
رأي الخبراء حول مزاعم «التدمير الكامل» لقدرات إيران النووية
وقع العدوان الأمريكي على إيران فجر 22 حزيران 2025 بمشاركة 7 قاذفات شبح من طراز B2 أسقطت على موقع فوردو 14 قنبلة GBU57 ضخمة خارقة للتحصينات، تزن كل منها 13,600 كيلوغرام تقريباً، قادرة على اختراق حتى 61 متراً تحت الأرض قبل الانفجار.
تعتمد المعلومات المقدّمة في هذا المقال بشكلٍ رئيسي على تصريحات اثنين من الخبراء؛ الدكتور يسري أبو شادي، وهو عالم وخبير مصري بارز في مجال الهندسة النووية والطاقة الذرية. شغل منصب كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) ورئيس قسم الضمانات فيها سابقاً. أشرف على تفتيش أكثر من 500 مفاعل نووي في أكثر من 50 دولة. ودعا إلى تفعيل مشروع الضبعة النووي السلمي في مصر، معتبراً أن الطاقة النووية والمتجددة هي الحل لتحقيق الاستدامة. ويعرف عن أبو شادي جرأتُه في انتقاد ازدواجية المعايير في التعامل مع البرامج النووية، وخاصةً الازدواجية تجاه برامج «إسرائيل» وإيران. الخبير الثاني هو جيفري لويس، خبير في شؤون الانتشار النووي وأستاذ في معهد ميدلبوري للدراسات الدولية.
فوردو: 13% فقط من وحدات الطرد المركزي الإيرانية
في عدة تصريحات لوسائل إعلام عربية ودولية خلال الأسبوع الماضي، وصف أبو شادي الضربة الأمريكية على فوردو بأنها «تمثيلية»، وأنّ إيران نقلت اليورانيوم المخصّب مسبقاً، ممّا قلل تأثيرها. وقال إنّ فوردو ليست المنشأة الأهم، وأنّ أمريكا تستعرض قوتها من خلال استهدافها، مشيراً إلى أنها تقع تحت جبل من الغرانيت (صخور صلبة)، مما يجعل تدميرها الكامل بالضربات الجوية صعباً للغاية. وبذلك يتفق تقييم هذا العالِم النووي مع تقييم أوّلي سابق أعقب الضربة قدّمه سكوت ريتر ضابط المارينز الأمريكي السابق، والمفتش السابق في الأمم المتحدة للبحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، حيث قال ريتر يومها: «إنها ضربات استعراضية لحفظ ماء الوجه، من دون أن تحقق أي شيء يُذكَر».
وذكر أبو شادي أنّ منشأة فوردو تحتوي قرابة 3,000 وحدة طرد مركزي فقط من أصل 23,000 وحدة طرد مركزي تمتلكها إيران، موزعة عبر منشآت في مواقع مختلفة. وهذا يعني أن فوردو تمثل جزءاً صغيراً من قدرات إيران في التخصيب.
وأشار أبو شادي إلى امتلاك إيران 500 كيلوغرام من اليورانيوم المخصَّب بنسبة 60%، وفي حال اعتزمت صنع سلاح نووي، تكفي هذه الكمية لصنع نحو 10 قنابل نووية، كل واحدة بوزن 1.5 طن تقريباً. كما أكد أبو شادي امتلاك إيران القدرة الفنية لرفع نسبة التخصيب من 60% إلى 90% خلال أسابيع. وأشار إلى أن برنامجها النووي يعتمد على مؤسسة علمية متكاملة، ممّا يجعل اغتيال العلماء غير كافٍ لوقف البرنامج.
وحذّر أبو شادي من أنّ تدمير منشأة مثل فوردو [لو حدث] قد يؤدي إلى تسرب إشعاعي كارثي، يمكن أن يؤثر على دول الخليج والمنطقة ويسبب كارثة بيئية وبشرية. ومع ذلك، نفى أن تكون الضربات الأمريكية أو «الإسرائيلية» قد تسببت في تسرب إشعاعي كبير حتى الآن، مقارنةً بحادثة تشرنوبل.
