
ثلاث أمهات قطريات يحوّلن الألم إلى أمل ويؤسسن منصة "أهالي التوحد"
لم يكن تشخيص أبنائهن فقط هو ما جمع بينهن، بل كان الإحساس العميق بأن الوقت قد حان ليتحول هذا الألم إلى أمل، وهذه التجربة الفردية إلى قوة جماعية ومن ثم قررن في عام 2021، تأسيس كيانا ينطق باسم آلاف الأسر التي لديها أطفال من ذوي التوحد.
وبالفعل قامت الأمهات الثلاث بتأسيس منصة أهالي التوحد على موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام، وكانت مبادرة أهلية هي الأولى من نوعها في قطر، والتي تهدف لأن تكون مظلة للتوعية والدعم والتضامن.
أخذت الفكرة طابعا آخر على أرض الواقع، ومنذ أيام قليلة تم افتتاح مقر لمنصة "أهالي التوحد" في جزيرة اللؤلؤة بالدوحة، بحضور وزير التنمية الاجتماعية والأسرة القطرية بثينة بنت علي الجبر النعيمي.
ويعد هذا المقر الأول من نوعه في دولة قطر كـ"بيت مجتمعي للتوحد" معتمد من "المجلس الدولي للاعتماد ومعايير التعليم المستمر" (IBCCES)، المتخصصة في مجال التدريب والاعتماد لاضطرابات النمو العصبي وخاصة التوحد، ليشكل محطة نوعية في مسيرة دعم وتمكين الأفراد من ذوي اضطراب طيف التوحد وأسرهم، عبر توفير خدمات متخصصة وبيئة مجتمعية دامجة وآمنة.
قلة الوعي المجتمعي
وترى حمدة الهتمي أن افتتاح هذه المنظمة يعكس التزام الدولة بتحسين جودة حياة الأفراد من ذوي التوحد وأسرهم، عبر توفير بيئة آمنة وشاملة تشمل مساحات دعم أسري وورشا حسية وبرامج متخصصة تخدم مختلف الأعمار.
وأضافت، في تصريح للجزيرة نت، أن المنصة تأسست على يد 3 أمهات قطريات لديهن أبناء من ذوي التوحد، انطلاقا من معاناتهن الشخصية مع قلة الوعي المجتمعي في قطر حول اضطراب طيف التوحد، وندرة الأماكن الآمنة التي تسمح للأطفال ذوي التوحد باللعب والتفاعل الاجتماعي بحرية، دون أن يشعر الأهالي بالحرج أو القلق من نظرات المجتمع أو الأحكام المسبقة بسبب سلوكيات أطفالهم مثل الرفرفة أو الهمهمة أو تجنب التواصل البصري.
وانطلاقا من هذه الحاجة الملحة، جاءت فكرة المنصة، وفق ما قالت الهتمي، حيث بدأت الأمهات الثلاث تنظيم ورش توعوية للتعريف بالتوحد، كما قمن بزيارة المدارس والجامعات، بهدف نشر المعرفة وتغيير المفاهيم السائدة حول التوحد، ومن ثم اتجهن إلى تنظيم فعاليات حسية وحركية مخصصة لأطفال ذوي التوحد بمشاركة عائلاتهم، بهدف خلق بيئة محفزة وآمنة تجذب الأطفال وتمنحهم فرصًا للاندماج والمرح.
وحول ما الذي يميز المقر عن المبادرات الأخرى الداعمة لأسر ذوي اضطراب طيف التوحد، توضح الهتمي أن "ما يميزنا هو أننا ننطلق من واقع تجربة شخصية، ومن حاجة حقيقية نعيشها يوميًا كأمهات"، موضحة أن المقر ليس مجرد مساحة دعم، بل هو بيئة آمنة، خالية من الأحكام، مليئة بالحب والتقبل.
وقالت: "يتم تقديم جلسات فنية وتجارب حسية تدمج فرد التوحد مع أسرته، في نشاطات اجتماعية تطور مهارات التواصل بشكل غير مباشر وفي جو من الراحة والاحترام"، مشددة على أن الهدف هو أن تصل المنصة إلى كل بيت في قطر، وألا تشعر أي أسرة أن رحلتها مع التوحد تُخاض وحدها.
