
كيف يساعدك الذكاء الاصطناعي في إدارة حساباتك الاجتماعية؟
وخلال السنوات الأخيرة، ظهرت عشرات الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، التي تساعد في تنظيم المنشورات، وتحليل سلوك الجمهور، وتوليد المحتوى تلقائيا، بل حتى الرد على المتابعين.
ونستعرض في هذا الموضوع أبرز الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من إستراتيجيات العلامات التجارية، وصناع المحتوى، والصحفيين الرقميين.
تحديات إدارة الحسابات الاجتماعية
في ظل التعقيد المتنامي، فإن كل منصة تتطلب إستراتيجيات محتوى مختلفة، مما يشكل عبئا في توحيد الرسائل وضمان الاتساق عبر القنوات المتعددة.
وتمنح الخوارزميات أولوية للمحتوى التفاعلي والمحدث باستمرار، مما يضع ضغوطا على مديري الحسابات لصناعة محتوى مبتكر وجذاب وملائم.
كما أن الرد الفوري على التعليقات والرسائل والشكاوى يتطلب فريق دعم نشطا وإستراتيجية واضحة، وأي تأخير أو رد غير مناسب قد يتحول إلى أزمة سمعة.
وباتت التحليلات عنصرا حاسما لتقييم الأداء واتخاذ القرارات، إذ يتطلب فهم الأرقام أدوات متقدمة وخبرة تحليلية.
كما أن تغيير الخوارزميات المستمر يؤثر في مدى ظهور المنشورات وفي معدلات التفاعل، ويصعب هذا الأمر الحفاظ على الأداء دون تعديل دائم للإستراتيجية.
ويلعب الذكاء الاصطناعي دورا محوريا في إدارة حسابات التواصل الاجتماعي من خلال أتمتة المهام اليومية. ويشمل ذلك:
جدولة المنشورات عبر منصات متعددة.
الرد الآلي على الأسئلة المتكررة.
تصنيف الرسائل الواردة وتحديد الأولويات.
توفير تحليلات متقدمة لأنماط التفاعل وسلوك المستخدم.
التنبؤ بأفضل أوقات النشر للحصول على أقصى تفاعل.
تحديد المحتوى الذي يحقق أعلى معدل تحويل أو تفاعل.
كتابة منشورات مخصصة بحسب كل منصة وجمهور مستهدف.
اقتراح عناوين ووسوم وصور وتوليد نصوص متعددة اللغات.
قراءة آلاف التعليقات والتفاعلات وتحليلها وتصنيفها.
تخصيص المحتوى والإعلانات حسب اهتمامات وتفضيلات الجمهور.
تحليل حسابات المنافسين وتقديم رؤى حول نوعية المحتوى الناجح والفرص غير المستغلة.
منصات لإدارة الحسابات الاجتماعية
"ميلتووتر" (Meltwater)
تجمع "ميلتووتر" حساباتك للتواصل الاجتماعي في منصة واحدة، مما يمنحك نظرة شاملة على جميع قنواتك ومحتواك.
ويمكنك إنشاء المنشورات وجدولتها من داخل المنصة، والحصول على توصيات مدعومة بالذكاء الاصطناعي حول أفضل أوقات النشر لكل قناة.
ويمكنك الحصول على بث مباشر لمحتواك لمعرفة ما يلقى صدى لدى جمهورك، ومعرفة كيفية تأثير جهودك في ظهور علامتك التجارية.
ومن مزايا "ميلتووتر" الفريدة الاستماع الاجتماعي، الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل ملايين المحادثات آنيا، والتفاعل معها، والتفاعل مع مشاعر الجمهور.
"أوكويا" (Ocoya)
تسهل "أوكويا" عملية إنشاء منشور تواصل اجتماعي، وتتيح لك الاختيار من مكتبة من الصور أو قوالب الفيديو.
وتستطيع أيضا تحديد الرائجة، وإنشاء روابط مختصرة، وجدولة المنشورات، وتقديم رؤى آنية حول أداء كل منشور.
وتتمتع كل مرحلة بتحسينات مبسطة بفضل الذكاء الاصطناعي، مما يتيح وقتا إضافيا للتركيز على الإستراتيجية.
"بافر" (Buffer)
تعد "بافر" منصة رائدة في مجال إدارة منصات التواصل الاجتماعي، وقد تطورت الآن لتصبح أداة تواصل اجتماعي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتبسيط عملك.
وتتيح "بافر" تحميل المحتوى، والتعاون في المنشورات، وجدولة نشره، وتحليل أداء كل منشور، كما أنها تضم الآن مساعدا بالذكاء الاصطناعي لمساعدتك في توليد الأفكار وتحويلها إلى مواد بصرية جاهزة للنشر.
ويستطيع مساعد "بافر" بالذكاء الاصطناعي كتابة مسودة نص بناء على أفكارك، وإنشاء منشورات مخصصة، وإنشاء نسخ متعددة للاختبارات، وحتى إعادة توظيف المحتوى في منشورات جديدة.
