
الأطماع الصهيونية في منطقة الشرق الأوسط
"إسرائيل الكبرى": هل تتجاوز الصهيونية حدود فلسطين التاريخية؟
وثائق وتحليلات تكشف النوايا التوسعية للحركة الصهيونية في المنطقة
الاستيطان والمياه والتاريخ: ثلاثية تؤكد مشروع الصهيونية التوسعي في الشرق الأوسط
تُعد الحركة الصهيونية، منذ نشأتها كأيديولوجيا سياسية في أواخر القرن التاسع عشر على يد ثيودور هرتزل، محوراً لدراسات ونقاشات واسعة حول أهدافها الحقيقية ونطاقها الجغرافي.
وبينما يقدم الفكر الصهيوني الرسمي نفسه كمشروع قومي يهدف لإنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين، يرى العديد من المؤرخين والمحللين، خاصة في العالم العربي،
أن أطماعها تتجاوز ذلك إلى مشروع توسعي للسيطرة على الأراضي والموارد في قلب الشرق الأوسط. يستند هذا التقرير إلى مصادر ووثائق وتحليلات لتوضيح الأبعاد المختلفة لهذه الأطماع.
غموض الحدود في الفكر الصهيوني المبكر
لم يحدد مؤسسو الصهيونية السياسية، وعلى رأسهم هرتزل في كتابه الشهير "الدولة اليهودية" (1896)، حدوداً جغرافية دقيقة للدولة المقترحة.
هذا الغموض، بحسب العديد من المحللين، كان مقصوداً ومرناً للسماح بالتوسع المستقبلي وفقاً للظروف.
ففي المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، تم تحديد الهدف بـ "إقامة وطن للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه القانون العام"، دون ترسيم واضح للحدود.
لكن الوثائق اللاحقة كشفت عن طموحات أوسع. ففي رسالة وجهها الزعيم الصهيوني حاييم وايزمن إلى رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج عام 1919 لعرضها على مؤتمر السلام في
باريس، طالب بأن تشمل حدود فلسطين "كل مستقبلها الاقتصادي"، والذي يعتمد بشكل أساسي على مصادر المياه، محدداً نهر الليطاني في لبنان شمالاً، ومنابع نهر الأردن شرقاً، كمصادر حيوية لا يمكن للدولة اليهودية الاستغناء عنها.
عقيدة "أرض إسرائيل الكبرى"
يُعتبر مفهوم "أرض إسرائيل الكبرى" (Eretz Israel Hashlema) أحد أبرز الأدلة التي يسوقها منتقدو المشروع الصهيوني لإثبات طابعه التوسعي.
تستند هذه العقيدة إلى تفسيرات دينية لنصوص توراتية، أبرزها ما ورد في "سفر التكوين" (15: 18-21) الذي يَعِدُ نسل إبراهيم بأرض تمتد "من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات".
تبنت هذا المفهوم بشكل خاص "الصهيونية التصحيحية" بقيادة زئيف جابوتنسكي، والتي انبثق عنها لاحقاً حزب الليكود.
ورغم أن الصهيونية العمالية، التي أسست دولة إسرائيل، تبنت نهجاً أكثر براغماتية، إلا أن فكرة "الحق التاريخي" في كامل "أرض إسرائيل" بقيت حاضرة.
يظهر ذلك جلياً في تصريحات بعض القادة، حيث يُنسب إلى ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لكيان الاحتلال الإسرائيلي، قوله أمام المؤتمر الصهيوني العالمي عام 1937: "وحدة أرض إسرائيل في هذا الوقت للأسف ليست حقيقة سياسيّة... لكن لا تنازل عن أي جزء من هذه الأرض".
وعند إعلان قيام الدولة عام 1948، امتنعت القيادة الصهيونية عن تحديد حدودها في وثيقة الإعلان، واكتفت بتعريفها كـ "دولة يهودية في أرض إسرائيل"، مما ترك الباب مفتوحاً أمام التوسع مستقبلاً.
السيطرة على الأرض والموارد كاستراتيجية
تُعتبر السياسات المطبقة على الأرض دليلاً عملياً على الأهداف التوسعية، وأهمها:
الاستيطان: تُعد سياسة بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1967 (الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقطاع غزة سابقاً، والجولان السوري) التطبيق العملي لفكرة التوسع.
ورغم أن المجتمع الدولي يعتبر هذه المستوطنات غير شرعية بموجب القانون الدولي، وتحديداً "اتفاقية جنيف الرابعة" (قرار مجلس الأمن 446)، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استمرت في دعمها وتوسيعها، مما يغير الواقع الديموغرافي والجغرافي على الأرض ويجعل من قيام دولة فلسطينية متصلة أمراً شبه مستحيل.
الأطماع في المياه: منذ بدايات المشروع الصهيوني، كانت السيطرة على مصادر المياه العربية هدفاً استراتيجياً، فقد كشفت وثائق تاريخية عن خطط ومشاريع لجر مياه نهري الليطاني والأردن. فبعد احتلال جنوب لبنان عام 1978، أطلقت تل أبيب على عمليتها اسم "عملية الليطاني".
كما أن سيطرتها على مرتفعات الجولان تمنحها تحكماً استراتيجياً في منابع نهر الأردن وبحيرة طبريا، ويسيطر كيان الاحتلال شكل شبه كامل على الأحواض المائية الجوفية في الضفة الغربية، وتخصص الجزء الأكبر منها للمستوطنات والمناطق اليهودية على حساب احتياجات الفلسطينيين.
الرؤية العربية للصهيونية كمشروع استعماري
من منظور عربي، يُنظر إلى الصهيونية كحركة استعمارية إحلالية، لا تختلف في جوهرها عن المشاريع الاستعمارية الأوروبية.
يرى مفكرون عرب، مثل إدوارد سعيد وعبد الوهاب المسيري، أن الصهيونية قامت على تجاهل وجود السكان الأصليين وحقوقهم، وسعت إلى اقتلاعهم وإحلال مستوطنين يهود مكانهم، مع هدف التوسع المستمر للسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأرض والموارد.
ويستشهدون بخطط عسكرية "إسرائيلية" مثل "خطة دالت" (مارس 1948)، التي يصفها مؤرخون "إسرائيليون" جدد مثل إيلان بابيه، بأنها كانت مخططاً ممنهجاً للتطهير العرقي في فلسطين بهدف إقامة دولة يهودية على أكبر مساحة ممكنة وبأقل عدد من السكان العرب.
الأيديولوجيا الصهيونية
إن تحليل الأيديولوجيا الصهيونية، وتصريحات قادتها، وسياساتها العملية على الأرض منذ أكثر من قرن، يقدم صورة معقدة.
فبينما يصر المدافعون عنها على أنها حركة تحرر قومي، تقدم الأدلة والوثائق والممارسات الفعلية على الأرض أساساً قوياً للرؤية التي تعتبرها مشروعاً ذا أطماع توسعية في قلب الشرق الأوسط، تهدف إلى فرض هيمنة جغرافية وديموغرافية واقتصادية تتجاوز حدود فلسطين التاريخية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

أخبارنا
منذ 3 ساعات
- أخبارنا
ياسر كنعان يكتب : عمان عاصمة الشباب العربي
أخبارنا : مندوبا عن سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني المعظم رعى وزير الشباب المهندس يزن الشديفات حفل إطلاق فعاليات الخطه التنفيذيه الاستراتيجيه العربيه للشباب السلام والأمن والتي تركز على الدور المحوري للشباب واشراكه في صنع القرار بما يتمتع من قدرات وطاقات ودور بناء في التنميه والسلام والأمن ويأتي هذا ثمرة لجهود الأمير الحسين بن عبدالله في إطلاق المبادرة الشبابيه للسلام والأمن في مجلس الأمن واستصدار القرار ٢٢٥٠ لاهمية دور الشباب في تحقيق السلام والأمن عن طريق اشراكهم بصنع القرار وتوجيه طاقاتهم نحو الريادة والكفاءه والتنميه وقال الشديفات ان اعلان مجلس وزراء الشباب والرياضه العرب عمان عاصمة الشباب العربي للعام ٢٠٢٥ يأتي لاهمية الدور المحوري للاردن الذي يقوده جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله في تعزيز أهمية دور الشباب نحو التنميه والسلام والأمن وذلك بالمشاركة الفعليه بالحياة السياسيه وصنع القرار وانخراطه بالفكر السليم بعيدا عن التطرف والانحراف واضاف الشديفات قائلا ان القضيه الفلسطينيه