logo
رهانات فرنسية على «متغيرات» تساعد على إحداث انعطافة باتجاه حل الدولتين

رهانات فرنسية على «متغيرات» تساعد على إحداث انعطافة باتجاه حل الدولتين

الشرق الأوسطمنذ 4 أيام
في شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2014، صوّت مجلسا الشيوخ والنواب الفرنسيان على قرار «غير ملزم» يدعو الحكومة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي أُعلن إنشاؤها في الجزائر عام 1988، بيد أن فرنسوا أولاند، رئيس الجمهورية الاشتراكي وقتها، ووزير خارجيته لوران فابيوس، تركا القرار في الأدراج.
منذ عقود، تقوم سياسة باريس على الدعوة إلى قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل وفق منطوق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1947، الذي قضى بتقسيم فلسطين وقيام دولتين يهودية وفلسطينية.
وبعد أولاند، وصل إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه عام 2017. ومنذ ذلك التاريخ وحتى أسابيع خلت، كان موقف باريس الرسمي يؤكد على عزم الحكومة الاعتراف بالدولة الفلسطينية و«لكن في الوقت المناسب» بحيث يكون «مفيداً»، بمعنى أن يحرك الوضع باتجاه الحل السياسي.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الفلسطيني محمود عباس في لقاء على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في في نيويورك يوم 25 سبتمبر من العام الماضي (أ.ف.ب)
ورفض ماكرون، ربيع العام الماضي، الاحتذاء بأربع دول أوروبية، هي إسبانيا وآيرلندا وسلوفينيا والنرويج، قررت وضع حد للتسويف وأقدمت، دون مزيد من التأخير، على خطوة الاعتراف التي سبقتها إليها دولتان هما السويد وقبرص. وفي المجمل، تعترف 12 دولة أوروبية، من أصل 27 تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي، بالدولة الفلسطينية.
بيد أن تواصل الحرب على غزة والمجازر التي ترتكب فيها دفعت ماكرون إلى تغيير مقاربته. وتقول مصادر سياسية إن الرئيس الفرنسي الذي أعلن في رسالة رسمية إلى رئيس السلطة الفلسطينية عزمه الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين بمناسبة «قمة» ستعقد في نيويورك يوم 21 سبتمبر (أيلول) المقبل على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، يرى أنه «يتعين التحرك اليوم قبل أن يُدفن حل الدولتين نهائياً» بسبب الممارسات الإسرائيلية في غزة، وأيضاً في الضفة الغربية، حيث تتسارع الحركة الاستيطانية بوتيرة غير مسبوقة وعلى نحو يقضي، عملياً، على احتمال قيام هذه الدولة.
وتعي باريس الصعوبات التي تواجه الخطوة الرئاسية، حتى داخل فرنسا نفسها، فالأحزاب التي يتشكل منها الائتلاف الحاكم، وهي «النهضة» و«آفاق» و«الحركة الديمقراطية» وحزب «الجمهوريون» اليميني التقليدي، لم يُقدم أي من قادتها على توفير الدعم لماكرون الذي يخول له الدستور الإقدام على مبادرة كهذه.
إسقاط مساعدات إنسانية فوق مدينة غزة يوم الاثنين (أ.ب)
أما في الخارج، فإن باريس من خلال الاتصالات المباشرة مع الأطراف المعنية بشكل رئيسي بمشروعها كانت تعي الرفض الجذري، سواء من إسرائيل أو من الولايات المتحدة، لأي حديث بهذا الاتجاه.
وصرَّحت مصادر لـ«الشرق الأوسط» بأن ماكرون أبلغ ترمب ونتنياهو بخطوته قبل الإعلان عنها، كما تشاور بشأنها مع رئيس الوزراء البريطاني والمستشار الألماني.
