
«بنك إنجلترا» يختبر استعداد المصارف لصدمات الدولار
ويُعتبر الدولار الأميركي العملة الرائدة للتجارة العالمية وتدفقات رؤوس الأموال، وهو شريان الحياة للتمويل العالمي.
ومع ذلك، أجبرت سياسات الرئيس دونالد ترمب التي تنحرف عن السياسة الأميركية طويلة الأمد في مجالات مثل التجارة الحرة والدفاع، صانعي السياسات على إعادة التفكير فيما إذا كان يمكن الاعتماد على توفير الدولار في الأوقات الطارئة خلال أزمات مالية.
وفي حين قال «الاحتياطي الفيدرالي» إنه يرغب في الاستمرار بتوفير الدولار في النظام المالي، دفعت تحولات سياسة ترمب الحلفاء الأوروبيين إلى إعادة تقييم اعتمادهم على واشنطن.
وبعد مطالب مماثلة من الجهات التنظيمية الأوروبية، طلب بنك إنجلترا، الذي يشرف على البنوك في مركز لندن المالي «سيتي»، من بعض المقرضين، تقييم خطط تمويلهم بالدولار ومدى اعتمادهم على العملة الأميركية، بما في ذلك للاحتياجات قصيرة الأجل، وفقاً لأحد المطلعين على الأمر الذي تحدث لـ «رويترز».
وفي حالة واحدة، طُلب من بنك عالمي مقره بريطانيا خلال الأسابيع الأخيرة إجراء اختبارات إجهاد داخلية، تضمنت سيناريوهات محتملة لانقطاع سوق مبادلات الدولار الأميركي بالكامل، بحسب مصدر آخر.
وقال جون كرونين، المحلل في شركة «سي بوينت إنسايتس»: «هذا يعكس نموذجاً جديداً يبدو فيه أن الثقة في التعاون الدولي تنهار».
وأوضحت هيئة التنظيم الاحترازي، وهي الجهة المشرفة على بنك إنجلترا، أنها وجهت هذه الطلبات إلى بنوك فردية، حسب مصدر مطلع. وقد طلب جميع الأشخاص المطلعين على هذه الطلبات من «رويترز» عدم الكشف عن هويتهم بسبب خصوصية المناقشات مع بنك إنجلترا.
وأشار أحد المصادر إلى أنه لا يوجد بنك يمكنه تحمل صدمة كبيرة في إمدادات الدولار لأكثر من بضعة أيام، نظراً لهيمنة العملة على النظام المالي العالمي واعتماد المقرضين الكبير عليها.
وفي حال أصبح الاقتراض بالدولار أكثر صعوبة وكلفة بالنسبة للبنوك، فقد يعيق ذلك قدرتها على تلبية طلبات السيولة النقدية. وفي النهاية، قد تعجز البنوك عن تلبية طلبات المودعين، مما يُقوّض الثقة ويؤدي إلى مزيد من عمليات السحب.
ورغم أن هذا السيناريو يُعتبر شديداً ونادر الحدوث، فإن الجهات التنظيمية والبنوك لم تعد تأخذ إمكانية الوصول إلى الدولار أمراً مُسلّماً به.
تمتلك البنوك العالمية تعرضاً كبيراً للدولار في ميزانياتها، مما يجعلها عرضة لصدمات التمويل المحتملة. وتثير الانتقادات المتكررة التي يوجهها ترمب لرئيس «الاحتياطي الفيدرالي»، جيروم باول، بالإضافة إلى تقارير عن احتمال إقالته، مخاوف من فقدان استقلالية البنك المركزي وتأثير ذلك على الدولار.
ويُعد سوق المبادلات الدولارية متعدد التريليونات جزءاً حيوياً من النظام المالي الدولي، حيث تستخدمه شركات كثيرة، من بينها البنوك، لتبادل عملات أخرى مقابل الدولار لإدارة احتياجات السيولة عبر شبكاتها العالمية.
جانب من «السيتي»، الحي المالي في لندن (رويترز)
ووفق دراسة صادرة عن بنك التسويات الدولية، بلغت القيمة الاسمية لمشتقات العملات العالمية بنهاية 2024 نحو 130 تريليون دولار، منها 90 في المائة مرتبطة بالدولار الأميركي. ويشهد السوق يومياً ما يقارب 4 تريليونات دولار في عقود مبادلات العملات الأجنبية الجديدة.
