
بدقة "عُشر كونتليون" جزء من الثانية إنتاج أدق ساعة في التاريخ
ومؤخرًا، حقق علماء من المعهد الوطني للمعايير والتقنية الأميركي (نيست) إنجازًا هائلًا بصناعة أدق ساعة في العالم، وتمتد دقة هذه الساعة إلى 19 منزلة عشرية، أي علامة عشرية ثم 19 صفرا، ثم رقم 1، وهذا رقمٌ يُعدّ قفزة هائلة، تفوق 41% على الرقم القياسي السابق، بحسب دراسة نشرها الفريق في دورية "فيزيكال ريفيو ليترز".
ألمنيوم محاصر
وللتوصل إلى تلك الدقة الشديدة، لجأ العلماء إلى توظيف أيون ألمنيوم محاصر إلكترونيًا لتوليد "نظام توقيت" ثابت بدقة فائقة، والأيون هو ذرة فقدت أو اكتسبت إلكترونًا وأصبحت مشحونة كهربائيًا.
ولكن لماذا الألمنيوم؟ لأن ذبذبات (اهتزازات) هذا الأيون عالية جدا، تصل إلى التيراهرتز، وهذا يمنح الساعة قدرة على تقسيم الثانية إلى تريليونات الأجزاء بدقة لا تصدق.
وأي ساعة، سواء ميكانيكية أو رقمية، تعتمد على شيء يهتز أو يتكرر بشكل منتظم جدًا لقياس مرور الوقت، فمثلا الساعة الميكانيكية تستخدم البندول أو النابض الذي يتأرجح، وساعة الكوارتز (الرقمية) تعتمد على اهتزاز بلورة كوارتز بتردد ثابت.
أما في حالة الذرات والأيونات، فإن الإلكترونات تنتقل بين مستويات طاقة محددة جدا. وعندما يحدث هذا الانتقال، تنبعث أو تُمتص طاقة على شكل موجة كهرومغناطيسية بتردد محدد وثابت جدًا. ويستخدم العلماء هذا التردد كـ "نبض" الساعة، ومن ثم فإن الأيون المهتز هو المذبذب الطبيعي الذي يحدد "دقات" الساعة.
وإلى جانب ذلك، فلألمنيوم أقل تأثرًا بالعوامل البيئية مثل الحرارة والمغناطيسية، مما يجعله مثاليًا كـ"بندول ذري".
كما أن مستويات الطاقة في أيون الألمنيوم مناسبة تمامًا للتحفيز باستخدام ليزر عالي الدقة، وهي ضرورية لضبط الساعة الذرية.
مصيدة الأيونات
لكن الأمر لم يمر من دون تحديات، فالألمنيوم صعب التحكم به مباشرة، لذا تم دمجه مع أيون مغنسيوم، والذي يبرد الألمنيوم ويساعد على تسيل قراءة الحالة الكمومية، عبر ما يسمى "سبكترسكوبيا منطق الكم" وهي تقنية ثورية في فيزياء الكم تسمح للعلماء بقياس خصائص أيون يصعب الوصول إليه مباشرة، عن طريق التحكم في أيون آخر سهل التعامل معه.
وفي هذه الحالة يضع العلماء أيون الألمنيوم وأيون المغنسيوم معًا في "مصيدة أيونية" تجعل الأيونين قريبين جدًا لدرجة أنهما يهتزان معًا وكأنهما على لوح زنبركي مشترك.
وبعد ذلك يُبرّد المغنسيوم بالليزر حتى يكاد يتوقف عن الحركة، فيُجبر الألمنيوم أيضًا على التوقف لأنهما متصلان.
ولا يمكن للعلماء قياس خصائص الألومنيوم مباشرة لأنه ضعيف جدًا. وبدلا من ذلك، يقومون بدراسة المغنسيوم الذي يعطي أثرا واضحا، ويعطي معلومات عن حالة الألمنيوم لأنه مرتبط به.
والخلاصة أن الألمنيوم يُستخدم كـ"مذبذب" لتحديد الوقت، لكنه لا يُصدر فوتونات قوية للقياس، أما المغنسيوم فيُبرد النظام، ويعمل كـ"حارس" يقرأ النتائج بدقة.
