logo
التباس وغموض يحيطان بقضايا «اختفاء» في سوريا

التباس وغموض يحيطان بقضايا «اختفاء» في سوريا

الشرق الأوسط١١-٠٦-٢٠٢٥
لا يزال الاختفاء القسري والخطف والأعمال الانتقامية من أعقد التحديات التي تواجه السلطات الأمنية في سوريا، ولا يزال الغموض والمعلومات المتضاربة تحيط بمعظم الحالات التي يتم تداولها في وسائل الإعلام المحلي والخارجي، متسببة ببث الذعر والقلق، لا سيما في مناطق الساحل السوري، ومحافظة حمص والسويداء، التي تشهد أغلب الحالات التي يتم تسليط الضوء عليها. بينما تغيب حالات مماثلة في مناطق أخرى عن الإعلام، تظهر أخرى تتعلق بجرائم القتل الانتقامية التي تشهدها محافظات مثل حماة ودرعا.
الطبيب وسام الأحمد
من الأمثلة على الاختفاء، قيام جهة مسلحة بإخفاء المحامي رضوان الأحمد وشقيقه الطبيب بسام الأحمد في قرية بيت عانا في محافظة اللاذقية أثناء حملة أمنية شنتها قوى الأمن العام عشية عيد الأضحى. وتضاربت المعلومات عما إذا كان توقيفهما تم من قِبل الأمن العام أم اختُطفا على يد فصيل مسلح.
وسبق تلك الحادثة بساعات حالة خطف لشخص يدعى ممتاز يوسف أحمد من أمام منزله في مدينة طرطوس، من قِبل ملثمين، وفق ما أعلنت زوجته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد أبلغت الأمن العام دون التوصل لسبب الخطف أو هوية الفاعلين. وفي دمشق لا يزال الغموض يحيط بالعثور على جثامين خمسة شبان في مشفى المجتهد، من أصل سبعة اختفوا أثناء عودتهم من العمل إلى مسكنهم في حي عش الورور.
المحامية عهد قوجة من مدينة جبلة الساحلية ومقيمة بدمشق، قالت إنها كانت تتابع قصص المختطفين، للوصول إلى معلومات موثوقة، لكنها توقفت عن السعي، بسبب «الالتباس» الحاصل حولها. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «هناك حالات خطف للفدية، وهي كانت موجودة فترة النظام السابق ولا تزال مستمرة، كذلك هناك حالات اختفاء قسري لأسباب طائفية، إضافة إلى حالات اختفاء غامضة».
إلا أن المشكلة - بحسب رأيها: «هي في غياب المعلومات وطمس الحقائق والتهويل بالشائعات والأخبار غير الصحيحة»، لا سيما ما تردد عن حالات «سبي». وأوضحت أنه «لغاية الآن لا دليل ملموساً أو معلومات موثوقة على وجود حالات سبي للنساء، لكن في ظل حالات الخطف لأسباب طائفية لا يُستبعد الاحتمال».
و رأت المحامية أن «ما يزيد الالتباس في هذه القضايا، صمت السلطات وعدم توضيح حقيقة ما يجري للرأي العام»، منبهة إلى «أن ما ساهم في زيادة الغموض وتضييع قضية المختفيات قسرياً، حالات اختفاء روّجت على أنها سبي ثم تبين أن النساء ذهبن بإرادتهن».
ويتداول ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي قوائم بأسماء خمسين امرأة اختفين بظروف غامضة أو اختطفن، منذ سقوط النظام ولغاية اليوم. تقول قوجة: «إن حالات الاختفاء والخطف التي تم التبليغ عنها قليلة قياساً إلى القوائم المتداولة، ومن الحالات المبلغ عنها، الأطفال الثلاثة الإخوة (الصبي والبنتان) الذين اختفوا في ريف اللاذقية أثناء أحداث الساحل في مارس (آذار) الماضي، وقبل يومين ظهرت البنتان ولم تتضح أي معلومات عن المكان الذي كانتا فيه ولا مصير شقيقهما.
الشابة ميرا التي شغل اختفاؤها مواقع التواصل وتبيَّن أنها هربت مع الشاب أحمد الذي رفضه أهلها وتزوجا (فيسبوك)
كذلك الشابة ميرا التي بلَّغ والدها عن اختفائها وظهرت لاحقاً لتعلن زواجها من شاب قالت إنها ذهبت معه بإرادتها دون علم أهلها. وهناك الفتاة لانا التي زيَّفت عملية خطفها لتظهر لاحقاً مع شاب قالت إنها مرتبطة به. وترى المحامية قوجة أن «معظم تلك الحالات تظهر أن الاختفاء كان لأسباب شخصية».
