
سلام الشرق الأوسط «البارد» يؤمن استقرار العالم!
بعيداً عن البروباغندا الإعلامية على وسائل التواصل، فإن ما سمّاها الرئيس الأميركي دونالد ترمب «حرب الـ12 يوماً» أظهرت أن ادِّعاء مقدرة إيران على القضاء على إسرائيل خلال أيام قليلة، لا بل ساعات، كان غير صحيح. في المقابل، رأت إيران أن صمودها أمام العدوان الأميركي - الإسرائيلي هو في حد ذاته نصر، وأن هدف المعتدين بتدمير البرنامج النووي قد فشل. كما احتفل مؤيدو إيران بأنها تمكنت من تحقيق ضربات موجعة في العمق الإسرائيلي للمرة الأولى منذ قيام الدولة العبرية، وألحقت الصواريخ الإيرانية دماراً وذعراً لدى الإسرائيليين لم يعهدوه من قبل.
ولرغبتي في معرفة حقيقة نتيجة الحرب الإسرائيلية - الإيرانية كان لا بد لي من الاتصال بالبروفسور المحاضر في جامعة أكسفورد الذي، في اتصالات سابقة، توقَّع بدقة ماذا سيحدث، وأثق بتحليله وقدرته على استشراف الأحداث. لهذا أردت أن أسمع رأيه فيما حدث وسيحدث. قال إن ما حصل يحتاج إلى تحليل منطقي مجرد من العاطفة. وأكمل أن جميع هزائم العرب، ما عدا هزيمة حرب الأيام الستة عام 1967، كانت إشارات النصر تُرفع فيها. وأشار إلى منظر نقل القوات الفلسطينية على بواخر من ميناء بيروت التي استباحها أريئيل شارون عام 1982، فيما كان ياسر عرفات يرفع شارة النصر. ولفت أيضاً إلى انسحاب صدام حسين من الكويت بضغط جورج بوش الأب الذي حشد قوة دولية وألحق هزيمة مذلَّة بالحرس الجمهوري، لكنَّ صدَّام بقي يدّعي النصر على أعداء الأمة. وتابع أن إسرائيل أقدمت على قتل 1200 مواطن لبناني ودمرت المباني والجسور ومحطات الكهرباء والمدارس وأحرقت الحقول والمزارع في حرب عام 2006، لكنَّ «حزب الله» ادَّعى وقتها أنه حقق نصراً إلهياً. قلت له إن ما حصل في حرب الاثني عشر يوماً لم يكن مشابهاً، فقد رأينا قصف تل أبيب، واكتظاظ الملاجئ الإسرائيلية، وزحمة المطارات بالمستوطنين الهاربين. هزَّ رأسه موافقاً، وأكمل: «لكنَّ حجم الخسائر البشرية كان أقل من حوادث السير». قلت إن الحرب فشلت في وقف البرنامج النووي، فقال إن البرنامج انتهى عملياً، إذ إن إسرائيل قادرة على إعادة قصفه واغتيال من تعدّه معادياً لها.
