
مشاريع التخرج الجامعية.. فرصة وطنية ضائعة.. آن أوان استردادها
اضافة اعلان
مع اقتراب موسم مناقشات مشاريع التخرج في جامعاتنا الأردنية، تتكررت المشاهد ذاتها: عروض مبهرة، تصفيق، وطقوس احتفالية تسلط الضوء على إنجازات الطلبة في نهاية مشوارهم الأكاديمي. لكن خلف هذه المشاهد، يتبادر إلى الأذهان سؤال جوهري: ما مصير هذه المشاريع بعد انتهاء العرض؟ وهل هي فعلا مشاريع تنموية قابلة للاستثمار، أم مجرد متطلبات شكلية لا يتجاوز أثرها جدران القاعة؟يتخرج في جامعات الأردن سنويا أكثر من 70 ألف طالب وطالبة، ما يعني أننا أمام 70 ألف مشروع تخرج، و70 ألف فكرة، و70 ألف فرصة كامنة للتغيير. هذه المشاريع كان يفترض أن تشكل الخطوة الأولى نحو الواقع العملي، والجسر الذي يربط بين المعلومة النظرية والتطبيق الفعلي، بين الكتاب والميدان، بين جدران القاعات الأكاديمية وقضايا الوطن الحقيقية، وبين المراجع الجامعية وتحديات السوق والمجتمع، ومختبرا مفتوحا لتطبيق المعرفة وتطوير الحلول.وإذا اعتبرنا أن كل مشروع يتطلب على الأقل 50 ساعة من الجهد، فنحن أمام أكثر من 3.5 مليون ساعة عمل تهدر سنويا على مشاريع لا تجد طريقها إلى التطبيق أو التطوير. نحن لا نخسر فقط وقتا وموارد تعليمية، بل نفقد كنزا وطنيا من الإمكانات، كان من الممكن أن يتحول إلى ابتكارات، أو شركات ناشئة، أو حلول حقيقية لمشكلات نواجهها يوميا.في بلد يعاني من بطالة الخريجين، وفجوة بين التعليم واحتياجات السوق، لا يمكننا الاستمرار في التعامل مع مشاريع التخرج كأنها "نقطة نهاية". لقد آن الأوان أن نعيد تعريفها كـ"نقطة انطلاق" نحو دور فاعل في التنمية، لأن الحلول موجودة - في أفكار شبابنا، وفي عقول طلابنا، إذا ما وجهت وأتيحت لها المساحة. فالجيل الجديد من الطلبة يمتلك طاقات إبداعية هائلة، ويميل بطبيعته إلى التفكير خارج الصندوق. وإذا ما أحسن توجيهه وتوفير بيئة محفزة له، فإنه قادر على تقديم حلول غير تقليدية لتحديات معقدة. كل ما يحتاجونه هو رؤية واضحة، ومساحة حقيقية للتأثير.لكن ما يحدث اليوم يخالف هذه الغاية الأساسية. فقد تحولت مشاريع التخرج في كثير من الأحيان إلى محطة روتينية لا تلامس الواقع، ومجرد واجب أكاديمي ينجز لغرض التخرج. فبدلا من أن تكون مساحة للتحدي والإبداع وتقديم الحلول، أصبحت انعكاسا لثقافة تفضل التحصيل الشكلي على الإسهام العملي. يغيب عنها التناغم مع احتياجات السوق، وتقصى منها مشكلات المجتمع الحقيقية، ليتحول التركيز إلى الطقوس الاحتفالية والمجاملات التقديمية، على حساب جودة الفكرة وجدواها.نعم، هناك استثناءات ملهمة. مشاريع فردية تم توجيهها بذكاء، واستثمرت بشكل فعال، وتحولت إلى تطبيقات أو مبادرات ناجحة. لكن هذه النماذج، رغم أهميتها، تبقى محدودة وهامشية مقارنة بحجم الإمكانات المتاحة. وهذا التباين يفرض علينا سؤالا وطنيًا كبيرا: كيف يمكن أن ننتقل من حالة الهدر الجماعي إلى حالة الاستثمار الاستراتيجي؟كيف نعيد لمشاريع التخرج دورها الوطني؟الاستثمار المثمر في مشاريع التخرج كرافعة تنموية حقيقية، يحتاج لتبني رؤية متكاملة، تربط التعليم العالي بمسارات التنمية الوطنية، وتحول هذه المشاريع من نشاط أكاديمي إلى أداة إنتاج وحل. وفي ضوء رؤية التحديث الاقتصادي الأردني 2033، يصبح من الضروري إدماج هذه المشاريع ضمن منظومة وطنية تعزز الابتكار وتخدم القطاعات ذات الأولوية.مواءمة المشاريع مع احتياجات المجتمع والاقتصاد الوطني* إطلاق منصة وطنية سنوية للتحديات التي تواجهها القطاعات المختلفة بالشراكة مع مؤسسات القطاعين العام والخاص، لتحديد القضايا التي تتطلب حلولا ابتكارية.