
خيبة ترامب من بوتين: مدخل إلى عالم الهرج والمرج
الهجمات الأوكرانية رسمت معالم تحول استراتيجي خطير بالنسبة الى موسكو، وأخطر ما فيها «قابليتها للتجدد» ولأن يتحول الأمر الى نموذج يعتمد ويُطوّٰر. لأجل ذلك، تسعى روسيا على مدى الأسابيع الأخيرة لإغراق الدفاعات الجوية الأوكرانية في جميع الاتجاهات، وإنهاك مخزون الصواريخ المضادة وتهديم البنية التحتية والسكانية. الرهان الروسي على أن تكون أسابيع التصعيد الجنوني الحالية هي الحاسمة، بشكل لا يعود بوسع حكومة كييف أو شعبها، إكمال الحرب. أدّى ذلك للاصطدام بدونالد ترامب، وإظهار هشاشة ما يملكه من تصور في الأساس للتوصل، ولو إلى هدنة أو حتى تبريد، في هذه الحرب.
ففي الأساس، بالتصعيد الأوكراني أو من دونه، بالتصعيد الروسي المستمر على ذاك التصعيد، أو من دونه، فإن الإدارة الأمريكية لا تملك أي تصور، ولو بالحد الأدنى، لإنهاء الحرب. الإدارة السابقة كان لديها مثل هذا التصور: انتهاء الحرب ما كان يتصوره جو بايدن إلا بسيناريو واحد، وهو تقهقر روسيا. ترامب فطن إلى أن ربط مصالح أمريكا بهذا السيناريو الذي لا يبدو أن ثمة، إليه، من سبيل لتحقيقه، ضرب من ضروب المكابرة العالية الكلفة. لكن، وباستثناء التعديل في أسلوب مخاطبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل نوبة التشنج الترامبية الحالية تجاهه، وباستثناء محاولته المتكررة لإفهام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن هذا النوع من الحروب لا يمكن أن ينتهي بانسحاب الروس من كل الأراضي التي غزوها منذ 2022، ولا من شبه جزيرة القرم التي جرى ضمها من طرف واحد عام 2014. ذلك أن هذه الحرب لا يمكنها أن تنتهي أيضاً بالتعادل.
منذ عودته إلى البيت الأبيض يلعب ترامب لعبة أن أوكرانيا ليست حربه. لكن الحرب لم تنخفض وتيرتها. بالعكس. وبشكل متعاقب للحظات التوتير والتصعيد: فعندما شعرت موسكو أن فولوديمير زيلينسكي بات في ورطة حقيقية جراء مشكلته مع ترامب زادت الهجمات، فكانت النتيجة الرد الأوكراني الاستثنائي الذي يكشف تطور القدرات الذاتية لكييف بالإضافة الى أهمية احتضانها من بولندا وألمانيا وبريطانيا، رغم الفتور الأمريكي تجاهها، منذ تبدلت الإدارة في واشنطن. من غير الواضح حتى الآن على أي أساس يمكن إيقاف هذه الحرب. روسيا تريد سلخ أكثر من ثلث أوكرانيا عن كييف، بأقل تقدير، ولا يبدو أن هناك في كييف من هو مستعد للقبول بذلك. إنما الأمور لا تتوقف عند هذا الحد: ما زالت روسيا تخوض الحرب على أساس هدف يتجاوز سلخ الأراضي إلى تحلل الكيانية الوطنية الأوكرانية بحد ذاتها، وما زال الأوكران يقاتلون على أساس هدف يتجاوز استرجاع أراض ومنع احتلال اخرى، إلى هدف أكبر، وهو إسقاط النظام البوتيني.