ومع مرور الوقت، بدأت منصة أهالي التوحد تكتسب ثقة أولياء الأمور، حيث ازداد عدد المشاركين والداعمين، وتم إطلاق ورش دعم نفسي وتربوي للأمهات كما اكتسبت الفكرة العديد من الشركاء والداعمين الذي آمنوا بها.
زيادة الأعداد
وتقول عائشة العماري، إحدى مؤسسات المنصة، إن "المقر هو صوت الأهالي ومن خلاله نستقبل الملاحظات، نبرز التحديات، ونتحرك لإيصالها للجهات المعنية"، موضحة أنه لا تتوفر إحصاءات رسمية حول أعداد ذوي التوحد في قطر ولكن من الملاحظ أن هناك تزايدا في أعداد التشخيصات، وهو ما يدفع للاستمرار في تقديم الدعم، خاصة للأسر التي تمر بتجربة التشخيص لأول مرة.
وأضافت، في تصريح للجزيرة نت، أن المقر يقدم جلسات دعم نفسي للأمهات والآباء، والأشقاء، إلى جانب ورش فنية وتجارب حسية تساعد على الدمج الأسري كما يتم الإعداد لتنظيم فعاليات توعوية تتزامن مع المناسبات الوطنية والاجتماعية لتعزيز الاندماج والمشاركة المجتمعية.
وأوضحت أن الهدف هو أن يكون المقر نقطة انطلاق للأهل لمساعدتهم في بناء شبكة دعم تشمل جميع الجوانب، فالمقر مفتوح لجميع الأسر في قطر، من مواطنين ومقيمين، دون استثناء.
وتتعاون منصة أهالي التوحد مع المدارس والمراكز والمؤسسات التي تسعى لتهيئة بيئتها لتكون صديقة للتوحد من خلال تقديم ورش عمل واستشارات والإشراف على تطوير بيئاتهم من خلال عدسة الأسرة والتجربة الواقعية.
أم خالد، إحدى أمهات ذوي التوحد تقول للجزيرة نت إنها بالفعل كانت تفتقد مثل هذا الدور الذي توفره المنصة والتي يمكنها أن توجهها إلى الجهة التي تعنى بابنها أو توفر له الخدمة اللازمة لتطويره والمساعدة في دمجه بأكبر قدر ممكن في المجتمع.
تفاعل مجتمعي واضح
وحول تفاعل المجتمع مع افتتاح المقر، تقول نورة العيدة، إحدى المؤسِّسات للمنصة: بدأنا بأنفسنا وأطفالنا فقط، ومع الوقت أصبحنا نتواصل ونقدّم الدعم لأكثر من 700 أسرة في قطر، والتفاعل كبير، والاحتياج واضح، وهذا ما يجعلنا أكثر التزامًا بمواصلة الطريق، فالرسالة التي نود إيصالها لأهالي ذوي التوحد هي "أنتم لستم وحدكم".
وأوضحت، في تصريح للجزيرة نت، "نتفاعل مباشرة من خلال قنوات المنصة مثل الواتساب والإنستغرام، ونقدّم خدمات توعوية واستشارات للمراكز التي تطلب تطوير بيئتها لتكون دامجة وأكثر تفهمًا لاحتياجات الأهل والأطفال"، مشيرة إلى أن هناك خطة لافتتاح فروع في مختلف مناطق الدولة لتكون المنصة قريبة من كل أسرة، وتصل بخدماتها لكل من يحتاجها.
برامج تدريبية ومهنية
ولا يقتصر الهدف من المنصة على التوعية والإرشاد وتهيئة بيئة الحياة فقط، بل يشمل أيضا التدريب والتطوير المهني، وهو ما تؤكده العيدة قائلة "بدأنا بالفعل تدريبات ببعض المبادرات الفردية، ونعمل مع جهات وشركات بهدف اكتشاف مهارات الأفراد من ذوي التوحد وتمكينهم في بيئات العمل، بما يتناسب مع قدراتهم".