* مواءمة مخرجات المشاريع مع رؤية الأردن الاقتصادية 2033، عبر تصنيفها حسب مساهمتها في محاور الرؤية كالتكنولوجيا الخضراء، التحول الرقمي والصناعات الإبداعية.* ربط تقييم المشاريع بمدى مساهمتها في معالجة مشاكل واقعية في قطاعات مثل التعليم، الصحة، البيئة، الطاقة، الاقتصاد الرقمي، وريادة الأعمال.* تشجيع الجامعات على تبني نموذج "التوجيه بالطلب"، حيث تحدد موضوعات المشاريع استجابة لاحتياجات الجهات الوطنية والمجتمع.* تعزيز التكامل بين مشاريع التخرج والجهود الوطنية في بناء الجدارات والتشغيل، من خلال ربط مكونات المشروع ببرامج المهارات الوطنية، مثل التدريب العملي، ومهارات التفكير النقدي، وريادة الأعمال، لضمان تهيئة الخريج لدور منتج في الاقتصاد منذ اليوم الأول بعد التخرج.* الاستفادة من نماذج محلية ناجحة مثل، جامعة الحسين التقنية التي تربط المشاريع مباشرة بسوق العمل، والجامعة الألمانية الأردنية التي تطبق نظام التعلم من خلال المشاريع المرتبطة بالتحديات الصناعية، لتوسيع نطاق هذه التجارب ونقلها إلى جامعات أخرى.ترسيخ الجانب العملي كشرط أساسي في المشروع* اشتراط وجود نموذج تطبيقي أو دراسة ميدانية ضمن متطلبات التخرج، لضمان واقعية المشروع.* تنفيذ المشاريع داخل مؤسسات حقيقية من خلال شراكات مع البلديات، المستشفيات، الشركات، والمجتمع المدني.* منح الأولوية للمشاريع القابلة للتنفيذ في السوق، وتوفير حوافز لتطويرها إلى نماذج أعمال قابلة للنمو.* تعديل نماذج التقييم الجامعية لتشمل مؤشرات الأثر الاجتماعي والاقتصادي.بناء منظومة توجيه ثنائية.. أكاديمية وصناعية* دمج مشرفين من قطاعات الإنتاج والخدمات في عملية التوجيه، لضمان واقعية الفكرة وتطبيقها.* إطلاق "مسار التوجيه المهني" داخل الجامعات بالشراكة مع القطاع الخاص والهيئات المهنية.* الاستفادة من خريجين رياديين لتوجيه الطلبة وبناء جسور بين التجربة الأكاديمية وسوق العمل.تمويل وتبني المشاريع الواعدة* إنشاء صندوق وطني دائم لدعم مشاريع التخرج الابتكارية أو ربطها بفرص التمويل المتاحة في السوق، من خلال المشاريع التنموية ذات العلاقة.* تقديم منح احتضان وفرص تطوير تقني وتسويقي للمشاريع المتميزة، وربطها مباشرة بحاضنات الأعمال.* تنظيم معارض وطنية سنوية تعرض المشاريع التطبيقية، أمام الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمستثمرين.تعزيز التعاون بين التخصصات لإنتاج حلول شاملة* تشجيع مشاريع جماعية عابرة للتخصصات، لتعزيز التفكير المنظومي والقدرة على تقديم حلول متكاملة.* إنشاء مختبرات ابتكار متعددة التخصصات داخل الجامعات، لتطوير حلول فعلية للتحديات المجتمعية.* دمج التدريب على العمل التكاملي في المناهج، من خلال مساقات ومشاريع تخرج مشتركة.من الهدر إلى الريادةمشروع التخرج ليس مجرد نهاية أكاديمية، بل يمكن أن يكون بداية لرحلة تأثير. إننا أمام فرصة وطنية كبرى، قابلة للاسترداد إذا ما تم توجيه الجهود بشكل استراتيجي. 70 ألف مشروع تخرج سنويا تعني 70 ألف فرصة للابتكار، للتوظيف، للتنمية ولخدمة المجتمع.والأهم من ذلك، فإن ربط هذه المشاريع بجهود الدولة في بناء الجدارات وتشغيل الخريجين، يعزز جاهزية الشباب للدخول في دورة الإنتاج الوطني. مشاريع التخرج يجب أن تصبح مسارا مؤسسيا لتسريع انتقال الخريج من مقاعد الدراسة إلى ساحة العمل والابتكار.آن الأوان أن نتعامل مع مشاريع التخرج كذراع تنموية وطنية، وكمكون أساسي في تحقيق رؤية الأردن 2033. فالفرص لا تنتظر، والمجتمعات التي تحسن استثمار قدراتها هي التي تصنع مستقبلها.ولأننا نؤمن بإمكانات شبابنا، فإن الاستثمار في أفكارهم ومشاريعهم هو استثمار في مستقبل هذا الوطن. إنهم لا يفتقرون إلى الذكاء أو الجرأة أو الابتكار - بل إلى التوجيه، والثقة، والفرصة. وحين تتوفر هذه العناصر، فإن الجيل القادم ليس فقط جزءا من الحل.. بل هو من سيعيد رسم ملامحه.* المدير العام لمؤسسة الحسين للسرطان
