
بيئيون: الحروب تترك بصمتها المدمرة للبيئة والمناخ
أخبارنا :
حذر خبراء بيئيون من أن آثار وتداعيات النزاعات المسلحة لا تقتصر على الإنسان والاقتصاد فحسب، بل تمتد لتفاقِم من أزمة التغير المناخي وتدمير النظم البيئية، ما يهدد مستقبل الحياة على كوكب الأرض. وبينوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن العمليات العسكرية تستهلك كميات هائلة من الوقود الأحفوري، وتُطلق انبعاثات كربونية ضخمة ما يؤدي إلى تلويث التربة والمياه، وتدمير الغطاء النباتي، ومُفاقَمة الاحتباس الحراري وإعاقة جهود مواجهة التغير المناخي.
وأجمعوا على أن الكلفة البيئية للحروب لا تنحصر في اللحظة الراهنة وإنما تتجاوز ذلك إلى نقاط تحول مناخية لا رجعة فيها مثل اضطراب أنماط الأمطار، وازدياد موجات الحر القاتلة، وارتفاع وتيرة الجفاف، وتصاعد الكوارث المناخية كالأعاصير. وأكدوا أن الأضرار البيئية الناجمة عن الحروب، مثل تلك المتأججة في غزة وأوكرانيا وغيرهما من مناطق العالم والإقليم، تستغرق عقوداً لإصلاحها إن أمكن تعويضها، داعين إلى تضمين النزاعات في ملف المفاوضات المناخية الدولية وفرض رقابة صارمة على الانبعاثات العسكرية.
يأتي ذلك في وقت تشهد فيه المنطقة نزاعات متصاعدة ستترك كل واحدة منها بصماته الواضحة على البيئة، في وقت تُحذر التقارير الدولية من تداعيات كارثية بسبب تسارع التغير المناخي إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لوقف التدهور البيئي.
مؤسس برنامجي ماجستير الطاقة المتجددة والبيئة والتغيرات المناخية في الجامعة الأردنية البروفيسور أحمد السلايمة حذر من التداعيات البيئية الخطيرة الناجمة عن النزاعات المسلحة، مؤكداً أن الحروب لا تقتصر على الدمار المادي والبشري، بل تمتد آثارها لـ "تشعل نيران التغير المناخي وتسرّع وتيرته".
وأوضح السلايمة أن ظاهرة التغير المناخي، الناتجة بالأساس عن تراكم الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون، بدأت تتفاقم أكثر فأكثر بفعل الأنشطة العسكرية التي تستهلك كميات هائلة من الوقود الأحفوري، مشيرا الى أن "الطائرات، والدبابات، والصواريخ، والآليات العسكرية على اختلافها، تستهلك كميات ضخمة من الوقود، وتطلق كميات هائلة من الغازات الدفيئة، ما يؤدي إلى تسارع ظاهرة الاحتباس الحراري".
وأشار الى ما تسببه الحروب من اندلاع حرائق في مصافي النفط ومحطات الطاقة وآبار الغاز نتيجة العمليات العسكرية ما يؤدي إلى تسرب كميات كبيرة من الكربون إلى الغلاف الجوي ليضيف كل هذا عاملاً آخر من عوامل التلوث المناخي كان بالإمكان تلافيه لو تم حلّ النزاعات بالحوار بدل اللجوء للحرب.
ويضيف السلايمة أيضاً إلى ما تسببه الحروب وأدواتها المدمرة في تدمير الغطاء النباتي وحرق الغابات والمسطحات الخضراء التي تُعد "أحواض كربون" طبيعية تعمل على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو، موضحا أن "كل شجرة تُحرق هي بمثابة خزان كربوني تخفف من حدة التغير المناخي نفقده خلال العمليات العسكرية إضافة الى ما تخلفه الحروب من تلويث طويل الأمد في التربة والمياه بسبب استخدام الأسلحة الفتاكة التي تؤثر مركباتها الكيميائية السامة سلباً على التنوع البيولوجي. إن تأثيرات الحروب تكاد لا تحصى، يقول السلايمة، لكن لا بد من الإشارة أيضا الى أنها تسرّع من عملية التصحر نتيجة تآكل التربة وغياب الغطاء النباتي دون إغفال تأثيرات القنابل والمتفجرات غير المنفجرة التي تُعيق عمليات إعادة التأهيل البيئي وتشكّل خطراً دائماً على الحياة البرية والبشرية، وتُضعف قدرة الأنظمة البيئية على التكيف مع التغيرات المناخية، ما يترك بصمة طويلة الأمد على الطبيعة والموارد.
ويجيب السلايمة عن إمكانيات تعويض ما تسببه الحروب من أضرار بيئية بالقول: إن ذلك أمر صعب خاصة في حال انقراض بعض الأنواع أو اختفاء نظم بيئية فريدة، لكنه مع ذلك يشير الى إمكانية التخفيف من تلك الآثار من خلال خطط شاملة لإعادة التأهيل البيئي، وإزالة مخلفات الحرب، وتطهير المناطق من الألغام، واستثمار الدعم الدولي في عمليات التعويض، على غرار ما حدث بعد حرب الخليج، لكن الحل الأمثل لحماية البيئة وتقوية المنظومات البيئية كما يؤكد السلايمة هو "الحوار لحل الخلافات وإرساء السلام في مختلف مناطق النزاع".