واجهت التجارب تحديات إضافية، فبناء مصيدة الأيونات تسبب في "حركة زائدة" تؤثر على دقة الساعة، ومن ثم حسّن الباحثون تصميم المصيدة، واستخدموا رقاقة من الماس ودعموها بطبقة ذهبية متوازنة لتقليل الحقول الكهربائية غير المرغوبة، بحسب بيان رسمي من المعهد الوطني للمعايير والتقنية.
أما الأسطح الفولاذية في التجارب، والتي اعتادت أن تطلق جزيئات هيدروجين الصغيرة، فتم استبدالها بحجرة فراغية من التيتانيوم، قللت التلوث بنسبة تعادل 150 ضعفا، مما منح الأيونات وقتا أطول للعمل دون ضجيج.
ومع ضبط كل ما سبق من معايير، أمكن للعلماء قياس وحدات تبلغ من الصغر 10⁻¹⁹، أي دقة إلى 19 منزلة عشرية، كما أن التجربة أضحت أكثر استقرارا، حيث أصبح قياس الزمن يتطلب يومًا ونصف اليوم فقط بدلًا من 3 أسابيع.
إعادة تعريف الوقت
تساعد تلك النتائج في إعادة تعريف العلماء للوقت بدقة أكبر، فالميثاق الدولي للوحدات حالياً يستند إلى تردد الموجات الميكروية لسيزيوم 133، لكن الساعات الجديدة تفوقها دقة، وتُعد الأساس المتوقع لتعريف جديد للدقيقة في المستقبل القريب.
ويعتمد نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) على التوقيت الدقيق جدًا، بل إن الخطأ المقدر بمليار جزء من الثانية قد يؤدي إلى خطأ في تحديد الموقع بنحو 30 سنتيمترا، ومن ثم فإن الساعات فائقة الدقة تقلل هذه الأخطاء وتجعل الطائرات والمركبات ذاتية القيادة أكثر أمانًا ودقة، وحتى الملاحة في الفضاء العميق ممكنة بدقة مذهلة.
كما أن الساعات من هذا النوع تسمح بدراسة ظواهر فيزيائية عديدة مثل تغيرات الجاذبية على الأرض بدقّة النانو، وحتى اختلاف بسيط في الارتفاع (مثل مليمتر واحد) يمكن أن يظهر تأثيرات النظرية النسبية لألبرت أينشتاين.
وإلى جانب ذلك، فإن الساعات بهذه الدقة تعطي قاعدة متينة لتطوير أنظمة كمومية مستقبلية، مثل الحواسيب الكمومية واتصالات الكمّ، فعناصرها الأساسية مبنية على التحكم الدقيق في الحالات الكمومية.
وفي مختبرات الفيزياء، فإن الساعات الدقيقة تساعد في قياس المسافات والأزمنة على مقاييس ذرية، كما يمكنها تحسين فهمنا للكون عبر تتبع الإشارات القادمة من النجوم النابضة أو موجات الجاذبية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
بدقة "عُشر كونتليون" جزء من الثانية إنتاج أدق ساعة في التاريخ
في عالم يزدحم بالتكنولوجيا الحديثة، قد لا نظن أن التوقيت الدقيق مهم، لكن خلف تطبيقات "جي بي إس" التي تساعدنا في السفر، وعمليات الملاحة الفضائية، وحتى التجارب الفيزيائية الدقيقة بما في ذلك قياس دوران الأرض، هناك ما يسمى الساعات الذرية، والتي تعد الحاكم الفعلي للزمن بالعصر الحديث. ومؤخرًا، حقق علماء من المعهد الوطني للمعايير والتقنية الأميركي (نيست) إنجازًا هائلًا بصناعة أدق ساعة في العالم، وتمتد دقة هذه الساعة إلى 19 منزلة عشرية، أي علامة عشرية ثم 19 صفرا، ثم رقم 1، وهذا رقمٌ يُعدّ قفزة هائلة، تفوق 41% على الرقم القياسي السابق، بحسب دراسة نشرها الفريق في دورية "فيزيكال ريفيو ليترز". ألمنيوم محاصر وللتوصل إلى تلك الدقة الشديدة، لجأ العلماء إلى توظيف أيون ألمنيوم محاصر إلكترونيًا لتوليد "نظام توقيت" ثابت بدقة فائقة، والأيون هو ذرة فقدت أو اكتسبت إلكترونًا وأصبحت مشحونة كهربائيًا. ولكن لماذا الألمنيوم؟ لأن ذبذبات (اهتزازات) هذا الأيون عالية جدا، تصل إلى التيراهرتز، وهذا يمنح الساعة قدرة على تقسيم الثانية إلى تريليونات الأجزاء بدقة لا تصدق. وأي ساعة، سواء ميكانيكية أو رقمية، تعتمد على شيء يهتز أو يتكرر بشكل منتظم جدًا لقياس مرور الوقت، فمثلا الساعة الميكانيكية تستخدم البندول أو النابض الذي يتأرجح، وساعة الكوارتز (الرقمية) تعتمد على اهتزاز بلورة كوارتز بتردد ثابت. أما في حالة الذرات والأيونات، فإن الإلكترونات تنتقل بين مستويات طاقة محددة جدا. وعندما يحدث هذا الانتقال، تنبعث أو تُمتص طاقة على شكل موجة كهرومغناطيسية بتردد محدد وثابت جدًا. ويستخدم العلماء هذا التردد كـ "نبض" الساعة، ومن ثم فإن الأيون المهتز هو المذبذب الطبيعي الذي يحدد "دقات" الساعة. وإلى جانب ذلك، فلألمنيوم أقل تأثرًا بالعوامل البيئية مثل الحرارة والمغناطيسية، مما يجعله مثاليًا كـ"بندول ذري". كما أن مستويات الطاقة في أيون الألمنيوم مناسبة تمامًا للتحفيز باستخدام ليزر عالي الدقة، وهي ضرورية لضبط الساعة الذرية. مصيدة الأيونات لكن الأمر لم يمر من دون تحديات، فالألمنيوم صعب التحكم به مباشرة، لذا تم دمجه مع أيون مغنسيوم، والذي يبرد الألمنيوم ويساعد على تسيل قراءة الحالة الكمومية، عبر ما يسمى "سبكترسكوبيا منطق الكم" وهي تقنية ثورية في فيزياء الكم تسمح للعلماء بقياس خصائص أيون يصعب الوصول إليه مباشرة، عن طريق التحكم في أيون آخر سهل التعامل معه. وفي هذه الحالة يضع العلماء أيون الألمنيوم وأيون المغنسيوم معًا في "مصيدة أيونية" تجعل الأيونين قريبين جدًا لدرجة أنهما يهتزان معًا وكأنهما على لوح زنبركي مشترك. وبعد ذلك يُبرّد المغنسيوم بالليزر حتى يكاد يتوقف عن الحركة، فيُجبر الألمنيوم أيضًا على التوقف لأنهما متصلان. ولا يمكن للعلماء قياس خصائص الألومنيوم مباشرة لأنه ضعيف جدًا. وبدلا من ذلك، يقومون بدراسة المغنسيوم الذي يعطي أثرا واضحا، ويعطي معلومات عن حالة الألمنيوم لأنه مرتبط به. والخلاصة أن الألمنيوم يُستخدم كـ"مذبذب" لتحديد الوقت، لكنه لا يُصدر فوتونات قوية للقياس، أما المغنسيوم فيُبرد النظام، ويعمل كـ"حارس" يقرأ النتائج بدقة. واجهت التجارب تحديات إضافية، فبناء مصيدة الأيونات تسبب في "حركة زائدة" تؤثر على دقة الساعة، ومن ثم حسّن الباحثون تصميم المصيدة، واستخدموا رقاقة من الماس ودعموها بطبقة ذهبية متوازنة لتقليل الحقول الكهربائية غير المرغوبة، بحسب بيان رسمي من المعهد الوطني للمعايير والتقنية. أما الأسطح الفولاذية في التجارب، والتي اعتادت أن تطلق جزيئات هيدروجين الصغيرة، فتم استبدالها بحجرة فراغية من التيتانيوم، قللت التلوث بنسبة تعادل 150 ضعفا، مما منح الأيونات وقتا أطول للعمل دون ضجيج. ومع ضبط كل ما سبق من معايير، أمكن للعلماء قياس وحدات تبلغ من الصغر 10⁻¹⁹، أي دقة إلى 19 منزلة عشرية، كما أن التجربة أضحت أكثر استقرارا، حيث أصبح قياس الزمن يتطلب يومًا ونصف اليوم فقط بدلًا