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا نيوز
منذ 5 دقائق
- رؤيا نيوز
صدور نظام معدل لنظام الشهادات من مستوى شهادة الدراسة الثانوية العامة
صدر في الجريدة الرسمية اليوم الأربعاء، نظام معدل لنظام الشهادات من مستوى شهادة الدراسة الثانوية العامة رقم (39) لسنة 2025، وذلك بمقتضى المادة (31) من الدستور. ويهدف النظام المعدل إلى تنظيم معادلة الشهادات الصادرة من المدارس في خارج المملكة، وضبط الشروط والإجراءات المتعلقة بها، بما يضمن تحقيق العدالة والمصداقية في تقييم الشهادات الأجنبية ومعادلتها بشهادة الدراسة الثانوية العامة الأردنية. وبموجب التعديلات، أُعيد تشكيل لجنة معادلة الشهادات في وزارة التربية والتعليم برئاسة أحد الأمناء العامين، وعضوية عدد من المختصين، كما نص النظام على ضرورة تحقق اللجنة من إقامة الطالب لمدة لا تقل عن سنتين دراسيتين في بلد الدراسة قبل الحصول على الشهادة، إضافة إلى التأكد من أن الشهادة تؤهل حاملها للالتحاق بالجامعات الرسمية في الدولة التي صدرت عنها. وشدد النظام على التحقق من صحة المعلومات الواردة في الشهادات بالطرق الرسمية، والالتزام بالتعليمات التي يصدرها الوزير بشأن معادلة شهادات البرامج التعليمية الأجنبية، بما في ذلك شهادة البكالوريا الدولية، والثقافة العامة البريطانية، والدبلوما الثانوية الأميركية. كما نص على إجراء اختباري القدرات المعرفية والقدرات التحصيلية لحملة الشهادات غير المستوفين للشروط، وتحديد الإجراءات الخاصة بهذين الاختبارين بموجب تعليمات يصدرها الوزير. وأكد النظام ضرورة أن يقدم الطلبة ما يثبت إقامتهم مع أحد الوالدين أو من هو مكلف برعايتهم، أو الحصول على موافقة رسمية من الجهات الأردنية المختصة، كما حظر على مكاتب الخدمات الطلابية الترويج أو التسجيل للدراسة في مدارس خارج المملكة دون موافقات رسمية، تحت طائلة المساءلة القانونية. كما منح النظام الوزارة صلاحية إصدار وثيقة معادلة مؤقتة لحين التحقق من صحة الشهادة، مبينا أن الأحكام الجديدة تسري على الطلبة الذين يلتحقون بالدراسة بعد سريان النظام المعدل.


البوابة
منذ 17 دقائق
- البوابة
قصف إسرائيلي يستهدف قصر الرئاسة
شهدت ساحة الأمويين وسط دمشق، الأربعاء، انفجاراً ضخماً نتيجة ضربة إسرائيلية استهدفت قصر الرئاسة ومبنى رئاسة الأركان السورية، وفقاً للقناة 12 الإسرائيلية. وأكدت مصادر أمنية وجود قتلى وجرحى جراء الضربة التي طالت أيضاً وزارة الدفاع وقوات الأمن. جاء ذلك تزامناً مع إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بدء "هجمات مؤلمة" على سوريا.


رؤيا نيوز
منذ 2 ساعات
- رؤيا نيوز
وزير الداخلية يزور مركز حدود جابر ويوجه المعنيين إلى مراجعة رحلة المسافر
زار وزير الداخلية، مازن الفراية، اليوم مركز حدود جابر، وتفقد سير العمل في المركز ويراجع مع المعنيين رحلة المسافر سواء القادم أو المغادر. كما وجّــه الوزير الفرايه مسؤولي المركز، إلى ضرورة العمل على تقليل فترة مكوث المسافر داخـل المركز الحدودي، من خلال تحسين الخدمات اللوجستية المقدمة واختصار الاجراءات المتبعــة وتسريع تنفيذها، وسيتم في الفترة القريبة القادمة إجراء مداخلات محدودة في البنية التحتية للمركز؛ لتحقيق هذه الغايات.