logo
فرنسا والاعتراف بالدولة الفلسطينية: تحول إستراتيجي أم التفاف على الكارثة؟

فرنسا والاعتراف بالدولة الفلسطينية: تحول إستراتيجي أم التفاف على الكارثة؟

الجزيرةمنذ يوم واحد
في خضم المجازر اليومية والكارثة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، ومع التوسع الاستيطاني غير المسبوق في الضفة الغربية، جاء تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول نية فرنسا الاعتراف بـ"دولة فلسطينية قابلة للحياة" في شهر سبتمبر/ أيلول 2025 كحدث لافت.
هذا الإعلان، الذي يحمل طابعًا سياسيًّا ودبلوماسيًّا حساسًا، يثير تساؤلات عديدة حول دوافع فرنسا، وتوقيت الخطوة، ومدى جديتها، وكذلك حول تأثيرها على القضية الفلسطينية، وعلى موازين القوى في المنطقة، وعلى العلاقات الأوروبية الإسرائيلية.
السياق العام للإعلان
يأتي هذا التصريح في وقت حرج؛ فمنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشهد فلسطين عدوانًا إسرائيليًّا مدمرًا، وصل في قطاع غزة إلى مستويات من التجويع والتدمير لا يمكن تبريرها بأي منطق.
العالم يشاهد، وتتوالى التقارير عن مجاعة في الشمال، وانهيار النظام الصحي، وفقدان مئات الآلاف لمنازلهم.. كل هذا يجري وسط تواطؤ دولي وصمت رسمي من قوى غربية عديدة، بما فيها فرنسا، التي اكتفت منذ بداية الحرب بتصريحات عامة تدين "الإرهاب" وتدعو لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
لكن مع تصاعد الغضب الشعبي في الشارع الأوروبي، وازدياد الضغوط الداخلية في فرنسا تحديدًا، حيث تعيش أكبر جالية مسلمة في أوروبا الغربية، لم يعد ممكنًا لباريس الاستمرار في التواطؤ الصامت.
هنا جاء تصريح ماكرون في محاولة لإعادة التوازن لموقفه السياسي، وتقديم "حل وسط" يُظهر فرنسا كداعم للعدالة، دون التصادم المباشر مع إسرائيل أو الولايات المتحدة.
مفهوم "الدولة القابلة للحياة"
إن إعلان فرنسا لا يتحدث عن "الاعتراف بدولة فلسطينية" بشكل مباشر أو غير مشروط، بل يربط ذلك بما أسماه ماكرون "دولة قابلة للحياة". هذا المصطلح الفضفاض كثيرًا ما استُخدم في الخطاب الغربي للتهرب من الاعتراف بدولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
"قابلة للحياة" بحسب التفسير الغربي تعني دولة:
لا تشكل "تهديدًا أمنيًّا" لإسرائيل.
تقبل نزع سلاح المقاومة.
تقبل وجود قوات مراقبة دولية.
لا تكون لها سيطرة على المعابر والحدود والمجال الجوي.
هذا التعريف في جوهره ينزع من الدولة سيادتها ويُبقيها كيانًا وظيفيًّا خاضعًا للرقابة الدولية والإسرائيلية. فهل هذا ما تريده فلسطين؟ وهل هذه الدولة تمثل طموحات الشعب الفلسطيني الذي يناضل منذ أكثر من قرن من أجل تقرير مصيره؟
دوافع فرنسا الحقيقية
رغم أهمية هذا الإعلان على المستوى الرمزي، فإنه لا يمكن فصله عن الحسابات السياسية البحتة التي تحرك السياسة الخارجية الفرنسية، وتشمل:
محاولة استعادة النفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط، خاصة بعد تراجع دور فرنسا في الملفين؛ اللبناني والسوري.
امتصاص الغضب الداخلي الناتج عن تزايد حملات التضامن مع غزة داخل المجتمع الفرنسي.
محاولة ضبط التوازن بين العلاقات التاريخية مع إسرائيل والعلاقات المتوترة مع الجاليات المسلمة.