تشير محدثتنا إلى حالات أخرى للاختفاء تم التبليغ عنها، وهي «خطف أطفال لطلب فدية، من ذلك طفل في صحنايا بريف دمشق، وتم تحريره قبل أيام، وطفل في حلب عاد إلى أهله بعد دفع فدية للخاطفين، وطفلا محاميين اختطفا في دمشق ودفع الوالدان فدية باهظة لاستعادتهما»، هذا بالإضافة إلى حالات خطف لأسباب انتقامية أغلبها لم يتم الإعلان عن الجهات الخاطفة. وانتقدت قوجة طريقة معالجة هذه القضايا سواء من قِبل الجهات الرسمية و الإعلام المحلي، وما يسببه ذلك من قلق وانعدام للأمان.
من جهة أخرى، قالت ناشطة نسوية في حماة، إن عمليات القتل الانتقامي تتكرر في حماة بعيداً عن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، آخرها كان قبل أسبوع في حي الشيخ عنبر، وأغلب الجرائم يشاع أنها تستهدف متعاونين سابقين مع الأجهزة الأمنية في النظام السابق دون تأكيدات موثوقة. واصفة الفعل بـ«الخطير للغاية» ويهدد الاستقرار، ومن المستغرب ألا تكشف السلطات الأمنية عن ملاحقتها للقتلة أو توضيح ملابسات «الجرائم التي تمر مرور الكرام»، بحسب تعبيرها.
احتراق سيارة في قرية بيت عانا بجبلة الساحلية نتيجة مواجهات مع مجموعة خارجية عن القانون (متداولة)
في السياق، أكد محمد يوسف، وهو ناشط مدني في بانياس الساحلية، ويتعاون مع لجان السلم الأهلي فيما يتعلق بجرائم القتل والاختطاف، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالات الخطف وجرائم القتل الطائفي» لا تزال متواصلة في بانياس، بمعدل يومي، إلا أن ما يخص خطف النساء، فإن «معظمها غير موثق». مضيفاً أنه في بانياس لم يتم الإبلاغ عن حالة حقيقية، وأن الحالات التي كُشف عنها كانت لأسباب خاصة اجتماعية، كالهروب من الأسرة، في حين يتواصل خطف الرجال واغلب الحالات لأسباب انتقامية؛ إذ يعثر على الجثة بعد اختفاء يتراوح من يوم إلى أسبوع».
وأكد محمد يوسف، على أن ما يسبب الالتباس هو «أن الأمن العام لا يكشف عن أسماء الموقوفين لديه»، وبالتالي يصعب تحديد ما إذا كان سبب الاختفاء، توقيفاً أم خطفاً يقوم بها أشخاص لا يتبعون أي جهة ويحملون سلاحاً مسروقاً ويقتلون لأسباب طائفية بحتة.
من تلك الحالات، قتل الشاب سامر سليمان حمدوش من قرية كوكب، وهو عامل تركيبات في مقسم البيضة، وقد قُتل بطلقة مسدس في الرأس، لافتاً إلى وجود حالات يعرف فيها القاتل ولا تتم محاسبته. من ذلك، شخص من قرية علقين، قُتل حبيب حيدر وأولاده الثلاثة من قرية بديغان، جرى توقيف القاتل لأقل من شهر ثم أُطلق سراحه، وهناك حالات قتل أخرى عُرف القاتل ولم يقبض عليه، منها قتل ثلاثة أشخاص في قرية القلوع، وهم شمعون وابنه رامز وأخوه هاني محفوض، أمام منزلهم ولم يتم التصرف رغم وجود كاميرات مراقبة في المنطقة التي حصلت فيها جريمة القتل.
وقد حظرت فتوى مجلس الإفتاء الأعلى في سوريا «الثأر الشخصي»، وأكدت ضرورة استرداد الحقوق عبر القضاء، وجاء في الفتوى: «إن من أعظم الظلم التعدي على الدماء والأعراض والأموال المعصومة، ومن حق المظلوم المطالبة بحقه عبر الطرق المشروعة، لكن الواجب في استيفاء الحقوق أن يكون عن طريق القضاء فقط، وليس عبر التصرف الفردي أو بناءً على إشاعات؛ حفاظاً على حرمة الدمـاء والأعراض ومنعاً للفوضى».
كما حذَّر المجلس من تحريض الأفراد على الثأر، مؤكداً أن ذلك «يذكي نار الفتنة ويهدد السلم المجتمعي»، كما طالب المجلس المسؤولين بـ«تعجيل إجراءات التقاضي، وإبعاد قضاة السوء»، وضمان تحقيق العدالة حفاظاً على استقرار المجتمع.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ملفّ السجناء السوريين يربك لبنان وحلّه يحتاج أطراً قانونية
ملفّ السجناء السوريين يربك لبنان وحلّه يحتاج أطراً قانونية

