logo
لماذا اعترفت موسكو بحكومة حركة طالبان؟ خبراء روس يجيبون

لماذا اعترفت موسكو بحكومة حركة طالبان؟ خبراء روس يجيبون

الجزيرةمنذ 7 ساعات
موسكو- اعترفت روسيا بحكومة حركة طالبان في أفغانستان، بعد سنوات من خطوات تمهيدية سياسية ودبلوماسية وقانونية اتخذتها في هذا الاتجاه، في خطوة يُجمع مراقبون روس على أنها تمثل تطورا مهما ستكون له عواقب قريبة وبعيدة المدى.
وكان الاعتراف الفعلي قد أتى في وقت سابق بعد شطب موسكو الحركة من قوائم الإرهاب، مما يعني أن الخطوة التي اتُخذت الآن هي مجرد إجراء شكلي لترسيخ العلاقات الرسمية القائمة فعليا.
ويسود اعتقاد لدى مراقبين روس بأن الإجراء الروسي سيؤثر جديا على موقف الدول الأخرى، في ظل وجود توجه من جانب جزء من المجتمع الدولي نحو الاعتراف بحكومة طالبان.
عوامل الاعتراف
وبذلك تكون روسيا أول دولة في العالم تعترف بحكومة طالبان، بعد أن كانت الحركة معزولة إلى حد كبير منذ استيلائها على السلطة قبل نحو 4 سنوات، على الرغم من وجود مؤشرات على زيادة تعاونها مع دول مثل الصين والهند.
وتقدمت موسكو على بقية دول العالم بهذه الخطوة نظرا لعدة عوامل، من بينها:
عدم وجود صراعات بينها وبين الحركة الحاكمة في كابل.
أهمية الاستقرار في آسيا الوسطى بالنسبة لروسيا.
يمكن لأفغانستان أن تصبح شريكا إقليميا كاملا لموسكو في مجالات متعددة، بما في ذلك في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب.
أهمية أفغانستان من منظور العلاقات التجارية والاقتصادية واللوجستية.
يُشار إلى أن روسيا كانت كذلك أول دولة اعترفت باستقلال أفغانستان عن الاستعمار البريطاني عام 1919.
يرى رمزان نورتازين، الخبير في دراسات بلدان آسيا الوسطى، أن الاعتراف بنظام طالبان في أفغانستان يعد أمرا بالغ الأهمية لروسيا نفسها، في ظل تعرّض آسيا الوسطى لتهديدات مثل "توسع الإرهاب والتطرف والجماعات الإجرامية وتهريب المخدرات".
ويتابع -في حديث للجزيرة نت- أنه "لكون أفغانستان بلدا مضطربا وغير مستقر، فقد شكلت مصدرا لهذه المشاكل لعقود طويلة". ويضيف أن بناء علاقة متينة مع كابل يعزز كذلك المحيط الأمني ​​لحدود روسيا في الجنوب، لا سيما بعد أن أثبتت طالبان قدرتها على التشبث بالسلطة، في ظل غياب أي معارضة حقيقية داخل البلاد.
ووفقا لنورتازين، تكمن المهمة الملحة الآن في البحث عن صيغ فعالة للتعايش مع أفغانستان الجديدة. فأراضيها تعد مساحة مهمة لتطوير فرص جديدة للتواصل اللوجستي -على سبيل المثال- مع الهند وباكستان. علاوة على ذلك، تحتاج كابل إلى شركاء وتكنولوجيا، وفي هذا السياق، لدى الشركات الروسية إمكانات كبيرة، بما في ذلك في قطاع تطوير الموارد المعدنية والبنية التحتية.
انتصار
