
كيف تؤثر الميكروبات التي تعيش في السُحب على حياتنا
والعلماء في طور اكتشاف أنها تؤثر بشكل كبير في الطقس، وحتى على صحتنا.
السحب رفيقتنا الدائمة خلال حياتنا. تطفو فوقنا أحياناً على شكل خيوط رفيعة. وفي أيام أخرى، تُظلم السماء وتُسقط علينا المطر.
ولكن، وعلى الرغم من معرفتنا بهذه الأغطية التي تتشكل من بخار الماء، إلا أنها تُخفي عنا سراً.
فالسحب في الحقيقة، جزر عائمة من الحياة، إذ هي موطن لتريليونات الكائنات الحية من آلاف الأنواع.
إذ يجوب الهواء إلى جانب الطيور واليعسوب وبذور الهندباء، محيط شاسع من الكائنات الحية الدقيقة (الميكروبات)، أي الأحياء التي لا تُرى بالعين المجردة.
كان الكيميائي الفرنسي لويس باستور، من أوائل العلماء الذين تعرفوا على ما يُطلق عليه العلماء اليوم اسم "الأيروبيوم" عام 1860.
ويشير مصطلح "الأيروبيوم" إلى مجموعة الكائنات الحية الدقيقة، بما في ذلك البكتيريا والفطريات والميكروبات الأخرى، التي تعيش في الغلاف الجوي للأرض.
رفع باستور في الهواء، قوارير معقمة مليئة بمرق ( حساء) اللحوم الصافي، وسمح للجراثيم العائمة بالاستقرار فيها، ما جعل المرق الصافي عكراً.
التقط باستور الجراثيم في شوارع باريس، وفي الريف الفرنسي، وحتى على قمة نهر جليدي في جبال الألب. لكن معاصريه رفضوا فكرته. وقال أحد الصحفيين لباستيور آنذاك: "العالم الذي ترغب في أن تأخذنا إليه خيالي للغاية".
استغرق الأمر عقوداً حتى يتقبل الناس حقيقة وجود هذه الكائنات الحية التي تعيش في البيئة الهوائية.
في ثلاثينيات القرن العشرين، حلق بعض العلماء في السماء بالطائرات، حاملين شرائح وأطباق بتري - وهي أطباق دائرية شفافة ذات غطاء مسطح، تستخدم لزراعة الكائنات الحية الدقيقة في المختبرات الطبية - لالتقاط جراثيم فطرية وبكتيريا تعيش في الهواء.
كما أطلقت رحلات بالمناطيد إلى الغلاف الجوي العلوي (الستراتوسفير) لالتقاط الخلايا أيضاً.
اليوم، في القرن الحادي والعشرين، ينشر علماء الأحياء الهوائية أجهزة متطورة لجمع عينات الهواء على طائرات بدون طيار.
كما يستخدمون تقنية تسلسل الحمض النووي لتحديد الكائنات الحية المحمولة جواً من خلال جيناتها.
ويُدرك الباحثون الآن أنّ البيئة الهوائية هي موطن هائل يعج بالزوار من الكائنات الحية.
يأتي هؤلاء الزوار من معظم أسطح كوكب الأرض.
في كل مرة تتحطم فيها موجة في المحيط، تُقذف قطرات دقيقة من مياه البحر في الهواء، ويكون بعضها يحمل فيروسات وبكتيريا وطحالب وكائنات حية وحيدة الخلية أخرى.
وبينما تسقط بعض هذه القطرات بسرعة عائدةً إلى المحيط، تلتقط الرياح بعضها الآخر وترتفع إلى السماء، حيث يمكن أن تحملها لآلاف الأميال.
على اليابسة، يمكن للرياح أن تجرف الأرض، حاملةً البكتيريا والفطريات والكائنات الحية الأخرى.
وفي كل صباح، عندما تشرق الشمس وتتبخر المياه في الهواء، يمكن أن تطلق أيضاً كائنات دقيقة.
كما تُولّد حرائق الغابات، تيارات هوائية صاعدة عنيفة قادرة على امتصاص الميكروبات من الأرض ومن جذوع الأشجار وأوراقها، حاملةً إياها إلى الأعلى مع الدخان المتصاعد.
ولا تنتظر العديد من أنواع الكائنات الحية القوى الفيزيائية لإطلاقها في الهواء.
فالطحالب، على سبيل المثال، تُنبت ساقاً تحمل في طرفها كيساً من الأبواغ (خلية تكاثر لا جنسي في علم النبات)، تُطلقه كنفحات من الدخان في الهواء.
وقد يسقط ما يصل إلى ستة ملايين من الأبواغ الطحلبية على متر مربع واحد من المستنقع خلال صيف واحد.
إذ تتكاثر العديد من أنواع النباتات عبر إطلاق مليارات حبوب اللقاح جواً خلال كل ربيع.
وتتميز الفطريات بمهارة خاصة في الطيران.
فقد طورت مدافع بيولوجية ووسائل أخرى لإطلاق أبواغها في الهواء، كما أن أبواغها مُجهزة بأصداف متينة وتكيفات أخرى لتحمل الظروف القاسية التي تواجهها أثناء سفرها عالياً حتى طبقة الستراتوسفير.
وقد عُثر على فطريات على ارتفاع يصل إلى 12 ميلاً (20 كيلومتراً)، فوق مياه المحيط الهادئ المفتوحة، وهي محمولة على الرياح.
ويُقدّر عدد الخلايا البكتيرية التي تصعد كل عام من اليابسة والبحر إلى السماء، بحوالي تريليون تريليون خلية.
كما يُقدّر أن 50 مليون طن من أبواغ الفطريات تُحمل جواً في المدة الزمنية نفسها.
وتصعد أعداد لا تُحصى من الفيروسات والأشنات والطحالب وغيرها من أشكال الحياة المجهرية إلى الهواء.
ومن الشائع أن تسافر لأيام في الهواء قبل الهبوط، وخلال هذه الفترة يُمكن أن تُحلّق لمئات أو آلاف الأميال.
وخلال هذه الرحلة، قد يطير كائن حي إلى منطقة من الهواء حيث يتكثف بخار الماء على شكل قطرات.
وسرعان ما يجد هذا الكائن نفسه مُغلفاً بإحدى تلك القطرات، وقد تحمله التيارات الصاعدة إلى عمق أكبر داخل كتلة الماء. فيدخل عندئذٍ قلب سحابة.
وقد جاء الكثير ممّا تعلمه العلماء عن الحياة في السحب، من قمة جبل في فرنسا يُسمى بوي دو دوم.
إذ تشكلت هذه القمة قبل حوالي 11 ألف عام، عندما اصطدمت كتلة من الصهارة - المادة السائلة أو شبه السائلة الساخنة أسفل أو داخل قشرة الأرض تتكون منها الحمم البركانية والصخور النارية الأخرى عند التبريد - بتلال متموجة وسط فرنسا، مكونةً بركاناً تفجرت منه الحمم البركانية قبل أن يخمد بعد بضع مئات من السنين.
وعلى مدار العشرين عاماً الماضية تقريباً، زُوِّدت محطة أرصاد جوية على قمة بوي دو دوم بأجهزة أخذ عينات من الهواء.
ويرتفع الجبل عالياً لدرجة أنّ السحب تغطي قمته بانتظام، ما يسمح للعلماء بالتقاط بعض الكائنات الحية من عليها.