ويمكن للبنوك العالمية اللجوء إلى ودائع الدولار الأميركية لتغطية النقص المؤقت، بحسب أحد المصادر. لكن الجهات التنظيمية لا تزال تشعر بالقلق من تعرض البنوك الدولية لمخاطر الدولار، وفقاً لأحد المطلعين.
وسلطت أزمة 2008 المالية الضوء على مدى حاجة البنوك إلى تجديد مئات المليارات من الالتزامات المالية قصيرة الأجل بالدولار أسبوعياً، حسب روبرت ماكاولي، المستشار السابق في بنك التسويات الدولية والمسؤول السابق في بنك «الاحتياطي الفيدرالي» في نيويورك.
وقال: «قلصت البنوك البريطانية والقارية من حجم تعاملاتها بالدولار منذ ذلك الحين، لكن تعرضها لانقطاع تمويل الدولار ما زال قائماً».
وأخبر أحد المصادر «رويترز» أن قادة البنوك قلقون بشكل خاص من إمكانية دعم «الاحتياطي الفيدرالي» لبنك أجنبي متوسط الحجم إذا واجه مشاكل نقص في الدولار، وهو دعم كان يُعتبر مضموناً في السابق.
ويمتلك «الاحتياطي الفيدرالي» تسهيلات إقراض مع البنك المركزي الأوروبي، وبنك إنجلترا، وغيرها من البنوك المركزية الكبرى لتخفيف نقص العملة الاحتياطية العالمية ومنع انتقال التوترات المالية إلى الولايات المتحدة.
لكن المسؤولين المصرفيين والمشرفين الأوروبيين يشككون منذ أشهر عدة في مدى اعتمادهم على «الاحتياطي الفيدرالي»، حسبما أوردت «رويترز» سابقاً.
وطالبت الجهات الرقابية في البنك المركزي الأوروبي بعض البنوك في المنطقة مؤخراً بتقييم حاجتها إلى الدولار الأميركي في أوقات الأزمات، بينما حذرت البنك الوطني السويسري في يونيو (حزيران) من نقص محتمل في السيولة بالعملات الأجنبية.
وسبق لبنك إنجلترا أن طلب من البنوك كيفية ضمان توفير الدولار أثناء فترات التوتر، مثل الفحص الشامل لعام 2019 على سيولة البنوك أثناء أزمة.
ولم تتمكن «رويترز» من تحديد ما إذا كانت صدمات الدولار ستكون جزءاً من اختبار الإجهاد الصناعي الذي يجريه بنك إنجلترا كل عامين، والذي من المتوقع صدور نتائجه في وقت لاحق من 2025.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 12 دقائق
- Independent عربية
6 نتائج كبرى لإدارة ترمب في 6 أشهر
مع مرور ستة أشهر على تولي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الحكم في فترة رئاسته الثانية، حققت الإدارة الجديدة تغييرات في غاية الأهمية ذات تأثير واسع في الاقتصاد الأميركي والاقتصاد العالمي ككل. لجأ ترمب في غالب تلك الإجراءات إلى استخدام سلطة "الأمر التنفيذي"، أي القرارات المباشرة من الرئيس والبيت الأبيض من دون الحاجة إلى موافقة السلطة التشريعية (الكونغرس). نشرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" الإثنين جداول ورسوماً بيانية حول أهم ستة تغييرات كبرى أحدثتها إدارة ترمب الثانية منذ دخولها البيت الأبيض في الـ20 من يناير (كانون الثاني) الماضي، تناولت تلك الجداول والرسوم البيانية المعلومات والأرقام في شأن ما حدث للأسواق والعملة الأميركية نتيجة الحرب التجارية التي أطلقتها إدارة ترمب بفرض التعريفة الجمركية على شركائها التجاريين. وتناولت أيضاً الخفض الهائل في الضرائب ضمن مشروع الموازنة الجديدة التي يصفها ترمب بأنها "الكبيرة الجميلة"، ذلك إضافة إلى تطبيق القيود على هجرة العمالة إلى أميركا وإعادة تشكيل هيكل الحكومة الفيدرالية. في ما يلي قراءة في