وأكدت أن قطر قطعت شوطا كبيرا في الخدمات الأكاديمية والصحية، وهناك تطور واضح في الخدمات الاجتماعية، معبرة عن اعتقادها بأن رفع الوعي المجتمعي هو المفتاح الأساسي لاستكمال هذا التقدم، وأنه من هذا المنطلق يبرز أهمية دور المنصة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 5 أيام
- الجزيرة
قطر وإعادة تعريف الدبلوماسية الإنسانية
كانت مبادرة الدبلوماسية الإنسانية التي أطلقتها كلية السياسات العامة بجامعة حمد بن خليفة مؤخرًا بالتعاون مع مركز جنيف للدراسات الإنسانية في جامعة جنيف خطوة جديدة لتأكيد ركائز الدبلوماسية الإنسانية القطرية التي أرست دعائمها على مدار أكثر من عقدين، وهي الدبلوماسية التي تحاول الانتصار للإنسان، وإخراج حقوقه الأساسية من دائرة الصراع السياسي. قبل أسابيع، وقف سعادة السيد منصور بن إبراهيم بن سعد آل محمود، وزير الصحة العامة في دولة قطر، خلال فعاليات الدورة الـ 78 لمنظمة الصحة العالمية في جنيف، والتي عُقدت تحت شعار "عالم واحد من أجل الصحة" ليؤكد على التزام بلاده بمعايير الصحة العامة العالمية، ووصفها بأنها غاية سامية ووسيلة لتحقيق عالم أكثر عدالة ، وأمن ا ، وإنسانية. وفي ظل المشهد الدولي المضطرب، مثّل هذا التصريح تضامنًا رمزيًا مع المنظمة بعد الهجوم الذي شنّه عليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وإصداره أوامر بسحب التمويل الأميركي لها – والذي يقدر بقيمة 1.28 مليار دولار- أي ما يعادل 12% من إجمالي الميزانية للفترة 2022-2023. كما عكس التصريح الدور المتنامي لدولة قطر كدولة رائدة فيما يعرف بالدبلوماسية الإنسانية، وهو مصطلح يشير لاستخدام الأدوات الدبلوماسية لحماية المدنيين، والحفاظ على الخِدمات الأساسية، وتمهيد سبل السلام من خلال المشاركة الفعَّالة. ويعتبر قطاع الصحة العالمية هو أكثر المجالات إلحاحًا لتطبيق هذا النهج الدبلوماسي في الوقت الراهن. ففي مختلف أرجاء العالم، تعاني أنظمة الصحة من ضغوط وصعوبات ممنهجة رغم محاولات التعافي من جائحة كوفيد-19، إلى الوضع المتأزم في السودان، وغزة، وسوريا، وحتى أوكرانيا، حيث تُقصف المستشفيات، وتُمنع سيارات الإسعاف، ويُقتل العاملون في القطاع الصحي، وتعتبر هذه الممارسات انتهاكًا مباشرًا وصريحًا للقانون الإنساني الدولي. وقد وثّقت منظمة الصحة العالمية أكثر من 2.500 هجوم على مرافق الرعاية الصحية بين عامي 2022 و2024. وتُعرّف هذه الهجمات على أنها "أي فعل من أفعال العنف اللفظي، أو الجسدي، أو العرقلة، أو التهديد بالعنف وإعاقة الوصول إلى أو تقديم خدمات الرعاية الصحية العلاجية أو الوقائية في حالات الطوارئ". لكن هذه الأرقام، على خطورتها، تُخفي مشاكل أعمق، فهناك فرق أخلاقي عميق بين الاعتداء اللفظي على ممرضة واستهداف مستشفى وقصفه عمدًا. كما أن تصنيف هذه الأفعال المتباينة ضمن نفس الفئة يزعزع الرأي العام، ويعرقل المساءلة المؤسساتية، فضلًا عن تقويضه للأسس التي بُني عليها قانون الحرب. ويتجلى ذلك بشكل واضح في التدمير الممنهج للبنية التحتية الصحية في قطاع غزة؛ نتيجة الغارات الإسرائيلية، فعلى سبيل المثال: القتل الوحشي لأطفال الطبيبة الفلسطينية آلاء النجار، اختصاصية طب الأطفال في مستشفى ناصر بخان يونس، حيث قُتل تسعة من أبنائها العشرة في الرابع