logo
الضربة الحاسمة أم حروب الإنهاك؟

الضربة الحاسمة أم حروب الإنهاك؟

Independent عربيةمنذ 2 أيام
تلجأ الجيوش المنظمة إلى حروب الإنهاك العسكري حين يكون خيار الحسم السريع للحرب متعذراً. والإنهاك يعني إطالة أمد الحرب على نار هادئة عبر العقوبات والحصار الاقتصادي وربما الحصار العسكري أيضاً، وقد اتبعت جيوش الزمن القديم هذه الطريقة لدفع العدو إلى الاستسلام خصوصاً إذا ما كان محصناً جيداً ومهيئاً لحرب طويلة، فيكون حصاره من كل المنافذ.
في عام 332 قبل الميلاد، وقف الإسكندر المقدوني وخلفه جيشه الهائل على الشاطئ يتأمل مدينة صور قلعة الفينيقيين صامدة في البحر كجزيرة حصينة لا تطالها السهام. لم يملك أسطولاً ضخماً، لكنه كان يملك الوقت والصبر والمثابرة. فأمر جنوده ببناء جسر ضخم يصل البر بالجزيرة، مستعيناً بأنقاض المدن المحيطة. استمر الحصار سبعة أشهر حتى انهارت أسوار صور أخيراً، فدخلها المقدوني. كانت هذه الحرب من أشرس حروب الإنهاك في ذلك الزمن. أي إنهاك صور المحاصرة، وإنهاك جيش المقدوني أثناء بنائه الجسر. أما سقوط بابل فجرى بالحسم ولم يكن هناك حاجة للإسكندر المقدوني بأن يمارس حرب الإنهاك، فبعد معركة غوغميلا تحطم قلب جيش داريوس الفارسي، فقررت بابل ألا تقاتل. كانت الحرب الحاسمة بضرب كل مقدرات العدو عبر هزيمة جيشه.
في 1453، قرر محمد الفاتح ولا يزال شاباً حسم المعركة مع بيزنطة التي قاومت الغزاة لأكثر من 1000 عام، والتي صمدت أمام الفرس والعرب والمغول، والمنهكة اقتصادياً تمزقها الخلافات الدينية تمزقها من داخلها. ولكن رغم عديد جيش الفاتح بأكثر من 100 ألف جندي، ومدافعه الضخمة اضطر إلى حصار المدينة براً وبحراً وبعد 53 يوماً من القصف انهار جزء من السور، فدخل الجنود كالطوفان.
أما نهايات الإمبراطورية الثمانية أوائل القرن الـ20 فلم تأت نهايتها بضربة واحدة، بل عبر استراتيجية إنهاك محكمة توجت بالثورة العربية الكبرى في عام 1916 التي دعمها البريطانيون لضرب خطوط الإمداد العثمانية، ثم في مرحلة ثانية عبر اتفاق سايكس بيكو في العام نفسه التي قسمت السلطنة قبل إعلان سقوطها النهائي. وفوق الإنهاك المالي والاقتصادي بواسطة الديون الأوروبية قدم الأوروبيون الدعم للحركات القومية في البلقان، وأطلقوا حصاراً اقتصادياً ودعم تمرد الأرمن وتفكيك الجيش بواسطة الحركات القومية التركية التي طمحت إلى بناء تركيا حديثة شبيهة بأوروبا. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى كانت السلطنة قد ماتت ببطء، وبلا ضجيج عبر الإنهاك المدروس والمؤثر.
حروب القرن الـ21
في حروب القرن الـ21 جرى اتباع طريقتي الحرب على السواء، أي الإنهاك الممتد والحسم العسكري السريع والمباشر. ولكن اختيار أي من النوعين في الحروب يتطلب ظروفاً معينة ويرتبط بالأهداف الاستراتيجية للحرب. هذا مع العلم أن حروب الإنهاك ليست أسلوباً مستقلاً بذاته، وليس له عقيدة رسمية أو استراتيجية ذات هيكلية في الجيوش، بل هو وصف لحالة الصراع بين جيشين متحاربين كوسيلة لدرء الحرب المباشرة والحد من الضحايا والخسائر لدى الطرفين.
منذ الثمانينيات، شاع في الفكر العسكري الغربي أن الحسم العسكري هو أسلوب متخلف مقابل أسلوب المناورة والاختراق الذكي، وكما كتب المقدم المتقاعد آموس سي فوكس من الجيش الأميركي في مجلة المراجعة العسكرية عدد عام 2024، فإن الحسم العسكري أكثر تفضيلاً للجيوش ولكنه غير ممكن دوماً لأسباب كثيرة منها التضاريس وحجم العدو وقوته، وتوقيت الحرب والموارد وأنواع الأسلحة المستخدمة في الحرب.
وبحسب هذه المؤشرات وغيرها من المؤشرات السياسية والدولية والهدف العام من الحرب تختار الدول أنواع الحروب التي تخوضها وبعضها يقوم على الإنهاك عبر حرب مديدة تقوم أولاً على الحصار الاقتصادي والعسكري والحرب الإعلامية والنفسية وغيرها، وإما تقوم على الحسم المباشر، لأن التاخير في إسقاط العدو قد يؤدي إلى مزيد من الضرر.
وبرأي المقدم فوكس فإن الهدف من حروب الإنهاك هو إيقاع خسائر كبيرة بالعدو من دون أن تخسر مثلها، وهذا يجري بالتفوق بالموقع والموارد والقرار. وبرأيه فإن معظم الحروب عبر التاريخ لم تُحسم بضربة واحدة، بل عبر دفع العدو إلى التآكل بشكل مستمر لقوى العدو، كما فعل نابليون في حروبه الكثيرة وكذلك وسوفييت ستالينغراد، وكما فعلت الولايات المتحدة ولا تزال في استخدام الإنهاك في معاركها حول العالم والتي لم تتوقف منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.