الجوانب الستة لفترة حكم إدارة ترمب في نصف عام: الأسهم والدولار حين أعلن ترمب عن التعريفة الجمركية المتبادلة مطلع أبريل (نيسان)، هوت الأسواق الأميركية لتسجل أكبر انخفاض يومي لمؤشراتها في خمسة أعوام، وبعد أسبوع، أعلن ترمب تعليق تنفيذ التعريفة الجمركية 90 يوماً، وتكررت تهديدات زيادة نسب التعريفة الجمركية وتأجيل تنفيذها. هكذا أخذت الأسواق في الارتفاع لتصل مؤشراتها لأعلى معدلاتها على الإطلاق، مع اعتبار الأسواق أن تهديدات الرئيس ليست بالضرورة قابلة للتنفيذ وأنه غالباً ما يتراجع عنها. في الوقت ذاته، استمر سعر صرف العملة الأميركية، الدولار، في التراجع ليسجل مؤشر سعر الدولار أدنى قيمة له منذ عام 1973. يعد غالب الاقتصاديين والمحللين أن السياسات الاقتصادية لإدارة الرئيس ترمب، إلى جانب هجومه المستمر على "الاحتياطي الفيدرالي" (البنك المركزي) الأميركي، تعني استمرار هبوط الدولار، وهناك خشية حقيقية من تدهور مكانة العملة الأميركية كملاذ آمن وتراجع إقبال المستثمرين الأجانب على الأصول المقومة بالدولار. سياسات الهجرة على رغم وعود الرئيس ترمب خلال حملته الانتخابية العام الماضي 2024 بأن خططه لترحيل المهاجرين غير الشرعيين ستتركز على أولئك الذين لهم سجل إجرامي، فإن عمليات الاعتقال التي تقوم بها إدارة الهجرة والجمارك (آيس) منذ الشهر التالي لتولي ترمب السلطة تشير إلى أن الحملة تطاول كل المهاجرين. تستهدف إدارة ترمب ترحيل ما يصل إلى نحو مليون شخص سنوياً، وبحسب أرقام وبيانات مشروع بيانات الترحيل لكلية بيركلي للقانون بجامعة كاليفورنيا، ضاعفت إدارة الهجرة والجمارك عمليات الاعتقال منذ فبراير (شباط) الماضي. وفي يونيو (حزيران) الماضي، بلغ معدل الاعتقالات يومياً 1400 شخص، بينما في الفترة ذاتها من العام الماضي خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن لم تتجاوز الاعتقالات 500 شخص. من غير الواضح بعد مدى تأثير سياسات الهجرة والترحيل على سوق العمل الأميركية، بخاصة في الوظائف الموسمية والمنخفضة الأجر والمهارة، إلا أن استمرار سياسة الهجرة بهذا المعدل سيكون له تأثير واضح في بعض القطاعات في الاقتصاد الأميركي على المدى المتوسط. التعريفة الجمركية أدت سياسات فرض التعريفة الجمركية على الواردات من الشركاء التجاريين للولايات المتحدة إلى زيادة معدل الجمارك من نسبة اثنين في المئة إلى 8.8 في المئة، وذلك بقياس ما تحصله الجمارك على الواردات كنسبة من قيمتها، طبقاً لإحصاءات سبقت ونشرتها "فاينانشيال تايمز" من خلال تتبع عائدات الجمارك الأميركية. بحسب تلك البيانات والأرقام، وصلت عائدات الجمارك في نصف العام الأول من حكم إدارة ترمب إلى 64 مليار دولار، بزيادة بمقدار 47 مليار دولار على الحصيلة للفترة المماثلة من العام الماضي، والقدر الأكبر من تلك الزيادة هو متحصلات على الصادرات الصينية إلى أميركا التي تخضع لنسبة تعريفة جمركية عند 30 في المئة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) تلك هي الأرقام والنسب الفعلية لما تم تطبيقه من تعريفة جمركية حتى الآن، وبحسب تقديرات "معمل الموازنة بجامعة ييل"، فإنه في حال تطبيق كل التعريفة الجمركية التي أعلنها ترمب حتى منتصف الشهر الجاري، بما في ذلك نسبة 30 في المئة على الاتحاد الأوروبي والمكسيك، فإن