتراخيص وحدها لا تصنع "صانع" سوق نشط، بل لا بد من مراجعة شاملة لنموذج الحوافز والربحية، من خلال تخفيض رسوم التداول لصانع السوق، وتقديم حوافز أو دعم مباشر في فترات التقلبات الحادة، لا سيما في سوق ناشئة كسوقنا التي تحتاج إلى صناع سوق لعدد كبير من شركاتها، إن كان الهدف بالفعل رفع كفاءة السوق وجذب المستثمر المؤسسي والأجنبي، الذين يرون أن الكفاءة والعدالة في التداول لا تتحقق دون وجود صانع سوق حقيقي يسد الفراغات السعرية المخلة بالتداول.
ختاماً، صانع السوق ليس "زينة تنظيمية"، بل ضرورة وجودية لكثير من شركات السوق، ولا بد من إيجاد آليات محفزة له للبقاء في السوق في ظل تقلص فروقات الأسعار بين العرض والطلب بسبب وحدات التغير الجديدة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

السعودية تمدد العمل ببرنامج الرهن الميسر 3 أعوام
السعودية تمدد العمل ببرنامج الرهن الميسر 3 أعوام

الاقتصادية

timeمنذ 31 دقائق

  • الاقتصادية

السعودية تمدد العمل ببرنامج الرهن الميسر 3 أعوام

أقر مجلس الوزراء السعودي اليوم، خلال جلسته التي عقدها برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في جدة، على تمديد العمل ببرنامج الرهن الميسر 3 أعوام مقبلة. المجلس قال في بيانه عقب الجلسة، أن برنامجا تطوير القطاع المالي وتنمية القدرات البشرية، أسهما في تعزيز الاستدامة المالية، ودعم مسيرة الاقتصاد الوطني، والارتقاء بتنافسية الكوادر الوطنية محليا وعالميا، عبر منظومة التعليم والتعلّم المستمر، بما يتواءم مع متطلبات سوق العمل واحتياجاته. قرارات المجلس شملت، الموافقة على اتفاقية توظيف عمالة منزلية بين السعودية والصومال، إضافة إلى إقرار تنظيم مركز الإحالات الطبية، وتعديل بعض مواد أنظمة (التوثيق والتحكيم، والمحاماة)، بما يتوافق مع أحكام نظام المعاملات المدنية. كما عد تصدر السعودية الترتيب العالمي في نمو إيرادات السياح الدوليين خلال الربع الأول من 2025، تجسيدا للتطور المتسارع الذي يشهده هذا القطاع الحيوي، وصولا إلى الريادة في المؤشرات الدولية.

مجلس الوزراء يوافق على تمديد العمل ببرنامج الرهن الميسر لمدة 3 سنوات
مجلس الوزراء يوافق على تمديد العمل ببرنامج الرهن الميسر لمدة 3 سنوات

أرقام

timeمنذ 36 دقائق

  • أرقام

مجلس الوزراء يوافق على تمديد العمل ببرنامج الرهن الميسر لمدة 3 سنوات

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وافق مجلس الوزراء، خلال جلسته اليوم، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، على تمديد العمل ببرنامج الرهن الميسر لمدة 3 سنوات. كما وافق المجلس على اتفاقين بشأن توظيف العمالة المنزلية وتوظيف العمالة بين وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية في جمهورية الصومال الفيدرالية. وحسبما نقلت وكالة الأنباء السعودية، وافق المجلس على تعديل بعض مواد أنظمة (التوثيق، والتحكيم، والمحاماة)؛ بما يتوافق مع أحكام نظام المعاملات المدنية.

