logo
دروس الردع في حرب أوكرانيا... «السيف والدرع» بأسلحة المستقبل

دروس الردع في حرب أوكرانيا... «السيف والدرع» بأسلحة المستقبل

الشرق الأوسط١٣-٠٥-٢٠٢٥
عندما ابتُكرت المركبات، تبدلّت وظيفة الحصان في الحروب بصفته قوّة صدم. أعطى هذا الابتكار الفارس - المقاتل حريّة الحركة والمناورة أثناء الركوب، والقدرة على استعمال سلاحه بحريّة وليونة. أمّن الحصان لحروب المغول الدمويّة جدّاً، الليونة، المناورة، والقدرة على تنفيذ مبدأ «الحرب الخاطفة»، ليبنوا بذلك أكبر امبراطوريّة مترابطة جغرافياً في التاريخ. بعد الحصان حلّت الدبابة قوّةَ صدم أساسية في الحروب ابتداءً من الحرب العالميّة الأولى.
هكذا هي حال التكنولوجيا والحرب في العلاقة الجدلية. يحتاج المرء إلى تكنولوجيا جديدة للنصر فينتجها. تغير هذه التكنولوجيا شكل وخصائص الحرب المستقبليّة؛ الأمر الذي يستلزم ابتكارات جديدة في الفكر الاستراتيجيّ، العملاني والتكتيكي على حد السواء. وإذا تغيرت الخصائص، لا بد من صنع تكنولوجيا جديدة ترتكز على ما قبلها، لكنها تقفز في الزمن إلى المستقبل. وإذا ابتكرت تكنولوجيا جديدة، فلا بد من تغيير هرميّة وتركيبة الجيوش، كما تعديل التوصيف الوظيفيّ للمقاتل. ألم تُبتكر بسبب التكنولوجيا الحديثة الحالية تسمية «العريف الاستراتيجي»؟ والمقصود بذلك مدى عمق ثقافة المقاتل العاديّ المطلوبة للقتال في العصر الرقميّ. ألا تُصنّف الحروب عبر أجيال متعدّدة؟ جيلاً أول، ثانياً، ثالثاً ورابعاً؟ باختصار، تعدّ التكنولوجيا أنها «مُضاعف لقوّة الإنسان» في الحرب.
من المعروف أن سباق التسلّح في الحروب بين الدول المتقاتلة والمتنافسة يتّبع ما يُسمّى مبدأ «السيف والدرع»، وذلك حسب ما قال جنرال فرنسيّ. المقصود بالسيف، هو ذلك الابتكار في السلاح الذي يقلب موازين القوى. أما الدرع، فهو عندما يتمّ ابتكار سلاح مُضاد للسيف؛ الأمر الذي يُعيد التوازن. وعند توازن السيف مع الدرع، تتظهّر معادلة «الردع». وفي كل حالة من الحالات هذه، لا بد من التعديل في العقيدة العسكريّة للجيوش.
عند ابتكار سلاح معيّن، يُعدّ هذا الأمر أنه حاجة ضروريّة ومُلحّة. لكن فكرة الابتكار، وكي تصل إلى الاستعمال في حقل المعركة، فلا بد من أن تمرّ بثلاث مراحل، هي: التصميم، والاختبار ومن ثمّ الدمج في المنظومة العسكريّة. وهذه المراحل الثلاث، تستلزم وقتاً طويلاً (الدورة الزمنيّة). لكن دمج السلاح في المنظومة العسكريّة، لا يعني الاستعمال الفوريّ كي يُختبر هذا السلاح. فهناك الكثير من منظومات الأسلحة التي لم تُختبر إطلاقاً. كما أن هناك الكثير من المنظومات، التي اختُبرت وأثبتت عدم جدواها.
شكَّل صاروخ «هايمارس» الأميركي لأوكرانيا «السيف» الذي قلب الموازين لصالح أوكرانيا. خصوصاً وأن «هايمارس»، بدقته كما بقدرته التدميريّة (راس حربي وزن 90 كلغ) كان قادراً على ضرب العمود الفقري للجيش الروسي: الخطوط اللوجيستيّة وسكك الحديد، كما التجمعات. ردّ «الدرع» الروسيّ على السيف «هايمارس»، عبر الأمور التالية: التشويش؛ كون الصاروخ يستعمل نظام الـ«جي بي إس»، تغيير تكتيك التقدّم، وضع اللوجيستيّة في العمق وعلى مسافات لا يطولها الـ«هايمارس» (نحو 80 كلم).
