logo
(حرائر سوريا ونظام الأسد)

(حرائر سوريا ونظام الأسد)

صحيفة الشرقمنذ يوم واحد
مقالات
153
مها الغيث
في عصر ما قبل سقراط، قال الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس قولاً ما معناه: «لا يعبر الإنسان نفس النهر مرتين أبداً»، أما (ناجيات) هذا الكتاب السبع، فقد تقدمهن في صفحته الأولى قول: «ربما ستنجو.. لكنك لن تعود كما كنت»، وقد يكفي عنوان الكتاب الفرعي للتدليل على صدق المعنى في القولين، والذي جاء بـ: (شهادات حقيقية لناجيات سوريات من معتقلات نظام الأسد)!
يتضمن هذا الكتاب شهادات حية لسبع معتقلات سوريات نجين من سجون الأسد وبطش جلاديه، بعد أن عشن في أقبيته الظلامية تجربة وحشية إثر اندلاع الثورة السورية عام 2011، تجسّد معاني القهر والظلم والألم واغتصاب الروح قبل الجسد! إنها حكاياتهن التي تم توثيقها من خلال مقابلات مسجلّة أجراها معهن فريق مختص، وقام فيما بعد بتفريغها وإعادة صياغتها في قالب قصصي موحد، وافقن على نشرها كما هي بعد أن عُرضت عليهن! ولأغراض الحفاظ على سرية هوياتهن وسلامتهن وسلامة ذويهن، فقد طال بعض التفاصيل شيء من التغيير، مع الحفاظ على صحة المعلومات الأساسية، كأماكن الاعتقال وفتراتها وأساليب التعذيب وأسماء المحققين ومناطقهم وانتماءاتهم، حتى تبقى صفحات هذا الكتاب بمثابة شهادة حقيقية على تجارب الاعتقال وجرائم نظام الأسد!
على إثرها، تنتقل تلك الحرائر إلى تركيا، ويؤسسن عام 2019 (منظمة ناجيات سوريات)، تضم إليهن مجموعة أخرى تعرضن لتجربة اعتقال أو اختفاء قسري على خلفية رأي أو نشاط سياسي، وكذلك المناصرات لهن! ولأنهن يؤمن بالقيم التي قامت عليها الثورة السورية من عدالة وحرية وديمقراطية، فإن منظمتهن تسعى إلى «كشف الحقيقة وتحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات»، وإلى المساهمة في طي قضية الاعتقال في سوريا ومنعها من التكرار، كما تعمل على تمكين النساء الناجيات حقوقياً وسياسياً واقتصادياً، وإلى رفع الوعي المطلوب في عملية التوثيق، كما في هذا الكتاب. تقول الناجية الأولى في قصتها (إنسان مع وقف التنفيذ) والتي تمنت لو استسلمت لليأس منذ ليلتها الأولى في السجن، وقد افتقدت معنى الدفء من حينها بعد حادثة الاغتصاب التي تعرّضت لها، عندما اختارها المحقق وهي مسنة دوناً عن بقية السجينات الأصغر سناً، ولم تسعفها فيما بعد معاطف كل السجينات اللاتي هرعن لتدفئة جسدها المرتجف: «أما كل ذلك الكلام عن ضرورة التمسك بالأمل للنجاة فهراء محض.. اليأس هناك هو ما ينجي، فهو الذي يعينك على اللامبالاة الضرورية لتمضي الأيام كما هي! لا غد منتظر يطيل دقائقها، ولا آمال عريضة تثقل خيبات الأيام على النفوس».