والعشرين من شهر مايو/ أيار في غارة جوية إسرائيلية، بينما كانت تؤدي عملها وتنقذ حياة الآخرين. كما أُصيب زوجها الذي يعمل طبيبًا في نفس المستشفى وطفلها الناجي بجروح خطيرة. إن استهداف عائلة الطبيبة التي كرّست حياتها لرعاية الآخرين بهذا الشكل الوحشي يوضح التمادي في الأذى والتخلي عن المبادئ الإنسانية؛ ومع ذلك، تُقابل مثل هذه الفظائع بلغة بيروقراطية ولوحات بيانات إحصائية، وهذا بالطبع لا يكفي. وهنا تتجلى أهمية النهج القطري في الدبلوماسية الإنسانية. فخلافًا للقوى الغربية الكبرى التي تقيدها التحالفات والعلاقات الإستراتيجية، نجحت دولة قطر في خلق مكانة فريدة لها من خلال الاستفادة من مواقفها الحيادية، وقوة تأثيرها، وتسخير مواردها المالية لتعزيز الحماية الإنسانية في أكثر المناطق السياسية اضطرابًا، إضافة إلى تمويلها عمليات الطوارئ التابعة لمنظمة الصحة العالمية، وتقديم استجابات سريعة للكوارث الطبيعية، والتوسط لتسهيل الوصول الإنساني، بما في ذلك في قطاع غزة. ولا تكتفي قطر بتقديم استجابات فورية لأزمات الصحة العالمية فحسب، بل تساهم أيضًا بفاعلية في إعادة تشكيل الممارسات الدبلوماسية في عصر تهيمن فيه القوة على القانون، وتنهار فيه المرجعيات المشتركة، والمعايير، والمؤسسات. ولا تقتصر الدبلوماسية الإنسانية على تقديم المساعدات فقط، بل تتطرق أيضًا لجعل الرعاية أولوية سياسية وتساهم في استعادة الثقة بالمنظمات الدولية، مثل: منظمة الصحة العالمية، التي أنقذت ملايين الأرواح على مر السنين. كما تعني ممارسة الضغوط من أجل إعلان الهدنة ووقف إطلاق النار في خضم الحروب الدموية، لحماية المدنيين وتمكين التدخلات المنقذة للحياة. وتشير أيضًا لإمكانية عقد مفاوضات لتوفير المياه، والدواء، والوقود، والغذاء عند غلق المعابر التقليدية. كما تعني أخيرًا استخدام المصداقية الدبلوماسية للدفاع عن العاملين في القطاع الصحي، لأنهم ليسوا مجرد خسائر جانبية يمكن التغاضي عنها فحسب، بل هم مدافعون أساسيون عن الأرواح والكرامة. وتطرح الدبلوماسية الإنسانية القطرية إمكانية أكبر لاستخدام الرعاية الصحية كجسر نحو السلام. فمنذ القدم، كانت الرعاية الصحية واحدة من المجالات القليلة التي يبحث فيها الخصوم عن تحديد المصالح المشتركة، إذ تخلق حملات التطعيم، ومراقبة الأمراض، والاستجابة السريعة للأوبئة فرصًا للتعاون المشترك في وسط النزاعات؛ وفي حال تم تنفيذها بعناية، يمكن أن تفتح الدبلوماسية الصحية قنوات خلفية، وتبني الثقة، وتضفي طابعًا إنسانيًا على المفاوضات التي قد تكون مستحيلة سياسيًا في الظروف العادية. وفي ضوء كل ما سبق، تكتسب المبادرة التي أطلقتها كلية السياسات العامة بجامعة حمد بن خليفة بالتعاون مع مركز جنيف للدراسات الإنسانية في جامعة جنيف أهميتها، فهي تهدف لاستكشاف آلية دمج الدور المزدوج لدولة قطر- كونها جهة مانحة وداعمة للتفاهم والحوار- في نموذج قوي يعزز مشاركاتها الفعَّالة، فمن خلال اتباع هذا النموذج، يمكن لدولة قطر أن تترأس الطريق نحو صياغة معايير جديدة تركز على حماية العاملين في القطاع الصحي، والعمل الإنساني، وتعميم السلام، وهذا سيبرهن على أنه بالرغم من وجود عالم منقسم، إلا أنه لا يزال بمقدور الدول الصغيرة ريادة التغيير الإيجابي بالتعاطف، والشجاعة، والشفافية.


