
لماذا يتعجل ترامب الاعتراف بأرض الصومال؟
يستعرض هذا المقال التطور السياسي لأرض الصومال ويشرح لماذا قرر الإقليم الانفصال عن الدولة الأم الصومال، وما هي أهميته الإستراتيجية، ويوضح لماذا ترغب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الاعتراف به.
نهاية حلم الصومال الكبير
قسمت القوى الاستعمارية الغربية الصومال إلى عدة أقسام، توزعت عقب مؤتمر برلين بين فرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، حيث سيطرت إيطاليا على الصومال الجنوبي وعاصمته مقديشو، بينما سيطرت بريطانيا على الصومال الشمالي، وعاصمته هرجيسا، واستعمرت فرنسا شريط جيبوتي.
فضلًا عن ذلك سيطرت إثيوبيا في مرحلة لاحقة على الأوغادين، بينما تمددت كينيا شمالًا في الأقاليم الصومالية. وهكذا قسم الاستعمار الشعب الصومالي إلى خمسة كيانات مختلفة تخدم كلها مصلحة القوى الاستعمارية.
وبفعل هذا التقسيم، تولد حلم قومي، هو ضرورة توحيد الشعوب الصومالية في دولة واحدة تمتد على طول الشريط الساحلي للبحر الأحمر حتى خليج عدن. تبلورت فكرة الصومال الكبير أثناء فترة مقاومة الوطنيين الصوماليين للقوى الاستعمارية الغربية، وأصبحت فكرة مركزية وملهمة لحركات النضال والتحرر للشعوب الصومالية، وتوافقت القوى الوطنية على ضرورة إنهاء الاستعمار، وإعادة الاندماج لتكوين الصومال الكبير.
بنهاية حقبة الاستعمار في العام 1960، استقل الصومال الشمالي كدولة مستقلة عاصمتها مدينة هرجيسا- واعترف باستقلاله عدد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. بينما نال الصومال الجنوبي استقلاله في ذات العام من إيطاليا باسم جمهورية الصومال وعاصمتها مقديشو. ونظرًا لتجذر فكرة الصومال الكبير، اتفق زعماء الصومال الجنوبي والشمالي على الوحدة لتكوين دولة واحدة تُسمى جمهورية الصومال، وعاصمتها مقديشو، على أن تنضم إليها لاحقًا جيبوتي بعد استقلالها من الاستعمار الفرنسي. وتأكيدًا لمحورية فكرة الصومال الكبير، وُضعت خمس نجمات في علم الدولة الرسمي في إشارة لأقاليم الصومال الخمسة التي مزقها الاستعمار.
بيدَ أن حلم الوحدة وإقامة الصومال الكبير سرعان ما تراجع، بعد استقلال جيبوتي ورفضها الوحدة مع الصومال، وفشلت الحكومة الصومالية في ضم المناطق الصومالية في إثيوبيا، وشمال كينيا. وأدت سياسات الرئيس سياد بري الداخلية الدموية إلى اضطراب الوضع الداخلي، الذي أدخل البلاد في حالة فوضى شاملة انتهت بحرب أهلية أطاحت بحكومة سياد بري، وامتدت أكثر من عشرين عامًا انهار فيها كيان الدولة تمامًا.
وبرغم اتساع نار الحرب الصومالية، فإن قادة صوماليلاند تمكنوا بسرعة من بسط الأمن والاستقرار في الإقليم الشمالي، وتكونت حكومة محلية ترأسها محمد إبراهيم عقال، أدارت البلد وحققت قدرًا معقولًا من التنمية. وبسبب الحرب الأهلية الطويلة، وانهيار فكرة الصومال الكبير، قرّر قادة صوماليلاند العودة إلى مرحلة ما قبل الوحدة، وإعلان الاستقلال عن جمهورية الصومال، وإعلان جمهورية صوماليلاند ـ أرض الصومال ـ دولة مستقلة في العام 1991. استطاعت هذه الدولة الوليدة أن تحافظ على الأمن والاستقرار لمواطنيها في منطقة مضطربة، لكنها لم تحظَ بالاعتراف الدولي حتى الآن.
