
حماس تعلن موافقتها على إطلاق سراح 10 محتجزين إسرائيليين في إطار محادثات الهدنة
وقالت الحركة في بيان: 'في إطار حرصنا على إنجاح المساعي الجارية، أبدينا المرونة اللازمة، ووافقنا على إطلاق سراح عشرة أسرى (إسرائيليين أحياء)'.
وأضافت أن هناك 'نقاطا جوهرية تبقى قيد التفاوض، وفي مقدمتها: تدفق المساعدات، وانسحاب الاحتلال من أراضي القطاع، وتوفير ضمانات حقيقية لوقف دائم لإطلاق النار'.
وتابعت: 'على الرغم من صعوبة المفاوضات حول هذه القضايا حتى الآن بسبب تعنت الاحتلال، فإننا نواصل العمل بجدية وبروح إيجابية مع الوسطاء لتجاوز العقبات وإنهاء معاناة شعبنا وضمان تطلعاته في الحرية والأمن والحياة الكريمة'.
وأكدت حماس استمرار 'الجهود المكثفة والمسؤولة لإنجاح جولة المفاوضات الجارية، سعيا للتوصل إلى اتفاق شامل ينهي العدوان على شعبنا، ويؤمّن دخول المساعدات الإنسانية بشكل حر وآمن، ويخفف من المعاناة المتفاقمة في غزة'.
ولم يصدر عن الحكومة الإسرائيلية أي تعليق حتى الساعة 19:45 (ت.غ) بشأن بيان حركة حماس.
وقبيل بيان حماس ادعت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، نقلا عن مصدر مطلع على المفاوضات (لم تسمه)، أن إسرائيل أبدت خلال الساعات الأخيرة 'مرونة كبيرة' في المفاوضات الجارية بالدوحة بشأن الانسحاب من محور موراج جنوبي غزة.
والأربعاء أيضا، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن هناك 'فرصة' خلال الأسبوع الجاري أو الذي يليه للتوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى.
بدوره، دعا رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق غادي أيزنكوت، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى 'التخلي عن عناده' وإبرام صفقة فورية لإعادة الأسرى ووقف إطلاق النار 'بشكل دائم' بغزة، وفق ما نقلته القناة السابعة العبرية الخاصة، الأربعاء.
ومساء الثلاثاء، اجتمع ترامب مع نتنياهو في البيت الأبيض للمرة الثانية خلال 24 ساعة، وناقشا وقف إطلاق النار في غزة والتوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى.
وتتزامن زيارة نتنياهو إلى واشنطن التي بدأت الأحد، مع مفاوضات في الدوحة بين وفدي إسرائيل وحماس بوساطة قطرية مصرية، سعيا للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
ووفق 'يديعوت أحرونوت'، يدعو المقترح الذي يناقشه الطرفان إلى وقف إطلاق نار لمدة 60 يوما، والإفراج عن نصف الأسرى الإسرائيليين الأحياء (10) على مرحلتين، ثمانية في اليوم الأول واثنان في اليوم الخمسين، وإعادة 18 جثة على ثلاث مراحل، والإفراج عن أسرى فلسطينيين، وزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وبحسب المقترح، سيكون ترامب ضامنا للمفاوضات لإنهاء الحرب، وفق المصدر ذاته.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية في غزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة أكثر من 195 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.