ما زالت روسيا تخوض الحرب على أساس هدف يتجاوز سلخ الأراضي إلى تحلل الكيانية الوطنية الأوكرانية بحد ذاتها
ولأجل ذلك، من الجهتين، يمكن، بمعنى معين، احتساب هذه الحرب على أنها استئناف للحرب الأهلية الروسية 1918-1921، وليست فقط حربا بين دولتين-أمتين سلافيتين، خارجتين من التجربة السوفياتية كلّ في اتجاه. فهذه الحرب الأهلية الروسية كانت صراعاً على طبيعة الدولة الروسية ما بعد القيصرية نفسها: هل تكون إمبراطورية مركزية تحت حكم سلطوي، أم خلاف ذلك؟ وكانت أوكرانيا آنذاك أحد مسارح هذا الصراع، حيث قامت محاولات لإقامة دولة أوكرانية مستقلة، لكن جرى قمعها في النهاية ضمن مشروع الدولة السوفياتية. الحرب تتعلق بالصراع على «طبيعة» روسيا نفسها، وعلى «وجود' أوكرانيا بحد ذاته.
يبقى أن «خيبة الأمل» الترامبية تجاه بوتين، واعتزام الرئيس الأمريكي مضاعفة العقوبات على موسكو، يكشفان عن بداية انكفاء سردية «الصفقة الكبرى» التي روّج لها ترامب، بما هي يوفوريا لحظة عابرة حاولت أن تُقنع العالم بالصخب والهرج والمرج بإمكانية استبدال الجيوبوليتيك المعطوف على قضية وجود كيان من عدمه، ونظام من عدمه، بمنطق المفاوض التاجر.
وإن كانت «وصفات ترامب» قد أحرزت قسطا سريعا من النجاح في لجم الحرب بين الهند وباكستان، وتمكنت من تجميد المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران الى حين، أيضا لأنها وصلت إلى لحظة لا يمكن للإدارة الأمريكية فيها أن تكتفي بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية دون التورط أكثر في الحرب وبالمباشر إن لم يجر تجميد الأخيرة، فإنها تبدو متعثرة أمام الصراع الروسي-الأوكراني. النتيجة «المنطقية» لذلك، فهي أن الإخفاق في تهدئة هذه الجبهة لن يظل حبيسها، بل سيعيد تنشيط التوترات والنزاعات المجمدة أو شبه المجمدة في مناطق أخرى من العالم.
ويرتبط ذلك بالاقتراب من استحقاق انتهاء صلاحية معاهدة «نيو ستارت» في العام 2026، من دون أن تلوح في الأفق أي قابلية واقعية لتجديدها أو بلورة إطار بديل. فعلى الرغم من أنها كانت آخر ما تبقّى من البنية القانونية لضبط التسلّح النووي بين القوتين، فإن مناخ العلاقات بين موسكو وواشنطن لا يشي بإمكانية «استلحاق» واضحة. أساسا، منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، جُمدت معظم آليات التواصل العسكري والاستخباراتي بين موسكو وواشنطن، بما في ذلك آلية التفتيش الميدانية المنصوص عليها في معاهدة «نيو ستارت»، وصولا لإعلان موسكو تعليقها مشاركتها في المعاهدة، دون الانسحاب منها بالكامل. وواشنطن ترى الى أن أي معاهدة جديدة للحد من التسلّح لا يمكن أن تستمر بصيغة ثنائية موروثة عن الحرب الباردة، وتطالب بإدخال الصين طرفًا ثالثًا نظرا لنمو ترسانتها، فيما ترفض بكين ذلك، معتبرة أن ترسانتها لا تزال محدودة مقارنة بواشنطن وموسكو. لأوّل مرة منذ أكثر من نصف قرن، يقترب العالم من لحظة فراغ استراتيجي كامل، حيث لن يكون هناك أي إطار ناظم فعّال لضبط التسلّح النووي بين القوى الكبرى.