تقول الناجية الثانية في قصتها (يا حرية) والتي عثرت على مسمار في ظلمة زنزانتها المنفردة، وقد اعتبرته بمثابة هدية تُنهي به عذابها، فتُدفن ومعها كل ما شهدت عليه: «استجمعت كل ما لديَّ من رباطة جأش لأختار أفضل طريقة أستخدمه بها بأقل قدر من الألم! فكرت وفكرت.. أطبقت يدي على المسمار بقوة لا أعلم منبعها تاركة نصله مكشوفاً، ثم غرزته بالجدار.. وخططت به «يا حرية»».
تقول الناجية الرابعة في قصتها (أنا مو بنان) والتي حلمت بالعودة يقيناً مرتدية بيجامتها التي لا تزال جدتها ترتبها في منزلها كل أسبوع ترقباً لمقدمها: «سأعود لا شك، وستزول تلك المنظومة الهشة التي يحاول النظام بها تشكيل المجتمع بشكل طائفي.. سأعود وسيكون السوري سورياً قبل كل شيء، ولن يكون هناك من يولدون ضباطاً وعناصر أمن، ومن يولدون مغتربين.. سأعود ‎لأشهد رفع علم الثورة في جبلة واللاذقية وطرطوس وسوريا كلها! سأعود.. وسيزول النظام.. وستبقى سوريا».
تقول الناجية السادسة في قصتها (قارئة الفنجان) والتي بدورها تناوب خمسة ضباط على اغتصابها وعلى شتم الذات الإلهية معاً، لا سيما ذلك الذي لم يخف أصله العراقي في لهجته الشامية، حين ردت على بذاءة شتائمه الطائفية بفخر الانتساب والاتصاف بـ «بنات عائشة»، والذي توعدها بأن يجعلها تكره النظر لوجهها في المرآة: «‎كنت أبكي نفسي ومصيري بأنين مكتوم، فقد أدركت أني في فرع أمني يرتدي سجانوه لباس الأطباء والممرضين، الذين تعاملوا معي بلؤم شديد على الرغم من معرفتهم بما حدث لي، وبدا أنهم يعتقدون أن أمراً كهذا عقوبة عادية وطبيعية بحقنا نحن أبناء الثورة، بل إن ممرضة هناك قالتها لي صراحة بأنها تتمنى لو يسمح لها فتقتلني بدل أن تقوم بعلاجي».
تقول الناجية السابعة في قصتها (حرة) والتي كانت تناضل بصوتها في سبيل الحق وعلى منصة وفوق جموع المتظاهرين، وقد اقتيدت وطفلها لفرع الأمن العسكري بجريرة زوجها الذي كان ملتحقاً بصفوف جماعة الإخوان المسلمين: «ناديت على السجان أخبره بحاجة ابني، وسمح لي بإخراجه إلى الحمامات، وعند عودتنا انتبهت له معتقلات من زنزانة أخرى كان بابها مفتوحاً، فهرعن إليه يقبلنه ويحتضنه، وعرفت أنهن إنما يقبلن فيه أبناءهن الذين خلّفنهم، بل يقبّلن فيه الحياة نفسها».
في كلمة: هنا تجسّد الشيطان على هيئة جلّاد سلّطه نظام الأسد البائد على حرائر سوريا وحدهن.. حيث وحشية الانتهاك الآدمي في أحط مستويات الفحش، لا تخطر على قلب إبليس!
مساحة إعلانية