كما يعتقد الخبير نورتازين أن الاعتراف الروسي يمثّل في الوقت ذاته انتصارا من نوع ما للسياسة الخارجية لحكومة طالبان، التي قامت -طوال السنوات الأربع الماضية- على الرغبة في إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الأخرى وخلق فرص للتجارة والعلاقات الاقتصادية.
إضافة لذلك، قد تُشكل خطوة روسيا دافعا لشركائها في آسيا الوسطى، المجاورة لأفغانستان، للاعتراف بحكومتها الجديدة أيضا، على سبيل المثال مع طاجيكستان، التي تربطها بطالبان علاقات سيئة للغاية، إذ تدعم دوشنبه أعداء الحركة، ومنهم مثلا القادة الميدانيون الطاجيك في شمال أفغانستان.
وبناء على ذلك، فإن إقامة علاقات دبلوماسية بين موسكو وكابل ستساعد في تطبيع العلاقات الأفغانية الطاجيكية. كما ستسهم، على المدى الطويل، في تعزيز علاقات طالبان مع دول أخرى.
في المقابل، يقول مدير معهد الدراسات الإستراتيجية والإقليمية، سيف الدين تورسونوف، إن قرار موسكو الاعتراف بحكومة طالبان لن يُحدث تغييرا كبيرا في العلاقات الثنائية، لأنه في الأساس جاء لتقنين العلاقة في حد ذاتها أكثر مما هو لتعزيزها.
مخاطر
ويؤكد تورسونوف -للجزيرة نت- أن غياب السيطرة الكاملة لطالبان على أراضي أفغانستان، واستمرار أنشطة المنظمات "الإرهابية" على أراضيها، يجعلان من انضمام الحكومة الجديدة إلى نظام العلاقات الإقليمي أمرا سابقا لأوانه ومحفوفا بالمخاطر بالنسبة لجيرانها وروسيا على حد سواء.
وذهب إلى القول بأن سابقة اعتراف طرف عالمي رئيسي كروسيا بحركة طالبان حكومة رسمية للبلاد قد تؤثر سلبا على نظام الشرعية الدولية الذي أرساه القانون الدولي، مضيفا أن أي اتصالات مع أفغانستان يجب أن تأخذ في الاعتبار مخاطر عدم الاستقرار الشديد داخل البلاد، والمنافسة المستمرة لطالبان مع الجماعات "المتمردة" داخل البلاد.
وحسب تورسونوف، فإن آفاق التعاون الدبلوماسي بين روسيا وطالبان في الوقت الراهن محدودة للغاية بسبب الموقع الإقليمي لأفغانستان "التي تدخل بشكل أساسي في فلك النفوذ الجيوسياسي للصين، علاوة على العزلة الدولية الشديدة التي تعاني منها. وعليه، لا تملك في وضعها الحالي فرص تعاون واسعة النطاق مع موسكو".
ويخلص إلى أنه مع الأخذ في الاعتبار هذه المعطيات، لا ينبغي تفسير الاعتراف بحد ذاته على أنه بداية فصل جديد في العلاقات بين البلدين، بل محاولة لاستقرار العلاقات الإقليمية وتهدئة التوتر، لأن إقامة اتصال مستدام مع أفغانستان يعد بالنسبة إلى روسيا خطوة إجبارية لمنع المخاطر والتهديدات المحتملة للأمن الإقليمي في ظل وضع دولي متفاقم.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لماذا اعترفت موسكو بحكومة حركة طالبان؟ خبراء روس يجيبون
لماذا اعترفت موسكو بحكومة حركة طالبان؟ خبراء روس يجيبون