مصنعُ تخصيب وليس مُفاعلاً
أوضح أبو شادي أن منشأة فوردو ليست مفاعلاً نووياً بل هي مصنع لتخصيب اليورانيوم، مصمَّم لإنتاج يورانيوم عالي التخصيب. وفيما يلي نلخّص أبرز الفروق بين مصنع التخصيب والمفاعل النووي بحسب المعلومات المتاحة.
مصنع التخصيب: يُستخدم لزيادة نسبة «اليورانيوم 235» في خام اليورانيوم، وهو نظير عنصر اليورانيوم القابل للانشطار المطلوب للاستخدام في المفاعلات النووية أو الأسلحة النووية (للاستخدام السِّلمي أو العسكري). والعملية التي تجري فيه هي تحويل خام اليورانيوم إلى غاز (سداسي فلوريد اليورانيوم UF6) باستخدام تقنيات مثل الطَّرد المركزي أو الانتشار الغازي لفصل النظير U-235 (الذي يشكل نحو 0.7% من اليورانيوم الطبيعي) عن نظير آخر لليورانيوم هو U-238. ويُنتج يورانيوم مخصّب بنسب مختلفة (مثل 3-5% للمفاعلات المدنية، أو 90% للأسلحة النووية). وهكذا فإنّ مصنع التخصيب لا ينتج طاقةً مباشرة، بل يركز على إنتاج المواد النووية.
أمّا المفاعل النووي: فالغرض منه توليد الطاقة مباشرةً (كهرباء أو حرارة) عبر تفاعل الانشطار النووي المتحكَّم فيه، أو لإنتاج نظائر مشعّة للأغراض الطبية والبحثية. ويحتاج أنظمة تبريد وأمان معقدة، ويكون عادةً فوق الأرض، فهو نظرياً أكثر عرضة للاستهداف مقارنة بمصانع التخصيب. والعملية التي تجري في المفاعِل هي استخدام اليورانيوم المخصَّب (عادة بنسبة 3-5%) أو البلوتونيوم كوقود. ويحدث انشطار نووي ينتج طاقة حرارية تُستخدم لتسخين الماء وتوليد بخار يحرك عنَفَات (توربينات) لإنتاج الكهرباء. ويمكن إنتاج البلوتونيوم كمنتج ثانوي، والذي يمكن استخدامه في الأسلحة النووية إذا تم فصله. ومخرجات المُفاعِل هي طاقة كهربائية، ونظائر مشعة (للطب أو البحث)، ونفايات نووية. ومن الأمثلة عليه مفاعل ديمونا «الإسرائيلي»، ومفاعل بوشهر في إيران (مفاعل طاقة مدني)، أو مفاعل يونغبيون في كوريا الشمالية (يُستخدم لإنتاج البلوتونيوم).
تحليل صور الأقمار الصناعية
قدّم جيفري لويس تحليلاً حول الضربات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية (فوردو ونطنز وأصفهان)، بناءً على صور الأقمار الصناعية وتقارير الاستخبارات. وأبرز النقاط في تحليله هي أن أضرار الضربة الأمريكية كانت محدودة. فرغم استخدامها للقنابل GBU57 الخارقة للتحصينات على منشأة فوردو لم تدمر الأجزاء تحت الأرض، حيث تقع قاعات التخصيب على عمق أكثر من 80 متراً تحت جبل صخري (لنتذكر أن قدرة اختراق القنابل المستخدمة نحو 60 متراً). وبحسب قراءة لويس لصور الأقمار الصناعية المتاحة، فإنها أظهرت ثقوباً في التلال (6 ثقوب منتظمة)، لكن دون دليل على تدمير قاعات الطرد المركزي تحت الأرض. وبحسب واشنطن بوست، قال لويس إنّ الضربات ربما استهدفت هيكل تهوية، مما يسمح للقنابل باختراق أعمق إذا كانت أعمدة التهوية عمودية، لكن هذا لم يؤدِّ إلى تدمير المنشأة بالكامل.
