
إيران: محاولة للفهم!
الساحة النقاشية العربية والعالمية مليئة بوجهات النظر المختلفة، وربما المتعارضة في الموضوع الذي شغل العالم ولا يزال، وهو الاشتباك الإسرائيلي - الإيراني المسلح.
الكثير من العواطف والمشاعر ركبت تلك التحليلات، لذلك فإن المتوافر منها والمقنع للعقل قليل، فقد تخندق الجميع كل في سرديته.
هنا، محاولة الابتعاد عن المشاعر والعواطف، والمواقف المسبقة، من أجل تقديم صورة قد تكون أقرب ما أمكن إلى الواقع، رغم أن هذا الواقع ما نعرف عنه قليل وما نجهله ليس بالقليل.
أريد أن أقدم هذه الأفكار في مجموعة من نقاط عشر مترابطة هي الآتية:
أولاً: القيادات في إيران ليست على رأي واحد في الاقتراب من ملفات بناء الدولة الحديثة، هي تعيش في الفضاء الجغرافي نفسه، ولكن في أزمنة مختلفة؛ بعضها في الزمن الحديث، وبعضها في الزمن التاريخي القديم. لذلك نجد أن مرحلة محمد خاتمي مثلاً تختلف عن مرحلة أحمدي نجاد، فتمر إيران بتموجات على الأقل في القضايا الدولية، من مكان إلى آخر .
حرب إسرائيل على إيران أخيراً جعلت من الطيف السياسي الإيراني يتجمع في الغالب في الزمن التاريخي القديم، والحديث عن الانتصارات الكبرى التي حققتها الإمبراطورية الفارسية؛ فنحن أيضاً أمام موضوع تاريخي سياسي ليس من السهل تفكيك مفاصله أو وضعه أمام أشعة كاشفة، لأن الأزمات الكبرى تعيد الشعوب إلى الماضي.
ثانياً: هناك خلط ربما تلقائي أو متعمد بين المذهب الشيعي الإثني عشري، وبين السياسة الإيرانية، لذلك يعتقد البعض أن انتقاد التوجه السياسي الإيراني انتقاد للمذهب الشيعي. وللعقلاء، الإثنان مختلفان تماماً، وإنّ تساندهما بسبب سياسي في هذه المرحلة التاريخية.
ثالثاً: صرفت إيران حسب مصادر متقاطعة وربما مؤكدة بين 2011 و 2023 ما يقارب من 30 بليون دولار من أجل مساندة ما عرف بشكل واسع بـ"الأذرع الإيرانية" أو بالمعنى الاستراتيجي الخنادق الأمامية، تحت شعار أننا نحارب خارج أرضنا حتى لا نحارب على أرضنا. اشتباك الـ12 يوماً فضح فساد هذا التوجه على أرض الواقع من جانبين: الجانب الأول أن الاشتباك أصبح على الأرض الإيرانية، والجانب الثاني أن تلك الأذرع أو الخنادق الأمامية، لم تستطع أن تساعد إيران في معركتها مع إسرائيل.
رابعاً: الخنادق الأمامية أو الأذرع الإيرانية في عدد من البلدان العربية كان شعارها الذي يسوق للجمهور أنها من أجل تحرير فلسطين، سواء كانت في غزة أو في لبنان أو في سوريا سابقاً أو في العراق أو في اليمن. ومرت الصراعات المتعددة، دون أن تحرر ولو كيلومتر واحد من فلسطين التاريخية. معنى ذلك للعقلاء أيضاً أن تلك الخنادق الأمامية ومن صنعها يعرف أنها لا تستطيع أن تفعل ذلك، ولكن فعلها سلبي في نسيجها الاجتماعي وفي دولها كان ضاراً للغاية؛ فقد قسمت المجتمع، وأسقطت الدولة، وأفقرت الناس وزرعت الشكوك بين المكونات المختلفة في تلك الدول، عدا الأرواح التي زهقت ومعظمها من العرب.
خامساً: هنا نصل إلى بيت القصيد أو مركز الثقل، أي ما يمكن أن يعرف بالوصاية التي تفرضها القوة الثورية الإيرانية على الآخرين. هذه الوصاية مستمدة من أفكار لم تعد قادرة على فهم الواقع أو مواجهة المشكلات الحالية، وما دامت تلك الوصاية موجودة في أذهان القيادة السياسية الإيرانية، فإن الارتياب فيها سوف يبقى قائماً من جوارها، لأن عدداً كبيراً من الدول العربية والمجتمعات العربية لا تقبل تلك الوصاية مع اعترافها بحرية الإيرانيين باتخاذ ما يرونه من أنظمة سياسية في بلادهم.