أمين عام وزارة البيئة السابق الدكتور محمد الخشاشنة يؤكد من جهته أن الحروب هي من "أخطر ملوثات البيئة"، كونها تهدم في لحظات ما أعيد تأهيله بيئياً عبر سنوات، مشيرا الى أن أثرها يطال أبرز القضايا البيئية مثل التغير المناخي، وفقدان التنوع الحيوي، والتصحر، وتلوث الهواء والماء والتربة. وبين الخشاشنة أن الحروب تُطلق كميات هائلة من المواد الكيميائية السامة في الهواء والتربة والمياه، وغالباً ما تُستخدم الأسلحة الفتاكة من قتابل وصواريخ عمداً في إطار "سياسة الأرض المحروقة" لتظل عامل تلوث للبيئة لعقود. ويُحذر الخشاشنة من أن تأثيرات المواد المتفجرة لا تقتصر على قتل الطبيعة السطحية، بل تتسرب إلى السلاسل الغذائية والمياه الجوفية، ما يؤدي إلى تسمم بيئي طويل الأمد يصعب التعافي منه.
ولفت إلى أن العمليات العسكرية خلال الحروب مسؤولة عن حوالي 6 % من مجمل انبعاثات غازات الدفيئة عالميًا، وهي نسبة ترتفع بشكل كبير في أوقات النزاع، فالطائرات الحربية، والدبابات، والسفن، والتجهيزات الثقيلة تستهلك كميات ضخمة من الوقود الأحفوري، مضاعِفة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ونوه الخشاشنة إلى أن الحروب تُعطّل التحول الطاقي وتُعيد العالم للوقود الثقيل، مبينا أن الحرب الروسية الأوكرانية مثالٌ واضح على كيفية عرقلة النزاعات لمسارات التحول نحو الطاقة النظيفة فقد توقف أكثر من 90 % من محطات الرياح عن العمل أو تعرضت للتدمير، ما أجبر على العودة إلى استهلاك الوقود الثقيل.
وبين أن النزاعات المسلحة تفرض إعادة توجيه مسارات الشحن والطيران الى مسارات بديلة واستهلاك وقود أكثر ينعكس سلبا على البيئة، مشيرا الى أن الطيران وحده مسؤول عن نحو 20 % من انبعاثات الغازات الدفيئة في الظروف العادية، الأمر الذي يزيد من التدمير البيئي خلال الحروب الحديثة التي تستهدف البنية التحتية المرتبطة مباشرة بالبيئة مثل شبكات المياه، والصرف الصحي، وأنظمة معالجة النفايات والمصانع والموانئ إضافة إلى تسرب النفايات، وتلوث مصادر المياه، وتهديد الصحة العامة.
كما أن السفن الحربية تلوث البحار والمحيطات عبر التخلص من النفايات والمواد الكيميائية ما يؤدي الى تدهور الشعاب المرجانية والموائل البحرية، وظهور أمطار حمضية وهي أمطار قاتلة تُلحق أضراراً مباشرة بالمزروعات والبيئة والصحة العامة.
وأشار الخشاشنة الى ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في تجريف التربة مثل إزالة ما يُعرف بـ "الطبقة النشطة" من التربة – التي لا تتجاوز سماكتها 12 سم– ما يفقدها القدرة على دعم الحياة النباتية لعقود إضافة الى بناء المستوطنات على الأراضي الزراعية المصادرة، مؤكدا أنه في ظل هذه الحقائق الصادمة، لم حماية البيئة ترفًا بل ضرورة وجودية.
وقال، إن الحروب لا تقتل البشر فقط، بل تقتل مستقبلهم، عبر تدمير مواردهم البيئية وتهديد استدامة الحياة على الأرض. بدورها قالت الصحفية المتخصصة بالإعلام البيئي فرح عطيات، إن الحروب تسهم بشكل خفي وممنهج في تسريع وتيرة التغير المناخي من خلال ما تنتجه من انبعاثات غازات دفيئة لا يُعلن عنها، ولا تُحتسب ضمن الالتزامات المناخية الدولية، وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة على جدوى الاتفاقيات المناخية السارية.
وتقول عطيات إن انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن العمليات العسكرية غالباً ما تبقى خارج الحسابات الرسمية، رغم أنها تتسبب بنسبة عالية من الانبعاثات العالمية، فالاتفاقيات المناخية مثل اتفاق باريس الإطاري، لا تُلزم الدول بالإفصاح عن الانبعاثات العسكرية، بل تم استبعادها عمداً منذ مفاوضات بروتوكول كيوتو عام 1997، حيث أصرت بعض الدول على استثناء الانبعاثات الناتجة عن الأنشطة العسكرية متعددة الأطراف، بما في ذلك الانبعاثات الناجمة عن السفن والطائرات المرتبطة بالنقل الدولي.