"بريديس دوت إيه آي" (Predis.ai)
صممت هذه المنصة خصيصا للإعلانات والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تتعرف على موقعك الإلكتروني وتفاصيل عملك الأخرى من أجل إنشاء محتواك.
ويمكنك تحديد تفاصيل، مثل ألوان علامتك التجارية، وحساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي، ووسومك المميزة، وعناصر أخرى.
وبمجرد إدخال بياناتك، تنشئ المنصة عددا كبيرا من مقاطع الفيديو أو المنشورات الثابتة التي تناسب طلبك، وهي جاهزة للاستخدام كما هي أو لتعديلها حسب رغبتك.
وترشدك المنصة خلال العملية خطوة بخطوة، حيث تنجز معظم العمل، وتساعدك في النشر عبر حسابات التواصل الاجتماعي المختلفة.
"كوشيدول" (CoSchedule)
تضيف "كوشيدول" عنصر الذكاء الاصطناعي إلى تقويم المحتوى، ويتعلم مساعدها للذكاء الاصطناعي الكتابة بأسلوب علامتك التجارية لتسريع عملية إنشاء العناوين الرئيسية والتعليقات التوضيحية ومنشورات المدونات وغيرها.
كما يساعدك في العصف الذهني والبحث والتحرير وتحسين المحتوى لمحركات البحث، وحتى إنشاء حملات من مصادر موثوقة.
ويستطيع مساعد الذكاء الاصطناعي من "كوشيدول" إنشاء وسوم وكتابة منشورات لجميع قنواتك، ويوجد أكثر من 1600 قالب جاهز، بالإضافة إلى خيار إنشاء قوالب خاصة.
ويستخدم المساعد واجهة تشبه واجهات برامج الدردشة بالذكاء الاصطناعي، مما يتيح لك تعديل نتائجك بدقة حتى تصل إلى النتيجة المثالية.
"كيووو" (Quuu)
تتخصص هذه المنصة في أدوات تساعدك في زيادة متابعيك عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث تستخدم الذكاء الاصطناعي لاختيار محتوى يتناسب مع جمهور علامتك التجارية وتوجهها.
ويحسن الذكاء الاصطناعي تجربتك من خلال توجيهك لاختيار المحتوى المناسب، إذ يحلل جمهورك وسلوكياتهم لاختيار المحتوى الذي يحتمل أن يثير اهتمامهم.
وتجدول المنصة تلقائيا المنشورات نيابة عنك لزيادة التفاعل، وتفعل كل ذلك بطريقة مصممة خصيصا لعلامتك التجارية وما يجعلها فريدة.
"إكلينشر" (Eclincher)
تتيح لك "إكلينشر" إنشاء المحتوى، وأتمتة عملية النشر، وتجميع صناديق الرسائل عبر منصات التواصل الاجتماعي.
في حين يتيح لك محرر الذكاء الاصطناعي صياغة منشورات وصور مخصصة في ثوانٍ، مع خيارات لتشكيل أسلوب النشر، وطوله، وتفاصيل أخرى دون الحاجة إلى تدخل مباشر.
وتنظم "إكلينشر" كل منشور في تقويمك، مما يمنحك رؤية واضحة لما تنشره ونقاط النقص المحتملة. كما تتضمن المنصة أيضا ميزات دعم الموظفين لمشاركة المحتوى.
"سوشيال بي" (Socialbee)
تقدم "سوشيال بي" أداة ذكاء اصطناعي متكاملة لوسائل التواصل الاجتماعي تسهل إدارة جميع قنواتك.
وتستطيع دمج أدوات تسويق المحتوى الشائعة، مثل "كانفا" (Canva)، وإنشاء جميع منشوراتك في مكان واحد مع جدولة المنشورات، وتحليل الأداء، والتفاعل مع جمهورك.
ويحلل مساعد الذكاء الاصطناعي منشوراتك وينشئ خطة محتوى في دقائق، ويأخذ في الاعتبار وقت النشر، والأسلوب، وقنوات التواصل الاجتماعي، وغيرها، ومن ثم ينشئ إستراتيجيات مخصصة لكل قناة.
وتتضمن المنصة أيضا ميزة توليد الصور بالذكاء الاصطناعي لمساعدتك في تحسين منشوراتك النصية.
"سبراوت سوشيال" (Sprout Social)
إذا كنت بحاجة إلى جدولة المنشورات، فإن "سبراوت سوشيال" تغطي إستراتيجيتك الكاملة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وتدمج المنصة الذكاء الاصطناعي والأتمتة في جميع ميزاتها، بدءا من إيجاد أفكار تلهم محتواك، وصولا إلى تحسين أوقات الجدولة والنشر.
ويستطيع الذكاء الاصطناعي صياغة التعليقات واقتراح المحتوى لمشاركته مع جمهورك، وتتضمن المنصة تقويما مركزيا للمحتوى، حيث يمكنك تخطيط وجدولة المنشورات عبر القنوات، وعرض أوقات النشر.
كما تمثل مكتبة موارد تتيح لك تخزين الصور ومقاطع الفيديو والتعليقات وغيرها لإعادة استخدامها.