وكشفت دراسات أجراها بيير أماتو، عالم الأحياء الهوائية في جامعة كليرمون أوفيرنيو الفرنسية القريبة من المنطقة، أن كل مليمتر من مياه السحابة التي تطفو فوق بوي دو دوم، يحتوي على ما يصل إلى 100,000 خلية. وقد كشف حمضها النووي أنّ بعضها ينتمي إلى أنواع مألوفة، لكن الكثير منها جديد على العلم.
ويشعر العلماء الذين يستخدمون الحمض النووي لتحديد نوع هذه الكائنات، بالقلق الدائم بشأن إمكانية تلوث العينات، وأماتو ليس استثناءً.
فعلى سبيل المثال، قد يحلق صقرٌ فوق أنابيب أماتو على بوي دو دوم وينفض الميكروبات عن ريشه.
وفي مختبر أماتو أيضاً، قد يزفر طالب دراسات عليا وهو يعاين العينات، بعض الجراثيم في أنبوب الاختبار.
وعلى مر السنين، رفض أماتو الاعتراف بآلاف الأنواع المحتملة، مشتبهاً بأن يكون هو أو طلابه قد لطخوا المعدات بميكروبات جلدية عن غير قصد.
إلا أنّهم أعلنوا بثقة عن اكتشافهم أكثر من 28,000 نوع من البكتيريا في السحب، وأكثر من 2,600 نوع من الفطريات.
ويشتبه أماتو وعلماء آخرون يدرسون السحب، في أنها قد تكون أماكن مثالية لبقاء البكتيريا على قيد الحياة - على الأقل لبعض الأنواع منها.
وكتب أماتو وفريق من زملائه عام 2017: "السحب بيئات مفتوحة للجميع (جميع الأنواع)، ولكن بعضها فقط هو الذي يزدهر فيها".
في السًحب، يعيش كل ميكروب في عزلة تامة، محاصاً داخل قطرته الخاصة من المياه.
تعتبر السحابة بالنسبة للبكتيريا، عالماً غريباً جداً، يختلف اختلافاً جذرياً عن بيئاتها التي تعيش فيها عادةً على اليابسة أو في البحر.
إذ عادةً ما تتجمع البكتيريا في مجموعات.
وفي الأنهار، قد تنمو لتشكل حصائر ميكروبية. وفي أمعائنا، تُشكل أغشية كثيفة.
أمّا في السحب، فيعيش كل ميكروب في عزلة تامة، محاصراً داخل قطرة ماء خاصة به.
وتعني هذه العزلة، أنّ بكتيريا السحابة لا تضطر للتنافس مع بعضها البعض على الموارد المحدودة. لكن في الوقت نفسه، لا تملك قطرة الماء مساحة كافية لحمل العناصر الغذائية التي تحتاجها الميكروبات للنمو.
ومع ذلك، وجد أماتو وزملاؤه أدلة على أنّ بعض الميكروبات يمكنها بالفعل النمو في السحب. ففي إحدى الدراسات، قارن الباحثون العينات التي جمعوها من السحب في بوي دو دوم، بعينات أخرى جمعوها من الجبل في أيام صافية.
وبحث الباحثون عن أدلة على نشاطها، عبر مقارنة كمية الحمض النووي في عيناتهم بكمية الحمض النووي الريبوزي (RNA).
إذ تُنتج الخلايا النشطة والنامية، نسخاً كثيرة من الحمض النووي الريبوزي من حمضها النووي بهدف إنتاج البروتينات.
ووجد الباحثون أن نسبة الحمض النووي DNA إلى الحمض النووي الريبوزي (RNA)، كانت أعلى بعدة مرات في السحب منها في الهواء النقي، وهو دليل قوي على ازدهار الخلايا في السحب. كما وجدوا أن البكتيريا الموجودة في السحب تُفعّل الجينات الأساسية لاستقلاب الغذاء والنمو.
ولفهم كيفية ازدهار هذه البكتيريا في السحب، قام الباحثون بتربية بعض الأنواع التي التقطوها في مختبرهم، ثمّ وضعوها في غرف محاكاة للغلاف الجوي.
ويستخدم أحد أنواع الميكروبات، المعروف باسم ميثيلوباكتيريوم، طاقة ضوء الشمس لتحليل الكربون العضوي داخل قطرات المياه في السحب.
وبعبارة أخرى، تأكل هذه البكتيريا السحب. وبحسب أحد التقديرات، تكسر ميكروبات السحب مليون طن من الكربون العضوي في جميع أنحاء العالم سنوياً.
وتشير نتائج كهذه إلى أن هذه الكائنات التي تعيش في الهواء قوةٌ لا يستهان بها، إذ تؤثر تأثيراً بالغاً على كيمياء الغلاف الجوي. بل إنها تغيّر حالة الطقس.
وعندما تتشكل السحابة، تُنشئ تيارات هوائية صاعدة ترفع الهواء المحمّل بالماء إلى ارتفاعات عالية تكون باردةً بما يكفي لتحويل الماء إلى جليد. ثم يتساقط الجليد مجدداً. وإذا كان الهواء القريب من الأرض بارداً، فقد يهبط على شكل ثلج. وإذا كان دافئاً، فيتحول إلى مطر.
وقد يكون من الصعب بشكل ملفت تكوّن الجليد في سحابة شديدة البرودة. حتى في درجات حرارة أقل بكثير من نقطة التجمد، يمكن لجزيئات الماء أن تبقى سائلة.
ومع ذلك، فإنّ إحدى طرق تحفيز تكوّن الجليد هي منحها بذرةً من الشوائب.
فعندما تلتصق جزيئات الماء بسطح الجسيم، فإنها تترابط مع بعضها البعض، في عملية تُعرف باسم التنوي. ثمّ تلتصق بها جزيئات ماء أخرى وتتجمع في بنية بلورية (تشبه الكريستال)، والتي عندما تصبح ثقيلة بما يكفي، ستسقط من السماء.
وقد اتضح أن الجزيئات البيولوجية وجدران الخلايا بارعةٌ للغاية في تحفيز هطول المطر. فالفطريات والطحالب وحبوب اللقاح والأشنات والبكتيريا، وحتى الفيروسات، قادرةٌ على تكوين الجليد في السحب.
من الممكن أيضاً أن تكون السحب والحياة مرتبطتان في دورةٍ وثيقة، لا تقتصر على العيش والتهام السحب فقط، بل تُساعدها أصلاً على التشكل.
وتُعدّ بكتيريا الزائفة الزنجارية (Pseudomonas) من أفضل مُنتجات المطر.
ولا يعلم العلماء سبب براعة هذه البكتيريا تحديداً في تكوين الجليد في السحب، ولكن قد يكون ذلك مرتبطاً بطريقة نموها على الأوراق.
فعندما يهطل مطرٌ بارد على ورقة، قد تُساعد الزائفة الزنجارية الماء السائل على التحول إلى جليد عند درجات حرارة أعلى من المعتاد. وعندما تفتح شقوق الجليد الأوراق، يُمكن للبكتيريا أن تتغذى على العناصر الغذائية الموجودة بداخلها.
حتى أنّ بعض العلماء تكهّنوا بأنّ النباتات ترحب ببكتيريا مثل الزائفة الزنجارية، على الرغم من الضرر الذي تُسببه.