نقل اليورانيوم من نطنز
أكد الدكتور أبو شادي أنّ إيران نجحت في نقل 500 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% من منشأة نطنز ليلتَي 12 و13 حزيران 2025، قبل الضربات الأمريكية (التي نفّذت في 22 حزيران)، ويُحتمل أن هذه الكمية مخزَّنة في أسطوانات صغيرة، وذلك لتسهيل نقلها وحمايتها.
وبالمثل لاحظ جيفري لويس أنّ صور الأقمار الصناعية قبل الضربات (20–21 حزيران 2025) أظهرت نشاطاً غير عادي للشاحنات في فوردو وأصفهان، مما يشير إلى أن إيران ربما نقلت مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب (نحو 400-900 كغ بنسبة 60%) إلى مواقع سرّية قبل الضربات.
بحسب صحيفة واشنطن بوست، أشار لويس إلى أنّ الضربات الأمريكية و«الإسرائيلية» (13 و22 حزيران 2025) دمرت البنية التحتية الكهربائية فوق الأرض في نطنز، وجزءاً من «مصنع التخصيب التجريبي» فيها، لكن قاعات التخصيب تحت الأرض ربما لم تتضرّر كثيراً. وأكد لويس أن منشأة تحويل اليورانيوم في أصفهان تضرّرت بشدة بسبب صواريخ توماهوك الأمريكية، لكن الأنفاق القريبة التي يُعتقد أنها تستخدم لتخزين اليورانيوم المخصَّب لم تُدمَّر.
هل انتهى البرنامج النووي الإيراني؟
بحسب قناة CNN الأمريكية، شدَّد لويس على أن الضربات الأمريكية و«الإسرائيلية» لم تنهِ البرنامج النووي الإيراني، بل أخّرته «لأشهر فقط» بحسب تقديره. وذكر بأنّ إيران ما تزال تمتلك اليورانيوم المخصّب والخبرة الفنية، وربما منشآت سرّية لم تُستهدف. واقترح أنّ الحل الوحيد إذا كانت واشنطن تأمل «وقف البرنامج النووي الإيراني بشكل دائم» هو اتفاق دبلوماسي مع تفتيش دولي، وليس الضربات العسكرية، وهو رأي مماثل لما أعرب عنه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي مؤخّراً، حيث ذكر أنّ إيران «كان لديها برنامج نووي واسع وطموح وقد يكون جزء منه لا يزال قائماً»، لافتاً بأن إيران «دولة متقدّمة في التكنولوجيا النووية ولا يمكن محو هذا بعمليات عسكرية أو دونها».
بحسب تقارير لسكاي نيوز وسي إن إن (25 حزيران 2025) اعتبر جيفري لويس مزاعم الرئيس ترامب ووزير الحرب الأمريكي بيت هيغسيث بأنّ المنشآت «أُبيدت بالكامل» ادعاءاتٍ مبالَغاً فيها. وأوضح أنّ تقييم الأضرار الأولية استناداً إلى النَّمذجة قد يكون مضلّلاً، كما حدث في قصف يوغوسلافيا عام 1999، حيث تبيَّن لاحقاً أنّ الأهداف كانت «دُمى وهمية».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 5 ساعات
- الشرق السعودية
رغم القصف الأميركي.. صور تُظهر نشاطاً مستمراً في منشأة فوردو النووية الإيرانية