ويقدم المحارب القديم في الجيش الأميركي والبرفيسور في الكليات العسكرية الأميركية اليوم أمثلة على معارك الحسم التي لم يكن الإنهاك ليؤدي إلى نتيجة فيها، ومنها معركة الموصل بين عامي 2016 و2017 التي كانت حرب تدمير موقعية كلاسيكية، حيث لم يكن ممكناً الهرب من الاشتباك المباشر، وكذلك معركة الرمادي في عام 2015 التي سميت معارك التدمير التدريجي للعدو، التي لا تقع فيها مناورات بل يجري سحق العدو بطريقة منهجية.
أما في الحرب الأوكرانية فقد لجأت روسيا في معارك باخموت وماريوبول بين عامي 2022 و2023 إلى التخفيف من خسائرها بالاعتماد على الميليشيات مثل "فاغنر" كأدوات إنهاك خصوصاً أن الحسم المباشر للمعارك لم يكن ممكناً بسبب الدعم الغربي الهائل لأوكرانيا بالسلاح. ويدعو البرفسور فوكس إلى تجاوز النزعة الرومانسية للحسم السريع، والاعتراف بأن الإنهاك هو وسيلة ضرورية ومشروعة في أي حرب هدفها التقليل من الخسائر الجانبية. الحروب لا تُربح دوماً بالحركة السريعة، بل غالباً ما تُربح بالثبات والتدمير المدروس والنَفس الطويل، وبرأيه فإنه من واجب الجيوش اليوم أن تستثمر في هذا الفهم الجديد للحرب، لا أن تهرب منه.
الإنهاك شكل من أشكال الحرب؟
يعترض منظرون عسكريون كثر على كون الإنهاك شكل من أشكال الحرب لأنه في السياق العسكري فإن إعطاء أي حرب تعريفاً معيناً يفترض وجود بنية معرفية متماسكة ومجموعة من العمليات والتكتيكات المرتبطة بها. هذه الأفكار أي المعرفة والعمليات والتكتيكات قد تتطور مؤسسياً داخل جيش نظامي، أو تظهر عضوياً على يد منظر يعمل خارج المؤسسة. وبرأي هؤلاء فإن أي مراجعة شاملة للمصادر الغربية المفتوحة حول الاستراتيجية العسكرية والعقيدة تفشل في تحديد أي صياغة متماسكة لما يُسمى بحرب الإنهاك. أي إنه لا توجد مؤسسة عسكرية غربية تمتلك استراتيجية واضحة للإنهاك، أو مفهوماً عملياً قائماً عليه، أو إطاراً عقائدياً يعالج تكتيكاته المرتبطة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أقرب ما يمكن أن تجده في عقيدة الجيش الأميركي يشير إلى التكتيكات ذات الطابع الإنهاكي هي العملية الشاملة التي تهدف إلى تفكيك أو تدمير العدو عبر الجمع بين النيران والحركة. تُستخدم هذه الهجمات لعزل العدو ومنعه من المناورة، مما يجعله عرضة للتطويق أو التدمير. ويستنتج منظرون عسكريون بأن مصطلح "الإنهاك" لا يشير إلى شكل أو نمط من أنماط الحرب، بل إلى بيئة يكون فيها التدمير البطيء هو الوسيلة المتبعة. وعند آخرين هو العكس تماماً أي إن الإنهاك في الحرب هي صفة تُستخدم لتوصيف صراعات أو معارك أو عمليات يكون فيها القتال قائماً على التدمير بدرجة عالية، ويكون أحد الطرفين يوجه خسائر فادحة للطرف الآخر.
ويختم المقدم المتقاعد آموس سي فوكس بحثه حول نوعي الحرب باعتبار الإنهاك توصيف يستخدم لإضفاء معنى على الاشتباكات والمعارك والحملات والعمليات والحروب التي يكون فيها الضرر مرتفعاً لطرف بخسائر أقل للطرف الآخر. وهنا يفتقر الإنهاك إلى بنية معرفية متماسكة ومجموعة تطبيقات عملية مقبولة تسمح باعتباره شكلاً من أشكال الحرب.
ويقول إنه يجب استبدال مصطلح إنهاك إلى مصطلح "الحرب بالتدمير الموجه وفي مثل هذا النوع من الحروب، وفي بعض الحالات يكون مجرد التهديد بتدمير جيش العدو، يرسل الإشارة إلى صانعي القرار المعادين للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
الحسم هو السعي إلى تحقيق نصر سريع وحاسم عبر ضربة واحدة أو حملة محدودة زمنياً، تقضي على قدرات العدو أو تجعله يرضخ سياسياً. هذا النمط يرتبط بنظرية كارل فون كلاوزفيتز في كتابه "عن الحرب"، حين قال إن الغاية من الحرب "إجبار الخصم على تنفيذ إرادتنا"، وعد أن أفضل وسيلة لتحقيق هذا هي تدمير مركز ثقله أما الإنهاك فهو أسلوب يستهدف استنزاف العدو تدريجاً، ليس من خلال تدمير قواته فوراً، بل من خلال إنهاك موارده ومعنوياته وقدرته على التحمل، حتى يصل إلى لحظة الانهيار أو التراجع. الباحث العسكري البريطاني روبرت سميث في كتابه "فائدة القوة" يصف هذا الأسلوب بأنه الأكثر شيوعاً في الحروب الحديثة التي يصعب فيها تحديد نصر نهائي.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"سفر برلك" يطرح سؤال الأقليات في الشرق الأوسط
"سفر برلك" يطرح سؤال الأقليات في الشرق الأوسط

