
"ذا أتلانتيك": الصفقة الفاسدة وراء كارثة غزّة
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
عندما عاد نتنياهو إلى السلطة في عام 2022 بعد فترة وجيزة من النفي من السلطة، فعل ذلك بدعم من أكثر حلفائه تطرفاً في تاريخ "إسرائيل"، حين احتلت أحزاب يقودها نائبان معاديان للعرب صراحة 14 مقعداً من أصل 64 في ائتلافه، وهما إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، المعروفان بدعم الإرهاب والتحريض العنصري، وبن غفير كان من أتباع مائير كهانا الحاخام الذي دعا إلى طرد عرب إسرائيل، لكن حزبه حُظر من البرلمان لتطرفه، بينما سموتريتش يدعو إلى الفصل بين اليهود والعرب في أقسام الولادة الإسرائيلية، وقال للنواب العرب في الكنيست إنّهم "أعداء وجدوا هنا بالخطأ".
كلّ من بن غفير وسموتريتش دعما وما يزالان هجمات المستوطنين العنيفة في الضفة الغربية المحتلة بهدف ضمها وحرمان الفلسطينيين المقيمين فيها من حقوقهم أو طردهم.
وأصبح كلاهما وزيرين في حكومة نتنياهو الجديدة، لأنّ الزعيم الإسرائيلي كان في أمس الحاجة إلى دعمهما في وقت الانتخابات، حين حصدت أحزاب ائتلاف نتنياهو على 48.4% فقط من الأصوات، ولم تحصل على الأغلبية البرلمانية إلّا بفضل خلل في النظام الانتخابي الإسرائيلي. هذا يعني أنّ نتنياهو وصل إلى السلطة في وضع حرج للغاية ومطلوب للمحاكمة بتهم الفساد، والآن محاط بمتطرفين قد يسقطونه إذا خالف مطالبهم.
لكنّ نتنياهو يحاول تصوير الأمور على عكس ما هي، وقد شرع بحملة علاقات عامة دولية لطمأنة العالم الخارجي بأنّه من يدير دفّة الأمور وليس المتطرفون، وقال في مقابلة إذاعية، "هم انضمّوا إلي، ولست من انضم إليهم". إلّا أنّ مسار الحرب في غزّة قد دحض هذا الادعاء بشكل قاطع. ففي لحظات حاسمة أفسدت قرارات نتنياهو لإرضاء حلفائه الذين يستطيعون إنهاء سيطرته على الحكم. وبسبب هؤلاء قوّض نتنياهو مجهود "إسرائيل" الحربي، ودمّر مكانة البلاد الدولية في الخارج. ويظهر ذلك بشكل أوضح من سياق الأحداث التي أدّت إلى أزمة الجوع في قطاع غزّة.
لقد واجهت "إسرائيل" معضلة بعد أن قتلت حركة "حماس" حوالى 1200 إسرائيلي، وأخذت المئات من الأسرى. وكانت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" هي الجهة الوحيدة القادرة على إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين خلال الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزّة، لكنّ "إسرائيل" تقول إنّ المنظمة الأممية كانت مخترقة من قبل "حماس"، التي استولت على الإمدادات وباعتها بأسعار مرتفعة لتمويل عملياتها.
وفي مواجهة هذا المأزق، إضافة إلى ضغوط إدارة بايدن للسماح بمزيد من المساعدات آنذاك، كان لدى "إسرائيل" عدّة خيارات موثوقة لتقديم المساعدة الإنسانية. بدءاً من اليوم الأول من غزوها البرّي، كان بإمكان الجيش البدء في بناء آلية مساعدة جديدة لمدنيي غزّة من خلال إنشاء مراكز توزيع غير تابعة للأونروا، بالتعاون مع شركاء محليين ودوليين، في كل منطقة تولى السيطرة عليها. أو كان بإمكان "إسرائيل" ببساطة إغراق القطاع بكمّية كبيرة من المساعدات بحيث لا تتمكّن "حماس" من إعادة بيعها بقيمة كبيرة.
