logo
السيادة ومفاتيح الدولة في عصر الرقمنة

السيادة ومفاتيح الدولة في عصر الرقمنة

Amman Xchangeمنذ يوم واحد

الغد
كتب الكثير مؤخرًا عن السيادة الرقمية، غالبًا تقنيًا ضمن دعوات تنسيقية دون التطرق لجذور المشكلة، أو بأسلوب تعليمي لم يركز على الجانب السياسي الوجودي للمسألة. وجميعها بالتأكيد جهود مقدرة في تسليط الضوء على هذه المسألة الحساسة، ومع ذلك لا يجب قصرها على الأمور التقنية والاقتصادية بل يجب علينا هنا وضع التكنولوجيا في قلب القرار السياسي والوطني، وربطها بالسيادة والسيطرة.
إن أي دولة بلا سيادة رقمية في عصرنا الحالي معرضة دائمًا للخطر، مهما كانت رقمية. ففي عصر تتشابك فيه المصالح الأمنية والاقتصادية والسياسية مع البنى الرقمية، لم تعد مسألة السيادة الرقمية خيارًا مؤجلًا. بل أصبحت ضرورة وجودية تفرض نفسها على الدول كما كانت السيادة على الأرض والمياه والحدود في القرن الماضي. فالدولة التي تعتمد بشكل كامل على أنظمة، أو منصات، أو عتاد وبنى تحتية رقمية أجنبية، تسلّم مفاتيح أمنها واستقرارها وقرارها لطرف خارجي، مهما بدا حليفًا.
وتتمثل أخطر نتائج غياب السيادة الرقمية في إمكانية التحكم الخارجي بمصير دولة بأكملها عبر التحكم في استدامة خدماتها الأساسية. فأي انقطاع في خدمة سحابية، أو حجب أمني طارئ، أو توقف في تحديث نظام تشغيل قد يشلّ المؤسسات الحكومية والاقتصادية. أضف إلى ذلك خطر تسرب البيانات الوطنية، إما تجسسًا أو استغلالًا تجاريًا أو ضغطًا سياسيًا. أما على المدى الأبعد، فغياب السيادة يمنع الدولة من بناء اقتصاد معرفي مستقل، ويُبقيها رهينة لأنماط إنتاج وأفكار وتحديثات لا تملك أي سلطة عليها.
ولقد تنبه البعض مثل الاتحاد الأوروبي، لهذا الخطر مبكرًا. فتبنّى عدة مبادرات لتعزيز سيادته الرقمية، عبر التحول نحو الأنظمة مفتوحة المصدر، وقوننة الذكاء الاصطناعي، ومبادرة (Gaia-X) لبناء بنية تحتية سحابية أوروبية قائمة على مبادئ السيادة الرقمية، وخطة (Chips Act) لتقليل الاعتماد على الرقائق الأميركية والآسيوية. لكن رغم الطموح، يظل التقدم بطيئًا نسبيًا، ويواجه العقبات من قبيل الاعتماد الكبير على التقنية الأميركية، والبيروقراطية التنظيمية.
في المقابل، تقدم الصين نموذجًا أكثر جذرية في محاولة الانفكاك التكنولوجي. إذ استثمرت لعقود في تطوير منصاتها ومنتجاتها الرقمية المحلية، من تصنيع عتاد، وأنظمة تشغيل، وتطبيقات، إلى شبكات اتصالات فائقة التطور. لتصبح اليوم من الدول القليلة التي تمتلك منظومة رقمية شبه متكاملة ومكتفية ذاتيًا بدرجة عالية، بينما تتعلق الأنظار هذه الأيام بنظام التشغيل (HarmonyOS) والاختراقات الصينية المتتالية في صناعة الرقائق.
وللأسف، عند النظر في واقع الجنوب العالمي لا نجد سوى سيادة شكلية وتبعية رقمية في كثير من النماذج، حيث لا تزال السيادة الرقمية مفهومًا غائبًا أو مغيّبًا. فأي تحول رقمي يُقدّم باعتباره إنجازًا، دون أي مراجعة نقدية لواقع الاعتماد الكلي على أدوات أجنبية. هذا الانفصام بين خطاب الرقمنة وواقع الاحتلال الرقمي الناعم هو ما يعمق الفجوة، ويُضعف المناعة الوطنية السيبرانية. فلا يمكن لأي دولة أن تزعم تحقيق السيادة وهي ما زالت تعتمد على الآخرين في البرمجيات، والمعالجات، والمنصات، وتخزين البيانات، والحماية. فالتحول الرقمي الذي يُروج له حاليًا لا يعني بالضرورة سيادة، بل قد يُعمّق التبعية إن لم يُرافقه إنتاج مستقل، وتوطين حقيقي للتكنولوجيا، وبناء قاعدة معرفية مستقلة.
والخروج من هذا المأزق يبدأ بإرادة سياسية واعية تسعى للاستقلال التقني، واستثمار طويل في البحث والتطوير، وتمكين العقول المحلية، وتوفير بيئة تُشجّع الابتكار لا تخنقه، وتنويع الموردين، وتعزيز الاعتماد على التقنيات مفتوحة المصدر، لعل هذا يمهد الطريق نحو سيادة حقيقية في زمن لا يعترف إلا بمن يملك قراره الرقمي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وزير التربية وسفير الاتحاد الأوروبي يبحثان تعزيز العلاقات الثنائية
وزير التربية وسفير الاتحاد الأوروبي يبحثان تعزيز العلاقات الثنائية