وتستند عطيات إلى بيانات صادرة عن وكالة الطاقة الدولية ومعهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI) عام 2019، والتي قدّرت انبعاثات الجيوش حول العالم بنحو 1.2 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويًا، ما يعادل حوالي 2.3 % من الإجمالي العالمي إلا أن هذه النسبة، "لا تعكس الحقيقة الكاملة، لغياب الشفافية وعدم توفر بيانات شاملة".
واضافت، في ظل استمرار الحروب مثل الصراع الروسي الأوكراني والعدوان المستمر على غزة، تتفاقم الأزمة المناخية من زاوية أخرى، وهي إضعاف قدرة الدول المتأثرة على التكيف مع التغير المناخي، مشيرة الى أن الحروب تدمر البنية التحتية، وتؤدي إلى موجات نزوح ولجوء، وتزيد من هشاشة المجتمعات، وتضعف أنظمتها الصحية والغذائية، وتقلص قدرتها على الصمود أمام تبعات المناخ. وتُشير عطيات إلى تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر الصادر في تموز 2020، والذي كشف عن أن 14 من أصل 25 دولة ممن تُعد الأكثر تأثراً بالتغير المناخي كانت غارقة في نزاعات مسلحة، وهذا الارتباط المباشر، بحسب عطيات، يوضح كيف أن الحرب لا تدمّر فقط الحاضر، بل تُقوّض أيضاً قدرة الدول على التخطيط لمستقبل بيئي آمن.
إن البصمة الكربونية للجيوش، كما تقول عطيات، تُعد أحد أبرز الأمثلة على "الاستثناء البيئي غير المبرر"، فوفق تقرير صدر عام 2022 عن منظمة (علماء من أجل المسؤولية العالمية) و (مرصد الصراعات والبيئة)، فإن "الانبعاثات العسكرية تمثل نحو 5 % من إجمالي انبعاثات الكربون عالميًا، ولو كانت الجيوش دولة، لاحتلت المرتبة الرابعة على مستوى العالم في الانبعاثات.
وفيما يتعلق بالتعويض عن الأضرار البيئية التي تخلفها الحروب، ترى عطيات أن التعويضات المالية، كما حدث في تعويضات الأردن بعد حرب الخليج، "قد تخفف الخسائر الاقتصادية، لكنها أبعد ما تكون عن تعويض الأثر البيئي الحقيقي الذي يستغرق أحيانًا عشرات السنوات للتعافي".
وبينت أن بعض الأفراد اليوم باتوا يتقدمون بقضايا أمام المحاكم الدولية ضد الجهات المتسببة بالتغيرات المناخية، كما حدث في دول أوروبية، إلا أن فعالية هذا المسار ما تزال محدودة في ظل غياب إرادة سياسية دولية تُلزم الملوّث بدفع كلفة ما أفسده.
وتضيف عطيات أن الحروب تؤدي كذلك إلى إعادة ترتيب أولويات الدول، بحيث يُعاد توجيه الموارد المالية من خطط التكيف المناخي إلى الإنفاق العسكري، ففي عام 2022، قفز الإنفاق العسكري العالمي إلى 2.24 تريليون دولار، وهو أعلى معدل شهدته أوروبا منذ ثلاثة عقود، مؤكدة أن هذا التحول في الإنفاق يُضعف من التزام الدول المانحة بتمويل المبادرات المناخية، خاصة تلك الموجهة للدول النامية، مثل الأردن الذي تنتظر حصته من التعهدات المناخية الدولية التي تصل إلى 300 مليار دولار سنويًا.
ودعت عطيات الى إنشاء مجلس أممي خاص بالأمن المناخي، يتولى فرض عقوبات على الدول المتسببة بالكوارث البيئية والمناخية أسوة بمجلس الأمن الدولي، مشيرة الى أنه "إذا استمرت الحروب بلا مساءلة بيئية، فإن العالم سيدفع ثمنًا باهظًا، ليس فقط أمنياً، بل مناخياً ووجودياً أيضاً".
من جانبه قال الخبير البيئي والباحث في مجال التنوع الحيوي إيهاب عيد، إن التغير المناخي يُعد من أخطر التحديات الوجودية التي تواجه البشرية، موضحًا أن وتيرته تعتمد بدرجة كبيرة على تراكم انبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، مبينا أن النزاعات المسلحة، لا سيما تلك ذات النطاق التدميري الواسع، تُعد من المصادر غير المُعلنة والمباشرة التي تسهم في تسريع تغير المناخ.
ونوّه عيد إلى أن العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة يُشكل مثالًا صارخًا على الأثر المناخي الكارثي للنزاعات المسلحة، مشيرًا إلى أن دراسات مستقلة قدّرت أن الآلة الحربية الإسرائيلية تسببت منذ بدء الحرب بانبعاث أكثر من 1.9 مليون طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وهي كمية تفوق إجمالي الانبعاثات السنوية لـ 36 دولة.
وأشار الى أن الكارثة البيئية في قطاع غزة لا تقتصر على حجم الضحايا، بل تتجاوز ذلك إلى كلف إعادة الإعمار وإزالة الأنقاض، والتي من المتوقع أن تُسفر عن انبعاثات إضافية ضخمة قد تصل إلى أكثر من 30 مليون طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، ما يعمّق الأزمة البيئية ويزيد من تعقيداتها.