الشرق الأوسط

timeمنذ يوم واحد

  • الشرق الأوسط

ملفّ السجناء السوريين يربك لبنان وحلّه يحتاج أطراً قانونية

عاد ملفّ السجناء السوريين في لبنان إلى الواجهة مجدداً، إثر تسريب معلومات تتحدّث عن «استياء الإدارة السورية حيال مماطلة لبنان في تسليمهم إلى بلادهم، والتلويح بإجراءات سياسية واقتصادية ضدّ لبنان». وخلقت هذه المعلومات إرباكاً في الأوساط السياسية اللبنانية، قبل أن يسارع الجانب السوري إلى نفيها. وكشف مصدر رسمي لبناني لـ«الشرق الأوسط»، أن «اتصالات سريعة أجرتها الحكومة اللبنانية مع المسؤولين السوريين، الذين نفوا صحّة هذه المعلومات». وشدد المصدر على أن «ملفّ السجناء السوريين لا يزال في صلب اهتمام المراجع السياسية والقضائية والأمنية، وتجري مقاربته بالطرق القانونية»، مؤكداً «استعداد لبنان للتعاون في تسليم السجناء السوريين الذين تنطبق عليهم شروط التسليم من دون مخالفة القوانين والأنظمة المرعية الإجراء». ونقل «تلفزيون سوريا»، في تقرير له، معلومات عن الإدارة السورية الجديدة، تفيد بأن الرئيس أحمد الشرع «عبّر خلال استقباله وفداً من دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية برئاسة مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان عن استيائه الشديد من تلكؤ السلطات اللبنانية في معالجة قضية السجناء السوريين، وأشار إلى أن هذا التجاهل المتكرر من بيروت لهذا الملف الإنساني لم يعد مقبولاً». وأعلن التقرير أن الرئيس الشرع «لوّح بإجراءات سياسية واقتصادية قاسية ضدّ لبنان، بينها فرض قيود على حركة الشاحنات اللبنانية العابرة للأراضي السورية وإقفال بعض المعابر البرية». وسارعت مصادر مطلعة على نتائج زيارة مفتي الجمهورية اللبنانية إلى دمشق، إلى نفي هذه المعلومات جملة وتفصيلاً، وأكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن الرئيس الشرع «لم يناقش مع المفتي دريان والوفد المرافق ملف السجناء السوريين لا من قريب ولا من بعيد، بدليل أن البيان الذي صدر عن دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية لم يتحدث عن هذا الأمر». ويوجد في السجون اللبنانية أكثر من 2000 موقوف سوري، بينهم نحو 800 يحاكمون بقضايا أمنية، ويتهمهم القضاء العسكري اللبناني بـ«ارتكاب جرائم إرهابية»، ما دفع هؤلاء إلى مناشدة الرئيس أحمد الشرع مرات عدّة للعمل على نقلهم إلى بلادهم وإكمال محاكمتهم هناك. وكشف مصدر في إدارة السجون التابعة لوزارة العدل اللبنانية أن «اللجنة القضائية - الأمنية التي شكلتها وزارتا الداخلية والعدل أنجزت ملفات عائدة لمئات السجناء السوريين من أجل تسليمهم إلى بلادهم، إلّا أنها اصطدمت بعقبات قانونية حالت دون إتمام هذه المهمّة». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا يمكن تسليم أي سجين إلى بلاده ما لم يكن محكوماً»، مشيراً إلى أن قرار التسليم «لا يسري بأي حال على الموقوفين الذين لم تصدر أحكامٌ بحقهم، خصوصاً إذا كان الشخص ارتكب جريمته في لبنان وضحيته مواطن لبناني». وقال: «توجد عدد من الاتفاقيات القضائية الموقعة ما بين لبنان وسوريا، بينها اتفاقية استرداد المطلوبين، أي إذا ارتكب مواطن سوري جرماً في لبنان يمكن تسليمه للسلطات اللبنانية لمحاكمته والعكس صحيح». وشدد على أنه «لا توجد اتفاقيةٌ لتسليم المحكومين، ويمكن لوزارتي العدل في البلدين أن توقعا هذه الاتفاقية قريباً، وبعدها تُحال على المجلس النيابي لإقرار قانون بشأنها»، لافتاً إلى أنه «إذا تحقق هذا الأمر يمكن أن يستفيد منها 370 سورياً محكوماً عليه ويقضي عقوبته بالسجون اللبنانية». وينتظر أن يزور وزير العدل السوري مظهر الويس، بيروت، قريباً ليبحث مع المسؤولين اللبنانيين عدداً من الملفات ذات الاهتمام المشترك، ولا يستبعد المصدر اللبناني «إمكانية توقيع اتفاقية تتعلق بنقل المحكومين»، معتبراً أن لبنان «صاحب مصلحة في نقل مئات السجناء السوريين إلى بلادهم، شرط أن تتوفر الشروط القانونية لذلك»، وأن الأمر «لا يعالج بطريقة عشوائية، أو بإرسال حافلات إلى السجون وترحيل السجناء عبرها». وشهد سجن روميه المركزي في الأشهر الماضية حالات شغب وفوضى، خصوصاً في «المبنى ب» الذي يضم الموقوفين الإسلاميين، بينهم السوريون المتهمون بجرائم أمنية. وطالب مثيرو الشغب بـ«إقرار قانون العفو العام وتحسين ظروفهم داخل السجن». كما أعلن أكثر من 100 موقوف سوري إضراباً عن الطعام في 12 فبراير (شباط) الماضي، واستمروا لمدة أسبوعين، لكنهم علقوا الإضراب بعد زيارة وفد من السفارة السورية سجن روميه ولقائه عدداً من المضربين عن الطعام، وإبلاغهم بأن الحكومة السورية ستولي ملفهم الاهتمام اللازم. وأكد مصدر في وزارة العدل اللبنانية لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك اتصالات قائمة ما بين وزارتي العدل في لبنان وسوريا». وقال: «أبدينا استعدادنا الكامل للتعاون بملفّ السجناء السوريين، ونحن جاهزون للبدء بتنفيذ عمليات تسليم المحكومين السوريين إلى بلادهم، عندما تستكمل كل الإجراءات القانونية».

خلال 10 أيام دمشق تعتقل 4 من رؤساء الأجهزة الأمنية في نظام الأسد
خلال 10 أيام دمشق تعتقل 4 من رؤساء الأجهزة الأمنية في نظام الأسد

