
عقيدة بيغن.. عندما تحبط إسرائيل أي حلم نووي بالمنطقة
لمّحت غرين في تغريدتها إلى أن معارضة كينيدي للمشروع النووي الإسرائيلي في الشرق الأوسط كان أحد أسباب اغتياله في عام 1963. ففي حقبة الستينيات، بنت إسرائيل مشروعها النووي في عملية سرية تمامًا لم تطلع أحدًا عليه بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA).
وبينما اتفقت إسرائيل مع فرنسا لبناء مفاعل ديمونا سرًا، خدعت إسرائيل الولايات المتحدة طيلة عقد الستينيات وأخبرتها أنها تبني مشروعًا نوويًا لأهداف سلمية، ولا نية لها لبناء سلاح نووي في المستقبل القريب. لم يكن كينيدي مطمئنًا لنيات الإسرائيليين فأرسل عدة وفود تقنية لمتابعة المشروع النووي الإسرائيلي، إلا أن كافة الوفود تعرضت للتلاعب والخداع من قبل الإسرائيليين.
لكن على قدر الغموض الذي أحاط بالمشروع النووي الإسرائيلي منذ تأسيسه وإلى اليوم، إلا أن بُعدًا واحدًا فيه كان شديد العلنية والوضوح، ويتم التأكيد عليه مرارًا منذ ثمانينيات القرن الماضي؛ ألا وهو أن دولة الاحتلال هي شرطة الذرة في المنطقة، بمعنى أنها لا تسمح لأي دولة في محيطها الإقليمي أن تمتلك سلاحًا نوويًا، ولا ترى أميركا أنه يحق لأي دولة في المنطقة أن تمتلك القدرات النووية اللازمة لتطوير أسلحة نووية سوى دولة الاحتلال.
سُميت هذه المبادئ الإسرائيلية بـ"عقيدة بيغن"، وتجددت هذه العقيدة مع اندلاع الحرب الإسرائيلية-الإيرانية في يونيو/حزيران 2025، حينما صرح نتنياهو في بداية الحرب أن هدف العملية هو تفكيك القدرات النووية الإيرانية، وكبح قدراتها على تطوير أسلحة نووية، وتدمير البنية التحتية لمشروعها النووي "كي لا تشكل تهديدًا لإسرائيل".
لم تكن هذه الضربة الإسرائيلية لإيران هي الأولى من نوعها للمشاريع النووية في الشرق الأوسط. فقبلها، تحديدًا في سبتمبر/أيلول 2007، ضربت إسرائيل مفاعل نووي في سوريا بستة عشر طنًا من المتفجرات، كما أنها ناصبت العداء للمشروع النووي الليبي بعدما انتبهت له، وهو المشروع الذي تم تفكيكه في بداية الألفية الثانية. وقبلهما، دمّرت إسرائيل مفاعل العراق النووي في عام 1981م، وتعد تلك الأخيرة اللحظة التأسيسية لما سُمي "عقيدة بيغن" التي صارت حاكمة للاستراتيجية النووية الإسرائيلية في المنطقة منذ تلك اللحظة إلى يومنا هذا.
فما قصة التدخلات الإسرائيلية على المشاريع النووية للمنطقة؟ وكيف تأسست "عقيدة بيغن" وعانت منها المنطقة العربية ولم تسمح لأحد أن يمتلك قوى نووية سوى دولة الاحتلال؟
العملية أوبرا – العراق – مفاعل أوزيراك – 1981م
تعود طموحات العراق النووية إلى الخمسينيات من القرن الماضي، حينما تفاهمت العراق مع الاتحاد السوفياتي لبناء مفاعل بحثي في العراق عام 1959. وتزامنًا مع صعود صدام حسين إلى الحكم، كان مسؤولًا عن الملف النووي كذلك. وفي عام 1975 زار صدام حسين الاتحاد السوفياتي وطلب منهم تطوير برنامجه النووي، إلا أنهم اشترطوا عليه أن يكون البرنامج تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأمر الذي قابله صدام بالرفض.
اتجه صدام إلى الغرب باحثًا عن مطوّر لطموحه النووي، ووجد ضالته عند فرنسا في نفس العام، 1975. وقع العراق اتفاقية تعاون نووي مع فرنسا بقيمة 300 مليون دولار (ما يوازي 1.8 مليار دولار تقريبًا بالقيمة الحالية مع حسابات التضخم). تضمنت الصفقة شراء مفاعلين نووين بحثيين، الأول من فئة أوزوريس والثاني من فئة إيزيس، كما تضمنت الصفقة كذلك شراء كميات محدودة من اليورانيوم المخصب، بالإضافة إلى الخبرة التقنية الفرنسية، وتصدير مواد بناء المفاعل، والإشراف الفرنسي على المشروع.
أطلقت فرنسا اسم "أوزيراك" على المفاعل المصدّر للعراق (وهي كلمة تجمع بين أوزيريس والعراق)، بينما سمّاه النظام العراقي "تموز 1″، أما المفاعل الثاني "إيزيس" فقد سمّاه العراق "تموز 2". بدأ بناء المفاعل "أوزيراك" في عام 1979 في مجمع التويثة للأبحاث النووية، على بُعد حوالي 17 كيلومتراً جنوب شرق بغداد. بدورها، ضغطت إسرائيل على فرنسا من أجل منع شحنات اليورانيوم، وتقليل نسبة التخصيب. وبالمقابل، كان الدعم الفرنسي لهذا المشروع حريصًا على إبقاء المشروع النووي العراقي مدنيًا وسلميًا، رغم إن طموح صدام كان أوسع من أهدافه المدنية.
