logo
"خارطة طريق" تمويل المناخ تواجه تعثرا وسط غموض في مصادر التمويل

"خارطة طريق" تمويل المناخ تواجه تعثرا وسط غموض في مصادر التمويل

الجزيرة٢٣-٠٦-٢٠٢٥
لا تزال الخلافات في مصادر التمويل ومكوناته تعيق التوافق على صياغة "خارطة طريق" واضحة لتوفير تمويل المناخ للدول النامية، رغم التكليف الرسمي الذي حصل عليه مفاوضو المناخ خلال محادثات بون المستمرة من 16 إلى 26 يونيو/حزيران الجاري، والتي اعتُبرت خطوة أساسية نحو إنجاز الوثيقة بحلول مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30) في البرازيل العام المقبل.
وشدد كبير مسؤولي المناخ في الأمم المتحدة سيمون ستيل في مستهل الاجتماعات، على ضرورة أن تكون خارطة الطريق أكثر من مجرد تقرير نظري، بل "دليلا عمليا يتضمن خطوات واضحة لزيادة الاستثمار في العمل المناخي".
لكن مسار المفاوضات أظهر، أن الحكومات لم تقترب بعد من صيغة توافقية، وفق موقع " كلايمت هوم نيوز".
خارطة طريق مأزومة
جاءت خارطة الطريق في إطار هدف تمويل المناخ الجديد (NCQG) المتفق عليه خلال مؤتمر الأطراف الـ29 (COP29) في باكو، والذي يتضمن التزاما سنويا بجمع 300 مليار دولار حتى عام 2035، على أن تُستكمل بمصادر تمويل إضافية للوصول إلى 1.3 تريليون دولار سنويا بحلول ذلك العام.
ووفقا للمديرة العامة لمجموعة تمويل المناخ لأميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي ساندرا غوزمان، فإن الخارطة "نشأت لسد الفجوة بين ما تعهدت به الدول الغنية فعليا، وما تحتاجه الدول النامية"، مشيرة إلى أن الهدف منها أيضا "منع انتقال الخلاف في هدف تمويل المناخ إلى مؤتمر بيليم المقبل".
مع ذلك، أظهرت مشاورات الأسبوع الماضي، التي قادتها رئاستا مؤتمر الأطراف –أذربيجان والبرازيل– عمق الخلافات بين الدول، خصوصا عن طبيعة التمويل، ومصادره، وشروطه.
تمويل عام أم خاص؟
وواحدة من أبرز النقاط الخلافية تتمثل في الجهة التي يُفترض أن تقدم التمويل. فبينما تطالب الدول النامية بأن يأتي معظم التمويل من الأموال العامة للدول الغنية، ينص الاتفاق المبرم في باكو على أن "جميع مصادر التمويل" تظل متاحة، دون تحديد واضح لنسبة مساهمة كل مصدر.
في المقابل، دعت الدول المتقدمة إلى تعزيز دور التمويل الخاص. وأكد ممثل الاتحاد الأوروبي، أن "تحفيز الاستثمارات الخاصة أمر ضروري لدفع العمل المناخي"، مشيرا إلى أهمية مساهمة دول أخرى، مثل الصين ودول الخليج، في جهود التمويل.
وفي بون، ورد 116 مقترحا على رئاسة مؤتمر الأطراف لصياغة خارطة الطريق، منها فقط 20 مقترحا من الحكومات، والباقي من المجتمع المدني ومنظمات البحث والشركات.
من يكتب "خارطة الطريق"؟
رسميا، أوكلت مهمة إعداد خارطة الطريق إلى رئاستي مؤتمر الأطراف (أذربيجان والبرازيل)، لكن حتى الآن لا يوجد وضوح في شكل الوثيقة أو محتواها النهائي.
وصرحت الرئيسة التنفيذية لمؤتمر الأطراف الثلاثين آنا توني، أن الوثيقة ستتضمن "توصيات عملية بناء على ما تم الاستماع إليه"، على أن تُنشر النسخة النهائية في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
لكن توني أشارت إلى أن كثيرا من التوصيات قد توجه إلى "جهات فاعلة" خارج إطار الأمم المتحدة، مثل البنوك متعددة الأطراف، قائلة: "نحن لا نستطيع إصلاح هذه المؤسسات ضمن اتفاقية الأمم المتحدة، لكن الإشارة إليها في التقرير ستكون رسالة قوية".
القلق من عام ضائع
ووسط هذا الغموض، يبرز تساؤل بشأن ماذا بعد مؤتمر الأطراف الثلاثين؟ هل سيتم اعتماد خارطة الطريق ضمن مفاوضات الأمم المتحدة للمناخ، أم ستُعامل كمجرد وثيقة مرجعية مثل تقارير علوم المناخ؟
وحذرت غوزمان من مصير محتمل مخيب للآمال، "إذا كانت خارطة الطريق لا تضع حلولا تتجاوز مؤتمر الأطراف الثلاثين، فسيكون عاما ضائعا".
وأضافت "هذا هو الخطر الأكبر: أن نخرج بوثيقة لا تُحدث أثرًا حقيقيًا وتموت سياسيا بعد المؤتمر".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الادعاء البرازيلي يطلب إدانة بولسونارو بالتخطيط لانقلاب
الادعاء البرازيلي يطلب إدانة بولسونارو بالتخطيط لانقلاب