Independent عربية

timeمنذ 12 ساعات

  • Independent عربية

"سفر برلك" يطرح سؤال الأقليات في الشرق الأوسط

يحيل عنوان "سفر برلك" إلى الفرمان أو القرار الذي اتخذه السلطان عبدالحميد الثاني، في العقد الأول من القرن الـ20، القاضي بترحيل الأقليات الدينية، بعد فشل دمجها في القومية التركية، مما ترتب عليه ممارسات غير إنسانية لا تزال تحفر في الذاكرة الجماعية للمنتمين إلى هذه الأقليات، ولعل معرفة هذه الممارسات هي الخطوة الأولى في مسيرة الـ1000 ميل للشفاء من تداعياتها القاسية والتصالح مع مرتكبيها. يتناول "سفر برلك" أحوال أربع من الأقليات القومية والدينية في ظل الحكم العثماني لبلاد ما بين النهرين وتلك المجاورة لها، وهي الأرمن والكلدان والآشوريون والسريان. ويرصد الممارسات غير الإنسانية الواقعة عليهم، والاضطهاد الذي تعرضوا له، والمجازر المرتكبة بحقهم، والنتائج الخطرة المترتبة على ذلك كله، من تهجير داخلي، وهجرة خارجية، ونقص عددي، وتغيير ديموغرافي، ومحو حضاري، خلال الحرب العالمية الأولى. وهو يفعل ذلك مستنداً إلى المصادر المترجمة والوثائق العثمانية والشهادات الكتابية والشفهية والمقابلات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية، وغيرها، في محاولة منه لرسم صورة حقيقية لما حدث في تلك المرحلة التاريخية التي لا تزال ترخي بتداعياتها على الحاضر والمستقبل. الكتاب التاريخي (المؤسسة العربية) في إطار سعيه لتحقيق هذه المحاولة، يصدر بيداويد كتابه بأربع رسائل لأربعة رجال دين يمثلون الأقليات المذكورة تشيد بالكاتب والمكتوب، ويضعه في مقدمة وخمسة فصول وأربعة ملاحق. ويذيله بمصادر البحث. أما المقدمة فيعزو فيها الاهتمام العام بهذه القضية، على رغم مرور قرن كامل على حصولها، إلى عدم اندمال الجراح الناجمة عنها، واهتمام المؤرخين بها، والتحولات المحلية والدولية. ويعزو اهتمامه الخاص بها إلى تحدره من هذه الأقليات وشعوره بالمسؤولية الأخلاقية أمام الأجداد. ويبين المصادر المعتمدة في تأليف الكتاب والهدف من وضعه ومحتوياته ومحاور اهتمامه. وأما الفصول الخمسة فيفرد أولها لأحوال المسيحيين عامة في ظل الصفويين والعثمانيين، ويخصص الأربعة الأخرى للأقليات الأربع التي يتناولها بوتيرة فصل لكل أقلية. على أن هذا التخصيص لا يحول دون التداخل بين الفصول، فتجتمع عدة أقليات في الفصل الواحد. مع الإشارة إلى أنها جميعاً تتعدى الإطار الزمني المحدد في العنوان الفرعي بالحرب العالمية الأولى، وتتناول محطات موغلة في القدم من تاريخ كل من الأقليات المدروسة. وإذا كان اللون الأسود يطغى على تلك المحطات، فإن الوقائع المسرودة لا تخلو من نقاط بيض تطل بين محطة وأخرى، من قبيل عهود مضروبة أو وثائق مكتوبة أو تشريعات مسنونة أو مبادرات إنسانية أو مواقف شجاعة، لكنها، على أهميتها، لا تفلح في التخفيف من السواد الطاغي على الصورة المرسومة. حملات عسكرية القطار العثماني ينقل الشبان العرب الى القتال (مواقع التواصل) يرصد بيداويد في كتابه الحملات العسكرية على المسيحيين، خلال القرون الستة الأخيرة من حكم الإمبراطورية العثمانية، والنتائج المدمرة التي ترتبت عليها، وهي حملات متعددة الجهات، ولم يقتصر بعضها على المسيحيين وحدهم مما يعني أن الدوافع إلى شنها ليس بالضرورة أن تكون دينية، كما يلمح الكاتب ويصرح، بل ثمة دوافع قومية وسياسية أيضاً، بدليل أن ألمانيا المسيحية وقفت في صف الأتراك المسلمين ضد الأرمن المسيحيين في بعضها. وهو ما نتلمسه في الفصل الأول من الكتاب، من خلال الوقائع الآتية: ـ في القرن الـ15، قام تيمور لنك المغولي، غير العثماني، بتجريد حملتين على الموصل وبغداد، عامي 1393 و1400، مما أدى إلى تشتيت سكانهما في كل اتجاه. ـ في القرنين الـ16 والـ17، وبالتحديد في عامي 1507 و1508، شن الشاه إسماعيل الصفوي حملات على بغداد، ذبح خلالها نصارى المدينة، وهدم قبور أئمة السنة، وذبح جماعة من علمائهم. وفي عام 1514، تعرض المسيحيون لمظالم شتى على يد سليم ياووز. وفي عام 1570، أمر السلطان سليم الثاني بفتح قبرص، وقتل كثيراً من الموارنة. ـ في القرن الـ18، جرد القائد الفارسي