logo
التناقضات القاتلة تربك بوصلة العرب والمسلمين

التناقضات القاتلة تربك بوصلة العرب والمسلمين

صحيفة الخليجمنذ 17 ساعات
حسن إبراهيم النعيمي*
في زمن تتسابق فيه الأمم نحو المستقبل، نجد العالم العربي والإسلامي غارقاً في سلسلة لا تنتهي من الصراعات والانقسامات. مشاهد الاحتقان الطائفي، والتجاذبات السياسية، والصراع على الزعامة، والتخوين المتبادل، تخفي خلفها أزمة أعمق وهي غياب الوعي بالتناقض الرئيسي الذي يحدد مسار الأمة ويقود مشروعها الحضاري.
فالأمم لا تنهض عشوائياً، بل حين تدرك بوضوح من هو عدوها الحقيقي؟ وما هو هدفها المركزي؟ وما هي التناقضات التي يجب مواجهتها الآن، وتلك التي يجب تأجيلها؟ للأسف، نحن نفعل العكس تماماً.
التناقض الرئيسي.. المفهوم الغائب:
في الفكر السياسي هناك مبدأ محوري مفاده بأن كل واقع يحوي تناقضات متعددة، لكنّ واحداً منها فقط يكون هو التناقض الرئيسي في لحظة تاريخية معينة. تحديد هذا التناقض هو ما يوجه الجهد، ويوحد الصفوف، ويؤسس للتحالفات المرحلية الذكية.
لكن في عالمنا العربي والإسلامي، تغيب هذه البوصلة. فبدل أن نحدد التناقض الرئيسي بوضوح – كالتخلف، أو التبعية، أو الاحتلال، أو الانهيار المؤسسي – نتوه في دوامة التناقضات الثانوية: صراعات طائفية، قومية، أيديولوجية، حزبية. وهكذا نستهلك أنفسنا في معارك جانبية، بينما يمر العدو الحقيقي من بين أقدامنا منتصراً.
لنتأمل التجربة الصينية بقيادة ماو تسي تونغ. في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين، كانت الصين ممزقة بين الاحتلال الياباني، والانقسام السياسي، والتفاوت الطبقي، ومع ذلك، أدرك ماو أن التناقض الرئيسي في تلك المرحلة هو الاستعمار الياباني، فجمّد الصراعات الداخلية، بل تحالف مرحلياً مع حزب الكومينتانغ الرجعي، رغم الخلاف الأيديولوجي، من أجل مواجهة العدو الأكبر.
وبعد طرد اليابان، أعاد تحديد التناقض الرئيسي وهو بناء الاشتراكية ومواجهة بقايا الإقطاع والرأسمالية. وهكذا، في كل مرحلة، كان يسأل: ما هو التناقض الرئيسي؟ ويعيد توجيه البوصلة الوطنية نحوه، بينما يؤجل أو يحتوي باقي التناقضات. والنتيجة؟ نهضة كاسحة، وتحول الصين من دولة منكوبة إلى قوة عالمية.
العرب والمسلمون.. معارك عبثية بلا بوصلة:
مقابل هذا النموذج الواعي، يقف الواقع العربي والإسلامي كمثال حي على ما يحدث عندما تضيع البوصلة:
* في العراق، بعد الاحتلال الأمريكي، بدل التوحد لمقاومة الاستعمار، غرق المجتمع في صراعات مذهبية وعرقية.
* في سوريا واليمن وليبيا، تم تحوير التناقضات الداخلية إلى حروب أهلية استنزفت الشعوب والدول.
* في فلسطين، بدلاً من مواجهة الاحتلال، انقسمت الفصائل وتحوّل التناقض بين الوطني والاحتلال إلى تناقض بين 'فتح' و'حماس'.
* في كل دولة عربية تقريباً، نرى قوى 'معارضة' و'سلطة' تتصارع على فتات نظام هش، بينما ينهار التعليم والصحة والسيادة الوطنية.
لقد أصبحنا نحارب بعضنا على من يملك مفاتيح السجن، لا على كسر أقفاله.
الصراعات المذهبية: وقود الانهيار المتواصل:
من أكثر التناقضات الثانوية التي تم تضخيمها وتسييسها بلا وعي هي الصراعات المذهبية بين السنة والشيعة، والسلفيين والأشاعرة، والصوفية وغيرهم.
تحولت هذه الاختلافات الفكرية – التي نشأت في سياقات علمية وتاريخية مختلفة – إلى مشاريع إقصاء متبادل، وإلى وقود للتكفير والاحتراب الأهلي، بل أصبحت ورقة بيد قوى خارجية تتلاعب بها حسب مصالحها.
* في لبنان والعراق والبحرين واليمن، تم تجييش الهويات المذهبية لصالح صراعات إقليمية أو داخلية.
* في مصر وتونس والمغرب وغيرها، تحولت الاختلافات العقدية بين التيارات الإسلامية إلى حروب منابر وفتاوى، بدلاً من أن تكون تنوعاً طبيعياً في مدرسة حضارية واحدة.
وهكذا، عوضاً عن بناء مشروع إسلامي جامع، انشغلنا بمعارك 'الفرقة الناجية' و'الطائفة المنصورة'، وكأن الانتصار العقدي سيعوض الهزيمة الحضارية.
المطلوب.. وعي استراتيجي بالتناقض، ليس المطلوب أن نلغي خلافاتنا. فالخلاف سنّة كونية. لكن المطلوب هو أن نعيد ترتيب أولويات الصراع، فنحدد بوضوح:
* ما هو التهديد الحقيقي لهذه الأمة؟
* ما هي المعركة التي يجب أن تُخاض الآن؟
* من هم الحلفاء المرحليون؟ ومن هم الخصوم الاستراتيجيون؟
* وما هو المشروع الحضاري الذي يمكن أن يجمعنا؟
هذه الأسئلة لا تزال معطلة، لأننا لا نمتلك جهازاً تفكيرياً استراتيجياً موحداً، بل نعيش في ردود فعل عاطفية أو حسابات آنية سطحية.
في الختام: إذا أراد العرب والمسلمون أن يخرجوا من حالة التيه والاحتقان والانقسام، فعليهم أن يبدؤوا من هذا السؤال البسيط والعميق: ما هو التناقض الرئيسي الآن؟
فمن غير هذا السؤال، سنظل نُهدر دماءنا وأموالنا وطاقاتنا في معارك عبثية لا تُنتج أمة، ولا تصنع حضارة، بل تُبقي علينا أدوات في يد من حدد تناقضه الرئيسي... وقرر أن نكون نحن أعداءه.
* مدير عام الأمن الجنائي السابق بوزارة الداخلية
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تحولات ترامب
تحولات ترامب

