logo
ذكاء الآلة وغياب الإنسان

ذكاء الآلة وغياب الإنسان

الرياضمنذ 4 أيام
في عالم تتسارع فيه الخطى حتى يكاد الزمن نفسه يعجز عن ملاحقتها، خرج الذكاء الاصطناعي من ظلال الخيال العلمي ليجلس بيننا، كضيف مستمر وناطق باسم العصر، ومهندسا جديدا للمفاهيم، لم يعد الأمر محصورا في تطبيقات الهواتف الذكية أو برمجيات الإنتاج، لكن صرنا نتنفس ذكاءً اصطناعيًا دون أن ندري، صار هو الطبيب الذي يرى داخلنا، والمعلم الذي يرسم خرائط عقولنا، والكاتب الذي يقترح أن يكتب بدلا منا. الذكاء الاصطناعي أصبح فضاء نعيش فيه، وصوتا ينازعنا على الكلمة، وصورة تنافس وجوهنا في التعبير. في المستشفيات، تُشخص الآلة المرض قبل أن يظهر، وفي المصانع تُنجز آلاف المهام في دقائق دون خطأ، وفي الأسواق تراقب سلوك المستهلكين وتُعيد تشكيل رغباتهم في صمت. هذا انتقال في بنية السلطة نفسها، من الإنسان الخبير إلى الخوارزمية الدقيقة. إن هذه "القدرة" الجديدة، وإن كانت مُبهرة، تفتح أبوابا من التوتر. من يملك الخوارزميات، من يبرمجها، وعلى أي أساس أخلاقي تعمل، إذ لا يكفي أن تكون دقيقة، بل يجب أن تكون عادلة، وهذا ما لا تضمنه الأرقام وحدها. حتى التعليم، الذي لطالما اعتبر ضمن فضاء للتفاعل الإنساني، صار يدار بواسطة خوارزميات تراقب أداء الطلاب وتُخصص لهم المحتوى المناسب، لكنها في الوقت نفسه تزرع فيهم ما لا يُقال، أن المعرفة يُمكن تخصيصها مثل الإعلان، وأن التفكير يمكن توقعه. الذكاء الاصطناعي هنا لا يعلم فقط، بل يُشكل طريقة التعلم ذاتها، ويُعيد برمجة الإدراك من الداخل. والأخطر أن هذه الأنظمة تتعلم من بياناتٍ حافلة بالتحيزات، فتُعيد إنتاج التمييز بلغةٍ علمية، وتجعل من الظلم أمرا محايدا، لأن "الآلة قالت". وفي فضاء الفن، حيث كان يُعتقد أن الآلة لا تُبدع، بدأت تُدهشنا لوحات وموسيقى ونصوص كأنها نتاج عبقري متأمل، لكن الحقيقة أكثر قلقا. هل فقد الإبداع معناه حين صار قابلا للتوليد الآلي، هل نعيش زمن الفن بلا فنان، إن ما يُنتج اليوم ليس بديلا عن التعبير الإنساني، بل انعكاسًا لاختفاء معناه. ليس لأن الآلة باتت مبدعة، بل لأن الإنسان نفسه تراجع، وارتضى أن يُترجم حواسه إلى رموز رقمية تُعيد تركيبها الخوارزميات.
ورغم كل هذه الإنجازات، هناك صمتٌ خفي يملأ المشهد، ملايين الوظائف تختفي بصمت، والمهارات التي كانت سبب بقاء الطبقات المتوسطة تُستبدل تدريجيًا بأنظمة لا تشكو ولا تُضرب عن العمل. والمجتمع لا يزال يُجمل هذا القلق بكلمات مثل: "التحول الرقمي" و"الكفاءة"، بينما الحقيقة أنه يُعاد توزيع القوة، لا المهارات فقط. هناك استبدال متسارع للقيمة البشرية، يُبرر بأنه من أجل المستقبل، لكن أي مستقبل يُبنى على استبعاد البشر.
ثم تأتي الفوضى الكبرى، محتوى متكرر، سطحي، سريع الصنع، يغزو الفضاء الرقمي دون وجه أو توقيع، ويُعيد تدوير الأكاذيب بألف شكل وصوت. صار من السهل أن تُزيف حقيقة، أو تُقنع الملايين بخبر مصنوع، لأن "الآلة كتبته" أو "صممته"، في هذا المناخ، يذوب الفرق بين ما هو حقيقي وما هو مصطنع، ويصبح الخطر الأكبر ليس في وجود الذكاء الاصطناعي، بل في غياب الذكاء البشري القادر على نقده.
لكن وسط هذا الزخم، لا أرى في الذكاء الاصطناعي عدوًا، بل مرآة، إنه يكشف عمّا نحن عليه، لا ما هو عليه، فإذا كنا قد صنعناه ليُشبهنا، فعيوبه ليست إلا نسخًا رقمية من تحيزاتنا، وطموحاتنا، وأحيانا من قسوتنا، لذلك فإن معركتنا معه ليست تكنولوجية، بل أخلاقية، معرفية، سياسية، لا يكفي أن نُبرمج آلة تُفكر، بل يجب أن نُعيد التفكير في من يبرمجها ولماذا.
إن الذكاء الاصطناعي لن يُنقذ العالم، ولن يدمره، بل سيفعل ما نسمح له بفعله، نحن من نُحدد حدوده، أو نُطلقه بلا ضابط. ولذلك، يجب أن نُعلّم الأجيال القادمة أن التكنولوجيا لا تُفكر بدلًا عنهم، بل تُضيء الطريق فقط، وأن الذكاء ليس في الآلة، بل في من يُقرر كيف يستخدمها، ولماذا، ومتى يتوقف.
في النهاية، ليست المسألة في "ماذا يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يفعل"، بل في "ما الذي يجب أن نسمح له بفعله، هذه ليست مسألة تقنية، بل سؤال وجود. سؤال يخص الإنسان، بكل ضعفه وشكّه ووعيه، وما دمنا نمتلك القدرة على طرح هذا السؤال، فنحن لم نفقد السيطرة بعد.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