نادر شاه حملتين على بغداد والموصل وسهل نينوى، عامي 1732 و1743، ترتبت عليهما عواقب وخيمة. ـ في القرن الـ19، شن الأمراء الأكراد ميركور عام 1833، وإسماعيل باشا عام 1842، وبدرخان الأول عامي 1843 و1846، وعبيد الله النهري عامي 1894 و1895 حملات على المسيحيين والأرمن، بتحريض من الأتراك، كانت لها تداعيات خطرة على الوجود المسيحي. أما التشريعات التي سنها عبدالمجيد الأول 1839، وعبدالمجيد الثاني 1839، ومدحت باشا 1870، لضمان حقوق جميع الرعايا، فلم يكن لها أثر كبير على مجرى الأحداث. أحوال أقلية وإذا كان بيداويد يعمم في فصله الأول بحيث يرصد أحوال عامة المسيحيين، فإنه يخصص في الفصول الأربعة التالية بحيث يرصد في الفصل الواحد أحوال أقلية واحدة. من هنا، نراه، في الفصل الثاني، يتناول ما تعرض له الأرمن في ظل الإمبراطورية العثمانية، على خلفية مساندتهم الروس في الحرب الروسية- العثمانية 1877- 1878، مما جعل السلطان عبدالحميد الثاني يستخدم الأكراد للقضاء عليهم، ويؤسس ميليشيات الفرسان الحميدية من القبائل الكردية للقيام بهذه المهمة، حتى إذا ما نظموا تظاهرة كبيرة في إسطنبول احتجاجاً على ممارسات هذه الميليشيات، شكلت التظاهرة شرارة المذابح التي ارتكبت بحقهم بين عامي 1909 و1918. وصدر قرار سفر برلك القاضي بترحيلهم القسري. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن دوافع القرار كانت سياسية أكثر منها دينية. ولعل ما يدعم هذه الإشارة أن بين الوزراء الذين يتم تحميلهم مسؤولية ما حل بالأرمن من إبادة وتهجير سليمان البستاني المسيحي اللبناني، وأوسكان أفندي الأرمني الأصل. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وعلى قتامة الصورة التي يرسمها المؤلف لأحوال الأرمن في هذه المرحلة، فإنه لم تفته الإشارة إلى مبادرات شجاعة لشخصيات كردية وتركية وقفت ضد المذابح، ورفضت تنفيذ التعليمات الصادرة لها، ومنها: مفتي ولاية أنقرة، مظهر بك واليها السابق، تحسين بك والي وان، منير بك والي أرضروم، الشيخ عثمان حفيد بدرخان بك، شمدين محمد آغا والي زاخو، الصحافي مولان زادة رفعت، بعض الجنود الأتراك، وبعض الأكراد القزلباشيين. والمؤسف أن ما تمنع عن القيام به هؤلاء الشجعان انبرى للقيام به آخرون. مصائر مشتركة الأقلية الثانية التي عانت من سفربرلك، وارتكبت في حقها المذابح هي الكلدان، فيلقي الكاتب الضوء، في الفصل الثالث، على تاريخهم القديم، وأهم القبائل والممالك الكلدانية قبل تأسيس إمبراطوريتهم، وأشهر ملوكهم، ولغتهم، واعتناقهم المسيحية، وكنيستهم، من جهة. ويتناول أوضاعهم تحت الحكم العثماني، والمذابح التي تعرضوا لها في الأبرشيات المختلفة، وأبرز شهدائهم من رجال الدين، من جهة ثانية. وهو ما يقوم به مع الأقلية الثالثة، الآشوريين، في الفصل الرابع، فيتناولهم في تاريخهم القديم، ويرصد عودتهم إلى المسرح السياسي في القرن الـ19، مع يقظة القوميات في الغرب، بعد انقطاعهم عنه منذ القضاء على دولتهم في عام 538 ق. م. على يد قورش الفارسي. ويقارن بين وضعهم قبل سفر برلك وبعده، ويتوقف عند علاقاتهم بإيران وروسيا وإنجلترا، وأسباب فشلهم في الحصول على حقوقهم رغم التضحيات الكبيرة التي قدموها على هذا المذبح. أما الأقلية الرابعة والأخيرة فهم السريان الذين يفرد لهم الكاتب الفصل الخامس من كتابه، ويتناول فيه أصولهم التاريخية، وأشهر مدارسهم الفكرية، ووضعهم في العهد العثماني، والاضطهادات التي تعرضوا لها، والخسائر التي تكبدوها، ودور الكنيسة في الحد منها. على أنه لا بد من الإشارة، في هذا السياق، إلى أن ما يجمع بين الأقليات الأربع هو وجودها في الحيز الجغرافي نفسه، واشتراكها في اللحظة التاريخية نفسها، وتعرضها لأنواع الاضطهاد على الأيدي ذاتها. أما ما يفرق بينها فهو درجات الاضطهاد وعدد الضحايا وحجم التضحيات. بذل المؤرخ جهداً كبيراً في جمع المادة التاريخية من مصادرها، على قلتها، منطلقاً من شعوره بالمسؤولية إزاء الأجداد، وإحساسه بالواجب الأخلاقي بعد اطلاعه على مدونات تلك المرحلة، ورغبته في تقديم صورة عن حقيقة ما حصل، واضحة للأبناء والأحفاد، وهي منطلقات مبررة ومشروعة.