الدستور

timeمنذ 5 ساعات

  • الدستور

وزير التربية وسفير الاتحاد الأوروبي يبحثان تعزيز العلاقات الثنائية

عمان - بحث وزير التربية والتعليم، الدكتور عزمي محافظة، وسفير الاتحاد الأوروبي في عمان، كريستوف تشاتزيسافاس، أمس الأحد، سُبل تعزيز علاقات التعاون بين الجانبين في المجالات كافة، خاصة التعليمية منها.وأكد محافظة، خلال اللقاء، أهمية العلاقة التشاركية بين الجانبين، واستمرار التعاون والتنسيق بينهما، مشيرًا إلى العديد من الخطط والبرامج التطويرية التي تنفذها الوزارة في مختلف جوانب العملية التربوية.وبيّن، خلال اللقاء الذي حضرته رئيسة وحدة التنسيق التنموي في الوزارة، الدكتورة خولة حطاب، أن الوزارة تُطبّق برنامج (BTEC) في مدارسها المهنية، وقد طبّقت عشرة تخصصات هذا العام، فيما ستعمل، في العام الدراسي المقبل، على إضافة تخصصي الرياضة والرعاية الصحية، بما يلبي احتياجات سوق العمل الأردني والإقليمي والعالمي من الأيدي العاملة الماهرة والمؤهلة.وأشار الدكتور محافظة، خلال اللقاء، إلى واقع العملية التعليمية والتربوية، مبينًا أن أهم أولويات قطاع التعليم في الأردن تتضمن تدريب وتأهيل المعلمين والقيادات التربوية، وتطوير التعليم المهني والتقني، والمناهج، والبنية التحتية، والاتصالات.وقال إن المملكة تستقبل في مدارسها نحو 250 ألف طالب من أكثر من 85 جنسية، وتلتزم بتوفير تعليم ذي جودة عالية لجميع الأطفال على أراضيها، رغم العبء الكبير على النظام التعليمي، والضغوط المستمرة التي تواجهها المملكة، وأعباء اللجوء من الأقطار العربية الشقيقة.ولفت إلى العلاقات الثنائية في مجالات التعليم العالي، وأهمية التنسيق بين الجامعات الأردنية وجامعات الاتحاد الأوروبي، بما يعزز التعاون بينهما في العديد من البرامج التعليمية والدراسات البحثية المختلفة.من جانبه، أكد تشاتزيسافاس أهمية الشراكة الوثيقة بين الاتحاد الأوروبي والأردن، مشيرًا إلى الدور المحوري الذي يضطلع به الأردن في المنطقة، واستضافته اللاجئين من الدول المجاورة، وتوفير الخدمات التعليمية لأبنائهم، وتحمله أعباء اللجوء والضغوط على موارده وبنيته التحتية.ودعا إلى تشجيع مزيد من الجامعات الأردنية على الانخراط في برنامج (Erasmus)، إذ تشير التقارير إلى أداء متميز للجامعات الأردنية المشاركة فيه.ووجّه دعوة للدكتور محافظة للمشاركة في فعاليات وأنشطة تنوي البعثة الأوروبية إقامتها خلال الفترة المقبلة. (بترا)