بيد أن كل هذا يمكن وضعه في كفة، وفي كفة أخرى يُطرح سؤال المواكبة الأمريكية لأوكرانيا، وهل تستعيد زخمها الذي انقطع؟ بمعنى آخر، هل يستطيع ترامب زيادة الضغط على بوتين إذا لم يبادر إلى استئناف الدعم لأوكرانيا… على نهج جو بايدن الذي يمقت؟
كاتب من لبنان

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 6 ساعات
- العربي الجديد
سورية: من قاع العقوبات إلى شرفة الانعتاق
أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوامره التنفيذية بإسقاط العقوبات المفروضة على سورية، ليدخل القرار حيز التنفيذ يوم 1 يوليو/ تموز الجاري كما أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت. تعتبر هذه الخطوة التاريخية تتويجاً للإعلان الذي طرحه الرئيس الأميركي خلال زيارته السعودية في مايو/ أيار الماضي، حيث أعلن آنذاك عن تحول جوهري في السياسة الأميركية تجاه دمشق. وبموجب توجيهات القيادة الأميركية، بادرت وزارة الخزانة عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) إلى تنفيذ القرار الرئاسي فوراً، مؤكدة في بيان رسمي أن هذه المبادرة تهدف إلى دعم مسيرة إعادة إعمار سورية تحت قيادتها الجديدة، وتمكينها من اغتنام فرص التحول إلى دولة مستقرة تنعم بالازدهار والسلام الداخلي والإقليمي. أبطل الأمر التنفيذي الجديد مفعول القرارات السابقة الموجهة ضد سورية، محافظاً في الوقت ذاته على آليات المحاسبة والمساءلة المطبقة بحق نظام بشار الأسد المخلوع. فقد أحكمت واشنطن قبضتها على 139 فرداً وكياناً من حلفاء النظام السابق وإيران ضمن قوائم العقوبات، بشكل يضمن عدم إفلات مرتكبي انتهاكات العهد السابق من المحاسبة بحسب بيان وزارة الخزانة الأميركية الصادر في 30 يونيو/ حزيران الماضي. وفي انعطافة موازية، شطب مكتب مراقبة الأصول الأجنبية 518 اسماً من قوائم العقوبات الأميركية على سورية، في مناورة استراتيجية تهدف بالدرجة الأولى إلى تحرير الفاعلين الأساسيين في معركة إعادة الإعمار، بالإضافة إلى تمهيد السبل أمام حكومة جديدة لتوطيد أركانها، وإعادة رتق النسيج المجتمعي المتمزق في ربوع البلاد. بتفصيل أكبر، شمل قرار رفع العقوبات الأميركية عن سورية معظم شرايين الحياة الاقتصادية فيها، فيما تنبئ توقعات بإسقاط الكونغرس الأميركي قانون "قيصر" برمته، بعد أن بات معلقاً في مرحلة تجميد مؤقت. لقد أعاد قرار ترامب فتح كافة القطاعات المغلقة، بما فيها تلك التي ظلت مشلولة منذ عام 1979 إثر تصنيف واشنطن لسورية "دولة راعية للإرهاب". ومثلت التعديلات انفراطاً كاملاً لأغلال القيود على استيراد السلع ثنائية الاستخدام (المدنية والعسكرية)، كما حررت توريد الحاجات الأساسية كالأغذية والأدوية والمستلزمات الطبية من شروط الموافقات المسبقة لوزارة الخزانة الأميركية. اقتصاد عربي التحديثات الحية ارتفاع معدلات التبادل التجاري بين سورية والأردن منذ ديسمبر تتجلى القفزة النوعية في قرار فك العقوبات عن المصرف المركزي السوري والمؤسسات المصرفية، حيث يتاح الآن للحكومة السورية إجراء المعاملات المالية بالدولار دون عوائق. وقد امتدت يد التحرير لتشمل شرياني الاقتصاد الوطني: قطاعي الكهرباء والطاقة. وتلوح في الأفق توقعات بارتفاع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار والعملات الرئيسية الأخرى، مدفوعة بموجة التسهيلات المنتظرة لاستيراد البضائع والخدمات والمعدات، وتعززها احتمالية تدفق استثمارات خليجية وأميركية قد تعيد التوازن إلى سوق الصرف الأجنبي. غير أن نجاح هذه التحولات الاقتصادية الجوهرية مرهون ببراعة