كما كان لهذا الخيار الأخير الجانب السلبي المتمثّل في تحويل الغذاء والوقود إلى "حماس" في أنفاقها، ما عزّز بشكل غير طبيعي القدرة القتالية للجماعة. ولكن من الناحية الواقعية، لم تكن هناك طريقة لتجويع "حماس" وإخراجها من حصنها تحت الأرض المجهز جيداً، من دون تجويع السكان المدنيين اليائسين في غزّة أوّلاً، والذين تراهم "إسرائيل" دائماً دروعاً بشرية لحركة "حماس". 1 اب 11:15
31 تموز 12:40
لم تختر "إسرائيل" أيّاً من هذين الخيارين. بل سمحت للأونروا بمواصلة عملياتها المحدودة، مع تشديدها وتخفيفها مراراً وتكراراً استجابة لشكاوى حول تحويل مسار المساعدات. ثمّ وافقت "إسرائيل" على زيادة الإمدادات إلى القطاع خلال وقف إطلاق النار الذي استمر 42 يوماً في أول العام الجاري، ثمّ منعت وصول المساعدات جميعها وكلياً لمدة شهرين بعد ذلك.
وأخيراً مع تصاعد الأزمة في القطاع، أطلقت "إسرائيل" والولايات المتحدة مؤسسة غزة الإنسانية في أيار/مايو الماضي، في محاولة أخيرة لاستبدال "الأونروا". ولم يكن من المستغرب أن تفشل هذه الجهود لتطبيق نظام جديد كلياً، في ظل أسوأ الظروف الممكنة. وقد قتلت كلّ من القوات الإسرائيلية و"حماس" فلسطينيين كانوا يحاولون الوصول إلى مواقع التوزيع، ما تسبّب برفع أسعار المواد الغذائية في القطاع بشكل كبير، وأدّى إلى الأزمة التي نشهدها اليوم.
خيارات "إسرائيل" متناقضة ولا معنى لها من الناحية الأخلاقية أو الاستراتيجية. لكنّها منطقية سياسياً من وجهة نظر نتنياهو، الذي واجه منذ بداية الحرب ضغوطاً من اتجاهات مختلفة بعضها من الشركاء الدوليين الذين يصرّون على دعمهم للمدنيين في غزّة، وبعضها الآخر من المتطرفين في ائتلافه الحكومي، الذي يسعى إلى تطهير غزّة من المدنيين عرقياً وإعادة بناء المستوطنات اليهودية في المنطقة.
وقد دعا بن غفير وسموتريتش صراحة إلى "الهجرة الطوعية" للفلسطينيين في القطاع ودعوا إلى إنهاء المساعدات الإنسانية كوسيلة لتحقيق ذلك. وقال بن غفير مؤخّراً في وسائل التواصل الاجتماعي: "الطريقة الوحيدة لكسب الحرب وإعادة الرهائن هي وقف المساعدات تماماً، وغزو قطاع غزّة بأكمله، وتشجيع الهجرة الطوعية".
ولكبح جماح هذا الفصيل، وللحفاظ على سلطته، كان على نتنياهو ضمان أن تلبي خياراته ليس فقط الضرورات العسكرية أو الإملاءات الدولية، بل أيضاً مطالب اليمين المتطرف. كان لا بد أن تكون كلّ خطوة يقرّها ذات استخدام مزدوج ظاهري لغرض استراتيجي، ولكنّها أيضاً قادرة على تعزيز خطة اليمين المتطرف عملياً، لأنّ السعي وراء هذين الهدفين في آن واحد يتعارض مع مفهوم الحرب العادلة والناجحة، ومن المستحيل تقديم المساعدات الإنسانية وحجبها في الوقت نفسه.
