logo
هي حرب إسرائيل التوسيعية أم نتنياهو الإنقاذية؟

هي حرب إسرائيل التوسيعية أم نتنياهو الإنقاذية؟

النهارمنذ 16 ساعات

نقلت الإذاعة الإسرائيلية الأربعاء 25 حزيران/ يونيو الجاري، عن وزير الأمن القومي إيثمار بن غفير، قوله "إن الوقت قد حان لفتح أبواب الجحيم على أعدائنا"، مضيفاً أن على إسرائيل أن "تثبت أنها صاحبة السيادة في الشرق الأوسط".
قد تكون "نشوة" الانتصار الوهمي هي من تتكلم في بن غفير ، ذلك الوزير ذو التوجه والانتماء اليميني المتطرف في حكومة بنيامين نتنياهو، التي تقود حرباً باتت قاب قوسين من دخولها عامها الثاني، بعد العملية التي قامت بها حركة "حماس" على مستوطنات غلاف القطاع. لكن في الواقعية السياسية، ما نطق به هذا الوزير سيبقى من نسج مخيلته على اعتبار أحلام إسرائيل التوسعية بمكان، بينما طموحات نتنياهو الإنقاذية بمكان آخر.
تعتبر حكومة نتنياهو أن حربها التي شنتها على إيران والتي دامت 12 يوماً، حققت فيها انتصاراً في الأهداف، المرتبطة بوقف برنامج إيران النووي، وضرب قدراتها الصاروخية تحديداً الباليستية. رغم تناقض المعلومات في شأن تحقيق أهداف الحرب، إلا أنّ تأكيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أتى ليصبّ في مصلحة نتنياهو، في شأن نتائج ضرباته التي شنتها طائراته على مواقع إيران النووية الثلاث، نطنز، واصفهان، وفوردو لتخصيب اليورانيوم.
دخلت كل من إيران وإسرائيل في هدنة طويلة فرضتها الحماسة الأميركية، ودعمتها الإرادة القطرية، وحصلت على مباركة روسية وصينية لوقف هذه الحرب التي كانت مرشحة للانزلاق نحو حرب كبرى في الشرق الأوسط.
على ما يبدو أبعاد الحرب الإسرائيلية لا تتعلق بالانتقام لما حصل في 7 تشرين الأول/أوكتوبر من عام 2023، ولا ترتبط بملف المعتقلين الإسرائيليين لدى "حماس" في القطاع والإفراج عنهم. وهي لا ترتبط بفرض واقع التغيير لخارطة الشرق الأوسط بما يتناسب مع النفوذ الجديد لإسرائيل، وأحلام الصهيونية الجانح نحو إقامة دولة بني صهيون وعاصمتها القدس. فهذه الحرب لخصها ترامب في دفاعه عن شخص رئيس وزراء إسرائيل، وإنقاذ مستقبله السياسي من المحاكمة، فهل هذا فقط ما يربده ترامب؟
"حرب إسرائيل التوسعية، أم نتنياهو الإنقاذية؟" يقف المتابع أمام مجريات الحرب متوقفاً عند مضمون هذه الإشكالية التي تحمل في طياتها تساؤلات حقيقية حول نهاية هذه الحرب التي تتشعبّ في أجندتها وكادت أن تشرك فيها القوات الأميركية المتواجدة في المنطقة. لكنّ من المعطيات الميدانية والمواقف الدولية يتضح أنها لا تستطيع أن تكون حرب إسرائيل التوسعية، بقدر ما أرادتها واشنطن حرب نتنياهو الإنقاذية، لغايات في نفس يعقوب.
لمست إسرائيل إن المواقف العربية تحديداً الخليجية ومعها الإقليمية، التركية والباكستانية، إضافة إلى الغرب المتمثل في الدول الأوروبية، وحليفتي ايران التقليديتين، روسيا والصين، أكدت كلها رفض التغيير في الخارطة الجغرافية كما السياسية للمنطقة. فمجريات الحرب لم تعط الأفضلية لإسرائيل في تحقيق النصر على رسم شرقها الأوسط الجديد، لا بل أوضحت بدلالة مؤكدة إن إسرائيل خارج إطار الدعم لأميركي لا وجود لها، وإن حدود حربها لا ترسمها ألة حربها، بل ترسم في كواليس البيت الأبيض.