جادل البروفسور بأن إيران ستعود إلى طاولة مفاوضات البرنامج النووي، متوقعاً أن تصل إلى صيغة تعلن انتهاءه بشكل يُطمئن الغربيين. وأضاف أن أي حديث عن مستقبل إيران لا يمكن فصله عن إرث الثورة الذي شاخ في نظر جيل من الشباب بات يرى العالم من شاشات هاتفه قبل أن يراه من منابر المسؤولين. وأشار إلى أن العقوبات الغربية وانكماش الاقتصاد والبطالة يغذيان النقمة المكتومة لدى بعض شرائح المجتمع. واستطرد قائلاً إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي عاد إلى البيت الأبيض محمولاً على وعود «الحسم» و«عدم تكرار أخطاء الماضي»، يعد خطة متكاملة للتعامل مع الوضع الذي تمر به إيران، والذي يمكن أن يكون فرصة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط عبر اتفاقات سلام موسعة مقابل تعهدات أمنية واقتصادية ضخمة. وشدد على أن الشعب الإيراني منهك ولا يريد مزيداً من الحروب، بل يريد دولة تعيد وصل ما انقطع مع العالم. لذلك، يتوقع البروفسور أن تعرض واشنطن خريطة طريق مشروطة لعودة إيران إلى الاقتصاد العالمي مقابل حل مشكلة الميليشيات الموالية لطهران وتفكيك مشروعها النووي نهائياً. وأكد البروفسور أن عهد الشعارات قد ولَّى، وأن المنطقة اليوم أمام لحظة تحول تاريخية قد تُنهي عقوداً من العداء وتنقل الشرق الأوسط إلى عهد سلام بارد لكنه ضروري لاستقرار العالم بأسره.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
ترامب: محونا منشآت إيران النووية.. وبرنامجها دمر بالكامل
في كلمة ألقاها بمناسبة اليوم الوطني وبعد إقرار قانون الضريبة الجديد، استعرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب سلسلة من الإنجازات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي قال إنها تحققت خلال الأشهر الخمسة الماضية. ترمب: محونا منشآت #إيران النووية #العربية_عاجل #قناة_العربية — العربية (@AlArabiya) July 4, 2025 وقال ترامب اليوم الجمعة، إن الولايات المتحدة نفذت "هجمات كبيرة" استهدفت منشآت إيران النووية، مضيفا: "لقد محونا منشآت إيران النووية، وسنحتفي بطياري طائرات B2 الذين نفذوا الضربات". وأعلن أن بلاده ستبني ما وصفه بـ"القبة الذهبية" لحمايتها من التهديدات الخارجية. برنامج إيران النووي دمر بالكامل وأضاف الرئيس الأميركي أن العملية العسكرية التي استهدفت منشآت إيران النووية شاركت فيها أكثر من 30 طائرة تزود بالوقود جواً لدعم المقاتلات الأميركية. وأضاف في كلمته بولاية آيوا: "لقد كانت عملية دقيقة وكبيرة، شاركت فيها قدراتنا الجوية بكفاءة عالية". وأكد أن برنامج إيران النووي دمر بالكامل وهذا ما أثبتته وكالة الطاقة الذرية، مشيرا إلى أن إيران تطلب عقد اجتماع مع واشنطن. حققنا أكبر خفض ضريبي وفي الشأن الداخلي، أكد ترامب أن إدارته تمكّنت من تحقيق أكبر خفض ضريبي في تاريخ الولايات المتحدة، قائلاً: "لن نفرض ضرائب على الإكراميات أو العمل الإضافي أو الضمان الاجتماعي للمسنين"، مشيرًا كذلك إلى إلغاء الضرائب العقارية بالكامل. وأضاف أن هذه التخفيضات ستُستخدم في "تعزيز بناء الجيش الأميركي". وتطرق إلى ملف الهجرة، قائلاً إنه حصل على "تفويض شعبي" لوقف ما وصفه بـ"غزو المهاجرين غير القانونيين"، مؤكداً ترحيل آلاف منهم، وأضاف: "نقوم بعمل عظيم على الحدود". كما أشار إلى أن هناك جرائم ارتُكبت من قبل مهاجرين غير شرعيين، متعهدًا بطردهم خارج البلاد. #العربية_عاجل #قناة_العربية — العربية (@AlArabiya) July 4, 2025 وأعلن ترامب أن عدد المهاجرين غير القانونيين انخفض إلى أقل من 340 ألفاً، معتبرًا ذلك نتيجة مباشرة للسياسات الحازمة التي تتبعها إدارته على الحدود. وأشار إلى أن هذه المؤشرات مجتمعة تؤكد أن "أميركا تسير في الاتجاه الصحيح"، وأن الشعب الأميركي "يشهد ثمرة إنجازات حقيقية وليست وعوداً انتخابية"، على حد وصفه. ترامب: الولايات المتحدة ستبقى الأقوى وأكّد الرئيس الأميركي، في كلمته أمام أنصاره بولاية آيوا، أن الولايات المتحدة ستظل "البلد الأكثر قوة في العالم"، مشددًا على أن إدارته حققت إنجازات غير مسبوقة على المستويات الاقتصادية والعسكرية. وقال ترمب: "لدينا اليوم أقوى جيش في العالم، ونواصل الاستثمار في قدراته"، مشيرًا إلى أن هذه القوة تشكّل ركيزة أساسية في حماية الأمن القومي الأميركي. وأضاف أن إدارته تمكنت من تحصيل مليارات الدولارات من الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات، وهو ما ساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني، قائلاً: "الاقتصاد الأميركي يتحسّن، والأسعار بدأت في الانخفاض بوضوح". وحذّر من أن "الديمقراطيين سيحاولون استغلال قانون الضرائب في الانتخابات النصفية"، لكنه أكد ثقته في أن الشعب الأميركي سيقف إلى جانب "الإنجازات لا الشعارات"، على حد تعبيره.