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لـــــــــــن نمــــــــــــل مـــن الحــــديـــث عـــن غــــــــزة
لـــــــــــن نمــــــــــــل مـــن الحــــديـــث عـــن غــــــــزة

صحيفة الشرق

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة الشرق

لـــــــــــن نمــــــــــــل مـــن الحــــديـــث عـــن غــــــــزة

ماذا يعني أن أراقب أفعالا لشعوب عربية تصر على موقفها من القضية الفلسطينية وتبرر هذا الموقف أمام شعوب عربية أخرى تنصلت من مسؤوليتها أمام القضية وتحاول بشتى الطرق أن تقنع الفئة الثانية بأن لفلسطين علينا حقا وأنه مهما تضاعفت السنين وامتدت الأعوام ستبقى فلسطين القضية الأولى لنا مهما تلاعبت بنا أمواج (التصهين) الذي بات كثير من العرب يبرعون فيه؟ ماذا يعني أن يسقط عن كثير من الشعوب العربية أقنعة العروبة والدين بل والإنسانية لدرجة ألا تتأثر قلوبهم المتحجرة أمام مشاهد قتل الأجنة في أرحام أمهاتهم والرُضع والأطفال بينما الضحية معروف والقاتل معروف فتهرع لمواساة المتهم وتبرير جرائمه وإلقاء كل الذنب والتهم على الضحية والطرف الأضعف؟ ماذا يعني أن أغرد بما ينصر الفلسطينيين ويرد علي متصهينون يسيئون لي ويعتبرون كل هذا هراء وأن الواقع يبرر ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين؟ هل وصلنا لهذه الدرجة من التصهين في الوقت الذي تفوقت الشعوب الغربية علينا في الإنسانية والأخلاق أمام هذه التي لا يمكن أن يختلف عليها اثنان؟ فوالله إنه أمر لا يسيء لمفهوم العروبة وحدها وإنما يشوه مفهوم الإسلام فينا الذي يحثنا على نصرة أخينا ظالما كان او مظلوما لأن أهل غزة اليوم تجاوزوا معنى أن يقف المواطن العربي معهم لأنهم قد جربوا ماذا يعني أن يموتوا دون كفن أو قبر وأن يُشردوا دون وطن وأرض حرة لهم، لذا لا تلوموهم إن قالوا فينا ما يقولونه من قلوب محترقة ونفوس متألمة أمام تصاعد موجة التطبيع بينما على الطرف الآخر من الكرة الأرضية هناك من يفترش الأرض ويصرخ بأعلى صوته على حكومته أن تقاطع هذا الكيان المجرم بل وأجبر كبرى الجامعات على وقف استثماراتها في إسرائيل رغم ما يلقاه طلاب كثيرون من المتظاهرين من أساليب قمع وتنكيل واعتقال ومحاولات لكتم هذه الأصوات وتغييبها عن الإعلام الذي يلاحقها لنشرها وكشفها للعالم الذي يرى ويعلم لكنه لا يبارك خطوات هؤلاء ممن أثبتوا أن الإنسانية لا يمكن أن تتكلم العربية ولا تدين بالإسلام لأنها إنسانية حرة تشاهد ما جرى للفلسطينيين في غزة وتتألم على كل مشاهد الإرهاب التي ارتكبتها إسرائيل التي باتت مكروهة من هذا العالم الذي قالت شعوبه كلمتها فيها بينما لا تزال حكوماته مرتهنة بيد اللوبيات الصهيونية المتحكمة بها لذا لا يجب أن نكون من هؤلاء في حين إننا نستطيع أن نكون أنظف من هذا كله.