الكرد والكابوس الإقليمي
الكرد والكابوس الإقليمي

Independent عربية

timeمنذ يوم واحد

  • Independent عربية

الكرد والكابوس الإقليمي

بدأ حلم الأكراد بقيام دولة كردية مستقلة لهم مع نهايات القرن الـ19 تزامناً مع ضعف الدولة العثمانية وبدايات التكوينات القومية العربية والتركية والفارسية، حيث يوجد الأكراد في العراق وسوريا وإيران وتركيا ويبلغ مجموعهم نحو 40 مليون نسمة، لكن حلمهم بقيام الدولة المستقلة تلاشى مع تلاشي دولة عربستان وإمارة بني كعب والشيخ خزعل عامي 1920 و1925، ومع تلاشي أحلام الشريف حسين بعد الحرب العالمية الأولى بحكم الدولة العربية الموحدة. وبقي الحلم بقيام دولة كردية مستقلة ملازماً للوعي الكردي طوال هذه العقود، وقد أخذ صوراً من المطالبات المسلحة والسلمية خلال الوقت نفسه. ولعل أقرب كيان شبه مستقل لهم اليوم هو كردستان العراق الذي يعد دولة مستقلة من دون إعلان الاستقلال. وتضم إيران نحو 5 ملايين كردي، مثلهم بسوريا ونصف الأكراد تقريباً (20 مليوناً) يعيشون في تركيا. وأية حركة تطالب بالانفصال أو بالحقوق القومية الكردية بإيران اليوم تواجه بالقمع الشديد، وكذلك كانت الحال في تركيا والعراق أيام صدام حسين وحكم "البعث". وكانت الأمور أهدأ بالنسبة إليهم في سوريا نسبياً، لكنهم اليوم يوجدون في شرق سوريا بإدارة محلية ذاتية باسم "قوات سوريا الديمقراطية" واختصارها "قسد". وقعت "قسد" مع الحكومة السورية الجديدة بعد سقوط نظام بشار الأسد اتفاقاً خلال مارس (آذار) الماضي، وخطوطه العريضة تعلن الاندماج بالدولة السورية، وهو الاتفاق الذي يرى كثر أنه مهد للإعلان الذي أعلنه زعيم ومؤسس حزب "العمال الكردستاني" عبدالله أوجلان بإلقاء السلاح والتخلي عن الكفاح المسلح لتحقيق الحلم الكردي بإقامة دولة مستقلة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) أوجلان -المعروف لدى الأكراد باسم عبدالله أبو- هو مؤسس حزب العمال عام 1978، وحصد كفاحه المسلح مقتل أكثر من 40 ألف من الأتراك والأكراد وسبب صداعاً مزمناً للدولة التركية التي رأت بخطر الأكراد خطراً وجودياً على الجمهورية التركية نفسها. وعليه، فقد هددوا الرئيس السوري حافظ الأسد بالحرب ما لم يقم بتسليم عبدالله أوجلان الموجود بالبقاع في لبنان، الذي كان تحت السيطرة السورية الكاملة طوال الثمانينيات والتسعينيات الماضية. طرد الأسد أوجلان تجنباً للحرب مع تركيا عام 1998، واعتقل خلال فبراير (شباط) 1999 جراء عملية استخباراتية