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
مثقفون يبعثون رسائل امتنان لتركي الحمد في مشفاه
التفت مثقفون وكتّاب إلى الدور الثقافي والإنساني للرائد التنويري الدكتور تركي الحمد؛ الذي يمر بوعكة صحية أبعدته عن المشهد منذ أعوام. ولأن الغياب وإن طال لا يهضم حق «أبو طارق» فهو كاتب وطني لا يُنسى، ومن هنا يبعث مثقفون رسائل إلى أكثر الأسماء (التنويرية) جدلاً وإلهاماً في المشهد الفكري الحديث؛ فقامة وقيمة تركي الحمد، كبيرة وممنونة، فهو الكاتب السياسي، والمفكّر العصريّ، والروائي المُلهم، ولم يكن يوماً عابراً في وعي قرائه، ولا طيفاً مؤقتاً في مدارات الجدل، بل أحد أعمدته الراسخة، فهو الكاتب الذي قال ما لا يُقال، وكتب ما لا يُكتب، ولامس المسكوت عنه بمبضع الفكر لا بهتاف المنابر، فكان في نظر محبّيه علامة على الحريّة الفكرية، وفي عيون خصومه خصماً لا يُستباح إلا افتراء. وهنا مشاعر وعبارات منصفين، يستنطقون الغياب بكلماتٍ لا تسأل عن الرأي بقدر ما تسأل عن الرجل، لا تعاتب الصمت بقدر ما تستحثّ الكلمة، إنها رسائل إلى من لا يزال في القلب والعقل، وإلى من نأمل أن يعود قريباً، لا ليكتب ما يُرضي، بل ليكتب ما يُوقظ. فبعض الحضور لا يُعوّض، وبعض الغياب لا يُطاق! عبدالله الغذامي: لا تغلق بابك أبا طارق عزيزي أبا طارق، أعرف أنك ترانا وتسمعنا وتتحدث معنا ولكن هذا لا يكفينا منك، فلقلمك وعد معنا وعهد عليك لنا، وليس لك أن تغيب والكل ينتظرك، ورسالتي إليك هي مخاطبة القلب للقلب والعقل للعقل، بأن تطلق قلمك وتسمح له باللعب معنا كما كنا نلعب في الحارة مع أطفال الجيران، ونحن كلنا أطفال القلم والورق، وما زلنا كذلك مهما كبرت بنا السن، ولقلمك عليك حق ولنا عليك حق، وقد طال الانتظار وحان موعد الوعد والعهد وها هي «عكاظ» تركض نحوك فلا تغلق دونها بابك، تناول قلمك إذن.. واكتب لنا وللوطن وللثقافة، ولك من القلب تحيةٌ ومن العقل موقفٌ. حمزة المزيني: تحيّة إلى الشخصية الوطنية النموذجية ظل الزميل الصديق الدكتور تركي الحمد سنين طوالاً في مقدمة الصفوف للدفاع عن الوطن بإسهاماته في كتابة المقالات الصحفية وفي مشاركاته في النقاشات السياسية والاجتماعية الكثيرة داخل المملكة وخارجها. وكان الدكتور الحمد في كل ذلك يمثِّل السَّويَّة التي كِدنا نفقدها في خضم التشدد الاجتماعي والفقهي الذي آل في ما بعد إلى الهيجان الأصولي لأكثر من عقدين من السنين. وكان ذلك الهيجان يهدف في تلك الفترة، في حقيقته، إلى إثارة التنازع بين مكونات الوطن وزعزعة استقراره وإشاعة الفوضى لصرف الوطن عن متابعة إنجازاته في المجالات كلها التي كان يسعى دائباً لتحقيقها. وظل الدكتور الحمد طوال جهوده المشهودة ثابتاً لا يلين في مواجهة