أظهرت صور جديدة بالأقمار الاصطناعية استمرار العمل في منشأة فوردو الإيرانية لتخصيب اليورانيوم والمحصنة تحت جبل قرب مدينة قم، والتي ضربتها قاذفات أميركية من طراز B-2 الأسبوع الماضي، بحسب شبكة CNN الأميركية. وقالت شركة Maxar Technologies التي التقطت الصور، إن "الصور تكشف عن نشاط مستمر داخل وحول فتحات التهوية والحفر التي سببتها الضربات الجوية الأسبوع الماضي على مجمع فوردو لتخصيب الوقود النووي". وتُظهر الصور وجود حفارة وعدد من الأشخاص يتمركزون مباشرة بجوار الفتحة الشمالية على التل فوق المجمع الواقع تحت الأرض، كما يبدو أن رافعة تعمل عند مدخل الحفرة. ووفقاً لـMaxar، شوهدت أيضاً عدة مركبات إضافية أسفل التل، متوقفة على طول الطريق الذي أُنشئ للوصول إلى الموقع. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أسقطت قاذفات أميركية من طراز B-2 أكثر من 10 قنابل خارقة للتحصينات على موقعي فوردو ونطنز النوويين في إيران، بينما أطلقت غواصة أميركية صواريخ من طراز "توماهوك" على منشأة أصفهان النووية وسط البلاد. واستهدفت القنابل فتحتي تهوية في منشأة فوردو، بحسب ما ذكره رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية دان كاين. وأوضح كاين خلال إيجاز في وزارة الدفاع "البنتاجون"، الأسبوع الماضي، أن معظم القنابل التي سقطت على فوردو "دخلت عبر الفتحة الرئيسية إلى داخل المنشأة وذلك بسرعة تفوق ألف قدم في الثانية، حيث انفجرت داخل الموقع المستهدف". وقال المفتش النووي السابق ديفيد أولبرايت، الذي يترأس حالياً "معهد العلوم والأمن الدولي"، إن صور الأقمار الاصطناعية التي التُقطت، السبت الماضي، أظهرت أن الإيرانيين يعملون بشكل نشط بالقرب فتحات التهوية في المنشأة. ورجّح أولبرايت، أن هذه الأنشطة "قد تشمل ردم الحفر، بالإضافة إلى إجراء تقييمات هندسية للأضرار، ومن المحتمل أيضاً إجراء فحوصات إشعاعية". وذكر أن "الحفر الموجودة فوق الفتحات الرئيسية لا تزال مفتوحة"، مضيفاً في منشور عبر منصة "إكس": "لاحظنا أيضاً أن الإيرانيين قاموا بسرعة بإصلاح الأضرار الناتجة عن القنابل على الطريق الرئيسي المؤدي إلى المدخل، وذلك بعد بضعة أيام فقط من وقوع الهجوم. ومع ذلك، لا توجد حتى الآن مؤشرات على أي جهود لإعادة فتح مداخل الأنفاق". خلال أشهر من جانبه، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي، السبت، إن إيران من المرجح أن تكون قادرة على استئناف إنتاج اليورانيوم المخصب "في غضون أشهر"، على الرغم من الأضرار التي لحقت بالعديد من المنشآت النووية جراء الهجمات الأميركية والإسرائيلية. وأضاف جروسي في مقابلة مع شبكة CBS News الأميركية، أن "القدرات لا تزال موجودة لدى إيران، وفي غضون أشهر يمكن أن يكون لديهم عدد قليل من سلاسل أجهزة الطرد المركزي تعمل وتنتج اليورانيوم المخصب، أو أقل من ذلك". وأشار إلى أن "بعض الأجزاء من المنشآت النووية الإيرانية لا تزال قائمة في فوردو ونطنز وأصفهان"، وذلك رغم إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب على أن برنامج إيران النووي قد تأخر لسنوات. واعتبر جروسي أن "هناك، بالطبع، انتكاسة مهمة من حيث قدرات إيران في المجال النووي"، ولكنه شدد على أن "الضرر ليس كاملاً في المنشآت النووية.. كما أن طهران تمتلك القدرات هناك، القدرات الصناعية والتكنولوجية، وإذا رغبوا في ذلك، فسيكونون قادرين على البدء مرة أخرى".