حصري في ظهور نادر.. عبدالله الراجحي يكشف أسرار بناء أكبر مصرف إسلامي في العالم
حصري في ظهور نادر.. عبدالله الراجحي يكشف أسرار بناء أكبر مصرف إسلامي في العالم

العربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • العربية

حصري في ظهور نادر.. عبدالله الراجحي يكشف أسرار بناء أكبر مصرف إسلامي في العالم

من إرث عائلي إلى تحقيق الريادة في الصيرفة الإسلامية، يقف الرئيس التنفيذي لأكبر بنك إسلامي في العالم محملاً بمهمة ضخمة في سوق يواجه تحديات كبيرة في السيولة وخطط تحول هيكلية ضخمة تحت مظلة "رؤية 2030". في مقابلة استثنائية مع برنامج "الدرجة الأولى" على قناة "العربية"، كسر عبدالله بن سليمان الراجحي، رئيس مجلس إدارة مصرف الراجحي، صمته الإعلامي ليروي قصة صعود أحد أضخم المصارف الإسلامية في العالم، كاشفاً عن محطات مفصلية في مسيرته، وتفاصيل غير مسبوقة عن التحول من شركة عائلية إلى كيان مصرفي عالمي. من البدايات المتواضعة إلى الريادة العالمية بدأت الحكاية في خمسينيات القرن الماضي، حين تأسست شركة الراجحي للصرافة والتجارة كمؤسسة فردية، قبل أن تتحول رسمياً إلى بنك في عام 1988 برأسمال 750 مليون ريال وأصول بلغت 10 مليارات ريال. واليوم، يقف المصرف على قمة البنوك الإسلامية عالمياً بأصول تقترب من تريليون ريال، واحتياطيات تفوق 100 مليار ريال. خلال سنوات عمل البنك كأول بنك إسلامي في السعودية، برزت الحاجة إلى تطوير أدوات للصيرفة الإسلامية من تمويلات وإيداعات وحسابات، تحت مظلة لجنة شرعية مستقلة، ومتوافقة مع اشتراطات البنك المركزي، وفقاً لما ذكره الراجحي لمضيفته، فاطمة الزهراء الضاوي. وقال الراجحي، إن التطور أخذ منحنى سريعاً جداً لتصبح السعودية الرائدة عالمياً في الصيرفة الإسلامية، مع محفظة أصول مصرفية إسلامية تتجاوز 3.1 تريليون ريال، حتى منتصف عام 2024، وإصدارات صكوك تتراوح بين 620 و640 مليار ريال. لكن حتى نمو بهذا الحجم لم يعد كافياً في ظل " رؤية 2030"، وخطة برنامج تطوير القطاع المالي، حيث أشار الراجحي إلى مبادرات خاصة لتطوير المصرفية الإسلامية. متى بدأ؟ التحق عبدالله الراجحي بالمصرف عام 1979 بعد تخرجه في الاقتصاد وإدارة الأعمال، وتدرج في المناصب حتى أصبح الرئيس التنفيذي، ثم رئيس مجلس الإدارة. وخلال تلك العقود، لعب دورًا محوريًا في تطوير أدوات الصيرفة الإسلامية، وإطلاق منتجات متوافقة مع الشريعة، تحت إشراف لجنة شرعية مستقلة. في حديثه، بدا واضحًا أن الراجحي لا يتحدث عن مؤسسة مالية فقط، بل عن مشروع حياة. "كنا نعلم أن الصيرفة الإسلامية تحتاج إلى أدوات جديدة، إلى منتجات تمويل وإيداع تتوافق مع الشريعة، وتخضع لرقابة شرعية مستقلة"، بحسب الراجحي. التحول الرقمي.. حين يسبق المصرف زمنه استشعر البنك أهمية التحولات التكنولوجية عالمياً مبكراً، وبدأ رحلة التحول، وقال "الراجي" إن أكثر من مليار عملية دخول للتطبيقات البنكية في عام 2024، أبرزت أهمية هذا التحول، ويضاف إليها أن 95% من الحسابات تُفتح رقميًا، و22% نمو في عدد العملاء الجدد عبر الجوال. حين ضربت