وحذر عيد من أن استمرار تجاهل مخاطر وتداعيات الانبعاثات يمثل ضربة مباشرة لهدف الحد من الاحترار العالمي، موضحا أن الأضرار المناخية المصاحبة للحروب قد تدفع العالم إلى تجاوز نقاط تحول مناخية لا رجعة فيها، مثل اضطراب أنماط الأمطار، وازدياد موجات الحر القاتلة، وارتفاع وتيرة الجفاف، وتصاعد الكوارث المناخية كالأعاصير، وهي جميعها مظاهر بات العالم يشهدها حاليًا.
وقال، إن الكلفة البيئية للحروب لا تنحصر في اللحظة الراهنة، بل تُلقي بعبء ثقيل على الأجيال القادمة، وهو عبء لا يمكن تجاوزه إلا بوقف النزاعات المسلحة، ومساءلة المسؤولين عنها إنسانيًا وبيئيًا.
--(بترا)

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سواليف احمد الزعبي
منذ يوم واحد
- سواليف احمد الزعبي
الصين تكشف عن 'قنبلة تعتيم' مرعبة قادرة على تعطيل أنظمة الكهرباء بلمح البصر ـ فيديو
#سواليف كشفت #الصين عن نوع جديد من #قنابل_الغرافيت المتقدمة وهو سلاح غير قاتل ولكنه #شديد_التدمير مصمم لتعطيل #أنظمة_الطاقة الكهربائية وإغراق مناطق واسعة في #الظلام، بلمح البصر. ونشرت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية الرسمية فيديو يظهر قدرات هذا السلاح. ويطلق السلاح من منصة أرضية، حاملا 90 ذخيرة صغيرة أسطوانية الشكل، صممت هذه العبوات للارتداد عند اصطدامها بالأرض ثم تنفجر في الهواء، مطلقة سحابة من خيوط الكربون الدقيقة المعالجة كيميائيا. هذه الخيوط الكربونية، أو ألياف الغرافيت، مصممة خصيصا لتوصيل الكهرباء، وعندما تنتشر عبر محطات الجهد العالي وشبكات الطاقة، فإنها تسبب انقطاع التيار الكهربائي وإلحاق الضرر بالبنية التحتية الكهربائية. ووفقا للهيئة الإذاعية، يمكن لهذا السلاح تعطيل التيار الكهربائي على مساحة لا تقل عن 10.000 متر مربع (حوالي 2.5 فدان). ورغم عدم الكشف رسميا عن اسم هذا السلاح أو حالته التشغيلية، وصف بأنه 'سلاح أو صاروخ غامض محلي الصنع' طوّر تحت إشراف شركة علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية (CASC)، وهي شركة رئيسية تابعة لوزارة الدفاع الصينية. ويشير الخبراء العسكريون إلى أن 'قنبلة الغرافيت الجديدة' التي تنتجها الصين تعكس تحولا أوسع في استراتيجية الحرب الحديثة، واستهداف أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات وأجهزة الكمبيوتر والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع بدلا من التركيز فقط على الاشتباكات العسكرية التقليدية. هذا ولا تزال تفاصيل 'قنبلة الغرافيت الصينية الجديدة' غير معروفة بشكل شامل حاليا بما في ذلك اسمها الدقيق وحالتها التشغيلية، كما أن الكشف عن هذا السلاح يشير إلى اهتمام متزايد بالذخائر غير القاتلة التي تعطل البنية التحتية.


جفرا نيوز
منذ يوم واحد
- جفرا نيوز
استراتيجيات تعزيز الأمن الغذائي لمستقبل مستدام
جفرا نيوز - يُعدّ الأمن الغذائي تحديًا عالميًا متعدد الأبعاد يزداد تعقيدًا بفعل التغيرات المناخية وتزايد عدد السكان والتدهور البيئي والصراعات وعدم الاستقرار السياسي. ففي ظل التوقعات بأن يتجاوز عدد سكان العالم 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050، يصبح تحقيق الأمن الغذائي المستدام ضرورة قصوى لضمان الامن المجتمعي والازدهار الاقتصادي. يتطلب ذلك تبني استراتيجيات فعّالة ومترابطة تتجاوز مجرد زيادة الإنتاج لتشمل سلاسل الإمداد وإدارة الموارد والابتكار ووضع السياسات الداعمة للانتاج الزراعي. تُعدّ الزراعة المستدامة والذكية مناخيًا حجر الزاوية في أي استراتيجية طويلة الأمد للأمن الغذائي، وهو ما لم يعد مجرد مفهوم بيئي، بل أصبح ضرورة حتمية