نسبة التعريفة الجمركية الفعلية في المتوسط ستصل إلى 20.6 في المئة. الأوامر التنفيذية ربما يكون أكبر متغير في إدارة دونالد ترمب خلال نصف العام الأول من الفترة الرئاسية الثانية له هو استخدامه "الأمر التنفيذي" في سياساته بدلاً من مشروعات قرارات وقوانين تعرض على الكونغرس، فمنذ الـ20 من يناير حتى منتصف يوليو (تموز)، أصدر الرئيس ترمب 170 أمراً تنفيذياً رئاسياً، وبهذا المعدل يكون قد أصدر أمراً تنفيذياً يومياً في المتوسط، وهو ما لم يسبق أن فعله أي رئيس أميركي معاصر. تسمح الأوامر التنفيذية للرئيس باتخاذ القرارات والإجراءات دون الحاجة إلى موافقة السلطة التشريعية (مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس)، واستخدمها الرئيس ترمب في إنفاذ سياساته المفضلة، من فرض التعريفة الجمركية المتبادلة إلى إلغاء حق الجنسية بالولادة المنصوص عليه دستورياً، بل واستهداف مكاتب المحاماة وتحدي سلطات الجهاز القضائي في البلاد. الموازنة الكبيرة الجميلة كان الهدف الأكبر لإدارة ترمب في فترة الستة الأشهر الأولى من حكمها هو تمرير الكونغرس موازنة خفض الضرائب وزيادة الإنفاق، "قانون الموازنة الكبيرة الجميلة". ووافق مجلس النواب ومجلس الشيوخ على الموازنة بفارق تصويت ضئيل نتيجة الغالبية الجمهورية في الكونغرس، ووقعها الرئيس ترمب في الرابع من يوليو لتصبح قانوناً نافذاً. أهم ما تتضمنه الموازنة الجديدة هو تمديد الخفوضات الضريبية الهائلة التي سيجرى تعويضها بالخفض الهائل في برنامج "ميديك إيد"، الذي يوفر التأمين الصحي للأميركيين ذوي الدخل المنخفض أو الذين يعانون إعاقة عن العمل. وبحسب تقديرات مكتب الموازنة في الكونغرس، فإن نحو 11 مليون أميركي سيصبحون من دون تأمين صحي بحلول عام 2034 نتيجة هذه الموازنة. وتخصص الموازنة الجديدة نحو 170 مليار دولار لإجراءات الهجرة الجديدة وتأمين الحدود، منها 45 مليار دولار لزيادة منشآت الاحتجاز التابعة لإدارة الهجرة والجمارك، وأصبحت زيادة تلك المنشآت مجال أعمال مربحاً حالياً للقطاع الخاص. خفض حجم الحكومة بدأت إدارة ترمب فترة رئاستها بإنشاء وزارة جديدة للكفاءة الحكومية، تولاها الملياردير الأميركي إيلون ماسك قبل خلافه مع الرئيس وتركه للحكومة، وهدف الوزارة هو تقليص حجم الحكومة تحت شعار "التخلص من الهدر والفساد". تضمنت إجراءات فريق ماسك إلغاء إدارات حكومية بالكامل، ليس فقط تقليص حجم العمالة أو خفض موازناتها، ففي فبراير الماضي، ألغت الوزارة التي تولاها إيلون ماسك بصورة كاملة هيئة المعونة الأميركية بكل موظفيها وموازنتها. أشارت ورقة بحثية نشرت أخيراً في مجلة "لانسيت" العلمية إلى أن تلك الخفوضات في المعونة الأميركية قد تؤدي إلى وفيات إضافية بمعدل 14 مليون شخص بحلول عام 2030، من بينها وفيات 4.5 مليون طفل. ألغت تلك الوزارة أيضاً مكتب الحماية المالية للمستهلكين، والهيئة الإعلامية "صوت أميركا"، وألغت آلاف الوظائف في مركز الوقاية ومراقبة الأمراض، وهيئة الأغذية والأدوية، ومعهد الصحة الوطنية. ومنذ بداية العام سرحت وزارة ماسك نحو 67 ألف موظف من الإدارات الحكومية المختلفة، ومع أن إيلون ترك الإدارة في مايو (أيار) الماضي، فإن عمليات إغلاق الإدارات الحكومية وتسريح الموظفين في الحكومة الفيدرالية وخفض موازناتها مستمرة.