انطلاق النسخة الثالثة من برنامج آفاق الدرعية
انطلاق النسخة الثالثة من برنامج آفاق الدرعية

مجلة سيدتي

timeمنذ 28 دقائق

  • مجلة سيدتي

انطلاق النسخة الثالثة من برنامج آفاق الدرعية

ضمن إطارٍ شاملٍ يهدف إلى تنمية مهارات النشء وتعزيز قيمه الثقافية والوطنية، انطلقت يوم أمس الأحد الموافق 27 يوليو 2025 النسخة الثالثة من برنامج "آفاق الدرعية" ، الذي تُنظّمه هيئة تطوير بوابة الدرعية ، بالشراكة مع عددٍ من الجهات، ويُقام البرنامج بالتعاون مع مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري، ووكالة الفضاء السعودية، ومركز عِلمي لاكتشاف العلوم والابتكار، وأكاديمية مهد الرياضية، في شراكة تهدف إلى تقديم محتوى معرفي وتطبيقي متكامل يُثري تجربة المشاركين ويُعزّز جودة المخرجات التعليمية. أهمية برنامج آفاق الدرعية يذكر أنّ برنامج آفاق الدرعية يأتي في إطار اهتمام هيئة تطوير بوابة الدرعية بتعزيز دورها في مجالي التعليم والمسؤولية الاجتماعية، من خلال توفير بيئة تفاعلية متميزة وغنية بالأنشطة النوعية، التي تُسهم في تنمية مهارات المشاركين وتطوير قدراتهم. وتهدف هذه المبادرات إلى إحداث تأثير إيجابي ملموس في شخصياتهم، عبر تعزيز أنماط تفكيرهم بطريقة تترك أثرًا مستدامًا في مسيرتهم المهنية والمعرفية. أجندة برنامج آفاق الدرعية يشار إلى أنّ برنامج آفاق الدرعية الذي تستمر فعالياته حتى 21 أغسطس 2025م يتضمن العديد من الأنشطة، ضمن 6 مسارات متخصصة ترتكز على قيم وإرث الدرعية. وتحتوي هذه المسارات على (14) ورشة عمل تغطي مجالاتٍ متعددة، حيث يشهد مسار القيادة 3 ورش عمل تغطي مهارات المناظرة العلمية، والعمل التطوعي، والإلقاء والخطابة. ويهدف مسار التراث إلى تعليم تقنيات التنقيب عن الآثار، والبناء التقليدي بالطين، أما مسار الإنتاج الإبداعي فيُركّز على التصوير الفوتوغرافي وصناعة الأفلام، فيما يشمل مسار العلوم على عددٍ من الورش المتخصصة في أنظمة المياه وعلوم التربة والطاقة المستدامة وصناعة الطائرات. ويشمل مسار الفضاء ورش عمل تفاعلية عن علم الفلك والفضاء وتقنياته، من الماضي وحتى عصرنا الحالي، أما مسار الرياضة فيشمل رياضات مثل المبارزة ورماية السهام. تنطلق اليوم فعاليات برنامج #آفاق_الدرعية 2025، حيث سيبدأ طلاب الدرعية المبدعون رحلتهم عبر المسارات الستة للبرنامج. تابعوا قصصهم وإبداعاتهم خلال الأسابيع القادمة. — هيئة تطوير بوابة الدرعية (@DGDA_SA) July 27, 2025 إلى ماذا يهدف آفاق الدرعية؟ يهدف البرنامج الذي يُقام من الأحد إلى الخميس من الساعة 6:00م إلى 10:00م إلى: تنمية جيل واعٍ ومتمكن، يُجسّد قيم الشباب السعودي ، ويحمل إرث الدرعية الأصيل؛ لتنمية شعورهم بالفخر ورفع مستوى الوعي الثقافي والتاريخي لديهم. تنمية الابتكار وتشجيع الإبداع وتطوير الحلول الإبداعية للمشكلات الواقعية. تعزيز مهارات القيادة لديهم، لتمكينهم من التواصل بشكلٍ فعّال وصناعة القرار والعمل الجماعي. اكتساب الخبرة وتعلّم المهارات على أصعدة مختلفة.

السعودية تطلق أول وحدة لالتقاط الكربون من الهواء مباشرة
السعودية تطلق أول وحدة لالتقاط الكربون من الهواء مباشرة

العربية

timeمنذ 2 ساعات

  • العربية

السعودية تطلق أول وحدة لالتقاط الكربون من الهواء مباشرة

أعلن الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، تشغيل أول وحدة اختبار من نوعها في المملكة لتقنية التقاط الكربون من الهواء مباشرة، وذلك في مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك) بالرياض، بالشراكة مع شركة "كلايموركس" العالمية المتخصصة في تقنيات احتجاز الكربون. وبدأت الوحدة المتنقلة أعمالها فعلياً داخل مرافق المركز، حيث تعمل على التقاط غاز ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الغلاف الجوي، وهو ما يُعد إثباتا عمليا لنجاح هذه التقنية حتى في الظروف المناخية الحارة والجافة التي تميز البيئة السعودية، بحسب الموقع الرسمي لوزارة الطاقة السعودية. ويأتي تشغيل هذه الوحدة في إطار التزام المملكة بمبادئ الاقتصاد الدائري للكربون، وسعيها لتطبيق تقنيات متقدمة تسهم في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 وخططها المناخية، بما في ذلك الوصول إلى الحياد الصفري للانبعاثات الكربونية بحلول عام 2060. إنجاز جديد في مسيرة الاستدامة وأكد وزير الطاقة أن هذه الخطوة تمثل إنجازًا وطنيًا جديدًا في مسيرة الاستدامة، وتعكس جهود المملكة لتبني حلول ابتكارية تواكب التحول العالمي في قطاع الطاقة. ويُعد مركز "كابسارك" من الجهات البحثية الرائدة في المنطقة في مجالات الطاقة والاستدامة، ويمثل منصة علمية لتجربة وتقييم التقنيات الناشئة. كما أن الشراكة مع شركة "كلايموركس" تعزز فرص تطوير وتوطين تقنيات التقاط الكربون، ما يسهم في تنويع الاقتصاد وخفض الانبعاثات، وتوسيع تطبيقات التقنية في مشاريع أخرى داخل المملكة وخارجها. ويمثل تشغيل هذه الوحدة بدايةً لتجارب أوسع تهدف إلى رفع كفاءة احتجاز الكربون وتقييم جدواها الاقتصادية في البيئة المحلية، لتكون أحد الأعمدة الداعمة لاستراتيجية السعودية في قيادة الجهود العالمية لمعالجة التغير المناخي.