كلما طال أمد الصراع، اتضحت طبيعة الخلل في صنع قرارات نتنياهو. في البداية، كبحت ضغوط إدارة بايدن جماح نتنياهو وفرضت السماح بمزيد من المساعدات وأجبرته على رفض تهجير سكان غزّة، بينما كان وزير الدفاع السابق يوآف غالانت يصرّ على إعادة القطاع إلى حكم السلطة الفلسطينية، لكنّ نتنياهو أقاله من منصبه بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، والذي اقترح نقل سكان غزّة لبناء "ريفييرا الشرق الأوسط على أرضهم.
الضغط الوحيد على نتنياهو يأتي من اليمين المتطرف، الذي يدير فعلياً سياسته الحربية ضدّ رغبات أغلبية كبيرة من الإسرائيليين الذين يعارضون إعادة المستوطنات إلى قطاع غزّة ويدعمون صفقة الأسرى لإنهاء الحرب.
يفسر هذا الواقع الكئيب وعواقبه تنامي شعور الاستبعاد لدى العديد من أقوى حلفاء "إسرائيل" الدوليين. بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ربّما ظنّ شركاء "إسرائيل" أنّهم يتعاملون مع حكومة إسرائيلية نموذجية، وإن كانت محافظة للغاية. أمّا الآن، فيبدو أنّهم يتعاملون مع حكومة سموتريتش وبن غفير في معطف على شكل نتنياهو. ومؤخّراً تحاول مجموعة من الدول الأوروبية، إضافة إلى بريطانيا وأستراليا وكندا، من دون مساعدة أميركية إعادة فرض الضغوط التي قد تجبر نتنياهو على تغيير مساره.
"حماس" تملك زمام المبادرة في كلّ هذا الآن، بينما نتنياهو يملك زمام المبادرة في كيفية تعامله مع هذه الحقائق. لقد اتخذ قراره، وسيظل الفلسطينيون والإسرائيليون يدفعون ثمنه حتى يتخذ قراراً مختلفاً.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ 43 دقائق
- الميادين
ماكرون: الأولوية المطلقة لفرنسا هي الإفراج الفوري عن جميع الأسرى في غزة
قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في تصريحات صحافية الأحد، إن "الأولوية المطلقة لفرنسا هي الإفراج الفوري وغير المشروط" عن جميع الأسرى المحتجزين في قطاع غزة. وأضاف ماكرون أنّ "باريس تطالب بنزع السلاح الكامل لحركة حماس واستبعادها تماماً من أي شكل من أشكال الحكم في القطاع". وتابع الرئيس الفرنسي: "نطالب بوقف إطلاق النار في الوقت نفسه الذي نعمل فيه على إدخال المساعدات الإنسانية العالقة عند معابر غزة بشكل واسع". اليوم 16:34 2 اب وكان ماكرون قد أعلن يوم الجمعة الماضي، عن تنفيذ بلاده عملية إسقاط جوي للمساعدات الغذائية على غزة، داعياً "إسرائيل" إلى السماح بالوصول الكامل للمساعدات الإنسانية لمواجهة خطر المجاعة في القطاع. وفي وقت سابق، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، عن نية بلاده إرسال 40 طناً من المساعدات الإنسانية إلى غزة. يُذكر أن "إسرائيل" أغلقت في 2 آذار/مارس الماضي معابر غزة أمام دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية، ما تسبب في تدهور غير مسبوق للأوضاع الإنسانية، مع تحذيرات منظمات أممية من تفشي المجاعة وارتفاع وفيات الجوع بين الأطفال والمرضى وذوي الإعاقة. ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 حتى نهاية تموز/يوليو الماضي، خلّفت الحرب على غزة نحو 60 ألف شهيد فلسطيني، إضافة إلى نحو 145 ألف جريح، وفق بيانات وزارة الصحة في القطاع.