الشرق الأوسط
منذ 12 دقائق
- الشرق الأوسط
ما المقابل الإيراني لامتناع الأوروبيين عن تفعيل آلية «سناب باك»؟
رغم خلافاتهما العميقة، فإن ما يجمع إيران والترويكا الأوروبية «فرنسا وبريطانيا وألمانيا» هو الرغبة المشتركة في إيجاد حل سياسي ــ دبلوماسي للملف النووي الإيراني، يجنب الشرق الأوسط وأوروبا والعالم العودة إلى حرب الـ12 يوماً، التي اندلعت الشهر الماضي بمبادرة إسرائيلية، ولاحقاً بمشاركة أميركية. ولأن عودة المفاوضات بين طهران وواشنطن ليست قريبة، ولأن الأولى تضع شروطاً لاستئنافها، فإن من الأسهل على الجانب الإيراني أن يحاور الأوروبيين، خصوصاً أن هؤلاء يمسكون بأيديهم سلاحاً ضارباً وورقة ضغط قوية على إيران، اسمها آلية «سناب باك» التي تعني إعادة تلقائية لتفعيل 6 مجموعات من العقوبات الدولية، بموجب منطوق القرار الدولي 2231، الذي ينتهي مفعوله في 18 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وكان العمل بهذه العقوبات «عُلق ولم يلغَ» في عام 2015 بعد توقيع الاتفاق النووي صيف ذلك العام. يتعين، من الناحية العملية، التذكير بأمرين: الأول، تقليص المدة (حتى نهاية أغسطس/آب) التي تستطيع أطراف الترويكا، ضمنها، طلب تفعيل آلية «سناب باك»، فالموقعون على اتفاق 2015 (الثلاثي الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا والصين) مؤهلون لطلب إعادة تفعيل هذه الآلية، باستثناء الطرف الأميركي الذي خرج منه في عام 2018، فيما يستبعَد أن تعمد موسكو وبكين (حليفتا طهران) إلى تقديم طلب من هذا النوع. لذا، فإنّ لإيران مصلحة أساسية في التواصل مع «الترويكا»، الأمر الذي يفسر الاجتماع المرتقب يوم الجمعة المقبل في إسطنبول، وفق تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، الاثنين. صورة نشرتها وزارة الخارجية الألمانية في 20 يونيو 2025 تظهر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (الثاني من اليسار) خلال اجتماع حول البرنامج النووي الإيراني في جنيف في 20 يونيو 2025 (أ.ب) وبالتوازي، تُفعّل طهران دبلوماسيتها ساعيةً لتعبئة موسكو وبكين من أجل دعمها في مجلس الأمن الدولي، رغم الإحباط الذي تستشعره إزاء هاتين العاصمتين بسبب ضعف تضامنهما معها خلال حرب الـ12 يوماً. من هنا أيضاً، يمكن أن نفهم خلفية الاجتماع الثلاثي الذي سيجمع ممثلين عن العواصم الثلاث يوم الثلاثاء، وهو ما أعلنه أيضاً بقائي. إذا كانت ثمة حاجة للتأكيد على القلق الإيراني من «الضغط على الزناد»، فتكفي الإشارة إلى أن اتصالات طهران الدبلوماسية وتصريحات أركان النظام تتركز في غالبيتها على هذه المسألة. لذا، فإن وزير الخارجية عباس عراقجي دأب منذ أسابيع على تنبيه الأوروبيين من الإقدام على هذه الخطوة، وقال يوم 12 الحالي: «إنهم بذلك سيخسرون أي إمكانية للعب أي دور» في الملف النووي الإيراني. وزاد يوم الجمعة، في تغريدة على منصة «إكس»، عقب اتصال بنظرائه الأوروبيين الثلاثة وبمسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أن الأوروبيين «فقدوا أي أساس أخلاقي أو قانوني» لإعادة تفعيل العقوبات الأممية، مضيفاً أنه إذا أرادوا المحافظة على دور لهم «فعليهم التصرف بمسؤولية والتخلي عن استخدام التهديدات والضغوط». وشدّد عراقجي، الأحد، في رسالة موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، على هذا الجانب، وجاء بحجة إضافية مفادها أن موقفهم من الضربات الإسرائيلية والأميركية التي لم ينددوا بها، أفقدهم «صفة الطرف» في الاتفاق النووي الذي ترتبط به آلية «سناب باك». تريد أطراف «الترويكا» استخدام ورقة «سناب باك» للضغط على إيران لدفعها نحو انتهاج الليونة. وأفادت وزارة الخارجية الفرنسية بأن الأوروبيين أبلغوا عراقجي «تصميمهم على استخدام آلية (سناب باك) في حال عدم إحراز تقدم ملموس» نحو اتفاق جديد حول البرنامج النووي «بحلول نهاية الصيف». ووفق مصدر ألماني، فإنهم يريدون اتفاقاً «قوياً يمكن التحقق منه ويمنع إيران من الحصول على سلاح نووي». لا تكتفي إيران بتوجيه اللوم الأخلاقي أو القانوني. ذلك أن نواباً ومسؤولين هددوا بالانسحاب من معاهدة منع انتشار السلاح النووي أو بطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ونُقل الاثنين عن النائب عباس مقتدائي، عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، قوله: «إن لدينا العديد من الأدوات تحت تصرفنا: يمكننا الامتناع عن تنفيذ التزامنا بالأمن في المنطقة، والخليج (...)، ومضيق هرمز، وكذلك في مناطق بحرية أخرى»، في إشارة واضحة إلى البحر الأحمر الاستراتيجي. ولمزيد من الإيضاح، قال مقتدائي في مقابلة مع وكالة «برنا» شبه الرسمية: «أوروبا ليست في وضع يسمح لها بتعريض نفسها للخطر في... مضيق هرمز، في وقت تعاني فيه من صراعات سياسية واقتصادية وثقافية مع روسيا والصين وحتى الولايات المتحدة». وسبق لإيران كذلك أن لوّحت بوضع حد لجهودها في محاربة المخدرات المتجهة لأوروبا. ويمثل التحاق الأوروبيين بالموقف الأميركي ــ الإسرائيلي الرافض جذرياً لتمكين إيران من الحفاظ على إمكانية تخصيب اليورانيوم على أراضيها، الصعوبة الرئيسية في اجتماع إسطنبول المقبل. وبرزت هذه الصعوبة في اجتماع جنيف الشهر الماضي، الذي لم يفضِ إلى أي نتيجة. والحال أن السلطات الإيرانية جعلت من التخصيب مسألة حياة أو موت، وكان السبب الأول في فشل 5 جولات من المفاوضات «غير المباشرة» بين طهران وواشنطن. وزيرا خارجية روسيا سيرغي لافروف وإيران عباس عراقجي خلال لقائهما يوم 15 الحالي على هامش أعمال منظمة شنغهاي للتعاون (إ.ب.أ) وتفيد مصادر أوروبية في باريس بأن القراءة الغربية تركز على أن «إيران ما بعد الضربات الإسرائيلية والأميركية غير إيران ما قبلها»، بمعنى أن الضغوط على طهران يمكن أن تدفعها، من أجل تجنب استهدافها عسكرياً مجدداً، إلى الرضوخ للمطالب الغربية والقبول بأحد المخارج المتداولة من هذه المشكلة، كتشكيل «كونسورتيوم» للتخصيب تكون طهران جزءاً منه، مع احتمال لحظ دور لروسيا. بيد أن النووي ليس العقبة الوحيدة التي تحول دون إحراز تقدم، رغم كونه العقبة المركزية. فالأوروبيون يريدون كذلك طرح ملف البرنامج الصاروخي ــ الباليستي الإيراني، وسياسة طهران «المزعزعة لاستقرار الإقليم» وفق التوصيف الغربي، بسبب دعمها «لأذرعها» المتعددة في المنطقة ومعاودتها تسليحها. فضلاً عن ذلك، يرى كثير من المراقبين أن الأوروبيين حريصون بالدرجة الأولى على تجنب المواجهة مع إدارة الرئيس دونالد ترمب، بسبب حربها التجارية عليهم من جهة، وبسبب حرب أوكرانيا من جهة ثانية، التي لا يريدون أن تقع كامل أعبائها العسكرية والمالية على