لمواجهة التحديات المتزايدة التي يفرضها تغير المناخ وشح الموارد. ساهمت الممارسات الزراعية التقليدية، في كثير من الأحيان، في استنزاف الموارد الطبيعية الحيوية المتمثلة بالتربة والمياه، وتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري من خلال انبعاثات الغازات الدفيئة. هنا تبرز أهمية الزراعة المستدامة التي تركز على الحفاظ على الموارد الطبيعية وتعزيز صحة التربة وتحسين كفاءة استخدام المياه. وتشمل هذه الممارسات تقنيات مثل الحراثة المحافظة، وتناوب المحاصيل، ونظم الري الفعالة، والتي لا تساهم فقط في حماية البيئة، بل تزيد أيضًا من مرونة الأنظمة الغذائية في مواجهة الصدمات البيئية. أما الزراعة الذكية مناخيًا، فتمثل خطوة إضافية نحو بناء أنظمة غذائية قادرة على التكيف مع تحديات التغير المناخي والتخفيف من آثاره. وتتضمن هذه الزراعة تطوير أصناف محاصيل مقاومة للجفاف وتطبيق أنظمة إنذار مبكر للآفات والأمراض وتنويع النظم الزراعية. وكما تعمل على تقليل انبعاثات الكربون من خلال تحسين إدارة المغذيات وزيادة امتصاص التربة للكربون، مما يجعلها عنصرًا أساسيًا في استراتيجيات التخفيف من تأثيرات التغيرات المناخية. يلعب البحث العلمي والابتكار دورًا محوريًا في دفع عجلة الأمن الغذائي العالمي. يُقدم البحث العلمي حلولًا مبتكرة لزيادة الإنتاجية الزراعية على نحو مستدام. فمن خلال البيولوجيا الجزيئية والهندسة الوراثية، يمكن تطوير أصناف نباتية وحيوانية تتمتع بإنتاجية أعلى، ومقاومة أفضل للأمراض والآفات، وقدرة أكبر على تحمل الظروف البيئية القاسية مثل الجفاف والملوحة، مما يمكننا من تطوير ممارسات زراعية أكثر كفاءة واستدامة تقلل الحاجة إلى المدخلات الكيميائية وتحد من التلوث. أما الابتكار، فهو يترجم الاكتشافات العلمية إلى أدوات وتطبيقات عملية لضمان الأمن الغذائي. فعلى سبيل المثال، تتيح الزراعة الدقيقة (Precision Agriculture)، التي تستخدم الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار وتحليل البيانات الضخمة، للمزارعين مراقبة حقولهم بدقة متناهية والقيام بالعمليات الزراعية مثل الري والتسميد ورش مبيدات الافات عند الحاجة إليها فقط. لضمان الأمن الغذائي، فانه من الضروري بناء سلاسل إمداد غذائية مرنة. تضمن سلاسل الإمداد الفعالة التوفر المستمر للغذاء، مما يقلل من مخاطر النقص المفاجئ في الأسواق حتى في أوقات الذروة أو النقص الموسمي. كما أنها تُعزز القدرة على الصمود في مواجهة الكوارث الطبيعية والأوبئة والنزاعات. إضافة إلى ذلك، تُساهم سلاسل الإمداد المُحسّنة في خفض الهدر والفقد الكبير الذي يحدث على طول السلسلة، خاصة في مراحل ما بعد الحصاد والتخزين والنقل، مما يزيد من كمية الغذاء المتاحة ويُحسن من كفاءة الانتاج الزراعي مما ينعكس ايجاباً على أسعار الغذاء. إن تحدي الأمن الغذائي يتطلب سياسات داعمة وحوكمة فعالة. يجب على صناع القرار وضع سياسات زراعية وغذائية متكاملة داعمة للمزارعين ومحفزة للاستثمار الزراعي المستدام بحيث تضمن الوصول العادل إلى الغذاء. يشمل ذلك تشريعات تتعلق بالاراضي والمياه وتسهيل التجارة الغذائية العادلة وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة التحديات العابرة للحدود. وفي الختام، يتطلب بناء مستقبل غذائي مستدام نهجًا شاملاً يجمع بين الابتكار والإدارة الرشيدة للموارد وتعزيز سلاسل الإمداد، ووضع السياسات الداعمة للقطاع الزراعي. هذه مسؤولية مشتركة تتطلب تضافر الجهود من الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني لضمان أن يتمتع الجميع بالحق الأساسي في الغذاء الكافي والآمن والمغذي.