الجزيرة

timeمنذ 7 ساعات

  • الجزيرة

لماذا اعترفت موسكو بحكومة حركة طالبان؟ خبراء روس يجيبون

موسكو- اعترفت روسيا بحكومة حركة طالبان في أفغانستان، بعد سنوات من خطوات تمهيدية سياسية ودبلوماسية وقانونية اتخذتها في هذا الاتجاه، في خطوة يُجمع مراقبون روس على أنها تمثل تطورا مهما ستكون له عواقب قريبة وبعيدة المدى. وكان الاعتراف الفعلي قد أتى في وقت سابق بعد شطب موسكو الحركة من قوائم الإرهاب، مما يعني أن الخطوة التي اتُخذت الآن هي مجرد إجراء شكلي لترسيخ العلاقات الرسمية القائمة فعليا. ويسود اعتقاد لدى مراقبين روس بأن الإجراء الروسي سيؤثر جديا على موقف الدول الأخرى، في ظل وجود توجه من جانب جزء من المجتمع الدولي نحو الاعتراف بحكومة طالبان. عوامل الاعتراف وبذلك تكون روسيا أول دولة في العالم تعترف بحكومة طالبان، بعد أن كانت الحركة معزولة إلى حد كبير منذ استيلائها على السلطة قبل نحو 4 سنوات، على الرغم من وجود مؤشرات على زيادة تعاونها مع دول مثل الصين والهند. وتقدمت موسكو على بقية دول العالم بهذه الخطوة نظرا لعدة عوامل، من بينها: عدم وجود صراعات بينها وبين الحركة الحاكمة في كابل. أهمية الاستقرار في آسيا الوسطى بالنسبة لروسيا. يمكن لأفغانستان أن تصبح شريكا إقليميا كاملا لموسكو في مجالات متعددة، بما في ذلك في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب. أهمية أفغانستان من منظور العلاقات التجارية والاقتصادية واللوجستية. يُشار إلى أن روسيا كانت كذلك أول دولة اعترفت باستقلال أفغانستان عن الاستعمار البريطاني عام 1919. يرى رمزان نورتازين، الخبير في دراسات بلدان آسيا الوسطى، أن الاعتراف بنظام طالبان في أفغانستان يعد أمرا بالغ الأهمية لروسيا نفسها، في ظل تعرّض آسيا الوسطى لتهديدات مثل "توسع الإرهاب والتطرف والجماعات الإجرامية وتهريب المخدرات". ويتابع -في حديث للجزيرة نت- أنه "لكون أفغانستان بلدا مضطربا وغير مستقر، فقد شكلت مصدرا لهذه المشاكل لعقود طويلة". ويضيف أن بناء علاقة متينة مع كابل يعزز كذلك المحيط الأمني ​​لحدود روسيا في الجنوب، لا سيما بعد أن أثبتت طالبان قدرتها على التشبث بالسلطة، في ظل غياب أي معارضة حقيقية داخل البلاد. ووفقا لنورتازين، تكمن المهمة الملحة الآن في البحث عن صيغ فعالة للتعايش مع أفغانستان الجديدة. فأراضيها تعد مساحة مهمة لتطوير فرص جديدة للتواصل اللوجستي -على سبيل المثال- مع الهند وباكستان. علاوة على ذلك، تحتاج كابل إلى شركاء وتكنولوجيا، وفي هذا السياق، لدى الشركات الروسية إمكانات كبيرة، بما في ذلك في قطاع تطوير الموارد