المناوئين للوطن رغم ما كان يناله من أذى يتمثل في خطاب عنيف لا يقيم للأخلاق وزناً إذا اختصم مع أحد. وكانت مجافاة ذلك الخطاب للأخلاق وشرف الخصومة تتمثل في التأويلات المغرِضة لعبارة واحدة وردت في سياق سرد أدبي اتُّخذت على أنها تمثل موقف الدكتور تركي. ولو أراد أولئك الحق لوجدوا مخارج قريبة لتأويل تلك العبارة، لكنه الهوى ومجافاة الحق وحسب. ومما يشار إليه ويُذكر من إسهامات الدكتور الحمد إسهامُه الواضح في المجال الأدبي في بلادنا برواياته المتعددة التي يمكن أن يُنظر إليها على أنها سيرة ذاتية له وسيرة للوطن في فترات حاسمة أيضاً. وسبق ذلك كله إسهامُه في التدريس في جامعة الملك سعود حيث كان يبث أفكاره الوطنية التي كان يرى أنها تسهم في تأسيس نهضة الوطن على أسس علمية وفكرية سليمة. والمؤكد أن طلابه الذين درسوا على يديه ما زالوا يذكرون له تلك الدروس المختلفة في مضمونها عن كثير من المواد الدراسية الباهتة التي لا توقظ ذهناً ولا تحرك تطلُّعاً ولا تؤسس لاستشراف لمستقبل يليق بالمملكة بين الأمم. ونحمد الله تعالى أنَّ تطلعات الدكتور الحمد لم تذهب هباءً، بل تحققت في السنوات القليلة الماضية بكفاءة وحسْم، وهو ما جعل المملكة الآن مثالاً للدول الناهضة التي تسعى لسيادة السلام والاستقرار والتنمية والسوية الفكرية والاجتماعية والفقهية. ليهنأ الزميل الصديق الأستاذ الدكتور الحمد، كما هنئنا جميعاً، بتحقيق تطلعاته التي صارت واقعاً ننعم به جميعاً، وكان يُنظر إليها على أنها بعيدة المنال قبل سنوات قليلة. لقد أدى الأستاذ الدكتور الحمد واجب الوطن عليه بكفاءة وإخلاص، وسيحتفظ له التاريخ بسجل إسهاماته المتميزة في ما اهتم به من مجالات فكرية واجتماعية وثقافية وعلمية. أدعو الله للزميل العزيز الدكتور تركي الحمد شفاء عاجلاً وحياة هانئة سعيدة. قينان الغامدي: لا أحد يضارعك في مقالك أستاذنا الكبير تركي الحمد أرجو أن تقرأ رسالتي هذه وأنت بأتم الصحة، فقد افتقدناك كثيراً، افتقدتك ككاتب ومفكر قل أن يجود الزمن بمثله، وافتقدتك صديقاً وأخاً وإنساناً فذّاً قل نظيره بين أصدقائي! لا يكاد يمر يوم دون أن أتذكرك، أتذكرك من خلال منصة «X» التي شهدت آخر إطلالاتك البهية منذ نحو 32 شهراً، وأتذكرك كلما قرأت فكرة بهية لمفكر كبير من السابقين، إذ أجدك نسجت ماهو أبلغ منها وأجمل، وأتذكرك كلما قرأت مقالاً في السياسة، إذ لا أحد يضارعك في ذلك، وأتذكرك كلما رأيت رواية جديدة، لأن ما بعد ثلاثيتك لا أراه إلا صدى لبعض صفحاتها، وأتذكرك كلما سمعت قهقهة تخرج من روح صاحبها، حيث أجدك علامة مميزة في الحديث والضحك، وأتذكرك كلما جئت الى العاصمة، حيث كان مجيئي مقترناً بلقائك، والآن أصبحت شبه مقيم في الرياض، لكن لسوء حظي لم أرَكَ فيها! حزين أنا يا أبا طارق، لأنك لست هنا، لست في الرياض، ومنذ أكثر من عام قرأت لأحدهم نظماً مرفقاً بصورة يظهر فيها بجوارك أثناء رحلتك الاستشفائية، وشممت رائحة التشفي والشماتة في نظمه الركيك، لكني قلت في نفسي: تركي أكبر من هذا السخف، وقد كنت فعلاً أكبر منه ومن ركاكته، وبقيت في علوك ورفعتك، وستظل كذلك! لقد كانت فضيلة ذلك الركيك الوحيدة، أن طمأنني على صحتك وأنك تتحسن بسرعة، ومذ ذاك لم أسمع ولم أقرأ عنك كلمة واحدة، سألت أصدقاء وأحبة مشتركين لكنهم مثلي يسألون، وفهمت غيابياً أن هذه عزلة اختيارية، وهي تعد لمشروع فكري لا يتقن مفاجأته أحد غير تركي الحمد! سيدي، أريد فقط الاطمئنان على صحتك وأين أنت؟ ودمت بخير دائماً. منصور النقيدان: حاضر لا يغيب ونقيّ لا يعرف المكائد سمعت باسمه أول مرة عام 1997، كنت في زنزانتي في السجن في بريدة، وكنت أتابع برنامجاً سياسياً على الراديو من إذاعة قطر، وتركي الحمد واحد من ضيوفه. أثار اهتمامي من لحظتها. ولأني كنت بعد خروجي في طور التحول ومعنياً تلك الأيام بقصة الدين والعلمانية والليبراليين والشريعة، وكان تركي حاضراً في النقاش لا يغيب ذكره. وأذكر أني قرأت أول رواية له «شرق الوادي»، ثم قرأت «العدامة»، وقرأت له مقالات في الشرق الأوسط، وسلسلة مقالات لذيذة عن نهاية الألفية، الأحداث الكبرى والأعلام. وقابلته أول مرة صيف 2003 في اجتماع مع وزير الداخلية الأمير المرحوم نايف بن عبدالعزيز، إذ دُعيت مع عشرات الصحفيين وشارك تركي بتعليق جريء حول الفلسطينيين، ودور السعودية تجاه قضيتهم. بعدها زرته لتعزيته في رحيل زوجته أم طارق رحمها الله. وقرأت رواية له ذلك العام اسمها «ريح الجنة»، لم تعجبني، وندمت على قراءتها. وبعد قرابة سنتين تلقيت منه رسالة واحدة على جوالي، بعدما عُرض فيلم وثائقي عني على قناة «العربية» نوفمبر 2005، كتب فيها: «لم أعرف أنك متزوج» وكان ابني يوسف وقتها في شهره الثالث. أما لقائي الأخير عام 2009 فكان في حفل جائزة الشيخ زايد للكتاب في أبوظبي. ضحكنا فيها وتبادلنا النكات، وكان مساء بارداً حنوناً من ليالي نوفمبر. السنوات اللاحقة تابعت بعض لقاءاته، وبعضاً مما يكتبه. حيث بدأ ألقه الفكري يضعف، ومستوى كتابته يتراجع، وتغريداته على تويتر/ إكس كانت متفاوتة، وعام 2014 قرأت وأنا في زيارة لمكتب المدير العام للمباحث في الرياض رسالة كتبها تركي عن الوطن، عن المملكة ومجدها وملوكها العظام، وهي المرة الأولى التي أرى خطه. أهداها للوطن ونالت الحفاوة ومكانها اللائق بها على طاولة شمالك وأنت متجه إلى مكتب الرئيس. شعرت نحوه بفيض في جوانحي يتعاظم مع السنين، مزيج من المحبة والرحمة والتقدير، وبعض شعور من الأسى جرّاء ما مرّ به في السنوات الثلاثين الأخيرة