في سياق متصل، أكد ترامب دعمه لنتنياهو، في محاكمته أمام القضاء الإسرائيلي بتهم الفساد مطالباً بإلغاء تلك المحاكمات "فوراً" أو العفو عنه، قائلًا "إن الولايات المتحدة ستنقذه كما أنقذت إسرائيل".
وقال في منشور عبر حسابه في "تروث سوشال"، الأربعاء 25 حزيران، "إنه علم أن نتنياهو قد تمّ استدعاؤه للمثول أمام المحكمة الإثنين المقبل، لمواصلة قضية وصفها بالطويلة الأمد وأنها "أمر غير مسبوق".
لا يا سيد ترامب، فغير المسبوق أن تدخل المنطقة حرباً إقليمية كبرى لإنقاذ نتنياهو سياسياً وقضائياً، وغير المسبوق أيضاً أن تتدخل واشنطن في شنّ الضربات خدمة لمصالح هذا الرجل، الذي مارس الإبادة الجماعية بحق سكان القطاع.
ما قاله ترامب ليس ببعيد عن منطق تفكيره، لأنّ ترامب فرض عقوبات على محكمة العدل الدولية، وعلى القضاة الذين ادعوا على نتنياهو ووزير دفاعه يؤآف غالانت في قضية ترتبط بممارسة إسرائيل جرائم حرب تقدمت بها دولة جنوب إفريقيا. فالقرار الأميركي أتى بعد مطالبة المحكمة بالعودة عن قرارها هذا، وأعربت المحكمة في ايار الماضي عن استيائها العميق من العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على أربع من قاضياتها، معتبرة أن القرار يشكل تهديداً لاستقلال المؤسسة القضائية الدولية. لا يأبه ترامب، على ما يبدو، بشأن استقلالية هذه المؤسسة، وما قام به من تنفيذ ضربات تدميرية على إيران دليل على أن الرجل غير آبه أصلًا بالقانون الدولي.
ما بدا إلى العلن، أن التحركات الأميركية أتت تنفيذًا لمصالح نتنياهو، هذا ما أعطاه هامشاً من التصرف، وما تعطيل الأخير لمبادرة ستيف ويتكون مبعوث الرئيس الأميركي إلى منطقة الشرق الأوسط، يصبّ في هذه الخانة. في الجانب الآخر يؤكد البعض أن الوقوف إلى جانب نتنياهو لا يتعلقّ بإنقاذ هذا الرجل فحسب، بل هو رسالة إنقاذ واضحة إلى كل من ينفّذ الأجندة الأميركية، وعلى رأسهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
كان لافتاً ما ارتداه زيلينسكي من بدلة رسمية بعيداً من الزي العسكري الذي اعتاد لبسه مع انطلاق العملية العسكرية الروسية في 24 شباط / فبراير عام 2022، بعد الانتقاد الشديد الذي تعرض له من ترامب في لقائهما في البيت الأبيض في شباط الماضي. وضع البعض لباس زيلينسكي في قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" في القصر الملكي "هويس تين بوش" في لاهاي، في إطار أنها رسالة تقديم الطاعة، وأن الرجل ملتزم تنفيذ مصالح واشنطن في الحرب الدائرة في شرق أوروبا.
معادلة جديدة رسمها ترامب في سياسة إدارته الخارجية، تعتمد على تغيير الصورة النمطية للولايات المتحدة مع العالم، على اعتبار أن الفكر البراغماتي الأميركي يبدّي مصالح بلاده على الجميع حتى لو على حلفائه. لكنّ موقف ترامب الواضح حيال نتنياهو أعطى صورة جديدة تتمثل في الحفاظ على مستقبل كل من يعمل من أجل مصالح واشنطن الخارجية، فهل زيلينسكي هو التالي؟