الشرق الأوسط

timeمنذ يوم واحد

  • الشرق الأوسط

خلال 10 أيام دمشق تعتقل 4 من رؤساء الأجهزة الأمنية في نظام الأسد

مع تزايد مطالبات أهالي ضحايا النظام السوري السابق بدفع مسار العدالة الانتقالية والحد من عمليات القتل الانتقامي، كثفت السلطات الأمنية السورية عملياتها وتم الإعلان عن إلقاء القبض على العشرات من المتهمين بارتكاب جرائم حرب زمن النظام السابق، بينهم سبعة أشخاص على الأقل من القياديين، أربعة منهم ضباط برتبة عميد، وثلاثة رؤساء أفرع أمنية خطيرة، وضابط برتبة عميد طيار متهم بقصف غوطتي دمشق الشرقية والغربية، بالإضافة إلى ضابط برتبة لواء قائد فرقة عسكرية كان يتبع لها أخطر حاجز لقوات النظام على الطريق الدولي حمص - دمشق. أطفال سوريون يحتفلون بعيد الأضحى في منطقة دوما المدمّرة قرب دمشق (أ.ب) وأُعلن في دمشق، الثلاثاء، القبض على العميد رياض حمدو الشحادة، رئيس فرع الأمن السياسي في دمشق، وقالت مديرية الأمن الداخلي في منطقة تلكلخ بريف حمص، إنها ألقت القبض عليه بعملية أمنية دقيقة، مشيرة إلى أنه شغل مناصب كثيرة لدى الأمن السياسي في عدد من المحافظات السورية، كان آخرها رئيس فرع الأمن السياسي بدمشق. وهو متهم بالتورط بارتكاب جرائم حرب عدة «تضمنت عمليات تصفية لمئات الثائرين، منهم نساء، بالإضافة إلى عمليات اعتقال تعسفية بأوامر مباشرة منه». ويعد رياض حمدو الشحادة ثاني عميد ورئيس فرع أمني يُقبض عليه خلال أسبوع، فقد أعلنت قيادة الأمن الداخلي في اللاذقية القبض على العميد رامي منير إسماعيل، رئيس فرع المخابرات الجوية «سيئ الصيت» في محافظتي اللاذقية وطرطوس. وبحسب قيادة الأمن، فإن إسماعيل «مسؤول عن كثير من الانتهاكات بحق المدنيين»، وتم القبض عليه خلال محاولته الفرار خارج البلاد. العميد دعاس حسن علي رئيس فرع أمن الدولة في دير الزور وسبق ذلك بأيام قليلة، إعلان قيادة الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية، القبض على العميد دعاس حسن علي، رئيس فرع أمن الدولة في دير الزور؛ لتورطه بجرائم حرب وانتهاكات بحق الأهالي وجرائم اقتصادية، أبرزها سرقة النفط وبيعه لحسابه الشخصي، وفق بيان قيادة الأمن في اللاذقية. القيادة نفسها كانت أعلنت مطلع الشهر الحالي، عن تنفيذ عملية أمنية محكمة أسفرت عن إلقاء القبض على العقيد عمار محمد عمار، في طرطوس، ووصفته بأنه من مجرمي الحرب العاملين في «جهاز أمن الدولة» زمن النظام السابق وتحديدا في المركز المعروف باسم «فرع الخطيب»، قبل تسلمه رئاسة قسم الأربعين في الفرع ذاته. يشار إلى أن قسم الأربعين الذي سبق وتسلمه حافظ مخلوف ابن خالة الرئيس السابق بشار الأسد عام 2011، كان مسؤولاً عن مكافحة «الإرهاب»، ورغم تابعيته لفرع أمن الدولة، فإنه كان ينشط بشكل مستقل ويتمتع بصلاحيات واسعة ضمن قطاعه داخل المربع الأمني في العاصمة، واشتهر بشدة البطش؛ إذ ارتبط اسمه بالتغييب والإخفاء القسري، وانخراطه في عمليات ابتزاز وفرض الإتاوات. وقالت قيادة الأمن إنها اعتقلت العقيد عمار بالتعاون مع مجموعة من الفرقة 50 التابعة لوزارة الدفاع السورية. ويضاف إلى المسؤولين الأمنيين الأربعة، اللواء موفق نظير حيدر، قائد الفرقة الثالثة دبابات في جيش النظام السابق، الذي أعلن القبض عليه 24 يونيو (حزيران) الماضي في اللاذقية بعملية أمنية. ويعدّ حيدر المسؤول عن حاجز القطيفة المعروف لجميع السوريين بـ«حاجز الموت»، كما عُرفت الفرقة بـ«رأس الحربة» في الاقتحامات التي نفذتها ميليشيات النظام السابق على كثير من المناطق السورية، بالإضافة إلى تورطه في ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات بحق المدنيين. اللواء الطيّار ميزر صوان الملقّب بـ«عدو الغوطتين» ومن العسكريين وقادة الميليشيات البارزين الذين تم اعتقالهم مؤخراً، اللواء الطيّار ميزر صوان، الملقّب بـ«عدو الغوطتين»، والمدرَج على قوائم العقوبات الدولية، منها قائمة الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. وقالت وزارة الداخلية إنه جرى اعتقاله في حرستا بريف دمشق، في 25 يونيو (حزيران)، مشيرة إلى أن المذكور شغل مناصب عسكرية عدّة، أبرزها قيادته الفرقة 20 الجوية في مطار الضمير العسكري، ويُعدّ من «المتورّطين في إصدار الأوامر للطيران الحربي بقصف المناطق الثائرة ضد النظام البائد في الغوطتين، بالإضافة إلى مشاركته المباشرة بطائرته المقاتلة في ارتكاب عدد من المجازر الجوية في دوما ودير العصافير بريف دمشق». مطار الضمير العسكري (أرشيفية) كما تم القبض في دير الزور على فادي العفيس، أحد قادة ما يُعرف بميليشيا «لواء الباقر» لتورطه في جرائم حرب، وقالت قيادة الأمن في دير الزور أن «العفيس عمل في الجهاز الأمني التابع لتنظيم (داعش) حتى عام 2018، ليفرّ بعدها إلى مناطق سيطرة النظام البائد، وينضم إلى الأمن العسكري ويصبح قيادياً فيه». أطفال عادوا مع أسرهم إلى إدلب في شمال غربي سوريا بعد سقوط النظام ديسمبر 2024 (الأمم المتحدة) وفي إدلب قالت قيادة الأمن الداخلي بالمحافظة، مطلع الشهر الحالي، إنها نفذت عملية أمنية أُلقي خلالها القبض على العقيد زياد كوكش؛ لتورطه بجرائم حرب وانتهاكات بحق السوريين. وبالإضافة إلى مشاركته في قمع المتظاهرين ضد النظام السابق لدى انطلاق الثورة، تسلّم لاحقاً قيادة حواجز مهمة على مداخل محافظة حماة، إلى أن أُحيل إلى التقاعد عام 2016، ليتطوع في صفوف الفرقة 25 التابعة للعميد سهيل الحسن. الناشطة السورية ياسمين المشعان تحمل صور ضحايا لنظام الرئيس بشار الأسد أمام محكمة في ألمانيا بتاريخ 13 يناير 2022 (أرشيفية - أ.ف.ب) وتشير بيانات وزارة الداخلية السورية المعلنة منذ سقوط النظام في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) ـ إلى إلقاء القبض على تسعة عشر ضابطاً في قوات النظام السابق، ستة منهم برتبة لواء، ثمانية برتبة عميد وثلاثة برتبة عقيد، بينهم أربعة من رؤساء الأجهزة الأمنية، وثلاثة قادة مطارات عسكرية، بالإضافة إلى مقتل العميد الطيار علي شلهوب في اشتباكات لدى محاولة القبض عليه في 26 أبريل (نيسان) بحمص. اللواء طيار فايز إبراهيم قائد مطار الضمير العسكري (متداولة) يشار إلى وجود قوائم غير رسمية بأبرز المطلوبين من أجهزة النظام السابق العسكرية والأمنية، تتفاوت الأعداد فيها بين 100 و160 مطلوباً، في حين لم يتجاوز عدد الذين تم القبض عليهم من تلك القوائم أصابع اليد الواحدة، رغم تواصل الحملة الأمنية التي أطلقتها السلطات السورية الجديدة لملاحقة الفلول والمتورطين بجرائم حرب وانتهاكات واسعة ضد السوريين والقبض على العشرات من ضباط الأمن وعناصر الميليشيات وعناصر مرتبطة بشبكات الفساد والسلاح والمخدرات التي تمدّدت خلال سنوات الحرب.