الجزيرة
منذ 6 أيام
- الجزيرة
ثلاث أمهات قطريات يحوّلن الألم إلى أمل ويؤسسن منصة "أهالي التوحد"
الدوحة- في منزل قطري هادئ، وبين جدران اعتادت صمتا أثقل من الكلمات، كانت ثلاث أمهاتٍ يجتمعن معا، يكتبن كل يوم فصولا من الصبر والحيرة. كانت كل واحدة منهن تواجه عالم التوحد مع طفلها بمفردها. هن: حمدة الهتمي، عائشة العماري، ونورة العيدة – اللاتي كن يسهرن على تفاصيل لا يراها الآخرون، ويسمعن في نظرات أبنائهن ما لا يقال. لم يكن تشخيص أبنائهن فقط هو ما جمع بينهن، بل كان الإحساس العميق بأن الوقت قد حان ليتحول هذا الألم إلى أمل، وهذه التجربة الفردية إلى قوة جماعية ومن ثم قررن في عام 2021، تأسيس كيانا ينطق باسم آلاف الأسر التي لديها أطفال من ذوي التوحد. وبالفعل قامت الأمهات الثلاث بتأسيس منصة أهالي التوحد على موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام، وكانت مبادرة أهلية هي الأولى من نوعها في قطر، والتي تهدف لأن تكون مظلة للتوعية والدعم والتضامن. أخذت الفكرة طابعا آخر على أرض الواقع، ومنذ أيام قليلة تم افتتاح مقر لمنصة "أهالي التوحد" في جزيرة اللؤلؤة بالدوحة، بحضور وزير التنمية الاجتماعية والأسرة القطرية بثينة بنت علي الجبر النعيمي. ويعد هذا المقر الأول من نوعه في دولة قطر كـ"بيت مجتمعي للتوحد" معتمد من "المجلس الدولي للاعتماد ومعايير التعليم المستمر" (IBCCES)، المتخصصة في مجال التدريب والاعتماد لاضطرابات النمو العصبي وخاصة التوحد، ليشكل محطة نوعية في مسيرة دعم وتمكين الأفراد من ذوي اضطراب طيف التوحد وأسرهم، عبر توفير خدمات متخصصة وبيئة مجتمعية دامجة وآمنة. قلة الوعي المجتمعي وترى حمدة الهتمي أن افتتاح هذه المنظمة يعكس التزام الدولة بتحسين جودة حياة الأفراد من ذوي التوحد وأسرهم، عبر توفير بيئة آمنة وشاملة تشمل مساحات دعم أسري وورشا حسية وبرامج متخصصة تخدم مختلف الأعمار. وأضافت، في تصريح للجزيرة نت، أن المنصة تأسست على يد 3 أمهات قطريات لديهن أبناء من ذوي التوحد، انطلاقا من معاناتهن الشخصية مع قلة الوعي المجتمعي في قطر حول اضطراب طيف التوحد، وندرة الأماكن الآمنة التي تسمح للأطفال ذوي التوحد باللعب والتفاعل الاجتماعي بحرية، دون أن يشعر الأهالي بالحرج أو القلق من نظرات المجتمع أو الأحكام المسبقة بسبب سلوكيات أطفالهم مثل الرفرفة أو الهمهمة أو تجنب التواصل البصري. وانطلاقا من هذه الحاجة الملحة، جاءت فكرة المنصة، وفق ما قالت الهتمي، حيث بدأت الأمهات الثلاث تنظيم ورش توعوية للتعريف بالتوحد، كما قمن بزيارة المدارس والجامعات، بهدف نشر المعرفة وتغيير المفاهيم السائدة حول التوحد، ومن ثم اتجهن إلى تنظيم فعاليات حسية وحركية مخصصة لأطفال ذوي التوحد بمشاركة عائلاتهم، بهدف خلق بيئة محفزة وآمنة تجذب الأطفال وتمنحهم فرصًا للاندماج والمرح. وحول ما الذي يميز المقر عن المبادرات الأخرى الداعمة لأسر ذوي اضطراب طيف التوحد، توضح الهتمي أن "ما يميزنا هو أننا ننطلق من واقع تجربة شخصية، ومن حاجة حقيقية نعيشها يوميًا كأمهات"، موضحة أن المقر ليس مجرد مساحة دعم، بل هو بيئة آمنة، خالية من الأحكام، مليئة بالحب والتقبل. وقالت: "يتم تقديم جلسات فنية وتجارب حسية تدمج فرد التوحد مع أسرته، في نشاطات اجتماعية تطور مهارات