وزير التربية وسفير الاتحاد الأوروبي يبحثان تعزيز العلاقات الثنائية
وزير التربية وسفير الاتحاد الأوروبي يبحثان تعزيز العلاقات الثنائية

هلا اخبار

timeمنذ 8 ساعات

  • هلا اخبار

وزير التربية وسفير الاتحاد الأوروبي يبحثان تعزيز العلاقات الثنائية

هلا أخبار – بحث وزير التربية والتعليم، الدكتور عزمي محافظة، وسفير الاتحاد الأوروبي في عمان، كريستوف تشاتزيسافاس، اليوم الأحد، سُبل تعزيز علاقات التعاون بين الجانبين في المجالات كافة، خاصة التعليمية منها. وأكد محافظة، خلال اللقاء، أهمية العلاقة التشاركية بين الجانبين، واستمرار التعاون والتنسيق بينهما، مشيرًا إلى العديد من الخطط والبرامج التطويرية التي تنفذها الوزارة في مختلف جوانب العملية التربوية. وبيّن، خلال اللقاء الذي حضرته رئيسة وحدة التنسيق التنموي في الوزارة، الدكتورة خولة حطاب، أن الوزارة تُطبّق برنامج (BTEC) في مدارسها المهنية، وقد طبّقت عشرة تخصصات هذا العام، فيما ستعمل، في العام الدراسي المقبل، على إضافة تخصصي الرياضة والرعاية الصحية، بما يلبي احتياجات سوق العمل الأردني والإقليمي والعالمي من الأيدي العاملة الماهرة والمؤهلة. وأشار الدكتور محافظة، خلال اللقاء، إلى واقع العملية التعليمية والتربوية، مبينًا أن أهم أولويات قطاع التعليم في الأردن تتضمن تدريب وتأهيل المعلمين والقيادات التربوية، وتطوير التعليم المهني والتقني، والمناهج، والبنية التحتية، والاتصالات. وقال إن المملكة تستقبل في مدارسها نحو 250 ألف طالب من أكثر من 85 جنسية، وتلتزم بتوفير تعليم ذي جودة عالية لجميع الأطفال على أراضيها، رغم العبء الكبير على النظام التعليمي، والضغوط المستمرة التي تواجهها المملكة، وأعباء اللجوء من الأقطار العربية الشقيقة. ولفت إلى العلاقات الثنائية في مجالات التعليم العالي، وأهمية التنسيق بين الجامعات الأردنية وجامعات الاتحاد الأوروبي، بما يعزز التعاون بينهما في العديد من البرامج التعليمية والدراسات البحثية المختلفة. من جانبه، أكد تشاتزيسافاس أهمية الشراكة الوثيقة بين الاتحاد الأوروبي والأردن، مشيرًا إلى الدور المحوري الذي يضطلع به الأردن في المنطقة، واستضافته اللاجئين من الدول المجاورة، وتوفير الخدمات التعليمية لأبنائهم، وتحمله أعباء اللجوء والضغوط على موارده وبنيته التحتية. ودعا إلى تشجيع مزيد من الجامعات الأردنية على الانخراط في برنامج (Erasmus)، إذ تشير التقارير إلى أداء متميز للجامعات الأردنية المشاركة فيه. ووجّه دعوة للدكتور محافظة للمشاركة في فعاليات وأنشطة تنوي البعثة الأوروبية إقامتها خلال الفترة المقبلة.