وهناك أيضاً انقسامات عميقة بشأن إسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي، الذي فشل، بعد سقوط 60 ألف قتيل في غزة وتدمير القطاع تدميراً شبه كامل بحيث تحول لما يشبه «المقبرة المفتوحة»، في اتخاذ أي إجراء عملي ضد إسرائيل، واكتفى بوعود لم يتحقق منها شيء رغم أن اتفاقية الشراكة التي دخلت حيز التنفيذ منذ عام 2000 توفر للاتحاد القدرة على إعادة النظر بها استناداً للبند الثاني الذي يربط دوامها باحترام إسرائيل حقوق الإنسان.
رغم ما سبق، تراهن باريس على إطلاق «ديناميكية سياسية - دبلوماسية» من اليوم وحتى تاريخ القمة المشار إليها من شأنها أن تخلق «تياراً قوياً دافعاً» يعيد ملف حل الدولتين إلى الواجهة الدولية.
ووفق مصادر رئاسية فرنسية، فإن الإعلان «المبكر» عن قرار ماكرون هدفه «تشجيع الأطراف الأخرى، خصوصاً الأوروبية المترددة، على اللحاق بها وإعطائها الوقت الكافي لاتخاذ قرارها».
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، في مقابلة مع صحيفة «لا تريبون دو ديمانش» الفرنسية الأسبوعية، إن دولاً أوروبية أخرى ربما تلحق بفرنسا، على رأسها مالطا وبلجيكا ويحتمل أيضاً هولندا، كذلك ثمة رهانات على كندا واليابان وكوريا الجنوبية.
أما بريطانيا، فعلى الرغم من الضغوط التي يتعرض لها رئيس وزرائها كير ستارمر، فهي ما زالت مترددة؛ فيما عجلت ألمانيا بالإعلان عن رفضها السير في الركاب الفرنسي راهناً.
أما في الجانب المقابل، فإن بارو يشير إلى أن إقدام بلاده على هذه الخطوة، وهي الأولى في إطار «مجموعة السبع»، وبالنسبة لعضو دائم في مجلس الأمن ولاعب رئيسي داخل الاتحاد الأوروبي، من شأنه أن يقنع الدول العربية بإدانة «حماس» والمطالبة بنزع سلاحها.
وتأمل باريس أن تكون الحرب في غزة قد توقفت بحلول سبتمبر (أيلول)، ما سيغير الأجواء السائدة حالياً في الشرق الأوسط والعالم العربي، بحيث يتحقق «التوازن» بين الاعتراف من جهة والقيام بخطوات تجاه إسرائيل من جانب دول عربية وإسلامية، بحيث يتم العمل بمبدأ «التبادلية». وقال بارو أيضاً: «سنعمل في نيويورك على إطلاق نداء لحث دول أخرى على الانضمام إلينا».
تعوّل باريس كثيراً على «خريطة الطريق» التي ستصدر عن اجتماع نيويورك، والتي تأمل أن تتبناها الجمعية العامة للأمم المتحدة.
رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى يتحدث في المؤتمر (أ.ف.ب)
أهمية «الخريطة» تكمن في أنها تتضمن رؤيةً متكاملةً لكيفية إنهاء النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي لأنها توفر عناصر ومحددات حل الدولتين مع أنها تترك للطرفين التفاوض بشؤون رئيسية مثل حدود الدولة الفلسطينية وملف الاستيطان ومصير القدس.
لكن فرنسا تعي أن المشروع الذي تسير به صعب، والدليل على ذلك تصويت الكنيست، الأسبوع الماضي، على قانون يدعو لضم الضفة الغربية وتبني قانون العام الماضي يرفض قيام دولة فلسطينية.
وبما أن باريس «قطعت الأمل» من تغير سياسة حكومة نتنياهو الأكثر يمينية أو التحالف الذي يبقيه في السلطة، فإنها تراهن على تغيير سياسي في إسرائيل قد يحدث في الأشهر المقبلة أو بمناسبة الانتخابات التشريعية المقررة في سبتمبر من العام المقبل.
وتعتبر باريس أن تغيراً في الرأي العام الإسرائيلي ممكن، خصوصاً أن الطرح الإسرائيلي اليوم لا يتجاوز أحداث غزة، فيما تقدم «خريطة الطريق» تصوراً وحلاً لليوم التالي.
كثيرة التساؤلات التي طرحت حول جدوى العملية، وهل من شأن اعتراف فرنسا، وربما دول أوروبية أخرى، أن يغير من الواقع الميداني، أو أن يقرب موعد قيام الدولة الفلسطينية التي اعترفت بها أكثر من 145 دولة. لكن ذلك لن يمنع راعييها من الاستمرار بها والدفع لإنجاحها.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

