
كيف تحول التراث الشعبي المغربي إلى ركيزة ثقافية في المجتمع؟
وقد رأى باحثون ومهتمون أن حقل الثقافة الشعبية في المغرب يشهد تحولا نوعيا بفضل الاهتمام الكبير به، وإقبال الطلاب الجامعيين على دراسة كل ما يتعلق بتراثهم الثقافي والشعبي.
وفي كتابه "التراث الشعبي المغربي: دراسات نقدية في عناصر الأدب الشعبي"، الصادر حديثا عن معهد الشارقة للتراث، يرصد لنا الكاتب والباحث المغربي عزيز العرباوي صور ذلك التحول المغربي في الاهتمام بالتراث الشعبي للبلاد.
ويقول العرباوي في مقدمة كتابه إن هذه الثقافة أصبحت بعيدة عن الغرائبية، وعن السخرية والاستهزاء الذي لحقها منذ زمن، وأصبحت قريبة من الاهتمام الشعبي لأغلب أفراد المجتمع المغربي، ومن الإحساس بأهميتها. ويبدو ذلك واضحا من خلال الأبحاث الأكاديمية المتعددة والمتوالدة كل سنة، أو من خلال الندوات الفكرية والثقافية التي تعقد هنا أو هناك، أو من خلال الاهتمام الإعلامي الجاد الذي ينقلها من ثقافة شعبية شفاهية إلى مستوى ثقافة الصورة والسماع.
وقد تعددت محاور كتاب "التراث الشعبي المغربي: دراسات نقدية في عناصر الأدب الشعبي"، وتنوعت موضوعاته التي تدور في فلك التراث الشعبي المغربي، وتوزعت على فصوله وصفحاته.
ونذكر من بين تلك الموضوعات والعناوين: مفهوم الثقافة الشعبية، والأدب الشعبي وواقعيته، والنص الأدبي الشعبي، واللغة العامية كلغة للأدب الشعبي، والأديب الشعبي، والأدب الشعبي الأمازيغي، والأغنية الشعبية وتعريفها ومواضيعها ووظائفها، ورمزية الغناء الجالس، والفرجة التراثية وأشكالها، ومروضو الأفاعي والحيوانات، والملاكمة، والألعاب الرياضية والبهلوانية.
ومن محاور وموضوعات الكتاب أيضا: الخطاب الحجاجي في الأمثال الشعبية، وتعريف المثل الشعبي وخصائصه، والمرأة في المثل الشعبي، ونماذج لبعض الأمثال الشعبية وتحليلها، والمثل الشعبي الأمازيغي، والشعر الشعبي المغربي الحديث، ومدخل إلى فهم الزجل، والبطل في الحكاية الشعبية، وغير ذلك من المحاور والموضوعات.
تنوع ثقافي
يسعى كتاب "التراث الشعبي المغربي: دراسات نقدية في عناصر الأدب الشعبي" إلى تقديم رؤية جديدة لمفهوم الثقافة الشعبية وخصائصها، مع التأكيد على أهمية هذه الثقافة وحيويتها بالنسبة للشعب المغربي، الذي يعتبرها أحد مكونات الثقافة والهوية الوطنية.
ويرى مؤلف الكتاب، الكاتب والباحث عزيز العرباوي، أن هذا التنوع الثقافي داخل المغرب بات في حاجة إلى مزيد من الدراسات المنهجية والسوسيولوجية، التي تساهم -بحسب قوله- في نفض الغبار عن العديد من مظاهر الإنتاج الثقافي الشعبي، الذي ظل لفترة يعاني من اللامبالاة والاستسهال في التعاطي معه، بل ومن الاستهزاء به ونبذه واعتباره مسبة أو شيئا تافها. وهي الصورة التي تغيرت اليوم، بحسب فصول الكتاب ونصوصه.
أشكال التعبير الأدبي
ويدلنا الكتاب على أنه بالرغم من أن بعض أشكال التعبير الأدبي الشعبي، من فنون الحلقة، وأشعار شعبية، وأمثال، وحكايات شعبية، وألغاز، وحكم، وخرافات، وأساطير،… قد أصبحت محط اهتمام بعض المثقفين المغاربة، وموضوع جمع وبحث أيضا، فإنها لم تصل إلى مستوى الدراسة المستفيضة والمنهجية التي ترقى بها من مجرد أشكال تعبيرية شعبية إلى أشكال تعبيرية ثقافية تساهم في الرقي بالثقافة الوطنية وبالشخصية المغربية بمختلف مكوناتها الفنية والإبداعية والأدبية عموما.