المعدنية والبنية التحتية. انتصار كما يعتقد الخبير نورتازين أن الاعتراف الروسي يمثّل في الوقت ذاته انتصارا من نوع ما للسياسة الخارجية لحكومة طالبان، التي قامت -طوال السنوات الأربع الماضية- على الرغبة في إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الأخرى وخلق فرص للتجارة والعلاقات الاقتصادية. إضافة لذلك، قد تُشكل خطوة روسيا دافعا لشركائها في آسيا الوسطى، المجاورة لأفغانستان، للاعتراف بحكومتها الجديدة أيضا، على سبيل المثال مع طاجيكستان، التي تربطها بطالبان علاقات سيئة للغاية، إذ تدعم دوشنبه أعداء الحركة، ومنهم مثلا القادة الميدانيون الطاجيك في شمال أفغانستان. وبناء على ذلك، فإن إقامة علاقات دبلوماسية بين موسكو وكابل ستساعد في تطبيع العلاقات الأفغانية الطاجيكية. كما ستسهم، على المدى الطويل، في تعزيز علاقات طالبان مع دول أخرى. في المقابل، يقول مدير معهد الدراسات الإستراتيجية والإقليمية، سيف الدين تورسونوف، إن قرار موسكو الاعتراف بحكومة طالبان لن يُحدث تغييرا كبيرا في العلاقات الثنائية، لأنه في الأساس جاء لتقنين العلاقة في حد ذاتها أكثر مما هو لتعزيزها. مخاطر ويؤكد تورسونوف -للجزيرة نت- أن غياب السيطرة الكاملة لطالبان على أراضي أفغانستان، واستمرار أنشطة المنظمات "الإرهابية" على أراضيها، يجعلان من انضمام الحكومة الجديدة إلى نظام العلاقات الإقليمي أمرا سابقا لأوانه ومحفوفا بالمخاطر بالنسبة لجيرانها وروسيا على حد سواء. وذهب إلى القول بأن سابقة اعتراف طرف عالمي رئيسي كروسيا بحركة طالبان حكومة رسمية للبلاد قد تؤثر سلبا على نظام الشرعية الدولية الذي أرساه القانون الدولي، مضيفا أن أي اتصالات مع أفغانستان يجب أن تأخذ في الاعتبار مخاطر عدم الاستقرار الشديد داخل البلاد، والمنافسة المستمرة لطالبان مع الجماعات "المتمردة" داخل البلاد. وحسب تورسونوف، فإن آفاق التعاون الدبلوماسي بين روسيا وطالبان في الوقت الراهن محدودة للغاية بسبب الموقع الإقليمي لأفغانستان "التي تدخل بشكل أساسي في فلك النفوذ الجيوسياسي للصين، علاوة على العزلة الدولية الشديدة التي تعاني منها. وعليه، لا تملك في وضعها الحالي فرص تعاون واسعة النطاق مع موسكو". ويخلص إلى أنه مع الأخذ في الاعتبار هذه المعطيات، لا ينبغي تفسير الاعتراف بحد ذاته على أنه بداية فصل جديد في العلاقات بين البلدين، بل محاولة لاستقرار العلاقات الإقليمية وتهدئة التوتر، لأن إقامة اتصال مستدام مع أفغانستان يعد بالنسبة إلى روسيا خطوة إجبارية لمنع المخاطر والتهديدات المحتملة للأمن الإقليمي في ظل وضع دولي متفاقم.