الإدارة الحكومية، لا سيما من وزارة الاقتصاد والصناعة، لضمان تحويل هذه الفرص إلى مكاسب مستدامة تعيد للعملة الوطنية عافيتها. قد تطلق قرارات رفع العقوبات الأميركية عن سورية شرارة انتعاشة في أسواق العقارات والأسواق المالية، إذ يتوقع أن تتسارع وتيرة الطلب والنشاط الاقتصادي رويداً رويداً. كما قد تشق الاستثمارات طريقها إلى شرايين الاقتصاد السوري الحيوية: النفط، الصناعة، الزراعة، والمنظومة المالية والمصرفية، حاملة معها رياح تحول إيجابي. ولا شك أن القرار قد نسج مناخا مشجعا للتجار والشركات العالمية، دافعا إياهم إلى استئناف تعاملاتهم مع الكيانات الاقتصادية المرتبطة بالحكومة السورية الجديدة. سيعيد هذا الانفتاح وصل البنوك السورية، حكومية كانت أم خاصة، بشبكة الاقتصاد العالمي، ممهداً الطريق لموجة استثمارات إقليمية ودولية، تتدفق دون هواجس العقوبات. وفي الأفق، تستعد شركات عملاقة للانطلاق في السوق السورية، متكئة على تعهدات حكومات ومؤسسات دولية بالتعاون في إعادة تأهيل البنى التحتية. يشعل هذا التحالف الاستراتيجي شعلة إعمار شاملة، ويرسي شراع التنمية نحو اقتصاد متجدد، فيما تجهز الشركات لتنفيذ مشاريع استراتيجية ضخمة في قلب الوطن السوري. تواجه الحكومة السورية في مسعاها لجني ثمار هذه الفرص الذهبية عقبتين جوهريتين: إعادة نسج نظمها الاقتصادية وقوانينها على منوال العصر، وبناء بنى تحتية تواكب متطلبات التعامل مع المؤسسات المالية العالمية. فقد فتح رفع العقوبات باب التحالف مع منظمات النظام المالي الدولي، لتمكين التحديث التشريعي وتنفيذ إصلاحات ترسي دعائم اقتصاد سوري عصري قائم على بنى تحتية واعدة. اقتصاد عربي التحديثات الحية بعد 15 عاماً من القطيعة... النسيج التركي يشق طريقه إلى سورية أما المنتجون والمصدرون السوريون، فقد أصبح بمقدورهم الانطلاق الآن نحو آفاق عالمية لم ترسم من قبل، وتصدير منتجاتهم عبر الحدود، والحصول على شهادات دولية كانت طي النسيان تحت وطأة العقوبات السالفة. في ظل ضبابية المشهد السياسي، تتزامن الخطوة الترامبية غير البريئة مع رقصة دبلوماسية خطيرة تتمثل في مفاوضات لتطبيع كامل بين دمشق وتل أبيب قبل نهاية 2025، حيث تتمثل الشروط السورية في اعتراف إسرائيل الرسمي بحكومة الرئيس أحمد الشرع، وانسحابها الكامل من الأراضي المحتلة منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، بما فيها قمم جبل الشيخ، مع وقف شامل للغارات الجوية، وترتيبات أمنية جنوباً، وضمانات أميركية للحكومة السورية. وفي المقابل، قد تقايض سورية بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، التي ستتحول إلى "حديقة سلام" زائفة، فقد صرح وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، بأن بقاء إسرائيل في مرتفعات الجولان شرط مقدس لأي اتفاق تطبيع محتمل مع سورية. خلاصة القول، لقد فتح رفع العقوبات عن سورية أبواباً من ذهب للانعتاق الاقتصادي كإحياء القطاعات الحيوية، عودة البنوك إلى الحضن العالمي، وانطلاق المنتجين نحو أسواق حجبتها العقوبات السابقة. هذه نسمة أمل تعيد للجسد السوري نبضه، وتشعل شعلة إعمار ما تهدم. لكن وراء كل عطاء ترامبي ثمن خفي! فهل دفع ثمن الانفراج بتنازل عن الجولان؟ وهل كان التطبيع مع إسرائيل الورقة المسمومة في صفقة رفع العقوبات؟ ها هي سورية تقف على مفترق تاريخ: النهوض اقتصادياً مقابل تنازلات سياسية خطيرة تكرس الاحتلال. فهل يباع جزء من السيادة ثمناً لإنقاذ الاقتصاد المأزوم؟ هذا هو السؤال الذي يلقي بظلال الشك على مستقبل المعجزة الاقتصادية الموعودة.