وبحسب الكتاب، فإن الثقافة التي تنتمي إلى شعب ما هي إلا مجموعة مكتسبة من الخصائص والصفات، ترسم للإنسان خصائص معينة للسلوك، تقوم على مجموعة من المثل والقيم والمفاهيم الموروثة يتمسك بها ويحرص على الحفاظ عليها.
وأن هذه الخصائص والصفات تتوفر لديه انطلاقا من العصور والأجيال السابقة، وذلك نتيجة للتطور العقلي والوجداني والاجتماعي والثقافي الذي عرفته مراحل حياته. فهذه الخصائص والصفات هي التي ترسم معالم الحياة الإنسانية وتصنع تاريخ البشرية وتحدد الواقع المعيش وترسم المستقبل الواعد الذي يتصور الإنسان خصائصه وأساليبه وبالتالي تحافظ على الارتباط به وعدم الانفصال عنه.
الإنسان سجين تراثه
ووفقا لنصوص كتاب "التراث الشعبي المغربي: دراسات نقدية في عناصر الأدب الشعبي"، فإن الإنسان بطبعه سجين للثقافة بكل تجلياتها، وبالتالي فهو سجين لتراثه يصعب عليه فك الارتباط به.. وما عليه إلا التوفيق بين ثقافته التي تستمد جذورها من التراث والماضي الذي يتسم بالعديد من الخصائص المرتبطة بالمقدس والإيمان والاعتقاد، وبين ثقافة عصرية جديدة ترتبط بالتقنية والإبداع والابتكار والعلم.
هذا التوفيق لا محالة سيساعد الأجيال الحالية والقادمة على اتصالها بماضيها وتراثها مع تطويره وإلباسه لبوسا عصريا سواء من حيث اللغة أو من حيث تقنيات الإبداع والتجديد، حيث تبقى تجربة الماضي حاضرة في أذهان أي شعب كلما أراد الاهتمام بحاضره الذي يعيشه، أو أراد البناء للمستقبل ضمن التطور المستجيب لمتطلبات هذا الشعب وحاجياته المختلفة.
وذهب مؤلف الكتاب إلى التأكيد على تجدد الثقافة الشعبية لتتواكب وتتماشى مع متغيرات العصر، وقال "إن الثقافة الشعبية التي تتنوع حسب حامليها والمحمولة إليهم تعيش في تجدد مستمر يساير حركية ودينامية الجماعة التي تعبر عنها".
ولفت إلى أن من صفات الثقافة المميزة، أنها تعيش تغيرا مستمرا، وتجددا متعاقبا، وأرجع ذلك إلى تواصل عملية الإبداع الثقافي، موالاة الناس لعملية الإبداع الثقافي. وتناول بالدراسة والتحليل أحد أجناس هذه الثقافة الشعبية، والذي يعبر عنه بالأدب الشعبي بكل أنواعه وألوانه الإبداعية.
الخوارق والقصص الأسطورية
ونتعرف من الكتاب على أن الأدب الشعبي يهتم بتصوير الخوارق والقصص الأسطورية، وأنه ليس مستبعدا أن يكون الأدباء هم الذين نسجوا الخوارق أو على الأقل كانوا هم العامل الضخم في تخليد قصصها وأساطيرها ومأثوراتها.
وبذلك فالأدب هو جزء من الثقافة لا يبقى محصورا بين التعبير وأدوات التعبير، بل إنه يدور في المحور العام الذي تدور فيه حياة المجتمع، فيتأثر به ويتقولب عليه شكلا ومضمونا، ويعكس جوانب منه بالإفصاح أو بالرمز، بحيث يشكل الأدب ذخيرة نفيسة بالنسبة للمؤرخ الذي يعرف كيف يتعامل معه.