بكينيا، قيل إن الموساد والـ"سي آي أي" ساعدوا في تنفيذها لمصلحة قوات تركية خاصة اختطفته من كينيا إلى تركيا، واعتقل في جزيرة لا يزال مسجوناً بها منذ 26 عاماً. بإعلانه إنهاء الكفاح المسلح بتسجيل مصور بدا به متكرشاً ومتقدماً في العمر كثيراً، أعلن عبدالله أوجلان انتصار كفاح شعبه وأن الوقت حان لقطف ثمار هذا الانتصار "العظيم" سلمياً، ومن خلال الكفاح الديمقراطي السلمي داخل الدولة التركية. وبدوره، ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطاباً السبت الماضي أعلن فيه انتصاراً عظيماً على الإرهاب، ودخول المنطقة مرحلة تاريخية جديدة يتعايش فيها الترك والكرد والعرب ويعيدون أمجاد المسلمين الأوائل، كرر أردوغان تحالف الترك والعرب والكرد من أجل مستقبل المنطقة ولم يأت بخطابه على ذكر إيران أو الفرس! بإعلان الأكراد نهاية الكفاح المسلح وتسليم أسلحتهم، يكونون فتحوا الباب على ملفات واستحقاقات جديدة، كيف سيتعامل العراق مع الاحتلال التركي لشمال أراضيه؟ هل سيشكل لجنة برلمانية تطالب حكومة العراق بالتفاوض مع الأتراك لانسحابهم من الأراضي العراقية التي احتلوها بحجة محاربة "الإرهاب" الكردي العمالي؟ وماذا عن الوجود العسكري التركي في شمال سوريا الذي كانت ذريعته مشابهة لذريعة الاحتلال التركي لشمال العراق؟ هل ستتغاضى عنه الحكومة السورية الجديدة كاستحقاق لدور تركيا الرائد بدعمها وإسقاط نظام بشار الهارب؟ وماذا عن ملف الأكراد بكرمنشاه-إيران؟ هل سيكتفي أكراد إيران بالتوافق التركي-الكردي الجديد ولو على حسابهم؟ هل يدخل تسليم السلاح الكردي ضمن ترتيبات جغرا-سياسية لمنطقة الهلال الخصيب وشمال العراق والشام؟ وما الدور السوري الجديد مقابل اتفاق "فك اشتباك" جديد مع إسرائيل؟ وهل كان حديث المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا بضم لبنان لها "بالون" اختبار؟ أم تهديد للبنان للتخلص من "حزب الله"؟ وأين موقع إيران الجريحة التي خسرت لبنان والشام وتراجعت في العراق وضُربت هيبتها في الداخل بالعدوان الإسرائيلي والقصف الأميركي لمفاعلاتها النووية؟ أين موقعها من الترتيبات الجديدة داخل العراق والشام؟ تساؤلات تحتاج إلى مقالات وندوات ومتابعة للتطورات، فالقادم للمنطقة يشير إلى تغيرات جيو-سياسية هائلة وربما خرائط سياسية جديدة، لكن أهم التساؤلات حول هذه التطورات هو أين المشروع العربي من كل ما يجري؟ وهل هناك مشروع عربي أصلاً؟ وقد تكون محاولة الإجابة عن هذا التساؤل محوراً لمقال قادم.