هي القضيه المركزيه للاردن وللعرب ودور قطاع الشباب العربي في الدفاع عن حقوقه المشروعه وبخاصة ما يتعرض له شباب فلسطين وأكد في كلمته الترحيبيه ان الاردن سيبقى سندا مدافعا عن قضايا الامه وتطلعات شبابها كما ستبقى عمان حاضنه لمحاور الأخوة والتنمية والبناء من جهته أشار الرئيس التنفيذي لمجلس وزراء الشباب والرياضة العرب وزير الشباب المصري معالي اشرف صبحي بدور الاردن واهميته في تعزيز قضايا الشباب وصقلهم نحو السلام والأمن وقال أننا وبأسمكم جميعا نوجه التحيه إلى شباب غزة وفلسطين في صمودهم على أرضهم ورفضهم التهجير وقال انه يحمل تحيات الرئيس عبد الفتاح السيسي للاردن قيادة وشعبا ومشيدا بدور الوزراء العرب في دعمهم المستمر لقطاع الشباب هذا وتحدث مندوب الأمين العام لجامعة الدول العربيه السفير الحسين الهنداوي مبينا أهمية دور الشباب في التنميه وناقلا تحيات امين عام جامعة الدول العربيه للاردن قيادة وشعبا هذا وقد حضر الاحتفال وزراء الشباب والرياضه العرب ووفود عربيه وشبابيه ونيابيه ومن اصحاب السمو والمعالي والسعادة من ضيوف الاردن


رؤيا
منذ 2 أيام
- رؤيا
الأطماع الصهيونية في منطقة الشرق الأوسط
الأطماع الصهيونية في الشرق الأوسط: من غموض الحدود إلى مشاريع التوسع الممنهج "إسرائيل الكبرى": هل تتجاوز الصهيونية حدود فلسطين التاريخية؟ وثائق وتحليلات تكشف النوايا التوسعية للحركة الصهيونية في المنطقة الاستيطان والمياه والتاريخ: ثلاثية تؤكد مشروع الصهيونية التوسعي في الشرق الأوسط تُعد الحركة الصهيونية، منذ نشأتها كأيديولوجيا سياسية في أواخر القرن التاسع عشر على يد ثيودور هرتزل، محوراً لدراسات ونقاشات واسعة حول أهدافها الحقيقية ونطاقها الجغرافي. وبينما يقدم الفكر الصهيوني الرسمي نفسه كمشروع قومي يهدف لإنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين، يرى العديد من المؤرخين والمحللين، خاصة في العالم العربي، أن أطماعها تتجاوز ذلك إلى مشروع توسعي للسيطرة على الأراضي والموارد في قلب الشرق الأوسط. يستند هذا التقرير إلى مصادر ووثائق وتحليلات لتوضيح الأبعاد المختلفة لهذه الأطماع. غموض الحدود في الفكر الصهيوني المبكر لم يحدد مؤسسو الصهيونية السياسية، وعلى رأسهم هرتزل في كتابه الشهير "الدولة اليهودية" (1896)، حدوداً جغرافية دقيقة للدولة المقترحة. هذا الغموض، بحسب العديد من المحللين، كان مقصوداً ومرناً للسماح بالتوسع المستقبلي وفقاً للظروف. ففي المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، تم تحديد الهدف بـ "إقامة وطن للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه القانون العام"، دون ترسيم واضح للحدود. لكن الوثائق اللاحقة كشفت عن طموحات أوسع. ففي رسالة وجهها الزعيم الصهيوني حاييم وايزمن إلى رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج عام 1919 لعرضها على مؤتمر السلام في باريس، طالب بأن تشمل حدود فلسطين "كل مستقبلها الاقتصادي"، والذي يعتمد بشكل أساسي على مصادر المياه، محدداً نهر الليطاني في لبنان شمالاً، ومنابع نهر الأردن شرقاً، كمصادر حيوية لا يمكن للدولة اليهودية الاستغناء عنها. عقيدة "أرض إسرائيل الكبرى" يُعتبر مفهوم "أرض إسرائيل الكبرى" (Eretz Israel Hashlema) أحد أبرز الأدلة التي يسوقها منتقدو المشروع الصهيوني لإثبات طابعه التوسعي. تستند هذه العقيدة إلى تفسيرات دينية لنصوص توراتية، أبرزها ما ورد في "سفر التكوين" (15: 18-21) الذي يَعِدُ نسل إبراهيم بأرض تمتد "من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات". تبنت هذا المفهوم بشكل خاص "الصهيونية التصحيحية" بقيادة زئيف جابوتنسكي، والتي انبثق عنها لاحقاً حزب الليكود. ورغم أن الصهيونية العمالية، التي أسست دولة إسرائيل، تبنت نهجاً أكثر براغماتية، إلا أن فكرة "الحق التاريخي" في كامل "أرض إسرائيل" بقيت حاضرة. يظهر ذلك جلياً في تصريحات بعض القادة، حيث يُنسب إلى ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لكيان الاحتلال الإسرائيلي، قوله أمام المؤتمر الصهيوني العالمي عام 1937: "وحدة أرض إسرائيل في هذا الوقت للأسف ليست حقيقة سياسيّة... لكن لا تنازل عن أي جزء من هذه الأرض". وعند إعلان قيام الدولة عام 1948، امتنعت القيادة الصهيونية عن تحديد حدودها في وثيقة الإعلان، واكتفت بتعريفها كـ "دولة يهودية في أرض إسرائيل"، مما ترك الباب مفتوحاً أمام التوسع مستقبلاً. السيطرة على الأرض والموارد كاستراتيجية تُعتبر السياسات المطبقة على الأرض دليلاً عملياً على الأهداف التوسعية، وأهمها: الاستيطان: تُعد سياسة بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1967 (الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقطاع غزة سابقاً، والجولان السوري) التطبيق العملي لفكرة التوسع. ورغم أن المجتمع الدولي يعتبر هذه المستوطنات غير شرعية بموجب القانون الدولي، وتحديداً "اتفاقية جنيف الرابعة" (قرار مجلس الأمن 446)، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استمرت في دعمها وتوسيعها، مما يغير الواقع الديموغرافي والجغرافي على الأرض ويجعل من قيام دولة فلسطينية متصلة أمراً شبه مستحيل. الأطماع في المياه: منذ بدايات المشروع الصهيوني، كانت السيطرة على مصادر المياه العربية هدفاً استراتيجياً، فقد كشفت وثائق تاريخية عن خطط ومشاريع لجر مياه نهري الليطاني والأردن. فبعد احتلال جنوب لبنان عام 1978، أطلقت تل أبيب على عمليتها اسم "عملية الليطاني". كما أن سيطرتها على مرتفعات الجولان تمنحها تحكماً استراتيجياً في منابع نهر الأردن وبحيرة طبريا، ويسيطر كيان الاحتلال شكل شبه كامل على الأحواض المائية الجوفية في الضفة الغربية، وتخصص الجزء الأكبر منها للمستوطنات والمناطق اليهودية على حساب احتياجات الفلسطينيين. الرؤية العربية للصهيونية كمشروع استعماري من منظور عربي، يُنظر إلى الصهيونية كحركة استعمارية إحلالية، لا تختلف في جوهرها عن المشاريع الاستعمارية الأوروبية. يرى مفكرون عرب، مثل إدوارد سعيد وعبد الوهاب المسيري، أن الصهيونية قامت على تجاهل وجود السكان الأصليين وحقوقهم، وسعت إلى اقتلاعهم وإحلال مستوطنين يهود مكانهم، مع هدف التوسع المستمر للسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأرض والموارد. ويستشهدون بخطط عسكرية "إسرائيلية" مثل "خطة دالت" (مارس 1948)، التي يصفها مؤرخون "إسرائيليون" جدد مثل إيلان بابيه، بأنها كانت مخططاً ممنهجاً للتطهير العرقي في فلسطين بهدف إقامة دولة يهودية على أكبر مساحة ممكنة وبأقل عدد من السكان العرب. الأيديولوجيا الصهيونية إن تحليل الأيديولوجيا الصهيونية، وتصريحات قادتها، وسياساتها العملية على الأرض منذ أكثر من قرن، يقدم صورة معقدة. فبينما يصر المدافعون عنها على أنها حركة تحرر قومي، تقدم الأدلة والوثائق والممارسات الفعلية على الأرض أساساً قوياً للرؤية التي تعتبرها مشروعاً ذا أطماع توسعية في قلب الشرق الأوسط، تهدف إلى فرض هيمنة جغرافية وديموغرافية واقتصادية تتجاوز حدود فلسطين التاريخية.