(الأناضول)

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ 2 ساعات
- BBC عربية
غضب من خطة نقل سكّان غزة إلى "مدينة إنسانية" جنوبي القطاع، وحماس تعتبرها عقبة جديدة في طريق المفاوضات
يمثّل وقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً الذي يتم التفاوض عليه بين إسرائيل وحماس شريان حياة بالنسبة لسكّان قطاع غزة. كما أنه يُعتبر فرصة لإدخال كميات كبيرة من الغذاء والمياه والأدوية الضرورية بعد القيود الإسرائيلية الصارمة - وفي بعض الأحيان القيود الكاملة - على إيصال المساعدات. ولكن بالنسبة لوزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، فإن توقف العمليات العسكرية لمدة شهرين من شأنه أن يخلق فرصة لبناء ما سمّاها "مدينة إنسانية" على أنقاض مدينة رفح المدمرة جنوبي القطاع، لتؤوي جميع سكان غزة تقريباً، باستثناء أولئك المنتمين إلى الجماعات المسلحة. وبحسب الخطة، سيتم التدقيق أمنياً على الفلسطينيين قبل السماح لهم بالدخول إلى المدينة، ولن يُسمح لهم بالمغادرة. وقد ندد منتقدون محليون ودوليون، بهذا الاقتراح، ووصفته جماعات لحقوق الإنسان وأكاديميون ومحامون بأنه مخطط لبناء "معسكر اعتقال". ولكن من غير الواضح إلى أي مدى يمثل ذلك المقترح توجّهاً ملموساً لدى حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أو ما إذا كان مجرد أسلوب تفاوضي لزيادة الضغط على حماس في المحادثات بشأن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن. وفي ظل غياب أي خطة إسرائيلية واضحة بشأن غزة بعد انتهاء الحرب، فإن هذه الفكرة تملأ هذا الفراغ الاستراتيجي. وأطلع كاتس مجموعة من الصحفيين الإسرائيليين على الخطة، مشيراً إلى أن "المخيّم" الجديد من المقرر أن يستوعب في البداية نحو 600 ألف فلسطيني، وفي نهاية المطاف سيستوعب كل سكان القطاع البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة. وتتضمن خطته تولي الجيش الإسرائيلي تأمين الموقع عن بُعد، بينما تتولى هيئات دولية إدارته. وأوضح أنه سيجري إنشاء أربعة مواقع لتوزيع المساعدات في المنطقة. وأكد كاتس مجدداً رغبته في تشجيع الفلسطينيين على "الهجرة الطوعية" من غزة إلى دول أخرى. ولكن الاقتراح لم يحظ بالقبول أو الدعم بين كبار الشخصيات الأخرى في إسرائيل، ووفقاً للتقارير فإن الاقتراح أثار حتى صداماً بين رئيس الوزراء وقائد الجيش الإسرائيلي. وتقول وسائل إعلام إسرائيلية إن مكتب رئيس الأركان العامة، الفريق إيال زامير، أوضح أن الجيش غير ملزم بنقل المدنيين قسراً، كما تتطلب الخطة. وقيل إن الجنرال زامير ونتنياهو، تبادلا حواراً غاضباً خلال اجتماع مجلس الحرب الأخير. وقال تال شنايدر، المراسل السياسي في صحيفة تايمز أوف إسرائيل، التي تمثل التيار الوسطي في إسرائيل، إن زامير سيكون في موقف قوي لأن الحكومة "توسّلت إليه عملياً لتولي منصبه" قبل ستة أشهر، وقد أيد نتنياهو تعيينه بقوة. وليس كبار القادة العسكريين وحدهم من يعارضون الفكرة، إذ أن الاستياء كان حاضراً بين صفوف الجنود كذلك. وقال يوتام فيلك، جندي الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، خلال مقابلة مع بي بي سي من منزله في تل أبيب: "أي نقل للسكان المدنيين هو شكل من أشكال جرائم الحرب، وهو شكل من أشكال التطهير العرقي، الذي يعد أيضاً شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية". ويرفض الضابط السابق في سلاح المدرعات، البالغ من العمر 28 عاماً، الخدمة في الجيش بعد 270 يوماً من القتال في غزة. ويصف نفسه بأنه وطني، ويؤكد أن إسرائيل يجب أن تدافع عن نفسها، لكن الحرب الحالية -بحسب رأيه - دون استراتيجية واضحة، ولا نهاية لها في الأفق. ويُعدّ فيلك كذلك عضواً في منظمة "جنود من أجل الرهائن"، وهي مجموعة تدعو إلى إنهاء الحرب لضمان إطلاق سراح 50 إسرائيلياً ما زالوا محتجزين لدى حماس في غزة، ويُعتقد أن ما يصل إلى 20 منهم على قيد