أخبارنا
منذ 2 أيام
- أخبارنا
بيئيون: الحروب تترك بصمتها المدمرة للبيئة والمناخ
أخبارنا : حذر خبراء بيئيون من أن آثار وتداعيات النزاعات المسلحة لا تقتصر على الإنسان والاقتصاد فحسب، بل تمتد لتفاقِم من أزمة التغير المناخي وتدمير النظم البيئية، ما يهدد مستقبل الحياة على كوكب الأرض. وبينوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن العمليات العسكرية تستهلك كميات هائلة من الوقود الأحفوري، وتُطلق انبعاثات كربونية ضخمة ما يؤدي إلى تلويث التربة والمياه، وتدمير الغطاء النباتي، ومُفاقَمة الاحتباس الحراري وإعاقة جهود مواجهة التغير المناخي. وأجمعوا على أن الكلفة البيئية للحروب لا تنحصر في اللحظة الراهنة وإنما تتجاوز ذلك إلى نقاط تحول مناخية لا رجعة فيها مثل اضطراب أنماط الأمطار، وازدياد موجات الحر القاتلة، وارتفاع وتيرة الجفاف، وتصاعد الكوارث المناخية كالأعاصير. وأكدوا أن الأضرار البيئية الناجمة عن الحروب، مثل تلك المتأججة في غزة وأوكرانيا وغيرهما من مناطق العالم والإقليم، تستغرق عقوداً لإصلاحها إن أمكن تعويضها، داعين إلى تضمين النزاعات في ملف المفاوضات المناخية الدولية وفرض رقابة صارمة على الانبعاثات العسكرية. يأتي ذلك في وقت تشهد فيه المنطقة نزاعات متصاعدة ستترك كل واحدة منها بصماته الواضحة على البيئة، في وقت تُحذر التقارير الدولية من تداعيات كارثية بسبب تسارع التغير المناخي إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لوقف التدهور البيئي. مؤسس برنامجي ماجستير الطاقة المتجددة والبيئة والتغيرات المناخية في الجامعة الأردنية البروفيسور أحمد السلايمة حذر من التداعيات البيئية الخطيرة الناجمة عن النزاعات المسلحة، مؤكداً أن الحروب لا تقتصر على الدمار المادي والبشري، بل تمتد آثارها لـ "تشعل نيران التغير المناخي وتسرّع وتيرته". وأوضح السلايمة أن ظاهرة التغير المناخي، الناتجة بالأساس عن تراكم الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون، بدأت تتفاقم أكثر فأكثر بفعل الأنشطة العسكرية التي تستهلك كميات هائلة من الوقود الأحفوري، مشيرا الى أن "الطائرات، والدبابات، والصواريخ، والآليات العسكرية على اختلافها، تستهلك كميات ضخمة من الوقود، وتطلق كميات هائلة من الغازات الدفيئة، ما يؤدي إلى تسارع ظاهرة الاحتباس الحراري". وأشار الى ما تسببه الحروب من اندلاع حرائق في مصافي النفط ومحطات الطاقة وآبار الغاز نتيجة العمليات العسكرية ما يؤدي إلى تسرب كميات كبيرة من الكربون إلى الغلاف الجوي ليضيف كل هذا عاملاً آخر من عوامل التلوث المناخي كان بالإمكان تلافيه لو تم حلّ النزاعات بالحوار بدل اللجوء للحرب. ويضيف السلايمة أيضاً إلى ما تسببه الحروب وأدواتها المدمرة في تدمير الغطاء النباتي وحرق الغابات والمسطحات الخضراء التي تُعد "أحواض كربون" طبيعية تعمل على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو، موضحا أن "كل شجرة تُحرق هي بمثابة خزان كربوني تخفف من حدة التغير المناخي نفقده خلال العمليات العسكرية إضافة الى ما تخلفه الحروب من تلويث طويل الأمد في التربة والمياه بسبب استخدام الأسلحة الفتاكة التي تؤثر مركباتها الكيميائية السامة سلباً على التنوع البيولوجي. إن تأثيرات الحروب تكاد لا تحصى، يقول السلايمة، لكن لا بد من الإشارة أيضا الى أنها تسرّع من عملية التصحر نتيجة تآكل التربة وغياب الغطاء النباتي دون إغفال تأثيرات القنابل والمتفجرات غير المنفجرة التي تُعيق عمليات إعادة التأهيل البيئي وتشكّل خطراً دائماً على الحياة البرية والبشرية، وتُضعف قدرة الأنظمة البيئية على التكيف مع التغيرات المناخية، ما يترك بصمة طويلة الأمد على الطبيعة والموارد. ويجيب السلايمة عن إمكانيات تعويض ما تسببه الحروب من أضرار بيئية بالقول: إن ذلك أمر صعب خاصة في حال انقراض بعض الأنواع أو اختفاء نظم بيئية فريدة، لكنه مع ذلك يشير الى إمكانية التخفيف من تلك الآثار من خلال خطط شاملة لإعادة التأهيل البيئي، وإزالة مخلفات الحرب، وتطهير المناطق من الألغام، واستثمار الدعم الدولي في عمليات التعويض، على غرار ما حدث بعد حرب الخليج، لكن الحل الأمثل لحماية البيئة وتقوية المنظومات البيئية كما يؤكد السلايمة هو "الحوار لحل الخلافات وإرساء السلام في مختلف مناطق النزاع". أمين عام وزارة البيئة السابق الدكتور محمد الخشاشنة يؤكد من جهته أن الحروب هي