من 3 أسابيع. إعادة تعريف الوقت تساعد تلك النتائج في إعادة تعريف العلماء للوقت بدقة أكبر، فالميثاق الدولي للوحدات حالياً يستند إلى تردد الموجات الميكروية لسيزيوم 133، لكن الساعات الجديدة تفوقها دقة، وتُعد الأساس المتوقع لتعريف جديد للدقيقة في المستقبل القريب. ويعتمد نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) على التوقيت الدقيق جدًا، بل إن الخطأ المقدر بمليار جزء من الثانية قد يؤدي إلى خطأ في تحديد الموقع بنحو 30 سنتيمترا، ومن ثم فإن الساعات فائقة الدقة تقلل هذه الأخطاء وتجعل الطائرات والمركبات ذاتية القيادة أكثر أمانًا ودقة، وحتى الملاحة في الفضاء العميق ممكنة بدقة مذهلة. كما أن الساعات من هذا النوع تسمح بدراسة ظواهر فيزيائية عديدة مثل تغيرات الجاذبية على الأرض بدقّة النانو، وحتى اختلاف بسيط في الارتفاع (مثل مليمتر واحد) يمكن أن يظهر تأثيرات النظرية النسبية لألبرت أينشتاين. وإلى جانب ذلك، فإن الساعات بهذه الدقة تعطي قاعدة متينة لتطوير أنظمة كمومية مستقبلية، مثل الحواسيب الكمومية واتصالات الكمّ، فعناصرها الأساسية مبنية على التحكم الدقيق في الحالات الكمومية. وفي مختبرات الفيزياء، فإن الساعات الدقيقة تساعد في قياس المسافات والأزمنة على مقاييس ذرية، كما يمكنها تحسين فهمنا للكون عبر تتبع الإشارات القادمة من النجوم النابضة أو موجات الجاذبية.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
د. خالد وليد محمود
الجديد من الكاتب تدفق المحتوى مقالات مقالات, ماذا نعرف عن الأكواد المميتة التي استخدمت في اغتيال شخصيات إيرانية؟ أبرز الأمثلة على استخدام هذه التقنيات هو استهداف شخصيات إيرانية بارزة. فقد أظهرت الأدلة أنها لم تكن مجرد طائرات مسيرة تقليدية، بل أنظمة قتالية ذكية قادرة على تعقّب الأهداف لأسابيع. مقال رأي بقلم د. خالد وليد محمود 15/7/2025 كود الردع: الصراع السيبراني بين إيران وإسرائيل تعرضت هواتف إسرائيلية لاختراق واسع النطاق، فيما اختُرِق البث التلفزيوني الرسمي الإيراني، وتلا ذلك إنذار عاجل بإخلاء مقرَّي قناتَي 12 و14 الإسرائيليتين.. مدونة بقلم د. خالد وليد محمودد. خالد وليد محمود Published On 25/6/202525/6/2025 مقالات مقالات, كيف تستخدم أميركا كابلات الإنترنت في التجسس؟ كشفت تسريبات إدوارد سنودن عن قدرة وكالة الأمن القومي الأميركية على التنصت على البيانات العابرة من خلال نقاط التقاطع في الكابلات، ما دفع البرازيل إلى إنشاء كابلات جديدة تتفادى المرور عبر أميركا. مقال رأي بقلم د. خالد وليد محمودد. خالد وليد محمود Published On 16/5/202516/5/2025 مقالات مقالات, هذا ما يحدث لو نسخ الإنسان ذاكرته قبل الموت قد نتمكن من محاكاة جوانب من إدراكنا داخل أنظمة رقمية فائقة الذكاء. لكن ما لا يجب أن نغفله وما نؤكد عليه هو أن الإنسان، في جوهره، ليس مجرد كائن معلوماتي. مقال رأي بقلم د. خالد وليد محمودد. خالد وليد محمود Published On 8/5/20258/5/2025 مقالة رأي هذه أبرز وظائف المستقبل التي تنبأ بها الذكاء الاصطناعي الذكاء الاصطناعي لم يَعد يكتفي بأتمتة المهام الروتينية، بل