ميزة الجغرافيا والديمغرافيا
لعبت عوامل الجغرافيا والديمغرافيا دورًا كبيرًا في دفع فكرة استقلال إقليم أرض الصومال إلى الأمام، وبسبب هذه العوامل يبدو أن الاعتراف بهذه الجمهورية من قبل المجتمع الدولي، أصبح قاب قوسين أو أدنى.
استطاع الإقليم أن يمنع انتقال فوضى الحرب الأهلية الصومالية إلى أراضيها، وذلك بسبب الديمغرافيا، لأن غالبية السكان تنتمي إلى قبيلة إسحاق، وأدى تماسك هذا العرق إلى تماسك الدولة. على عكس جمهورية الصومال التي استعرت فيها الحرب وما تزال بسبب التناحر بين الأعراق والقبائل، ويشهد على ذلك أن معظم الحلول التي اقترحت لتسوية الصراع في البلاد، كانت تقوم على إشراك الأعراق الكبرى مثل الهوية، الدارود، الرحوانيين، الدر، وغيرهم.
وهكذا أسهمت الديمغرافيا في إنجاح جهود الدولة في بسط الأمن والسلام في ترابها الوطني، وتحقيق تنمية معقولة، كما نجحت الدولة أيضًا في اعتماد نظام ديمقراطي يضمن الانتقال السلس للسلطة.
من جانب آخر، فقد كانت الجغرافيا عاملًا حاسمًا في اهتمام القوى الإقليمية والدولية بهذا الإقليم غير المعترف به. حيث تحظى أرض الصومال بموقع إستراتيجي مهم على خليج عدن وباب المندب، مدخل البحر الأحمر، وهو ممر دولي مهم تمر عبره 12% من تجارة العالم، وأكثر من 40% من التبادل التجاري بين أوروبا وآسيا.
أصبحت هذه المنطقة منطقة صراع دولي كبير، يؤكده العدد الكبير من الأساطيل البحرية العسكرية الغربية والشرقية التي تتقاطع في هذه المنطقة، لمحاربة القرصنة البحرية المتعاظمة، وغيرها من التحديات الأمنية، والتي أثرت بشكل مباشر على سلامة التجارة العالمية العابرة عبر البحر الأحمر، وقناة السويس في الطريق إلى أوروبا والولايات المتحدة. ونلمس ذلك عمليًا فيما يقوم به الحوثيون من تهديد مباشر لأساطيل الدول الكبرى رغم اختلاف ميزان القوى.
بالرغم من عدم الاعتراف الدولي بالإقليم، إلا أن كثيرًا من الدول كانت تتعامل معها بحكم الأمر الواقع، في قضايا التجارة والاستثمار لا سيما في الصيد البحري. وقد كانت إثيوبيا سباقة لتقنين التعامل مع أرض الصومال، حيث أنشأت مكتبًا تجاريًا، كان بمثابة السفارة في العاصمة هرجيسا. وكانت موانئ أرض الصومال أيضًا معبرًا لبعض السفن والأساطيل التجارية التي تنقل البضائع والمنتجات من وإلى أرض الصومال دون اعتراض أية جهة.
تجدد الصراع على إقليم أرض الصومال بشكل كبير في شهر يناير/ كانون الثاني من العام الماضي عندما أعلنت إثيوبيا عن اتفاقية وقعتها مع حكومة أرض الصومال قامت بموجبها باستئجار قطعة أرض في ميناء بربرة لتكونَ ميناء مستقلًا تستخدمه إثيوبيا وتشرف عليه القوات البحرية الإثيوبية لمدة نصف قرن، وذلك ضمن خطة إثيوبيا المعلنة للحصول على ميناء يتبع لها مباشرة على شاطئ البحر الأحمر.