المرونة وإدارة الأزمات
المرونة وإدارة الأزمات

صحيفة الشرق

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة الشرق

المرونة وإدارة الأزمات

102 في يوم الثلاثاء الموافق 24 يونيو، علقتُ في مطار مسقط بسلطنة عُمان لمدة سبع ساعات في انتظار رحلة العودة إلى الدوحة. وكان المجال الجوي القطري قد أُغلق منذ عصر يوم الإثنين الماضي وحتى ما بعد منتصف ليل الثلاثاء بقليل. وجاء ذلك عقب تحذير من ضربة صاروخية وشيكة من القوات الإيرانية على قاعدة العديد الجوية التابعة للقوات الأمريكية، وقد نُفذت الضربة بالفعل مساء الاثنين دون وقوع خسائر في الأرواح. وكانت الصواريخ قد أُطلقت ردًا على ضربات سابقة شنتها القوات الأمريكية على مواقع يُشتبه بأنها تضم أسلحة نووية إيرانية. وتبعتها دول خليجية أخرى بإغلاق مجالها الجوي، حيث أغلقت البحرين والإمارات والكويت مجالاتها الجوية أيضًا. وكان من المقرر هبوط ما يقارب 100 طائرة تابعة للخطوط الجوية القطرية عند لحظة إغلاق المجال الجوي. وقد تم تحويل مسار نحو 25 طائرة منها إلى السعودية، و18 إلى تركيا، و15 إلى الهند، و13 إلى سلطنة عُمان، و5 طائرات إلى الإمارات، وحُوِّلت رحلة من نيجيريا إلى مصر. أما بقية الرحلات، فقد حُوِّلت مساراتها إلى مطارات مختلفة في الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا، بما في ذلك وجهات بعيدة مثل لندن وبرشلونة. ويبدو التعامل مع مثل هذه الاضطرابات في مجال الطيران أمرا معقدا. فعلى سبيل المثال، هناك قواعد صارمة تُحدد الحد الأقصى لساعات الطيران المسموح بها للطيار خلال فترة زمنية معينة. وبالإضافة إلى ذلك، قد يحتاج الطيار إلى التأقلم مع التوقيت المحلي للوجهة. لذا، حتى في حال توافر طائرات جاهزة للإقلاع وطيارين مؤهلين يعملون لدى نفس شركة الطيران وفي نفس المطار وفي نفس الفترة الزمنية، قد تظل هناك حاجة إلى تأخير إضافي. وعلى الرغم من الاضطراب الهائل الذي أحدثه إغلاق المجال الجوي، فقد فعّلت الخطوط الجوية القطرية إجراءاتٍ مُحكمة للاستجابة للأزمات. وكان موظفو الخطوط الجوية القطرية على دراية تامة بالإجراءات الواجب اتباعها، حيث تم تنفيذ خطط مدروسة بعناية ومجربة مسبقًا. وفي غضون ساعات من إعادة فتح المجال الجوي في الساعات الأولى من صباح 24 يونيو، استؤنفت الرحلات الجوية، حيث تم تشغيل ما مجموعه 390 رحلة في ذلك اليوم، تقل أكثر من 11,000 مسافر في صباح ذلك اليوم وحده. وخلال 24 ساعة، كان جميع ركاب الرحلات المحوّلة قد استأنفوا رحلاتهم. وبحلول يوم الأربعاء الموافق 25 يونيو، كانت الخطوط الجوية القطرية قد شغلت 578 رحلة، ولم يتبقَّ أي مسافر عالق على متن الرحلات المحولة. وتتمتع الخطوط الجوية القطرية بخبرة تراكمية كبيرة فيما يتعلق بالتعامل مع الاضطرابات. منذ الأزمة التي أدت الى اغلاق الأجواء خلال الفترة من 2017 إلى 2021، ثم أعقبه تفشي جائحة كوفيد - 19 وما صاحبها من إغلاقات ألحقت أضرارًا بالغة بصناعة الطيران عالميًا. ورغم ذلك، كانت الخطوط الجوية القطرية من بين عدد قليل جدًا من شركات الطيران التي نجحت في مواصلة عملياتها. وهناك درسٌ مهمٌّ يتعلق بتخطيط الأعمال وأولويات الإدارة التنفيذية. ففي السنوات الأولى للعولمة، كان هناك تركيزٌ على إنشاء سلاسل توريد فائقة الكفاءة، استنادًا إلى مبدأ "التوريد في الوقت المناسب" - أي تقليل كمية المخزون المطلوب تخزينه، على سبيل المثال. وقد أدى ذلك إلى تحقيق كفاءات تشغيلية عالية جدًا - ولكن فقط في حالة عدم وجود اضطرابات كبيرة، حيث إن التشغيل التجاري شديد الكفاءة يكون هشًا وضعيف التحمل أمام الأزمات. ومنذ جائحة كوفيد-19، حدثت إعادة تقييم جوهرية في تخطيط الأعمال والنظريات المرتبطة بها، قلّلت من أهمية "الاستجابة في الوقت المناسب" وعززت من اعتماد خطط الطوارئ والبدائل. وبات من المرجح بشكل متزايد منح مفهوم المرونة أولوية مساوية للكفاءة التشغيلية. وهذا لا يعني فقط زيادة المخزون أو الاحتفاظ ببعض الطاقة الإنتاجية الاحتياطية، بل يشمل أيضًا إجراء تخطيط صارم للسيناريوهات وتوفير تدريب مكثف للموظفين لاختبار قدرة الفرق على الاستجابة لمختلف أنواع الأزمات أو غيرها من الأحداث غير المتوقعة. وربما يوجد نوعان من المديرين التنفيذيين للشركات، حيث يضم النوع الأول المديرين الذين يتوقعون تنفيذًا سلسًا لجميع الخطط الاستراتيجية التي يعرضونها في العروض التقديمية، بينما يضم النوع الثاني المديرين الذين يتوقعون حدوث اضطرابات. ودائمًا ما يكون النوع الثاني أكثر ملاءمة للعمليات الفعلية، لا سيما في ظل الفترة الحالية من الحروب التجارية، والتقلبات الجيوسياسية، والهجمات الإلكترونية المتواصلة. مساحة إعلانية

الحاجة لبلورة عقيدة دفاعية خليجية مشتركة للأمن الخليجي!!
الحاجة لبلورة عقيدة دفاعية خليجية مشتركة للأمن الخليجي!!