كاهلهم. وفي كل الأحوال، فإن المصادر المشار إليها ترى أن إيران اليوم هي «الطرف الأضعف»، وبالتالي «يتوجب عليها أن تدفع الثمن» حتى يقتنع الأوروبيون بعدم نقل ملفها مجدداً إلى مجلس الأمن. من هنا، أهمية النظر فيما يمكن لطهران أن تقدمه مقابل ذلك. تسعى طهران إلى استنهاض روسيا والصين حتى لا تكون «عارية» في مواجهة الغربيين، وإيجاد السبل لمنع هؤلاء من تنفيذ تهديداتهم. والحال أن القراءة القانونية للقرار 2231 بخصوص آلية «سناب باك» تُبين أن موسكو وبكين غير قادرتين على حماية إيران، لأن البت بها سيكون من خلال التصويت على مشروع قرار ينص على مواصلة العمل بـ«تعليق» أو «تجميد» العقوبات الدولية. لذا، يكفي أن تصوّت إحدى الدول المتمتعة بحق النقض (الفيتو) ضد المشروع حتى يُعاد العمل بها، ما يوضّح الحديث عن «تلقائيتها». من هنا، ثمة أنباء متداولة، إيرانياً، تفيد بأن طهران قد تسعى لإقناع روسيا والصين بالانسحاب من اتفاق عام 2015، ما يجعله منتهي الصلاحية، وبالتالي يُجهِض جهود الغربيين. بيد أن حصول أمر كهذا دونه حسابات سياسية روسية ــ صينية معقدة، وقد لا ترى الدولتان أن مصلحتهما تكمن في الاستجابة لمطلب طهران. من هنا، فإن الأمور مفتوحة على عدة احتمالات ومخارج.


الشرق الأوسط
منذ 12 دقائق
- الشرق الأوسط
المبعوث الأميركي يجدد دعمه لدمشق: إسرائيل تفضل سوريا مُقسّمة
شدد المبعوث الأميركي على دعم واشنطن للحكومة السورية الجديدة، قائلاً، الاثنين، إنه لا توجد «خطة بديلة» للعمل معها لتوحيد البلاد التي لا تزال تعاني من سنوات من الحرب الأهلية وتعاني من عنف طائفي جديد. وفي مقابلة حصرية مع وكالة «أسوشييتد برس»، انتقد توم برّاك أيضاً التدخل الإسرائيلي الأخير في سوريا، واصفاً إياه بأنه سيئ التوقيت، وقال إنه عقّد جهود تحقيق الاستقرار في المنطقة. برّاك هو سفير لدى تركيا ومبعوث خاص إلى سوريا، وله ولاية قصيرة الأجل في لبنان. تحدث في بيروت عقب أكثر من أسبوع من الاشتباكات في محافظة السويداء جنوب سوريا بين ميليشيات من الأقلية الدينية الدرزية وعشائر بدوية سنية. مدينة السويداء ودخان يتصاعد من منازل محترقة وسط اشتباكات بين مقاتلين من العشائر وفصائل درزية محلية جنوب سوريا في 19 يوليو الحالي (د.ب.أ) خلال عطلة نهاية الأسبوع، أعلن برّاك وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل. أعادت قوات الحكومة السورية انتشارها في السويداء لوقف تجدد الاشتباكات بين الدروز والبدو، ومن المقرر إجلاء المدنيين من كلا الجانبين، يوم الاثنين. أشار مبعوث أميركي إلى أن «إسرائيل تريد رؤية سوريا منقسمة». صرّح برّاك لوكالة «أسوشييتد برس» أن «القتل والانتقام والمجازر من كلا الجانبين لا تُطاق»، لكن «الحكومة السورية الحالية، في رأيي، تصرفت بأفضل ما بوسعها كحكومة ناشئة ذات موارد محدودة للغاية لمعالجة القضايا المتعددة التي تنشأ، في محاولة لمّ شمل مجتمع متنوع». وفي مؤتمر صحافي لاحق، قال إن السلطات السورية «بحاجة إلى محاسبة» على الانتهاكات. فيما يتعلق بالضربات الإسرائيلية على سوريا، قال برّاك: «لم يُطلب من الولايات المتحدة، ولم تشارك في هذا القرار، ولم تكن مسؤولية الولايات المتحدة في مسائل تعتقد إسرائيل أنها دفاع عن نفسها». ومع ذلك، قال إن تدخل إسرائيل «يخلق فصلاً آخر مُربكاً للغاية»، و«جاء في وقت سيئ للغاية». علم درزي مرفوع على جدار أسمنتي إسرائيلي جديد بُني بجوار البوابة عند خط وقف إطلاق النار بالقرب من قرية مجدل شمس في مرتفعات الجولان المحتلة (إ.