المرصد
منذ 14 ساعات
- المرصد
صور فضائية تكشف عن نشاط وتحركات في منشأة فوردو الإيرانية بعد القصف الأميركي
صور فضائية تكشف عن نشاط وتحركات في منشأة فوردو الإيرانية بعد القصف الأميركي صحيفة المرصد: كشفت صور أقمار صناعية حديثة، التقطتها شركة "ماكسار تكنولوجيز"، عن نشاط ملحوظ وتحركات في محيط منشأة فوردو النووية الإيرانية، وذلك عقب القصف الأميركي الذي استهدف الموقع في 22 يونيو الجاري. وأظهرت الصور عالية الجودة وجود حفارة وعدد من الأفراد قرب الفتحة الشمالية أعلى المجمع الواقع تحت الأرض والمخصص لتخصيب اليورانيوم، بالإضافة إلى رافعة تعمل عند المدخل، بحسب ما أفاد موقع "فوكس نيوز" الأميركي. وتُبرز الصور وجود عدة مركبات إضافية متوقفة أسفل الحافة على طول المسار المؤدي إلى المنشأة، في مؤشر على عمليات صيانة أو تقييم للأضرار. وتوضح الصور أيضاً دماراً كاملاً لأحد المباني في شمال الموقع، حيث تحيط به آلات حفر وغبار متراكم، كما تظهر حفرة جديدة وعلامات احتراق على طريق الوصول الغربي للمنشأة. وكانت منشأة فوردو، الواقعة في منطقة جبلية، قد تعرضت لقصف أميركي أدى إلى ظهور ست حفر كبيرة وانتشار واسع للأتربة الرمادية، في تصعيد جديد للتوترات بين طهران وواشنطن بشأن البرنامج النووي الإيراني.


قاسيون
منذ يوم واحد
- قاسيون
رأي الخبراء حول مزاعم «التدمير الكامل» لقدرات إيران النووية
وقع العدوان الأمريكي على إيران فجر 22 حزيران 2025 بمشاركة 7 قاذفات شبح من طراز B2 أسقطت على موقع فوردو 14 قنبلة GBU57 ضخمة خارقة للتحصينات، تزن كل منها 13,600 كيلوغرام تقريباً، قادرة على اختراق حتى 61 متراً تحت الأرض قبل الانفجار. تعتمد المعلومات المقدّمة في هذا المقال بشكلٍ رئيسي على تصريحات اثنين من الخبراء؛ الدكتور يسري أبو شادي، وهو عالم وخبير مصري بارز في مجال الهندسة النووية والطاقة الذرية. شغل منصب كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) ورئيس قسم الضمانات فيها سابقاً. أشرف على تفتيش أكثر من 500 مفاعل نووي في أكثر من 50 دولة. ودعا إلى تفعيل مشروع الضبعة النووي السلمي في مصر، معتبراً أن الطاقة النووية والمتجددة هي الحل لتحقيق الاستدامة. ويعرف عن أبو شادي جرأتُه في انتقاد ازدواجية المعايير في التعامل مع البرامج النووية، وخاصةً الازدواجية تجاه برامج «إسرائيل» وإيران. الخبير الثاني هو جيفري لويس، خبير في شؤون الانتشار النووي وأستاذ في معهد ميدلبوري للدراسات الدولية. فوردو: 13% فقط من وحدات الطرد المركزي الإيرانية في عدة تصريحات لوسائل إعلام عربية ودولية خلال الأسبوع الماضي، وصف أبو شادي الضربة الأمريكية على فوردو بأنها «تمثيلية»، وأنّ إيران نقلت اليورانيوم المخصّب مسبقاً، ممّا قلل تأثيرها. وقال إنّ فوردو ليست المنشأة الأهم، وأنّ أمريكا تستعرض قوتها من خلال استهدافها، مشيراً إلى أنها تقع تحت جبل من الغرانيت (صخور صلبة)، مما يجعل تدميرها الكامل بالضربات الجوية صعباً للغاية. وبذلك يتفق تقييم هذا العالِم النووي مع تقييم أوّلي سابق أعقب الضربة قدّمه سكوت ريتر ضابط المارينز الأمريكي السابق، والمفتش السابق في الأمم المتحدة للبحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، حيث