
تعميم التغطية الصحية.. نجاح حكومي أجج نار التضليل والتشويش
هذه الصدمة ستتحول لاحقًا إلى مسلسل متواصل من ترويج المغالطات والافتراءات، انطلق مع مسرحية 'كرطونة الحماية الاجتماعية'، تلك العلبة التي قُدّمت لرئيس الحكومة في مجلس النواب كذبًا وتحايلاً على أساس أنها قوانين تتعلق بورش التغطية الصحية!.
وتوجت صباح أمس بتنظيم 'ندوة صحفية' لم تحضرها سوى بعض المواقع الإلكترونية المغمورة، إلى جانب بعض مَن تبقّى من أعضاء الحزب الذين مُلئت بهم المقاعد الأمامية الفارغة، لينطلق بثّ سموم الافتراءات حول نجاح 'ورش تعميم التغطية الصحية'.
بالتأكيد، هذه الادعاءات يسهل دحضها وتفنيدها بالأرقام والمعطيات التي تشهد على زيفها وكذبها (ولنا عودة لذلك بالتفصيل).
لكن، قبل الرد على هذه المغالطات، ينبغي أن نفهم جيدًا خلفيات هذه الافتراءات.
لذلك نحتاج أن نعود إلى الوراء بضع سنوات.
فصدور القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية لم يتم خلال هذه الحكومة، بل تم خلال الفترة السابقة التي كان يتحمل فيها البيجيدي تدبير الشأن الحكومي، والذي كان يفترض فيه أن يكون مبادرًا داخل الحكومة من أجل قطع أشواط متقدمة لإرساء هذه المنظومة.
… لكن لا شيء من ذلك حصل.
فالمحصلة النهائية للمراسيم التي تم إخراجها خلال ولايتهم الانتدابية بعد صدور القانون الإطار كانت هزيلة، إذ لم تتجاوز 5 مراسيم فقط !.
… نعم 5 مراسيم لاغير، تتعلق ببعض الفئات من العمال غير الأجراء، أبرزها العدولات والقابلات ! علما أنها بقيت على الورق من دون تفعيل.
في حين لم يتم إصدار عشرات المراسيم المتعلقة بباقي الفئات، كما لم يتم القيام بأي خطوة تجاه ملايين المغاربة الذين سيستفيدون لاحقًا من نظام 'AMO تضامن'، دون أن نتحدث عن شيء اسمه 'AMO الشامل'، فذلك كان حينها ضربًا من الخيال…
لذلك، كان مطلوبًا من هذه الحكومة أن تقوم بمجهودات جبارة لتدارك حجم التأخر والتعثر.
كان يتعين عليها أن تعقد اجتماعات ماراتونية مع جميع الفئات التي ستستفيد لاحقًا.
كما كان مطلوبًا منها أن تُعدَّ المراسيم وتصادق عليها، وتُعدَّ الإطار الميزانياتي وتجد له مصادر التمويل اللازمة، وكل ذلك ينبغي أن يتم في فترة قصيرة، حتى يتم تدارك التأخر الحاصل واحترام الأجندة الملكية للتعميم.
وخلال هذه الفترة القصيرة تمكنت الحكومة، بفضل جديتها والتزامها وتعبئتها، من تحويل الرقم 5 إلى 28.
حيث تم إصدار 3 مراسيم تتعلق بـ 'AMO تضامن'، لتفتح المجال أمام حوالي 10 ملايين مغربي، كانت تغطيتهم الصحية مقتصرة على بطاقة 'راميد'، التي لا تضمن لهم سوى تجاوز رجل الأمن الخاص وعبور بوابة المستشفى، ليجدوا العلاج أو لا يجدونه.
وبذلك بات بإمكان هؤلاء اليوم الاستفادة من تغطية صحية شاملة تتيح لهم حقوقًا مماثلة للعاملين في القطاع الخاص، ودون الحاجة إلى دفع أي درهم كاشتراك، حيث ستتكفل الحكومة بتغطية اشتراكاتهم التي تتجاوز 9 مليارات درهم سنويًا، وهي ميزانية تعادل إنشاء مستشفى جامعي متكامل!.