التواصل بشكل غير مباشر وفي جو من الراحة والاحترام"، مشددة على أن الهدف هو أن تصل المنصة إلى كل بيت في قطر، وألا تشعر أي أسرة أن رحلتها مع التوحد تُخاض وحدها. ومع مرور الوقت، بدأت منصة أهالي التوحد تكتسب ثقة أولياء الأمور، حيث ازداد عدد المشاركين والداعمين، وتم إطلاق ورش دعم نفسي وتربوي للأمهات كما اكتسبت الفكرة العديد من الشركاء والداعمين الذي آمنوا بها. زيادة الأعداد وتقول عائشة العماري، إحدى مؤسسات المنصة، إن "المقر هو صوت الأهالي ومن خلاله نستقبل الملاحظات، نبرز التحديات، ونتحرك لإيصالها للجهات المعنية"، موضحة أنه لا تتوفر إحصاءات رسمية حول أعداد ذوي التوحد في قطر ولكن من الملاحظ أن هناك تزايدا في أعداد التشخيصات، وهو ما يدفع للاستمرار في تقديم الدعم، خاصة للأسر التي تمر بتجربة التشخيص لأول مرة. وأضافت، في تصريح للجزيرة نت، أن المقر يقدم جلسات دعم نفسي للأمهات والآباء، والأشقاء، إلى جانب ورش فنية وتجارب حسية تساعد على الدمج الأسري كما يتم الإعداد لتنظيم فعاليات توعوية تتزامن مع المناسبات الوطنية والاجتماعية لتعزيز الاندماج والمشاركة المجتمعية. وأوضحت أن الهدف هو أن يكون المقر نقطة انطلاق للأهل لمساعدتهم في بناء شبكة دعم تشمل جميع الجوانب، فالمقر مفتوح لجميع الأسر في قطر، من مواطنين ومقيمين، دون استثناء. وتتعاون منصة أهالي التوحد مع المدارس والمراكز والمؤسسات التي تسعى لتهيئة بيئتها لتكون صديقة للتوحد من خلال تقديم ورش عمل واستشارات والإشراف على تطوير بيئاتهم من خلال عدسة الأسرة والتجربة الواقعية. أم خالد، إحدى أمهات ذوي التوحد تقول للجزيرة نت إنها بالفعل كانت تفتقد مثل هذا الدور الذي توفره المنصة والتي يمكنها أن توجهها إلى الجهة التي تعنى بابنها أو توفر له الخدمة اللازمة لتطويره والمساعدة في دمجه بأكبر قدر ممكن في المجتمع. تفاعل مجتمعي واضح وحول تفاعل المجتمع مع افتتاح المقر، تقول نورة العيدة، إحدى المؤسِّسات للمنصة: بدأنا بأنفسنا وأطفالنا فقط، ومع الوقت أصبحنا نتواصل ونقدّم الدعم لأكثر من 700 أسرة في قطر، والتفاعل كبير، والاحتياج واضح، وهذا ما يجعلنا أكثر التزامًا بمواصلة الطريق، فالرسالة التي نود إيصالها لأهالي ذوي التوحد هي "أنتم لستم وحدكم". وأوضحت، في تصريح للجزيرة نت، "نتفاعل مباشرة من خلال قنوات المنصة مثل الواتساب والإنستغرام، ونقدّم خدمات توعوية واستشارات للمراكز التي تطلب تطوير بيئتها لتكون دامجة وأكثر تفهمًا لاحتياجات الأهل والأطفال"، مشيرة إلى أن هناك خطة لافتتاح فروع في مختلف مناطق الدولة لتكون المنصة قريبة من كل أسرة، وتصل بخدماتها لكل من يحتاجها. برامج تدريبية ومهنية ولا يقتصر الهدف من المنصة على التوعية والإرشاد وتهيئة بيئة الحياة فقط، بل يشمل أيضا التدريب والتطوير المهني، وهو ما تؤكده العيدة قائلة "بدأنا بالفعل تدريبات ببعض المبادرات الفردية، ونعمل مع جهات وشركات بهدف اكتشاف مهارات الأفراد من ذوي التوحد وتمكينهم في بيئات العمل، بما يتناسب مع قدراتهم". وأكدت أن قطر قطعت شوطا كبيرا في الخدمات الأكاديمية والصحية، وهناك تطور واضح في الخدمات الاجتماعية، معبرة عن اعتقادها بأن رفع الوعي المجتمعي هو المفتاح الأساسي لاستكمال هذا التقدم، وأنه من هذا المنطلق يبرز أهمية دور المنصة.