أثار هذا القرار ردود فعل حادة من دول الإقليم، بالذات في الصومال ومصر، واستدعى حركة دبلوماسية واسعة أدت لقيام تحالفات جديدة عززت من الصراع الإقليمي والدولي حول البحر الأحمر وخليج عدن.
ولكن أهم تداعيات القرار الإثيوبي هو بروز تيار في العديد من الدول ينادي بالاعتراف بجمهورية أرض الصومال دولة مستقلة، بالرغم من التحفظات القانونية لهكذا قرار، ويبدو أن الولايات المتحدة الأميركية تدعم هذا التيار بقوة.
لماذا الاعتراف الأحادي الأميركي؟
دفع الصراع الدولي المتصاعد على البحر الأحمر وخليج عدن مراكز التفكير الأميركية لدراسة السبل المختلفة لتعظيم الوجود والنفوذ الأميركي في هذا الممر المائي الهام، وظهرت آراء عديدة تنبه وتحذر بأنه في حال قيام أي قوة دولية معادية لأميركا بالتمركز على شاطئ الإقليم الإستراتيجي فمن شأن ذلك أن يهدد المصالح الأميركية في باب المندب والخليج العربي.
تُعتبر الدراسة التي أعدتها مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية السابقة جنداي فريزر وآخرون، والتي نشرها مركز هوفر التابع لجامعة ستانفورد، واحدة من أهم ما كُتب بشأن العلاقة بين الولايات المتحدة وصوماليلاند. خلاصة هذه الدراسة الهامة، والتي تُعتبر كاتبتها من قادة التيار الأفريقاني للحزب الجمهوري، دعت الولايات المتحدة للاعتراف أحاديًا باستقلال الإقليم كدولة مستقلة عن الصومال.
وقدمت الدراسة حيثيات موضوعية من وحي مواقف دبلوماسية سابقة طبقتها أميركا، أهمها قرار الولايات المتحدة في العام 2008 الاعتراف أحاديًا باستقلال كوسوفو، رغم أنه لا يوجد إجماع دولي على ذلك، وأشارت الدراسة إلى أن جميع الحيثيات التي أوردتها وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس للاعتراف الأحادي باستقلال كوسوفو تنطبق تمامًا على إقليم أرض الصومال. وهي: مصلحة الولايات المتحدة، ووجود حكومة تسيطر على حدود الدولة، وضعف احتمال العودة إلى الوضع القديم، وإمكانية قيام نظام ديمقراطي في الدولة الجديدة.
أكدت الدراسة وجود حكومة مستقرة تسيطر جيدًا على الأمن والحدود، وتطبق الحكومة نظامًا ديمقراطيًا متميزًا مقارنة بدول الإقليم حولها، وأنه بعد أكثر من ثلاثين عامًا من انفصال الإقليم، فإنه لا يوجد احتمال للعودة للوضع القديم لتكون جزءًا من الصومال.
ركزت الدراسة بشكل أساسي على المصالح الكبيرة التي ستجنيها أميركا من اعترافها الأحادي بأرض الصومال، بالذات فيما يتعلق بتعزيز نفوذ أميركا وحلفائها في خليج عدن وباب المندب، والحفاظ على أمن البحر الأحمر ومحاربة القرصنة وضمان سلامة التجارة الدولية، التصدي لخطر الحوثي المتزايد، وغيرها من التهديدات الجيوستراتيجية في منطقة ذات أهمية اقتصادية وأمنية وسياسية بالغة لأميركا.
قللت الدراسة من ردود الفعل الإقليمية والدولية، بالذات رد فعل الصومال والاتحاد الأفريقي، واقترحت أن يتم إسكات الصومال بمنحها حوافز مادية كبيرة، وأن يُطلب من الاتحاد الأفريقي قبول الدولة الجديدة على غرار قراره السابق بقبول عضوية الجمهورية الصحراوية.