هذا الإنجاز مكن حسب معطيات CNSS من تقديم تعويضات لفائدة 12 مليون ملف طبي إلى حدود الآن، من بينها 300 ألف ملف تتعلق بأمراض مزمنة ومكلفة، بقيمة إجمالية تجاوزت 17 مليار درهم.
هذا التحول شمل كذلك أصحاب المهن الحرة، الذين ظلوا خارج دائرة التغطية الصحية لعقود، إذ بات بإمكانهم الانخراط فيما بات يُعرف بـ 'AMO TNS'، ليستفيدوا، على غرار الموظفين والأُجراء، من نفس سلة العلاجات دون تمييز.
طبعًا، هذا الإجراء لم يأتِ من فراغ، بل تحقق بعد قيام الحكومة بإصدار 23 مرسومًا تطبيقيًا تتعلق بالعمال الغير الأجراء والمستقلين في أقل من سنة، وهو ما كان يتطلب مجهودا استثنائيا خاصا، مع الأخذ بعين الاعتبار ما تحتاجه هذه المراسيم من تمحيص وتدقيق وتجويد وتحسين.
خاصة إذا علمنا أن ذلك تم وفق مقاربة تشاركية واسعة مع جميع ممثلي الهيئات المهنية، لضمان عدالة الاشتراكات بما يتناسب مع مستويات دخولهم، في تكريس حقيقي للتضامن الاجتماعي بين جميع الفئات، حيث بات الخياط والطبيب والمحامي والنجار يتمتعون بنفس التغطية الصحية دون تمييز بينهم، رغم اختلاف اشتراكاتهم التي تتناسب مع مداخيلهم.
واليوم، بفضل هذه المجهودات، بات ما يقارب 3.5 ملايين من هؤلاء العمال غير الأجراء والمستقلين يستفيدون من تغطية صحية شاملة بعد سنوات من المعاناة.
وتجاوز عدد الملفات الطبية المعالجة لهذه الفئات 3.6 مليون ملف لغاية الآن، بمعدل يومي يفوق 9,255 ملفًا، وبقيمة مالية بلغت 4 مليارات درهم.
الجهود الحكومية شملت حتى أولئك الذين لا يزاولون أي عمل، لكن بإمكانهم أداء الاشتراكات. هؤلاء لم يكن أحد يتخيل أنه يمكن إدماجهم داخل منظومة التغطية الصحية.
لكن الحكومة بذلت مجهودًا نوعيًا من خلال إصدار مرسومين يخولان لهم الانخراط في نظام التغطية الصحية عبر بوابة نظام 'AMO الشامل'.
وهو ما مكن أكثر من 300 ألف شخص وعائلاتهم إلى حد الآن من الاستفادة من خدمات صحية ذات جودة عالية وولوجية سهلة، من خلال أداء اشتراكات تتناسب مع وضعيتهم المادية، تبدأ من 120 درهمًا فقط.
وبذلك، تكتمل ملامح مشروع وطني يعكس رؤية طموحة في تعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق الإنصاف الصحي.
مشروعٌ احتاج إلى مجهودات استثنائية وجبارة في ظرفية وجيزة.
بل إنها 'ريمونتادا' حقيقية، مكنت من الانتقال من 5 مراسيم -كانت دون تفعيل – تستهدف 8,000 مواطن فقط، إلى 28 مرسوم ساهمت في فتح الباب أمام جميع المغاربة بدون استثناء للانخراط في نظام التغطية الصحية.
إنها قصة نجاح كُتبت بجهود جبارة وإرادة حقيقية لتحقيق تغيير ملموس في حياة ملايين المغاربة، الذين باتوا اليوم يلمسون ثمار حلم طالما اعتبروه بعيد المنال، لكنه تحول، بفضل هذه الحكومة، إلى واقع يشعر به الجميع.