وعندما تزيل الرياح البكتيريا عن النباتات وتدفعها في الهواء، ترتفع لتصل إلى السُحب في السماء. وتُمطر السحب المُلقحة بالزائفة الزنجارية المزيد من المطر على النباتات تحتها.
وتستخدم النباتات مياه هذه الأمطار لإنتاج المزيد من الأوراق، وتنمي هذه الأوراق المزيد من البكتيريا، التي ترتفع بدورها إلى السماء وتُحفز السحب لإنتاج المزيد من الأمطار لتغذية الحياة في الأسفل.
وإذا ثبتت صحة هذا التكهن، فسيكون ذلك تكافلاً مهيباً في علم الأحياء، يربط الغابات بالسماء.
كما تُثير الأبحاث حول الحياة في السحب، احتمال وجود كائنات حية محمولة جواً على كواكب أخرى - حتى تلك التي قد تبدو أسوأ الأماكن للحياة.
فكوكب الزهرة، على سبيل المثال، يتمتع بدرجة حرارة سطحية عالية بما يكفي لإذابة الرصاص. لكنّ السحب التي تُغطي الزهرة أبرد بكثير، وربما تكون مناسبة لاستمرار الحياة.
وقد تكهنت سارة سيغر، عالمة الأحياء الفلكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بأنّ الحياة ربما نشأت على سطح كوكب الزهرة في وقت مبكر من تاريخه، عندما كان أكثر برودة ورطوبة.
ومع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، ربما وجدت بعض الميكروبات ملجأً لها في السحب. وتقول إنه بدلاً من أن تغرق عائدةً إلى السطح، ربما طفت صعوداً وهبوطاً في الغلاف الجوي، راكبةً التيارات الهوائية لملايين السنين.
إن التفكير في بيئة "سيغر" الهوائية الغريبة يمكن أن يجعل تأمل السحب أكثر متعة.
ولكن عندما ننظر إلى السحب، فإننا ننظر أيضاً إلى تأثيرنا على العالم، بحسب ما كشفته أبحاث أماتو.
وعندما قام أماتو وزملاؤه بمسح الجينات في الميكروبات التي يلتقطونها، وجدوا أنّ عدداً كبيراً من هذه الجينات يمنح البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية.
أمّا على الأرض، فقد حفزنا نحن البشر التطور الواسع النطاق لهذه الجينات المقاومة.
فعبر تناولنا كميات زائدة من البنسلين والأدوية الأخرى لمكافحة العدوى، قمنا بتقوية طفرات يمكنها مقاومة هذه المضادات.
وما يزيد الطين بلة، أنّ المزارعين يُطعمون الدجاج والخنازير وغيرها من الماشية المضادات الحيوية كي تنمو إلى أحجام أكبر.
وفي عام 2014 وحده، توفي 700 ألف شخص حول العالم بسبب عدوى بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية.
وبعد خمس سنوات، ارتفع العدد إلى 1.27 مليون.
وتتطور مقاومة المضادات الحيوية داخل أجسام البشر والحيوانات التي يأكلونها.
ثم تهرب البكتيريا المُكتسبة لهذه المقاومة من حاضناتها وتشق طريقها عبر البيئة - إلى التربة، وإلى مجاري المياه، بل وحتى إلى الهواء.
وقد وجد الباحثون مستويات عالية من هذه الجينات المقاومة في البكتيريا التي تطفو في المستشفيات وحول مزارع الخنازير.
لكنّ جينات البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية يمكن أن تنتشر جواً لمسافات أبعد بكثير.
فقد فحص فريق دولي من العلماء، فلاتر مكيفات هواء السيارات في تسع عشرة مدينة حول العالم.
ووجدوا أنّ هذه الفلاتر قد التقطت تنوعاً غنياً من البكتيريا المقاومة. بمعنى آخر، يبدو أنّ جينات المقاومة تطفو عبر المدن.
وفي السنوات الأخيرة، رصد أماتو وزملاؤه رحلات أطول لهذه الجينات.
ففي مسحٍ أُجري عام 2023 للسحب، أفاد الباحثون بالعثور على بكتيريا تحمل 29 نوعاً مختلفاً من جينات المقاومة للمضادات الحيوية فيها.
وقد تحمل بكتيريا واحدة محمولة في الهواء، ما يصل إلى تسعة جينات مقاومة، كل منها يوفر دفاعاً مختلفاً ضد الأدوية.
وقدّر الباحثون أنّ كل متر مكعب من سحابة واحدة، يحتوي على ما يصل إلى 10 ألف جين مقاوم للمضادات الحيوية.
وقد تحتوي سحابة عادية تطفو فوق رؤوسنا على أكثر من تريليون جين منها.
ويعتقد أماتو وزملاؤه أنّ السحب تحتوي على هذا العدد الكبير من جينات المقاومة لأنها تساعد البكتيريا على البقاء على قيد الحياة.
وتُوفر بعض الجينات، مقاومة للمضادات الحيوية، من خلال السماح للبكتيريا بضخ الأدوية خارج أنسجتها بسرعة، والتخلص منها قبل أن تُسبب لها ضرراً.
وقد يدفع ضغط الحياة في السحابة، البكتيريا إلى إنتاج نفايات سامة تحتاج إلى ضخها الى خارج أنسجتها بسرعة أيضاً.
وقد تتمكن السحب من نشر جينات المقاومة للمضادات الحيوية هذه إلى أبعد من اللحوم والمياه الملوثة.
فبمجرد دخول البكتيريا إلى السحابة، يمكنها السفر مئات الأميال في غضون أيام، قبل أن تُنثر قطرات المطر وتسقط عائدةً إلى الأرض.
وعندما تصل هذه الميكروبات إلى الأرض، قد تنقل جيناتها المقاومة إلى ميكروبات أخرى تصادفها في بيئتها الجديدة.
ويقدر أماتو وزملاؤه أن 2.2 تريليون تريليون جين مقاوم للمضادات الحيوية يتساقط من الغيوم سنوياً.
سيكون تذكر هذه المعلومة صادماً لنا أثناء تنزهنا تحت المطر. فنحن نسير وسط سيل من الحمض النووي الذي صنعناه بأنفسنا.