الجنائية تصدر مذكرتي اعتقال بحق زعيمين لطالبان وكابل تصفهما بـ"العبثيتين"
الجنائية تصدر مذكرتي اعتقال بحق زعيمين لطالبان وكابل تصفهما بـ"العبثيتين"

الجزيرة

timeمنذ 8 ساعات

  • الجزيرة

الجنائية تصدر مذكرتي اعتقال بحق زعيمين لطالبان وكابل تصفهما بـ"العبثيتين"

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية اليوم الثلاثاء مذكرتي اعتقال بحق اثنين من زعماء حركة طالبان في أفغانستان ، أحدهما زعيم الحركة هبة الله آخوند زاده ، بتهمة اضطهاد النساء والفتيات. وقالت المحكمة إن هناك أسبابا منطقية دفعتها للاعتقاد بأن آخوند زاده وعبد الحكيم حقاني، رئيس المحكمة العليا خلال إدارة الحكومة الأفغانية بقيادة حركة طالبان، ارتكبا جريمة ضد الإنسانية تتمثل في الاضطهاد على أساس الجنس البشري ضد الفتيات والنساء وغيرهن من الأشخاص الذين لا يلتزمون بسياسة طالبان المتعلقة بالنوع أو الهوية الجنسية أو التعبير عنها. وكتب قضاة المحكمة في بيان: ثمة "دوافع معقولة" للاشتباه بأن آخوند زاده وحقاني "ارتكبا من خلال إصدار الأوامر والتحريض جريمة ضد الإنسانية متمثلة بالاضطهاد.. لأسباب مرتبطة بالنوع الاجتماعي". وأضافت: "بينما فرضت طالبان قواعد ومحظورات معينة على السكان ككل، استهدفت الفتيات والنساء تحديدا بسبب نوعهن الاجتماعي، وحرمتهن من حقوقهن وحرياتهن الأساسية". ورأى قضاة المحكمة الجنائية الدولية أن طالبان "حرمت على نحو متشدد" الفتيات والنساء من حقوقهن في التعليم والخصوصية والحياة الأسرية وحريات التنقل والتعبير والفكر والضمير والدين. وأوضحت المحكمة أن الجرائم المفترضة ارتكبت بين 15 أغسطس/آب 2021، تاريخ سيطرة حركة طالبان على السلطة، واستمرت حتى 20 يناير/كانون الثاني 2025 على الأقل. وقد رحب مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بمذكرتي التوقيف معتبرا أنهما "تأكيد واعتراف مهم بحقوق النساء والفتيات الأفغانيات". وقالت الأمينة العام لمنظمة العفو الدولية أغنيس كالامار إن مذكرتي التوقيف تمنح النساء والفتيات داخل أفغانستان وخارجها أملا. كما رأت ليز إيفنسون، مديرة قسم العدالة الدولية في منظمة هيومن رايتس ووتش ، أن مذكرتي التوقيف تظهران أنه "عند دعم العدالة، يمكن للضحايا أن يحققوا ما يريدون في المحكمة". رد طالبان وفي المقابل رفضت الحكومة الأفغانية بقيادة طالبان مذكرتي الاعتقال الصادرتين عن المحكمة الجنائية الدولية معتبرة الخطوة "عبثية". إعلان وقال المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد -في بيان- إن "مثل هذه الإعلانات العبثية لن تؤثر على التزام سلطات طالبان الراسخ بالشريعة وتفانيها فيها"، مضيفا أن حكومة طالبان لا تعترف بالمحكمة. يشار إلى أن المحكمة الجنائية الدولية ومقرها في لاهاي، أُنشئت للبت في أسوأ جرائم العالم مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وليس للمحكمة قوة شرطة خاصة بل تعتمد على الدول الأعضاء فيها لتنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عنها، مع نتائج متباينة. ويعني هذا نظريا أن أي شخص مشمول بمذكرة توقيف صادرة عن الجنائية الدولية لا يمكنه السفر إلى دولة عضو فيها خشية اعتقاله.

الشرق الأوسط الجديد.. الاقتصاد يرسم ملامح ما بعد الحرب
الشرق الأوسط الجديد.. الاقتصاد يرسم ملامح ما بعد الحرب