الجزيرة

timeمنذ 7 ساعات

  • الجزيرة

الادعاء البرازيلي يطلب إدانة بولسونارو بالتخطيط لانقلاب

طلب الادعاء العام البرازيلي اليوم الثلاثاء إدانة الرئيس السابق جايير بولسونارو بالتخطيط لانقلاب، في المرافعات الختامية بعد محاكمة شهدت تدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمصلحة حليفه اليميني. وطالب المدعي العام المحكمة العليا البرازيلية بأن توجه لبولسونارو تهمة السعي لإلغاء نتائج انتخابات عام 2022 التي فاز بها خصمه اليساري الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. وأبلغ الادعاء المحكمة أن بولسونارو -وهو ضابط سابق في الجيش- و7 آخرين شكلوا "عصابة إجرامية مسلحة" من أجل "إسقاط النظام الديمقراطي بالعنف". وفي حال إدانته، يواجه بولسونارو والمتهمون معه عقوبة بالسجن تصل إلى 40 عاما. ويقول بولسونارو -الذي شغل منصب الرئيس من عام 2019 إلى عام 2023- إنه ضحية اضطهاد سياسي. في المقابل، يقول المدّعون إنه بعد فوز لول، دبر بولسونارو مؤامرة لكنها فشلت لأن الجيش لم يقف إلى جانبه، ثم نفذ أنصاره أعمال شغب واقتحموا المباني الحكومية في العاصمة برازيليا في مشاهد أعادت إلى الأذهان هجوم أنصار ترامب على مبنى الكابيتول بعد هزيمته في 2020. وتدخل ترامب بالدعوة إلى وقف محاكمة بولسونارو، متهما السلطات بشن "حملة شعواء" ضده، كما هدد في 9 يوليو/تموز الجاري بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الواردات البرازيلية إلى الولايات المتحدة ، لكن لولا رد على ترامب، مؤكدا أنه "لا أحد فوق القانون".

"قاعدة أمامية" لإسرائيل.. ما حقيقة الاتهامات الإيرانية لأذربيجان بالتواطؤ؟
"قاعدة أمامية" لإسرائيل.. ما حقيقة الاتهامات الإيرانية لأذربيجان بالتواطؤ؟