سادساً: امتلاك القدرة العسكرية النووية، وهنا تتعمق المشكلة. فهناك دول مثل باكستان والهند وكوريا الشمالية امتلكت القدرة النووية العسكرية، لماذا إذن تمنع إيران من ذلك؟ المؤكد أن تلك الدول ليس لها مشروع وصاية على ما حولها، لذلك فإن امتلاكها لتلك القوة قد يكون محتملاً من المجتمع الدولي أو من جوارها، أما إيران التي تقول بالوصاية على الآخرين، وتثبت ذلك في دستورها، فإن هذه الوصاية هي التي تقلق المجتمع المحيط بإيران، والمجتمع الدولي، لهذا السبب هناك مقاومة ظاهرة أو باطنة لأن تمتلك إيران سلاحاً نووياً عسكرياً.
سابعاً: على المستوى الدولي، هناك تأييد ولو مبطن من روسيا الاتحادية لدفع إيران للمواجهة من خلال التهديد بالنووي، أو من توسيع الوصاية. سبب روسيا الاتحادية للدفع بذلك أنها تريد توريط الولايات المتحدة في مستنقع حرب إقليمية، كما هي متورطة في حرب إقليمية أخرى في أوكرانيا، وبالتالي تنشغل الولايات المتحدة عن الملفات الأخرى في أوروبا، لذلك كان من الحصافة أن لا تتورط الولايات المتحدة بشكل مباشر وطويل في الحرب بين إسرائيل وبين إيران، وهذا ما حدث.
ثامناً: فكرة الوصاية بتفرعاتها المختلفة تحتاج من الدولة الإيرانية إلى إعادة النظر وبجدية كاملة في نتائجها لأنها تكلف إيران تكاليف باهظة، ومردودها تقريباً صفري، كما حدث في سوريا أو في بعض المناطق التي لإيران فيها أياد تمويلية أو تدريبية. لقد ثبت أن تلك القوى غير قادرة على المساعدة وأيضاً غير قادرة على تحقيق ما تعلنه من تحرير فلسطين.
تاسعاً: تحدث كثيرون عن قوة الموساد في الداخل الإيراني، وقليل لمح إلى أن ذلك ليس في المطلق كما يبدو، ربما للموساد بعض الأيادي في الداخل الإيراني، ولكن المعلومات الكثيفة التي سربت إلى أعداء إيران هي في بعضها من قوى إيرانية داخلية، ضاقت ذرعاً بتجربة أكثر من 40 عاماً للنظام الإيراني الحالي، وعلينا أن لا نتجاوز هذه النقطة، والحديث فقط عن الموساد الخارجي. هناك تيار داخلي لا يراد أن يُعترف به ولكنه موجود، وهو الذي سرب كثيراً من المعلومات إلى الآخرين، خاصة إذا ذكرنا أن هناك كتابات وتصريحات من رجال في النظام أيضاً، أن ما يصرف على الأذرع الإيرانية هو هباء، والأفضل أن تصرف هذه الأموال الطائلة على التنمية في إيران، وهذا رأي موجود ويكتب أيضاً في الصحف الإيرانية.
عاشراً: هناك فشل واضح في إدارة الاقتصاد والدولة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ثمة بطالة مرتفعة وفقر متزايد، وتراجع في سعر العملة عدا عدم رضى واسع لدى طوائف مختلفة من الشعوب الإيرانية وخاصة الشباب، التي ترى أن تبني إيران الخط الاستراتيجي والعقيدة السياسية المعتمدة لم توصلها لما توقعت أن تصل إليه.
باختصار إذا لم تتغير العقيدة الإيرانية من "الوصاية" إلى التعاون كدولة، فإننا سنبقى في الأزمة، وإن تغير شكلها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

العربية
منذ 32 دقائق
- العربية
نتنياهو يتعهد بالقضاء على حماس بعد دعوة ترامب لوقف النار بغزة
تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم الأربعاء، بالقضاء على حركة حماس، في أول تصريحات علنية له منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقترحا لوقف إطلاق النار لمدة 60 يوما. وقال نتنياهو خلال اجتماع: "لن تكون هناك حماس. لن تكون هناك حماسستان. لن نعود إلى ذلك. لقد انتهى الأمر". وأكد ترامب أمس الثلاثاء أن إسرائيل وافقت على شروط وقف إطلاق النار التي اقترحتها الولايات المتحدة. ومن المقرر أن يلتقي ترامب بنتنياهو في البيت الأبيض يوم الاثنين. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب حث حركة حماس على الموافقة على ما وصفه بـ"المقترح النهائي" لوقف إطلاق النار مع إسرائيل في غزة لمدة 60 يوما، والذي سيقدمه مسؤولون وسطاء من قطر ومصر. وفي منشور على منصته "تروث سوشيال"، قال ترامب إن ممثليه عقدوا اجتماعا "طويلا ومثمرا" مع المسؤولين الإسرائيليين بشأن غزة. وقال ترامب إن إسرائيل وافقت على شروط وقف إطلاق النار لمدة 60 يوما، "وخلال هذه الفترة سنعمل مع جميع الأطراف لإنهاء الحرب"، مشيرا إلى أن ممثلين عن قطر ومصر سيسلمون "هذا الاقتراح النهائي" إلى حماس. وقال الرئيس الأميركي: "آمل، من أجل مصلحة الشرق الأوسط، أن تقبل حماس بهذه الصفقة، لأن الوضع لن يتحسن، بل سيزداد سوءا. أشكركم على اهتمامكم بهذا الأمر!". وكان ترامب قد قال للصحافيين في وقت سابق يوم الثلاثاء إنه يأمل في أن يتم "التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مقابل الرهائن الأسبوع المقبل بين إسرائيل وحماس".