الرد على التحركات الأوروبية (مثل أيرلندا، إسبانيا، النرويج) التي اعترفت رسميًّا بدولة فلسطين في مايو/ أيار 2025.
وبالتالي، فإن ماكرون لا يتحرك بدافع إنساني أو قانوني بحت، بل تحت ضغط مركب من السياسة الداخلية والواقع الدولي.
التأثير السياسي والإقليمي للقرار
على الصعيد الفلسطيني:
قد يمنح هذا الاعتراف دفعة معنوية للموقف الفلسطيني في الساحة الدولية، وخاصة إذا تبعه اعتراف دول أوروبية أخرى كألمانيا أو بلجيكا أو السويد، كما قد يعزز موقف السلطة الفلسطينية في المنظمات الدولية، ويزيد الضغوط على الاحتلال.
ولكن، هناك خطر أن يُستخدم هذا الاعتراف كوسيلة للضغط على القيادة الفلسطينية للعودة إلى طاولة المفاوضات بشروط مجحفة، تحت عنوان "نحن نعترف بدولتكم، وعليكم الآن القبول بالتسوية".
على إسرائيل:
سترفض إسرائيل بشدة هذا الاعتراف، كما فعلت سابقًا مع أيرلندا وإسبانيا، وستعتبره "مكافأة للإرهاب"، وقد ترد بتشديد عدوانها وفرض مزيد من العقوبات على السلطة الفلسطينية، كما قد تحرك اللوبيات الصهيونية في فرنسا لإضعاف ماكرون سياسيًّا.
على الدول العربية:
قد يحفّز هذا الاعتراف بعض الدول العربية "المترددة" للعودة إلى دعم فلسطين بشكل علني، وخاصة في ظل تصاعد الأصوات الشعبية ضد التطبيع. لكن في المقابل، قد تستخدم بعض الأنظمة هذا الاعتراف لتبرير صمتها قائلة: "دعوا الأوروبيين يتكفلون".
على الرأي العام الدولي:
سيُعتبر هذا الإعلان، إن حدث فعليًّا، إنجازًا لحركات التضامن العالمي، وإثباتًا أن الضغط الشعبي يمكن أن يغيّر مواقف الحكومات. وقد يفتح الباب لمزيد من المحاكمات والمساءلات القانونية، خاصة في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية.
ما هو المطلوب فلسطينيًّا؟
لكي لا يكون هذا الاعتراف مجرد ورقة رمزية، على القيادة الفلسطينية والقوى الوطنية الفلسطينية أن:
ترفض أي صيغة "منقوصة" للدولة، لا تشمل السيادة الكاملة على الأراضي المحتلة عام 1967.
– تطالب باعتراف صريح بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين.
تربط الاعتراف بوقف الحرب والحصار فورًا.
تستثمر الاعتراف لتوسيع التحرك القانوني والدبلوماسي في المنظمات الدولية.
ترفض أي ضغوط لفرض تسوية جديدة تنكر حق العودة، وتبقي الاحتلال بأشكال أخرى.
في النهاية، فإن خطوة فرنسا- رغم تأخرها الكبير- تمثل علامة تحوّل مهمة إن تم تنفيذها بجدية، وبما ينسجم مع القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة. أما إذا كانت مجرد محاولة لتخفيف الضغط الداخلي والتغطية على العجز الغربي تجاه غزة، فستتحول إلى صفعة أخرى مغطاة بالحرير.
الشعوب العربية، والجاليات الفلسطينية، وحركات التضامن العالمية، مطالبة بالبقاء يقظة ومواصلة الضغط على الحكومات الغربية، ليس فقط للاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل لمحاسبة الاحتلال، وإنهاء نظام الفصل العنصري الإسرائيلي برمّته.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بالخرائط.. شاهد كيف قطعت "حنظلة" المتوسط نحو غزة قبل أن يعترضها الاحتلال
بالخرائط.. شاهد كيف قطعت "حنظلة" المتوسط نحو غزة قبل أن يعترضها الاحتلال