تحديات إستراتيجية
الدراسة التي كتبتها جنداي فريزر، تمثل رؤية تيار واسع من أقطاب التيار الأفريقاني في إدارة الرئيس دونالد ترامب، على رأسهم بيتر فام وبروس قيلي، وعضو الكونغرس الجمهوري سكوت بيري، الذي قدم مشروع قانون يطلب من حكومة الولايات المتحدة الاعتراف الأحادي باستقلال الإقليم. ولذلك يبدو أن مسألة الاعتراف الأحادي ستكون مسألة وقت فقط، ريثما تحصل الإدارة الأميركية الجديدة على كل ما تريده من حكومة الإقليم.
ومما يدعو أميركا للتعجيل بالاعتراف الأحادي باستقلال إقليم أرض الصومال، هو قرار الحكومة البريطانية بتسليم أرخبيل جزر شاغوس إلى موريشيوس، ومن شأن هذا القرار أن يحد من فاعلية استخدام أميركا قاعدة دييغو غارسيا في عرض المحيط الهندي. كما أن الوجود الأميركي الدائم في هذا الممر المائي الهام يضمن لأميركا تأمين طريق تجاري آخر في مواجهة مبادرة الحزام والطريق التي تقودها الصين. وفي كلتا الحالتين، فإن الإقليم سيكون ذو أهمية إستراتيجية عسكرية وتجارية لأميركا وحلفائها تبرر قرار الاعتراف الأحادي.
بالمقابل، فإن قرار الاعتراف الأحادي في حالة تنفيذه سيؤدي إلى تأجيج الصراع الدولي على البحر الأحمر، وستصبح هذه المنطقة مجال شد وجذب شديدين بين القوى المختلفة الطامعة في خيرات المنطقة، كما من شأنه أن يصعد حركة المقاومة الوطنية في الصومال لهذا التدخل الخارجي غير المحمود.
وإذا أخذنا في الحسبان توجه الإدارة الأميركية الجديدة التي ترغب في ضم كندا وغرينلاند وقناة بنما وتهجير سكان غزة، فإن هذا يعني نهاية العالم القديم القائم على السيادة وقدسية الحدود، وبروز عالم جديد أقرب لقانون الغاب، يقوم على القوة والقهر. وحينها لن يبقى مكان للضعفاء، ولن يكون العالم مكانًا آمنًا على الإطلاق.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
صداع اقتصادي مؤلم.. هل يُخضع ترامب المركزي الأميركي لسياساته؟
بعد استقالة الحاكمة في مجلس الاحتياطي الفدرالي أدريانا كوغلر، بات الرئيس الأميركي دونالد ترامب يملك فرصة ذهبية لتعزيز نفوذه داخل المجلس، وضمّ شخصيات موالية له إلى واحدة من أهم المؤسسات الاقتصادية في العالم. هذا التحول، الذي وصفه تقرير إنفستنغ دوت كوم بأنه "دفعة قوية لمساعي ترامب للسيطرة"، يثير مخاوف جدية بين خبراء الاقتصاد بشأن استقلالية السياسة النقدية في أميركا، واستقرار الاقتصاد العالمي بأسره. إن خضع الفدرالي.. النمو الآن والكلفة لاحقا وبحسب تقرير صادر عن مؤسسة "إم آر بي بارتنرز"، فإن فقدان البنك الفدرالي لاستقلاليته وتحويل السياسة النقدية إلى أداة لتحقيق نمو اقتصادي قصير الأمد قد يؤدي إلى "تصاعد خطير في اختلالات الدين على المدى الطويل"، كما أنه "يزيد من هشاشة الاقتصاد والنظام المالي الأميركي، ما لم تُجهض هذه السياسات من خلال ثورة حقيقية في سوق السندات". ويحذر التقرير من أن هذا السيناريو سيؤدي إلى "امتداد خطير لدورة الديون الأميركية"، وهي دورة طويلة الأمد بدأت تتسارع بفعل خفض