logo
عبد الرزاق بوغنبور يكتب: الجنائي فوق الصحافة أو حين تدان حرية التعبير تحت غطاء القانون

عبد الرزاق بوغنبور يكتب: الجنائي فوق الصحافة أو حين تدان حرية التعبير تحت غطاء القانون

بديلمنذ 2 أيام
في خطوة وُصفت بأنها ضربة موجعة لحرية الصحافة، صادقت محكمة الاستئناف بالرباط على الحكم الصادر في حق الصحفي حميد المهداوي، مدير موقع 'بديل.أنفو'، والقاضي بسجنه سنة ونصف حبسا نافذا، إلى جانب تغريمه مبلغاً باهظاً قدره 150 مليون سنتيم.
وإذا كانت هذه الإدانة تُقدَّم قانونيًا باعتبارها تطبيقا لنصوص 'الشرعية الجنائية'، فإنها في الواقع تُسائل الجوهر الحقوقي والدستوري للدولة، وتضعنا أمام مفارقة صارخة: هل ما زال قانون الصحافة والنشر ساري المفعول، أم أن 'الاستثناء الجنائي' قد ابتلعه كليًا؟
حين يُستبدل الدستور بالإجراء
الصدمة لا تكمن فقط في حجم العقوبة، بل في طبيعة المسار القانوني المتّبع. فمنذ صدور القانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، ساد الاعتقاد بأن زمن السجون في قضايا الرأي قد ولى، وأن حرية التعبير محمية بنص الدستور وروح المرحلة. غير أن الواقع، كما تثبته هذه القضية، يُظهر أن القانون الجنائي لا يزال يُستخدم كأداة زجرية في مواجهة الأصوات الإعلامية المزعجة، مما يُفرغ قانون الصحافة من مضمونه الإصلاحي.
الفصل 25 من الدستور المغربي يقر صراحة بأن حرية التعبير والفكر مكفولة، والفصل 28 يؤكد أن الصحافة حرة ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية. لكن ما وقع مع المهداوي يُظهر أن هذه الفصول قد تحوّلت إلى مجرد عناوين بروتوكولية لا تحمي أحدًا أمام التأويل المتشدد للقانون.
الغرامة الفلكية: عدالة أم انتقام؟
الغرامة المالية المقدّرة بـ150 مليون سنتيم لا تنتمي إلى منطق العدالة بقدر ما تبدو أنها تنتمي إلى منطق الإفلاس المُمنهج. فأي منطق قانوني يربط هذا الرقم المهول بحجم الضرر المفترض؟ وما الغاية من إنهاك صحفي مستقل لا يملك إلا قلمه وصوته؟
إنها ليست غرامة، بل سلاح ردع مالي يُشهر في وجه كل من يجرؤ على الاقتراب من 'الخطوط الحمراء'، سواء كتب، أو غرّد، أو صوّر، أو حتى همس.
الصحفي أمام فوهة القانون الجنائي
التكييف القانوني الذي اختارته النيابة العامة – مرة أخرى – يعيد إلى الأذهان ما حذّر منه فاعلون حقوقيون وقانونيون مراراً، ومنهم وزير العدل الأسبق مصطفى الرميد الذي اعتبر اللجوء إلى القانون الجنائي في قضايا النشر 'يتعارض مع روح الدستور'. لكن، يبدو أن روح الدستور شيء، والواقع القضائي شيء آخر. فالصحفي في المغرب لا يزال يتحرك فوق حقل ألغام قانوني، حيث يمكن تأويل تصريحاته، أو مقالاته، أو حتى نواياه، لإخضاعه لمساطر زجرية تحت تهم فضفاضة كـ'المس بسلامة الدولة' أو 'التحريض'، وهي تهم لا تصمد غالباً أمام معايير المحاكمة العادلة التي نص عليها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
- إشهار -
حرية التعبير ليست امتيازًا
الحكم على المهداوي لا يخص شخصه فقط، بل هو حكم على الجميع: صحفيون، مدونون، يوتوبرز، وحتى المواطنين العاديين. إنه إشارة واضحة إلى أن سقف التعبير في البلاد قد انخفض إلى حد خانق، وأن الدولة، التي التزمت دوليًا بحماية حرية التعبير، ما تزال تمارس الانتقائية في تطبيق القانون.
في المحصلة، هذا الحكم يُكرّس تحولًا خطيرًا في علاقة الدولة مع حرية التعبير: من منطق الحوار والانفتاح إلى منطق الردع والإسكات. وهو ما يتعارض مع التوجهات المعلنة للمملكة، التي ما فتئت تؤكد التزامها بالمسار الديمقراطي، وحرية الإعلام، وحقوق الإنسان.
المطلوب: لا أكثر من احترام القانون
لا أحد يطلب الامتيازات للصحفيين، ولا الحصانة لأحد. ما يُطلب فقط هو احترام القانون، وتطبيقه كما هو، لا كما يُراد له أن يُؤول. إذا كان قانون الصحافة هو الإطار المنظم للمهنة، فيجب ألا يُختطف الصحفي إلى القانون الجنائي بناء على التأويل أو الانتقائية أو الإيحاء السياسي.
حميد المهداوي ليس قضية معزولة، بل هو مرآة لحالة القلق التي يعيشها الجسم الصحفي في المغرب، ولكل من لا يزال يعتقد أن الكلمة الحرة ليست جريمة، وأن الرأي الآخر لا يُسجن، بل يُناقش.
وكخلاصة لابد من التأكيد على إن الحكم الصادر ضد حميد المهداوي هو امتحان حقيقي للدستور المغربي وللالتزامات الحقوقية الدولية، بل هو امتحان للضمير الوطني. فإما أن ننتصر لروح القانون، أو نستمر في إنتاج حكم لا يُدان فيه شخص واحد فقط، بل تُدان فيه الصحافة، ويُدان فيه الحق في التعبير، وتُدان فيه الديمقراطية نفسها.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