نهاية «التعايش القسري» بين العشائر العربية و«قسد» في الجزيرة السورية
نهاية «التعايش القسري» بين العشائر العربية و«قسد» في الجزيرة السورية

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 أيام

  • الشرق الأوسط

نهاية «التعايش القسري» بين العشائر العربية و«قسد» في الجزيرة السورية

تتفاوت مواقف العشائر العربية في منطقة الجزيرة السورية من «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» بين القبول والرفض والتحفظ؛ فبعض العشائر تتعاون معها في إدارة مناطقها، بينما ترفضها عشائر أخرى وتعارض وجودها كلياً، فيما تتخذ عشائر ثالثة مواقف وسطية أو متغيرة بناء على التطورات الميدانية والسياسية. وفي حين يرى بعض العشائر في «قسد» حليفاً ضرورياً للحفاظ على الأمن والاستقرار في مناطقها، خصوصاً في ظل التهديدات المستمرة من قبل تنظيم «داعش» وغيره من الجماعات المسلحة، تتهم عشائر أخرى «قسد» بممارسة التمييز ضد العرب، وبتهميشهم في الإدارة المحلية؛ ما يدفعها إلى رفض التعاون معها ومعارضتها. وفي تصعيد جديد للمواقف الشعبية في شمال وشرق سوريا، أصدر شيوخ ووجهاء عشائر عربية من محافظات دير الزور والحسكة والرقة بياناً موجّهاً إلى قيادة التحالف الدولي، وعلى رأسها الولايات المتحدة، طالبوا فيه بوقف الدعم العسكري والسياسي المقدّم لـ«قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» وجميع التشكيلات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة السورية. مشهد لنهر الفرات الذي يعبر الجزيرة السورية وقد بدا في الخلفية جسر دير الزور الأثري مدمراً (غيتي) وأكد البيان أن ممارسات «قسد» التي وصفها بـ«القمعية»، أدَّت إلى فقدان الأمن والاستقرار وانتشار الفوضى في المنطقة، محمّلين التحالف الدولي المسؤولية المعنوية والقانونية عن استمرار هذا الوضع. فقد وثَّقت وسائل إعلام محلية، مقتل الطفل فريد الهريش في بلدة أبو حردوب برصاص عنصر من «قسد»، بتاريخ 26 يونيو (حزيران) الماضي. وفي 2 يوليو (تموز)، لقي الطفل علي العوني حتفه، أثناء جمعه للقمح قرب حاجز عسكري. ولا تقتصر الانتهاكات على القتل المباشر، بل تتسع لتشمل اختطاف الأطفال وتجنيدهم قسرياً، عبر منظمة «الشبيبة الثورية»، أو فرض دفع بدل يقارب 300 دولار للإعفاء من الخدمة العسكرية. ويفرض أخيراً على الزائرين من الخارج ممن تجاوزوا الخامسة والعشرين إجراءات بيروقراطية، ودفع مبالغ مالية لاستصدار إعفاءات. وشدّد الموقعون على البيان على تمسكهم بـ«وحدة سوريا ورفضهم لأي مشاريع انفصالية»، داعين إلى إعادة سلطة الدولة السورية على كامل المناطق الشرقية والشمالية، ودمج العناصر الراغبين من «قسد» في صفوف الجيش السوري بقيادة الحكومة الشرعية. وفي الأول من يوليو (تموز)، وجَّه 14 شخصاً من شيوخ ووجهاء عشائر وقبائل العقيدات وشمّر والبوشعبان والبقارة، إضافة إلى عشائر البوليل والمشاهدة والبوسرايا من محافظات دير الزور والحسكة والرقة، بيانهم إلى قيادة التحالف الدولي، كما وجّهوا نداء إلى من سموهم «أبناءهم» المنخرطين في صفوف «قسد»، داعين إياهم إلى الانشقاق عنها والعودة للمشاركة في إعادة بناء الدولة. في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، قال ناصر حمود الفرج أحد الشيوخ الممثلين عن عشيرة البوشعبان ومن الموقِّعين على البيان، إن بيانات أخرى سبقته وحملت «الموقف ذاته، وعبّرت عن صوت أبناء العشائر، لكن الظروف الحالية، وتراكم الانتهاكات، والطلب الشعبي المتزايد، فرضت علينا أن نرفعه مجدداً، وبنبرة أكثر وضوحاً». العشائر العربية وقد أعلنت «النفير العام» لمحاربة «قسد» في الجزيرة السورية عام 2023 (غيتي) وكانت العلاقة بين «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» والعشائر، في شمال شرقي سوريا، تشكلت على أساس المصالح المتبادلة، من حيث تقديم الدعم لهذه القوات مقابل تأمين مناطقهم، ومنع وصول تنظيم «داعش» إلى مناطقهم بعدما فَرَض سيطرته على أجزاء واسعة من غرب العراق وشرق سوريا، في يونيو (حزيران) 2014. إلا أن العلاقة شهدت تقلبات حادة؛ فانتقلت من مرحلة التنسيق المشترك بين «قسد» وعشائر البقارة وشمر وغيرهما وخوض الحرب ضد «داعش» بين عامي 2015 و2017، إلى احتجاجات صاخبة خلال عامي 2018 و2019 ضد التجنيد الإجباري للشبان والفتيات، وتهميش دور العشائر في الإدارة الذاتية والاستئثار بالموارد الطبيعية، كالنفط والمياه، والأهم رفض العشائر للتقارب مع نظام بشار الأسد الذي بدأت الإدارة الذاتية التفاوض معه بعد العملية العسكرية التركية «نبع السلام». وشدد الفرج على أن توقيت البيان «لم يُفرض من الخارج، بل جاء بناء على رغبة أبناء العشائر في الداخل، الذين يطالبوننا علناً بالتحرك، وإنهاء حالة التهميش والخنق