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

"قاعدة أمامية" لإسرائيل.. ما حقيقة الاتهامات الإيرانية لأذربيجان بالتواطؤ؟

طهران، القدس المحتلة- تتصاعد حدة التوتر بين إيران وجارتها أذربيجان ، عقب اتهام طهران لباكو بتقديم تسهيلات عسكرية واستخباراتية لإسرائيل في الهجوم الذي استهدف أراضيها في 13 يونيو/حزيران الماضي، إلا أن أذربيجان نفت هذه الاتهامات، داعية إلى حل الخلافات عبر الحوار ووفق القانون الدولي. ورغم فرض إسرائيل رقابة مشددة على تفاصيل تعاونها مع باكو، ولا سيما في فترات التوتر والحرب، فإن المؤشرات على الشراكة الوثيقة بين الطرفين في مجالات الأمن والدفاع والطاقة تتزايد، مما يعكس تعميق العلاقات الثنائية في مرحلة بالغة الحساسية إقليميا. وترى طهران أن أذربيجان تحولت إلى ما يشبه "القاعدة الأمامية" لإسرائيل على حدودها الشمالية، في ظل تعاون علني بين البلدين يمتد منذ تسعينيات القرن الماضي. ورغم تأكيد باكو على التزامها بسياسة الحياد، ترى إيران أن هذا التعاون يفاقم التوتر الإقليمي ويهدد الاستقرار، وتلوح بإمكانية الرد إذا تكررت الاعتداءات من أراض أذربيجانية. وتزامنا مع الحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كثفت تل أبيب إظهار علاقتها الإستراتيجية مع باكو، ووصفتها بأنها "موطئ قدم" مهم قرب الحدود الإيرانية، في حين تشير تقارير إعلامية إلى أن صفقات السلاح بين الجانبين تتيح لإسرائيل الاقتراب أكثر من العمق الإيراني. وفي المقابل، صرح السفير الإيراني في أرمينيا مهدي سبحاني بأن إيران بدأت تحقيقات رسمية لتحديد ما إذا كانت الطائرات المسيرة الإسرائيلية انطلقت من أراضي أذربيجان أو أجوائها، مؤكدا أن "ثبوت ذلك سيكون انتهاكا خطيرا للقانون الدولي". وأضاف سبحاني أن طهران طالبت باکو بإجراء تحقيقات مماثلة وتقديم نتائج شفافة، مؤكدا أن رد إيران سيتحدد بناء على نتائج هذه التحقيقات. قرائن وعمليات سرية ويرى الباحث في الأمن الدولي عارف دهقاندار أن "شواهد وقرائن متعددة تشير إلى احتمال استخدام إسرائيل لأراضٍ أو قواعد تابعة لأذربيجان لتنفيذ عمليات ضد إيران، بما في ذلك خلال الحرب التي استمرت 12 يوما". وأوضح دهقاندار، في حديثه للجزيرة نت، أن "رغم نفي المسؤولين الأذربيجانيين المتكرر لهذه الادعاءات، فإن ما هو موثق من سوابق، إلى جانب طبيعة العلاقات الأمنية والعسكرية الوثيقة بين تل أبيب وباكو، يظهر بوضوح أن هذا التعاون قائم بالفعل". وأشار إلى أن "عملية سرقة الوثائق النووية من موقع تورقوزآباد في عام 2018، التي نسبت إلى جهاز الموساد ، تمثل مثالا بارزا على هذا التعاون، إذ فر عملاء الموساد بعد تنفيذ العملية من طهران عبر الحدود الشمالية الغربية لإيران باتجاه أذربيجان، بمساعدة شبكات التهريب وعصابات محلية أمنت لهم هذا المسار الآمن". ويضيف دهقاندار أن العلاقات بين الجانبين تعززت منذ عام 1992، مع توقيع صفقة تسليحية ضخمة بقيمة 1.6 مليار دولار شملت طائرات مسيرة من طراز "هيرمس 450" و"هيرون تي بي"، إلى جانب صواريخ "سبايك". مسارات الطيران من الشمال ويتابع دهقاندار أن وجود فرق فنية إسرائيلية في أذربيجان، وتقارير عن استخدام قاعدة "سيطالجاي" لجمع المعلومات وتنفيذ عمليات بالطائرات المسيرة، جعل من باكو قاعدة مناسبة لأنشطة خفية ضد إيران، خاصة أن موقعها الجغرافي وحدودها المشتركة مع طهران يعززان