الميادين
منذ ساعة واحدة
- الميادين
آلاف المستوطنين بينهم بن غفير يقتحمون الأقصى في "ذكرى خراب الهيكل"
اقتحم وزير "الأمن القومي" الإسرائيلي إيتمار بن غفير، صباح اليوم الأحد، المسجد الأقصى المبارك، على رأس مجموعات كبيرة من المستوطنين الذين أدّوا طقوساً تلمودية جماعية، بالتزامن مع ما يُسمّى بـ"ذكرى خراب الهيكل"، في تصعيد خطير أثار استنكاراً واسعاً في الأوساط الفلسطينية. وبلغ عدد المقتحمين نحو ـ4000 مستوطن، دخلوا على دفعات إلى باحات الأقصى بحماية مشدّدة من قوات الاحتلال، وسط صلوات جماعية، وهتافات ورقصات وصراخ داخل المسجد. وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال، إيتمار بن غفير، يقتحم #المسجد_الأقصى المبارك برفقة شرطة الاحتلال. وتزامن ذلك مع اقتحامات جماعية نفذها مستوطنون لساحات المسجد، حيث أدّوا طقوساً تلمودية وغنّوا بصوت جماعي.#الميادين بين المقتحمين، إضافة إلى بن غفير، برزت مشاركة عضو "الكنيست" الإسرائيلي عميت هاليفي، المعروف بدعواته لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً. اليوم 15:51 اليوم 14:55 وفي المقابل، مُنع الفلسطينيون من دخول المسجد الأقصى ومن دخول البلدة القديمة كلّها عبر الأبواب القريبة من الأقصى. وكان بن غفير قد قاد، في ساعة متأخّرة من ليل السبت–الأحد، مسيرة استفزازية للمستوطنين في البلدة القديمة من القدس المحتلة، في تحشيد تمهيدي لاقتحامات الأقصى اليوم، وصرّح خلالها بتحدٍّ واضح قائلاً: "نحن لا نكتفي بالحِداد، بل نفكّر في بناء (الهيكل)، وفي فرض الحكم والسيادة... فعلنا ذلك في أماكن كثيرة وسنفعل ذلك أيضاً في غزة". وتأتي هذه الاقتحامات ضمن خطة منظّمة، كانت منظّمات "الهيكل" قد دعت إليها خلال الأيام الماضية، في محاولة لجعل الثالث من آب/أغسطس "يوم الاقتحام الأكبر" في الأقصى، مستفيدة من دعم حكومي كامل مع أجندتها الدينية والسياسية. وحذّرت محافظة القدس من خطورة هذه المناسبة هذا العام، واصفةً إياها بأنها "الأكثر تهديداً للمسجد الأقصى منذ سنوات"، خاصة أنّ اقتحام اليوم يسعى لكسر الخطوط الحمر الدينية والقانونية المفروضة على سلوك المستوطنين داخل الحرم، في ظل دعم إسرائيلي رسمي. يُذكر أن بن غفير كان قد أصدر، في الأسابيع الماضية، تعليمات مباشرة لشرطة الاحتلال بالسماح للمستوطنين بالغناء والرقص داخل المسجد الأقصى، وهو ما اعتبره الفلسطينيون تمهيداً لفرض "وقائع جديدة" بالقوة، بعد إعلانه في أيار/مايو الماضي أن "الصلاة والسجود أصبحت ممكنة في جبل الهيكل".


LBCI
منذ ساعة واحدة
- LBCI
ماكرون يندد بـ"قسوة مطلقة" بعد مقاطع الفيديو للرهينتين الإسرائيليين في غزة
ندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ"قسوة مطلقة ووحشية بلا حدود" بعد نشر حركتي حماس والجهاد الإسلامي مقاطع فيديو لاثنين من الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة، بدا عليهما فيها الوهن والهزال. وأورد ماكرون عبر منصة إكس "قسوة مطلقة ووحشية بلا حدود: "هذا ما تجسّده حماس. الصور التي لا يمكن احتمالها... وتظهر الرهينتين الإسرائيليين في غزة، تذكّرنا بذلك برعب"، مشددا على أن "الأولوية المطلقة والضرورية بالنسبة إلى فرنسا هي الإفراج الفوري عن كل الرهائن".