كارل زيمر
كارل زيمر كاتب عمود "أويجينز" (الأصول) في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، ومؤلف 15 كتاباً علمياً. أحدث كتبه هو "المحمول جواً: التاريخ الخفي للحياة التي نتنفسها"، وهو الكتاب المقتبس منه هذا المقال.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
٠٩-٠٧-٢٠٢٥
- BBC عربية
لماذا الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يمتلك ذقناً؟
بمقدور التطور أن يخبرنا عن السبب الكامن وراء بعض الأشياء، مثل حجم خصيتي الإنسان الصغير نسبياً، مقارنة مع أقاربنا من الكائنات الحية. لكن تفسير حجم أجزاء أخرى من الجسم يبقى لغزاً إلى حدّ ما. يمكننا النظر إلى جسم الإنسان على أنه آلة جُمّعَت أجزاؤها العديدة، من التفاصيل المجهرية وخلايانا وصولاً إلى أطرافنا وأعيننا وكبدنا ودماغنا، بشكل متقطع على مدى أربعة مليارات سنة من تاريخنا. لكن العلماء ما زالوا في حيرة من أمرهم حول سبب تطورنا إلى هذا الشكل تحديداً. فعلى سبيل المثال، قد نتساءل: لماذا يمتلك البشر ذقناً دوناً عن غيرهم؟ ولماذا يبلغ حجم خصية الإنسان بالنسبة لوزن جسمه ثلاثة أضعاف حجم خصية الغوريلا، فيما يبلغ حجمها خُمس حجم خصية الشمبانزي؟ وما زال البحث عن إجابات قائماً للعديد من هذه الأسئلة، لكننا بدأنا نجد إجابات لبعضها. تخبرنا قصة التطور كيف بُني كل نوع من الكائنات الحية انطلاقاً من بدايات بسيطة، حين أُضيف كلُّ مكوِّن من مكوِّنات الكائن الحي إلى تصميمه المميز. وإذا ما بحثنا في شجرة الحياة التطورية، يُمكننا اتباع مسارٍ مُعقَّدٍ يمر بفروع متمايزة عن بعضها بشكل متزايد، وكل نوع من الكائنات الحية ينتمي إلى فرع ما. نحن البشر، على سبيل المثال، كنا ضمن الحيوانات قبل أن نتمايز ونتطور إلى فرع الفقاريات؛ ومنها أصبحنا ضمن فرع الثدييات قبل أن نتطور إلى الرئيسيات، وهكذا، بحسب نظرية التطور. تكشف مجموعات الأنواع التي تشاركنا معها في كل فرع من هذه الفروع التي تطورنا عبرها، عن الترتيب الذي ظهرت به أجزاء أجسامنا. ولا بد أن الجسم والأمعاء، وهي أمور نتشاركها مع الحيوانات، جاءا قبل العمود الفقري والأطراف التي نتشاركها مع فرع الفقاريات؛ ثم جاء الحليب والشعر، وهي سمات فرع الثدييات، وصولاً إلى الأظافر التي تتميز بها الرئيسيات. تمثّل المقارنات إحدى الطرق لبحث الأسئلة المتمثلة في سبب تطور كلٍّ من أجزاء الجسم هذه، ولكن هذه الطريقة لا تُجدي نفعاً إلا إذا تطورت الخاصية موضع البحث أكثر من مرة عبر فروعٍ مُنفصلة من شجرة الحياة التطورية. ويُسمى هذا التطور المُتكرر "التقارب". وقد يكون التطور التقاربي هذا مصدر إحباط لعلماء الأحياء، لأنه يسبب الإرباك بشأن كيفية ارتباط الأنواع ببعضها. على سبيل المثال، كان طائرا السنونو والسَّمامة يُصنفان سابقاً كنوعين شقيقين متقاربين، نظراً لسماتهما المشتركة. لكننا نعلم الآن، من خلال تحليل الحمض النووي ومقارنات هياكلهما العظمية، أن السنونو أقرب إلى البومة من طائر السَّمامة. الحجم يعني الكثير حين يتعلق الأمر بالتطور لكن التطور التقاربي يغدو مفيداً عندما نفكر فيه كنوع من التجارب الطبيعية. ويُعد حجم الخصيتين لدى الرئيسيات مثالاً كلاسيكياً على ذلك. فذكور قرد الكولوبوس الحبشي الأسود والأبيض، وقرد المكاك المقلنس، متقاربة في الحجم. ولكن، وكما هو الحال مع الشمبانزي والبشر والغوريلا، تختلف خصيتا هذه القرود المتشابهة اختلافاً كبيراً. إذ تزن خصيتا قرد الكولوبوس 3 غرامات فقط، في المقابل، يبلغ وزن خصيتي قرود المكاك 48 غراماً. ويمكن التوصل إلى تفسيرات عدة وراء اختلاف أحجام خصيتي هذين النوعين. إذ يمكن أن تكون الخصيتان الكبيرتان وسيلة جذب للإناث مثل ما هو الحال مع ذيل الطاووس، دون أن يكون لهما فائدة في حد ذاتهما. ولكن التفسير الأكثر منطقية يتعلق بطريقة تزاوج كل نوع من القرود. إذ يتنافس ذكر قرد الكولوبس بشراسة للوصول إلى مجموعة من الإناث اللواتي سيتزاوجن معه حصرياً دوناً عن غيره. أما قرود المكاك، فتعيش في مجموعات مختلطة مسالمة تضم حوالي 30 قرداً، وتتبنى نهجاً مختلفاً في العلاقات، حيث يتزاوج الجميع مع الجميع، الذكور مع عدة إناث، والإناث مع عدة ذكور. ويتيح ذلك لقرد الكولوبس إنتاج الحد الأدنى من الحيوانات المنوية، فإذا كانت قطرة واحدة كافية لتخصيب الأنثى، فما الذي يدعو لإنتاج المزيد من السائل المنوي؟. أما بالنسبة لذكر قرد المكاك، فتدور المنافسة على التكاثر بين حيواناته المنوية وحيوانات ذكور أخرى تزاوجت مع الأنثى قبل أو بعد تزاوجه معها. لذا، تمنح الخصيتان الكبيرتان لذكر المكاك القدرة على إنتاج المزيد من الحيوانات المنوية، ما يمنحه فرصة أكبر لنقل جيناته إلى أجيال مقبلة. يبدو ذلك تفسيراً منطقياً لاختلاف أحجام الخصيتين بين نوعين من القرود، ولكن هل هذا التفسير صحيح؟ هنا يكمن دور التطور التقاربي. فإذا نظرنا إلى فرع الثدييات بأكمله في شجرة الحياة التطورية، نجد مجموعات عديدة من الثدييات التي تطورت لديها خصيتان بأحجام مختلفة. وفي جميع هذه الحالات المنفصلة تقريباً، نجد أن الخصيتين الأكبر حجماً هي سمة لدى الأنواع مختلطة الأزواج، أما الأصغر حجماً فنجدها لدى الأنواع التي ترتبط حصراً بأزواج محددة. فذكر الغوريلا ذو الخصيتين الصغيرتين والظهر الفضي هو الوحيد الذي يملك حرية التزاوج مع إناث المجموعة. أما الشمبانزي والبونوبو اللذان يملكان خصيتين كبيرتين، فهما من الأنواع كثيرة الاختلاط الجنسي مع شركاء متعددين. ولدى الدلافين أكبر خصيتين بين الثدييات ربما، إذ تشكل ما يصل إلى 4 في المئة من وزن جسمها، وهذا يعادل امتلاك الإنسان لخصيتين بوزن 3 كيلوغرامات. وعلى الرغم من صعوبة دراسة الحياة الجنسية للدلافين البرية داخل بيئتها الطبيعة، إلا أن الدلافين الدوارة على الأقل تطابق توقعاتنا، حيث تشارك في فعاليات تزاوج جماعية تُسمى "الووزلز". وبفضل الملاحظات المتعددة التي وفرها التطور التقاربي، تمكنّا من اكتشاف هذا الارتباط الثابت بين حجم الخصية ونمط الحياة الجنسية لدى الثدييات. أما بالنسبة للبشر، فحجم الخصية يقع في مكان متوسط ما بين الاثنين. ولطالما كان ذقن الإنسان محل جدل بين العلماء حول الغرض من وجوده. وكما هو الحال مع الخصيتين، هناك أفكار عدة لتفسير تطور ذقن الإنسان. فربما يكون قد تطور في سبيل تقوية فك الإنسان المقاتل الذي كان يعيش في الكهوف. وقد يكون تطوره مرتبطاً بتضخيم الشكل المهيب للحية الرجل. أو ربما يكون نتيجة ثانوية لاختراع الطبخ وما أنتجه من طعام أكثر ليونة، وهذا يعني أنه مجرد نتوء وجهي عديم الوظيفة خلّفه انحسار الفك الذي أصبح أكثر ضعفاً. لكن المثير للاهتمام أنه لا وجود للذقن لدى الثديات الأخرى، ولا حتى لدى أقرب أقربائنا، "إنسان النياندرتال". وهناك مجموعة كبيرة من التفسيرات المحتملة للهدف التطوري من الذقن الذي يعد سمة متفردة لدى الإنسان العاقل، لكننا، وفي ظل غياب التطور التقاربي، لا نملك طريقة منطقية لاختبار هذه التفسيرات. وربما يكون من المقدر أن تبقى بعض أجزاء الطبيعة البشرية لغزاً.