في الختام، أصبح استخدام أدوات إدارة الحسابات الاجتماعية بالذكاء الاصطناعي أكثر شيوعا وقبولا. وتعزز هذه الأدوات الإبداع الإنساني دون استبداله، مما يضمن وجود طريقة أفضل وأسرع للبقاء على اتصال مع جمهورك.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
شاهد كيف تنوي دبي قهر الازدحام باستخدام التاكسي الطائر
أجرت شركة "جوبي للطيران" (Joby Aviation) أول تجربة لرحلة كاملة باستخدام التاكسي الطائر الكهربائي بالكامل في دبي ضمن مساعي حكومة الإمارات لتقديم مفهوم التاكسي الطائر والاعتماد عليه بدءا من العام المقبل، وذلك كما جاء في تقرير "رويترز". وأشار التقرير إلى كون التجربة تمت في منطقة صحراوية جنوب شرق مدينة دبي، ورغم هذا راعت الشركة أوضاع التشغيل المتوقعة للتاكسي الطائر وحاولت محاكاة رحلة كاملة باستخدامه، وفي حفل حضره كبار المسؤولين الحكوميين ومديرو النقل وممثلو الشركة، قامت الطائرة التجريبية بالإقلاع العمودي، وحلقت لعدة كيلومترات، ثم عادت للهبوط العمودي. ووضح أنتوني خوري، المدير العام لشركة "جوبي" في الإمارات أن الشركة تسعى لتغيير طريقة تنقل الناس داخل دبي، مشيرا إلى أن الرحلة التي تستغرق 45 دقيقة من مطار دبي الدولي إلى "بالم الجميرا" تنخفض بالتاكسي الطائر إلى 12 دقيقة تقريبا. وأضاف خوري أن الشركة تأمل خفض تكاليف الرحلات عبر التاكسي الطائر على المدى الطويل، ولكن يتوقع في البداية أن تكون أسعارها مرتفعة قليلا لتلائم أصحاب الدخل المرتفع في دبي كما الحال مع جميع التقنيات المبتكرة في مختلف البقاع. ويأتي تاكسي "جوبي" الطائر بمواصفات رائدة تجعله ملائما للاستخدام في دبي، فهو ينتمي إلى فئة المركبات الكهربائية عمودية الإقلاع والهبوط (eVTOL)، ويمكنه السير لمدى 160 كيلومترا على سرعة قصوى تصل 320 كيلومتر/الساعة، وأكد خوري أن التاكسي صمم بشكل يجعله هادئا للغاية أثناء الاستخدام، وذلك حتى يكون ملائما للاستخدام بالقرب من المناطق السكنية في دبي دون أن يلاحظه أحد. وبحسب تقرير "رويترز" فإن الشركة تنوي افتتاح 4 نقاط للإقلاع والهبوط داخل دبي في المرحلة الأولى لتشغيل التاكسي، وهي مطار دبي الدولي وبالم الجميرا والمارينا ومركز مدينة دبي "داون تاون"، مع توقعات بالتوسع وضم نقاط هبوط وإقلاع أكثر في المستقبل. وتجدر الإشارة إلى أن "جوبي" وقعت عقد التاكسي الطائر مع هيئة الطرق والمواصلات في دبي عام 2024، كما حصلت الشركة على حقوق حصرية لإدارة التاكسي الطائر في دبي للأعوام الستة المقبلة.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
مظاهرات ضد غوغل بسبب الذكاء الاصطناعي
اندلعت مظاهرة مناهضة لسرعة تطوير الذكاء الاصطناعي أمام مقر " غوغل ديب مايند" (Google DeepMind) في لندن بقيادة مجموعة النشطاء "بوز إيه آي" (Pause AI)، وذلك حسب تقرير موقع "بيزنس إنسايدر" (Business insider). نددت هتافات المجموعة بسرعة تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي المشاركة في هذا السباق المستعر، الذي تسعى كل شركة فيه لتقديم نموذج ذكاء اصطناعي جديد قبل المنافسين، على خلفية شعارات رنانة مثل "اختبر ولا تفترض"، التي تؤكد أن الشركات لا تقوم بالاختبارات اللازمة. وأقامت المجموعة محاكمة تخيلية كان المتهم فيها "غوغل ديب مايند" ماثلا أمام لجنة من المحلفين وقاض يحمل مطرقة العدالة، إذ اتهمت "بوز إيه آي" الشركة بإهمال اختبارات أمان الذكاء الاصطناعي وتجاهل الوعود التي قدمتها في قمة الذكاء الاصطناعي بمدينة سول الكورية العام الماضي، إذ وعدت باختبار التقنيات على نحو واضح من قبل جهات خارجية محايدة، والكشف عن تدخل هذه الجهات والجهات الخارجية مثل الحكومة وغيرها في عمليات تطوير الذكاء الاصطناعي. ومن جانبها، قالت غوغل -على لسان المتحدث الرسمي لمشروع "ديب مايند"- إنها ملتزمة بتطوير الذكاء الاصطناعي بشكل آمن يحافظ على المجتمع، مضيفا أن الشركة تواصل تطوير نماذج