بعد أن تسيّدت المسيَّرات الأوكرانية العاديّة مسرح الحرب في أوكرانيا، وشكّلت السيف الأوكراني الذي عوّض عن الكثير، وعن مدفعية الميدان بسبب شحّ الذخيرة، عوّضت روسيا «بالدرع» الإيراني عبر استيراد المسيّرات من إيران أولاً. وبدء التصنيع المحلّي ثانياً. كذلك الأمر، حسّنت روسيا «سيف» التشويش (Jamming) على المسيَّرات الأوكرانيّة، مع ابتكار طريقة جديدة للتحكّم بالمسيّرات باستعمال الألياف البصريّة المَادة للتشويش. استعملت روسيا هذا الابتكار الجديد خلال معركة استرداد إقليم كورسك الروسيّ. قلّدت أوكرانيا الابتكار الروسي للمسيرات الجديدة، وبدأت تصنيعها في الداخل الأوكراني. كما ابتكرت أوكرانيا تكتيكاً جديداً يقوم على ما يلي: استعمال المسيَّرة الجديدة غير القابلة للتشويش لتدمير مراكز التشويش الروسيّة. وبعدها، إرسال الكثير من المسيّرات العاديّة (Swarming) لضرب الوحدات العسكريّة الروسيّة، خصوصاً المدرّعات.
ولأن أوكرانيا تُعدّ مسرح الاختبار الأساسي لمنظومات الأسلحة في أوروبا والعالم، ولأنه حتى الآن، تم استعمال كل أنواع الأسلحة فيها، وفي كل الأبعاد: جو، بحر، برّ، سيبراني، ومن يدري حول النوويّ... فإنها قدّمت خدمة لصناع الأسلحة، بحيث قصّرت «الدورة الزمنيّة» بين دمج السلاح في المنظومات العسكريّة، وبين التجربة والتعديل إلى حدّها الأدنى.
يقول بعض الخبراء، إن المسرح الأوكراني يعكس خصائص الحرب العالمية الأولى، حيث الخنادق. كما خصائص الحرب الثانية، حيث حرب المناورة، باستثناء النووي. لكن الإضافة تتمثّل بحرب المسيّرات، وتسريع نضجها إلى الحد الأقصى. لذلك؛ يعدّ الكثير من الخبراء أن حرب المسيَّرات ستُغيّر شكل الحرب المستقبليّة وخصائصها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ذكرت «وول ستريت جورنال» أن الجيش الأميركي سيزوّد كل فرقة عسكرية من فرقه في الخدمة الفعليّة (عددها 10) بنحو 1000 مسيَّرة قبل نهاية عام 2026.
إذا كانت كل أشكال الحرب تتظهّر على الأرض الأوكرانيّة حالياً، فإن الثمن بالأرواح البشريّة هو كبير جدّاً. يقول ديفيد آكس، من مجلّة «فوربس»، إنه إذا استمرّت الحرب على هذا المنوال، فلن تستطيع روسيا السيطرة على كل أوكرانيا حتى عام 2256، ومع تكلفة بشرية قد تصل إلى مليون ومائة ألف قتيل. في مكان آخر، ذكرت أولغا أفشينا، من «بي بي سي» أنه في بعض مراحل الحرب الروسيّة على أوكرانيا وصلت تكلفة كل كيلومتر جديد تحتله روسيا إلى 27 قتيلاً.
بالإمكان عدّ أن أوكرانيا هي مسرح التجربة بامتياز للأسلحة والتكتيك على المستوى الاستراتيجي.
والآن يمكن القول إن المناوشات التي حصلت بين الهند وباكستان، وفَّرت مسرحاً جديداً على المستوى التكتيكي، لتجربة الأسلحة، الصينيّة، والأميركيّة، والفرنسيّة والإسرائيليّة، ومنها من هو من صنع محلّي.
كما وقعت الاشتباكات في ظلّ ديناميكيّة جيوسياسيّة جديدة مختلفة عن الديناميكيّة الأوروبيّة، حيث تسعى كل من الصين والهند للتموضع بصفتها لاعباً أساسيّاً في النظام العالميّ المُرتقب، وذلك تحت المظلّة النوويّة الرادعة للبلدين؛ ما سهّل في نهاية المطاف بإقناع البلدين بالتراجع عن حافة الهاوية وإبرام اتفاق لوقف النار.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