BBC عربية
٠٤-٠٧-٢٠٢٥
- BBC عربية
كيف تؤثر الميكروبات التي تعيش في السُحب على حياتنا
تجوب تريليونات من البكتيريا والفطريات والفيروسات والكائنات وحيدة الخلية، أعالي الغلاف الجوي للكرة الأرضية. والعلماء في طور اكتشاف أنها تؤثر بشكل كبير في الطقس، وحتى على صحتنا. السحب رفيقتنا الدائمة خلال حياتنا. تطفو فوقنا أحياناً على شكل خيوط رفيعة. وفي أيام أخرى، تُظلم السماء وتُسقط علينا المطر. ولكن، وعلى الرغم من معرفتنا بهذه الأغطية التي تتشكل من بخار الماء، إلا أنها تُخفي عنا سراً. فالسحب في الحقيقة، جزر عائمة من الحياة، إذ هي موطن لتريليونات الكائنات الحية من آلاف الأنواع. إذ يجوب الهواء إلى جانب الطيور واليعسوب وبذور الهندباء، محيط شاسع من الكائنات الحية الدقيقة (الميكروبات)، أي الأحياء التي لا تُرى بالعين المجردة. كان الكيميائي الفرنسي لويس باستور، من أوائل العلماء الذين تعرفوا على ما يُطلق عليه العلماء اليوم اسم "الأيروبيوم" عام 1860. ويشير مصطلح "الأيروبيوم" إلى مجموعة الكائنات الحية الدقيقة، بما في ذلك البكتيريا والفطريات والميكروبات الأخرى، التي تعيش في الغلاف الجوي للأرض. رفع باستور في الهواء، قوارير معقمة مليئة بمرق ( حساء) اللحوم الصافي، وسمح للجراثيم العائمة بالاستقرار فيها، ما جعل المرق الصافي عكراً. التقط باستور الجراثيم في شوارع باريس، وفي الريف الفرنسي، وحتى على قمة نهر جليدي في جبال الألب. لكن معاصريه رفضوا فكرته. وقال أحد الصحفيين لباستيور آنذاك: "العالم الذي ترغب في أن تأخذنا إليه خيالي للغاية". استغرق الأمر عقوداً حتى يتقبل الناس حقيقة وجود هذه الكائنات الحية التي تعيش في البيئة الهوائية. في ثلاثينيات القرن العشرين، حلق بعض العلماء في السماء بالطائرات، حاملين شرائح وأطباق بتري - وهي أطباق دائرية شفافة ذات غطاء مسطح، تستخدم لزراعة الكائنات الحية الدقيقة في المختبرات الطبية - لالتقاط جراثيم فطرية وبكتيريا تعيش في الهواء. كما أطلقت رحلات بالمناطيد إلى الغلاف الجوي العلوي (الستراتوسفير) لالتقاط الخلايا أيضاً. اليوم، في القرن الحادي والعشرين، ينشر علماء الأحياء الهوائية أجهزة متطورة لجمع عينات الهواء على طائرات بدون طيار. كما يستخدمون تقنية تسلسل الحمض النووي لتحديد الكائنات الحية المحمولة جواً من خلال جيناتها. ويُدرك الباحثون الآن أنّ البيئة الهوائية هي موطن هائل يعج بالزوار من الكائنات الحية. يأتي هؤلاء الزوار من معظم أسطح كوكب الأرض. في كل مرة تتحطم فيها موجة في المحيط، تُقذف قطرات دقيقة من مياه البحر في الهواء، ويكون بعضها يحمل فيروسات وبكتيريا وطحالب وكائنات حية وحيدة الخلية أخرى. وبينما تسقط بعض هذه القطرات بسرعة عائدةً إلى المحيط، تلتقط الرياح بعضها الآخر وترتفع إلى السماء، حيث يمكن أن تحملها لآلاف الأميال. على اليابسة، يمكن للرياح أن تجرف الأرض، حاملةً البكتيريا والفطريات والكائنات الحية الأخرى. وفي كل صباح، عندما تشرق الشمس وتتبخر المياه في الهواء، يمكن أن تطلق أيضاً كائنات دقيقة. كما تُولّد حرائق الغابات، تيارات هوائية صاعدة عنيفة قادرة على امتصاص الميكروبات من الأرض ومن جذوع الأشجار وأوراقها، حاملةً إياها إلى الأعلى مع الدخان المتصاعد. ولا تنتظر العديد من أنواع الكائنات الحية القوى الفيزيائية لإطلاقها في الهواء. فالطحالب، على سبيل المثال، تُنبت ساقاً تحمل في طرفها كيساً من الأبواغ (خلية تكاثر لا جنسي في علم النبات)، تُطلقه كنفحات من الدخان في الهواء. وقد يسقط ما يصل إلى ستة ملايين من الأبواغ الطحلبية على متر مربع واحد من المستنقع خلال صيف واحد. إذ تتكاثر العديد من أنواع النباتات عبر إطلاق مليارات حبوب اللقاح جواً خلال كل ربيع. وتتميز الفطريات بمهارة خاصة في الطيران. فقد طورت مدافع بيولوجية ووسائل أخرى لإطلاق أبواغها في الهواء، كما أن أبواغها مُجهزة بأصداف متينة وتكيفات أخرى لتحمل الظروف القاسية التي تواجهها أثناء سفرها عالياً حتى طبقة الستراتوسفير. وقد عُثر على فطريات على ارتفاع يصل إلى 12 ميلاً (20 كيلومتراً)، فوق مياه المحيط الهادئ المفتوحة، وهي محمولة على الرياح. ويُقدّر عدد الخلايا البكتيرية التي تصعد كل عام من اليابسة والبحر إلى السماء، بحوالي تريليون تريليون خلية. كما يُقدّر أن 50 مليون طن من أبواغ الفطريات تُحمل جواً في المدة الزمنية نفسها. وتصعد أعداد لا تُحصى من الفيروسات والأشنات والطحالب وغيرها من أشكال الحياة المجهرية إلى الهواء. ومن الشائع أن تسافر لأيام في الهواء قبل الهبوط، وخلال هذه الفترة يُمكن أن تُحلّق لمئات أو آلاف الأميال. وخلال هذه الرحلة، قد يطير كائن حي إلى منطقة من الهواء حيث يتكثف بخار الماء على شكل قطرات. وسرعان ما يجد هذا الكائن نفسه مُغلفاً بإحدى تلك القطرات، وقد تحمله التيارات الصاعدة إلى عمق أكبر داخل كتلة الماء. فيدخل عندئذٍ قلب سحابة. وقد جاء الكثير ممّا تعلمه العلماء عن الحياة في السحب، من قمة جبل في فرنسا يُسمى بوي دو دوم. إذ تشكلت هذه القمة قبل حوالي 11 ألف عام، عندما اصطدمت كتلة من الصهارة - المادة السائلة أو شبه السائلة الساخنة أسفل أو داخل قشرة الأرض تتكون منها الحمم البركانية والصخور النارية الأخرى عند التبريد - بتلال متموجة وسط فرنسا، مكونةً بركاناً تفجرت منه الحمم البركانية قبل أن يخمد بعد بضع مئات من السنين. وعلى