
دولة الاحتلال وتصفية العقول العربية
صحيفة "يديعوت أحرونوت" وصفت الزواري بعد اغتياله بأنه "أحد العقول خلف مشروع الطائرات المسيّرة في حماس".. لم يكن التصريح تهديدًا بقدر ما كان تباهيًا بعملية استخباراتية ناجحة
النهضة العربية المستهدفة
منذ عقود، تدرك إسرائيل أن الخطر الأكبر على وجودها ليس فقط في الصواريخ أو الجيوش، بل في العقل العربي عندما يتحرر ويبدع. ولهذا، لم يكن استهداف العلماء العرب مصادفة أو رد فعل، بل سياسة ممنهجة تخضع لتخطيط إستراتيجي طويل المدى.
ففي العراق، خلال التسعينيات وحتى بعد الغزو الأميركي عام 2003، تمت تصفية مئات العلماء والباحثين في الفيزياء النووية والطب والهندسة. تقارير عديدة أكدت أن هذه التصفيات تمت بعلم وتنسيق مباشر مع أجهزة استخبارات أجنبية، على رأسها الموساد.
لم تكن الأسماء تهم بقدر ما كان يهم ما تمثّله تلك العقول من قدرة على إعادة بناء دولة متقدمة ومستقلة علميًّا.
الزواري.. حين يخاف العدو من مهندس تونسي
في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2016، اهتزّت مدينة صفاقس التونسية على وقع اغتيال المهندس محمد الزواري أمام منزله. لم يكن الرجل عسكريًّا، بل باحثًا وأستاذًا جامعيًّا، لكن ذنبه أنه سخّر علمه لتطوير طائرات بدون طيار لصالح المقاومة الفلسطينية.
اعتبرته إسرائيل تهديدًا يستحق الموت، حتى لو كان على بعد آلاف الكيلومترات من فلسطين! صحيفة "يديعوت أحرونوت" وصفت الزواري بعد اغتياله بأنه "أحد العقول خلف مشروع الطائرات المسيّرة في حماس".. لم يكن التصريح تهديدًا بقدر ما كان تباهيًا بعملية استخباراتية ناجحة.
بالنسبة لإسرائيل، العالِم هو مشروع إستراتيجي قبل أن يكون فردًا، وإذا سُمح له بالبقاء والإنتاج، فقد تتحول دول مثل العراق أو إيران إلى قوى حقيقية قادرة على تغيير قواعد اللعبة
إيران وتصفية المشروع النووي بالعقول
وفي إيران، اغتيال محسن فخري زادة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 كان الحدث الأبرز في سلسلة طويلة من استهداف العلماء النوويين؛ وزادة لم يكن مجرد عالم، بل يُصنّف على أنه "أبو البرنامج النووي الإيراني". طريقة اغتياله أشبه بفيلم استخباراتي: كمين إلكتروني، مدافع آلية دون سائق، تكنولوجيا متقدمة.. والرسالة كانت واضحة: "نستطيع أن نصل إليكم أينما كنتم".
إسرائيل، التي لم تُخفِ رضاها الضمني، أرادت من هذا الاغتيال توجيه ضربة مزدوجة: للمشروع النووي الإيراني من جهة، وللثقة الإيرانية في قدرتها على حماية عقولها من جهة أخرى.
لماذا تخاف إسرائيل من العلماء؟
تقوم العقيدة الأمنية الإسرائيلية على أساس التفوق النوعي، خصوصًا في مجالات:
التكنولوجيا العسكرية.
الذكاء الاصطناعي.
الأمن السيبراني.
الأسلحة المتقدمة.
وأي مشروع عربي أو إسلامي يُهدّد بكسر هذا التفوق يُعتبر خطرًا وجوديًّا. فبالنسبة لإسرائيل، العالِم هو مشروع إستراتيجي قبل أن يكون فردًا، وإذا سُمح له بالبقاء والإنتاج، فقد تتحول دول مثل العراق أو إيران إلى قوى حقيقية قادرة على تغيير قواعد اللعبة.
في غزة مثلًا، رغم الحصار والدمار، استمر تطوير الطائرات المسيّرة والصواريخ، بقدرات محلية وبعقول مصممة على المقاومة بالتكنولوجيا، لا بالشعارات فقط
التأثير النفسي: القتل بالترويع
الاغتيالات ليست فقط لإسكات منجز علمي، بل لزرع الخوف داخل أوساط الباحثين، لتتحول العقول المهاجرة إلى عقول خائفة أو صامتة.. هي رسالة رعب موجهة إلى كل من تسوّل له نفسه أن يضع علمه في خدمة مشروع عربي أو مقاوم.