التي تُمارَس ضدهم منذ سنوات»، بحسب قوله، مشيراً إلى ما سماه «حالة غليان واضحة في الجزيرة السورية» لرفض «الوصاية الأجنبية والانفصال عن سوريا أو المحاصصة وضرورة التحاق جميع مكونات الشعب السوري بالدولة السورية الجديدة». وحول الأسباب التي دعت العشائر لاصدار البيان، قال الفرج إن «ما يجري في شرق الفرات لا يمكن الاستمرار في تجاهله. صوت العشائر اليوم أصبح أعلى، وأكثر تنظيماً، وأكثر وعياً. نحن نمثل هذا الصوت، وسنستمر في نقل مطالب أهلنا إلى كل الأطراف الدولية والإقليمية، حتى تعود الجزيرة لأهلها، وينتهي زمن الوصاية». وذكر الشيخ بأن أبناء الجزيرة السورية يعانون منذ سنوات طويلة من «ممارسات قمعية متعددة» لقوات «قسد» تتعلق بالتهميش المتعمَّد لأبناء الجزيرة السورية تتراوح من فرض مناهج تعليمية «مؤدلجة» لا تعكس «ثقافة وهوية المنطقة»، وصولاً إلى فرض واقع أمني والاستيلاء على الثروات الزراعية والنفطية وتوظيف بعض إيراداتها «لشراء الولاءات»، في حين يعيش سكان المنطقة حالة من الفقر والعوز. هذا بالإضافة إلى قمع الحريات ومنع الاحتجاجات والاعتقالات التعسفية لكل مَن يعبّر عن رأي مخالف. وأوضح الفرج أن هذه العشائر «تمثل خطاً مستقلاً»، يحمل مطالب واضحة من سكان في الجزيرة السورية التي وصفها بـ«المحتلة»، مشدداً على أنها «لا تعمل ضد أحد، بل تعمل من أجل إخراج قوات (قسد) الانفصالية من المنطقة، سواء عبر الحل السلمي أو بالتحرك العسكري بمساندة القبائل، إذا اقتضى الأمر». والتحرك العسكري، وفقاً للشيخ الفرج «ليس من أجل القتال بل من أجل استعادة الحق وضمان وجود عربي فاعل داخل الدولة السورية الواحدة بعيداً عن الوصاية أو الإقصاء». من المواجهات المسلّحة بين مقاتلين من العشائر العربية و«قسد» و«حزب العمال الكردستاني» في منطقة منبج في الشمال السوري في سبتمبر 2023 (غيتي) وبعكس الشائع، لا تقتصر قوات «قسد» على العنصر الكردي فحسب، وإن كانت تتشكل بشكل أساسي من «وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)»، ولكنها تضم أيضاً مكونات عربية وازنة مثل «قوات الصناديد» التابعة لقبيلة شمّر ذات العمق التاريخي والجغرافي، ومكونات سريانية، كالمجلس العسكري السرياني، وبعض الفصائل العربية الاخرى. وتحاول «قسد» دائماً تظهير تواصلها مع شيوخ ووجهاء القبائل في مناطق سيطرتها، ولكن هذا لا يعني ولاء مطلقاً من كل أفراد القبيلة. وتُبرِز العلاقة بين «قسد» والعشائر شكلاً معقداً ومتداخلاً في التحالفات والولاءات بين القوى الفاعلة سواء النظام السوري السابق الذي أيَّدته بعض فروع عشائر البقارة والعقيدات وطي، أو الولايات المتحدة وقوات «قسد» التي حظيت بتأييد عشائر أخرى، مثل شمر وبعض فروع عشيرة البقارة. وعلى الرغم من أن الموقف العام لعشيرة العقيدات، خصوصاً قياداتها التقليدية، هو العداء لـ«قسد»، فإن هناك انقساماً داخل القبيلة نفسها. بعض فروع العقيدات أو أفراد منها يوالون «قسد»، وينخرطون في تشكيلاتها، مثل بعض قيادات «مجلس دير الزور العسكري»، حتى أزمة اعتقال «قسد» لرئيس المجلس، أحمد حامد الخبيل الملقب «أبو خولة» عام 2023، التي كتبت نهاية أي شكل من العلاقات بينهما. وكشف الفرج عن جهوزية «شريحة كبيرة جداً من أبناء القبائل والعشائر للتحرُّك، وهم بانتظار اللحظة المناسبة سياسياً وأمنياً». وقال: «الموقف لم يعد قابلاً للتأويل (...) نحن كعشائر عربية نطالب (التحالف الدولي) بدور فعّال، ونرفض أن نكون مجرد تابعين لمشروع لا يمثلنا». وحتى هذه اللحظة، لا يوجد تواصل مباشر بين العشائر وقيادة التحالف الدولي وفقاً للفرج، الذي قال إنهم «بانتظار موقف واضح (من الأميركيين)، بعدما وصلت إليهم رسائلنا عبر قنوات مدنية واجتماعية». وطالب الفرج التحالف بـ«إعادة تقييم دعمه لقوات «قسد» التي تمثل طرفاً انفصاليا لا يحظى بشرعية مجتمعية حقيقية، من شأنه أن يفاقم حالة الانقسام في المجتمع السوري، ويؤثر سلباً على وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة». طابور من الأسرى ينتظر تسليمه بحلب في الجزء الأول من الاتفاق بين الحكومة السورية و«قسد» أبريل الماضي (خاص بالشرق الأوسط) وفي أعقاب الاشتباكات التي اندلعت خريف عام 2023 بين قوات «قسد» وبعض العشائر العربية في دير الزور، وبعد تدخلات من جهات محلية ودولية (مثل التحالف الدولي)، قامت «قسد» بالإفراج عن دفعات من المعتقلين، في محاولة لتبريد الأجواء مع العشائر. وبعض هؤلاء اعتُقِلوا على خلفية الاشتباكات المسلحة، وبعضهم الآخر اعتقل بتهم الانتماء لـ«داعش» أو غيرها؛ إذ شنت «قسد» في ذلك الوقت حملة توقيفات ضد أبناء العشائر بتهمة جاهزة. وتمت هذه الإفراجات «بضمانات من شيوخ العشائر»، كجزء من جهود تهدئة الأوضاع. واستمرت عمليات الإفراج عن دفعات