5 عادات بالهواتف تعزز قوة الدماغ
5 عادات بالهواتف تعزز قوة الدماغ

عكاظ

timeمنذ 12 ساعات

  • عكاظ

5 عادات بالهواتف تعزز قوة الدماغ

أثبتت دراسات حديثة، أن استخدام الهواتف الذكية بطرق معينة يساعد في تعزيز صحة الدماغ وزيادة التركيز وتقوية الذاكرة والوظائف المعرفية، منها: القراءة اليومية الرقمية تدوين الملاحظات حل الألغاز الذكية التأمل عبر التطبيقات متابعة المحاضرات العلمية أخبار ذات صلة

"وكالة الفضاء" تطلق جائزةعلى الابتكار للجهات غير الربحية
"وكالة الفضاء" تطلق جائزةعلى الابتكار للجهات غير الربحية

الرياض

timeمنذ 15 ساعات

  • الرياض

"وكالة الفضاء" تطلق جائزةعلى الابتكار للجهات غير الربحية

أطلقت وكالة الفضاء السعودية, جائزة "مدار الأثر" التي تستهدف الجهات غير الربحية العاملة في قطاع الفضاء داخل المملكة، بهدف تعزيز الابتكار وتحفيز المبادرات الريادية التي تنسجم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، وتسهم في تحقيق نمو مستدام لقطاع الفضاء الوطني. وتهدف الجائزة إلى تسليط الضوء على المبادرات النوعية للجهات غير الربحية، وإبراز أثرها العلمي والمجتمعي، وتشجيع تقديم مبادرات ابتكارية تجسد التميز وتعكس روح الإبداع. وأوضحت الوكالة الإطار الزمني للجائزة التي فُتح باب استقبال المشاركات فيها 6 يوليو ويستمر حتى 30 سبتمبر 2025م، على أن يُخصص شهر أكتوبر وحتى نهاية نوفمبر لمرحلة التقييم، وسيتم الإعلان عن الفائزين في 4 ديسمبر، داعية الجهات الراغبة بالمشاركة إلى التسجيل عبر موقعها الرسمي: وتأتي هذه الجائزة امتدادًا لجهود الوكالة في ترسيخ مكانة المملكة عالميًا في قطاع الفضاء، عبر إطلاقها سلسلة من المبادرات الإستراتيجية الرائدة، من أبرزها مبادرة "الفضاء مداك" التي مكنت الطلبة السعوديين والعرب من تصميم وتنفيذ تجارب علمية أرسلت إلى محطة الفضاء الدولية، ومبادرة "رفع الوعي والمعرفة بالفضاء وعلومه" التي تقدم محتوى علميًا ملهمًا يعزز الشغف بالعلوم، إلى جانب مسابقة "أبعاد" للتصوير الفلكي التي تسلط الضوء على جماليات الكون بعدسات المبدعين, وتؤكد هذه المبادرات الدور الريادي للوكالة في دعم الاقتصاد المعرفي وتعزيز حضور المملكة وجهةً عالميةً في مجال الفضاء.

إطلاق جائزة مدار الأثر لتكريم الجهات غير الربحية على الابتكار والإبداع بقطاع الفضاء في السعودية
إطلاق جائزة مدار الأثر لتكريم الجهات غير الربحية على الابتكار والإبداع بقطاع الفضاء في السعودية

مجلة سيدتي

timeمنذ يوم واحد

  • مجلة سيدتي

إطلاق جائزة مدار الأثر لتكريم الجهات غير الربحية على الابتكار والإبداع بقطاع الفضاء في السعودية

أطلقت وكالة الفضاء السعودية، جائزة مدار الأثر التي تستهدف الجهات غير الربحية العاملة في قطاع الفضاء داخل السعودية، بهدف تعزيز الابتكار وتحفيز المبادرات الريادية التي تنسجم مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، وتسهم في تحقيق نمو مستدام لقطاع الفضاء الوطني. ووفقًا لوكالة الأنباء السعودية، تهدف الجائزة إلى تسليط الضوء على المبادرات النوعية للجهات غير الربحية، وإبراز أثرها العلمي والمجتمعي، وتشجيع تقديم مبادرات ابتكارية تجسد التميز وتعكس روح الإبداع. رابط التسجيل بجائزة مدار الأثر وأوضحت الوكالة الإطار الزمني للجائزة التي فُتح باب استقبال المشاركات فيها 6 يوليو ويستمر حتى 30 سبتمبر 2025م، على أن يُخصص شهر أكتوبر وحتى نهاية نوفمبر لمرحلة التقييم، وسيتم الإعلان عن الفائزين في 4 ديسمبر، داعية الجهات الراغبة بالمشاركة إلى التسجيل عبر موقعها الرسمي: هنا. وتأتي هذه الجائزة امتدادًا لجهود الوكالة في ترسيخ مكانة السعودية عالميًا في قطاع الفضاء، عبر إطلاقها سلسلة من المبادرات الإستراتيجية الرائدة، من أبرزها مبادرة "الفضاء مداك" التي مكنت الطلبة السعوديين والعرب من تصميم وتنفيذ تجارب علمية أرسلت إلى محطة الفضاء الدولية، ومبادرة "رفع الوعي والمعرفة بالفضاء وعلومه" التي تقدم محتوى علميًا ملهمًا يعزز الشغف بالعلوم، إلى جانب مسابقة "أبعاد" للتصوير الفلكي التي تسلط الضوء على جماليات الكون بعدسات المبدعين، وتؤكد هذه المبادرات الدور الريادي للوكالة في دعم الاقتصاد المعرفي وتعزيز حضور السعودية وجهةً عالميةً في مجال الفضاء. عن وكالة الفضاء السعودية تعمل وكالة الفضاء السعودية على تحقيق رؤية السعودية الطموحة لتصبح مركزًا عالميًا رائدًا في مجال الفضاء، من خلال المساهمة في تحقيق التقدم العلمي والاقتصادي المحلي عبر الابتكار واستكشاف الفضاء، كما تركز الوكالة على تعزيز التعاون الدولي وتنمية القدرات الوطنية، وتهيئة بيئة مشجعة على الابتكار، بالإضافة إلى دعم الاستثمارات في مجالات علوم الفضاء واستكشافها. وتتمثل أهداف الوكالة في: تعزيز مكانة المملكة كمركز إقليمي وعالمي في علوم الفضاء. توطين علوم وتقنيات الفضاء وتطويرها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store