من فقد للأحبة ورحيل للأبناء، وبيانات تكفير، وتهديد بالقتل، وتعريض بإصدار حكم بردّته، وشماتة الأعداء جراء ما ناله من كروب. رأيت فيه على الدوام إنساناً نزيهاً نقياً لا يعرف المكائد ولا الطعن في الظهر، وزادته عزلته، وندرة حضوره في العلن، وقلّة أصدقائه، ألقاً وجاذبية وغموضاً لدى معجبيه وقرائه. وحين كتب العام الماضي تغريدته الأخيرة يُطمئن فيها متابعيه والسعوديين أنه بخير قرأها الملايين وعلق عليها الآلاف. ويبدو أن من يحبه أضعاف من لا يحملون له الودّ. علمت بمرضه قبل عام تقريباً، فانتابني ما يعصف بكل إنسان لفت انتباهه شخص مثل تركي. إنسان لطالما تمنيت لو كان لي صديقاً. رأيت صورة له قبل سنة تقريباً وهو في رحلة علاجه، فانقبض قلبي وران صمت في داخلي، وشيء ثقيل قاتم جثم على صدري. ربما أنني رأيت فيه نفسي، ومآل أمري، وغروب حياتي. تركي الحمد، قصته، شاب حركي عابر في شبابه الباكر، ثم كاتب مثير للجدل، مفكر، وروائي، تركي بآلامه وأفكاره وتأثيره في جيلي، وملحمة صعوده، ثم ذبول عطائه في العقدين الأخيرين، ولحظات تضعضعه. وحين يسدل الستار، بعد آخر شروق شمس سيكون شاهداً عليه، مبحراً في غموض الأبدية، محلقاً بجناحيه نحو دياره الأولى، تاركاً بعده قلوباً مكسورة ومهجاً خفقت بحبه، حينها سيدوي الدهر متحشرجاً بتأبين جوهرة عبرت عالمنا. تركي الإنسان الذي أحببناه، والذي ظل مخلصاً لوطنه وولاة أمره. مانع اليامي: علامة فارقة في مشهدنا انقطاع الحمد عن المشهد الاجتماعي والثقافي، الانقطاع الاختياري يثير الجدل مثلما كان وما زال يثير الجدل حضوره الموزون على سعة المعرفة وحب الوطن، كقارئ أفتقد الدكتور تركي الحمد الإنسان.. المفكر والروائي المرموق، أبو طارق علامة فارقة في المشهد الاجتماعي والثقافي وله علم وخبرة في مواجهة التطرف والغلو بأدوات الفكر النيّر والمعهود عنه أنه لا يميل للواقع الاجتماعي المغلف بأدوات المثالية غير أنه لطيف يسير على الأرض ولا يجدف في الهواء حين يعقد العزم على ملامسة المسكوت عنه اجتماعياً، الصدقية في الطرح المؤسس على سلامة المقاصد وسعت دائرة قبوله عند العقلاء. والواضح مقابل كل ذلك أنه لم يسلم من تهمة التجاوزات إما لقصور فهم عند البعض وإما لغرض في نفس يعقوب، وفي النهاية لا تذكر الذاكرة الرقمية أن أحداً وقف أمامه وفي مستوى ريادة فكره مقارعاً الحجة بالحجة، أتمنى ألا يطول غيابه مع دعواتي له دائماً بدوام الصحة. أحمد الأسود: عقل ناقد وقلب عاشق في غيابك الطويل، شعرنا أنّ المساحات البيضاء اتّسعت في المشهد، وأنّ التغريدة التي كنا ننتظرها كلّ صباح قد غابت مع انطفاء قنديل العقل الحرّ. لم تكن يوماً مجرّد كاتب، بل ضميراً ثقافيّاً ظلّ يوقظ فينا الأسئلة الحرجة، ويُذكّرنا بأن