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

خريطة طريق نتنياهو وترامب للتطبيع: سوريا أولاً ولبنان "أكثر تعقيداً"
خريطة طريق نتنياهو وترامب للتطبيع: سوريا أولاً ولبنان "أكثر تعقيداً"

المركزية

timeمنذ 25 دقائق

  • المركزية

خريطة طريق نتنياهو وترامب للتطبيع: سوريا أولاً ولبنان "أكثر تعقيداً"

تطرقت "القناة 14" العبرية في تقرير اليوم الأحد، إلى خريطة الطريق التي وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب للتطبيع في الشرق الأوسط خلال الأشهر القريبة المقبلة، تحت العنوان "سوريا أولاً". وكشفت القناة أنه في الأسابيع الأخيرة، حصل تقدم ملحوظ في المحادثات مع النظام الجديد في دمشق"، مشيرةً إلى أن "الفهم السائد في تل أبيب وواشنطن هو أن أحمد الشرع لا يهتم كثيراً بإنهاء الحرب في غزة، وإنما يركّز أكثر على رفع العقوبات الأميركية عن سوريا". ونقلت القناة عن قال مصدر سياسي قوله: "هو بالتأكيد لم يتحوّل إلى صهيوني، لكن المصالح هي التي تُحدد مسار خطواته". في هذه الأثناء، يسعى الأميركيون بحسب "القناة 14" إلى ربط التطبيع مع سوريا أيضاً بتحسين العلاقات بين إسرائيل وتركيا. وأضافت القناة: "على هذه الخلفية، يمكن ربما فهم تصريح توم براك- سفير الولايات المتحدة في أنقرة والذي يعمل أيضاً كمبعوث خاص لسوريا- عندما قال إنَّ الخلاف بين واشنطن وأنقرة بخصوص تزويد تركيا بطائرات F-35 قد يُحل قريباً". إلى ذلك، أشارت "القناة 14" العبرية إلى أنه "أما فيما يتعلق بلبنان، فالوضع أكثر تعقيداً، ويتوقف بدرجة كبيرة على نضوج المسار المتعلق بنزع سلاح حزب الله– وهو ما لم يتحقق بعد، لكن الحكومة في بيروت، وخصوصاً الإدارة الأميركية، لم تتنازل بعد عن هذا الهدف". وأوضحت في التقرير أنه "في المرحلة التالية، من المفترض أن تنضم السعودية، لكنها لن تفعل ذلك إلا بعد انتهاء الحرب في غزة، بسبب الرأي العام داخل المملكة". وبحسب مصادر في القدس نقلتها القناة، فإن انتهاء الحرب من المتوقع أن يحدث خلال الأشهر القريبة، سواءً عبر حسم عسكري أو من خلال صفقة استسلام من جانب "حماس". وتابعت "القناة 14": "في حال انضمت السعودية، فالتوقع هو أن تلحق بها إندونيسيا أكبر دولة مسلمة في العالم، والتي انتُخبت فيها مؤخراً حكومة مؤيدة للغرب برئاسة برابوو سوبيانتو. ومن المحتمل أن تنجح السعودية لاحقاً بجلب أقرب حلفائها، باكستان ثاني أكبر دولة مسلمة". ولفتت في التقرير إلى أنه "أما بالنسبة لباكستان، فالأمور أكثر تعقيداً، سواء بسبب التيارات الإسلامية القوية داخلها، أو بسبب العلاقات الوثيقة بين إسرائيل والهند، وحالة الحرب أو التوتر الشديد بين الهند وباكستان". وختمت القناة تقريرها: "على أي حال، وفقاً للخطط الموضوعة في القدس وواشنطن، فإن كل ذلك من المفترض أن يحدث خلال النصف سنة إلى السنة القادمة، هدف طموح ومتفائل للغاية، لكن في ظل التغيرات السريعة والدراماتيكية في المنطقة، خاصة بعد سقوط إيران، لا يمكن استبعاده".

الاستخبارات التركية تبحث مع "حماس" هدنة في غزة
الاستخبارات التركية تبحث مع "حماس" هدنة في غزة

LBCI

timeمنذ 39 دقائق

  • LBCI

الاستخبارات التركية تبحث مع "حماس" هدنة في غزة

التقى رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالين الأحد قادة من حركة حماس لبحث الوضع الإنساني في قطاع غزة والجهود من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار في الحرب مع إسرائيل، على ما أوردت وكالة الأناضول التركية للأنباء. وذكرت الوكالة نقلا عن مصادر أمنية أن كالين تباحث مع وفد حماس وعلى رأسه رئيس المجلس القيادي للحركة محمد درويش في مكان لم يكشف عنه. وتابعت أنه جرى بحث الوضع الإنساني في غزة وجهود تركيا لوضع حد للحرب و"تأمين عبور آني للمساعدات" إلى القطاع المدمر والذي يعاني سكانه الجوع بعد أكثر من عشرين شهرا من الحرب.