مدار العشرين عاماً الماضية تقريباً، زُوِّدت محطة أرصاد جوية على قمة بوي دو دوم بأجهزة أخذ عينات من الهواء. ويرتفع الجبل عالياً لدرجة أنّ السحب تغطي قمته بانتظام، ما يسمح للعلماء بالتقاط بعض الكائنات الحية من عليها. وكشفت دراسات أجراها بيير أماتو، عالم الأحياء الهوائية في جامعة كليرمون أوفيرنيو الفرنسية القريبة من المنطقة، أن كل مليمتر من مياه السحابة التي تطفو فوق بوي دو دوم، يحتوي على ما يصل إلى 100,000 خلية. وقد كشف حمضها النووي أنّ بعضها ينتمي إلى أنواع مألوفة، لكن الكثير منها جديد على العلم. ويشعر العلماء الذين يستخدمون الحمض النووي لتحديد نوع هذه الكائنات، بالقلق الدائم بشأن إمكانية تلوث العينات، وأماتو ليس استثناءً. فعلى سبيل المثال، قد يحلق صقرٌ فوق أنابيب أماتو على بوي دو دوم وينفض الميكروبات عن ريشه. وفي مختبر أماتو أيضاً، قد يزفر طالب دراسات عليا وهو يعاين العينات، بعض الجراثيم في أنبوب الاختبار. وعلى مر السنين، رفض أماتو الاعتراف بآلاف الأنواع المحتملة، مشتبهاً بأن يكون هو أو طلابه قد لطخوا المعدات بميكروبات جلدية عن غير قصد. إلا أنّهم أعلنوا بثقة عن اكتشافهم أكثر من 28,000 نوع من البكتيريا في السحب، وأكثر من 2,600 نوع من الفطريات. ويشتبه أماتو وعلماء آخرون يدرسون السحب، في أنها قد تكون أماكن مثالية لبقاء البكتيريا على قيد الحياة - على الأقل لبعض الأنواع منها. وكتب أماتو وفريق من زملائه عام 2017: "السحب بيئات مفتوحة للجميع (جميع الأنواع)، ولكن بعضها فقط هو الذي يزدهر فيها". في السًحب، يعيش كل ميكروب في عزلة تامة، محاصاً داخل قطرته الخاصة من المياه. تعتبر السحابة بالنسبة للبكتيريا، عالماً غريباً جداً، يختلف اختلافاً جذرياً عن بيئاتها التي تعيش فيها عادةً على اليابسة أو في البحر. إذ عادةً ما تتجمع البكتيريا في مجموعات. وفي الأنهار، قد تنمو لتشكل حصائر ميكروبية. وفي أمعائنا، تُشكل أغشية كثيفة. أمّا في السحب، فيعيش كل ميكروب في عزلة تامة، محاصراً داخل قطرة ماء خاصة به. وتعني هذه العزلة، أنّ بكتيريا السحابة لا تضطر للتنافس مع بعضها البعض على الموارد المحدودة. لكن في الوقت نفسه، لا تملك قطرة الماء مساحة كافية لحمل العناصر الغذائية التي تحتاجها الميكروبات للنمو. ومع ذلك، وجد أماتو وزملاؤه أدلة على أنّ بعض الميكروبات يمكنها بالفعل النمو في السحب. ففي إحدى الدراسات، قارن الباحثون العينات التي جمعوها من السحب في بوي دو دوم، بعينات أخرى جمعوها من الجبل في أيام صافية. وبحث الباحثون عن أدلة على نشاطها، عبر مقارنة كمية الحمض النووي في عيناتهم بكمية الحمض النووي الريبوزي (RNA). إذ تُنتج الخلايا النشطة والنامية، نسخاً كثيرة من الحمض النووي الريبوزي من حمضها النووي بهدف إنتاج البروتينات. ووجد الباحثون أن نسبة الحمض النووي DNA إلى الحمض النووي الريبوزي (RNA)، كانت أعلى بعدة مرات في السحب منها في الهواء النقي، وهو دليل قوي على ازدهار الخلايا في السحب. كما وجدوا أن البكتيريا الموجودة في السحب تُفعّل الجينات الأساسية لاستقلاب الغذاء والنمو. ولفهم كيفية ازدهار هذه البكتيريا في السحب، قام الباحثون بتربية بعض الأنواع التي التقطوها في مختبرهم، ثمّ وضعوها في غرف محاكاة للغلاف الجوي. ويستخدم أحد أنواع الميكروبات، المعروف باسم ميثيلوباكتيريوم، طاقة ضوء الشمس لتحليل الكربون العضوي داخل قطرات المياه في السحب. وبعبارة أخرى، تأكل هذه البكتيريا السحب. وبحسب أحد التقديرات، تكسر ميكروبات السحب مليون طن من الكربون العضوي في جميع أنحاء العالم سنوياً. وتشير نتائج كهذه إلى أن هذه الكائنات التي تعيش في الهواء قوةٌ لا يستهان بها، إذ تؤثر تأثيراً بالغاً على كيمياء الغلاف الجوي. بل إنها تغيّر حالة الطقس. وعندما تتشكل السحابة، تُنشئ تيارات هوائية صاعدة ترفع الهواء المحمّل بالماء إلى ارتفاعات عالية تكون باردةً بما يكفي لتحويل الماء إلى جليد. ثم يتساقط الجليد مجدداً. وإذا كان الهواء القريب من الأرض بارداً، فقد يهبط على شكل ثلج. وإذا كان دافئاً، فيتحول إلى مطر. وقد يكون من الصعب بشكل ملفت تكوّن الجليد في سحابة شديدة البرودة. حتى في درجات حرارة أقل بكثير من نقطة التجمد، يمكن لجزيئات الماء أن تبقى سائلة. ومع ذلك، فإنّ إحدى طرق تحفيز تكوّن الجليد هي منحها بذرةً من الشوائب. فعندما تلتصق جزيئات الماء بسطح الجسيم، فإنها تترابط مع بعضها البعض، في عملية تُعرف باسم التنوي. ثمّ تلتصق بها جزيئات ماء أخرى وتتجمع في بنية بلورية (تشبه الكريستال)، والتي عندما تصبح ثقيلة بما يكفي، ستسقط من السماء. وقد اتضح أن الجزيئات البيولوجية وجدران الخلايا بارعةٌ للغاية في تحفيز هطول المطر. فالفطريات والطحالب وحبوب اللقاح والأشنات والبكتيريا، وحتى الفيروسات، قادرةٌ على تكوين الجليد في السحب. من الممكن أيضاً أن تكون السحب والحياة مرتبطتان في دورةٍ وثيقة، لا تقتصر على العيش والتهام السحب فقط، بل تُساعدها أصلاً على التشكل. وتُعدّ بكتيريا الزائفة الزنجارية (Pseudomonas) من أفضل مُنتجات المطر. ولا يعلم العلماء سبب براعة هذه البكتيريا تحديداً في تكوين الجليد في السحب، ولكن قد يكون ذلك مرتبطاً بطريقة نموها على الأوراق. فعندما يهطل مطرٌ بارد على ورقة، قد تُساعد الزائفة الزنجارية الماء السائل على التحول إلى جليد عند درجات حرارة