التفكير فضيلة لا جريمة. نفتقد حضورك، لا في الجدل وحده، بل في التوازن الذي كنت تجسّده بين عقلٍ ناقد وقلبٍ عاشقٍ لوطنه، وطن طالما حلمت به مدنيّاً، حرّاً، عادلاً. وكم نحن بحاجة، اليوم، إلى عودتك؛ لنتأمّل في صراعاتنا الفكرية من جديد، ونستأنف حواراتنا المؤجلة. لا نعرف من المرض إلا صمته، لكننا نؤمن أنّ الأرواح الكبيرة لا تُهزم بسهولة. فانهض يا صديق الكلمة، وأعد إلينا دفء الحضور، ولو بكلمة واحدة تطمئننا. باسم المحبّين جميعاً، نقول لك: «أنت الغائب الذي لا يُنسى، والحاضر الذي لا يُغني عنه أحد». أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
«الصفقة المقنّعة».. هل يعود احتلال غزة من بوابة الأمن ؟
في اللحظة التي يُنتظر فيها توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، تتقدم الأسئلة على الإجابات، وتتداخل الهواجس مع الآمال. فهل نحن أمام صفقة تُنهي حرباً دموية امتدت منذ أكتوبر 2023، أم أمام مشهد يعيد رسم خريطة القطاع المنكوب على وقع سياسة «الاحتلال الناعم»؟ تتحرك الدبلوماسية على وقع النار، وتبنى التفاهمات فوق ركام البيوت والأحياء، لكنّ أحداً لا يستطيع حتى اللحظة حسم طبيعة المرحلة القادمة: تسوية تنهي الحرب؟ أم تمهيد لوجود إسرائيلي مستدام داخل غزة تحت مسمى «الأمن»؟ في كواليس الصفقة من واشنطن إلى الدوحة، مروراً بالقاهرة وتل أبيب، تُنسج خيوط اتفاق هشّ يفترض أن يُفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار مقابل صفقة تبادل رهائن ومساعدات إنسانية وربما لاحقاً إعادة إعمار مشروطة. لكن الحذر يعلو على التفاؤل، إذ تؤكد مصادر دبلوماسية أن الخلاف لا يزال مستمراً حول التوقيت والمرحلية، خصوصاً في بند انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع. فبينما تبدي إسرائيل «مرونة جزئية» وفق تسريبات دبلوماسية، تُصر على إبقاء ما تسميه «نطاقاً أمنياً» جنوب غزة في ما يشبه إعادة صياغة لمفهوم الاحتلال، ولكن بلغة جديدة: قوات منتشرة، مسيّرات دائمة وسيطرة استخباراتية على المعابر، وكل ذلك خارج التعريف التقليدي للاحتلال. وفي هذا الإطار، أعلن البيت الأبيض أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيزور واشنطن في الـ7 من يوليو، بدعوة من الرئيس دونالد ترمب، لبحث «ترتيبات ما بعد وقف إطلاق النار»، وسط حديث متزايد عن صفقة أسلحة ضخمة، وتفاهمات أمريكية – إسرائيلية تتجاوز حدود غزة إلى الإقليم الأوسع. العقبة الأهم والرؤية المتناقضة تكمن المعضلة في التناقض الجذري بين أهداف الطرفين: إسرائيل ترى أن انسحاباً كاملاً من دون «ضمانات ميدانية» يعني تكرار سيناريو 2005؛ أي الانسحاب دون نتائج سياسية حاسمة، مع بقاء حماس. أما حماس، فتعتبر أن بقاء أي جندي