واشنطن تغازل دمشق وصورة للشرع في تل أبيب
واشنطن تغازل دمشق وصورة للشرع في تل أبيب

المدن

timeمنذ ساعة واحدة

  • المدن

واشنطن تغازل دمشق وصورة للشرع في تل أبيب

ما أن توقفت الحرب بين إسرائيل وإيران حتى انتشرت صورة لوحة إعلانية ضخمة في تل أبيب، يظهر فيها رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، إلى جوار تسعة قادة عرب تحت شعار: فرصة جديدة لشرق أوسط جديد. الصور الإعلانية انتشرت في تل أبيب بأكثر من لغة، وهي من ضمن حملة أطلقها "التحالف من أجل الأمن الإقليمي" في إسرائيل، ليبدو الشرق الأوسط الجديد الذي تبشّر به الصورة تحالفاً إسرائيلياً-عربياً، أكثر من كونها دعوة إلى شرق أوسط جديد حقاً. صورة الشرع في تل أبيب تم تجاهلها في دمشق، وكذلك تصريح توماس باراك (المبعوث الأميركي إلى سوريا) إلى قناة "الجزيرة"، وأكّد فيه وجود محادثات هادئة حول كل القضايا، بين الإدارة السورية وتل أبيب. مشيراً إلى أن "الإدارة السورية الحالية ليست على خلاف مع إسرائيل، أو أنها لا تريد القتال". ليعود باراك إلى القول إن إدارته غير معنية بأن تملي على دمشق شيئاً، بل معنية بأن تساعدها. تفسير العبارة الأخيرة نجده فيما نقلته سانا، وكالة الأنباء السورية الحكومية، عن باراك أيضاً في حديثه إلى قناة "العربية" يوم الخميس، وجاء فيه: "عندما رفع الرئيس دونالد ترامب العقوبات عن سوريا بالتنسيق مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كان الهدف إعطاء سوريا فرصة، وليس إملاء نظام جديد أو تصدير الديمقراطية أو حتى خلق دستور جديد". وكانت صفحة "الحدث السوري" على فايسبوك، التابعة لشبكة "العربية" التي نقلت تصريحات باراك، قد نشرت في اليوم نفسه على نحو منفصل خبراً عاجلاً عن البيت الأبيض، مفاده أن "سوريا إحدى الدول العربية التي قد تنضم إلى اتفاقية مع إسرائيل". وقبل أيام قليلة كانت صحيفة "إسرائيل هيوم" قد سرّبت أقوالاً لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، أدلى بها في جلسة سرية للجنة الخارجية والدفاع في الكنيست. مما قاله تساحي هنغبي هو إشرافه شخصياً على التنسيق الأمني والسياسي مع دمشق، وأشار إلى أن الطرفين في مرحلة من المفاوضات يناقشان فيها ما يتعلق بالتطبيع، وأن سوريا مرشّحة لعقد اتفاقية لتطبيع العلاقات، على غرار اتفاقيات أبراهام. من السهل على أي متابع الانتباه إلى ما يربط رزمة التطورات المذكورة أعلاه، ومنها تطورات اليومين الأخيرين اللذين شهدا تسريباً من البيت الأبيض عن إمكانية إبرام اتفاق بين دمشق وتل أبيب، وتكرار المبعوث السوري إلى سوريا أقواله مرتين خلال أقل من أربع وعشرين ساعة، خصوصاً تلك التي تنص على أن بلاده لن تُملي شيئاً على السلطة في دمشق، وتحديداً قوله إن هدف بلاده ليس "إملاء نظام جديد أو تصدير الديمقراطية أو حتى خلق دستور جديد". صدور هذه التصريحات المتزامنة يشي بمقايضة صريحة بين إطلاق يد السلطة في سوريا مقابل التنازلات التي ستُقدَّم في الاتفاق مع إسرائيل، ومن ثم التطبيع معها. لا تلزم في هذا السياق حتى الإشارة إلى صدور التصريحات عن إدارة أميركية لا يخفي رئيسها غرامه الشديد بالصفقات والمقايضات من هذا القبيل، فالتزامن يشرح نفسه بنفسه، ودحض الرابط بين تقديم التنازلات في الخارج والاستئثار بالداخل يلزمه مسار من الشفافية والتشاركية غير متوفرين، ولا تظهر هناك نية للذهاب في اتجاههما. من حيث المبدأ، إن رغبة واشنطن وتل أبيب في عقد اتفاق بين الأخيرة ودمشق تعني تعاملهما مع سلطة المرحلة الانتقالية كسلطة دائمة، لها الحق في إبرام اتفاقيات مستدامة ذات