احتقان في معهد الزراعة والبيطرة يدفع لبنى الصغيري إلى مساءلة وزير الفلاحة
احتقان في معهد الزراعة والبيطرة يدفع لبنى الصغيري إلى مساءلة وزير الفلاحة

بديل

timeمنذ 8 ساعات

  • بديل

احتقان في معهد الزراعة والبيطرة يدفع لبنى الصغيري إلى مساءلة وزير الفلاحة

وجهت عضوة فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، لبنى الصغيري، سؤالا كتابيا إلى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، حول ما وصفته بـ'الوضع المقلق' الذي يعيشه معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، بسبب ما يشهده من 'احتقان غير مسبوق' في صفوف الطلبة. وأكدت الصغيري أن إدارة المعهد أعلنت 'غياب الإقامة الجامعية برسم السنة المقبلة'، رغم أن النظام الداخلي يعتبرها شرطا إلزاميا لمتابعة الدراسة، خاصة خلال التداريب والفترات الميدانية. وأوضحت قيادية حزب 'الكتاب' أن هذا القرار 'أدى إلى دخول الطلبة في إضراب شامل عن الدراسة، ومقاطعة للامتحانات والتداريب'، مشيرة إلى أن 'الوضع ازداد توترا بعد إعلان نية إدارة المؤسسة الشروع في هدم أكثر من نصف المرافق السكنية الداخلية دون توفير بدائل'. وحذرت النائبة البرلمانية من تداعيات هذا القرار، الذي قد يؤدي حسب قولها إلى 'إقصاء متوقع لفئات جديدة من الطلبة، خاصة في الأقسام التحضيرية خلال الموسم المقبل'، معتبرة أن هذا التوجه 'يتعارض مع الحق في التكوين، ويهدد بتعديل مرتقب للنظام الداخلي للمؤسسة'. وأضافت الصغيري أن 'الكلفة المالية لتكوين الطالب الواحد تفوق 4000 درهم يوميا، وأن التداريب السنوية تتجاوز مليون سنتيم لكل طالب'، معتبرة أن الوضع الحالي 'يؤدي إلى هدر جسيم للمال العام وللزمن التكويني'. - إشهار - وساءلت الصغيري الوزير البواري عن 'الأسباب الحقيقية وراء عدم توفير الإقامة الجامعية رغم طابعها الإلزامي'، كما تساءلت عن 'الإجراءات الاستعجالية التي تعتزم الوزارة اتخاذها لتدارك الوضع وضمان عدم ضياع السنة الجامعية'. ودعت الصغيري إلى 'فتح حوار مسؤول مع ممثلي الطلبة، من أجل بلورة حلول توافقية تحفظ كرامة المتعلمين وتصون المرفق التكويني'. ويُعد معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة من أعرق المؤسسات التكوينية في المغرب، حيث تأسس سنة 1966، وراكم تجربة طويلة في تكوين أطر متخصصة في مجالات الزراعة، الطب البيطري والهندسة القروية.

الاحتقان بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة يجر البواري للمساءلة
الاحتقان بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة يجر البواري للمساءلة

كواليس اليوم

timeمنذ 13 ساعات

  • كواليس اليوم

الاحتقان بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة يجر البواري للمساءلة