أعلى من المعتاد. وعندما تفتح شقوق الجليد الأوراق، يُمكن للبكتيريا أن تتغذى على العناصر الغذائية الموجودة بداخلها. حتى أنّ بعض العلماء تكهّنوا بأنّ النباتات ترحب ببكتيريا مثل الزائفة الزنجارية، على الرغم من الضرر الذي تُسببه. وعندما تزيل الرياح البكتيريا عن النباتات وتدفعها في الهواء، ترتفع لتصل إلى السُحب في السماء. وتُمطر السحب المُلقحة بالزائفة الزنجارية المزيد من المطر على النباتات تحتها. وتستخدم النباتات مياه هذه الأمطار لإنتاج المزيد من الأوراق، وتنمي هذه الأوراق المزيد من البكتيريا، التي ترتفع بدورها إلى السماء وتُحفز السحب لإنتاج المزيد من الأمطار لتغذية الحياة في الأسفل. وإذا ثبتت صحة هذا التكهن، فسيكون ذلك تكافلاً مهيباً في علم الأحياء، يربط الغابات بالسماء. كما تُثير الأبحاث حول الحياة في السحب، احتمال وجود كائنات حية محمولة جواً على كواكب أخرى - حتى تلك التي قد تبدو أسوأ الأماكن للحياة. فكوكب الزهرة، على سبيل المثال، يتمتع بدرجة حرارة سطحية عالية بما يكفي لإذابة الرصاص. لكنّ السحب التي تُغطي الزهرة أبرد بكثير، وربما تكون مناسبة لاستمرار الحياة. وقد تكهنت سارة سيغر، عالمة الأحياء الفلكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بأنّ الحياة ربما نشأت على سطح كوكب الزهرة في وقت مبكر من تاريخه، عندما كان أكثر برودة ورطوبة. ومع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، ربما وجدت بعض الميكروبات ملجأً لها في السحب. وتقول إنه بدلاً من أن تغرق عائدةً إلى السطح، ربما طفت صعوداً وهبوطاً في الغلاف الجوي، راكبةً التيارات الهوائية لملايين السنين. إن التفكير في بيئة "سيغر" الهوائية الغريبة يمكن أن يجعل تأمل السحب أكثر متعة. ولكن عندما ننظر إلى السحب، فإننا ننظر أيضاً إلى تأثيرنا على العالم، بحسب ما كشفته أبحاث أماتو. وعندما قام أماتو وزملاؤه بمسح الجينات في الميكروبات التي يلتقطونها، وجدوا أنّ عدداً كبيراً من هذه الجينات يمنح البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية. أمّا على الأرض، فقد حفزنا نحن البشر التطور الواسع النطاق لهذه الجينات المقاومة. فعبر تناولنا كميات زائدة من البنسلين والأدوية الأخرى لمكافحة العدوى، قمنا بتقوية طفرات يمكنها مقاومة هذه المضادات. وما يزيد الطين بلة، أنّ المزارعين يُطعمون الدجاج والخنازير وغيرها من الماشية المضادات الحيوية كي تنمو إلى أحجام أكبر. وفي عام 2014 وحده، توفي 700 ألف شخص حول العالم بسبب عدوى بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية. وبعد خمس سنوات، ارتفع العدد إلى 1.27 مليون. وتتطور مقاومة المضادات الحيوية داخل أجسام البشر والحيوانات التي يأكلونها. ثم تهرب البكتيريا المُكتسبة لهذه المقاومة من حاضناتها وتشق طريقها عبر البيئة - إلى التربة، وإلى مجاري المياه، بل وحتى إلى الهواء. وقد وجد الباحثون مستويات عالية من هذه الجينات المقاومة في البكتيريا التي تطفو في المستشفيات وحول مزارع الخنازير. لكنّ جينات البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية يمكن أن تنتشر جواً لمسافات أبعد بكثير. فقد فحص فريق دولي من العلماء، فلاتر مكيفات هواء السيارات في تسع عشرة مدينة حول العالم. ووجدوا أنّ هذه الفلاتر قد التقطت تنوعاً غنياً من البكتيريا المقاومة. بمعنى آخر، يبدو أنّ جينات المقاومة تطفو عبر المدن. وفي السنوات الأخيرة، رصد أماتو وزملاؤه رحلات أطول لهذه الجينات. ففي مسحٍ أُجري عام 2023 للسحب، أفاد الباحثون بالعثور على بكتيريا تحمل 29 نوعاً مختلفاً من جينات المقاومة للمضادات الحيوية فيها. وقد تحمل بكتيريا واحدة محمولة في الهواء، ما يصل إلى تسعة جينات مقاومة، كل منها يوفر دفاعاً مختلفاً ضد الأدوية. وقدّر الباحثون أنّ كل متر مكعب من سحابة واحدة، يحتوي على ما يصل إلى 10 ألف جين مقاوم للمضادات الحيوية. وقد تحتوي سحابة عادية تطفو فوق رؤوسنا على أكثر من تريليون جين منها. ويعتقد أماتو وزملاؤه أنّ السحب تحتوي على هذا العدد الكبير من جينات المقاومة لأنها تساعد البكتيريا على البقاء على قيد الحياة. وتُوفر بعض الجينات، مقاومة للمضادات الحيوية، من خلال السماح للبكتيريا بضخ الأدوية خارج أنسجتها بسرعة، والتخلص منها قبل أن تُسبب لها ضرراً. وقد يدفع ضغط الحياة في السحابة، البكتيريا إلى إنتاج نفايات سامة تحتاج إلى ضخها الى خارج أنسجتها بسرعة أيضاً. وقد تتمكن السحب من نشر جينات المقاومة للمضادات الحيوية هذه إلى أبعد من اللحوم والمياه الملوثة. فبمجرد دخول البكتيريا إلى السحابة، يمكنها السفر مئات الأميال في غضون أيام، قبل أن تُنثر قطرات المطر وتسقط عائدةً إلى الأرض. وعندما تصل هذه الميكروبات إلى الأرض، قد تنقل جيناتها المقاومة إلى ميكروبات أخرى تصادفها في بيئتها الجديدة. ويقدر أماتو وزملاؤه أن 2.2 تريليون تريليون جين مقاوم للمضادات الحيوية يتساقط من الغيوم سنوياً. سيكون تذكر هذه المعلومة صادماً لنا أثناء تنزهنا تحت المطر. فنحن نسير وسط سيل من الحمض النووي الذي صنعناه بأنفسنا. كارل زيمر كارل زيمر كاتب عمود "أويجينز" (الأصول) في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، ومؤلف 15 كتاباً علمياً. أحدث كتبه هو "المحمول جواً: التاريخ الخفي للحياة التي نتنفسها"، وهو الكتاب المقتبس منه هذا المقال.