لذلك، فإن هذا التحول الكبير يَقُضّ مضاجعهم، بل ويرعبهم، ويدفعهم إلى الخروج، بمناسبة وبدون مناسبة، للتضليل والتشويش والافتراء، لأنه يُجسِّد قصةً حقيقية وواقعية تفضح الفرق بين النجاح والفشل، بين الإرادة والكسل، بين الجدية والتراخي، وتُعرّي سنواتٍ من هدر الزمن التنموي، لم يُنجَز خلالها شيء يُذكر، سوى ترويج الشعارات وتكرار الخطابات، دون أثر حقيقي على حياة المواطنين.
*منير الأمني

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بلبريس
منذ 4 ساعات
- بلبريس
زيادة تسعيرة النقل الحضري بالرباط على طاولة لفتيت
بلبريس - أمين الري وجهت النائبة البرلمانية فاطمة التامني، عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، سؤالا كتابيا إلى وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، بشأن الزيادات المفاجئة التي عرفتها تسعيرة حافلات النقل الحضري منذ فاتح يوليوز، والتي شملت مدناً رئيسية كالعاصمة الرباط وسلا وتمارة. وذكرت التامني أن هذه الزيادات، التي تراوحت بين نصف درهم ودرهم ونصف، أثارت استياءً واسعاً في صفوف مستعملي النقل العمومي، خصوصاً الطلبة والعمال والموظفين من ذوي الدخل المحدود الذين يعتمدون على الحافلات كوسيلة يومية للتنقل. وعبرت البرلمانية عن رفضها لهذه الزيادات التي وصفتها بغير المبررة، بالنظر إلى استمرار اختلالات قطاع النقل الحضري، من اكتظاظ وتأخر في المواعيد وضعف جودة الخدمات، إضافة إلى انعدام شروط الراحة والسلامة، مما يزيد من معاناة المواطنين في ظل ظرفية اجتماعية واقتصادية صعبة. ورأت التامني أن المساس بخدمات حيوية كالنقل يشكل تهديداً مباشراً للقدرة الشرائية للمواطنين ويزيد من حدة التوتر الاجتماعي، داعية إلى ضرورة التراجع عن القرار بشكل فوري، مع اعتماد إجراءات عملية لتحسين مستوى الخدمات وضمان احترام كرامة الركاب. كما طالبت بالكشف عن دوافع هذه الزيادات وطبيعة الأسس القانونية التي اعتمدت عليها، مشددة على أهمية ضمان الشفافية والمحاسبة في تدبير المرافق العمومية الحيوية التي تمس بشكل مباشر الحياة اليومية للمواطنين.


الأيام
منذ 9 ساعات
- الأيام
جديد محاكمة عمدة مراكش السابق ونائبه
قررت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بمراكش، يوم الجمعة 4 يوليوز، تأجيل النظر في الملف الذي يتابع فيه البرلماني يونس بنسليمان والعمدة السابق للمدينة العربي بلقايد، إلى غاية 18 يوليوز الجاري، وذلك من أجل استدعاء المتهمين وإنجاز خبرتين، تقنية ومالية، بشأن الصفقات موضوع المتابعة. وكانت المحكمة الابتدائية بمراكش قد قضت سابقا ببراءة العربي بلقايد، فيما أدانت يونس بنسليمان بسنة حبسا موقوفة التنفيذ وغرامة مالية قدرها 20 ألف درهم، مع الحكم بمصادرة الأموال المتحصلة من التحويلات المالية ذات الصلة بالقضية. وأوضحت المحكمة في تعليل حكمها أن المتهم استفاد من عائدات مالية بصفته رئيساً للجنة الصفقات التفاوضية. وقد أيدت محكمة الاستئناف هذا الحكم في 30 ماي 2024، فيما لا يزال الملف معروضا على أنظار محكمة النقض.