معدلات الفائدة وتوسيع الإنفاق الحكومي. وفي ظل هذا التوجه، يتوقع أن يتحول التمويل الحكومي إلى السندات قصيرة الأجل (T-Bills) لتقليل كلفة الفائدة. لكن هذا التغيير سيجعل الدين الأميركي أكثر حساسية للتقلبات، خصوصا أن "سوق السندات الطويلة الأجل سيفقد جزءا كبيرا من سيولته"، بحسب ما أشار إليه تقرير "إم آر بي بارتنرز". فقاعة الأسعار القطاع الخاص لن يكون بمنأى عن التأثيرات، فانخفاض معدلات الفائدة قصيرة الأجل سيدفع الشركات لتفضيل القروض ذات الفوائد المتغيرة، مما يعيد إلى الواجهة منتجات تمويلية مثل الرهون العقارية ذات السعر المتغير. وقد يؤدي ذلك إلى تحفيز مؤقت في سوق الإسكان الأميركي، لكنه سيعيد أيضا إنتاج "فقاعة الأسعار" نفسها التي ساهمت في أزمات مالية سابقة. ويحذر التقرير من أن هذا التوجه "سيحسن القدرة على تحمل تكاليف السكن، لكنه في الوقت نفسه سيؤدي إلى ارتفاعات جديدة في أسعار المنازل، ويضع النظام المالي أمام مخاطر إضافية". فحتى إن كان نية المشترين إعادة التمويل لاحقا، "فقد لا يأتي ذلك اليوم أبدا"، بحسب التقرير. كل شيء يرتبط بسعر الفائدة القصير وبحسب خبراء، فإن المفارقة أن خضوع الفدرالي للسلطة التنفيذية سيجعل تأثيره اليومي على الاقتصاد أكبر، لا أقل. فحين ترتبط الأسر والشركات بالقروض القصيرة الأجل، فإن أي رفع لسعر الفائدة سيكون له تأثير مضاعف، وسيجعل الاقتصاد أكثر حساسية لأي تشدد في السياسة النقدية. وتحذر "إم آر بي بارتنرز" من أن "الاقتصاد الأميركي سيعتمد بمرور الوقت على بقاء معدلات الفائدة قصيرة الأجل عند مستويات متدنية، مما سيجعل الفدرالي أكثر ترددا في رفع الفائدة، حتى لو أصبحت معدلات التضخم مقلقة". المصير الأشد.. فقدان الثقة في الدولار السيناريو الأسوأ، بحسب التقرير، يتمثل في احتمال فقدان الأسواق ثقتها بقدرة أو استعداد الحكومة الأميركية على سداد ديونها. حينها، قد ترفض الأسواق حتى شراء سندات الخزانة القصيرة الأجل، مما يدفع الفدرالي إلى التدخل كـ"مشتر أخير" وشراء الدين الحكومي مباشرة. وهنا، وفق تحذير المؤسسة: "لن تبقى هذه سياسة نقدية، بل مسارا سريعا لفقدان الدولار مكانته كعملة احتياط عالمية". ويضيف التقرير: "في هذه الحالة القصوى، سيقوم الفدرالي بتمويل الدين الحكومي بشكل مباشر، مما سينهي عمليا مكانة الدولار كعملة احتياط عالمية". ورغم أن هذه السيناريوهات لا تزال تُعتبر غير مرجحة على المدى القريب، فإن "إم آر بي بارتنرز" تنبّه إلى أن أي شخص ينظر بعين استثمارية على مدى عدة سنوات لا يمكنه تجاهل هذه المخاطر. واختتم التقرير بعبارة لافتة: "قد يبدو هذا المسار الاحتفالي مثمرا على المدى القصير، لكنه سيقود إلى صداع اقتصادي مؤلم، وربما إلى جرعة زائدة لا تُحتمل". في الوقت الذي يواصل فيه ترامب حملته لتطويع الفدرالي وتخفيض الفائدة بسرعة، تبدو الأسواق المالية متأرجحة بين احتمالات الانتعاش المؤقت، واحتمالات فقدان الثقة بمؤسسات كانت في الماضي رمزا للصلابة والاستقلال.