في الحقيقة، ورغم أن فرنسا لم تعلن ذلك صراحة لصدام، إلا أنها تلاعبت باليورانيوم المصدر إلى العراق خشية استغلاله لتطوير أسلحة نووية. ففي وثائق سرية كشف عنها النقاب في عام 2021، أوضحت الوثائق أنه قبل الشروع في بناء "أوزيراك" عام 1979، التقى مسؤولون أميركيون بنظرائهم الفرنسيين ليسائلوهم حول مدى قدرة صدام حسين على تحويل مشروع العراق النووي إلى أسلحة دمار شامل. أكد الفرنسيون للأميركان أن اليورانيوم "تم تعديله كيميائيًا سرًا لجعلها غير صالحة للاستخدام كأسلحة".
بدورها، اعتبرت إسرائيل أن امتلاك العراق لقدرات نووية متقدمة يشكل تهديداً وجودياً لها، خاصة في ظل الخطاب العدائي المتكرر من قبل صدام حسين ضد الكيان الصهيوني. بالإضافة إلى ذلك، كانت إسرائيل تدرك أن نجاح العراق في تطوير برنامج نووي قد يشجع دولاً عربية أخرى على اتباع نفس المسار، مما يقوض التفوق النووي الإسرائيلي في المنطقة.
نجح رونالد ريغان في انتخابات الرئاسة الأميركية أواخر عام 1980، ولم توضع احتواء المشروع النووي العراقي على أجندتها، بينما واصلت فرنسا دعمها النووي للعراق، وجدت إسرائيل نفسها وحيدة في مواجهة المشروع العراقي، ووجدت أن فرصها تتقلص في قمع الطموح النووي العراقي كلما طال به الأمد.
أمام هذا المأزق، قررت إسرائيل ألا تنتظر الولايات المتحدة ولا أوروبا، وقررت ضرب المفاعل النووي العراقي قبل بدء عملية تخصيب اليورانيوم لتجنب التلوث الإشعاعي، لكن، وبحسب ديفيد إيفري، السفير الإسرائيلي الأسبق للولايات المتحدة، لم تكن إسرائيل تملك سوى طائرات F-4 التي لا تستطيع التحليق لمسافة أكثر من 1500 كيلومتر، بينما كانت المسافة الإجمالية للرحلة الجوية ذهابًا وإيابًا من الأراضي المحتلة إلى المفاعل العراقي تتجاوز 2000 كيلومتر، كما إن عمليات التزويد بالوقود في منتصف الرحلة الجوية وأنظمة التتبع الملاحي GPS لم تكن متوفرة في ذلك الوقت، بالإضافة إلى أن الحمولة الكبيرة للمتفجرات لن تمكّن الطائرات تلك من تنفيذ المهمة.
وفي عام 1980، كما يروي المؤرخ الأسترالي توم كوبر و الباحث في الشؤون الإيرانية فارزاد بيشوب، تواصلت إسرائيل مع النظام الثوري الناشئ في إيران للتنسيق معه حول مواجهة التهديد المشترك لصدام حسين. وبحسب روايتهما، ناقشت إسرائيل ضرب المفاعل النووي العراقي مع النظام الإيراني.
تجاوزت الرغبة الإسرائيلية في ضرب مفاعل العراق الغرف المغلقة والاتصالات الأمنية مع إيران، فبعد اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية، تحديدًا في 27 سبتمبر/أيلول 1980، حرض يهوشع ساغي (Yehoshua Sagi)، رئيس استخبارات جيش الاحتلال الإسرائيلي آنذاك، الإيرانيين علنًا على الهجوم، مُعربًا عن دهشته من "عدم محاولة إيران قصف المفاعل النووي العراقي قيد الإنشاء قرب بغداد".
لم يدم انتظار الإسرائيليين طويلًا، ففي 30 سبتمبر/أيلول 1980، انطلقت عملية "السيف المشتعل" من طهران، وانطلقت طائرتان إيرانيتان من طراز فانتوم الأميركية لتقصفا مفاعل أوزيراك النووي. لكن الضربة فشلت في تحقيق أهدافها وتسببت في أضرار جزئية بالمفاعل العراقي فحسب وفي مبانيه الثانوية فقط، فأدركت إسرائيل أن عليها تنفيذ المهمة بنفسها.
لم يكن قرار الحكومة الإسرائيلية برئاسة مناحيم بيغن بتدمير المفاعل النووي العراقي قرارًا سهلًا، بل كما وصفه مسؤولون إسرائيليون بأنه قرار "بطولي وصعب"، لأنه يعرض إسرائيل لتعقيدات ومشاكل دبلوماسية كبيرة من ناحية فرنسا، كونها المستثمر الأكبر في المشروع النووي العراقي، ومع المنطقة العربية من ناحية أخرى كونها بيئة معادية ابتداءً.
كان قرار بيغن جذريًا، وقد أتى بعد عدة محاولات إسرائيلية لتفكيك المشروع النووي العراقي عدة مرات بالفعل، مرة عبر تخريب معداتٍ مخصصةٍ للمنشأة التي كانت فرنسا على وشك تسليمها للعراق عام 1979. ومرة في عام 1980، حين اغتالت إسرائيل العالم النووي المصري يحيى المشد ، الذي كان له دور كبير في المفاعل النووي بالعراق. ومرة عبر وسائل الضغط الدبلوماسية على الفرنسيين ولقف مساعداتهم النووية للعراق، كما تناقشت إسرائيل مع الولايات الأميركية كذلك في الضغط على إيطاليا من أجل وقف تصدير البلوتونيوم إلى العراق.
لكن كل هذه المحاولات أدت إلى تأخير المشروع بضعة أشهر أو سنوات قليلة فحسب، ولم تؤدِّ إلى التفكيك الكامل، وحينها كان قرار بيغن استثنائيًا في تلك الحقبة والأول من نوعه منذ الحرب العالمية الثانية. لكن إذا أرادت إسرائيل تدمير المفاعل العراقي بهجمة جوية، فكيف ستتجاوز المعضلات التقنية للطائرات؟
إعلان
استطاعت إسرائيل تجاوز هذه الأزمة عندما استغلت فرصة توقيف الولايات المتحدة لشحنة طائرات F-16 كانت موجهة إلى نظام الشاه قبل إسقاطه ، فعرضت أميركا الطائرات على إسرائيل، وقبلت إسرائيل بالصفقة فورًا حتى قبل الإجراءات البيروقراطية المتعارف عليها، وبذلك توفرت لدولة الاحتلال القوة اللازمة لضرب المفاعل العراقي.