من "أخطر ملوثات البيئة"، كونها تهدم في لحظات ما أعيد تأهيله بيئياً عبر سنوات، مشيرا الى أن أثرها يطال أبرز القضايا البيئية مثل التغير المناخي، وفقدان التنوع الحيوي، والتصحر، وتلوث الهواء والماء والتربة. وبين الخشاشنة أن الحروب تُطلق كميات هائلة من المواد الكيميائية السامة في الهواء والتربة والمياه، وغالباً ما تُستخدم الأسلحة الفتاكة من قتابل وصواريخ عمداً في إطار "سياسة الأرض المحروقة" لتظل عامل تلوث للبيئة لعقود. ويُحذر الخشاشنة من أن تأثيرات المواد المتفجرة لا تقتصر على قتل الطبيعة السطحية، بل تتسرب إلى السلاسل الغذائية والمياه الجوفية، ما يؤدي إلى تسمم بيئي طويل الأمد يصعب التعافي منه. ولفت إلى أن العمليات العسكرية خلال الحروب مسؤولة عن حوالي 6 % من مجمل انبعاثات غازات الدفيئة عالميًا، وهي نسبة ترتفع بشكل كبير في أوقات النزاع، فالطائرات الحربية، والدبابات، والسفن، والتجهيزات الثقيلة تستهلك كميات ضخمة من الوقود الأحفوري، مضاعِفة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ونوه الخشاشنة إلى أن الحروب تُعطّل التحول الطاقي وتُعيد العالم للوقود الثقيل، مبينا أن الحرب الروسية الأوكرانية مثالٌ واضح على كيفية عرقلة النزاعات لمسارات التحول نحو الطاقة النظيفة فقد توقف أكثر من 90 % من محطات الرياح عن العمل أو تعرضت للتدمير، ما أجبر على العودة إلى استهلاك الوقود الثقيل. وبين أن النزاعات المسلحة تفرض إعادة توجيه مسارات الشحن والطيران الى مسارات بديلة واستهلاك وقود أكثر ينعكس سلبا على البيئة، مشيرا الى أن الطيران وحده مسؤول عن نحو 20 % من انبعاثات الغازات الدفيئة في الظروف العادية، الأمر الذي يزيد من التدمير البيئي خلال الحروب الحديثة التي تستهدف البنية التحتية المرتبطة مباشرة بالبيئة مثل شبكات المياه، والصرف الصحي، وأنظمة معالجة النفايات والمصانع والموانئ إضافة إلى تسرب النفايات، وتلوث مصادر المياه، وتهديد الصحة العامة. كما أن السفن الحربية تلوث البحار والمحيطات عبر التخلص من النفايات والمواد الكيميائية ما يؤدي الى تدهور الشعاب المرجانية والموائل البحرية، وظهور أمطار حمضية وهي أمطار قاتلة تُلحق أضراراً مباشرة بالمزروعات والبيئة والصحة العامة. وأشار الخشاشنة الى ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في تجريف التربة مثل إزالة ما يُعرف بـ "الطبقة النشطة" من التربة – التي لا تتجاوز سماكتها 12 سم– ما يفقدها القدرة على دعم الحياة النباتية لعقود إضافة الى بناء المستوطنات على الأراضي الزراعية المصادرة، مؤكدا أنه في ظل هذه الحقائق الصادمة، لم حماية البيئة ترفًا بل ضرورة وجودية. وقال، إن الحروب لا تقتل البشر فقط، بل تقتل مستقبلهم، عبر تدمير مواردهم البيئية وتهديد استدامة الحياة على الأرض. بدورها قالت الصحفية المتخصصة بالإعلام البيئي فرح عطيات، إن الحروب تسهم بشكل خفي وممنهج في تسريع وتيرة التغير المناخي من خلال ما تنتجه من انبعاثات غازات دفيئة لا يُعلن عنها، ولا تُحتسب ضمن الالتزامات المناخية الدولية، وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة على جدوى الاتفاقيات المناخية السارية. وتقول عطيات إن انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن العمليات العسكرية غالباً ما تبقى خارج الحسابات الرسمية، رغم أنها تتسبب بنسبة عالية من الانبعاثات العالمية، فالاتفاقيات المناخية مثل اتفاق باريس الإطاري، لا تُلزم الدول بالإفصاح عن الانبعاثات العسكرية، بل تم استبعادها عمداً منذ مفاوضات بروتوكول كيوتو عام 1997، حيث أصرت بعض الدول على استثناء الانبعاثات الناتجة عن الأنشطة العسكرية متعددة الأطراف، بما في ذلك الانبعاثات الناجمة عن السفن والطائرات المرتبطة بالنقل الدولي. وتستند عطيات إلى بيانات صادرة عن وكالة الطاقة الدولية ومعهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI) عام 2019، والتي قدّرت انبعاثات الجيوش حول العالم بنحو 1.2 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويًا، ما يعادل حوالي 2.3 % من الإجمالي العالمي إلا أن هذه النسبة، "لا تعكس الحقيقة الكاملة، لغياب الشفافية وعدم توفر بيانات شاملة". واضافت، في ظل استمرار الحروب مثل الصراع الروسي الأوكراني والعدوان المستمر على غزة، تتفاقم الأزمة المناخية من زاوية أخرى، وهي إضعاف قدرة الدول المتأثرة على التكيف مع