الاختبار والإبلاغ الخاصة بها للاستجابة للتغيرات السريعة في التكنولوجيا مع الكشف عن المعلومات التي تدعم الاستخدام المسؤول لنماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها. وعن هذه التصريحات قالت مجموعة "بوز إيه آي" -على لسان إيلا هيوز المديرة المنظمة للمجموعة- إنها لن تترك غوغل تفلت من العقاب بعد إخلاف وعودها، مؤكدة أن المجموعة لن تدع غوغل تفلت من العقاب، وأضاف جويب مينديرتسما مؤسس المجموعة "بوز إيه آي" أن التنظيم العالمي لوضع الذكاء الاصطناعي في وضع سيئ للغاية. ويأمل مينديرتسما أن الدعم العالمي للمجموعة سيزداد في الأيام المقبلة، مشيرا إلى الاستطلاعات التي أجرتها المجموعة في عدة مناسبات، فضلا عن تكوينها الفريد الذي يضم أفرادا ذوي خلفيات متنوعة، بدءا من العاملين في قطاع التقنية سابقا وحتى الحقوقيين والقانونيين.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
حقوق النشر في عصر الذكاء الاصطناعي.. كيف تعيد التكنولوجيا صياغة قواعد الملكية الفكرية؟
في زمن غير بعيد، كانت حقوق النشر تمثل خطّ الدفاع الأول عن المبدعين والمفكرين و المنتجين الثقافيين في وجه الاستنساخ والتعدّي والاستغلال غير المشروع لأعمالهم. وكان الإبداع مرتبطا ارتباطا وثيقا بالهوية الإنسانية، وكانت القوانين المنظمة لحقوق النشر تعمل، وإن كان ببطء أحيانا، على حماية هذا الإبداع في صورته الأصلية ومنح أصحابه الاحتراف والملكية والربح المستحق. لكن مع صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي لا يبدع من العدم، بل يتغذى على ما أبدع فيه البشر من قبل، أُعيد رسم المشهد القانوني والأخلاقي من جذوره. إن دخول هذه التكنولوجيا إلى معادلة الإنتاج المعرفي والثقافي لم يكن مجرد تطور تقني، بل كان ضربة قاسية لأسس التوازن بين المبدع والمؤسسة، وبين صاحب العمل والمستهلك، وبين ما يعدّ اقتباسًا مشروعا وما يعدّ استغلالا صامتًا. خوارزميات الذكاء الاصطناعي التوليدي اليوم قادرة على إنشاء نصوص وصور وأصوات وحتى أفكار مبنية على مليارات من الأعمال البشرية السابقة، كثير منها محمي بموجب حقوق النشر. غير أن هذه الأعمال تستهلك بصمت في تدريب هذه النماذج من دون إذن أو تعويض، وذلك يثير أسئلة وجودية عمن يملك الإبداع في العصر الرقمي: هل هو الإنسان أم النموذج؟ وهل تملك الشركات التقنية الحق في تسخير جهود الملايين من دون الرجوع إليهم؟ بين الاستخدام العادل وتحديات حقوق النشر.. صراع جديد أم توازن مختلف؟ قد يُخيّل إلينا أننا رأينا هذا المشهد من قبل: شركات التكنولوجيا تسعى في كل دورة تقنية جديدة إلى بناء منتجاتها على حساب أصحاب حقوق النشر، عبر استغلال أعمالهم من دون إذن أو تعويض. يلي ذلك عادة موجة من الدعاوى القضائية، ثم بعض التعديلات التشريعية، قبل أن يظهر شكل جديد من التوازن يستوعب التكنولوجيا ويحاول حفظ حقوق المبدعين. لكن، كما هو الحال مع معظم ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، هذه المرة مختلفة تماما. فَالذكاء الاصطناعي التوليدي لا يكتفي بإعادة استخدام المحتوى المحميّ، بل يمتلك القدرة على تعزيز الإنتاجية وجودة الإبداع البشري بشكل غير مسبوق. فالأدوات المدعومة بهذه التكنولوجيا باتت تتيح للمبدعين إنتاج محتوى عالي الجودة بتكلفة زهيدة، وذلك يغيّر بعمق طبيعة العمل الإبداعي وموقعه. ولن يعود الإبداع كما عهدناه، إذ أصبح من الصعب فصل موهبة الإنسان عن خوارزميات الآلة. في هذا السياق الجديد، لم يعد جوهر النزاع يدور فقط بين شركات التكنولوجيا وأصحاب الحقوق، بل أخذ يتبلور صراع داخلي بين المبدعين أنفسهم. فالتقنيات التي استخدمت في السابق لإعادة إنتاج المحتوى القائم باتت تستخدم اليوم لإنتاج محتوى أصيل، وغالبا من قبل المؤسسات نفسها أو الأفراد الذين يمتلكون الحقوق الأصلية. وهنا يتضاعف التهديد، ليس فقط في الاستيلاء على منجزات الماضي، بل في إعادة تعريف من يحق له أن يكون جزءا من المشهد الإبداعي المستقبلي. الأساس القانوني.. هل الاستخدام العادل كافٍ؟ من الناحية القانونية، تعتمد شركات الذكاء الاصطناعي مثل " أوبن إيه آي" و"أنثروبيك" على مبدأ "الاستخدام العادل" لتبرير استخدام الأعمال المحمية أثناء تدريب النماذج. وتؤكد هذه الشركات أن تلك الأعمال تستخدم لأغراض تحويلية، أي لبناء نموذج ذكاء اصطناعي لا لإعادة توزيع المحتوى الأصلي أو التربح المباشر منه. ولكن هذا التبرير محلّ جدل واسع. ففي القضية المرفوعة من نيويورك تايمز ضد "أوبن إيه آي"، رفض القاضي مؤخرا إسقاط الدعوى، وذلك يشير إلى أن القضية مرشحة للاستمرار نحو محاكمة كاملة، وربما إرساء سابقة قانونية جديدة. ورغم غياب حكم نهائي، يرى كثير من المتابعين أن موقف شركات الذكاء الاصطناعي قد يكون أقوى، لكونها تنتج نماذج جديدة اعتمادا على نسخ وسيطة لا توزع كما هي، ولا تقدم نواتج تطابق المحتوى الأصلي في الشكل أو الهدف، إلا في حالات نادرة. السوق والنوايا.. مشكلة في المنطقة الرمادية تكمن الإشكالية الأكبر في المنطقة الرمادية بين القانون والأخلاق. فحتى إن لم تكن مخرجات النماذج الذكية تنسخ الأعمال الأصلية حرفيّا، فإنها قد تنتج محتوى ينافسها ضمن نفس الفئة أو الموضوع. على سبيل المثال، إذا استخدم نموذج مثل "لاما 3" (LLaMa 3) لتأليف كتاب عن موضوع معين بعنوان معيّن فقد يؤثر ذلك على مبيعات كتاب آخر موجود بالعنوان نفسه، حتى من دون نسخ مباشر. وهنا يبرز سؤال مهم: هل ينبغي أن تمتد حماية حقوق النشر إلى السوق الإبداعي المحتمل، ليس فقط إلى النصوص الموجودة فعليا؟ في المقابل، من غير المرجح أن تذهب المحاكم إلى حد توسيع نطاق قانون حقوق النشر لِيحظر المنافسة أو يحمي الأعمال المستقبلية غير المكتوبة. فالقانون صُمّم أساسا لحماية الأعمال المنتجة من النسخ غير المشروع، وليس لمنع إنتاج أعمال جديدة تتناول مواضيع مشابهة بأساليب مختلفة. لذا، قد لا يكون هذا القانون كافيا لمواجهة التحديات الحالية، وذلك يدعو إلى التفكير في أطر تشريعية جديدة تتناول حقوق البيانات وآليات توزيع عوائد الذكاء الاصطناعي، بما يحقق توازنا أكثر عدالة بين المبدعين وشركات التكنولوجيا. أسلوبك ليس مباحًا.. نحو قانون لحماية الشخصية في عصر الذكاء الاصطناعي من المعروف أن مخرجات الذكاء الاصطناعي التي تُطابق بشكل جوهري أعمالا محميّة تعدّ تعديًا صريحًا على حقوق النشر، ولهذا تبذل الشركات جهودا حثيثة لرصد تلك المخرجات ومنع تطابقها مع محتوى قائم. لكن هذا المعيار التقليدي "الشبه جوهري" لا يكفي لحماية المبدعين حين تقلّد الخوارزميات أسلوبهم الفني أو الأدبي المميز من دون نسخ مباشر. فالمشكلة لم تعد في تقليد العمل ذاته، بل في استنساخ الهوية الإبداعية بأساليب يصعب قانونيا حمايتها، وذلك يشكل تهديدا حقيقيّا لأرزاق الفنانين والكُتّاب، خاصة في ظل قدرة النماذج الحديثة على توليد كمّ هائل من المحتوى المشابه. وقد لفت أستاذ القانون بنيامين سوبيل إلى التحديات القانونية في توسيع نطاق حقوق النشر لتشمل "الأسلوب الشخصي"، مشيرا إلى أن حجم التهديد المتزايد يستدعي التفكير في إطار قانوني جديد. وفي السياق ذاته، دعت نقابة المؤلفين الأميركية إلى سنّ قانون اتحادي لحق الدعاية يمنح المبدعين الأحياء الحق في التحكم بمخرجات الذكاء الاصطناعي التي تحاكي أسلوبهم الشخصي، والحصول على تعويضات عادلة مقابل استخدامها. بدورها، أقرّت شركة "أوبن إيه آي" بوجود هذه الإشكالية، وأعلنت أن أداتها الأخيرة لتوليد الصور تتضمن آلية "رفض" تمنع المستخدمين من توليد صور "بأسلوب فنان حيّ". ولكن هذه السياسة، رغم نواياها، لا تحظر استنساخ الأساليب ذاتها، إذ تسمح بإنشاء أعمال ضمن "أنماط أستوديو أوسع". وقد أدى ذلك، على سبيل المثال، إلى تدفق أعمال تحاكي أسلوب أستوديو "جيبلي"، من دون الإشارة إلى اسم هاياو ميازاكي، كأن "أوبن إيه آي" مستعدة لحظر الطلبات التي تستهدف إنشاء