العربي الجديد
منذ 7 ساعات
- العربي الجديد
ترامب يضغط لتسريح جماعي لموظفي "صوت أميركا"
أمرت إدارة الرئيس دونالد ترامب ، أول من أمس الجمعة، بتسريح جماعي لموظفي إذاعة صوت أميركا وغيرها من وسائل الإعلام الممولة حكومياً، لتمضي قدماً في إغلاق هذه المؤسسات الإعلامية العريقة رغم الأصوات التي تحذر من استفادة "أعداء" الولايات المتحدة. بلغ عدد من أعلنت إدارة ترامب عن تسريحهم، الجمعة الماضي، 639 موظفاً من إذاعة صوت أميركا ومؤسستها الأم وكالة الإعلام الأميركي العالمي (USAGM)، ضمن ما بات يُعرف بـ"مجزرة المؤسسات الإعلامية العامة". بهذا الإجراء، يتبقى في "صوت أميركا" نحو 250 موظفاً فقط، بعدما كانت تضم أكثر من 1600 موظف مطلع العام، ما يعني أن الإدارة الحالية أقدمت عملياً على تفكيك شبه كامل لمؤسسة إعلامية لعبت منذ تأسيسها عام 1942 دوراً محورياً في نشر "الرواية الأميركية" في الخارج، خاصة في الدول التي تهيمن عليها أنظمة إعلام حكومية. وقالت كاري ليك، التي تتولى منصباً رفيعاً في الوكالة الأميركية للإعلام العالمي، إن إخطارات التسريح "جهد طال انتظاره لتفكيك بيروقراطية متضخمة وغير خاضعة للمساءلة". وأضافت ليك، في بيان، أنها ستعمل مع وزارة الخارجية والكونغرس "لضمان رواية قصة أميركا بطريقة حديثة وفعالة ومتوافقة مع السياسة الخارجية الأميركية". وزعمت، في البيان نفسه، أن "صوت أميركا" تحوّلت خلال العقود الأخيرة إلى "بوق لليسار الأميركي"، في إشارة مباشرة إلى الانتقادات التي كانت تُوجَّه للإذاعة من أطراف محافظة داخل الولايات المتحدة. في المقابل، رفع الموظفون دعوى قضائية للطعن في إجراءات ليك، التي تأتي رغم أن الكونغرس خصص تمويلاً للإذاعة. وقال الموظفون في الدعوى إن "موسكو وبكين وطهران والجماعات المتطرفة تغرق الفضاء الإعلامي بدعاية معادية لأميركا. لا تتنازلوا عن هذا الحق بإسكات صوت أميركا". كما عبّر صحافيون مخضرمون عن صدمتهم من "السرعة والحدة" التي نُفذ بها الإجراء. وقالت المراسلة السابقة لإذاعة صوت أميركا في البيت الأبيض، باتسي ويداكوسوارا، عبر حسابها على منصة إكس: "83 عاماً من الصحافة المهنية تمحى بقرار إداري جائر. ما يحدث ليس إصلاحاً، بل انتقام أيديولوجي". تأسست إذاعة صوت أميركا خلال الحرب العالمية الثانية، وتبث في جميع أنحاء العالم بما يقرب من 50 لغة، وعلى الخصوص في الأنظمة الاستبدادية والبلدان التي تفتقر إلى حرية الإعلام. ورحبت موسكو وبكين بقرار إغلاق وسائل الإعلام المدعومة من الولايات المتحدة، والتي كان ينظر إليها على مدى عقود باعتبارها ركائزَ نفوذ للقوة الناعمة الأميركية، إذ كانت الإذاعة وحدها تصل إلى 360 مليون شخص أسبوعياً. كان ترامب قد وقع مرسوماً تنفيذياً علق فيه معظم عمليات "صوت أميركا" في مارس/آذار الماضي، متهماً إياها بأنها تروج لـ"دعاية يسارية" و"لا تمثّل صوت أميركا الحقيقي"، وهي الاتهامات نفسها التي استخدمها سابقاً في حملته الانتخابية. وسارع فريقه إلى إحالة عدد من مديري الإذاعة إلى إجازة إدارية، تمهيداً لإعادة هيكلة المؤسسة، وهو ما مهّد لإجراء 20 يونيو/حزيران الحالي. شملت عملية التسريح، وفق تقارير متطابقة، أقساماً حيوية مثل خدمة البث بالفارسية التي أعيد بعض أفرادها مؤقتاً للعمل قبل نحو أسبوع حين شنت إسرائيل عدوانها على إيران. ويهاجم ترامب وسائل الإعلام باستمرار، وقد سخر من الاستقلالية التي تتمتع بها إذاعة صوت أميركا وتمنع الحكومة من التدخل في تغطيتها. ونجت إذاعة مارتي التي تبث إلى كوبا من حملة التطهير الشاملة، لكن إذاعة آسيا الحرة التي تمولها الحكومة الأميركية تعمل الآن بقدرة محدودة وإذاعة أوروبا حرة مستمرة بفضل دعم الحكومة التشيكية.