الحياة. في غضون ذلك، أصدر 16 خبيراً إسرائيلياً في القانون الدولي رسالةً مشتركةً يوم الجمعة، نددوا فيها بالخطة المتعلقة بنقل سكّان غزة، واعتبروها جريمة حرب. وحثّت الرسالة "جميع الأطراف المعنية على الانسحاب علناً من الخطة، والتخلي عنها، والامتناع عن تنفيذها". ومن غير المستغرب أن تثير الخطة استياء الفلسطينيين في غزة أيضاً. إذ تقول صابرين، وهي نازحة فلسطينية أُجبرت على مغادرة خان يونس، لبي بي سي: "نرفض هذا الاقتراح رفضاً قاطعاً، ونرفض تهجير أي فلسطيني من أرضه. نحن صامدون وسنبقى هنا حتى آخر نفس". وقال أحمد المغير من رفح: "الحرية فوق كل اعتبار. هذه أرضنا، ويجب أن نكون أحراراً في التنقل أينما نشاء. لماذا تُفرض علينا هذه الضغوط؟". وليس من الواضح بعدُ مدى الدعم الذي تحظى به خطة كاتس بين عامة الناس، لكن استطلاعات الرأي الأخيرة أشارت إلى أن غالبية اليهود في إسرائيل يؤيدون طرد الفلسطينيين من غزة. وأشار استطلاع للرأي نشرته صحيفة هآرتس اليسارية، إلى أن 82 في المئة من اليهود الإسرائيليين يؤيدون مثل هذه الخطوة. ولكن الملفت كان غياب الدعم الشعبي بين أوساط اليمين المتطرف لهذا الاقتراح، بما في ذلك الوزيرين البارزين في الائتلاف الحكومي، إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش. وكان كلا الوزيرين من المؤيدين الصريحين لرحيل الفلسطينيين عن غزة، وعودة المستوطنين اليهود. وقال تال شنايدر، إن الوزيرين ربما لا يزالان يدرسان تقديم دعمهما للاقتراح الخاص بإقامة "المعسكر الجماعي". وأضاف: "ربما ينتظران معرفة ما إذا كانت الأمور جدية. سموتريتش وبن غفير عضوان في الحكومة، ولهما صلاحية الاطّلاع على النقاشات الداخلية. وربما يظنان أن هذا مجرد ضغط سياسي على حماس للجلوس على طاولة المفاوضات". أمّا خارج إسرائيل، فقد أثار الاقتراح بإنشاء مخيم جديد لجميع سكان غزة انتقادات واسعة النطاق. ففي المملكة المتحدة، قال وزير شؤون الشرق الأوسط هاميش فالكونر على وسائل التواصل الاجتماعي، إنه "منزعج" من الخطة. وأضاف أنه "يجب ألا تُقلّص مساحة الأراضي الفلسطينية. ويجب أن يتمكن المدنيون من العودة إلى مناطقهم. علينا أن نتحرك نحو اتفاق لوقف إطلاق النار وفتح طريق نحو سلام دائم". وقالت المحامية البريطانية في مجال حقوق الإنسان، البارونة هيلينا كينيدي، لبي بي سي، إن المشروع من شأنه أن يجبر الفلسطينيين على الذهاب إلى "معسكر اعتقال". وهذا الوصف الذي استخدمه منتقدون آخرون، بما في ذلك الأكاديميون والمنظمات غير الحكومية وكبار المسؤولين في الأمم المتحدة، يحمل صدى كبيراً في ضوء الدور الذي لعبته معسكرات الاعتقال خلال الهولوكوست. وقالت البارونة كينيدي، إن الخطة - فضلاً عن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها إسرائيل - دفعتها إلى الاستنتاج بأن إسرائيل ترتكب "إبادة جماعية" في غزة. وأضافت: "كنت مترددة جداً في التوصل إلى تلك النتيجة، لأن العتبة التي يتحقق عندها ذلك الأمر يجب أن تكون مرتفعة جداً. ويجب أن تكون هناك نية محددة للإبادة الجماعية. لكن ما نراه الآن هو سلوك مرتبط بالإبادة الجماعية". ورفضت إسرائيل بشدة الاتهامات بارتكاب إبادة جماعية، وتقول إنها لا تستهدف المدنيين. وصرّحت وزارة الخارجية الإسرائيلية لبي بي سي، بأن "الإشارة إلى إنشاء إسرائيل معسكرات اعتقال، هي فكرة مُسيئة للغاية، وتضعها بالتوازي مع النازيين". وأضافت أن إسرائيل "ملتزمة باتفاقية جنيف"، في إشارة إلى اللوائح الدولية التي تُنظّم معاملة المدنيين في الأراضي المحتلة. وبعيداً عن التحذيرات القاتمة بشأن ما قد يحدث، فإن احتمال إنشاء معسكر جديد له تأثير على الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في غزة. وقالت مصادر فلسطينية مشاركة في محادثات وقف إطلاق النار الجارية في العاصمة القطرية الدوحة لبي بي سي، إن الخطة أثارت قلق وفد حماس وخلقت عقبة جديدة أمام التوصل إلى اتفاق.