الجزيرة

timeمنذ 12 ساعات

  • الجزيرة

الشرق الأوسط الجديد.. الاقتصاد يرسم ملامح ما بعد الحرب

لم يكن الشرق الأوسط يوما ساحة ساكنة، بل ظل قرنا كاملا يترنح بين الاحتلالات والنزاعات والانقلابات، تتبدل فيه التحالفات مثل تبدل المواسم، وترسم خرائطه في مؤتمرات لا يمثل فيها أبناء المنطقة سوى صور رمزية على الجدران. لكن ما يحدث خلال السنوات القليلة الماضية مختلف تماما من حيث الجوهر والزمن والوسائل. نحن اليوم أمام لحظة إعادة تشكل تاريخية، لكنها لا تأتي عبر الحروب وحدها، بل عبر المعادلات الاقتصادية الجديدة، والتكنولوجيا، وتبدلات التموضع الجيوسياسي. الشرق الأوسط الجديد لا يُرسم هذه المرة على الورق فحسب، بل يعاد تشكيله على الأرض عبر مشاريع وممرات وقرارات مالية ومصالح تتجاوز منطق القوة العسكرية إلى منطق الكفاءة الاقتصادية، وتنتقل من الجغرافيا الدموية إلى الجغرافيا الربحية. التحولات الاقتصادية التي نراها اليوم لم تولد فجأة، بل كانت نتائج تراكمية لأحداث مفصلية. فمنذ بداية الألفية، بدأ الاهتمام العالمي بالمنطقة يتبدل تدريجيًا. بعد غزو العراق عام 2003، تبيّن أن الهيمنة العسكرية المباشرة مكلفة وغير مستدامة، وهو ما أدى لاحقًا إلى التحولات التي رسخها الانسحاب الأميركي من أفغانستان عام 2021، والذي مثل إعلانا واضحا عن بداية تقليص النفوذ العسكري الأميركي في المنطقة، مقابل تصاعد نفوذ قوى أخرى مثل الصين وروسيا، وتمدد النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي لقوى إقليمية كالسعودية، والإمارات، وتركيا. اليوم، نشهد بوضوح كيف أن مشاريع عملاقة، مثل "طريق الهند– الشرق الأوسط– أوروبا"، ومبادرة "الحزام والطريق" الصينية، ومحور الربط التجاري بين الخليج وتركيا وأوروبا عبر العراق والأردن، كلها ليست مجرد مشاريع بنى تحتية أو لوجستية، بل بمنزلة عقود تأسيس لشرق أوسط اقتصادي جديد. لم تعد المعارك تدور فقط على خطوط النار، بل أيضا على خطوط السكك الحديدية، وأسعار الغاز الطبيعي، ومواضع مراكز البيانات، وسلاسل التوريد. من خلال الاقتصاد ولفهم شكل الشرق الأوسط الجديد، لا بد أن نقرأه من خلال العدسة الاقتصادية، لا الأمنية فحسب. فالمنطقة التي عُرفت لعقود طويلة بوصفها منبعا لصادرات الطاقة ومسرحا دائما للحروب، باتت الآن تتصارع على موقعها في مستقبل الاقتصاد العالمي. فالسعودية مثلًا، التي كانت تعتمد على النفط بنسبة تتجاوز 90% من عائداتها العامة حتى 2015، نجحت عبر رؤية 2030 في خفض تلك النسبة تدريجيا بتنويع مصادر الدخل، وجذب استثمارات غير نفطية تجاوزت 30 مليار دولار سنويا، واستحداث مشاريع مستقبلية كمدينة "نيوم" التي تبلغ ميزانيتها التقديرية نحو 500 مليار دولار، لتكون مركزا عالميًا للذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر. الإمارات بدورها سبقت في هذا المضمار، فتحولت إلى مركز مالي وتجاري عالمي، يضاهي في بعض مؤشراته سنغافورة وهونغ كونغ، وأسست منظومة اقتصادية متكاملة مبنية على الابتكار والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية. أما قطر، فقد استخدمت فائضها المالي في بناء شبكة نفوذ طاقوي وسياسي وإعلامي متكاملة، تمتد من أوروبا إلى آسيا، مستفيدة من مكانتها كونها أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم. لكن في مقابل هذا التحول الإيجابي، هناك اقتصادات لا تزال تصارع من أجل البقاء وسط هذا الطوفان، وفي مقدمتها العراق، الذي يمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي في المنطقة بعد السعودية، وثروات طبيعية وبشرية هائلة، وموقع إستراتيجي يمكن أن يجعله عقدة لوجستية تربط آسيا بأوروبا، والخليج