وفي السابع من يونيو 1981، قامت إسرائيل بمهاجمة وتدمير مفاعل أوزيراك للأبحاث النووية، باستخدام طائرات F-15 و F-16 الأميركية الصنع لتنفيذ الهجوم. قُتل في الهجوم عشرة عراقيين ومهندس فرنسي. انطلقت المهمة، التي أسمتها العملية أوبرا (واشتهرت بالعملية بابل كذلك)، من قاعدة عتصيون الجوية في صحراء النقب، حيث خرج ثمانية طيارين مقاتلين في منتصف الليل لشن الضربة، حاملين 16 طنًا من المتفجرات، ودمروا المفاعل النووي العراقي. كانت الطائرات الإسرائيلية تحلق على ارتفاعات منخفضة لتجنب الرادارات، وقد استفادت من المجال الجوي السعودي والأردني دون إذن منهما.
أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إدانتها للهجوم وعلّقت أي تعاون تقني مع إسرائيل، كما أدان مجلس الأمن الهجوم. أما الإدارة الأميركية، فقد أوقفت صفقة F-16 إلى إسرائيل، ثم أعادت العلاقات كما هي بعد بضعة أشهر. بدورها، أبدت السعودية استياءها للولايات المتحدة الأميركية، لأن الطائرات الإسرائيلية تواصلت مع القواعد الأرضية السعودية وخدعتهم بمحاكاة لهجة الأردن وزعموا أنهم أردنيون انحرفوا عن المسار الطبيعي وأنهم في طريقهم للعودة إلى الأردن.
من ناحيتها، استاءت فرنسا من تدمير استثماراتها وتعطيل خطها التجاري مع العراق. منذ بداية التعاون بين فرنسا والعراق، أكّدت الأولى أنها تضمن أن المنشأة النووية التي بنتها للعراق ليست صالحة لإنتاج أسلحة نووية على المدى المتوسط. حتى إنه في عام 2005، علّق ريتشارد ويلسون، أستاذ الفيزياء بجامعة ستانفورد والذي عاين الأضرار الناتجة عن القصف في زيارة للمفاعل عام 1982، قائلًأ: "كان مفاعل أوزيراك الذي قصفته إسرائيل في يونيو/حزيران 1981 مصمماً بشكل واضح من قبل المهندس الفرنسي إيف جيرارد ليكون غير مناسب لصنع القنابل. كان ذلك واضحاً لي خلال زيارتي عام 1982″.
هذا التصريح من خبير نووي معتبر أثار تساؤلات جديدة حول ضرورة الضربة الإسرائيلية ومبرراتها، فما الذي يدفع إسرائيل لهذه المخاطرة وتهديد علاقاتها مع العديد من الدول من أجل ضرب المشروع العراقي؟ يكمن الجواب في نتائج الضربة التي لم تقتصر على العراق فحسب، وإنما أسست لنظام نووي حاكم جديد في المنطقة، سُمي بـ"عقيدة بيغن".
جاءت تسمية هذه العقيدة من التصريحات التي ألقاها رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغن بعد الضربة بأيام، حيث قال في لقاءين منفصلين: "لن نسمح لأي عدو بتطوير أسلحة دمار شامل ضدنا.. سيكون هذا الهجوم سابقة لكل حكومة إسرائيلية قادمة.. سيتصرف كل رئيس وزراء إسرائيلي مستقبلي، في ظروف مماثلة، بنفس الطريقة".
هذه الهجمة الجوية كانت الأولى من نوعها ضد أي منشأة نووية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية. كما أن آثارها السياسية والإستراتيجية لا تزال بصماتها ملحوظة وحية في منطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي ستعاني منه ثم سوريا، ثم حاليًا إيران. لكن الطريق الإسرائيلي إلى ضرب المشروع النووي السوري مرّ أولًا بالمشروع النووي الليبي، ولا يمكن فهم هذا دون ذاك.
تفكيك المشروع النووي الليبي في 2003
رغم أنه لم يكن لإسرائيل دور مباشر في تفكيك المشروع النووي الليبي عام 2003، إلا أنه من أبرز الأحداث في تاريخ منع انتشار الأسلحة النووية، لأنه أسس لما سُمي لاحقًا بـ"النموذج الليبي"، والذي يعنى به تسليم دولة لكافة معدّاتها وتفكيك مفاعلاتها تحت أعين أميركا ومؤسساتها الدولية، ومنذ ذلك الحين ظل النموذج الليبي هو النموذج الذي طالما نادى نتنياهو به في المفاوضات النووية لأميركا مع إيران.
كانت نهاية النموذج الليبي متوقعة ومفاجئة في الآن ذاته، ففي 19 ديسمبر/كانون الأول 2003 أعلن الزعيم الليبي السابق معمر القذافي طوعيا عن تخلي بلاده عن برنامجها النووي السري. ورغم أن المفاوضات كانت جارية بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا من جهة، وليبيا من جهة أخرى، إلا أن الإعلان المفاجئ أذهل المسؤولين الغربيين قبل العرب. منذ ذلك الحين، بدأت الوكالات الدولية والمؤسسات الأميركية في الإشراف على تفكيك الأسلحة النووية والكيميائية والصواريخ الباليستية طويلة المدى للدولة الليبية.
يشكل "النموذج الليبي" قصة نجاح للدول الغربية في تفكيك قوة نووية عربية بشكل سلمي. لكن، وبينما تركزت الأضواء على الدور الأميركي والبريطاني في هذا الإنجاز الغربي، إلا أن الدور الإسرائيلي فيه سيمكّننا من فهم دور إسرائيل في ضرب المشروع النووي السوري لاحقًا في 2007.