BBC عربية
٠٣-٠٧-٢٠٢٥
- BBC عربية
موجة حرّ تضرب أوروبا: وفيات وإغلاقات ودرجات حرارة تبلغ مستويات تاريخية
سقطت صبيّة أمريكيّة من الإعياء بسبب ارتفاع درجة الحرارة، قبل أن تلفظ أنفاسها أمام والدَيها، بينما كانوا في زيارة لقصر فرساي، على مسافة نحو 25 كيلومتراً من العاصمة الفرنسية باريس. وكانت السلطات الفرنسية، قد رصدتْ في وقت سابق، من يوم الثلاثاء، حالتَي وفاة تأثُّراً بدرجة الحرارة الشديدة. وفي إيطاليا، توفي شخصان على الأقل متأثرَين بالحرّ الشديد؛ حيث تجاوزت درجات الحرارة في أجزاء من إيطاليا 42 مئوية. وتصطلي أوروبا بشمس يوليو/تموز المحرقة، حيث تجاوزت درجات الحرارة في مناطق عدة من القارة العجوز حاجز الـ 40 مئوية، فيما يرتقب عشرات الملايين ارتفاعاً أكبر وأخطر في تلك الدرجات خلال الأيام المقبلة. وأعلنت خدمة الأرصاد الجوية البريطانية أن آثار هذه الموجة الحارّة ستطال معظم بلدان القارة الأوروبية خلال الأسبوع الجاري، قبل أن تعود درجات الحرارة إلى معدّلاتها تدريجياً في الأسبوع المقبل. وتُعدّ هذه أولى موجات الحرّ الرئيسة في هذا الصيف، فيما يحذّر خبراء من أنْ تضرب القارة العجوز موجاتٌ شبيهة، بسبب تغيّر المناخ. وفي ذلك، قالت المتحدثة باسم المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، كلير نوليس، إن أوروبا تجتاز موجة من الحرّ الشديد، "والتي قد تتكرّر في وقت لاحق من هذا الصيف". وأطلقت عشرات التحذيرات من الحرارة الشديدة في أنحاء أوروبا، واتخذت دول عديدة تدابير وقائية؛ ومنها فرنسا التي أغلقت نحو 1,900 مدرسة يوم الثلاثاء، كما أغلقت الجزء العلوي من برج إيفِل أمام السائحين. إن رغبت في مواجهة موجات الحر فانظر إلى إبداع اليابانيين في التبريد وفي اليونان، أعلنت إغلاق عدد من المزارات الأثرية في أثينا ابتداءً من الساعة الثانية عشرة ظُهراً وحتى الخامسة مساء كل يوم. وشهدت مناطق إلى الجنوب من أثينا، الأسبوع الماضي، اندلاع حرائق بمناطق شاسعة من الغابات، ما أدى إلى عمليات إجلاء كبيرة وإغلاق عدد من الطرق، وصعّبتْ قوة الرياح مهمة السيطرة على النيران. ووقعت أكثر الحالات تأثراً بهذا الموجة الحارّة في أوروبا في كل من فرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وإسبانيا، وكرواتيا، وكذلك دول البلقان. وقالت السلطات الفرنسية إن يونيو/حزيران الماضي سجّل ثاني أعلى معدل حرارة على الإطلاق في البلاد، بعد يونيو/حزيران 2023، وذلك منذ بدء رصد درجات الحرارة عام 1900. وسجّلت البرتغال أعلى درجة حرارة رصدتْها على الإطلاق خلال شهر يونيو/حزيران يوم الأحد الماضي عند 46.6 مئوية. كما سجّلت إسبانيا درجة حرارة قياسية جديدة في يونيو/حزيران عند 46 مئوية، رُصدت في مدينة وَلبَة جنوب غربي البلاد. وفي العاصمة الإسبانية مدريد، اتخذت السلطات تدابير لمواجهة الحرّ الشديد، من بينها تقليص أو تغيير ساعات الدراسة؛ وزيادة مركبات النقل العام للحيلولة دون انتظار الرُكّاب على الأرصفة. وسجلتْ درجة حرارة المياه قبالة سواحل إسبانيا، 30 مئوية، يوم الثلاثاء، وفقا لهيئة الأرصاد الجوية الإسبانية. كيف يمكن التعامل مع موجات الحر المتكررة؟ وبحسب خدمة كوبرنيكوس، المعنيّة بتغير المناخ والتابعة للاتحاد الأوروبي، فإن درجة حرارة سطح البحر يوم 22 يونيو/حزيران المنصرم، سجلت 5 درجات مئوية فوق المعدّل المعتاد في هذا الوقت من العام. وفي إيطاليا، وجّهت السلطات بالحدّ من الأعمال خارج البنايات، خلال أوقات الذروة، تحت أشعة الشمس بشكل مباشر. وأدى ارتفاع درجة الحرارة إلى انقطاعات في التيار الكهربائي في مدينة فلورنسا شمالي إيطاليا، وذلك بسبب الإقبال المرتفع على استخدام أجهزة التكييف للتخفيف من حدّة الحرّ. "لم يكن مفاجئاً" وتعتبر موجات الحرّ من بين أكثر الظواهر المناخية تأثيراً على حياة الإنسان، بحسب وكالات الأمم المتحدة، والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر. وأشارت دراسة، نشرتها دورية "ذا لانسِت" الطبية عام 2021، إلى أن الحرّ الشديد تسبب في وفاة نحو 489 ألف شخص سنوياً حول العالم، خلال الفترة ما بين عام 2000 وعام 2019، ولفتت الدراسة إلى أن نحو رُبع هذا العدد كان في منطقة جنوب آسيا وحدها. ويرى مراقبون أنّ هذا الارتفاع في درجات الحرارة لم يكن مفاجئاً؛ لا سيما وأنّ كل شهور العام الماضي سجّلتْ تكسير أرقام قياسية على صعيد درجات الحرارة. وعلى حسابها عبر منصة إكس، رصدت خدمة كوبرنيكوس ارتفاعاً في تركيزات الأوزون في الغلاف الجوي بأجزاء من أوروبا، خلال الأيام القليلة الأولى من يوليو/تموز، ويُعزى هذا إلى ارتفاع درجات الحرارة في الأسابيع الأخيرة. وتؤكد خدمة كوبرنيكوس، المعنيّة بتغير المناخ والتابعة للاتحاد الأوروبي، أن أوروبا هي أسرع قارات العالم ارتفاعاً في درجات الحرارة؛ إذ ترتفع درجة حرارتها بمثلَيْ المتوسط العالمي. وحذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن "الحرّ الشديد لم يعُد شيئاً عارضاً، وإنما أصبح هو المعتاد"، مشدداً على أنّ "كوكب الأرض أصبح أكثر سخونة وأشدّ خطورة ولا توجد دولة محصّنة". وتشير الإحصاءات إلى أنّ حرارة كوكب الأرض زادت بنحو 1.2 درجة مئوية عما كانت عليه في القرن التاسع عشر.