رؤيا
منذ 2 أيام
- رؤيا
خفايا وأسرار مخططات نتنياهو وحزب الليكود الصهيونية من النشأة إلى اليوم
نتنياهو والليكود: من "الجدار الحديدي" إلى الهيمنة الأمنية الكاملة مخططات نتنياهو والليكود الصهيونية.. إرث عقائدي يتحول إلى سياسات توسعية من جابوتنسكي إلى نتنياهو.. تطور عقيدة السيطرة الصهيونية في فلسطين الليكود في خدمة "أرض إسرائيل الكبرى".. خفايا المشروع الاستيطاني التوسعي يُعد بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء كيان الاحتلال الأطول خدمة، وحزبه الليكود، حجر الزاوية في اليمين بكيان الاحتلال. لفهم مخططاتهما السياسية، لا بد من العودة إلى الجذور الأيديولوجية للحزب وتحليل المسار السياسي لزعيمه، الذي صاغ المشهد في كيان الاحتلال لعقود. يستند هذا التقرير إلى مصادر تاريخية وتحليلات سياسية لتوثيق مخططات نتنياهو والليكود منذ نشأتهما. الجذور الأيديولوجية: الصهيونية التصحيحية و"الجدار الحديدي" ينتمي حزب الليكود مباشرة إلى مدرسة "الصهيونية التصحيحية" التي أسسها زئيف جابوتنسكي في عشرينيات القرن الماضي. قامت هذه الأيديولوجيا على عدة مبادئ أساسية شكّلت لاحقاً صلب عقيدة الليكود: الحق في "أرض إسرائيل الكاملة": رفضت الصهيونية التصحيحية أي تقسيم لفلسطين الانتدابية، وطالبت بالسيادة اليهودية على كامل "أرض إسرائيل" (Eretz Israel)، والتي شملت في نسختها الأصلية ضفتي نهر الأردن. عقيدة "الجدار الحديدي": آمن جابوتنسكي بأن العرب لن يقبلوا طواعيةً بالوجود الصهيوني. لذلك، دعا إلى بناء "جدار حديدي" من القوة العسكرية اليهودية التي لا يمكن اختراقها، لإجبار العرب في النهاية على التسليم بالأمر الواقع والتفاوض من موقع ضعف. رفض التسويات التنازلية: اعتبرت هذه المدرسة أي تنازل عن الأرض خيانة للمشروع الصهيوني. ورث حزب "حيروت" (الحرية)، الذي أسسه مناحيم بيغن عام 1948، هذه العقيدة، وشكّل لاحقاً النواة الأساسية التي قام عليها تكتل الليكود عام 1973. بنيامين نتنياهو: ابن العقيدة التصحيحية لم يكن صعود بنيامين نتنياهو مجرد مسيرة سياسية، بل هو تجسيد لتربية أيديولوجية عميقة. وُلد نتنياهو في عائلة تنتمي إلى النخبة التصحيحية؛ فوالده، بن صهيون نتنياهو، كان مؤرخاً بارزاً وعمل سكرتيراً لجابوتنسكي نفسه. هذه النشأة غرست في نتنياهو مبادئ أساسية ظهرت في كل مراحل حياته السياسية: الشك العميق في النوايا العربية: يرى نتنياهو، كما ورد في كتابه "مكان تحت الشمس"، أن الصراع ليس على الحدود والأرض، بل هو صراع وجودي يرفض فيه العالم العربي حق اليهود في تأسيس دولة خاصة بهم. الأمن فوق كل اعتبار: تبنى نتنياهو عقيدة "الجدار الحديدي" بالكامل، معتبراً أن القوة العسكرية والتفوق الأمني هما الضمانة الوحيدة لبقاء كيان الاحتلال. التمسك بالسيطرة على "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية): يرى نتنياهو أن السيطرة الأمنية على الضفة الغربية، وخصوصاً منطقة غور الأردن، أمر غير قابل للتفاوض لحماية أمن كيان الاحتلال. مخططات نتنياهو على رأس السلطة: من النظرية إلى التطبيق يمكن تتبع مخططات نتنياهو الصهيونية عبر محطاته الرئيسية في السلطة: 1. الولاية الأولى (1996-1999): تفكيك أسس أوسلو صعد نتنياهو إلى السلطة لأول مرة عبر حملة شرسة ضد "اتفاقيات أوسلو" التي وقعها سلفه إسحاق رابين. ورغم أنه لم يلغِ الاتفاقيات رسمياً تحت ضغط أمريكي، إلا أنه عمل على تفريغها من مضمونها عبر: توسيع الاستيطان: بدأ سياسة توسع استيطاني أدت إلى زيادة التوتر. وضع شروط تعجيزية: طالب الفلسطينيين بتنفيذ كامل التزاماتهم الأمنية كشرط مسبق لأي تقدم، مما أدى إلى جمود العملية السلمية. التوقيع على اتفاقيات جزئية: وقّع على "مذكرة واي ريفر" (1998) التي نصت على إعادة انتشار محدودة، لكنها لم تؤدِ إلى حل نهائي. 