القدس العربي
منذ 6 ساعات
- القدس العربي
لماذا يبدو ترامب ضعيفا أمام بوتين؟
مع طغيان حوادث الحروب الأمريكية الإسرائيلية في منطقتنا، توارت إلى الظل وقائع حرب أوكرانيا، وإن بدت تطوراتها متصاعدة في عامها الرابع، رغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل نحو عام، أنه سيوقف حرب أوكرانيا خلال 24 ساعة من لحظة دخوله إلى البيت الأبيض مجددا، ثم مرت الشهور تلو الشهور، وقضى ترامب نصف سنة في رئاسته الجديدة، ولكن دون أن تنطفئ نار الحرب، بل زاد لهيبها، ربما لأن صاحب القرار في حرب أوكرانيا هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وليس ترامب، الذي أجرى مع بوتين ست مكالمات هاتفية رسمية مطولة، وأعرب بعد الاتصال الأخير عن إحباطه من بوتين، وأوحى بالعودة إلى مدّ أوكرانيا بالصواريخ والذخائر، بعد توقف جزئي محدود، فيما كان رد بوتين عاصفا في الميدان الحربي، ورقيقا ـ ربما ساخرا ـ في الميدان الدبلوماسي، وداعيا ترامب من خلال تصريحات الكرملين والخارجية الروسية إلى الاستمرار في بذل جهوده الحميدة لإحلال السلام. يد أمريكا تبدو طليقة ناهية آمرة في منطقتنا، بينما تبدو اليد نفسها مقيدة في مناطق أخرى، وربما مشلولة في حرب أوكرانيا ولكن ما هو الفارق؟ الذي يجعل كلمة الرئيس الأمريكي تبدو مسموعة آمرة في منطقتنا وحروبها، بينما يجرى تجاهلها بخشونة في حرب أوكرانيا، رغم إشارات ترامب المتعددة لعلاقة صداقة خاصة غامضة الدواعي مع الرئيس الروسي، الجواب المباشر ظاهر في حالة العالم اليوم، وهو يمر بمراحل انتقال عسيرة من عالم القطب الأمريكي الواحد إلى دنيا تعدد الأقطاب. وفيما تبدو منطقتنا المنكوبة أشبه بالربع الخالي، إلا من سطوة أمريكا المتصلة لعقود طويلة مريرة، بينما يطل النفوذان الصيني والروسي على نحو خجول، وعبر نوافذ متناثرة من إيران إلى مصر والجزائر، بينما الوضع في شمال العالم مختلف، ومن حول أوكرانيا وشمال المحيط الهادي بالذات، ورغم وجود اختراقات صينية اقتصادية غالبا في منطقتنا، غير أن أثرها الإجمالي يبدو محدودا، بالذات في حوض الثروة الخليجية، بينما تتصاعد أمارات التنافس في المنطقة الأوراسية، ومن حول الثقل الجبار للصين المدعوم من روسيا، وعبر تكتلات من نوع تحالف شنغهاي، وروابط روسيا مع كثير من جمهوريات آسيا الوسطى، الخارجة من معطف الاتحاد السوفييتي السابق، مع تضاعف معدلات التبادل التجاري والتكنولوجي بين بكين وموسكو، ما جعل اقتصاد روسيا يبدو عصيا على الكسر، رغم فرض الغرب ما زاد إلى اليوم على العشرين ألف عقوبة على الاقتصاد الروسي، إضافة لعلاقة تحالف متنامية بين السلاح الروسي والسلاح الصيني، وإن احتفظ كل طرف بهامش استقلال ضروري، جعل معدلات نمو وامتياز السلاح الصيني، تفرض نفسها، فالصين توالي تطوير أسلحتها البحرية، وتدخل باقتدار في مضمار صناعة حاملات الطائرات، إضافة إلى سبق مذهل تحققه في مجال صناعة القاذفات الشبحية، ونظم الدفاع الجوي الأحدث، وهو ما كان له أثره الظاهر في علو كعب باكستان خلال حربها القصيرة الأخيرة مع الهند، التي تفاخر