في هذا السياق، تنشأ معادلة خطيرة: كلما اقترب العالِم من همّ الأمة، اقترب منه رصاص القناص.
هل تنجح سياسة التصفية؟
نجحت جزئيًّا في تعطيل مشاريع أو تأخيرها، لكنها فشلت في إيقاف المدّ العلمي. فبعد اغتيال كل عالم، ينبثق جيل جديد أكثر وعيًا بأن المعركة لم تعد بين الجيوش، بل بين من يملك الذكاء والمعرفة والإرادة.
وفي غزة مثلًا، رغم الحصار والدمار، استمر تطوير الطائرات المسيّرة والصواريخ، بقدرات محلية وبعقول مصممة على المقاومة بالتكنولوجيا، لا بالشعارات فقط.
تصفية العلماء ليست أمرًا عارضًا، بل إستراتيجية، ومواجهة هذه الإستراتيجية تتطلب وعيًا عربيًّا رسميًّا وشعبيًّا بضرورة حماية العقول، وتوفير بيئة للإبداع، وربط الأمن القومي بالبحث العلمي
معركة بقاء تتطلب حماية العقول
في النهاية، ما تقوم به إسرائيل هو حرب وجود لا تخلو من الذكاء والخطورة؛ فهي لا تنتظر أن ترى المصانع الحربية، بل تراقب من يُمكنه التفكير في إنشائها.
تصفية العلماء ليست أمرًا عارضًا، بل إستراتيجية، ومواجهة هذه الإستراتيجية تتطلب وعيًا عربيًّا رسميًّا وشعبيًّا بضرورة حماية العقول، وتوفير بيئة للإبداع، وربط الأمن القومي بالبحث العلمي؛ فكما تحمي الدول حدودها، يجب أن تحمي عقولها، فحدود اليوم ليست على الخريطة، بل في المختبرات.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 29 دقائق
- الجزيرة
تحقيق أولي للجيش الإسرائيلي يكشف أن هجوم بيت حانون وقع أثناء تحرك كتيبتين لتطهير المنطقة
تحقيق أولي للجيش الإسرائيلي في كمين بيت حانون يكشف: الهجوم أدى لمقتل 5 جنود وإصابة 14 آخرين، 2 منهم إصابتهما خطيرة و6 إصاباتهم متوسطة هجوم بيت حانون وقع أثناء تحرك كتيبتين لتطهير المنطقة قوة من كتيبة 97 نتساح يهودا عبرت الطريق سيرا على الأقدام وانفجرت فيها الألغام الهجوم على قوة 97 تم باستخدام آلية تفجير لغمين عن بعد من خلال كمين خلال عملية إخلاء المصابين من منطقة الألغام أطلق المسلحون النار على فرق الإنقاذ القوة المساندة تعرضت لإصابات إضافية ما أدى إلى تعقيد عملية الإخلاء تم إرسال المزيد من فرق الإنقاذ لإخلاء المصابين الكمين بعد تفجير الألغام هو تكتيك استخدمته حماس في حوادث سابقة مشابهة نتنياهو: جنودنا ضحوا بأرواحهم في معركة دحر حماس وتحرير جميع "رهائننا" نشر الجيش الإسرائيلي صورا لبعض جنوده القتلى في شمال القطاع. وفقا لمصادر إسرائيلية، فإن هناك ضابطا كبيرا بين المصابين في الهجوم الليلي الواسع الذي نفذته المقاومة في بيت حانون شمالي القطاع كتئاب القسام وقد نشرت كتائب القسام صورة على قناتها في تلغرام تعليقا على العملية التي شنتها المقاومة في بيت حانون شمال القطاع، وتضمنت الصورة عبارة موجهة لإسرائيل، مضمونها "سندك هيبة جيشكم".