خلاصة آراء
خلاصة آراء

الشرق الأوسط

timeمنذ 15 دقائق

  • الشرق الأوسط

خلاصة آراء

جمعنا لقاء قديم في دارة مراسل غربي معروف بمناسبة مغادرته لبنان بعد عمله نحو ربع قرن. وقرر المراسل العريق أن يحمل معه خلاصة الآراء التي يعتقد الحضور أنها ضرورية من أجل حل ما يُعرف بالأزمة اللبنانية. تولّت سكرتيرة المراسل المغادر، تدوين المقترحات، وزوّدت كل واحد منا بنسخة عنها. ها أنا أسمح لنفسي بأن أشارك حضراتكم القناعات التي أعرب عنها الزملاء، مع التذكير بأن بعض العبارات غير اللائقة سحبت منها، خوفاً من إساءة التفسير، أو اللفظ. أولاً، حل القضية الفلسطينية، وثانياً، وبالتوازي، حل قضية الشرق الأوسط. مع التأكيد على الفارق الجغرافي بين الشرق الأوسط العادي، وأحباء مصطلح «الشرق الأدنى»، الذي أعيد إلى التداول تفادياً لغموض الصيغة الأولى. * حل مشكلة الأنبار في العراق. * ترسيم الحدود اللبنانية السورية، وضم مزارع شبعا إلى السيادة اللبنانية، وزرعها بأشجار البرتقال وعرائش العناب من أجل تأكيد لبنانيتها، وعصير البرتقال. * الاتصال بالرئيس بشار الأسد، المعروف «بالرئيس بشار» لأخذ رأيه في المفهوم الروسي لناطحات السحاب، والضباب في موسكو. * وحل مشكلة أوكرانيا بطريقة تسهل معها حل مشكلة «الناتو». * حل المسألة الشرقية. * موسم القمح في أوكرانيا، واهتراء المحاصيل في المخازن. * حل مشكلة المجاعة في فنزويلا، والمخدرات في بوليفيا، وثقب الأوزون الأسود. * إقامة مصالحة عربية شاملة. * تأجيل المصالحة إلى حين حل المشكلة المعروفة بقضية الشرق الأوسط، قبل أن تثبت في أذهان الناس على أنها أصبحت قضية الشرق الأدنى. * إبلاغ مجلس الأمن بسائر القرارات. التحفظ على البند الأخير بسبب الفيتو بموجب الفقرة 17 من المادة 22 معطوفة على بنود الحل الأول الواردة تحت صفة المعجل والمكرر، فيما هو الممل والمضجر. وبناءً عليه!