منذ صعود القذافي للسلطة، بات المشروع النووي أحد أهدافه التي يود تحقيقها على الأراضي الليبية لمواجهة البرنامج النووي الإسرائيلي السري. ورغم إن ليبيا وقعت على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1968، وصدقت عليها عام 1975، إلا أن القذافي بدأ في الإعداد سرًا لبناء أسلحة نووية. وبين أعوام 1978م و1981، اشترت ليبيا كميات من اليورانيوم من النيجر، وبنى الاتحاد السوفياتي مفاعل نووي بحثي في ليبيا، واستعان القذافي بمجموعة من الطلبة كان قد أوفدهم إلى باكستان لدراسة العلوم النووية.
لكن مع حادثة الطائرة لوكيربي عام 1988، اشتدت العقوبات الأميركية المفروضة على ليبيا وعملت على حصار وتضييق الطاقات والموارد الليبية، الأمر الذي عطل طموح القذافي النووي. ومع نهاية الحرب الباردة عام 1991 وصعود إدارة كلينتون إلى السلطة، أدرك القذافي أن العقوبات ستقسم ظهر ليبيا، فبدأ القذافي في التقرب من الإدارة الأميركية بغية رفع العقوبات.
وفي 2001، عقب أحداث سبتمبر، أرسلت إدارة بوش الابن رسالة شديدة اللهجة إلى القذافي خاطبته فيها قائلة: "إما أن تفكك أسلحة الدمار الشامل وإما سيدمرها بوش شخصيًا ويدمر كل شيء بلا نقاش". حينها بدأ النظام الليبي في الرضوخ للمطلب الأميركي وتسريع عملية المفاوضات، لكن المحفز الأكبر لإعلان ليبيا التخلي عن الأسلحة النووية، وفقًا للصحفية الأميركية جوديث ميلير، كان القبض على صدام حسين في ديسمبر 2003، وهو نفسه العام الذي رُفعت فيه العقوبات الأميركية.
طيلة هذه العقود لم تكن إسرائيل شريكًا في التنسيق الاستخباري بين لندن وواشنطن، واستبعد الأميركان والبريطانيين الموساد من الصورة، ورغم تلقي الموساد تقارير سابقة عن نشاط نووي مشتبه به في ليبيا، إلا أن هذه المعلومات "لم تكن كافية لإجراء تقييم استخباراتي دقيق".
وبمجرد إعلان القذافي تخليه عن مشروعه النووي في ديسمبر 2003م، تحرك الموساد على وجه السرعة لسد هذا الفراغ، فتعقب شبكة السوق السوداء الباكستانية لعبد القدير خان ، الملقب بـ"أبي القنبلة النووية الإسرائيلية"، وارتباطاتها بليبيا. وفي غضون أيام، أمر رئيس الموساد، أمنون سوفرين، بإجراء مراجعة إقليمية شاملة لأنشطة خان؛ الذي لم يكن نشاطه معتبرًا بقوة داخل الموساد، وحدد الموساد ليبيا وسوريا كأهداف للمراقبة المكثفة.
يمكن القول أن المشروع النووي الليبي، وإن لم يكن للإسرائيليين دورًا مباشرًا فيه، إلا أنه كان كاشفًا عن النقاط العمياء لدى الموساد، وممهدًا لتكثيف نشاط الموساد في سوريا، وهو الأمر الذي سيجني الموساد ثماره مع اكتشافهم للمشروع النووي السوري الذي دمّروه في عام 2007.
شكّل عمى الموساد عن البرنامج النووي الليبي نقطة نظام لإسرائيل. فوفقًا لأمنون صفرين، الرئيس الأسبق لقسم المخابرات العسكرية ، "صُدمت" إسرائيل في 2003 عندما علمت أن النظام الليبي في مرحلة متقدمة من برنامجه النووي بينما لا يعلم الإسرائيليون عنه شيئًا. وحينها تتبع الموساد تحركات عبد القدير خان، وبدأ في تجميع المعلومات حول النظام السوري.
عملية "خارج الصندوق"
لم يكن الموساد في غفلة كاملة عن طموح حافظ الأسد النووي، فخلال عقد التسعينيات، سعى حافظ الأسد إلى شراء مفاعلات نووية بحثية من الأرجنتين ومن روسيا، لكن الضغط الأميركي حال دون إتمام الصفقات. امتلك الموساد منذ 2002 بعض المعلومات الأولية عن وجود مشروع استراتيجي مجهول قد يرقى لمستوى التهديد النووي في سوريا، إلا أن الموساد لم يرَ أن هذه المعلومات كانت تستحق أن يُفرد لها عملية خاصة. لكن بعد "صدمة" القذافي، وتحديدًا في فبراير 2004، أطلق الموساد أول وثيقة تحذر من احتمالية تملك النظام السوري لمشروع نووي، وبدأ التركيز الإسرائيلي في سوريا.
بدأ الموساد في إدراك بعض مواقع المشروع النووي السوري بحلول نهاية عام 2006، كما لاحظ الموساد ازدياد نشاط الكوريين الشماليين في سوريا، إما للتعاون في الترسانة الصاروخية لسوريا، وإما للعلاج في المستشفيات السورية. دخل الموساد سباقًا مع الزمن لتحديد ماهية النشاط النووي، لكنه لم يعرف من أين يبدأ.
عززت بعض الحوادث احتمالية تعاون النظام السوري مع الكوريين الشماليين في بناء أسلحة نووية. فمثلًا في أبريل/نيسان 2004 انفجر قطار في كوريا الشمالية محدثًا آثار ضخمة وقُتل فيه أكثر من 160 إنسانًا، لاحقًا تبين أن القطار تم تفجيره بشكل عمد، ولقى أكثر من عشرة سوريين كانوا يعملون في هيئة الطاقة الذرية السورية حتفهم. وفي يوليو 2007، وقع انفجار بالقرب من حلب قُتل فيه إيرانيون وثلاثة تقنيين على الأقل من كوريا الشمالية.