من هذه الإمكانية. وفيما يتعلق بالهجوم الأخير، أوضح أن "اكتشاف بقايا طائرات مسيرة من طراز هيرمس 900 في مدينة أصفهان، بالإضافة إلى خزانات وقود أجنبية في المناطق الشمالية لإيران، يشير إلى أن مسارات الطيران جاءت من الشمال، وهو ما يتطابق مع موقع أذربيجان الجغرافي". وأضاف أن "وسائل إعلام إسرائيلية كانت قد لمحت إلى تنفيذ عمليات من أراضي دولة قريبة من إيران، وهو ما يعزز هذا الاحتمال، رغم نفي باكو المتكرر، والذي لا يتعدى في الغالب الإطار الدبلوماسي للحفاظ على المظاهر الرسمية". وختم دهقاندار بأن إيران لطالما أكدت تمسكها بمبدأ حسن الجوار، إلا أن باكو خرقت هذا المبدأ عبر تقاربها مع إسرائيل وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، مشيرا إلى أن نشاط الطائرات المسيرة والتحركات الحدودية تكشف عن دور غير مباشر تؤديه أذربيجان في دعم الهجمات ضد إيران. وتماشيا مع ما أشار إليه الباحث عارف دهقاندار، قال عبد الرحيم سرايي، المسؤول الإداري لممثلية المرشد الأعلى في فيلق "عاشوراء"، إن إسرائيل أنشأت مطارا كبيرا في المنطقة المقابلة لقرية "عاشقلو" التابعة لمدينة خداآفرين، على بعد 17 كيلومترا فقط من الحدود الإيرانية، مشددا على أن "الوجود الإسرائيلي العلني يمثل دليلا على السيطرة الصهيونية الكاملة على القرار الأمني في باكو". تكتم رسمي من جانبه، يرى الباحث الإسرائيلي أنطوان شلحت أن التعتيم الإعلامي والسرية التي تفرضها تل أبيب على عملياتها الاستخباراتية المنطلقة من أذربيجان يعكسان حساسية الموقع الجغرافي وحدود باكو الطويلة مع طهران. وقال للجزيرة نت إن العلاقات بين إسرائيل وأذربيجان تعود لسنوات طويلة، لكنها شهدت تطورا متسارعا منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى والحرب متعددة الجبهات، التي انتقلت إلى مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران. ويرى شلحت أن أذربيجان شكلت ساحة حيوية لاختراق البرنامج النووي الإيراني ، خصوصا من خلال تقديم الدعم الاستخباراتي لسلاح الجو الإسرائيلي، مما نقل المواجهة إلى العمق الإيراني. وأكد أن إسرائيل لا تعتمد فقط على جهاز الموساد، بل تستفيد من تعاون استخباراتي واسع مع أجهزة دولية أخرى، وهو ما ساعدها في توجيه ضربات دقيقة داخل إيران، مستشهدا بتصريحات المستشار الألماني فريدريش ميرتس التي أشار فيها إلى أن إسرائيل تقوم بأعمال استخباراتية نيابة عن الغرب. صمت إستراتيجي وأوضح شلحت أن تل أبيب تعتمد على التعتيم والخداع ضمن إستراتيجية حربية جديدة تخالف الأساليب التقليدية، حيث تتجنب الكشف عن حجم الدمار الذي تلحقه الصواريخ الإيرانية، أو تفاصيل استهداف قيادات حزب الله. وأشار إلى أن إسرائيل قد تكشف أحيانا معلومات محدودة، لكن الصورة الكاملة تظل طي الكتمان، لافتا إلى أن هذا النهج شمل أيضا جولة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأخيرة في الولايات المتحدة، وهو المطلوب ل لمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، حيث أحاطتها حكومته بسرية مطلقة. وختم الباحث الإسرائيلي بأن أذربيجان تبقى متمسكة بالنفي الرسمي لأي دور في الهجمات ضد إيران، بينما تساعدها إسرائيل على التزام الصمت لتجنب ردود فعل طهران، التي تصر من جانبها على مواصلة التحقيقات، مما يجعل القضية مفتوحة وقابلة لمزيد من التصعيد في المرحلة المقبلة.