الرياض
منذ 32 دقائق
- الرياض
أمير حائل يطلع على خطط الشرطة ومشاريع هيئة التطوير وبرنامج كفاءة الطاقة
استقبل صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعد بن عبدالعزيز أمير منطقة حائل، اليوم، مدير شرطة المنطقة اللواء الدكتور كتاب بن عقيلان العتيبي، وقائد القوة الخاصة لأمن الطرق بالمنطقة العميد محمد بن ضيدان المطيري. ونوه سموه بالدعم غير المحدود من القيادة الحكيمة -أيدها الله- لجميع القطاعات الأمنية وتسخير كافة الإمكانات لتحقيق الأمن والأمان والحفاظ على المقدرات. من جانبه قدم العتيبي شكره وتقديره لسمو أمير المنطقة على حرصه ومتابعته، مؤكدًا أن القطاعات الأمنية كافة تعمل على مدار الساعة لتحقيق تطلعات القيادة الرشيدة -حفظها الله- واستتباب الأمن للمواطن والمقيم والحفاظ على المقدرات. الى ذلك استقبل صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعد بن عبدالعزيز أمير منطقة حائل في الإمارة اليوم، الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير منطقة حائل عمر بن عبدالله العبدالجبار. واطلع سموه على آخر مستجدات العمل في الهيئة والخطط المستقبلية والمشاريع الجاري العمل عليها، مؤكدًا أهمية بذل الجهود للعمل على تنمية وتطوير المنطقة تحقيقًا لرؤية قيادة هذه البلاد المباركة -حفظها الله-. من جانبه قدّم العبدالجبار شكره لسمو أمير المنطقة على دعمه ومتابعته لأعمال وخطط الهيئة، مؤكدًا أن حرص سموه دفع مسيرة الهيئة لتحقيق العديد من المستهدفات والعمل على مشاريع تطوير المنطقة. كما استقبل صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعد بن عبدالعزيز أمير منطقة حائل، في الإمارة اليوم، فريق كفاءة الطاقة في إمارة منطقة حائل بمناسبة تحقيق الإمارة نسبة 100٪ في بطاقة الأداء لعامي 2023- 2024م، وتكريمها من قبل المركز السعودي لكفاءة الطاقة "كفاءة"، وذلك بحضور وكيل الإمارة المكلف علي بن سالم آل عامر، ومدير عام الشؤون الإدارية والمالية فؤاد الغصاب. ونوّه سموه بالجهود المبذولة من الفريق، مؤكدًا أهمية استمرار العمل لتحقيق التميز المؤسسي في إمارة المنطقة ومواكبة تطلعات القيادة الحكيمة -حفظها الله-، مشددًا على أهمية تحقيق الكفاءة والجودة في الأداء.


صحيفة سبق
منذ ساعة واحدة
- صحيفة سبق
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تنتظر توضيحات رسمية من طهران بشأن تعليق التعاون
قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها على علم بما يتردد بشأن تعليق إيران تعاونها معها، لكنها لم تتلق بعد معلومات رسمية تؤكد ذلك، وذلك بحسب ما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال عن متحدث باسم الوكالة. ويأتي هذا الموقف بعد إعلان وسائل إعلام إيرانية أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان صادق على قانون جديد يمنع دخول مفتشي الوكالة ما لم تُقدّم ضمانات لأمن المنشآت النووية، على أن يُنفّذ القرار بعد موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. وكان مدير عام الوكالة، رافائيل غروسي، قد شدد على أهمية استمرار عمليات التفتيش في المواقع النووية الإيرانية، مؤكدًا أن تعليق التعاون غير مقبول دوليًا، وأن الجهود ستتواصل من فيينا لإعادة التواصل مع إيران. وأوضح غروسي أن آلية التفتيش الحالية متوقفة فعليًا، مشيرًا إلى أن إيران أبلغت الوكالة باتخاذ إجراءات احترازية بخصوص مخزونها من اليورانيوم المخصب. وفي وقت سابق، أقر غروسي بأن الوكالة لا تملك معلومات دقيقة عن أماكن تخزين اليورانيوم الإيراني، مؤكدًا في مقابلة صحفية أن دور الوكالة ليس التخمين بل العمل بناءً على معلومات موثوقة.