تحت ضغط الزمن، وفي سبيل اكتشاف موقع المفاعل أو الأسلحة النووية، اضطر الموساد إلى تنفيذ عملية جريئة في فيينا في مارس عام 2007، و نشرت مجلة نيويوركر في 2012 تقريرًا عن تفاصيل العملية. ففي 2007 كان رئيس هيئة الطاقة الذرية السورية، إبراهيم عثمان، يحضر مؤتمرًا في فيينا لوكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، واستغلت وحدة من الموساد حضوره للمؤتمر فاقتحمت غرفته الفندقية، واستولت على معلومات وصور سرية من حاسوبه الشخصي، ثم رحلت بلا أثر.
أظهرت الصور للموساد مبنىً غامضاً شُيد في الصحراء يحوي مفاعلاً نووياً مبرداً بالغاز لصناعة البلوتونيوم، وشاركت فيه كوادرٌ من كوريا الشمالية، ومع توارد تقارير الموساد عن زيارات لخبراء كوريين شماليين لموقع الكبار في دير الزور ووجود أعمال بناء مشبوهة هناك، حدد الموساد موقع المفاعل النووي السوري الذي بُني على النمط الكوري الشمالي.
عندما عُرضت المعلومات على رئيس الوزراء الإسرائيلي حينذاك إيهود أولمرت، قرر فورًا تنفيذ "عقيدة بيغن" وضرب المفاعل بضربة جوية مباغتة. جهز الموساد خطته وعرضها على الأميركان، فاختلف الإسرائيليون والأميركان حول خطورة ضرب المفاعل. فبينما أكدت المخابرات الأميركية أن الضربة ربما تشعل حربًا كبيرة في المنطقة، إلا أن تقديرات الموساد طمأنت الأميركان بأن الضربة لن تتسبب في حرب بين سوريا وكيان الاحتلال مادامت الضربة سرية ولم يعلن عنها. لم يعطِ الأميركان الضوء الأخضر لإسرائيل لكنهم لم يمنعوهم كذلك. فهم أولمرت الرسالة ووجه الضربة.
وفي 6 سبتمبر/أيلول 2007، بدأت عملية "خارج الصندوق" (سُميت أيضًا عملية البستان) فانطلقت طائرات إسرائيلية فجرًا ودمّرت المفاعل النووي السوري "كبر" في دير الزور، وقٌتل في الغارة الإسرائيلية 10 تقنيين من كوريا الشمالية، بحسب وسائل إعلام. وللسنوات العشر القادمة، ظلت إسرائيل من ناحية والنظام السوري من ناحية أخرى ترفضان الاعتراف بأي عملية وبأي معلومات حول وجود مفاعل نووي، رغم أن المخابرات الأميركية والوكالة الدولية للطاقة الذرية أقرا لاحقًا بوجود مفاعل نووي في ذلك المكان.
ثم في 2018، أي بعد إحدى عشر سنة من العملية، اعترفت إسرائيل بالعملية. وأكد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك، غادي إيزنكوت، أن رسالة الهجوم كانت واضحة: تنفيذ عقيدة بيغن كما تم التصريح بها منذ ستة وعشرين عامًا، فقال: "لن تسمح دولة إسرائيل ببناء قدرات تهدد وجودها". وفي 2022م نشر الجيش الإسرائيلي على قناته على موقع يوتيوب وثائقي قصير عن عملية الاستهداف، مكررًا نفس اللهجة التحذيرية لعقيدة بيغن.
لكن لماذا قرر الجيش الإسرائيلي نشر الوثائق والمقاطع المصورة بعد إحدى عشر عامًا من السرية؟ الجواب هو ما كتبه وزير المخابرات الإسرائيلي يسرائيل كاتس على صفحته الشخصية على موقع تويتر حينذاك، فقد صرح في نفس توقيت نشر الوثائق أن إسرائيل قصفت المفاعل النووي السوري منذ 11 عامًا مضت، وأنها لن تسمح لأي دولة مثل إيران أن تمتلك قوة نووية تهدد بها إسرائيل.
وبينما أصدرت عدة جهات دولية إدانات واسعة للهجوم الإسرائيلي على مفاعل أوزيراك في 1981، لم تكن هناك أية إدانات ذات اعتبار حقيقي في 2007، الأمر الذي يشير إلى تحول المزاج الغربي تجاه دولة الاحتلال.
كتبت الضربة الجوية للمفاعل السوري سطرًا جديدًا من سطور "عقيدة بيغن" في المنطقة. فبعدما دمر الإسرائيليون المشروع النووي العراقي عام 1981، وتفكك المشروع النووي الليبي في 2003، وقصفت إسرائيل المفاعل النووي السوري في 2007، لم يتبق لهم سوى إيران، والتي حاولوا بطرق دبلوماسية وأمنية تفكيك مشروعها النووي.