ترامب بدوره في إيقافها، وإن ردت عليه الهند الأقرب للتحالفات الأمريكية بالإنكار، فيما سكتت باكستان الأقرب عسكريا للصين، وإن بدت الصورة في قلب آسيا وجنوبها أكثر تعقيدا، فلا تزال موسكو هي المورد الأول للسلاح إلى الهند، بينما الخلافات التاريخية الحدودية بين الهند والصين متصلة، ولا تعيق حركة التبادل التجاري، فالصين هي الشريك التجاري الأول للهند كما لباكستان ولروسيا نفسها، والوضع ذاته سائد لصالح الصين مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا ذاتها، فضلا عن الاجتياح الصيني التجاري مع افريقيا، وتلك حالة يحاول ترامب أن يحد منها بحروبه الجمركية، ولكن من دون نجاح كبير حتى اليوم، فالطاقة الإنتاجية للصين تعدت منافسيها بأشواط بعيدة، وربما لم يعد لأمريكا من امتياز ظاهر، إلا في مجال شركات التكنولوجيا الكبرى، وهو المجال الذى تزاحم فيه الصين بقوة، وتصنع لنفسها فضاء عالميا متسعا، بدا في توسع منظمة بريكس بلس، التي انضمت إليها إندونيسيا ـ أكبر دولة مسلمة ـ في قمة البرازيل الأخيرة، وتلعب الصين مع روسيا أدوارا متناسقة في دعم بريكس وتوسيع نفوذها الاقتصادي، وقد صار أكبر من النفوذ الاقتصادي لمجموعة الدول السبع الكبرى الملتفة حول واشنطن، وإن كانت مشكلة بريكس أنها جسد اقتصادي تجاري بلا ذراع عسكري جامع، بينما التعاون العسكري في قلب البريكس بين الصين وروسيا ذاهب إلى آفاق متطورة، لها الدور الأساس في خدمة صناعة السلاح الروسي المتقدم تكنولوجيا، وإلى حد أن مارك روته سكرتير حلف شمال الأطلنطي (الناتو) قال مؤخرا، إن روسيا تنتج سلاحا في ثلاثة شهور قدر ما ينتجه الغرب كله في سنة كاملة والمعنى ببساطة مما سبق، أن يد أمريكا تبدو طليقة ناهية آمرة في منطقتنا، بينما تبدو اليد نفسها مقيدة في مناطق أخرى، وربما مشلولة في حرب أوكرانيا مثلا، ويستطيع ترامب هناك أن يقول ما يشاء، لكن روسيا بدعم صيني هي التي تفعل ما تشاء، واللعبة هناك محجوزة مفاتيحها للرئيس الروسي، وهذا ما تشهد به وقائع الشهور الستة الأخيرة منذ عودة ترامب للرئاسة، فقد تصور ترامب أن ادعاءاته السلامية قد تجدي هناك، وأن بوسعه اقتسام كعكة أوكرانيا مع موسكو، وسارع إلى عقد اجتماعات ومفاوضات سلام من الرياض إلى إسطنبول، لكن بوتين احتفظ دائما بالكرة بين قدميه، وأرهق ترامب وأغرقه في دوامة الاقتراحات والمبادرات والمراوغات، التي كانت رؤية بوتين فيها ظاهرة بلا التباس، فهو يعطي ترامب من طرف اللسان حلاوة، لكنه لا يحيد أبدا عن أهدافه المعلنة في حرب أوكرانيا، وهو يدرك أنها حرب ذات طابع عالمي تجري في الميدان الأوكراني، تواجه فيها روسيا تحالفا من 54 دولة تقودها أمريكا، وسعى بوتين إلى تحييد واشنطن وإخراجها قدر الإمكان من ساحة المواجهة الجارية، ثم الانفراد بأوروبا وإنهاكها في الميدان العسكري، واستنفاد كثير من بهلوانيات ترامب وتنازلاته المعلنة لصالح موسكو، ومن نزعته العدوانية المتعالية على حلفاء أمريكا الأوروبيين، ومن احتقاره البادي للرئيس الأوكراني زيلينسكي، وعبر الشهور الستة الماضية، بدا أن خطة