العيون الآن
منذ 12 ساعات
- العيون الآن
جون أفريك: المغرب بلغ مرحلة الحسم في ملف الصحراء… التنزيل الفعلي للحكم الذاتي هو التحدي المقبل
العيون الآن. يوسف بوصولة أكد تقرير جديد لمجلة جون أفريك الفرنسية أن المغرب نجح في ترسيخ مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي ونهائي لنزاع الصحراء مشيرة إلى أن النقاش لم يعد يدور حول إقناع المنتظم الدولي به، بل أصبح في صلب مرحلة جديدة تتعلق بتنزيله العملي. ذكرت المجلة المتخصصة في الشؤون الإفريقية أن موازين القوى تميل بشكل واضح لصالح المغرب مدعومة بزخم دبلوماسي غير مسبوق، تمثل في اعتراف عدد متزايد من الدول بأن المبادرة المغربية التي قدمت سنة 2007 تمثل 'الحل الواقعي والجاد' للنزاع الإقليمي. وأشارت إلى أن هذا التقدم الدبلوماسي يوازيه تقدم ميداني تجسد في مشاريع التنمية والبنى التحتية الحديثة والتكامل المؤسساتي الذي تعرفه الأقاليم الجنوبية وخاصة في مدينتي العيون والداخلة. استشهد التقرير بأرقام رسمية من المندوبية السامية للتخطيط تفيد بأن الناتج الداخلي الخام للفرد في جهة الداخلة-وادي الذهب بلغ حوالي 84.069 درهم (ما يعادل 8000 أورو) أي ما يقارب ضعف المعدل الوطني، ما يكرس الأقاليم الجنوبية كمناطق منتجة ومندمجة اقتصاديا واجتماعيا، لم تعد تعتمد على الدولة المركزية كما في السابق. أشارت المجلة إلى أن مواقف عواصم دولية وازنة، مثل واشنطن وباريس ومدريد ولندن، وأيضا عدد متزايد من الدول الإفريقية تصطف خلف المقترح المغربي، وتعتبره المرجعية الواقعية الوحيدة لتسوية النزاع، في مقابل استمرار البوليساريو والجزائر في التشبث بخطاب الاستفتاء الذي لم يعد يجد صدى في المعادلات الجيوسياسية الراهنة. غير أن هذا النجاح بحسب التقرير يفتح الباب أمام تحديات داخلية جديدة، تتعلق بآليات تفعيل الحكم الذاتي من حيث الصياغة الدستورية والمؤسساتية. ولفت إلى أن المشروع المغربي ينص على حكم ذاتي موسع تحت السيادة المغربية، مع احتفاظ الدولة المركزية بصلاحياتها في مجالات استراتيجية كالدفاع والدبلوماسية والدين والعملة، مقابل نقل واسع للصلاحيات في التعليم، الثقافة، التنمية، الضرائب، والبيئة. اعتبرت جون أفريك أن هذا التنزيل العملي سيتطلب إصلاحات جوهرية، قد تشمل مراجعة عميقة للدستور المغربي، وإعادة رسم العلاقة بين الدولة المركزية والجهات، وتوسيع صلاحيات المنتخبين، وضمان تمثيلية دقيقة للصحراويين، وإعادة هيكلة الحوكمة الجهوية. أكد التقرير أن الحكم الذاتي في حال تنزيله كما هو متصور لن يكون مجرد حل تقني لنزاع إقليمي، بل سيمثل مدخلا لتحول سياسي شامل في المغرب، وورشة لإعادة بناء البنية المؤسساتية للبلاد على أسس ديمقراطية أوسع وأكثر توازنا. ختمت المجلة تحليلها بالتأكيد على أن الرهان اليوم لم يعد خارجيا بل داخلياً، وأن المسار الذي اختاره المغرب في قضية الصحراء قد يشكل منعطفا سياسيا كبيرا، ستكون له انعكاسات تتجاوز حدود الأقاليم الجنوبية إلى مجمل بنيات الدولة المغربية.