إلا أنه بعد فشل المحاولات الإسرائيلية في احتواء الطموح النووي الإيراني، وإيمانًا بعقيدة بيغن الإسرائيلية، شن نتنياهو حربًا في يونيو 2025 على إيران بهدف أساسي: تفكيك المشروع النووي الإيراني وإنهاء أي خطر على إسرائيل. فطبقًا لعقيدة بيغن، لا يُسمح لأي دولة في المنطقة إلا إسرائيل بتملك السلاح النووي، وهكذا يضمن الغرب التفوق الإستراتيجي لدولة الاحتلال، وتبقى إسرائيل هي شرطة النووي في المنطقة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
تعديل ضريبة القيمة المضافة في مصر يهدد برفع الأسعار
القاهرة – أقر مجلس النواب في مصر تعديلات جديدة على قانون ضريبة القيمة المضافة تشمل المقاولات، والسجائر، والمشروبات الكحولية، إلى جانب استحداث ضريبة قيمة مضافة على البترول الخام، ما يفتح الباب لتساؤلات حول التداعيات المتوقعة لهذه السياسات الضريبية على أسعار السلع والخدمات. وأوضحت مصلحة الضرائب المصرية، في أعقاب إقرار مجلس النواب التعديلات، أن الهدف منها هو إجراء تعديلات محدودة في ضريبة القيمة المضافة، وأن هذه التعديلات تهدف إلى توسيع القاعدة الضريبية وإصلاح بعض التشوهات، بما يدعم القدرة على تمويل زيادات الإنفاق على التنمية البشرية. وأكدت المصلحة في الوقت نفسه عدم المساس بالإعفاءات الضريبية للسلع الأساسية والغذائية، وكذلك الخدمات الصحية والتعليمية، مشيرة، في بيان، إلى أن إخضاع البترول الخام لضريبة الجدول بفئة 10%، بدلا من المنتجات البترولية، لن تترتب عليه أي زيادة إضافية في أسعار المنتجات البترولية بالسوق المحلية. ما علاقة صندوق النقد؟ تأتي هذه التعديلات الضريبية بعد نحو شهر من إعلان صندوق النقد الدولي الشهر الماضي الانتهاء من المراجعة الخامسة لبرنامج التمويل المصري، البالغ قيمته 8 مليارات دولار والموقّع في مارس/آذار 2024، لكن الصندوق أشار إلى أنه سيتم استكمال مراجعة بقية السياسيات لاحقا. وقال الصندوق الأسبوع الماضي إنه يعتزم جمع المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج إقراض مصر في خريف العام الجاري، وذلك لمنح السلطات مزيدا من الوقت لتحقيق الأهداف الأساسية لبرنامجها للإصلاح الاقتصادي. وقالت المتحدثة باسم الصندوق جولي كوزاك، في إفادة صحفية دورية، إن خبراء الصندوق يعملون مع السلطات المصرية على وضع اللمسات الأخيرة على الإجراءات الرئيسية للسياسة الاقتصادية، خاصة تلك المتعلقة بدور الدولة في الاقتصاد. ومن شأن قرار دمج المراجعتين تأخير صرف دفعة جديدة من الأموال لمصر لنحو 6 أشهر، وقالت كوزاك إنه من السابق لأوانه مناقشة حجم أي مبلغ متوقع صرفه فيما يتعلق بالمراجعتين المجمعتين. تعديلات مراقبة تتوافق تعديلات مجلس النواب مع خطط مصر لتنفيذ إجراءات تهدف إلى زيادة حصيلة ضريبة القيمة المضافة، ويتضمن ذلك ضم قطاعات جديدة أو تطبيق الضريبة على سلع وجهات كانت معفاة منها سابقا، وفق توصيات صندوق النقد. كان رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب فخري الفقي كشف في تصريحات سابقة لـ"الجزيرة نت" أن ثمة تعديلات تهدف إلى إعادة النظر في قائمة السلع والخدمات المعفاة من ضريبة القيمة المضافة (نحو 57 سلعة وخدمة)، لزيادة الحصيلة الضريبية، وأرجع ذلك إلى تغير الظروف التي استدعت هذه الإعفاءات سابقا. كم توفر الضرائب الجديدة؟ تتيح التعديلات الجديدة على قانون ضريبة القيمة المضافة للحكومة ما يلي: زيادة أسعار السجائر المحلية والمستوردة بنحو 23% والمشروبات الكحولية 15%. إخضاع قطاع المقاولات وأعمال التشييد والبناء للسعر العام للضريبة بنسبة 14% بدلا من 5%. استحداث ضريبة قيمة مضافة على البترول الخام بنسبة 10%. تهدف التعديلات الضريبية الجديدة، التي أقرها البرلمان، إلى زيادة الحصيلة الضريبية بنحو 105 مليارات جنيه (2.1 مليار دولار)، وفق تصريحات وكيل لجنة الخطة والموازنة بالمجلس ياسر عمر. الجباية تزيد الأعباء انتقد الخبير الاقتصادي أحمد خزيم، رئيس منتدى التنمية والقيمة المضافة، توسع الحكومة المصرية في ما أسماه "سياسة الجباية"، مؤكدا أن "العجز المزمن في الموازنة العامة يدفع الحكومة لزيادة الضرائب والرسوم، حيث يذهب أكثر من 64% من الموازنة لسداد الديون وفوائدها، ولن تتوقف عند هذا الحد". وأشار إلى أن الحكومة تمول العجز من جيوب المواطنين، مع تشكيل الضرائب أكثر من 80% من الإيرادات. وأوضح المتحدث، لـ"الجزيرة نت"، أن الحكومة تقصد بالضرائب الجديدة الضرائب المباشرة، في حين تؤدي الضرائب غير المباشرة (مثل الرسوم ودمغة وضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات) إلى زيادة الأسعار بشكل مباشر على المواطن. وتوقع خزيم أن تواصل أسعار العقارات ارتفاعها نتيجة التعديلات. وتُعَد الموارد الضريبية من أهم مصادر تمويل الموازنة العامة للدولة 2026/2025، وتأتي أرقام الموازنة على النحو التالي: تزيد الإيرادات الضريبية إلى 2.6 تريليون جنيه (52.78 مليار دولار) تعادل 83.4% من إجمالي الإيرادات المتوقعة البالغة 3.1 تريليونات (62.93 مليار