بوتين تؤتى أكلها، رغم عودة البنتاغون إلى مد أوكرانيا بشحنات صواريخ باتريوت بعد انقطاع موقوت، اشتكى فيه ترامب من نقص المخزونات الأمريكية، فيما واصلت أوروبا إمداد الميدان الأوكراني بكل ما تملك من سلاح، وتظاهرت بقبول شروط ترامب رفع إسهامها المالي في موازنة الناتو إلى 5% من الناتج القومي، وإن راوغت بتأجيل التنفيذ الكامل إلى عام 2035، لكن ترامب بدا سعيدا بإنهاك أوروبا، وهو ما ظهرت ملامحه في دول أوروبا الغربية الكبرى، ففيما بدت بريطانيا وألمانيا أكثر تصميما على مواجهة بوتين، وتصعيد نبرات العداء لروسيا في تصريحات وأفعال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والمستشار الألماني الجديد فريدريش ميريتس، وزيادة توريد المال والسلاح والصواريخ بعيدة المدى إلى أوكرانيا، وتأييد ودعم اختراقات أوكرانية خاطفة، كان أهمها ضرب قاذفات استراتيجية في مطارات شرق روسيا، فيما بدا ترامب متفهما لضرورات الرد الروسي، الذي جاء خلافا لتوقعات كثيرة، وركز على قصف المطارات وقواعد الدعم الأوروبي في كل مساحة أوكرانيا، ولم يلجأ لقصف نووي تكتيكي، بل وجه طاقته لقضم تدريجي متسارع لأراضي المقاطعات الأربع التي أعلنت روسيا ضمها (لوغانتسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون)، وأضاف إليها بعد تحرير مقاطعة كورسك الروسية مقاطعات أخرى، لم تتوقف عند حد إقامة مناطق عازلة في مقاطعتي خاركيف وسومي، بل أضافت توغلا عسكريا مدروسا إلى قلب مقاطعة دنيبرو بتروفسك غرب نهر دنيبرو، ما أشار إلى انفتاح شهية روسيا لضم المزيد من أراضي أوكرانيا، ربما وصولا إلى أوديسا على شاطئ البحر الأسود، ولا يبدو بوتين في عجلة من أمره، ولا في حاجة إلى تغيير مسمى العملية العسكرية الروسية الخاصة، فهو لم يعلن الحرب كاملة حتى الآن، ولا حالة الطوارئ الشاملة، ويسعى لامتصاص الضربات المعادية المؤذية إعلاميا لهيبة روسيا، ويوفر جهده لكسب أراضي ما يسميه روسيا الجديدة أو نوفو روسيا، وإنهاك الخصوم الأوروبيين، ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمعاودة التواصل الهاتفي مع بوتين، ربما لحجز مكان في تفاوض محتمل مع روسيا، التي باتت أغلب الآراء الغربية تسلم بانتصارها في الميدان الأوكراني. وبالجملة، فات الميعاد على إمكانية قلب حقائق الميدان في أوكرانيا، وليس بوسع ترامب مواصلة استعراضاته السلامية هناك، حتى إن تحجج بخذلان بوتين، الذي يدير اللعبة ويصفع ترامب بهدوء قاتل، وبتماسك أعصاب لاعب الشطرنج المحترف، وليس بشطحات ترامب المغرم بإطلاق التصريحات، وليس بإطلاق القنابل والصواريخ والطائرات الأمريكية المهزومة في الميدان الأوكراني. كاتب مصري Kandel2002@


القدس العربي
منذ 6 ساعات
- القدس العربي
خيبة ترامب من بوتين: مدخل إلى عالم الهرج والمرج