من المعتقلين لأشهر عديدة، آخرها كان في سبتمبر 2024. كما أن هناك اتفاقات بعد اتفاق العاشر من مارس (آذار) 2025، بين «قسد» والحكومة السورية الحالية تضمنت بند «تبييض السجون» وإطلاق سراح المعتقلين من الطرفين. وفي أبريل (نيسان) 2025، تم تنفيذ المرحلة الأولى من عملية تبادل المعتقلين بين دمشق و«قسد» في حلب. وشملت هذه العملية إطلاق سراح نحو 250 معتقَلاً من الطرفين، حيث أفرجت السلطات السورية عن 140 معتقلاً من «قسد»، مقابل إفراج «قسد» عن نحو 100 معتقل، وهو اتفاق تعثَّر في مراحل لاحقة. على الجانب الاخر، كشف الفرج أن هناك تواصلاً مع الدولة السورية، لا سيما أن أغلب قيادات الدولة الجديدة هم من أبناء هذه العشائر نفسها، ومن مناطق تخضع حالياً لسيطرة «قسد»، مبيناً أن «تواصلنا مع دمشق ليس على حساب أحد، بل لصالح استعادة السيادة وبناء شراكة وطنية تحفظ كرامة الجميع وتحافظ على وحدة سوريا»، وهذا سيكون أولاً من خلال عودة الجيش العربي السوري إلى كامل الأراضي السورية، من الشمال الشرقي حتى الجنوب والحدود، ضمن إطار وطني جامع، يشمل شراكة حقيقية مع العشائر والفاعليات الاجتماعية، لا مجرد حضور أمني أو إداري شكلي»، وفق ما قاله لـ«الشرق الأوسط». ديوان لمقاتلي عشائر عربية في الجزيرة السورية إبان الاشتباكات مع «قسد» و«العمال الكردستاني» في 2023 (غيتي) من جهته، قال شيخ «البو سرايا»، زياد الشلاش، أحد الموقّعين على البيان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن عشيرته «على تواصل مستمر مع الحكومة السورية في سبيل توحيد الأراضي السورية ورفض أي شكل من أشكال التقسيمات المفروضة كأمر واقع». وتابع: «تواصل شخصياً مع السيد مظلوم عبدي، وهو رجل حريص على وحدة سوريا واستقرارها، ولذلك نرى أنه من الواجب دعم موقفه وتقويته». وأضاف الشلاش: «نحن لا نريد لأبناء العشائر العربية أن يكونوا وقوداً لمشاريع انفصالية، ولهذا دعوناهم للانشقاق. وفي الوقت نفسه، لا نريد لإخوتنا الكرد أن يُزج بهم في معارك لا تخدمهم، أو أن يكونوا حَطَباً لإرضاء مطامع بعض القوميين القادمين من خارج سوريا». كانت نخب اجتماعية من أبناء الجزيرة السورية والفرات أعلنت، منتصف أبريل (نيسان) الماضي، تأسيس «مجلس التعاون والتنسيق في الجزيرة السورية والفرات»، بهدف الدفاع عن مصالح أبناء الجزيرة. جاء الإعلان مع إصدار العشائر العربية بيانات ترفض وصاية «قسد» على منطقة الجزيرة السورية، بصفتها «قوة احتلال»، وبحسب بيان التأسيس الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، فإن المجلس يسعى لتوحيد الصوت السياسي والإعلامي والمدني في مواجهة «سلطات الأمر الواقع، المتمثلة بـ(قسد)»، ورفض مشاريع التقسيم التي تهدد وحدة سوريا. وكذلك رفض ادعاء تمثيل «قسد» لعرب الجزيرة والفرات في أي مفاوضات مع الحكومة السورية، أو في أي محفل سياسي داخلي وخارجي. شباب جامعيون من أبناء دير الزور في حملة تنظيف وتلوين لجدران المدينة بعد سقوط نظام بشار الأسد (غيتي) وتُشكّل محافظات دير الزور والرقة والحسكة، الواقعة في شرق وشمال شرقي سوريا، نسيجاً متنوعاً يعكس تاريخ المنطقة وثقافاتها المتعددة. يشكل العرب المكون السكاني الأكبر والأكثر هيمنة في هذه المحافظات، خصوصاً في دير الزور والرقة حيث تُعد العشائر العربية الكبيرة والممتدة، مثل العقيدات والبقّارة والشعيطات (التي قتلت منها داعش 800 شخص في مجزرة واحدة) والجبور، العمود الفقري للتركيبة السكانية. أما في الحسكة، فبينما يشكل العرب غالبية سكان الريف الجنوبي والغربي، تُعد القومية الكردية المكون الأكبر في مناطق الشمال والشمال الشرقي، حيث تتركز مدن، مثل القامشلي ورأس العين، وتمتلك وجوداً نسبياً في باقي المحافظة. إلى جانب المكونين العربي والكردي، توجد أقليات عرقية ودينية أخرى مهمة تساهم في ثراء التنوع السكاني. فـالسريان، وهم مسيحيون، يتركزون بشكل خاص في الحسكة، ولهم وجود تاريخي وثقافي عريق في المنطقة، ويمثلون الغالبية في بعض القرى والبلدات الخاصة بهم، مثل تل تمر. كما يوجد في هذه المحافظات عدد أقل من التركمان والشركس والأرمن، لا سيما في مدن، مثل الحسكة والقامشلي. لذلك فإن أي خيار سياسي- عسكري لا يراعي هذا التنوع ومصالحه مرشح للانفجار في اي لحظة. وفي تغيُّر ملحوظ بالخطاب الإعلامي والرسمي، باتت مواقع إخبارية رسمية أو مقربة من الحكومة السورية تلقي الضوء على «انتهاكات» لقوات «قسد» ضد مدنيين في مناطق الجزيرة السورية على غير عادتها، كما أن مسؤولين سوريين باتوا أكثر وضوحاً في الحديث عن الموقف من قوات «قسد»، بعيداً عن الخطاب الإعلامي الرسمي الذي يركز على اتفاقية العاشر من مارس الموقَّعة بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات «قسد» مظلوم