استعادة أذربيجان سيادتها على قره باغ.. كيف غيّرت الطاقة معادلة القوقاز؟
استعادة أذربيجان سيادتها على قره باغ.. كيف غيّرت الطاقة معادلة القوقاز؟

الجزيرة

timeمنذ 3 أيام

  • الجزيرة

استعادة أذربيجان سيادتها على قره باغ.. كيف غيّرت الطاقة معادلة القوقاز؟

خلال عملية عسكرية لم تتجاوز 40 ساعة، تمكّنت جمهورية أذربيجان، في 28 سبتمبر/ أيلول 2023 (6 مهر 1402)، من السيطرة على خانكندي، عاصمة قره باغ، واستعادة سيادتها على الإقليم بعد ثلاثة عقود من النزاع المجمّد. خلال الأعوام الثلاثة التي سبقت ذلك، تسارعت التحوّلات في القوقاز الجنوبي إلى حدٍّ لم يُتح للباحثين فرصة كافية لتفكيك جذورها؛ قبل ثلاث سنوات فقط، كان عدد من توقّع اندلاع حرب جديدة في المنطقة قليلاً للغاية. ظلّ نزاع قره باغ مجمَّداً طيلة 30 عاماً، وقد اعتاد رؤساء مجموعة مينسك، بصفتهم «حَكماً دولياً»، الاجتماع بين الفينة والأخرى في فنادق فاخرة لدعوة الطرفين إلى حلّ سلمي. لكن الحرب اندلعت في لحظة لم يتوقّعها أحد، بعدما تغيّرت موازين القوى جذرياً: التفوّق العسكري الذي تمتّعت به أرمينيا في التسعينيات تآكل مع تدفّق عائدات النفط والغاز على باكو، واستثمار الشركات الغربية العملاقة في حقول بحر قزوين؛ ما مكّن أذربيجان من تخصيص موازنات ضخمة للتسليح، وشراء أحدث التقنيات من روسيا وتركيا وإسرائيل، بل ومن إيران بحسب الرئيس إلهام علييف. يطرح كثيرون سؤالاً: لماذا قابل الغرب -ولا سيّما أوروبا والولايات المتحدة- تحرّك أذربيجان لاستعادة أراضيها المحتلّة بالصمت أو القبول الضمني؟ يكمن الجواب في معادلة الطاقة؛ فشبكات الأنابيب التي تنقل نفط بحر قزوين وغازه إلى أوروبا هي السرّ. كيف انقلبت المعادلة؟ تُعدّ باكو من أوائل مدن العالم التي شهدت طفرة نفطية؛ وبدأ حفر أول بئر في 1846. بعد الحرب الأولى على قره باغ، خصوصاً في عهد حيدر علييف، جذبت الدولة كبرى الشركات لاستغلال حقول بحر قزوين، فتحقق نموّ اقتصادي متسارع، وحجزت أذربيجان موقعاً مهماً في أمن الطاقة الأوروبي. يشكّل المستخرج من حقل «آذَري- تشيراغ- غونشلي» أكثر من 80% من إنتاج النفط الوطني (احتياطي يُناهز 5 مليارات برميل)، وتديره «كونسورسيوم» تقوده «بريتيش بتروليوم». قلب خطّ أنابيب (باكو- تبليسي- جيهان) (BTC) المشهد رأساً على عقب منذ 2006، إذ ينقل مليون برميل يومياً إلى ميناء جيهان المتوسطي. لم يقتصر الاستثمار على النفط؛ فمع اكتشاف حقل الغاز العملاق «شاه دنيز» أطلقت باكو مشروعاً بشراكات دولية (BP، إكوينور، سوكار، توتال، لوك أويل، ،TPAO NIOC) ليتحوّل البلد في 2006 إلى مصدّر للغاز بقدرة حالية تبلغ 29.5 مليون م³ يومياً، ثمّ شُيّد ممرّ الغاز الجنوبي (3500 كم) بتكلفة 33 مليار دولار ليصل الغاز إلى جورجيا، وتركيا، واليونان، وألبانيا، وإيطاليا، عبر خطوط (SCP‑TANAP‑TAP). في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أعلنت سوكار بدء تصدير الغاز إلى أوروبا؛ وتخطّط أذربيجان لضخّ 10 مليارات م³ سنوياً طوال 25 عاماً، نصيب إيطاليا منها 8 مليارات. وتواصل باكو استكشاف حقول «بابك» (400 مليار م³)، و«آبشوران» (350 مليار م³)، و«أوميد» (200 مليار م³). هذه العائدات سمحت برفع موازنة الدفاع إلى نحو 3 مليارات دولار عشية حرب 2020، مع شراء مسيّرات «بيرقدار» التركية وطائرات «هاروب» الانتحارية الإسرائيلية المُنتَجة محلياً. في المقابل، عانت أرمينيا عزلة جغرافية وركوداً اقتصادياً دفع شبابها للهجرة، وبعد «الثورة المخملية» (2018) ابتعدت حكومة نيكول باشينيان عن موسكو، ما أثار امتعاض الكرملين ودفعه إلى تغليب كفة باكو. أمن الطاقة الأوروبي وميل الكفّة لأذربيجان يتساءل مراقبون: لماذا لم تقف أوروبا المسيحية مع حليفها الأرمني؟ الجواب مجدداً في الطاقة! تزامنت حرب 2020 مع تهديد روسيا بقطع الغاز عن أوروبا؛ وأي ضرر بخطوط أذربيجان كان سيضاعف المخاطر. لذا تجاهلت بروكسل «جمهورية قره باغ» المعلَنة من طرف واحد، وضغطت لاحقاً على يريفان للتوقيع على اتفاق سلام. تداعيات الهندسة الجديدة للقوقاز تطمح تركيا للتحوّل إلى مركز إقليمي للطاقة عبر «ممرّ زَنغِزور»، الذي يصل أذربيجان ببقية العالم التركي، وينقل غاز تركمانستان إلى أوروبا.. إيران تقاوم حالياً لكن يريفان قد ترضخ. كما تعمل باكو على خطّ إغدير- نخجوان لتجاوز اعتمادها على إيران. في مرحلة ما بعد الحرب، ستوظّف أذربيجان فوائض النفط والغاز في إعادة إعمار قره باغ واستيطان مواطنيها هناك، وقد بدأت توقيع عقود مع شركات صينية وتركية وإسرائيلية وأوروبية، فيما تتسلّم شركات إيرانية حصة من المشاريع الثانوية بحكم انخفاض التكلفة. إذا صدقت وعود علييف وباشينيان وبوتين بسلام دائم، فإن القوقاز الجنوبي مقبل على طفرة استثمارية، وإنْ كانت التبعات الاجتماعية والسياسية للحرب ستظلّ حاضرة لسنوات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store