هل إسرائيل شرطي المنطقة الجديد؟
هل إسرائيل شرطي المنطقة الجديد؟

الشرق الأوسط

timeمنذ 15 دقائق

  • الشرق الأوسط

هل إسرائيل شرطي المنطقة الجديد؟

قبلَ سبع سنواتٍ كتبتُ عن «صعود إسرائيلَ إقليمياً». اليومَ حضورُها أكبر فهيَ وراء التغيرات الجيوسياسيةِ الهائلة، إثرَ هجماتِ السَّابع من أكتوبر. بعدَ هذا كلّه، كيفَ تنظرُ إسرائيلُ إلى نفسها؟ من المستبعدِ أن تكتفيَ بدورها القديمِ وستبحث عن أدوارٍ سياسية تعكس قدراتَها العسكرية. كانت لتلِّ أبيبَ سياسةٌ على مدى نصف قرن ركيزتها حماية وجودِها وحدودها القديمة والمحتلة، شملت مواجهةَ إيران وملاعبةَ القوى المضادة مثل نظامي صدام والأسد. اليوم تدشّن مرحلة ما بعدَ تدمير القوى المحيطةِ بها. وللمرة الأولى في تاريخِها الحديث، لم تعد هناك قوةٌ تعلن تهديدها لإسرائيل وقادرة على فعل ذلك. حتى إيران لا تستطيع ذلك بعد التَّدمير الذي لحقَ بقدراتها الهجومية، وقد تتغيَّر هذه المعادلة مستقبلاً إن تمكَّنت ايران من إعادة بناء قوتها الداخلية والخارجية، لكنَّ الأمر يبدو مستبعداً أو بعيداً. بتبدّل الأوضاع تتبدَّل الاستراتيجية الإسرائيلية، تريد أن تكونَ لاعباً هجوميّاً في المنطقة وليس مجردَ حارسٍ للحدود. والمنطقة الآنَ في حال متبعثرة، وبلا تحالفاتٍ واضحة، كأنَّها تنتظر أن تحسمَ الأمور المضطربة، ومن بينها محور طهران الذي تقلَّص كثيراً. هناك احتمالان لما ستكون عليه إسرائيل. الأول: أن تعتبرَ نفسَها قوة لحفظ الواقع الجديد، و«استقراره»، والانخراط سلمياً مع الجوار باستكمال علاقاتِها مع بقية العرب. وهذا سيعني نهايةَ حقبةِ الحرب والمقاطعة. مع نهاية الأنظمة المعادية لها أو إضعافِها، ستعزّز إسرائيل مصالَحها بترسيخ الوضعِ الجيوسياسي وتنظيفِ محيطها وإقصاء ما تبقَّى من حركاتٍ معادية لها. الاحتمال الثاني: أنَّ إسرائيل بقوتها المتفوقةِ تريد أن تعيد تشكيلَ المنطقة وَفق منظورها السياسيِّ ومصالِحها وهذا قد يعني المزيدَ من المواجهات. فالدول الإقليمية لديها هواجسُ قديمة في هذا الشأن. فقد كانت هناك أنظمةٌ توسعية مثل صدام العراق وإيران اعتبرت إسرائيل عقبةً أمام طموحاتها الإقليمية وتبنَّت مواجهتها، وإن كانتِ العناوين دائماً تتدثّر بالقضية الفلسطينية. هجماتُ حركة حماس أخرجت إسرائيلَ من القمقم ووضعتها طرفاً في المعادلة الإقليمية أكثرَ من ذي قبل. فهل إسرائيل تبحث عن التعايش إقليمياً أم تطمح لتنصب نفسها شرطياً للمنطقة؟ كل شيء يوحي بأنَّ إسرائيلَ تريد أن تكون طرفاً في النَّشاط السياسيّ الإقليميَ ومعاركِ المنطقة، قد تكونُ المقاولَ العسكري أو لاعباً إقليمياً أو حتى زعيمةَ حلف. فهي سريعاً منعتِ التَّدخلَ العراقي في سوريا والتَّمدد التُّركيَّ كذلك. شهية حكومةِ نتنياهو للقتال المستمرة أحيت مخاوفَ مشروع إسرائيل الكبرى، والتخطيط للتوسع في المنطقة. الحقيقة أنَّ معظمَ هذه الطروحات تسوّقُ لها الأطرافُ المنخرطة في الصّراع مثل إيران وسوريا والإخوان واليسار. إسرائيل ربَّما تبحث عن دور مهيمن، لكنَّ التَّوسعَ الجغرافي مستبعد. فهيَ على مدى خمسين عاماً انكفأت على نفسها وسخرت إمكانياتها المادية والعسكرية والقانونية لابتلاع الأراضي التي احتلتها في حرب 1967. ولا تزال تصارعُ للحفاظ عليها وإفشال العديد من المحاولات لتخليصها بإقامة دولة فلسطينية أو إعادتها تحت الإدارتين الأردنية والمصرية. الدولة الإسرائيلية صغيرة وستبقَى كذلك نتيجة طبيعة نظامِها المتمسّك بالحفاظ على يهوديتها. حالياً عشرون في المائة من مواطنيها فلسطينيون، ولو ضمَّت الأراضيَ المحتلة للدولة ستصبح نسبتُهم نصفَ السُّكان تماماً. هذا يجعل التحديَ استيعابَ الضفة وغزة وليس التوسع. الخشية أن يسعى المتطرفون الإسرائيليون إلى الاستفادة من حالة الفوضى لهذا الغرض، كما حدث بعد أكتوبر، إذ استُغلَّت هجمات «حماس» للتخلّص من جزءٍ من سكان الضفة وغزة. هذا احتمالٌ وارد وله تداعياتُه الخطيرة. إنَّما توجد مبالغة فيما يروّج له المؤدلجون محذرين ممَّا يسمى إسرائيل الكبرى، مستشهدين بصور ومقالاتٍ تدعو للتوسع لما وراء نهر الأردن. قد تكون ضمنَ الطروحات التلمودية والسياسية التي تشبه الحديث عن «الأندلس» عندَ الذين يحنُّون للتاريخ العربيّ والإسلاميَ القديم. ديموغرافياً إسرائيلُ محكومةٌ بمفهومها للدولة اليهودية وتخشى من أن تذوبَ إثنياً بخلاف معظم دول المنطقة التي تشكَّلت واستوعبت أعراقاً وإثنياتٍ متنوعة. إسرائيل تسعى للهيمنة لكنَّها تخاف من الاندماجات الديموغرافية الحتمية نتيجة الاحتلالات. سياسياً، تبقَى استراتيجية الدولة اليهودية المقبلة، عقب انتصاراتها الأخيرة، غامضةً وربَّما لا تزال تحت التَّشكّل. ومهما تريد لنفسها، سواء أكانت تريد دولة مسالمة منفتحة على جيرانها العرب أم شرطياً للمنطقة منخرطاً في معاركَ دائمة، فإنَّ للمنطقة ديناميكيتها التي تحركها عواملُ مختلفة ومتنافسة ولا تستطيع قوةٌ واحدةٌ الهيمنةَ عليها.