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
ترامب يجدد دعم واشنطن للسيادة المغربية على الصحراء الغربية
قالت وكالة المغرب العربي للأنباء اليوم السبت إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب جدد التأكيد على اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية -التي تشكل مصدر خلاف طويل بين الرباط والجزائر- ودعمها لمقترح الحكم الذاتي. وفي منشور على حسابها بمنصة "إكس"، قالت الوكالة إن ترامب جدد في برقية بعثها إلى الملك المغربي محمد السادس بمناسبة عيد العرش، التأكيد على اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بالسيادة المغربية على الصحراء، ودعمها للمقترح المغربي للحكم الذاتي "باعتباره الأساس الوحيد من أجل تسوية عادلة ودائمة لهذا النزاع". وقال ترامب في البرقية "أود أن أجدد التأكيد على أن الولايات المتحدة الأميركية تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وتدعم المقترح المغربي للحكم الذاتي، الجاد وذا مصداقية والواقعي، باعتباره الأساس الوحيد من أجل تسوية عادلة ودائمة لهذا النزاع". وفي أبريل/نيسان الماضي، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن دعم المغرب في هذه القضية لا يزال جزءا من السياسة الأميركية، لكن التصريحات التي نقلتها وكالة المغرب العربي للأنباء تعد أول تصريحات منسوبة لترامب بشأن النزاع حول الصحراء الغربية خلال ولايته الثانية. وفي يونيو/حزيران الماضي، أصبحت بريطانيا ثالث عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعم خطة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية للمنطقة بعد الولايات المتحدة وفرنسا. أما الجزائر، التي اعترفت بالجمهورية الصحراوية المعلنة من جانب واحد، فقد رفضت المشاركة في المحادثات التي دعا إليها مبعوث الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية وتصر على إجراء استفتاء لتحديد مصير الإقليم، على أن يتضمن خيار الاستقلال. والصحراء الغربية مستعمرة إسبانية سابقة مطلة على المحيط الأطلسي تصنفها الأمم المتحدة ضمن "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي"، ويسيطر المغرب على 80% من أراضيها. وتطالب الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) المدعومة من الجزائر باستقلالها.


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
رسوم أميركية دون مقاومة.. ترامب يفرض والعالم يستسلم
في تحول لافت عن المواجهات التجارية التي ميزت الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب ، بدا أن أغلب شركاء أميركا التجاريين، باستثناء الصين، قد اختاروا في ولايته الثانية قبول الرسوم الجمركية الجديدة بدلا من الدخول في حرب تجارية واسعة، وفق ما أفاد به تقرير موسع نشرته بلومبيرغ. وبينما توقع اقتصاديون موجة من الإجراءات الانتقامية العالمية ردا على سياسة ترامب الحمائية ، فإن هذه التوقعات لم تتحقق. كما كتب كبير اقتصاديي بنك جي بي مورغان، بروس كاسمان، في مذكرة للمستثمرين "إنها ليست حربا عندما يقاتل طرف واحد فقط"، مشيرا إلى أن غياب الردود العقابية خفف من التأثير السلبي على النمو العالمي المتوقع. وخلال الأسابيع الماضية، توصلت إدارة ترامب إلى سلسلة اتفاقات مع شركائها، تشمل خفض الحواجز التجارية أمام المنتجات الأميركية، رغم فرض رسوم جمركية مرتفعة على وارداتهم. أبرز تلك الاتفاقات كان