الضربة الحاسمة أم حروب الإنهاك؟
الضربة الحاسمة أم حروب الإنهاك؟

Independent عربية

timeمنذ 2 أيام

  • Independent عربية

الضربة الحاسمة أم حروب الإنهاك؟

تلجأ الجيوش المنظمة إلى حروب الإنهاك العسكري حين يكون خيار الحسم السريع للحرب متعذراً. والإنهاك يعني إطالة أمد الحرب على نار هادئة عبر العقوبات والحصار الاقتصادي وربما الحصار العسكري أيضاً، وقد اتبعت جيوش الزمن القديم هذه الطريقة لدفع العدو إلى الاستسلام خصوصاً إذا ما كان محصناً جيداً ومهيئاً لحرب طويلة، فيكون حصاره من كل المنافذ. في عام 332 قبل الميلاد، وقف الإسكندر المقدوني وخلفه جيشه الهائل على الشاطئ يتأمل مدينة صور قلعة الفينيقيين صامدة في البحر كجزيرة حصينة لا تطالها السهام. لم يملك أسطولاً ضخماً، لكنه كان يملك الوقت والصبر والمثابرة. فأمر جنوده ببناء جسر ضخم يصل البر بالجزيرة، مستعيناً بأنقاض المدن المحيطة. استمر الحصار سبعة أشهر حتى انهارت أسوار صور أخيراً، فدخلها المقدوني. كانت هذه الحرب من أشرس حروب الإنهاك في ذلك الزمن. أي إنهاك صور المحاصرة، وإنهاك جيش المقدوني أثناء بنائه الجسر. أما سقوط بابل فجرى بالحسم ولم يكن هناك حاجة للإسكندر المقدوني بأن يمارس حرب الإنهاك، فبعد معركة غوغميلا تحطم قلب جيش داريوس الفارسي، فقررت بابل ألا تقاتل. كانت الحرب الحاسمة بضرب كل مقدرات العدو عبر هزيمة جيشه. في 1453، قرر محمد الفاتح ولا يزال شاباً حسم المعركة مع بيزنطة التي قاومت الغزاة لأكثر من 1000 عام، والتي صمدت أمام الفرس والعرب والمغول، والمنهكة اقتصادياً تمزقها الخلافات الدينية تمزقها من داخلها. ولكن رغم عديد جيش الفاتح بأكثر من 100 ألف جندي، ومدافعه الضخمة اضطر إلى حصار المدينة براً وبحراً وبعد 53 يوماً من القصف انهار جزء من السور، فدخل الجنود كالطوفان. أما نهايات الإمبراطورية الثمانية أوائل القرن الـ20 فلم تأت نهايتها بضربة واحدة، بل عبر استراتيجية إنهاك محكمة توجت بالثورة العربية الكبرى في عام 1916 التي دعمها البريطانيون لضرب خطوط الإمداد العثمانية، ثم في مرحلة ثانية عبر اتفاق سايكس بيكو في العام نفسه التي قسمت السلطنة قبل إعلان سقوطها النهائي. وفوق الإنهاك المالي والاقتصادي بواسطة الديون الأوروبية قدم الأوروبيون الدعم للحركات القومية في البلقان، وأطلقوا حصاراً اقتصادياً ودعم تمرد الأرمن وتفكيك الجيش بواسطة الحركات القومية التركية التي طمحت إلى بناء تركيا حديثة شبيهة بأوروبا. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى كانت السلطنة قد ماتت ببطء، وبلا ضجيج عبر الإنهاك المدروس والمؤثر. حروب القرن الـ21 في حروب القرن الـ21 جرى اتباع طريقتي الحرب على السواء، أي الإنهاك الممتد والحسم العسكري السريع والمباشر. ولكن اختيار أي من النوعين في الحروب يتطلب ظروفاً معينة ويرتبط بالأهداف الاستراتيجية للحرب. هذا مع العلم أن حروب الإنهاك ليست أسلوباً مستقلاً بذاته، وليس له عقيدة رسمية أو استراتيجية ذات هيكلية في الجيوش، بل هو وصف لحالة الصراع بين جيشين متحاربين كوسيلة لدرء الحرب المباشرة والحد من الضحايا والخسائر لدى الطرفين. منذ الثمانينيات، شاع في الفكر العسكري الغربي أن الحسم العسكري هو أسلوب متخلف مقابل أسلوب المناورة والاختراق الذكي، وكما كتب المقدم المتقاعد آموس سي فوكس من الجيش الأميركي في مجلة المراجعة العسكرية عدد عام 2024، فإن الحسم العسكري أكثر تفضيلاً للجيوش ولكنه غير ممكن دوماً لأسباب كثيرة منها التضاريس وحجم العدو وقوته، وتوقيت الحرب والموارد وأنواع الأسلحة المستخدمة في الحرب. وبحسب هذه المؤشرات وغيرها من المؤشرات السياسية والدولية والهدف العام من الحرب تختار الدول أنواع الحروب التي تخوضها وبعضها يقوم على الإنهاك عبر حرب مديدة تقوم أولاً على الحصار الاقتصادي والعسكري والحرب الإعلامية والنفسية وغيرها، وإما تقوم على الحسم المباشر، لأن التاخير في إسقاط العدو قد يؤدي إلى مزيد من الضرر. وبرأي المقدم فوكس فإن الهدف من حروب الإنهاك هو إيقاع خسائر كبيرة بالعدو من دون أن تخسر مثلها، وهذا يجري بالتفوق بالموقع والموارد والقرار. وبرأيه فإن معظم الحروب عبر التاريخ لم تُحسم بضربة واحدة، بل عبر دفع العدو إلى التآكل بشكل مستمر لقوى العدو، كما فعل نابليون في حروبه الكثيرة وكذلك وسوفييت