2. العودة إلى السلطة (2009-2021): ترسيخ الأمر الواقع شهدت هذه الفترة الطويلة ترسيخاً لمخططات نتنياهو بشكل ممنهج: القبول المشروط بدولة فلسطينية: في "خطاب بار إيلان" عام 2009، وتحت ضغط إدارة أوباما، وافق نتنياهو للمرة الأولى على فكرة "دولة فلسطينية منزوعة السلاح"، لكنه ربطها بشروط مستحيلة التحقيق، مثل اعتراف الفلسطينيين بكيان الاحتلال "دولة قومية للشعب اليهودي" وإنهاء كل المطالب. تكثيف الاستيطان كسياسة دولة: تسارعت وتيرة بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية بشكل غير مسبوق، مما جعل حل الدولتين، وفقاً للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، "شبه مستحيل". قانون "الدولة القومية" (2018): أشرف على سن قانون مثير للجدل يعرف كيان الاحتلال بأنه "الدولة القومية للشعب اليهودي"، ويجعل حق تقرير المصير فيه "حصرياً للشعب اليهودي"، مما أثار اتهامات بتكريس التمييز ضد المواطنين العرب. مواجهة إيران كأولوية قصوى: حوّل نتنياهو مواجهة البرنامج النووي الإيراني إلى رأس أولوياته، معتبراً إياه تهديداً وجودياً. وقد عارض بشدة الاتفاق النووي الإيراني (JCPOA) عام 2015، وكان من أبرز المحرضين لإدارة ترامب على الانسحاب منه. اتفاقيات أبراهام (2020): نجح في تحقيق اختراق دبلوماسي بتوقيع اتفاقيات تطبيع مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، مكرساً بذلك عقيدته "السلام مقابل السلام" بدلاً من مبدأ "الأرض مقابل السلام"، ومتجاوزاً القضية الفلسطينية. 3. الولاية الحالية (2022 - حتى اليوم): ذروة الأيديولوجيا اليمينية شهدت عودة نتنياهو إلى السلطة على رأس الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ كيان الاحتلال، تصعيداً في تنفيذ مخططاته: خطة "الإصلاح القضائي": سعى إلى إقرار تعديلات قضائية تهدف، بحسب منتقديه، إلى إضعاف المحكمة العليا، التي تُعتبر آخر حصن يمكن أن يحد من سياسات الحكومة التوسعية وقراراتها المتعلقة بالاستيطان والأراضي. الحرب على غزة (2023-مستمر): بعد هجوم 7 أكتوبر، أعلن نتنياهو عن حرب تهدف إلى "القضاء على حماس"، رافضاً أي حديث عن دور للسلطة الفلسطينية في حكم غزة بعد الحرب، ومؤكداً على ضرورة احتفاظ كيان الاحتلال بـ "السيطرة الأمنية الكاملة" على القطاع لفترة غير محددة، وهو ما يتماشى مع رؤيته الأمنية طويلة الأمد. إن مخططات بنيامين نتنياهو وحزب الليكود ليست سياسات وليدة اللحظة، بل هي امتداد طبيعي لأيديولوجيا الصهيونية التصحيحية التي نشأوا عليها. تقوم هذه المخططات على إيمان عميق بـ"الحق التاريخي" في "أرض إسرائيل الكاملة"، وتعتمد على القوة العسكرية كأداة لفرض الأمر الواقع، وترفض أي تسوية تمس بالسيطرة الأمنية لكيان الاحتلال على الأراضي الفلسطينية. ومن خلال سياسات الاستيطان الممنهجة، وتجاوز القضية الفلسطينية عبر التطبيع، والتمسك بالهيمنة الأمنية، نجح نتنياهو على مدار عقود في تحويل رؤيته الأيديولوجية إلى واقع ملموس على الأرض.