السيادة ومفاتيح الدولة في عصر الرقمنة
السيادة ومفاتيح الدولة في عصر الرقمنة

Amman Xchange

timeمنذ يوم واحد

  • Amman Xchange

السيادة ومفاتيح الدولة في عصر الرقمنة

الغد كتب الكثير مؤخرًا عن السيادة الرقمية، غالبًا تقنيًا ضمن دعوات تنسيقية دون التطرق لجذور المشكلة، أو بأسلوب تعليمي لم يركز على الجانب السياسي الوجودي للمسألة. وجميعها بالتأكيد جهود مقدرة في تسليط الضوء على هذه المسألة الحساسة، ومع ذلك لا يجب قصرها على الأمور التقنية والاقتصادية بل يجب علينا هنا وضع التكنولوجيا في قلب القرار السياسي والوطني، وربطها بالسيادة والسيطرة. إن أي دولة بلا سيادة رقمية في عصرنا الحالي معرضة دائمًا للخطر، مهما كانت رقمية. ففي عصر تتشابك فيه المصالح الأمنية والاقتصادية والسياسية مع البنى الرقمية، لم تعد مسألة السيادة الرقمية خيارًا مؤجلًا. بل أصبحت ضرورة وجودية تفرض نفسها على الدول كما كانت السيادة على الأرض والمياه والحدود في القرن الماضي. فالدولة التي تعتمد بشكل كامل على أنظمة، أو منصات، أو عتاد وبنى تحتية رقمية أجنبية، تسلّم مفاتيح أمنها واستقرارها وقرارها لطرف خارجي، مهما بدا حليفًا. وتتمثل أخطر نتائج غياب السيادة الرقمية في إمكانية التحكم الخارجي بمصير دولة بأكملها عبر التحكم في استدامة خدماتها الأساسية. فأي انقطاع في خدمة سحابية، أو حجب أمني طارئ، أو توقف في تحديث نظام تشغيل قد يشلّ المؤسسات الحكومية والاقتصادية. أضف إلى ذلك خطر تسرب البيانات الوطنية، إما تجسسًا أو استغلالًا تجاريًا أو ضغطًا سياسيًا. أما على المدى الأبعد، فغياب السيادة يمنع الدولة من بناء اقتصاد معرفي مستقل، ويُبقيها رهينة لأنماط إنتاج وأفكار وتحديثات لا تملك أي سلطة عليها. ولقد تنبه البعض مثل الاتحاد الأوروبي، لهذا الخطر مبكرًا. فتبنّى عدة مبادرات لتعزيز سيادته الرقمية، عبر التحول نحو الأنظمة مفتوحة المصدر، وقوننة الذكاء الاصطناعي، ومبادرة (Gaia-X) لبناء بنية تحتية سحابية أوروبية قائمة على مبادئ السيادة الرقمية، وخطة (Chips Act) لتقليل الاعتماد على الرقائق الأميركية والآسيوية. لكن رغم الطموح، يظل التقدم بطيئًا نسبيًا، ويواجه العقبات من قبيل الاعتماد الكبير على التقنية الأميركية، والبيروقراطية التنظيمية. في المقابل، تقدم الصين نموذجًا أكثر جذرية في محاولة الانفكاك التكنولوجي. إذ استثمرت لعقود في تطوير منصاتها ومنتجاتها الرقمية المحلية، من تصنيع عتاد، وأنظمة تشغيل، وتطبيقات، إلى شبكات اتصالات فائقة التطور. لتصبح اليوم من الدول القليلة التي تمتلك منظومة رقمية شبه متكاملة ومكتفية ذاتيًا بدرجة عالية، بينما تتعلق الأنظار هذه الأيام بنظام التشغيل (HarmonyOS) والاختراقات الصينية المتتالية في صناعة الرقائق. وللأسف، عند النظر في واقع الجنوب العالمي لا نجد سوى سيادة شكلية وتبعية رقمية في كثير من النماذج، حيث لا تزال السيادة الرقمية مفهومًا غائبًا أو مغيّبًا. فأي تحول رقمي يُقدّم باعتباره إنجازًا، دون أي مراجعة نقدية لواقع الاعتماد الكلي على أدوات أجنبية. هذا الانفصام بين خطاب الرقمنة وواقع الاحتلال الرقمي الناعم هو ما يعمق الفجوة، ويُضعف المناعة الوطنية السيبرانية. فلا يمكن لأي دولة أن تزعم تحقيق السيادة وهي ما زالت تعتمد على الآخرين في البرمجيات، والمعالجات، والمنصات، وتخزين البيانات، والحماية. فالتحول الرقمي الذي يُروج له حاليًا لا يعني بالضرورة سيادة، بل قد يُعمّق التبعية إن لم يُرافقه إنتاج مستقل، وتوطين حقيقي للتكنولوجيا، وبناء قاعدة معرفية مستقلة. والخروج من هذا المأزق يبدأ بإرادة سياسية واعية تسعى للاستقلال التقني، واستثمار طويل في البحث والتطوير، وتمكين العقول المحلية، وتوفير بيئة تُشجّع الابتكار لا تخنقه، وتنويع الموردين، وتعزيز الاعتماد على التقنيات مفتوحة المصدر، لعل هذا يمهد الطريق نحو سيادة حقيقية في زمن لا يعترف إلا بمن يملك قراره الرقمي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store