صحيفة الشرق

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة الشرق

الحاجة لبلورة عقيدة دفاعية خليجية مشتركة للأمن الخليجي!!

123 يبقى التحدي منذ قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مايو 1981- قبل 44 عاما من العمل الخليجي المشترك، تحويل مجلس التعاون إلى تحالف عسكري جامع يمنع ويوازن ويردع الخصوم والأعداء. شهدنا لمدة أربعة عقود مد وجزر العلاقات الخليجية بتحديات داخلية وخارجية خطيرة، هددت كيان المجلس. وزادت وتنوعت وتعقدت التهديدات من دول إقليمية بأجندات ومطامع. ركن المجلس للتعاون مع قوى خارجية كبرى من بريطانيا إلى الولايات المتحدة بعد حرب تحرير دولة الكويت وسقوط وتفكك الاتحاد السوفيتي، لكننا لم ننجح جماعيا برغم القدرات والإمكانيات بالانتقال إلى التكامل وبلورة عقيدة أمنية دفاعية تردع الخصوم والأعداء وتتصدى للتهديدات المتصاعدة. شن إسرائيل حرباً مباغتة على إيران بغارات وعمل استخباراتي باغتيال قادة الصف الأول في الحرس الثوري الإيراني وعلماء ذرة ونوويين، أطلق جرس إنذار، ذكّر بالحاجة للتعاون والعمل الجاد لبلورة مشروع وعقيدة عسكرية دفاعية جماعية تصون أمننا وتحمي مصالحنا ومقدرات شعوبنا. وثبت أن حياد دولنا ومنع الولايات المتحدة استخدام قواعدنا العسكرية لا يقينا شر الاعتداءات والانتقام، وأن نُقحم بحروب الآخرين. تمثل ذلك باعتداء الحرس الثوري الإيراني على سيادة دولة قطر بقصف قاعدة العديد الجوية تتمركز فيها قوات أمريكية. وسط استنكار وتنديد خليجي وعربي ودولي واسع. عبَّر عنه سمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد باتصال الرئيس الإيراني مسعود بازشكيان بإدانة "قطر الشديدة للهجوم على قاعدة العديد باعتباره انتهاكا صارخا لسيادتها ومجالها الجوي وللقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة... ويتنافى الانتهاك تماما مع مبدأ حسن الجوار والعلاقات الوثيقة التي تجمع البلدين، لا سيما وأن قطر كانت دائما من دعاة الحوار مع إيران وبذلت جهودا دبلوماسية حثيثة في هذا السياق". حتى قبل الاعتداء الإيراني على قاعدة العديد الجوية في قطر وشن إسرائيل حرب 12 يوما على إيران لتدمير منشآت إيران النووية، وضرب قدراتها الصاروخية واغتيال قادة الحرس الثوري واغتيالات علماء نوويين لضرب وتأخير البرنامج النووي. لتنضم الولايات المتحدة لإكمال بضرب منشآت أصفهان واراك، وخاصة فوردو لتخصيب اليورانيوم ودرة تاج برنامج إيران النووي تحت الأرض بقنابل خارقة التحصينات ورد إيران الانتقامي بقصف قاعدة العديد الجوية في قطر، وتصدي الدفاعات الأرضية القطرية بأنظمة باتريوت بكفاءة عالية، وترفع مؤشر التوتر. لذلك بات ملحاً معالجة المعضلة الأمنية بعيداً عن ردة أفعال فردية وآنية، وبلورة إستراتيجية جماعية تردع الخصوم والأعداء. علّقت في مقاليّ الأخيرين في "الشرق" - "أولوية دولنا الخليجية... وقف حرب إسرائيل على إيران".. ونجاح جديد لوساطة دولة قطر.... تساهم بوقف حرب إسرائيل على إيران"!!