الجزيرة

timeمنذ 19 دقائق

  • الجزيرة

بالخرائط.. شاهد كيف قطعت "حنظلة" المتوسط نحو غزة قبل أن يعترضها الاحتلال

احتجزت قوات الاحتلال الإسرائيلي في وقت مبكر من صباح الأحد سفينة "حنظلة" التابعة لأسطول الحرية بعد اقترابها من كسر الحصار البحري المفروض على قطاع غزة ، في خطوة أعادت إلى الواجهة الجهود الشعبية الدولية المناهضة للحصار. وأبحرت السفينة حنظلة من ميناء غاليبولي الإيطالي في 20 يوليو/تموز 2025، قاطعة مسافة تقديرية تتجاوز ألف كيلومتر عبر البحر الأبيض المتوسط، مرورا قبالة سواحل اليونان ومصر، قبل أن تعترضها البحرية الإسرائيلية قبالة شواطئ غزة، على بُعد نحو 100 كيلومتر من الساحل، وفي عمق المياه الدولية. وكان من المقرر أن تصل "حنظلة" إلى القطاع خلال أقل من 10 أيام من إبحارها، في مهمة رمزية وسلمية لنقل رسالة تضامن مع المدنيين المحاصرين، لا سيما الأطفال. لكن البحرية الإسرائيلية نفذت عملية الاعتراض عند الاقتراب من النقطة البحرية التي عادة ما يتم فيها توقيف سفن كسر الحصار، وفق ما تُظهره بيانات الرحلات السابقة. والسفينة كانت تحمل على متنها 21 شخصا، بينهم 19 ناشطا من 10 دول، وصحفيان من شبكة الجزيرة الإعلامية، هما محمد البقالي من المغرب، وواعد الموسى من الولايات المتحدة. وقد تم اقتياد الجميع إلى جهة مجهولة، في ظل تنديد حقوقي متصاعد واتهامات لإسرائيل بانتهاك القانون الدولي واعتراض سفينة مدنية في المياه الدولية. سلسلة طويلة من الاعتراضات البحرية حادثة اعتراض "حنظلة" تأتي في سياق تاريخ طويل من المحاولات المدنية لكسر الحصار، بدأت منذ عام 2010، حين اقتحمت قوات الاحتلال سفينة "مافي مرمرة" التابعة لأسطول الحرية الأول وقتلت 10 نشطاء على متنها، مما فجّر موجة غضب عالمي واسعة. ومنذ ذلك الحين، أطلقت التحالفات التضامنية مع فلسطين عدة حملات بحرية أبرزها "أسطول الحرية 2″ في 2011، و"الحرية لغزة" في 2015، و"الضمير" في 2025، لكن جميعها واجهت اعتراضا إسرائيليا متكررا في عرض البحر، داخل المياه الدولية، وهو ما تعتبره منظمات حقوقية "انتهاكا صارخا للقانون الدولي". إعلان وتشير بيانات تحالف أسطول الحرية إلى أن 7 سفن على الأقل تم توقيفها سابقا في مواقع مختلفة من البحر المتوسط قبل وصولها إلى غزة، في انتهاك واضح للسيادة البحرية ولحق التنقل السلمي. رسالة إنسانية تتجدد حمل الناشطون على متن "حنظلة" رسائل دعم معنوي للشعب الفلسطيني، لا سيما الأطفال الذين يواجهون خطر المجاعة والمرض وسط حصار خانق واستهداف متواصل. ورفعت على السفينة لافتات كُتبت بعدة لغات تطالب بوقف الإبادة وتدعو لمزيد من الحب والسلام، في تعبير عن التضامن الدولي مع غزة المحاصرة. وتأتي هذه المحاولة الجديدة في وقت يشهد فيه القطاع أوضاعا إنسانية مأساوية، وسط تقارير دولية تؤكد تفشي المجاعة وسقوط ضحايا جوعا، مما يزيد من زخم التحركات الشعبية والدولية المطالبة بكسر الحصار.