بتركيا، بيد أن سوء الإدارة والفساد وغياب الاستقرار السياسي، جعلته حتى اليوم يعتمد على النفط بأكثر من 92% من موازنته، مع عجز مزمن عن جذب الاستثمارات الأجنبية الكبرى، وتباطؤ واضح في مشاريع التحول الرقمي والتنمية المستدامة. وهو ما يعني أن العراق، رغم ما يملكه من أوراق، لا يزال يقف على حافة الفرصة، إما أن يدخل نادي الشرق الأوسط الجديد عبر بوابة الإصلاح والانفتاح، أو يُترك في الهامش كنقطة عبور بين صاعدين آخرين. زلزال جيواقتصادي التحول الأبرز الذي عجل في إعادة تشكيل المنطقة كان العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023. ذلك الحدث الذي ظن كثيرون أنه مجرد جولة جديدة في الصراع الدائر في فلسطين، تبين لاحقًا أنه زلزال جيواقتصادي حقيقي. الحرب أخرجت جماعة الحوثي في اليمن إلى واجهة التأثير العالمي عبر استهداف الملاحة في البحر الأحمر، مما أدى إلى تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 17% في النصف الأول من عام 2024، واضطراب سلاسل الإمداد العالمية. كما تسبب القصف الإسرائيلي المكثف والتوغل البري في غزة في تدمير البنية التحتية بالكامل، وعرقلة مشاريع التطبيع والربط الاقتصادي بين إسرائيل ودول الخليج، التي كانت في طور التبلور. إسرائيل نفسها، التي كانت تراهن على تحولها إلى مركز اقتصادي وتكنولوجي إقليمي، تلقت ضربة اقتصادية عنيفة، إذ تراجعت الاستثمارات الأجنبية بنسبة 60% خلال أقل من 9 أشهر، وتكبدت أكثر من 70 مليار دولار في خسائر مباشرة وغير مباشرة، إضافة إلى استنزاف الموازنة العامة وخسائر في سوق العمل. هذا الانكشاف أثبت أن الاستقرار هو العمود الفقري لأي نهضة اقتصادية، وأن الحروب لم تعد مجرد معارك سياسية، بل تؤثر مباشرة على التموضع في النظام الاقتصادي العالمي. الجغرافيا الاقتصادية ما يحدث اليوم تمكن مقارنته بلحظة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حين أعادت القوى الكبرى رسم المنطقة وفق توازناتها الاستعمارية، لكن الفرق أن تلك الخريطة رسمت على الطاولة، أما خارطة اليوم فهي ترسم على الأرض، عبر المشاريع والتحولات التكنولوجية والتشابكات الاقتصادية. في السابق، كانت الجغرافيا السياسية هي الحاكمة، أما الآن فقد باتت الجغرافيا الاقتصادية هي البوصلة الجديدة. وفي ضوء هذه المعطيات، يمكننا أن نرسم سقفا زمنيا منطقيا لظهور الملامح الكاملة للشرق الأوسط الجديد. فبحلول عام 2030، ستكون معظم مشاريع الربط الاقتصادي، مثل ممر الهند – الخليج– أوروبا، وميناء الفاو الكبير في العراق، ومنصات نيوم الرقمية، قد بدأت فعليًا بالعمل، وسيتحدد حينها من هم اللاعبون الرئيسيون في المنطقة. أما بين 2030 و2035، فستكون مرحلة الاختبار الجدي للتماسك الاقتصادي، خاصة في ظل التحديات المناخية، والتحول في الطلب العالمي على الطاقة، والضغط الديمغرافي. وإذا لم تستطع بعض الدول أن تكيّف اقتصاداتها مع هذه التحديات، فإنها ستكون مرشحة إما للفوضى أو التبعية أو التهميش. وبحلول عام 2040، سيبرز شرق أوسط مختلف جذريًا، شرق أوسط تقاس فيه القوة ليس بعدد الجنود أو صفقات السلاح، بل بما يلي: حجم البيانات المتداولة. قدرة الموانئ. عدد الشركات الناشئة. مؤشرات الابتكار. حجم رؤوس الأموال العابرة. من سيفهم هذه اللغة الجديدة ويدخلها بذكاء، سيكون له مكان في هذا المستقبل، ومن يظل أسير لغة الماضي، لن يكون سوى متفرج على ما كان يمكن أن يكون. إن الشرق الأوسط الجديد ليس حتميا ولا جاهزا، بل هو مشروع قيد التشكيل، ويمكن لكل دولة أن تختار مكانها فيه. والفرص لا تزال ممكنة، لكنها لا تنتظر طويلاً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store