بات يُعيد تشكيل سوق العمل من جذوره، ويبتكر وظائف لم تكن موجودة من قبل، دافعًا بالمهن إلى تحوّل غير مسبوق. Published On 28/4/202528/4/2025 مقالات مقالات, الذكاء الاصطناعي وتغيير صورة الإنسان عن نفسه الأجيال الرقمية تبني صورها الذاتية في فضاءات افتراضية عالمية، تتخطى الحواجز اللغوية والثقافية والجغرافية. إنها هوية 'مُفلترة'، تُنتجها الصور والمنشورات والتفاعلات المرسومة وفق خوارزميات منصات التواصل. مقال رأي بقلم د. خالد وليد محمودد. خالد وليد محمود Published On 24/4/202524/4/2025 الأمن السيبراني في 2025 معركة تتشابك فيها المصالح لم يعد الأمن السيبراني مجرد مسألة تقنية تهتم بها أقسام تكنولوجيا المعلومات في المؤسسات والجامعات، بل أصبح قضية إستراتيجية تمس الأمن القومي، والاستقرار الاقتصادي، والتوازن الجيوسياسي العالمي.. مدونة بقلم د. خالد وليد محمودد. خالد وليد محمود Published On 25/2/202525/2/2025 الحدود السيبرانية إذ تعيد تعريف السيادة والجغرافيا يشهد العالم في الوقت الراهن تحولًا رقميًّا سريعًا يعيد تشكيل العديد من المفاهيم التقليدية في العلاقات الدولية ويفرض تحديات جديدة في مجالات السيادة والأمن. من أبرز هذه التحديات مفهوم الحدود السيبرانية. مدونة بقلم د. خالد وليد محمودد. خالد وليد محمود Published On 23/1/202523/1/2025 مقالات مقالات, كيف تحولت أجهزة "البيجر" إلى سلاح قاتل لحزب الله؟ الحدث يثير تساؤلات حول مدى أمان التقنيات القديمة، مقارنةً بالأجهزة الذكية الحديثة، ويعيد إلى السطح قضايا الأمن السيبراني في عصرنا الحالي. مقال رأي بقلم د. خالد وليد محمودد. خالد وليد محمود Published On 18/9/202418/9/2024


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
صفقة دفاعية ضخمة.. فيديو يعرض خوذة ميتا التي أثارت البنتاغون
في عام 2014 استحوذت شركة "ميتا" التي كانت تدعى "فيسبوك" آنذاك على الشركة التي تصنع خوذ الواقع الافتراضي "أوكولوس" (Oculus) ضمن جهود مارك زوكربيرغ للتحول إلى شركة تركز أولا على تقنيات الواقع الافتراضي، وضمن هذا الاستحواذ انتقل بالمر لاكي للعمل كرئيس لقسم خوذ الواقع الافتراضي في الشركة. ولم تستمر هذه العلاقة المثمرة طويلا، إذ أزيح لاكي من منصبه عام 2016 ليؤسس في العام الذي يليه شركة "أندوريل" (Anduril) وهي شركة تعمل في قطاع التكنولوجيا العسكرية وتمتع بالكثير من العقود المباشرة مع جيوش العالم بما فيها الجيش الأميركي. ورغم أن علاقة لاكي و"ميتا" ليست جيدة، إلا أنهما عاودا العمل مجددا في الشهور الماضية لتطوير تقنية خوذ واقع افتراضي للاستخدام العسكري، وذلك بناءً على طلب الجيش الأميركي، فما القصة؟ حروب المستقبل برعاية "ميتا" هناك مشهد معتاد في أفلام الخيال العلمي التي تصور الحروب المستقبلية، إذ يظهر الجنود دائما مرتدين خوذا ذات قدرات متفاوتة، ولكن كلها تعرض معلومات متنوعة أمام عين الجندي مباشرة وتتيح له إدراك عدة أمور لا يمكن للعين البشرية رؤيتها. وهذا ما تحاول "ميتا" و"أندوريل" تحقيقه في مشروعهما المشترك الذي أطلق عليه "إيجل آي" (EagleEye)، وبحسب تصريحات لاكي وزوكربيرغ عن قدرات هذا المشروع، فإنه يعد مزيجا بين تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز. تعرض الخوذ خليطا من المعلومات المتعلقة بالموقف أو المكان الذي يقف الجندي فيه، وذلك مثل البحث عن البصمة الحرارية للأهداف المحيطة وتتبع الأهداف والمعلومات المتعلقة بالأشياء التي يراها أمامه كأنواع السيارات والأسلحة والذخيرة وغيرها، وهي معلومات مزودة من قبل الذكاء الاصطناعي المدمج في الخوذة. ويتيح الذكاء الاصطناعي إمكانية تعزيز حواس الجنود بشكل عام، فضلا عن الربط المباشر مع التقنيات الأخرى التي يستخدمها الجيش في غرف المراقبة مثل مستشعرات المسيرات والصواريخ والدبابات وغيرها. وتأتي الخوذة في تصميم يراعي المخاطر المحيطة بالعمليات العسكرية من أجل حماية الجنود والتقنية المستخدمة فيها، وبحسب تقرير نشرته "وال ستريت جورنال" (Wall Street Journal)، فإن مشروع "ميتا" و"أندوريل" لا يقتصر على خوذ الواقع الافتراضي فقط بل يمتد إلى مجموعة من التقنيات التي يمكن ارتداؤها، مثل النظارات الخفيفة والعدسات. التوسع في القطاع العسكري ينظر بالمر لاكي لتعاونه مع "ميتا" بعين مختلفة، إذ يتعدى الأمر فرصة للعودة والعمل على تقنياته القديمة التي تركها عندما غادر الشركة، ولكنها أيضا إثبات على نجاح فلسفته وإقناع الشركات التقنية بالعمل مع الجيش الأميركي والقطاع العسكري بشكل عام. وفي مقابلة سابقة، وضح لاكي أن هذا التعاون هو إثبات على نجاحه ونجاح فلسفته مشيرا إلى تعاون الشركات التقنية مع شركته والقطاع العسكري لا يقتصر على "ميتا" ويمتد إلى العديد من الشركاء عبر السنوات، ومن بينهم "أوبن إيه آي" و"أوراكل". ومن جانبها، تنظر "ميتا" لهذا التعاون على أنه فرصة لاختراق قطاع حاولت الدخول إليه لسنوات طويلة، إذ قامت الشركة في الشهور الماضية بتعيين عدة موظفين سابقين من "البنتاغون" طمعا في خبرتهم اللوجيستية وتسهيل العقود العسكرية. كما تجدر الإشارة إلى أن "ميتا" أعلنت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن إتاحة نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها للاستخدام العسكري، لذا فإن تعاونا مباشرا مع وزارة الدفاع الأميركية يكلل جهود الشركة بالنجاح. خطوة أولى في القطاع العسكري تعاون "ميتا" مع "أندوريل" لتطوير الخوذ وفق عقد طرحته وزارة الدفاع مؤخرا تصل قيمته إلى 100 مليون دولار من أجل تطوير وفحص خوذ الواقع الافتراضي ذات الاستخدامات العسكرية، وهو جزء من عقد أكبر لتطوير معدات عسكرية قابلة للارتداء تصل قيمته إلى 22 مليار دولار. وتأتي هذه العقود ضمن توجيهات إدارة ترامب إلى وزارة الدفاع من أجل استخدام الشركات التقنية الخاصة لتوفير النفقات، إذ حاولت "مايكروسوفت" سابقا تقديم خوذة واقع افتراضي مماثلة للجيش الأميركي، ولكنها فشلت في ذلك، لتصبح "أندوريل" المسؤول الرئيسي عن هذا المشروع. وأشارت "أندوريل" إلى أن مشروع تطوير خوذ واقع افتراضي معززة بالذكاء الاصطناعي للاستخدامات العسكرية ستستمر بغض النظر عن وضع التعاقد مع الجيش الأميركي، وذلك طمعا في بيع التقنية حال نجاحها إلى القطاعات العسكرية الأخرى.