كمال عسو استفسرت لبنى الصغيري عضو فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب عن الاحتقان الذي يعيشه طلبة معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة. وأوضحت الصغيري، في سؤال كتابي وجهته لأحمد البواري وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أن معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة من أعرق المؤسسات التكوينية بالمغرب، وقد أُسّس سنة 1966 بهدف تكوين أطر عليا متخصصة في ميادين الزراعة والطب البيطري والهندسة القروية. وقد اضطلع هذا المعهد، طيلة العقود الماضية، بأدوار محورية في تأهيل كفاءات وطنية ساهمت بفعالية في النهوض بالمنظومة الفلاحية الوطنية. وأضافت الصغيري، أن هذا المعهد، يعيش اليوم وضعًا مقلقًا، يتجسد في حالة من الاحتقان غير مسبوقة وسط الطلبة، بجميع مستوياتهم، سواء في الشعب الهندسية، أو البيطرية، أو في الأقسام التحضيرية، وذلك على خلفية اعلان إدارة المؤسسة غياب الإقامة الجامعية برسم السنة المقبلة، رغم أن النظام الداخلي للمؤسسة، يعتبرها شرطا إلزاميا لمتابعة الدراسة، خاصة بالنسبة للفترة الميدانية والتداريب، مبرزة أن هذا الاحتقان ترتب عنه، دخول الطلبة لجميع المستويات إضرابا عن الدراسة، ومقاطعة شاملة للامتحانات والفترات التدريبية، خصوصًا، وتزداد خطورة الوضع في ظل توصل الطلبة بإعلان تفيد بأن إدارة المعهد تعتزم الشروع في هدم أزيد من نصف المرافق السكنية الداخلية المتوفرة حاليًا، دون توفير بدائل أو توضيح للآفاق المستقبلية، مما يُنذر بإقصاء متوقع لفئات جديدة من الطلبة، خاصة في الأقسام التحضيرية خلال الموسم المقبل، مع ما سيترتب عن ذلك، من تعديل مرتقب في النظام الداخلي للمؤسسة، بما يتعارض مع الحق في التكوين. وأشارت الصغيري، إلى أن الكلفة المالية لتكوين الطالب الواحد تفوق 4000 درهم يوميًا، وأن التداريب السنوية تتجاوز مليون سنتيم لكل طالب، فإننا أمام هدر جسيم للمال العام وللزمن التكويني، في غياب أي تفاعل جدي أو حوار مؤسساتي مع ممثلي الطلبة، رغم مشروعية مطالبهم. وتساءلت الصغيري، عن الأسباب الحقيقية وراء عدم توفير الإقامة الجامعية رغم طابعها الإلزامي بموجب النظام الداخلي للمؤسسة، وعن الإجراءات الاستعجالية التي تعتزم الوزارة الوصية اتخاذها لتدارك الوضع الراهن وضمان عدم ضياع السنة الجامعية، وعن عدم فتح حوار مسؤول مع ممثلي الطلبة، من أجل بلورة حلول توافقية تحفظ كرامة المتعلمين وتصون المرفق التكويني.

انتقادات واسعة للحكم على المهدوي.. ومطالب بحماية حرية التعبير واستقلال القضاء
انتقادات واسعة للحكم على المهدوي.. ومطالب بحماية حرية التعبير واستقلال القضاء

لكم

timeمنذ 15 ساعات

  • لكم

انتقادات واسعة للحكم على المهدوي.. ومطالب بحماية حرية التعبير واستقلال القضاء

لا تزال الانتقادات تتواصل بشأن الحكم الاستئنافي الصادر بحق الصحفي حميد المهدوي، مدير موقع 'بديل'، والذي أيد إدانته بالسجن لمدة سنة ونصف حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 1.5 مليون درهم (150 مليون سنتيم)، وذلك في قضية رفعها ضده وزير العدل عبد اللطيف وهبي. وفي هذا الصدد قالت فاطمة التامني البرلمانية عن 'فدرالية اليسار الديمقراطي' إن المتابعة والمحاكمة والحكم الجديد الصادر في حق الصحافي حميد المهدوي، ليس فقط انتكاسة إضافية لحرية التعبير، بل هو رسالة سلبية لكل من ما زال يؤمن بأن الكلمة يمكن أن تُقال دون خوف. وتساءلت التامني في تدوينة على حسابها الشخصي بموقع فايسبوك هل أصبح السؤال جريمة؟ وهل صار النقد فعلاً يُعاقب عليه؟. وأكدت أننا أمام حالة تعسف مقلقة، ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن يفتح النقاش حول ضمانات المحاكمة العادلة، وحرية التعبير، واستقلال القضاء، نُفاجأ بأحكام تُعيدنا إلى الخلف، وتُكرّس مناخ الخوف والرقابة الذاتية. من جانبها، دافعت أمينة ماء العينين القيادية في حزب 'العدالة والتنمية' عن الصحافي حميد المهدوي، معتبرة أنه يتكلم بحذر وحرصٍ على احترام المؤسسات والأنساق، حتى أن الكثيرين ينتقدونه لكثرة مدحه للعديد من المؤسسات والمسؤولين. واستغربت في تدوينة على فايسبوك كييف يحكم عليه استئنافيا بالسجن النافذ والتعويض الخيالي، الذي لا يحلم به حتى أولئك الذين تعرضوا لأكبر الأضرار وأفدحها جسديا ونفسيا وماليا، فقط لأنه اختار طريقة خاصة في الانتقاد والتحليل والتعبير عن الرفض وعن الاختلاف. وأضافت 'ماهي الرسالة التي يُراد إرسالها في كل مرة؟ هل وصل بلد كالمغرب بكل تاريخه وماضيه وحاضره إلى درجة العجز عن تحمل بعض النقد الذي يعتبره الجميع عاديا؟'. وأكدت ماء العينين أن القرار الاستئنافي كان مخيبا للآمال بعدما كان يرجى منه تصحيح الحكم الابتدائي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store