دولار). من المتوقع أن ترتفع حصيلة الضرائب على السلع والخدمات بنسبة 34.4%، لتصل إلى 1.103 تريليون جنيه (22.39 مليار دولار). من المرجّح أن تزيد حصيلة ضريبة القيمة المضافة بنسبة 55.3%، لتسجل 640.4 مليار جنيه (13 مليار دولار). لا خيار في المقابل، رأت الخبيرة المصرفية سحر الدماطي أن "التعديلات الأخيرة على ضريبة القيمة المضافة إجراء ضروري لسد العجز المالي، بالنظر إلى أن جزءا كبيرا من القطاع غير الرسمي لم يدخل المنظومة الضريبية بعد، ولم تكلل محاولات الحكومة بالنجاح بشكل كبير حتى الآن". وأضافت لـ"الجزيرة نت" أن توجّه الحكومة لضريبة القيمة المضافة كمصدر للإيرادات يأتي في ظل غياب حلول أو خيارات أخرى لتوفير موارد إضافية للإنفاق، وفي ظل العجز الحالي بالموازنة. وتوقعت الدماطي أن تؤثر تعديلات ضريبة القيمة المضافة على المستهلكين في نهاية المطاف، وأن تشكّل عبئا ماليا على المواطنين. وحذرت الخبيرة المصرفية من تنامي بند الفوائد في الموازنة، والذي يدفع الحكومة لمثل هذه التعديلات التي ترهق الدولة والمواطن معا، وفق قولها، مشددة على ضرورة توسيع القاعدة الضريبية وضم الاقتصاد غير الرسمي، وعلى أن ذلك سيكون أكثر فعالية وأنجع في توفير الإيرادات.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
كيف يرى الإسرائيليون مقترح وقف إطلاق النار في غزة؟
القدس المحتلة- تتفق معظم التحليلات الإسرائيلية على أن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، المطلوب ل لمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة ، رغم موافقتها الشكلية على المقترح الأميركي لوقف القتال لمدة 60 يوما، لا تبدي أيّ رغبة حقيقية في إنهاء الحرب على القطاع. وتُجمع على أن اليوم الـ61 بعد الهدنة قد يشهد استئنافا حتميا للقتال، انسجاما مع الأهداف المعلنة للحكومة، وأهمها "القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)" وتجريد القطاع من السلاح، ومنع أي تهديد مستقبلي ينطلق من غزة نحو إسرائيل، على حد قول مسؤوليها. وينص المقترح الأميركي، الذي ردت عليه الحركة بالإيجاب مع تسجيل بعض التحفظات، ينص على وقف إطلاق النار مدة شهرين، تُنفذ فيها 5 دفعات من تبادل الأسرى، تشمل إطلاق سراح 10 محتجزين إسرائيليين أحياء وجثث 18 تم الإعلان عن وفاتهم، مقابل عدد غير محدد بعد من الأسرى الفلسطينيين، إلى جانب انسحاب جيش الاحتلال من القطاع، وضمانات لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية. تحفظات وشملت تحفظات حماس قضايا جوهرية عن كيفية توزيع المساعدات، وضمانات الانسحاب الإسرائيلي الكامل، وتأكيدات على أن وقف إطلاق النار يجب أن يؤدي إلى وقف دائم للحرب، لا مجرد هدنة مؤقتة يعقبها عدوان أشد. في المقابل، يتمسك نتنياهو وحكومته بأهداف الحرب الأصلية، وعلى رأسها نزع سلاح غزة، وإقصاء حماس من الحكم، في سياق رؤيتهم الأمنية والعقائدية التي تدعي أن القطاع "جزء من أرض إسرائيل الكبرى"، ما يجعل فكرة الانسحاب الكامل ووقف القتال خيارا مرفوضا من حيث المبدأ لدى اليمين الإسرائيلي المتطرف. في الأثناء، تتواصل -وبدعم أميركي- مساعٍ إسرائيلية لدفع "خطة الهجرة" التي تهدف إلى تقليص عدد سكان غزة إلى النصف، كجزء من مشروع تهجير قسري طويل الأمد يسعى إلى إحداث تغيير ديموغرافي جذري في القطاع، تمهيدا لإعادة تشكيل الواقع الجغرافي والسياسي فيه، بما يتماشى مع العقيدة اليمينية. وتناولت التحليلات الإسرائيلية مقترح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب ، واستعرضت الدوافع السياسية والعقائدية والأمنية التي تُرجح كفة استئناف الحرب، حتى بعد تنفيذ مراحل الهدنة المؤقتة، واستذكرت مشروع التهجير القسري كخيار إستراتيجي لحكومة نتنياهو في معركتها الممتدة على مستقبل غزة. وتحت عنوان "بين صفقة المحتجزين وإعادة إعمار قطاع غزة: زيارة حاسمة لواشنطن"، كتب محلل الشؤون السياسية والأميركية في صحيفة "يسرائيل هيوم" أرييل كهانا، أن تمسك نتنياهو بأهدافه المعلنة للحرب في غزة، وفي مقدمتها إبعاد حماس عن الحكم وتجريد القطاع من السلاح، يأتي لضمان ألا يعود أي مصدر تهديد لإسرائيل. ورغم إعلان ترامب رغبته في إنهاء الحرب في غزة، يوضح كهانا أن مصادر في البيت الأبيض تؤكد تمسكه برفض أي دور لحماس في حكم القطاع بعد الحرب، وربط إعادة إعماره بنزع سلاحها وإبعاد عناصرها. وأشار إلى أن نتنياهو جدد التزامه بإقصاء الحركة. هيمنة أميركية ويلفت كهانا إلى أن نتنياهو اضطر سابقا إلى تقديم تنازلات محدودة لحماس لإنجاز صفقات تبادل الأسرى، لكنه يعتبر وقف إطلاق النار مرحلة مؤقتة ستنتهي باستئناف القتال إذا لم تُسلّم الحركة السلطة وتُجرّد من سلاحها. ويضيف أن التقديرات الإسرائيلية ترجح استعداد الجيش للعودة إلى القتال بعد شهرين أو أكثر، كما حدث في صفقات 2023 و2025، بينما تواصل إسرائيل والولايات المتحدة الترويج سرا لخطة هجرة واسعة من غزة. وبحسب كهانا، أبدت 3 دول موافقة مبدئية على استقبال أعداد كبيرة من سكان غزة، وتدرس 3 أخرى