مع الاتحاد الأوروبي، الذي قبل يوم الأحد الماضي فرض رسوم بنسبة 15% على معظم صادراته إلى أميركا، مقابل خفض متوسط التعريفة الأوروبية على السلع الأميركية إلى أقل من 1%. وسبق ذلك اتفاق مماثل مع اليابان، شمل رسوما بنسبة 15%، مقابل دعم طوكيو لمبادرة تمويلية بقيمة 550 مليار دولار – لم تتضح تفاصيلها بعد. كما وافقت كوريا الجنوبية هذا الأسبوع على النسبة نفسها، مقابل تعهدات بالاستثمار في قطاعات الطاقة وبناء السفن الأميركية. وفي الشهر الماضي، وافقت كل من فيتنام وإندونيسيا على رسوم بنسب 20% و19% على التوالي، مقابل إعفاء الصادرات الأميركية من أي رسوم، فيما وصفه ترامب بـ"نموذج النجاح التبادلي". اقتصاد عالمي يجنّب الأسوأ.. لكنه يودّع التعددية ورغم أن صندوق النقد الدولي حذر هذا الأسبوع من "صدمة تجارية كبيرة" وأن البيئة الحالية "لا تزال هشة"، فإن ما حدث قد يكون أقل سوءا مما كان متوقعا. إعلان ويبلغ متوسط الرسوم الأميركية اليوم 15%، أي ما يعادل 6 أضعاف مستواها قبل عام، ويُعد الأعلى منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وفق بيانات بلومبيرغ إيكونوميكس. لكن، بالمقابل، يرى اقتصاديون من معهد "كيل" للاقتصاد العالمي في ورقة بحثية أن الوضع كان يمكن أن يختلف تماما لو نسق الحلفاء مواقفهم. فحتى لو كان كل اقتصاد منفرد -أو حتى الاتحاد الأوروبي مجتمعا- لا يملك وحده ما يكفي من النفوذ لمواجهة تهديدات ترامب التجارية، فإن تحالفا منسقا كان قادرا على فرض تكلفة اقتصادية على أميركا. بَيد أن هذا التنسيق لم يحدث، ويعود ذلك، وفق بلومبيرغ، إلى عدة عوامل، منها مخاوف الحكومات من رفع معدلات التضخم بعد صدمة كوفيد، وخشية من ردة فعل الناخبين الذين أطاحوا بعدة إدارات بسبب أزمة غلاء المعيشة. الأمن القومي "الفيل في الغرفة" لكن البعد السياسي والأمني كان حاسما أيضا، كما أشار الباحث هولغر غورغ، من معهد كيل: "الدول قلقة من الصورة الأكبر، فترامب لا يستخدم التجارة فقط كأداة اقتصادية، بل أيضا لتحقيق أهداف جيوسياسية". في حالة أوروبا، جاء اتفاق الرسوم بعد التزام الاتحاد الأوروبي برفع إنفاقه الدفاعي في سياق الحرب الروسية على أوكرانيا، وهو ما ساعد في تهدئة ترامب داخل حلف الناتو. ويرى غورغ أن قضايا الأمن كانت "الفيل في الغرفة" خلال المفاوضات التجارية الأخيرة. الدول الأخرى، كذلك، دخلت في تفاوض فردي مع واشنطن بسبب "خلافات ثنائية"، ما مكن إدارة ترامب من اتباع نهج "فرق تسد"، وإضعاف الموقف الجماعي للحلفاء. تفكك نظام التجارة العالمي وفي سياق متصل، حذرت الخبيرة الاقتصادية إيزابيل ميجان، أستاذة الاقتصاد في "ساينس بو" في باريس، من أن التطورات الحالية قد تؤدي إلى "دورة جديدة من الحماية التجارية" تقوض مكاسب 50 عاما من التعددية. وقالت "في عالم لم تعد تحكمه قواعد متعددة الأطراف، قد تلجأ حتى الشركات الفردية للتفاوض مباشرة مع الإدارة الأميركية، وهذا سيكون مدمرا للنظام القائم". وتُعد هذه الانعطافة تراجعا حادا عن منظومة التجارة العالمية التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة منظمة التجارة العالمية ، والتي تقوم على قواعد جماعية، لا تفاوضات انتقائية. وبينما تُجنّب الاتفاقات الحالية العالم حربا تجارية شاملة، فإنها تمهد في المقابل لتحولات جذرية في بنية الاقتصاد العالمي، يقودها رئيس أميركي لا يخفي استخدامه للأدوات الاقتصادية في معارك النفوذ والهيمنة.