ب.أ) قبل أعمال العنف في السويداء، كانت إسرائيل وسوريا تجريان محادثات حول المسائل الأمنية، بينما كانت إدارة ترمب تدفعهما نحو التطبيع الكامل لعلاقات دبلوماسية. وعندما اندلع القتال الأخير، قال برّاك: «كانت وجهة نظر إسرائيل أن جنوب دمشق منطقة مشكوك فيها، ومن ثم فإن أي شيء يحدث عسكرياً في تلك المنطقة يحتاج إلى اتفاق ومناقشته معهم. الحكومة الجديدة (في سوريا) لم تكن على هذا الاعتقاد تماماً». وقال إن وقف إطلاق النار الذي أُعلن عنه، يوم السبت، بين سوريا وإسرائيل، هو اتفاق محدود يتناول فقط الصراع في السويداء. ولا يتناول قضايا أوسع نطاقاً، بما في ذلك زعم إسرائيل بأن المنطقة الواقعة جنوب دمشق يجب أن تكون منطقة منزوعة السلاح. رحَّب البيان المشترك باتفاق إنهاء الأزمة بمحافظة السويداء السورية (رويترز) وفي المناقشات التي سبقت وقف إطلاق النار، قال برّاك إن «الجانبين بذلا قصارى جهدهما» للتوصل إلى اتفاق بشأن مسائل محددة تتعلق بحركة القوات والآليات السورية من دمشق إلى السويداء. وأضاف: «قبول تدخل إسرائيل في دولة ذات سيادة مسألة مختلفة». مشيراً إلى أن إسرائيل تُفضل رؤية سوريا مُجزأة ومُقسّمة لا دولة مركزية قوية تسيطر على البلاد. وقال: «الدول القومية القوية تُشكّل تهديداً - خصوصاً الدول العربية التي تُعد تهديداً لإسرائيل». لكنه أضاف أنه في سوريا، «أعتقد أن جميع الأقليات ذكية بما يكفي لتقول: (نحن أفضل حالاً معاً، مركزياً)». وفي وقت لاحق من يوم الاثنين، نشر وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس على موقع «إكس» أن الضربات الإسرائيلية «كانت السبيل الوحيد لوقف مذبحة الدروز في سوريا، الذين هم إخوة لإخواننا الدروز في إسرائيل». وأضاف كاتس: «كل من ينتقد الهجمات لا يُدرك الحقائق». ولم يتضح ما إذا كان يرد على تعليقات برّاك. مصاب على كرسي متحرك في أثناء مساعدته على الخروج من مستشفى السويداء الوطني الأحد (أ.ف.ب) وتتفاوض دمشق مع القوات الكردية التي تسيطر على جزء كبير من شمال شرقي سوريا، لتنفيذ اتفاق من شأنه دمج قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة بقيادة الأكراد، مع الجيش الوطني الجديد. وقال برّاك، الذي تحدث إلى قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، خلال عطلة نهاية الأسبوع، إنه لا يعتقد أن العنف في السويداء سيعرقل هذه المحادثات، وأنه قد يكون هناك تقدم «في الأسابيع المقبلة». وعرضت تركيا المجاورة، التي تريد الحد من نفوذ الجماعات الكردية على طول حدودها، والتي تربطها علاقات متوترة مع إسرائيل، تقديم مساعدة دفاعية لسوريا. وقال برّاك إن الولايات المتحدة «ليس لديها موقف» بشأن احتمال إبرام اتفاقية دفاع بين سوريا وتركيا. وأضاف: وقال: «ليس من شأن الولايات المتحدة أو مصلحتها أن تملي على أي من الدول المحيطة ما يجب فعله». وواصلت إسرائيل شن غارات جوية شبه يومية على لبنان، تقول إنها تهدف إلى منع «حزب الله» من إعادة بناء قدراته. وأكد «حزب الله» أنه لن يناقش نزع سلاحه حتى توقف إسرائيل ضرباتها، وتسحب قواتها من كامل جنوب لبنان.