الفكرة بجدية، لكن هذه الخطة لن تتبلور إلا بعد توقف الحرب. تحت عنوان "ترامب يُملي ونتنياهو يتراجع: ملامح صفقة قد تغيّر وجه الحرب"، تقدم المراسلة السياسية لصحيفة "معاريف" آنا بارسكي، قراءة لصفقة تبادل الأسرى التي تتبلور بدفع مباشر من البيت الأبيض. وتقول إنها قريبة من الاكتمال، بينما يعيد الرئيس الأميركي بلاده إلى قلب المشهد في الشرق الأوسط بأسلوبه المفضل: عقد الصفقات. توضح بارسكي أن ترامب يركز في ولايته الثانية على إنجازات مهمة، منها مواجهة الصين وكبح إيران، والآن وقف إطلاق النار في غزة 60 يوما، وإطلاق سراح المحتجزين، وربما بدء اتفاق أوسع لاحقا. وتصف الهيمنة الأميركية على إسرائيل بأنها سلاح ذو حدين؛ "فدعم واشنطن وضغطها ضروريان"، لكن ترامب يتصرف وفق مصالحه الخاصة، ويرى وقف إطلاق النار مع حماس إنجازا وليس تنازلا. وتتابع "المنطق الأميركي واضح، إذا أراد نتنياهو استمرار الدعم في قضايا كبرى مثل إيران و مجلس الأمن و اتفاقيات أبراهام ، فعليه قبول الصفقة أو على الأقل عدم عرقلتها". ويسود في إسرائيل -وفق بارسكي- قلق من اعتبار وقف إطلاق النار استسلاما، ومن فرض اتفاق دائم يبقي حماس في الحكم دون تحقيق أهداف الحرب. بينما يُطمئن نتنياهو داخليا وخارجيا بأنه يدعم وقفا مؤقتا، لكنه يرفض تنازلات تبقي الحركة مسلحة. وتختتم بأن الصفقة، إذا تمت، ستكون إنجازا إستراتيجيا لترامب يعيد النفوذ الأميركي في المنطقة ويمنحه انتصارا دبلوماسيا كبيرا. من جانبها، تقول، مراسلة الشؤون السياسية والدبلوماسية، تال شنايدر، في موقع "زمان يسرائيل" إن نتنياهو يدرك أن ترامب يتوقع منه إتمام الصفقة "مهما كلف الأمر". وأشارت إلى أن حكومة نتنياهو غير معنية بإنهاء الحرب، لكن جزءا كبيرا من جهود وقف إطلاق النار يجري تحت ضغط أميركي مباشر، خاصة من الرئيس الأميركي الذي خالف وعوده بعدم خوض حروب جديدة وهاجم إيران رغم انتقادات قاعدته. وحسب شنايدر، يضغط ترامب لتنفيذ الصفقة رغم تهديدات داخلية من وزراء إسرائيليين مثل إيتمار بن غفير و بتسلئيل سموتريتش ، بينما يؤكد نتنياهو أنه غير معني بإنهاء القتال ويكرر "لن تكون هناك حماس". وتقدّر أن وقف إطلاق النار المعروف بـ"خطة ويتكوف"، يثير حيرة في إسرائيل، إذ يسمح بتوسيع إطلاق سراح الأسرى، لكنه يبقي كثيرين في يد حماس. ويحاول نتنياهو إظهار أن الحرب وتحرير المحتجزين هدفان متكاملان، لكنه عمليا يخفي التناقض بينهما. بيني غانتس للانضمام أو التوجه إلى انتخابات جديدة في الخريف المقبل.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
البنتاغون يطلب أموالا لدعم قسد وفصائل أخرى بسوريا
طلبت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تخصيص 130 مليون دولار في ميزانية العام المالي 2026 لدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وفصائل سورية أخرى. وأظهرت وثيقة صادرة عن البنتاغون أن المبلغ المخصص يهدف لتمويل برامج التدريب والتجهيز لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية وتقديم رواتب للمقاتلين التابعين لقسد، إلى جانب قوات "جيش سوريا الحرة" المنتشرة في جنوب البلاد. وشمل الدعم المالي الذي طلبته وزارة الدفاع الأميركية أكثر من 7 ملايين دولار لصالح فصيل "جيش سوريا الحرة"، مع الإشارة إلى إمكانية توسيع عملياته ضد خلايا تنظيم الدولة في منطقة البادية السورية. وحذّرت الوثيقة من أن تقليص هذا النوع من الدعم قد يتيح لتنظيم الدولة استعادة نشاطه، بما قد يشكل خطرا على أمن الدول والمصالح الأميركية في المنطقة. وأظهرت الوثيقة نفسها أن حجم الدعم الأميركي لهذه الفصائل في سوريا يتراجع تدريجيا، إذ بلغ 156 مليون دولار في موازنة 2024، ثم انخفض إلى 147 مليون دولار في 2025، لينخفض مجددا إلى 130 مليون دولار في مشروع موازنة 2026. ولطالما دعمت الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية بالمال والسلاح، إذ تعتبرها رأس الحربة في مكافحة تنظيم الدولة الذي سيطر عام 2014 على مساحات واسعة في سوريا، قبل أن يتعرض للهزيمة بعد ذلك بـ5 سنوات. ومؤخرا تحدث مسؤولون أميركيون عن انسحاب 500 جندي أميركي وإغلاق 3 قواعد في سوريا ضمن خطة لتقليص القوات إلى ألف جندي بحلول نهاية العام الجاري. بيد أن مسؤولين في قوات سوريا الديمقراطية قللوا من أهمية هذه الخطوة، مشيرين إلى أن ما يجري عملية إعادة انتشار وليس انسحابا. تجدر الإشارة إلى أنه في العاشر من مارس/آذار الماضي، وقع الرئيس السوري أحمد الشرع والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي اتفاقا يقضي باندماج قوات "قسد" في الجيش السوري ومؤسسات الدولة الأخرى، والتأكيد على أن المجتمع الكردي مكون أصيل من مكونات الشعب والدولة. وشمل الاتفاق ضم كافة المنطقة الواقعة تحت سيطرة "قسد" ضمن أجنحة الإدارة السورية الجديدة، بما في ذلك المعابر والمطارات وحقول النفط، إلى جانب عودة السوريين المهجّرين إلى بلداتهم وقراهم شمالي شرقي سوريا، على أن يكتمل تنفيذ الاتفاق قبل نهاية العام الجاري.