العربي الجديد
منذ 14 ساعات
- العربي الجديد
ترامب يهدد أوروبا بفرض رسوم جمركية 30%… ويترك الباب مفتوحاً للتفاوض
رغم تصعيده الأخير في ملف التجارة العالمية، أشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى أنه لا يزال منفتحاً على إجراء مفاوضات جديدة، بما في ذلك مع الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد أن لوّح بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% على واردات من التكتل الأوروبي. وقال ترامب للصحافيين في البيت الأبيض اليوم الاثنين، إن "الرسائل هي الصفقات. الصفقات أُبرمت. لا توجد صفقات ينبغي إبرامها"، مضيفاً: "لكن أوروبا تود عقد صفقة من نوع مختلف. نحن منفتحون على الحديث، بما في ذلك مع أوروبا. في الواقع، هم قادمون للتفاوض، ويرغبون في الحديث"، وفقاً لما نقلت شبكة بلومبيرغ. تصريحات ترامب جاءت بعد إرسال سلسلة من الرسائل إلى عدد من الشركاء التجاريين ، تتضمن تحذيراً بفرض رسوم جمركية جديدة اعتباراً من الأول من أغسطس/آب القادم، ما لم يجرِ التوصل إلى اتفاقيات جديدة بشروط محسّنة للولايات المتحدة. وقد مُنحت هذه الدول تمديداً إضافياً مدته ثلاثة أسابيع بعد أن كان الموعد النهائي الأصلي في التاسع من يوليو/تموز الجاري. ورغم أن الرسوم الجديدة تُشبه تلك التي هدد بها ترامب في إبريل/نيسان الماضي، ثم علّقها مؤقتاً بعد تقلبات في الأسواق، إلّا أن هذه الرسائل المفاجئة أثارت قلقاً كبيراً في الأسواق المالية ، وأربكت شركاء مثل الاتحاد الأوروبي الذين كانوا يأملون في إتمام اتفاقيات أولية مع واشنطن. وفي تعليقه على الموقف، قال ترامب إن "كل دولة حرفياً تريد عقد صفقة، ونحن في موقع قوة". ثم التفت إلى مستشاريه مازحاً: "أليس من الصحيح أنني لا أريد صفقات فعلياً؟ فقط أريد إرسال الأوراق، أليس كذلك؟". اقتصاد دولي التحديثات الحية الاتحاد الأوروبي يخطط لمواجهة رسوم ترامب مع الدول المتضررة وفي خطوة حذرة لكن حازمة، حذّر كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي في الشؤون التجارية، ماروش شيفشوفيتش، من أن الرسوم الجمركية التي يلوّح بها ترامب قد تُحدث شللاً في التجارة عبر الأطلسي. وقال في مؤتمر صحافي من بروكسل إن "هذه الرسوم المقترحة تُعد عملياً عائقاً شبه كلي للتجارة بين ضفّتَي الأطلسي، وقد تستوجب رداً بالمثل"، وأضاف أن "حالة عدم اليقين الحالية الناجمة عن رسوم غير مبرّرة لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية. يجب أن نستعد لجميع السيناريوهات، بما في ذلك عند الضرورة إجراءات مضادة مدروسة ومتوازنة". وفيما يسعى الاتحاد الأوروبي للحفاظ على قنوات الحوار مفتوحة مع واشنطن، بدأ التكتل أيضاً بتكثيف اتصالاته مع شركاء تجاريين آخرين في محاولة لتقليل التأثيرات السلبية المحتملة من السياسة التجارية الأميركية.