ستالينغراد، وكما فعلت الولايات المتحدة ولا تزال في استخدام الإنهاك في معاركها حول العالم والتي لم تتوقف منذ نهاية الحرب العالمية الأولى. ويقدم المحارب القديم في الجيش الأميركي والبرفيسور في الكليات العسكرية الأميركية اليوم أمثلة على معارك الحسم التي لم يكن الإنهاك ليؤدي إلى نتيجة فيها، ومنها معركة الموصل بين عامي 2016 و2017 التي كانت حرب تدمير موقعية كلاسيكية، حيث لم يكن ممكناً الهرب من الاشتباك المباشر، وكذلك معركة الرمادي في عام 2015 التي سميت معارك التدمير التدريجي للعدو، التي لا تقع فيها مناورات بل يجري سحق العدو بطريقة منهجية. أما في الحرب الأوكرانية فقد لجأت روسيا في معارك باخموت وماريوبول بين عامي 2022 و2023 إلى التخفيف من خسائرها بالاعتماد على الميليشيات مثل "فاغنر" كأدوات إنهاك خصوصاً أن الحسم المباشر للمعارك لم يكن ممكناً بسبب الدعم الغربي الهائل لأوكرانيا بالسلاح. ويدعو البرفسور فوكس إلى تجاوز النزعة الرومانسية للحسم السريع، والاعتراف بأن الإنهاك هو وسيلة ضرورية ومشروعة في أي حرب هدفها التقليل من الخسائر الجانبية. الحروب لا تُربح دوماً بالحركة السريعة، بل غالباً ما تُربح بالثبات والتدمير المدروس والنَفس الطويل، وبرأيه فإنه من واجب الجيوش اليوم أن تستثمر في هذا الفهم الجديد للحرب، لا أن تهرب منه. الإنهاك شكل من أشكال الحرب؟ يعترض منظرون عسكريون كثر على كون الإنهاك شكل من أشكال الحرب لأنه في السياق العسكري فإن إعطاء أي حرب تعريفاً معيناً يفترض وجود بنية معرفية متماسكة ومجموعة من العمليات والتكتيكات المرتبطة بها. هذه الأفكار أي المعرفة والعمليات والتكتيكات قد تتطور مؤسسياً داخل جيش نظامي، أو تظهر عضوياً على يد منظر يعمل خارج المؤسسة. وبرأي هؤلاء فإن أي مراجعة شاملة للمصادر الغربية المفتوحة حول الاستراتيجية العسكرية والعقيدة تفشل في تحديد أي صياغة متماسكة لما يُسمى بحرب الإنهاك. أي إنه لا توجد مؤسسة عسكرية غربية تمتلك استراتيجية واضحة للإنهاك، أو مفهوماً عملياً قائماً عليه، أو إطاراً عقائدياً يعالج تكتيكاته المرتبطة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) أقرب ما يمكن أن تجده في عقيدة الجيش الأميركي يشير إلى التكتيكات ذات الطابع الإنهاكي هي العملية الشاملة التي تهدف إلى تفكيك أو تدمير العدو عبر الجمع بين النيران والحركة. تُستخدم هذه الهجمات لعزل العدو ومنعه من المناورة، مما يجعله عرضة للتطويق أو التدمير. ويستنتج منظرون عسكريون بأن مصطلح "الإنهاك" لا يشير إلى شكل أو نمط من أنماط الحرب، بل إلى بيئة يكون فيها التدمير البطيء هو الوسيلة المتبعة. وعند آخرين هو العكس تماماً أي إن الإنهاك في الحرب هي صفة تُستخدم لتوصيف صراعات أو معارك أو عمليات يكون فيها القتال قائماً على التدمير بدرجة عالية، ويكون أحد الطرفين يوجه خسائر فادحة للطرف الآخر. ويختم المقدم المتقاعد آموس سي فوكس بحثه حول نوعي الحرب باعتبار الإنهاك توصيف يستخدم لإضفاء معنى على الاشتباكات والمعارك والحملات والعمليات والحروب التي يكون فيها الضرر مرتفعاً لطرف بخسائر أقل للطرف الآخر. وهنا يفتقر الإنهاك إلى بنية معرفية متماسكة ومجموعة تطبيقات عملية مقبولة تسمح باعتباره شكلاً من أشكال الحرب. ويقول إنه يجب استبدال مصطلح إنهاك إلى مصطلح "الحرب بالتدمير الموجه وفي مثل هذا النوع من الحروب، وفي بعض الحالات يكون مجرد التهديد بتدمير جيش العدو، يرسل الإشارة إلى صانعي القرار المعادين للجلوس إلى طاولة المفاوضات. الحسم هو السعي إلى تحقيق نصر سريع وحاسم عبر ضربة واحدة أو حملة محدودة زمنياً، تقضي على قدرات العدو أو تجعله يرضخ سياسياً. هذا النمط يرتبط بنظرية كارل فون كلاوزفيتز في كتابه "عن الحرب"، حين قال إن الغاية من الحرب "إجبار الخصم على تنفيذ إرادتنا"، وعد أن أفضل وسيلة لتحقيق هذا هي تدمير مركز ثقله أما الإنهاك فهو أسلوب يستهدف استنزاف العدو تدريجاً، ليس من خلال تدمير قواته فوراً، بل من خلال إنهاك موارده ومعنوياته وقدرته على التحمل، حتى يصل إلى لحظة الانهيار أو التراجع. الباحث العسكري البريطاني روبرت سميث في كتابه "فائدة القوة" يصف هذا الأسلوب بأنه الأكثر شيوعاً في الحروب الحديثة التي يصعب فيها تحديد نصر نهائي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store