، وفي ندوات ودراسات سابقة للحاجة الملحة لصياغة وبناء عقيدة أمنية خليجية موحدة برؤية أمنية مشتركة تتصدى لحزمة التهديدات الأمنية والعسكرية والأمن الصلب والأمن الناعم وعلى رأسها الاتفاق على مصادر وأبعاد وخطورة التهديدات العسكرية وتهديد أمن الطاقة (النفط والغاز) والإرهاب والاعتداءات السيبرانية. والعمل الجماعي على إقامة قيادة عسكرية موحدة أبعد وأشمل من درع الجزيرة. ومنظومة دفاع جوي وصاروخي مشتركة وشبكة إنذار مبكر لدول مجلس التعاون الخليجي. وكما علّقت في دراسة سابقة: "أمننا الخليجي يجب أن نصنعه بأيدينا، لا أن نستورده من الخارج". خاصة أن التباين والخلافات الخليجية الهيكلية والأمنية والاختلاف على مصادر التهديدات يعيق العمل الجماعي لمواجهة حزمة التهديدات المتصاعدة، خاصة التهديدات غير المتناظرة من تنظيمات عقائدية مسلحة، وصراع القوى الإقليمية الكبرى كما شهدنا مؤخرا بين إسرائيل وإيران لن نكون بمنأى عن تداعياته. حتى ببقاء دولنا على الحياد تجاه الحرب بين إسرائيل وأمريكا من جهة وإيران من جهة ثانية. ولن يحمي علاقتنا الودية مع إيران والتطبيع مع إسرائيل، الدول المطبعة من التعرض لتهديد المواجهة. وأؤكد على الحاجة لتقليص الاعتماد المطلق على الحماية الأمريكية في وقت تبدو الإدارات الأمريكية منذ إدارة الرئيس أوباما مرورا بإدارات الرئيسين ترامب الأولى والثانية وبينهما إدارة الرئيس بايدن- المنكفئين عن منطقتنا بعيدا عن الحروب الدائمة ومكافحة الإرهاب وبتغير أولوياتها لاحتواء الصعود الصيني الطاغي ومواجهة تهديد روسيا للأمن الأوروبي انطلاقا من أوكرانيا. كما أن التعويل شبه الكلي على الحماية الخارجية لا يمكن استمرارها لتغير الأهداف والأولويات وتراجع الحاجة للطاقة الخليجية. كما على دولنا الخليجية تنويع الانفتاح على تعاون أمني ودفاعي متعدد الأبعاد مع القوى الإقليمية مثل تركيا والقوى الدولية- الصين وروسيا والهند. مع تيقننا أنها ليست بديلة على المدى المنظور عن الوجود العسكري والأمني الأمريكي. كذلك هناك حاجة ملحة لدولنا إلى تفعيل الانخراط بدبلوماسية الوساطات التي أتقناها بنجاح مميز لحل أزمات وصراعات المنطقة، والمهددة للأمن الخليجي. كما أثبتت نجاحات الوساطات الخليجية خاصة الوساطة القطرية بين الولايات المتحدة وإيران في أكثر من ملف وبين حماس وإسرائيل وبين الولايات المتحدة وطالبان، وكذلك وساطة سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وقبلهم دولة الكويت في حل الأزمة الخليجية الأخيرة. ويمكننا البناء على ذلك بوساطات وإطلاق حوارات لنزع فتائل الأزمات والتهديدات. وتبقى عربدة وتعنت إسرائيل واستباحة سيادة دول المنطقة من المتوسط إلى البحر الأحمر والخليج العربي- مع استمرار حرب الإبادة على غزة وتهويد القدس وبناء المستوطنات وحتى المطالبة بضم الضفة الغربية، يشكل التهديد الأبرز والأخطر. مع التأكيد أن لا أمن ولا استقرار في المنطقة طالما بقيت القضية الفلسطينية دون حل شامل ونهائي وعادل ينزع الفتيل المتفجر ويهدد الأمن والاستقرار العربي من الخليج إلى المحيط. لذلك على المجموعة العربية والإسلامية في الأمم المتحدة، ومن لديهم علاقات مميزة مع إدارة الرئيس ترامب الضغط بهذا الاتجاه لوقف حرب غزة، والانخراط بمفاوضات جادة لنزع الصاعق المتفجر واحتواء تهديدات الأمن الخليجي والعربي معاً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store