طابع شديد الأهمية والحساسية. التصريحات الأميركية الخاصة بعدم إملاء الديموقراطية على دمشق هي لمزيد من الشرح، ولبعث رسالة سياسية واضحة في هذا الاتجاه؛ رسالة لا يُستثنى من مقاصدها سوريون يطمحون إلى الشروع في انتقال ديموقراطي، ولو آجلاً. ومن أوجه الخطورة في المقايضة كونها لا تحدث بين طرفين متكافئين، فحكومة تل أبيب (مهما كان رأينا في وحشيتها إزاء الفلسطينيين) هي حكومة منتخبة ديموقراطياً، والاتفاق الذي تسعى إليه هو لخدمة مواطنيها من اليهود، حتى إذا حقق في جانب منه اعتبارات انتخابية مفيدة لها. أما الثمن فهو على الضد تماماً، إذ يُلوَّح بعدم اكتراث واشنطن بسلوك السلطة في دمشق فيما يخص الانتقال الديموقراطي تحديداً، بل ليس من التجنّي النظر إلى تصريحات مبعوثها كتشجيع للسلطة الانتقالية على فعل ما يحلو لها داخلياً. أبعد من ذلك، ستحيل المقايضة، إذا مشت فيها سلطة دمشق، إلى أسوأ ما في العهد الأسدي السابق. أي إلى الاستئثار بالسلطة مع دعم خارجي، وبحيث يكون الأخير هو مصدر "الشرعية" الأكبر، ويُستخدم ضمناً أو علناً لقهر الداخل. وكما نعلم لم يقصّر الكثير من السوريين، منذ آذار 2011 على الأقل، في تخوين حافظ الأسد بموجب رواية تقول إنه "اشترى" كرسي الرئاسة من إسرائيل عندما كان وزيراً للدفاع عام 1967، بسَحْبه القوات السورية من الجولان أمام الهجوم الإسرائيلي. عطفاً على ذلك، كانت الرواية ذاتها تنصّ على بقاء بشار في السلطة، بعد الثورة عليه، لأنه محميٌّ إسرائيلياً حسب الصفقة آنفة الذكر. بل إن عدم ردّ بشار الأسد على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة لطالما نُظر إليه من زاوية كونه لا يستطيع الرد على رُعاته في تل أبيب، لا لأنه ضعيف لا يملك القدرة على الرد. هذه النظرة المعمَّمة على نطاق واسع تستحق شيئاً من التدقيق، إذ قد يتفرّع عنها مثلاً أن لإسرائيل حصة في تقرير من يحكم دمشق، وهذا الاستنتاج له تبعاته لجهة فهم الماضي والحاضر والمستقبل المنظور. واليوم لا يفعل مناصرو السلطة؛ بحماسة بعضهم المعلن للسلام مع إسرائيل، وبصمت بعضهم الآخر عن الأخبار، سوى أنهم جميعاً يعززون الربط بين السلام والسلطة. فلا يبدو السلام مطلباً سورياً وطنياً، بل هو من ضرورات السلطة ليس إلا. بل إن العلاقة مع الصراع في المنطقة بأكملها تتمحور أيضاً حول السلطة، فلا يخفى أن نسبة ساحقة من الذين كانوا يسخرون من بشار الأسد لصمته أثناء الجرائم الإسرائيلية في غزة هم من الصامتين عنها منذ حدث التغيير في سوريا. وأثناء الأحاديث المتواترة منذ مدة حول التواصل بين دمشق وتل أبيب لا تُذكر غزة، ولو على هامش بسيط مما يحدث، وكأنّ مآل ما يحدث فيها منفصل تماماً عن المسار السوري. ما نعود للتأكيد عليه هو عدم وجود رؤية سورية للسلام مع إسرائيل، ونستبعد أن يكون لدى تل أبيب حالياً مشروع للسلام يختلف في الجوهر عن ميزان القوى المائل بشدة لصالحها. بالأحرى لا يوجد نقاش سوري حول السلام، وحدود التنازلات المقبولة لأجله. ولا يوجد أيضاً نقاش واتفاق سوريين على معنى الحكم الانتقالي، وعلى الصلاحيات الممنوحة لأهله خلال السنوات الخمس المنصوص عليها في الإعلان الدستوري. هذا "الغموض" السوري، المتعمّد جراء الإحجام العام عن المكاشفة، تأتي التصريحات الأميركية فلا تستثيره رغم خطورتها. وكما نعلم، فإن الذين كان سيستفزّهم تصريح أميركي يطالب بالانتقال الديموقراطي لن يستفزّهم العكس عن "عدم تصدير الديموقراطية"، وكأن الأخيرة منتجٌ أميركي، وليست في صميم ما ثار السوريون من أجله.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store