قال ريتر يومها: «إنها ضربات استعراضية لحفظ ماء الوجه، من دون أن تحقق أي شيء يُذكَر». وذكر أبو شادي أنّ منشأة فوردو تحتوي قرابة 3,000 وحدة طرد مركزي فقط من أصل 23,000 وحدة طرد مركزي تمتلكها إيران، موزعة عبر منشآت في مواقع مختلفة. وهذا يعني أن فوردو تمثل جزءاً صغيراً من قدرات إيران في التخصيب. وأشار أبو شادي إلى امتلاك إيران 500 كيلوغرام من اليورانيوم المخصَّب بنسبة 60%، وفي حال اعتزمت صنع سلاح نووي، تكفي هذه الكمية لصنع نحو 10 قنابل نووية، كل واحدة بوزن 1.5 طن تقريباً. كما أكد أبو شادي امتلاك إيران القدرة الفنية لرفع نسبة التخصيب من 60% إلى 90% خلال أسابيع. وأشار إلى أن برنامجها النووي يعتمد على مؤسسة علمية متكاملة، ممّا يجعل اغتيال العلماء غير كافٍ لوقف البرنامج. وحذّر أبو شادي من أنّ تدمير منشأة مثل فوردو [لو حدث] قد يؤدي إلى تسرب إشعاعي كارثي، يمكن أن يؤثر على دول الخليج والمنطقة ويسبب كارثة بيئية وبشرية. ومع ذلك، نفى أن تكون الضربات الأمريكية أو «الإسرائيلية» قد تسببت في تسرب إشعاعي كبير حتى الآن، مقارنةً بحادثة تشرنوبل. مصنعُ تخصيب وليس مُفاعلاً أوضح أبو شادي أن منشأة فوردو ليست مفاعلاً نووياً بل هي مصنع لتخصيب اليورانيوم، مصمَّم لإنتاج يورانيوم عالي التخصيب. وفيما يلي نلخّص أبرز الفروق بين مصنع التخصيب والمفاعل النووي بحسب المعلومات المتاحة. مصنع التخصيب: يُستخدم لزيادة نسبة «اليورانيوم 235» في خام اليورانيوم، وهو نظير عنصر اليورانيوم القابل للانشطار المطلوب للاستخدام في المفاعلات النووية أو الأسلحة النووية (للاستخدام السِّلمي أو العسكري). والعملية التي تجري فيه هي تحويل خام اليورانيوم إلى غاز (سداسي فلوريد اليورانيوم UF6) باستخدام تقنيات مثل الطَّرد المركزي أو الانتشار الغازي لفصل النظير U-235 (الذي يشكل نحو 0.7% من اليورانيوم الطبيعي) عن نظير آخر لليورانيوم هو U-238. ويُنتج يورانيوم مخصّب بنسب مختلفة (مثل 3-5% للمفاعلات المدنية، أو 90% للأسلحة النووية). وهكذا فإنّ مصنع التخصيب لا ينتج طاقةً مباشرة، بل يركز على إنتاج المواد النووية. أمّا المفاعل النووي: فالغرض منه توليد الطاقة مباشرةً (كهرباء أو حرارة) عبر تفاعل الانشطار النووي المتحكَّم فيه، أو لإنتاج نظائر مشعّة للأغراض الطبية والبحثية. ويحتاج أنظمة تبريد وأمان معقدة، ويكون عادةً فوق الأرض، فهو نظرياً أكثر عرضة للاستهداف مقارنة بمصانع التخصيب. والعملية التي تجري في المفاعِل هي استخدام اليورانيوم المخصَّب (عادة بنسبة 3-5%) أو البلوتونيوم كوقود. ويحدث انشطار نووي ينتج طاقة حرارية تُستخدم لتسخين الماء وتوليد بخار يحرك عنَفَات (توربينات) لإنتاج الكهرباء. ويمكن إنتاج البلوتونيوم كمنتج ثانوي، والذي يمكن استخدامه في الأسلحة النووية إذا تم فصله. ومخرجات المُفاعِل هي طاقة كهربائية، ونظائر مشعة (للطب أو البحث)، ونفايات نووية. ومن الأمثلة عليه مفاعل ديمونا «الإسرائيلي»، ومفاعل بوشهر في إيران (مفاعل طاقة مدني)، أو مفاعل يونغبيون في كوريا الشمالية (يُستخدم لإنتاج البلوتونيوم). تحليل صور الأقمار الصناعية قدّم جيفري لويس تحليلاً حول الضربات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية (فوردو ونطنز وأصفهان)، بناءً على صور الأقمار الصناعية وتقارير الاستخبارات. وأبرز النقاط في تحليله هي أن أضرار الضربة الأمريكية كانت محدودة. فرغم استخدامها للقنابل GBU57 الخارقة للتحصينات على منشأة فوردو لم تدمر الأجزاء تحت الأرض، حيث تقع قاعات التخصيب على عمق أكثر من 80 متراً تحت جبل صخري (لنتذكر أن قدرة اختراق القنابل المستخدمة نحو 60 متراً). وبحسب قراءة لويس لصور الأقمار الصناعية المتاحة، فإنها أظهرت ثقوباً في التلال (6 ثقوب منتظمة)، لكن دون دليل على تدمير قاعات الطرد المركزي تحت الأرض. وبحسب واشنطن بوست، قال لويس إنّ الضربات ربما استهدفت هيكل تهوية، مما يسمح للقنابل باختراق أعمق إذا كانت أعمدة التهوية عمودية، لكن هذا لم يؤدِّ إلى تدمير المنشأة بالكامل. نقل اليورانيوم من نطنز أكد الدكتور أبو شادي أنّ إيران نجحت في نقل 500 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% من منشأة نطنز ليلتَي 12 و13 حزيران 2025، قبل الضربات الأمريكية (التي نفّذت في 22 حزيران)، ويُحتمل أن هذه الكمية مخزَّنة في أسطوانات صغيرة، وذلك لتسهيل نقلها وحمايتها. وبالمثل لاحظ جيفري لويس أنّ صور الأقمار الصناعية قبل الضربات (20–21 حزيران 2025) أظهرت نشاطاً غير عادي للشاحنات في فوردو وأصفهان، مما يشير إلى أن إيران ربما نقلت مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب (نحو 400-900 كغ بنسبة 60%) إلى مواقع سرّية قبل الضربات. بحسب صحيفة واشنطن بوست، أشار لويس إلى أنّ الضربات الأمريكية و«الإسرائيلية» (13 و22 حزيران 2025) دمرت البنية التحتية الكهربائية فوق الأرض في نطنز، وجزءاً من «مصنع التخصيب التجريبي» فيها، لكن قاعات التخصيب تحت الأرض ربما لم تتضرّر كثيراً. وأكد لويس أن منشأة تحويل اليورانيوم في أصفهان تضرّرت بشدة بسبب صواريخ توماهوك الأمريكية، لكن الأنفاق القريبة التي يُعتقد أنها تستخدم لتخزين اليورانيوم المخصَّب لم تُدمَّر. هل انتهى البرنامج النووي الإيراني؟ بحسب قناة CNN الأمريكية، شدَّد لويس على أن الضربات الأمريكية و«الإسرائيلية» لم تنهِ البرنامج النووي الإيراني، بل أخّرته «لأشهر فقط» بحسب تقديره. وذكر بأنّ إيران ما تزال تمتلك اليورانيوم المخصّب والخبرة الفنية، وربما منشآت سرّية لم تُستهدف. واقترح أنّ الحل الوحيد إذا كانت واشنطن تأمل «وقف البرنامج النووي الإيراني بشكل دائم» هو اتفاق دبلوماسي مع تفتيش دولي، وليس الضربات العسكرية، وهو رأي مماثل لما أعرب عنه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي مؤخّراً، حيث ذكر أنّ إيران «كان لديها برنامج نووي واسع وطموح وقد يكون جزء منه لا يزال قائماً»، لافتاً بأن إيران «دولة متقدّمة في التكنولوجيا النووية ولا يمكن محو هذا بعمليات عسكرية أو دونها». بحسب تقارير لسكاي نيوز وسي إن إن (25 حزيران 2025) اعتبر جيفري لويس مزاعم الرئيس ترامب ووزير الحرب الأمريكي بيت هيغسيث بأنّ المنشآت «أُبيدت بالكامل» ادعاءاتٍ مبالَغاً فيها. وأوضح أنّ تقييم الأضرار الأولية استناداً إلى النَّمذجة قد يكون مضلّلاً، كما حدث في قصف يوغوسلافيا عام 1999، حيث تبيَّن لاحقاً أنّ الأهداف كانت «دُمى وهمية».