عبدي، ونشاطات اللجان المكلفة وضع تفاصيل الاتفاق قيد التنفيذ. ففي 30 يونيو الماضي، أوضح محافظ دير الزور، غسان السيد أحمد، أن الخيار العسكري ضد «قسد» لا يزال مطروحاً على الطاولة كخيار أخير في حال فشلت جميع المساعي والجهود التفاوضية معها. وأكد أن هناك استعداداً عسكرياً كاملاً، حيث تم تجهيز ثلاث فرق عسكرية متكاملة وجاهزة للتدخل حال تعثر المفاوضات، دون الكشف عن تفاصيل أخرى، مؤكداً على أن الوضع الأمني بوجود «قسد» يؤثر بشكل مباشر على عمل بعض المرافق الحيوية، مثل استمرار تعليق العمل بمطار دير الزور، نظراً لحاجة الطيران إلى «التحليق الجوي فوق المناطق التي تسيطر عليها»، وهو ما يتطلب ترتيبات أمنية وفنية خاصة، حسب قوله. إلى جانب تسبب «قسد» في تعثر كبير بمشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية، وعلى رأسها الجسور الرئيسية التي تربط بين مناطق المحافظة المختلفة. ويرى رئيس وحدة الدراسات في مركز «أبعاد» للدراسات الاستراتيجية، ومقره لندن، الباحث السوري فراس فحام، أن الحشود العسكرية للجيش السوري هي بسبب «الانتهاكات اليومية لقوات (قسد) في منطقة شرق الفرات (منطقة الجزيرة)، وكذلك قيامهم بحالات القنص والمداهمات والاعتقالات العشوائية والاغتيالات بحق أبناء العشائر والقبائل العربية». أحمد الحمزة السطم ناشط مدني اعتقلته «قسد» من منزله في حي المشلب بمدينة الرقة 20 مايو 2025 (الشبكة السورية) وكانت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» وثقت مقتل عشرة مدنيين على يد «قسد» في عام 2024، من بينهم طفلان تحت التعذيب. وفي فبراير (شباط) 2025، وثّقت الشبكة مقتل 65 مدنياً، بينهم طفل وسيدتان قُنِصوا على يد قوات «قسد» في مدينة حلب. وتوقع «فحام» أن يتم تنفيذ الاتفاق بين الحكومة و«قوات (قسد) بعيداً من المواجهات العسكرية التي ستكون لها تداعيات سلبية على جميع الأطراف»، لكن هناك أكثر من تيار أو جناح داخل «قوات (قسد) يرفض بشكل قاطع الحل السياسي، لرغبتهم في الاحتفاظ بمنطقة الجزيرة السورية الغنية بالنفط والغاز والثروات الزراعية والمياه، وهي مناطق حيوية ضمن مشروعهم المحمي دولياً من التحالف الدولي، بذريعة محاربة إرهاب تنظيم (داعش) الذي أعطاهم شرعية البقاء وتلقي الدعم الدولي». وحذر فحام من أن المنطقة عبارة عن «بركان خامل حالياً، ولكن لن يدوم خموله طويلاً، لذلك إذا لم يحصل اتفاق فستكون هناك مواجهات دامية قد تستدعي تدخُّل أطراف أجنبية، مثل الجيش التركي؛ سواء براً أو جواً، نظراً إلى أن أنقرة ترفض أي اتفاق يعطي لقوات (قسد) نوعاً من الإدارة الذاتية أو الفيدرالية». على صعيد ذي صلة، يرى مضر حماد الأسعد، رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية، أن الخيارات المتاحة أمام «قسد» باتت ضيقة جداً، بعد ما صدر عن المبعوث الأميركي لسوريا توماس باراك الذي حدَّد فيها أن «الحكومة السورية هي الطرف الوحيد الذي يمكن التفاوض معه»، وقد تشهد المنطقة مستقبلاً عملية عسكرية للجيش السوري بضوء أخضر أميركي، وإن كان غير معلن، بالتنسيق مع تركيا. والرهان دائماً على أن أي معارك عسكرية ستؤدي إلى تحرك عشائري في مناطق سيطرة (قسد) والتسبب بانهيارها»، حسب قوله. صورة جويّة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» بمشاركة «قوات التحالف الدولي» في دير الزور شمال شرقي سوريا في 2022 (غيتي) وكشف الأسعد عن تيار أو جناح داخل قوات «قسد» يرتبط مباشرة بحزب العمال الكردستاني، يتبنى خيار المواجهة العسكرية مع الحكومة السورية لتكريس الأمر الواقع، مؤكداً على أن المطلوب من قوات «قسد» مرحلياً تسليم كامل محافظتي الرقة ودير الزور، والانكفاء إلى محافظة الحسكة، وبخلاف ذلك «قد» تشهد المنطقة مواجهات عسكرية «محدودة» كما يصفها في ختام حديثه لـ «الشرق الأوسط». ويُبرز البيان العشائري الأخير تصاعدا حادّا في رفض القبائل العربية لسيطرة «قسد» على مناطق شمال وشرق سوريا، كما يعكس تحولا نوعيّا في موقف العشائر من التعايش «القسري» طيلة سنوات الثورة إلى المطالبة العلنية بإنهاء الوجود العسكري والإداري لتلك القوات وفرض سلطة الدولة بالكامل. ورغم تباين المواقف التاريخية بين العشائر، يبدو أن السخط المتصاعد على خلفية التهميش والاعتقالات وغيرها قد وحّد خطاباً عشائريّاً يطالب بعودة الجيش السوري. وتظل الخيارات معلقة بين التفاوض والمواجهة العسكرية، خصوصاً مع تصريحات رسمية سورية عن جاهزية القوات الحكومية. هذا التصعيد يضع التحالف الدولي في عملية موازنة حرجة بين دعم حليفه «قسد» المُتنازع على شرعيته محليّاً، وضغوط العشائر التي تُحذِّر من انفجار الوضع، وهو ما لا تريده واشنطن، وتعمل على تجنّبه.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store