التغير المناخي، مشيرة الى أن الحروب تدمر البنية التحتية، وتؤدي إلى موجات نزوح ولجوء، وتزيد من هشاشة المجتمعات، وتضعف أنظمتها الصحية والغذائية، وتقلص قدرتها على الصمود أمام تبعات المناخ. وتُشير عطيات إلى تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر الصادر في تموز 2020، والذي كشف عن أن 14 من أصل 25 دولة ممن تُعد الأكثر تأثراً بالتغير المناخي كانت غارقة في نزاعات مسلحة، وهذا الارتباط المباشر، بحسب عطيات، يوضح كيف أن الحرب لا تدمّر فقط الحاضر، بل تُقوّض أيضاً قدرة الدول على التخطيط لمستقبل بيئي آمن. إن البصمة الكربونية للجيوش، كما تقول عطيات، تُعد أحد أبرز الأمثلة على "الاستثناء البيئي غير المبرر"، فوفق تقرير صدر عام 2022 عن منظمة (علماء من أجل المسؤولية العالمية) و (مرصد الصراعات والبيئة)، فإن "الانبعاثات العسكرية تمثل نحو 5 % من إجمالي انبعاثات الكربون عالميًا، ولو كانت الجيوش دولة، لاحتلت المرتبة الرابعة على مستوى العالم في الانبعاثات. وفيما يتعلق بالتعويض عن الأضرار البيئية التي تخلفها الحروب، ترى عطيات أن التعويضات المالية، كما حدث في تعويضات الأردن بعد حرب الخليج، "قد تخفف الخسائر الاقتصادية، لكنها أبعد ما تكون عن تعويض الأثر البيئي الحقيقي الذي يستغرق أحيانًا عشرات السنوات للتعافي". وبينت أن بعض الأفراد اليوم باتوا يتقدمون بقضايا أمام المحاكم الدولية ضد الجهات المتسببة بالتغيرات المناخية، كما حدث في دول أوروبية، إلا أن فعالية هذا المسار ما تزال محدودة في ظل غياب إرادة سياسية دولية تُلزم الملوّث بدفع كلفة ما أفسده. وتضيف عطيات أن الحروب تؤدي كذلك إلى إعادة ترتيب أولويات الدول، بحيث يُعاد توجيه الموارد المالية من خطط التكيف المناخي إلى الإنفاق العسكري، ففي عام 2022، قفز الإنفاق العسكري العالمي إلى 2.24 تريليون دولار، وهو أعلى معدل شهدته أوروبا منذ ثلاثة عقود، مؤكدة أن هذا التحول في الإنفاق يُضعف من التزام الدول المانحة بتمويل المبادرات المناخية، خاصة تلك الموجهة للدول النامية، مثل الأردن الذي تنتظر حصته من التعهدات المناخية الدولية التي تصل إلى 300 مليار دولار سنويًا. ودعت عطيات الى إنشاء مجلس أممي خاص بالأمن المناخي، يتولى فرض عقوبات على الدول المتسببة بالكوارث البيئية والمناخية أسوة بمجلس الأمن الدولي، مشيرة الى أنه "إذا استمرت الحروب بلا مساءلة بيئية، فإن العالم سيدفع ثمنًا باهظًا، ليس فقط أمنياً، بل مناخياً ووجودياً أيضاً". من جانبه قال الخبير البيئي والباحث في مجال التنوع الحيوي إيهاب عيد، إن التغير المناخي يُعد من أخطر التحديات الوجودية التي تواجه البشرية، موضحًا أن وتيرته تعتمد بدرجة كبيرة على تراكم انبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، مبينا أن النزاعات المسلحة، لا سيما تلك ذات النطاق التدميري الواسع، تُعد من المصادر غير المُعلنة والمباشرة التي تسهم في تسريع تغير المناخ. ونوّه عيد إلى أن العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة يُشكل مثالًا صارخًا على الأثر المناخي الكارثي للنزاعات المسلحة، مشيرًا إلى أن دراسات مستقلة قدّرت أن الآلة الحربية الإسرائيلية تسببت منذ بدء الحرب بانبعاث أكثر من 1.9 مليون طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وهي كمية تفوق إجمالي الانبعاثات السنوية لـ 36 دولة. وأشار الى أن الكارثة البيئية في قطاع غزة لا تقتصر على حجم الضحايا، بل تتجاوز ذلك إلى كلف إعادة الإعمار وإزالة الأنقاض، والتي من المتوقع أن تُسفر عن انبعاثات إضافية ضخمة قد تصل إلى أكثر من 30 مليون طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، ما يعمّق الأزمة البيئية ويزيد من تعقيداتها. وحذر عيد من أن استمرار تجاهل مخاطر وتداعيات الانبعاثات يمثل ضربة مباشرة لهدف الحد من الاحترار العالمي، موضحا أن الأضرار المناخية المصاحبة للحروب قد تدفع العالم إلى تجاوز نقاط تحول مناخية لا رجعة فيها، مثل اضطراب أنماط الأمطار، وازدياد موجات الحر القاتلة، وارتفاع وتيرة الجفاف، وتصاعد الكوارث المناخية كالأعاصير، وهي جميعها مظاهر بات العالم يشهدها حاليًا. وقال، إن الكلفة البيئية للحروب لا تنحصر في اللحظة الراهنة، بل تُلقي بعبء ثقيل على الأجيال القادمة، وهو عبء لا يمكن تجاوزه إلا بوقف النزاعات المسلحة، ومساءلة المسؤولين عنها إنسانيًا وبيئيًا. --(بترا)