ترامب يعلن التوصل لاتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي
ترامب يعلن التوصل لاتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي

الجزيرة

timeمنذ 19 دقائق

  • الجزيرة

ترامب يعلن التوصل لاتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب -اليوم الأحد- التوصل إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي ، إثر اجتماع مع رئيسة مفوضية التكتل أورسولا فون دير لاين في أسكتلندا. وقال ترامب للصحفيين بعد محادثاته مع فون دير لاين في منتجعه العائلي للغولف في تيرنبيري بأسكتلندا: "لقد توصلنا إلى اتفاق. إنه اتفاق جيد للجميع"، كما أشادت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي بالاتفاق، ووصفته بأنه "جيد". رسوم بنسبة 15% وأضاف أن الاتفاق يتضمن فرض رسوم جمركية بنسبة 15% على السلع الأوروبية التي تدخل السوق الأميركية، إلى جانب مشتريات أوروبية كبيرة من الطاقة والعتاد العسكري الأميركي. ويشمل الاتفاق كذلك استثمارات أوروبية بقيمة 600 مليار دولار داخل الولايات المتحدة. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن الاتفاق يتضمن فرض رسوم جمركية بنسبة 15%، مشيرة إلى أن الخطوة تهدف إلى إعادة التوازن في العلاقات التجارية بين الطرفين.

نتنياهو يتوعد حماس ويهاجم الأمم المتحدة
نتنياهو يتوعد حماس ويهاجم الأمم المتحدة

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

نتنياهو يتوعد حماس ويهاجم الأمم المتحدة

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، اليوم الأحد، إن حكومته تواصل التقدم في العمليات العسكرية و"ستدمر" حركة حماس في قطاع غزة ، بالتوازي مع مفاوضات تهدف إلى إعادة المحتجزين الإسرائيليين من القطاع. وجاءت تصريحات نتنياهو خلال زيارة إلى قاعدة "رامون" الجوية (جنوب) التابعة لسلاح الجو، برفقة وزير الدفاع يسرائيل كاتس ، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت". وأضاف نتنياهو: "نقاتل في قطاع غزة، وللأسف لدينا قتلى ومصابون، وأكد أن الهدف واضح، وهو القضاء على حركة حماس، وسنحققه مهما طال الزمن". وادعى نتنياهو الاستمرار في إدخال ما سماه "الحد الأدنى" من المساعدات الإنسانية، واتهم الأمم المتحدة بـ"اختلاق الأعذار وترويج الأكاذيب ضد إسرائيل"، وفق قوله. وزعم رئيس الحكومة الإسرائيلية أن هناك مسالك آمنة للمساعدات كانت موجودة طوال الوقت، واليوم أصبحت رسمية. ولا مجال للأعذار بعد الآن، حسب زعمه. وتأتي هذه التصريحات، بعد ساعات من إعلان الجيش الإسرائيلي، "سماحه" بإسقاط كميات محدودة من المساعدات على غزة، وبدء ما أسماه "تعليقا تكتيكيا محليا للأنشطة العسكرية" في مناطق محددة بقطاع غزة. وتتزامن تلك الخطوة الإسرائيلية مع تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية نتيجة استفحال المجاعة بالقطاع وتحذيرات من خطر موت جماعي يهدد أكثر من 100 ألف طفل في القطاع، إلى جانب استهداف الجيش الإسرائيلي المجوّعين من منتظري المساعدات. وانتقدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " أونروا" الإنزال الجوي الإسرائيلي للمساعدات في غزة، مؤكدة أنه "لن ينهي" المجاعة المتفاقمة. ومطلع مارس/آذار الماضي، تنصلت إسرائيل من اتفاق وقف إطلاق نار وتبادل أسرى مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بدأ في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، واستأنفت الإبادة، ومنذ ذلك الحين ترفض جميع المبادرات والمطالبات الدولية والأممية لوقف إطلاق النار. وحسب أحدث حصيلة لوزارة الصحة بغزة، صباح الأحد، ارتفع عدد الشهداء جراء المجاعة وسوء التغذية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 133 فلسطينيا، بينهم 87 طفلا. وتغلق إسرائيل منذ 2 مارس/آذار الماضي، جميع المعابر مع القطاع وتمنع دخول معظم المساعدات الغذائية والطبية، ما تسبب في تفشي المجاعة داخل القطاع. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية بغزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، مخلفة أكثر من 204 آلاف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store