«ماغا» والطريق إلى دعم غزة
«ماغا» والطريق إلى دعم غزة

الشرق الأوسط

timeمنذ 15 دقائق

  • الشرق الأوسط

«ماغا» والطريق إلى دعم غزة

هل اكتسبت القضية الفلسطينية زخماً حقيقياً في الأيام القليلة الفائتة، لا سيما في ظل الإعلان المشترك الذي صدر عن المملكة العربية السعودية وفرنسا، بعد مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بدعم قضية الدولة الفلسطينية المستقلة؟ من الواضح أن هذا هو ما جرت به المقادير، بخاصة في ظل الموقفيْن البريطاني والكندي، المتغيريْن بسرعة شديدة في الساعات الأخيرة لصالح عدالة قضية طال ظلم أبنائها وشتاتهم في رياح الأرض الأربع. إلا أن تغيراً مثيراً جداً يجري في الداخل الأميركي، وبات وعن حق يمثل ضغطاً متزايداً على إدارة الرئيس ترمب، وعلى شخص سيد البيت الأبيض بصورة غير متوقعة. التغير الذي نحن بصدد الحديث عنه يجري داخل حركة «ماغا»، التي ناصرت الرئيس الأميركي دونالد ترمب ودعمته على كافة الأصعدة، غير أنه بات من الواضح أن صورة الجوع والمجاعة، الفاقة والبؤس والمعاناة في غزة، أعطت زخماً جديداً للنقاش الذي كان يتصاعد على استحياء داخل أروقتها. ارتفع صوت المؤثرين بالنقد لإسرائيل، وكان النائب السابق مات غيتز، ومستشار ترمب السابق ستيف بانون، على رأس من أدانوا تصرفات إسرائيل وحذروا من أن هذه القضية تشكل عبئاً سياسياً على إدارة ترمب وقاعدته الشعبية. هل ما يجري في جنبات «ماغا» بداية لتغير جوهري في السياسات الأميركية؟ الأكيد أن إسرائيل حظيت دائماً بدعم واسع النطاق من الحزبين الأميركيين الكبيرين، الجمهوري والديمقراطي، لكنَّ صعود حركة «ماغا» في عهد ترمب يتحدى الأسس الآيديولوجية لهذه «العلاقة الخاصة». لم يعد سراً القول إن السياسة الواقعية التي تتبناها حركة «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» تسعى إلى الحد من مشاركة الولايات المتحدة في الحروب الخارجية، بحيث تقتصر على تلك التي تؤثر بشكل مباشر على مصالحها، بخاصة الطبقة العاملة المتواضعة أو المتوسطة التي تشكل قاعدة ترمب. لا تبدو «ماغا» وحدها من يغير اتجاهاته السياسية في الداخل الأميركي، بل تجاوز الأمر إلى غيرها من المؤسسات. على سبيل المثال، دعت مؤسسة «هيرتاغ»، أو التراث، التي تعد العقل المفكر والناطق لحكومة ترمب، برئاسة كيفن روبرتس، إلى «إعادة توجيه علاقتها مع إسرائيل، من علاقة خاصة إلى شراكة استراتيجية متساوية». تأثيرات «ماغا»، بفعل الدراما غير المسبوقة في غزة، تمتد إلى أكثر وأشد الأطراف والأطياف السياسية الأميركية يمينيةً، فعل سبيل المثال، أصبحت النائبة مارغوري تايلور غرين أول عضو جمهوري في الكونغرس يصف أفعال إسرائيل في قطاع غزة بـ«الإبادة الجماعية والأزمة الإنسانية في غزة»، وعدّت ما يجري على الأرض هناك من أعمال وحشية لا يقل بشاعة عن هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. أبعد من ذلك، فقد دعت تايلور إلى إلغاء تمويل بقيمة 500 مليون دولار لنظام الدفاع الصاروخي. ولعل القارئ المعمق للأحداث يدرك كيف أن الدعم غير المشروط لإسرائيل، الذي عُدَّ لعقود طوال حقيقةً أساسيةً وفكرةً عضويةً، بات اليوم موضع تحدٍ من قبل قاعدة تراب الشعبوية، وعلى رأسها «ماغا»، وأصبحت استدعاءات «العلاقة الخاصة» تقع على آذان صماء. تبدو «ماغا» في طور إعادة قراءة معمقة لفكرة أميركا العظيمة، وما الذي جعلها عند لحظات بعينها عظيمة بالفعل. تبين سطور التاريخ الأميركي أن المثل والقدوة، الحرية والمصداقية، احترام استقلال الدول الويستفالية، تقديم الدعم الإنساني من غير براغماتية ضيقة النظرة، هي ما جعلت أميركا «الدولة التي لا يمكن الاستغناء عنها بالفعل» (Indispensable). اليوم يبدو الرئيس الأميركي في أزمة موازنة بين دعمه لبنيامين نتنياهو وحكومته، وثورة الشك وسط شباب «ماغا»، حول جدوى نصرة إسرائيل ظالمة غير مظلومة، ولهذا لم يكن هناك من مفر من اعترافه بأن هناك حالةً غير مقبولة من الجوع في غزة. ومن باب الحقائق القول إن نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس هو القوة الآيديولوجية الضاربة في هذه الإدارة، وهو في الوقت ذاته رجل مؤسسة «هيرتاغ» المفضل، وقد كان لافتاً للنظر في مناسبة أقيمت في ولاية أوهايو، الأسبوع قبل الماضي، ذهابه إلى مدى أبعد من تصريحات ترمب، إذ ناقش صوراً «مفجعة» لأطفال صغار يتضورون جوعاً بوضوح، وطالب إسرائيل بالسماح بدخول المزيد من المساعدات. ما الذي يجري داخل صفوف «ماغا»؟ أفضل من قدم جواباً مقبولاً، عالمُ السياسة والدبلوماسي الأميركي السابق مايكل مونتغمري، الذي عدَّ أن «أي شعب متحضر لا يرى في التجويع سلاحاً مشروعاً في الحرب». هل يمكن لـ«ماغا» أن تغير أميركا بالفعل وتعيدها للعظمة الحقيقية عبر دروب الإنسانية لا المعارك القتالية؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store