يتواصل، منذ أربعين يوماً، الرد الروسي على هجمات «شبكة العنكبوت» الأوكرانية النوعية، التي شنت في الأول من يونيو، من داخل الأراضي الروسية نفسها، وفتكت في العمق، وبأكثر من اتجاه، من القرم حتى سيبيريا، مستهدفة الأسطولين، البحري والجوي معاً، فأتت على قسم كبير من الطائرات القاذفة الاستراتيجية، مبددة وهم الحصانة الجوية العميقة للداخل الروسي الشاسع. الهجمات الأوكرانية رسمت معالم تحول استراتيجي خطير بالنسبة الى موسكو، وأخطر ما فيها «قابليتها للتجدد» ولأن يتحول الأمر الى نموذج يعتمد ويُطوّٰر. لأجل ذلك، تسعى روسيا على مدى الأسابيع الأخيرة لإغراق الدفاعات الجوية الأوكرانية في جميع الاتجاهات، وإنهاك مخزون الصواريخ المضادة وتهديم البنية التحتية والسكانية. الرهان الروسي على أن تكون أسابيع التصعيد الجنوني الحالية هي الحاسمة، بشكل لا يعود بوسع حكومة كييف أو شعبها، إكمال الحرب. أدّى ذلك للاصطدام بدونالد ترامب، وإظهار هشاشة ما يملكه من تصور في الأساس للتوصل، ولو إلى هدنة أو حتى تبريد، في هذه الحرب. ففي الأساس، بالتصعيد الأوكراني أو من دونه، بالتصعيد الروسي المستمر على ذاك التصعيد، أو من دونه، فإن الإدارة الأمريكية لا تملك أي تصور، ولو بالحد الأدنى، لإنهاء الحرب. الإدارة السابقة كان لديها مثل هذا التصور: انتهاء الحرب ما كان يتصوره جو بايدن إلا بسيناريو واحد، وهو تقهقر روسيا. ترامب فطن إلى أن ربط مصالح أمريكا بهذا السيناريو الذي لا يبدو أن ثمة، إليه، من سبيل لتحقيقه، ضرب من ضروب المكابرة العالية الكلفة. لكن، وباستثناء التعديل في أسلوب مخاطبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل نوبة التشنج الترامبية الحالية تجاهه، وباستثناء محاولته المتكررة لإفهام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن هذا النوع من الحروب لا يمكن أن ينتهي بانسحاب الروس من كل الأراضي التي غزوها منذ 2022، ولا من شبه جزيرة القرم التي جرى ضمها من طرف واحد عام 2014. ذلك أن هذه الحرب لا يمكنها أن تنتهي أيضاً بالتعادل. منذ عودته إلى البيت الأبيض يلعب ترامب لعبة أن أوكرانيا ليست حربه. لكن الحرب لم تنخفض وتيرتها. بالعكس. وبشكل متعاقب للحظات التوتير والتصعيد: فعندما شعرت موسكو أن فولوديمير زيلينسكي بات في ورطة حقيقية جراء مشكلته مع ترامب زادت الهجمات، فكانت النتيجة الرد الأوكراني الاستثنائي الذي يكشف تطور القدرات الذاتية لكييف بالإضافة الى أهمية احتضانها من بولندا وألمانيا وبريطانيا، رغم الفتور الأمريكي تجاهها، منذ تبدلت الإدارة في واشنطن. من غير الواضح حتى الآن على أي أساس يمكن إيقاف هذه الحرب. روسيا تريد سلخ أكثر من ثلث أوكرانيا عن كييف، بأقل تقدير، ولا يبدو أن هناك في كييف من هو مستعد للقبول بذلك. إنما الأمور لا تتوقف عند هذا الحد: ما زالت روسيا تخوض الحرب على أساس هدف يتجاوز سلخ الأراضي إلى تحلل الكيانية الوطنية الأوكرانية بحد ذاتها، وما زال الأوكران يقاتلون على أساس هدف يتجاوز استرجاع أراض ومنع احتلال اخرى، إلى هدف أكبر، وهو إسقاط النظام البوتيني. ما زالت روسيا تخوض الحرب على أساس هدف يتجاوز سلخ الأراضي إلى تحلل الكيانية الوطنية الأوكرانية بحد ذاتها ولأجل ذلك، من الجهتين، يمكن، بمعنى معين، احتساب هذه الحرب على أنها استئناف للحرب الأهلية الروسية 1918-1921، وليست فقط حربا بين دولتين-أمتين سلافيتين، خارجتين من التجربة السوفياتية كلّ في اتجاه. فهذه الحرب الأهلية الروسية كانت صراعاً على طبيعة الدولة الروسية ما بعد القيصرية نفسها: هل تكون إمبراطورية مركزية تحت حكم سلطوي، أم خلاف ذلك؟ وكانت أوكرانيا آنذاك أحد مسارح هذا الصراع، حيث قامت محاولات لإقامة دولة أوكرانية مستقلة، لكن جرى قمعها في النهاية ضمن مشروع الدولة السوفياتية. الحرب تتعلق بالصراع على «طبيعة» روسيا نفسها، وعلى «وجود' أوكرانيا بحد ذاته. يبقى أن «خيبة الأمل» الترامبية تجاه بوتين، واعتزام الرئيس الأمريكي مضاعفة العقوبات على موسكو، يكشفان عن بداية انكفاء سردية «الصفقة الكبرى» التي روّج لها ترامب، بما هي يوفوريا لحظة عابرة حاولت أن تُقنع العالم بالصخب والهرج والمرج بإمكانية استبدال الجيوبوليتيك المعطوف على قضية وجود كيان من عدمه، ونظام من عدمه، بمنطق المفاوض التاجر. وإن كانت «وصفات ترامب» قد أحرزت قسطا سريعا من النجاح في لجم الحرب بين الهند وباكستان، وتمكنت من تجميد المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران الى حين، أيضا لأنها وصلت إلى لحظة لا يمكن للإدارة الأمريكية فيها أن تكتفي بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية دون التورط أكثر في الحرب وبالمباشر إن لم يجر تجميد الأخيرة، فإنها تبدو متعثرة أمام الصراع الروسي-الأوكراني. النتيجة «المنطقية» لذلك، فهي أن الإخفاق في تهدئة هذه الجبهة لن يظل حبيسها، بل سيعيد تنشيط التوترات والنزاعات المجمدة أو شبه المجمدة في مناطق أخرى من العالم. ويرتبط ذلك بالاقتراب من استحقاق انتهاء صلاحية معاهدة «نيو ستارت» في العام 2026، من دون أن تلوح في الأفق أي قابلية واقعية لتجديدها أو بلورة إطار بديل. فعلى الرغم من أنها كانت آخر ما تبقّى من البنية القانونية لضبط التسلّح النووي بين القوتين، فإن مناخ العلاقات بين موسكو وواشنطن لا يشي بإمكانية «استلحاق» واضحة. أساسا، منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، جُمدت معظم آليات التواصل العسكري والاستخباراتي بين موسكو وواشنطن، بما في ذلك آلية التفتيش الميدانية المنصوص عليها في معاهدة «نيو ستارت»، وصولا لإعلان موسكو تعليقها مشاركتها في المعاهدة، دون الانسحاب منها بالكامل. وواشنطن ترى الى أن أي معاهدة جديدة للحد من التسلّح لا يمكن أن تستمر بصيغة ثنائية موروثة عن الحرب الباردة، وتطالب بإدخال الصين طرفًا ثالثًا نظرا لنمو ترسانتها، فيما ترفض بكين ذلك، معتبرة أن ترسانتها لا تزال محدودة مقارنة بواشنطن وموسكو. لأوّل مرة منذ أكثر من نصف قرن، يقترب العالم من لحظة فراغ استراتيجي كامل، حيث لن يكون هناك أي إطار ناظم فعّال لضبط التسلّح النووي بين القوى الكبرى. بيد أن كل هذا يمكن وضعه في كفة، وفي كفة أخرى يُطرح سؤال المواكبة الأمريكية لأوكرانيا، وهل تستعيد زخمها الذي انقطع؟ بمعنى آخر، هل يستطيع ترامب زيادة الضغط على بوتين إذا لم يبادر إلى استئناف الدعم لأوكرانيا… على نهج جو بايدن الذي يمقت؟ كاتب من لبنان