البيان

timeمنذ 40 دقائق

  • البيان

تحولات ترامب

اكتشفت أسباب عدم تمكن الرئيس الأمريكي من إنجاز وعوده، صدفة تشبه صدفة «فيثاغورس» وحوض الماء، أو صدفة «نيوتن» والتفاحة وقانون الجاذبية، وقلت أجرب نفسي، وأثبت حقي في هذا الاكتشاف، بعيداً عن سجلات «الملكية الفكرية» التي فتحت لاصطياد العلماء والمخترعين وأصحاب الإبداع الفكري والأدبي والعلمي، وتفريغ جيوبهم من الأموال المدفوعة خلال مراحل التسجيل، وفي النهاية لا تحمى تلك الملكية أمام القوانين المتضاربة والمتنافرة محلياً ودولياً، وتذكرت فوراً الواقعة المتداولة هذه الأيام حول «لوحات» تعب عليها أصحابها، وتلقفتها «فنانة» تمر بظروف صعبة، وحولتها وهي في عجلة من أمرها، وادعت بأنها من «بنات أفكارها»، وورطت معها من ورطت، وأساءت إلى تاريخ وحضارة وتميز في الفن والإبداع عرفت به «أم الدنيا»! أعرف بأنني «انحرفت بعيداً عن صلب الموضوع الذي أريد أن أتحدث عنه، والإنسان عندما يعرف يكون أفضل ممن لا يعرف، وأقصد هنا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو محل اكتشافنا الجديد، فهو من حسم موضوع «حل الدولتين» في لقائه مع نتانياهو بكلمتين من ستة أحرف، عندما رد على سؤال صحفي عن وعده السابق، فرد «لا أعرف»، وكأنه استعار قولاً فقهياً وطبقه سياسياً، «من قال لا أعرف فقد أفتى»، وأنهى بتلك الفتوى المتوارية خلف «التحولات الترامبية» قضية قرن من الزمان. وهنا توقفت، عند كلمة «تحولات» توقفت، حتى أنني لم أستطع أن أقلد من سبقني حتى لا أتهم بالسرقة الأدبية والفكرية، لم أصرخ بأعلى صوتي «وجدتها، وجدتها»، بل عدت إلى أرشيف الأخبار والأحداث منذ 20 يناير 2025 وحتى الآن، فوجدت أمامي كماً هائلاً للتحولات الناتجة عن زيارة أو مكالمة هاتفية، في مسائل مرتبطة بموت أو حياة، لدول ولأشخاص، ابتداء من إنهاء الحروب وإطفاء الأزمات، إلى الضرائب التي أشبعت «قرارات تنفيذية»، تفرض رسوماً ثم تجمد أو تؤجل، ثم يمدد التأجيل إلى تأجيل آخر، وغيرها من القضايا التي تحولت من حال إلى حال، وتحكمها ظروف المكان والزمان ونوع الحضور والمزاج، وما أدراكم ما هو المزاج!