"موهبة" تختتم برامجها الإثرائية الصيفية
"موهبة" تختتم برامجها الإثرائية الصيفية

الرياض

timeمنذ 9 ساعات

  • الرياض

"موهبة" تختتم برامجها الإثرائية الصيفية

اختتمت مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة"، برامجها الإثرائية الصيفية لعام 2025، التي نُفذت بالشراكة مع وزارة التعليم و70 جهة علمية من الجامعات والمراكز البحثية والمستشفيات، بمشاركة أكثر من 13,400 طالبٍ وطالبة من مختلف مناطق المملكة. وتعد البرامج الإثرائية الصيفية، التي نُفذت على مدى شهرٍ كاملٍ في 24 مدينة ومحافظة سعودية، إحدى أكبر التظاهرات التعليمية والنوعية غير الصفية على مستوى الدول العربية والشرق الأوسط، بنمطيها الحضوري والافتراضي، وتمثل ركيزة أساسية في رحلة اكتشاف ورعاية الموهوبين. وقدّمت "موهبة" من خلال 105 برامج نوعية تجارب تعليمية وبحثية متقدمة في مجالات STEM، والذكاء الاصطناعي، وعلم البيانات، والأمن السيبراني، والطاقة المتجددة، والهندسة، والطب الحيوي، والرياضيات المتقدمة، والتصميم الإبداعي، والتحقيق الرقمي، وغيرها من التخصصات التي تُحاكي احتياجات المستقبل، وتواكب تطورات الثورة الصناعية الرابعة. وشملت البرامج أربعة مسارات رئيسة، منها البرنامج الأكاديمي الذي يُنمّي معارف الطلبة في التخصصات العلمية، والبرنامج العالمي الذي يقدّمه خبراء دوليون في مجالات متقدمة، والبرنامج البحثي الذي يتيح للطلبة تنفيذ بحوث علمية تطبيقية بإشراف باحثين متخصصين، إلى جانب برامج إثرائية تقنية وإبداعية تركز على مهارات المستقبل. وعاش الطلبة خلال البرامج تجربة تعليمية نوعية من خلال العمل الميداني والتدريب المكثف في الجامعات والمراكز المتخصصة، تحت إشراف نخبة من الخبراء والمدربين المحليين والدوليين، ضمن بيئات تعليمية محفزة تجمع بين النظرية والتطبيق، وتراعي احتياجات الطلبة الموهوبين واهتماماتهم. وأوضحت "موهبة" أن هذه البرامج تستهدف سنويًا طلبة التعليم العام من الصف الثالث الابتدائي وحتى الثالث الثانوي، ممن رُشِّحُوا بناء على نتائج "مقياس موهبة للقدرات العقلية المتعددة"، واجتازوا مراحل تأهيل متعددة ضمن منظومة وطنية تبدأ بالاكتشاف، وتمتد حتى التمكين. وأشاد الطلبة وأولياء الأمور بالتجربة التي وصفوها بالثرية والمُلهمة، مشيرين إلى أن البرامج أسهمت في توسعة مداركهم، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وتزويدهم بمهارات البحث والتفكير العلمي، داعين إلى استمرار هذه المبادرات النوعية التي تفتح آفاق المستقبل أمام الشباب السعودي. ويعكس الإقبال الكبير على البرامج الإثرائية تنامي الوعي المجتمعي بأهمية رعاية العقول الشابة وتوجيهها نحو مسارات التميز، كما يُجسد التزام المؤسسة بتأهيل جيل سعودي مبدع، يمتلك أدوات العصر، ويقود التحول الوطني ضمن رؤية المملكة 2030، لبناء اقتصادٍ قائمٍ على الابتكار والمعرفة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store