إسرائيلي على الأرض، أو استمرار الحصار، يعني أن الحرب لم تنتهِ بعد، وأن وقف إطلاق النار مجرد استراحة مقنّعة لاحتلال يتجدد بأدوات أكثر نعومة. في هذا السياق، طرحت مصر وقطر تصوراً يقضي بانسحاب متدرج ومتزامن مع إطلاق الرهائن، وتشكيل لجنة أمنية عربية تشرف على الانتقال. لكن إسرائيل ترفض أي صيغة تتضمن «انسحاباً غير مشروط»، فيما تُبقي الإدارة الأمريكية على غموضها التكتيكي؛ دعماً لنتنياهو في الداخل وحرصاً على عدم انفراط التفاهم الإقليمي. مواقف متباينة.. وسكوت دولي في المشهد الدولي، تبرز مفارقة لافتة: الإدارة الأمريكية تدفع باتجاه «هدنة ممكنة»، لكنها لا تمارس ضغطاً حقيقياً على تل أبيب للانسحاب الكامل. الأمم المتحدة تكتفي بالتحذير من «كارثة إنسانية»، من دون توصيف دقيق للوضع القانوني للوجود الإسرائيلي المرتقب. الاتحاد الأوروبي منقسم، فيما تعتمد العواصم العربية مقاربة دبلوماسية حذرة، باستثناء المبادرات المصرية والقطرية التي حافظت على وتيرتها. في غزة، يبدو المشهد أبعد من الدبلوماسية. فالقصف يتواصل في مناطق تعتبر آمنة، وسقوط المدنيين بات يومياً. في موازاة ذلك، تبني إسرائيل «ممراً عسكرياً» يفصل القطاع، وتفرض وقائع على الأرض، في ما يشبه وضع اليد على مناطق معينة، بحجة «تأمين ما بعد الحرب». ماذا تريد إسرائيل؟ التحليلات الإسرائيلية نفسها منقسمة بين فريق يرى أن بقاء الجيش في غزة ضرورة مرحلية لضمان عدم عودة حماس إلى الحكم. وفريق آخر يحذر من «مستنقع سياسي وعسكري» يشبه ما واجهته إسرائيل في جنوب لبنان. لكن ما يجمع عليه الطرفان هو أن إسرائيل لا تثق بأي صيغة تتيح لحماس استعادة نفوذها، حتى ضمن حكومة فلسطينية موحدة؛ ما يعني أن إعادة تأهيل غزة سياسياّ بعد الحرب ما زال رهن التفاهمات الدولية، وليس بقرار فلسطيني خالص. نحو أي أفق؟ السؤال الجوهري اليوم لم يعد: متى ستنتهي الحرب؟ بل كيف ستنتهي؟ هل نكون أمام «نهاية مفتوحة»، تُبقي غزة بلا حكم واضح، ووسط وصاية أمنية غير معلنة؟ أم أن التسوية ستنجح في إرساء حد أدنى من التوازن بين الأمن الإسرائيلي والسيادة الفلسطينية؟. وماذا لو رفضت حماس الصيغة الأخيرة من الاتفاق، وقرر نتنياهو الاستمرار في العمليات البرية؟ هل نحن أمام هدنة مؤقتة.. أم استنزاف طويل؟ بين الحديث عن «صفقة تاريخية» وواقع ميداني يكرّس نوعاً جديداً من السيطرة، يبقى الغموض هو الحاكم. المشهد أمامنا ليس فقط اختباراً للنيات الإسرائيلية، بل أيضاً للقدرة الدولية على فرض تسوية عادلة. فإن تمت الصفقة على قاعدة إنهاء العدوان وانسحاب حقيقي قد نكون أمام بداية مسار سياسي جديد. أما إن كانت مجرد تغليف ناعم لإعادة الاحتلال، فستكون مقدمة لجولة عنف أخرى، بصيغة أكثر تعقيداً. أخبار ذات صلة