فن بأسلوب بيتر بول روبنز، لكنها تسمح بتلك التي تطلب تقليد أسلوب الورشة التي كان روبنز يديرها في مدينة أنتويرب البلجيكية، وهو ما يكشف عن ثغرات في أنظمة الحماية التقنية قد تستدعي تدخلا تشريعيا أكثر حزمًا. كذلك ترتبط هذه القضية بالحاجة إلى تقييد مخرجات الذكاء الاصطناعي التي تشبه صوت فرد معين أو مظهره. فحتى الآن، لا يمنح قانون حقوق النشر الأشخاص الحق في السيطرة على هذه المخرجات، كما أشار مكتب حقوق النشر في تقريره لعام 2023. ويعدّ مشروع القانون "إس.4875" (S.4875)، المعروف باسم "قانون لا للتزوير" (NO FAKES Act)، محاولة جادة في هذا السياق، إذ يقترح هذا المشروع، الذي قدمه العام الماضي السيناتور كريس كونز -ديمقراطي عن ديلاوير- إنشاء حث رقمي جديد في "التمثيل الإلكتروني العالي الواقعية" لصوت فرد يمكن التعرف عليه أو صورته، وهو حق منفصل عن حقوق النشر، ويتيح لصاحبه الترخيص أو رفض ترخيص صوته أو صورته، حتى في التعامل مع شركات إعلام كبرى. قوانين الشفافية.. محاولة مبكرة لحل غير ناضج لكن حتى عند اعتماد أطر جديدة أكثر عدالة، تبقى مسألة الشفافية في استخدام الأعمال المحمية أثناء التدريب محلّ جدل واسع. فمع عدم حسم مشروعية استخدام المواد المحمية بحقوق النشر في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، تظل التشريعات المقترحة بشأن الشفافية في مراحلها الأولى، وقد لا تكون ضرورية أصلا. ففي أبريل/نيسان 2024، قدم النائب آدم شيف -ديمقراطي عن كاليفورنيا- مشروع القانون "إتش آر 7913" (H.R. 7913)، المعروف باسم "قانون الكشف عن حقوق النشر في الذكاء الاصطناعي التوليدي لعام 2024″، والذي يلزم مطوري النماذج بتقديم إشعار لمكتب حقوق النشر يتضمن ملخصا كاملا بالأعمال المحمية المستخدمة في التدريب. وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه طرح السيناتور بيتش ويلش -ديمقراطي عن فيرمونت- مشروع القانون "إس. 5379" (S.5379) أو "قانون الشفافية والمسؤولية لشبكات الذكاء الاصطناعي"، الذي يلزم المطورين بالكشف الكامل لشركات المحتوى عن الأعمال المحمية التي استخدمت في التدريب. ومن المتوقع إعادة طرح كلا المشروعين خلال هذا العام. وفي كاليفورنيا، تمّ تقديم مشروع قانون في فبراير/شباط 2025، عُدّل لاحقا في مارس/آذار من قبل لجنة الخصوصية وحماية المستهلك، يطالب مطوري النماذج بإنشاء "بصمة محتوى تقريبية" (approximate content fingerprint) لكل عمل مستخدم في التدريب، وتوضيح آلية إنتاج هذه البصمات باستخدام التقنية نفسها، إضافة إلى الاستجابة لطلبات التعرف من مجتمع المحتوى. غير أن هذه المبادرات التشريعية تفترض مسبقا أن استخدام الأعمال المحمية في التدريب ليس "استخداما عادلا"، وهي فرضية لم تبتّ قانونيّا بعد. فإذا رأت المحاكم أن التدريب يندرج تحت الاستخدام العادل، فلن يكون هناك انتهاك قانوني يستدعي هذا النوع من الإفصاحات، مما يجعل أنظمة الشفافية مجرد عبء بيروقراطي باهظ من دون جدوى عملية. من جهة مماثلة، قد تطرح مبررات أخرى للشفافية مثل كشف التحيزات أو انتهاكات الخصوصية أو التحقق من دقة البيانات، لكنّها حينئذٍ ينبغي أن تكون جزءا من أجندة أوسع تعالج مبادئ العدالة والحوكمة في الذكاء الاصطناعي، لا امتدادا لقوانين حقوق النشر التقليدية. أما إذا فشل دفاع الاستخدام العادل في المستقبل، فقد يكون الحل في تعديل منظومة حقوق النشر لتلبية احتياجات الطرفين: المطورين وأصحاب الحقوق. وقد يتجلى ذلك في شكل ترخيص إلزامي، أو خيار "الانسحاب الطوعي" كما يُناقش في المملكة المتحدة، أو حتى في تعديل تشريعي يمكّن من تشكيل كيانات جماعية تفاوض باسم أصحاب الحقوق، كما اقترحت بعض النقابات. ورغم كل ذلك قد لا تكون الشفافية التفصيلية شرطا أساسيا حتى في هذه الحالة. فشركاتُ الذكاء الاصطناعي غالبا ما تستخدم كل ما هو متاح علنا، مما قد يدفع المحاكم إلى افتراض قابل للدحض بأن الأعمال المنشورة على الإنترنت قد استخدمت في التدريب، من دون الحاجة لإثبات دقيق. في هذه الحالة، قد يتبين أن نظم التتبع والتوثيق المعقدة لا تضيف قيمة تذكر في تمكين أصحاب الحقوق من المطالبة بحقوقهم. التحديات القانونية.. هل يستحق المحتوى المولّد بالذكاء الاصطناعي حماية حقوق النشر؟ إذا كانت قوانين الشفافية لا تعالج بشكل جوهري مسألة الحوافز الإبداعية، فإن إحدى المقاربات الأكثر جوهرية تكمن في مراجعة مفهوم حماية حقوق النشر في عصر الذكاء الاصطناعي. وقد تجلى هذا التحدي بوضوح في قضية ستيفن ثالر، المخترع والرائد في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي تقدم بطلب إلى مكتب حقوق النشر الأميركي، لتسجيل عمل فني أنشأه نظام ذكاء اصطناعي يدعى "كرياتيفيتي ماشين" (Creativity Machine). وقد حُسمت القضية أخيرا، إذ قضت محكمة الاستئناف الأميركية في دائرة كولومبيا بأن نموذج الذكاء الاصطناعي لا يمكن اعتباره "مؤلفا" بالمعنى القانوني لحقوق النشر. وفي السياق ذاته، أكد مكتب حقوق النشر الأميركي في تقريره عن مدى أهلية الأعمال للحماية أن المؤلفين البشر لا يمكنهم المطالبة بحقوق النشر عن المحتوى الذي ينتج باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي. وإذ إن النموذج نفسه لا يعدّ مؤلفا، ولا يمكن للمستخدم البشري أن يطالب بالحماية القانونية لهذا النوع من الأعمال، فإن هذه الأعمال تعدّ تلقائيا ضمن الملكية العامة. وبحسب تقرير نشرته مؤسسة بروكينغز البحثية (Brookings Institution)، تترتب على هذا الموقف القانوني تداعيات واسعة. إذ تفقد الشركات الحافز لاستخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج مواد مثل التقارير الإخبارية، والأغاني، والنصوص، والصور، والفيديوهات، وسواها من المحتويات. فإذا تجاوزت نسبة استخدام الذكاء الاصطناعي ما يعتبر "ضئيلا جدا" (de minimis)، فإن أي شخص يمكنه نسخ تلك المادة وإعادة توزيعها بحرية. وفي ظل غياب حماية حقوق النشر، تنعدم الحوافز القانونية، ويؤدي ذلك إلى انخفاض في إنتاج هذا النوع من الأعمال. ورغم ذلك، فإن بعض شركات المحتوى قد تستمر في تسجيل أعمالها لدى مكتب حقوق النشر، مع استثناء الأجزاء التي تولدها أنظمة الذكاء الاصطناعي. فعلى سبيل المثال، يمكن لشركة أفلام تسجيل فيلم يحتوي على مشاهد مؤثرات بصرية تم توليدها باستخدام الذكاء الاصطناعي، لكنها لن تتمكن من حماية تلك المشاهد نفسها. وهذا من شأنه أن يقيّد حجم المحتوى المدعوم بالذكاء الاصطناعي الذي يمكن إدراجه في أعمال إبداعية محمية. وإذا اضطرت الشركات إلى التخلي عن حماية أي محتوى ناتج عن الذكاء الاصطناعي يتجاوز الحد الأدنى المقبول، فإن أقصى ما قد تحققه هو حقوق نشر ضعيفة. على سبيل المثال، قد تحاول إثبات أن اختيارها وتنسيقها وترتيبها لمواد غير محمية قانونيا، أنتجها الذكاء الاصطناعي، ينطوي على إبداع أصيل كافٍ لاستحقاق الحماية. ومع أن هذا النوع من الحماية متاح قانونًا، فإنه يعرض العمل لتقييمات فردية وذاتية من قبل مكتب حقوق النشر أو المحاكم، مما يجعل الدفاع القانوني غير مضمون وضعيفا أمام النسخ أو التوزيع غير المصرح به. وبذلك تبقى هذه الحماية أقل بكثير من حقوق النشر المباشرة للمحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي نفسه. نحو حماية عادلة.. الاعتراف بالإبداع البشري في استخدام الذكاء الاصطناعي في ضوء القيود القانونية الصارمة، من المرجح أن تسعى الشركات الكبرى نفسها إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى عالي الجودة بكلفة أقل، مما يستدعي إعادة النظر في مسألة حماية حقوق النشر لتشمل الأعمال التي تتضمن إسهاما بشريا فعالا. في هذا السياق، من المهم التمييز بين الآلة والمبدع. فالذكاء الاصطناعي مجرد أداة لا تنتج شيئا من دون تدخل الإنسان. ومن هنا، ينبغي الاعتراف بالمستخدم البشري الذي يصوغ التوجيهات ويصمم العمليات كمؤلف حقيقي يستحق