الجزيرة
منذ 6 أيام
- الجزيرة
المرأة التي ترعى 98 طفلاً من ذوي الإعاقة
على طريق موحل وغير متساوٍ وغير مسمى في مشارف جينجا الواقعة شرقي أوغندا، يضحك الأطفال ويلعبون في باحة محاطة بتلال خضراء ومزارع قصب السكر. يندفع طفل مستعملًا كرسيه المتحرك بسرعة شديدة على طول الممر باتجاه بوابة ثقيلة يحرسها حارس أمني ودود. على الشرفة الخرسانية البالية، يضحك بصوت عالٍ أثناء لعبه مع اثنين من أصدقائه صبي صغير مصاب بالاستسقاء الدماغي (حالة تؤدي إلى تضخم الجمجمة بسبب تراكم السوائل). أجواء البهجة في هذا المكان، تخفي وراءها الخلفيات الصعبة لـ98 طفلا تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر و18 عامًا. جميعهم تم التخلي عنهم. معظمهم كانوا رضعًا عندما تركهم آباؤهم. بعضهم تُرِك عند بوابة المجمع، وآخرون في المستشفى بعد ولادتهم. وتم إنقاذ طفل في الثالثة من عمره من منزله بعد أيام قليلة من اختفاء والديه. في أوغندا -البلد الذي يبلغ تعداد سكانه حوالي 50 مليونًا- يعيش أكثر من ستة ملايين شخص في هذه الأيام حالة إعاقة. العديد منهم يرى الإعاقة عبئًا بسبب اعتقاد ثقافي متجذر بأنها لعنة. الأسر التي تضم أفرادًا من ذوي الإعاقة غالبًا ما تُنبذ من مجتمعاتها، وفي ظل غياب الدعم أو المعرفة بالممارسات الأفضل، غالبًا ما تلجأ إلى التقييد أو الحبس الإجباري. في بعض الحالات، يتم التخلي عن الطفل بسبب الوصمة الاجتماعية والصعوبات المالية. علما بأن حوالي 31٪ من الأسر التي تضم أشخاصًا من ذوي الإعاقة تعيش تحت خط الفقر. تخصص البلاد 1٪ فقط من موازنة الصحة لمساعدة هذه العائلات. يقول أندرو موبانجيزي، مساعد مفوض شؤون ذوي الإعاقة إنه "مبلغ ضئيل جدًّا"، ويضيف: في المناطق الريفية بشكل خاص، يؤدي نقص الموظفين والموارد في العيادات الحكومية إلى إجبار مقدمي الرعاية على السفر مسافات طويلة للحصول على الدعم. ومع ذلك، حاولت منظمات صغيرة ممولة من المانحين وجمعيات خيرية منتشرة في البلاد على مدار العقدين الماضيين، سدّ الفجوة في النظام الصحي، والاعتناء بحقوق ذوي الإعاقة والدفاع عنهم. إديث لوكابوي من قادة هذه الحركة وراعية لـ98 طفلا في دار الأيتام المعروفة باسم "بيت الأمل". وهي تأمل أن يؤدي تثقيف مجموعات صغيرة من مجتمعها المحلي إلى زيادة الوعي وإيجاد مجتمع أكثر تسامحا. تقول لوكابوي: "[الناس] يمكنهم بعد ذلك تثقيف مجتمعاتهم... لا ينبغي أن تكون هناك وصمة ثقافية".