الأزمة المالية العالمية في 2008، كانت البنوك تتساقط كأوراق الخريف، لكن مصرف الراجحي ظل صامدًا. لم يكن ذلك صدفة. فالمصرف لم يكن منخرطًا في المشتقات المالية، ولم يتعامل مع الشركات المتعثرة. كان تركيزه على تلبية احتياجات عملائه، بعيدًا عن المغامرات الاستثمارية. ويعزو الراجحي هذا الصمود إلى الحذر المؤسسي، وإلى الدور الحاسم الذي لعبه البنك المركزي السعودي في حماية القطاع المصرفي. لكن التحديات لم تتوقف عند الأزمات. فمع تسارع التحول الرقمي، واجه المصرف تحديًا جديدًا: كيف يحافظ على ريادته في عالم تتغير فيه سلوكيات العملاء بسرعة البرق؟ الجواب كان في الأرقام. أكثر من مليار عملية دخول للتطبيقات البنكية في عام 2024، و95% من الحسابات تُفتح رقميًا، و22% نمو في عدد العملاء الجدد عبر الجوال. لم يعد المصرف مجرد بنك، بل منصة مالية رقمية متكاملة، تستثمر في التقنية كما تستثمر في الإنسان. ورغم المنافسة الشرسة من شركات التقنية المالية، يرى الراجحي أن هذه الشركات ليست تهديدًا، بل فرصة. فالمصرف لم يكتفِ بتطوير منتجاته الرقمية، بل أنشأ شركات تقنية تابعة له، واستثمر في شركات ناشئة، لتقديم حلول مبتكرة، تستهدف شرائح جديدة من العملاء، وتعيد رسم خريطة السوق. في قلب رؤية السعودية 2030، يجد المصرف نفسه لاعبًا رئيسيًا في تمويل التحول الاقتصادي. من دعم الإسكان، حيث يمتلك المصرف 41% من الحصة السوقية، إلى تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي قفزت محفظتها من 10 إلى 40 مليار ريال خلال خمس سنوات فقط. ويؤمن الراجحي أن القطاع الخاص لا يستطيع استيعاب كل الخريجين، ولهذا يركز المصرف على دعم ريادة الأعمال، من خلال منتجات تمويل جاهزة، لا تتطلب بيانات مالية معقدة، وتستهدف تسهيل الانطلاقة. لكن خلف كل هذه الأرقام، هناك التزام إنساني لا يقل أهمية. فالمصرف يرى في المسؤولية المجتمعية جزءًا من هويته، لا مجرد واجب. من برنامج دعم الأيتام الجامعيين، إلى مبادرات التعليم والصحة والسكن، يؤمن الراجحي أن الأثر الحقيقي يأتي حين يكون الدعم من خلال برامج واضحة، قابلة للقياس، ومتصلة برؤية استراتيجية. وفي حديثه عن المستقبل، لا يخفي الراجحي قلقه من بطء الاستجابة في بعض القطاعات. فالعالم العربي، برأيه، يمتلك طاقات هائلة، لكنه بحاجة إلى بنية تحتية رقمية قوية، وإلى تعليم يحوّل الشباب من مستهلكين إلى مبتكرين. ومع مجتمع فتي يتجاوز تعداده 400 مليون نسمة، يرى أن الفرصة لا تزال قائمة، لكن الوقت يمر بسرعة. تحديات التوظيف ويعتبر الراجحي أنه من المستحيل أن يمتص القطاع الخاص كل الخريجين من الشباب، ما يزيد من الطلب على المشاريع الصغيرة والمتوسط، ما دفع البنك إلى تبني برامج تركز بالأساس على تمويل هذه الشريحة من العملاء وتساعدهم في النمو. وقال إنه في عام 2020، كان حجم محفظة تمويل الشركات المتوسطة والصغيرة 10 مليارات ريال، ووصل إلى 40 مليار ريال حالياً، وتم إطلاق منتجات جديدة جاهزة بدون أن يضطر العملاء إلى تقديم بيانات مالية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store