الحماية. ورغم أن موقف مكتب حقوق النشر الحالي يستبعد هذا الاحتمال، فإن الفهم التقليدي بدأ يتغير مع تنامي الاهتمام بما يعرف بهندسة التوجيهات (Prompt Engineering)، وظهور دورات وأسواق رقمية متخصصة في هذا المجال. فالتوجيهات لم تعد مجرد تعليمات عشوائية، بل أصبحت أدوات فعالة لصياغة مخرجات أصيلة. وإذا اعتُرف بهذه التوجيهات كأعمالٍ إبداعيّة قائمة بذاتها، فإن من المنطقي أيضا النظر في حماية المحتوى الناتج عنها، بوصفه تجسيدا لتلك الإسهامات البشرية. كما أن المصلحة العامة تقتضي دعم هذا الاتجاه، لأن حماية الإبداع البشري في سياق الذكاء الاصطناعي ليست انحرافا عن أهداف القانون بل هي امتداد لها. ومن المتوقع أن تشهد السياسات تطورا في هذا الاتجاه، كما بدأ يحدث في بعض الدول مثل الصين التي منحت مؤخرا حماية قانونية لعمل أنشئ عبر الذكاء الاصطناعي اعتمادا على توجيهات إبداعيّة اعتُبرت أصيلة. الإبداع البشري في مواجهة الذكاء الاصطناعي.. من يبقى؟ أحد الآثار غير المقصودة لرفض حماية حقوق النشر لأعمال الذكاء الاصطناعي هو دفع شركات المحتوى إلى الحفاظ على التوظيف الحالي للعمال المبدعين. إذ إن عدم القدرة على حماية مخرجات الذكاء الاصطناعي من النسخ سيمنع الاعتماد عليه لإنتاج محتوى محمي، ويلزم الشركات بالاعتماد المستمر على كتّاب ومصممين ومحترفين. لكن التوظيف الكامل والأجور المرتفعة للمبدعين ليسا هدفا لحقوق النشر، بل إن التحول في طبيعة العمل الإبداعي يستدعي حلولا خارج هذا الإطار. فالذكاء الاصطناعي يقترب تدريجيا من إنتاج محتوى يشبه ما يقدمه الصحفيون والمصممون وكتّاب السيناريو، مع إمكانية تقليل التكلفة وتعزيز الكفاءة. ويتشارك مهندسو التوجيهات مع منشئي المحتوى في هذا التحول، كما أظهرت تجارب مثل إصدار "إل فوغليو" (Il Foglio) الإيطالية لعدد أنتج معظمه بالذكاء الاصطناعي، وإن كان قد خضع لمراجعة بشرية لاحقة، لكنه أظهر أن التغيير قادم لا محالة. وإن كان الذكاء الاصطناعي لن يقصي العاملين المبدعين، لكن من يستخدمه سيتفوّق على من لا يفعل، كما في مجال الأشعة. وهذا التغير لن تنظمه حقوق النشر، بل سيكون نتاج صراع على مستقبل العمل. نموذج محتمل لهذه الترتيبات المستقبلية هو الاتفاق الذي أُبرم عام 2023 بين رابطة الكتاب الأميركية وأستوديوهات هوليود، والذي ضمن للكتاب حقوقا كاملة في الأعمال التي يسهم فيها الذكاء الاصطناعي، من دون الاعتراف بالنموذج نفسه أنه "كاتب سيناريو". غير أن تعميم هذا النجاح صعب، فغالبية العمال لا يتمتعون بحماية نقابية مماثلة. وتشير دراسات إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيؤثر بعمق على العمال المعرفيين، بدءا من المبتدئين وصولا إلى الكتاب المحترفين، بمن في ذلك من يكتبون أعمدة الرأي أو التحليل السياسي. ورغم احتمال المبالغة في وعود الذكاء الاصطناعي، فإن تحققت التوقعات لن يكون التحدي الحقيقي في حماية المحتوى، بل في إدارة تحول عميق في طبيعة العمل الإبداعي، في ظل غياب مؤسسات عامة أو خاصة قادرة على احتواء هذا التغير. وهنا، لن تكون حقوق النشر كافية، بل يجب البحث عن أدوات بديلة تخفف من آثار التحول، وتضمن أن تعود فوائده على الجميع. بالنهاية، وبينما تتصارع التشريعات القديمة مع تحديات جديدة، يبقى السؤال المطروح: كيف نضمن حماية الإبداع البشري مع تمكين التكنولوجيا من خدمة المجتمع؟ الإجابة ليست في رفض التطور، بل في بناء أطر قانونية وأخلاقية تضمن العدالة وتكافؤ الفرص، ليس فقط في الغرب، بل أيضا في العالم العربي الذي بدأ اليوم بخطوات مهمة نحو احتضان هذه التكنولوجيا، والعمل على صياغة قوانين تنسجم مع خصوصياته الثقافية والاجتماعية. إن مستقبل الإبداع يعتمد على قدرتنا في التكيف والتعاون بين الإنسان والآلة، فلا يمكن أن نكون مجرد متفرجين، بل شركاء فاعلين في رسم هذا المشهد الجديد الذي يحمل في طياته فرصا وتحديات تتطلب رؤية واضحة وشجاعة في صنع القرار.