"خلال أيام".. ويتكوف يلمّح إلى قرب الاتفاق على هدنة في غزة
"خلال أيام".. ويتكوف يلمّح إلى قرب الاتفاق على هدنة في غزة

سكاي نيوز عربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • سكاي نيوز عربية

"خلال أيام".. ويتكوف يلمّح إلى قرب الاتفاق على هدنة في غزة

ونقلت وكالة رويترز عن ويتكوف قوله إنه يأمل "التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار في غزة مع نهاية الأسبوع الجاري". وأضاف: "تم تقليص القضايا الخلافية بين حماس وإسرائيل من 4 إلى واحدة". وأوضح: "نعمل على تقليص الخلافات في مفاوضات غزة ومع الوقت يتحقق ذلك". وأكد ويتكوف: "نسعى لسلام دائم في غزة وما نسعى له هو حل النزاع بصورة حقيقية". يأتي حديث ويتكوف فيما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه سيلتقي في وقت لاحق الثلاثاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وسيكون اللقاء الثاني من نوعه في أقل من 24 ساعة، بعد اللقاء الأول الذي جمع بينهما في البيت الأبيض ، مساء الإثنين. وقال ترامب، الثلاثاء: "إنه (نتنياهو) آت إلى هنا (البيت الأبيض) في وقت لاحق. سنناقش، غزة بشكل شبه حصري. علينا أن نحلّ هذه المسألة".

مسؤولون: اختلاف في الرؤى بين ترامب ونتنياهو بشأن إيران وغزة
مسؤولون: اختلاف في الرؤى بين ترامب ونتنياهو بشأن إيران وغزة

سكاي نيوز عربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • سكاي نيوز عربية

مسؤولون: اختلاف في الرؤى بين ترامب ونتنياهو بشأن إيران وغزة

وأشاد الزعيمان، خلال لقائهما الإثنين، بنجاح الغارات التي استهدفت البنية التحتية النووية لإيران الشهر الماضي، وأكدا أنهما أعاقا برنامجا يقولان إنه كان يهدف إلى صنع قنبلة نووية. ويقول دبلوماسيان إنه مع تقييمات المخابرات التي تشير إلى أن إيران تحتفظ بمخزون مخبأ من اليورانيوم المخصب والقدرة التقنية على إعادة البناء، يدرك كل من ترامب ونتنياهو أن انتصارهما قصير المدى وليس انتصارا استراتيجيا. وأضاف الدبلوماسيان أن الخلاف بين الزعيمين يكمن في كيفية زيادة الضغط على إيران. ويقول ترامب إن أولويته هي الاعتماد على الدبلوماسية مع متابعة هدف محدود يتمثل في ضمان عدم صنع إيران لسلاح نووي. ونفت طهران دوما سعيها للحصول على سلاح نووي. ووفقا لمصدر مطلع على تفكير رئيس الوزراء الإسرائيلي، يريد نتنياهو في المقابل استخدام المزيد من القوة، وذلك لإجبار طهران على تقديم تنازلات جوهرية بشأن التخلي عن برنامج تخصيب اليورانيوم، الذي تعتبره إسرائيل تهديدا وجوديا، حتى لو أدى ذلك إلى انهيار الحكومة. ويعكس الانقسام حول إيران الوضع في قطاع غزة. ويدفع ترامب، الحريص على تصوير نفسه كصانع سلام عالمي، باتجاه وقف إطلاق نار جديد بين إسرائيل وحركة حماس، لكن معالم أي اتفاق بعد الحرب لا تزال غير محددة، والنهاية غير مؤكدة. ورغم تأييد نتنياهو العلني لمحادثات وقف إطلاق النار ، فإنه يصر على التزامه بالقضاء تماما على حماس. ويقول مسؤولان في الشرق الأوسط إن الفجوة بين التهدئة المؤقتة والحل الدائم لا تزال واسعة. وفيما يتعلق بإيران، قال الشخص المطلع على تفكير نتنياهو إن رئيس الوزراء أبدى استياءه من إحياء واشنطن للمحادثات النووية مع طهران والمتوقعة في النرويج هذا الأسبوع، وهي أول مبادرة دبلوماسية منذ الهجمات. ويعارض نتنياهو أي خطوة من شأنها أن تمنح السلطات الإيرانية شريان حياة اقتصاديا وسياسيا. وأوضح المصدر أن نتنياهو يريد تفكيك طهران الكامل لمنشآتها النووية والصاروخية تحت رقابة صارمة والتخلي عن تخصيب اليورانيوم على أراضيها حتى للأغراض المدنية. لكن دبلوماسيين قالا إن لترامب أهدافا مختلفة. فبعد ضربات يونيو، يرى ترامب فرصة للضغط على إيران لإبرام اتفاق وتحقيق إنجاز دبلوماسي هائل باستعادة العلاقات معها. وقال ترامب الإثنين إنه يرغب في رفع العقوبات المفروضة على إيران في وقت ما. وأبرز المصدر المطلع على تفكير نتنياهو أن الخطة البديلة بالنسبة لإسرائيل واضحة وهي سياسة متواصلة لإبقاء الأمور تحت السيطرة من خلال ضربات دورية لمنع أي عودة للأنشطة النووية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store