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
"رايتس ووتش": أكثر من 272 مليون طفل خارج التعليم في 2024
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن أحدث البيانات العالمية الخاصة بالتعليم والتأثير المباشر لقرارات التمويل الحكومية على حياة الأطفال تظهر أن هناك 272 مليون طفل ويافع خارج المدرسة الابتدائية والثانوية في 2024، من بينهم حوالي 200 مليون خارج التعليم الثانوي. وسجلت المنظمة أن هذا الرقم يمثل زيادة تقديرية بنحو 21 مليون طفل خارج المدرسة مقارنة بسنة 2023. وأفادت المنظمة بأن الرقم الذي وصفته بـ"الصادم" لا يعكس حجم الأزمة بالكامل، إذ قدّر معهد اليونسكو للإحصاء وتقارير الرصد العالمي للتعليم أن 13 مليون طفل خارج المدرسة في المناطق المتأثرة بالنزاعات. وأضافت أنه لو أُخذ بعين الاعتبار جميع الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بسبب النزاعات المسلحة من غزة إلى السودان، لـ"ارتفع العدد الإجمالي للأطفال خارج المدرسة إلى نحو 285 مليونا". وزادت موضحة أن معدلات الإقصاء من التعليم على المستوى العالمي هي "أعلى من ذلك في الواقع"، ولفتت إلى أن التقديرات الحالية للأطفال غير الملتحقين بالمدارس لا تشمل "175 مليون طفل في سن ما قبل المدرسة غير المسجّلين، الذين لا يستفيدون من التعليم المبكر الحيوي في هذه المرحلة العمرية". كما اعتبرت أن النقص المزمن في التمويل يفاقم العديد من العوائق والتمييزات المتجذّرة التي يواجهها ملايين الأطفال، وأكدت أنه من دون تخصيص الموارد الكافية لا تستطيع الحكومات توفير تعليم عام مجاني بالكامل، وتعجز عن بناء وتجهيز المدارس وتوفير مواد تعليمية ذات جودة أو استقطاب وتدريب معلمين مؤهلين، أو تكييف الأنظمة التعليمية للاستجابة بشكل كافٍ لحالات الطوارئ. وشددت رايتس ووتش على ضرورة وفاء جميع الحكومات بتعهداتها من أجل التصدي لأزمة التعليم العالمية، كما يتطلب من الحكومات حماية ميزانيات التعليم العام من تدابير التقشف "الرجعية والتخفيضات، وتخصيص موارد تتناسب مع التزاماتها بضمان الحق في التعليم والتعهد بتوفير تعليم عام مجاني وجيد للجميع". كما حثت على ضرورة الوفاء بمعايير التمويل التعليمي المتفق عليها دولياً، من خلال زيادة الإنفاق على التعليم إلى ما لا يقل عن 4% إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي، أو ما لا يقل عن 15% إلى 20% من الإنفاق العام الكلي. وأشارت إلى أن الحكومات المانحة بشكل خاص ينبغي أن تجدد التزامها بتمويل التعليم بما يتماشى مع التزاماتها في مجال المساعدات الخارجية وواجباتها الحقوقية في تقديم الدعم والتعاون الدولي.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
ترامب يستبعد ضرب إيران مجددا ويؤكد عقد اجتماع وشيك معها
استبعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب توجيه ضربة جديدة لإيران، مؤكدا أنه سيتم عقد اجتماع وشيك مع طهران. وقالت ترامب -ردا على أسئلة الصحفيين خلال مأدبة عشاء أقامها لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – إنه يأمل أن تكون الحرب مع إيران قد انتهت، مشيرا إلى أن القيادة الإيرانية ترغب في عقد لقاء لصنع السلام. وأضاف أنه لا يمكن أن يتخيل أنه يرغب في توجيه ضربة أخرى إلى إيران لأنه تريد التوصل إلى حل، وأكد أنه سيتم عقد اجتماع مع إيران. وأعرب الرئيس الأميركي عن أمله رفع العقوبات الأميركية الصارمة عن إيران في الوقت المناسب، وفق تعبيره. وأوضح أن الخطوة الأخيرة لرفع العقوبات الأميركية عن سوريا ستساعد دمشق على المضي قدمًا، معبرا عن أمله أن تتخذ إيران خطوة مماثلة. وكشف ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط أن الاجتماع مع الإيرانيين سيحدث سريعا جدا وربما سيعقد الأسبوع القادم. من جهته قال نتنياهو إن قدرات أميركا وإسرائيل ساهمت في "استئصال ورمين كانا يهددان إسرائيل وهما سلاح إيران النووي والباليستي". وفي 13 يونيو/حزيران المنصرم، شنت إسرائيل بدعم أميركي عدوانا على إيران استمر 12 يوما، وانضمت إليها الولايات المتحدة التي قصفت منشآت نووية إيرانية، وقد قتل في الضربات الإسرائيلية قادة عسكريون وعلماء نوويون. في حين ردت إيران باستهداف مقرات عسكرية واستخبارية إسرائيلية بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، ثم أعلنت واشنطن في 24 من الشهر نفسه وقفا لإطلاق النار بين تل أبيب وطهران. وتتهم إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة إيران بالسعي لإنتاج أسلحة نووية، بينما تقول طهران إن برنامجها مصمم للأغراض السلمية، بما في ذلك توليد الكهرباء. وتعد إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك ترسانة نووية، وهي غير خاضعة لرقابة دولية، وتواصل منذ عقود احتلال أراض في فلسطين وسوريا ولبنان.