يذكر أن مؤلف الكتاب، عزيز العرباوي، هو كاتب وباحث مغربي، مهتم بالأدب والتراث العربي، ويتمتع بعضوية عدد من المؤسسات الصحفية والثقافية، وقد صدر له العديد من المؤلفات المتعلقة بالأدب والتراث من بينها: "تجليات التراث في الفكر العربي والإسلامي: الجابري وأركون نموذجا" 2013، و"رمزية الماء في التراث الشعري العربي" 2015، و"بلاغة الخطاب السردي في الرواية السعودية: مقاربة تداولية لرواية طوق الحمام للروائية رجاء عالم"، و"السرد الروائي النسوي: الحرية، الذات، الجسد" 2019، وغير ذلك من المؤلفات.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 4 أيام
- الجزيرة
العمارة العسكرية المغربية جماليات ضاربة في التاريخ ومهدها مدينة فاس
تمثل العمارة العسكرية في المغرب أحد أبرز النماذج المعمارية الضاربة في القدم، إذ تبدو جمالياتها بارزة مقارنة بأنماط معمارية أخرى. ففي مدينة فاس، التي تعتبر من أكثر المدن التاريخية أصالة من حيث أنماطها المعمارية، نجد فضاءات شيدت بهذا النوع من العمارة. فزائر المدينة يعثر على ملامح العمارة ذات البعد العسكري في مواقع عدة، مثل: باب الجيسة، وباب المحروق، وباب القصبة القديمة، وباب بوجلود، وباب الحديد، وباب الفتوح، وقصبة الشراردة، وقصبة تمدارت، وغيرها من المباني ذات الطابع العسكري. وهذا يعني أننا أمام مدينة لطالما لعبت دورا عسكريا مهما في تاريخ المغرب، باعتبارها فضاء حيويا لظهور هذا النوع من العمارة، الذي نجده أيضا في عدد من المدن التي شكلت عواصم في مراحل مختلفة من التاريخ المغربي. غياب المؤرخ الفني على الرغم من أن المصادر التاريخية تتحدث عن أشكال معمارية أخرى لم تعد موجودة على أرض الواقع، فإن الزائر للمدينة يجد نفسه أمام خلطة حضارية مركبة يصعب الإمساك بها ومعرفة ملامحها الجمالية وتطورها التاريخي وأبعادها الفنية. لذلك، فإن المجال المعماري والبحث في تاريخ الفنون عموما لم يحظ باهتمام كبير من لدن الباحثين المغاربة والعرب، مقارنة بالتاريخ السياسي ونظيره الاجتماعي. فهذا المبحث العلمي ظل مغيبا داخل المدونة التاريخية، لأسباب في مجملها علمية، ترتبط بالتكوين داخل الجامعات والمعاهد. إذ لا يتوفر المغرب، رغم حداثة تعليمه وثقافته، على شعب أو مواد تدرس فيها فنون العمارة، سواء داخل شعب التاريخ بكليات الآداب والعلوم الإنسانية، أو حتى ضمن برامج معاهد علم الآثار التابعة للمنظومة التعليمية. لذلك، فإن تهميش ثقافة المعمار يظل تهميشا بنيويا، مرتبطا بغياب المؤرخين الفنيين الذين يعدون من أبرز الحلقات المغيبة في تاريخ الثقافة المغربية والعربية عموما. والحقيقة أن هذا التهميش الذي يطال الفن نابع من كون الثقافة العربية شفوية، تراهن على المكتوب أكثر من البصري. فلا غرابة، إذًا، في ألا تطالعنا أبحاث ودراسات عن تاريخ الفنون المغربية، بكل ما يتصل بها من معمار وموسيقى وفنون تشكيلية وسينما، في مقابل وفرة الكتابة التاريخية ذات الصلة بالسياسة والمجتمع والاقتصاد. ناهيك عن كون المعمار يتقاطع من حيث الاهتمام والبحث والدراسة بين تخصصين مختلفين هما التاريخ وعلم الآثار، إذ حتى وإن تقاطعا على مستوى العدة المنهجية، فإنهما يلتقيان حسب الغاية والجدوى من وراء البحث في المجال المعماري. المؤرخ والأثري حين يحفر الأركيولوجي عن بقايا آثار العمارة العسكرية، فإنه يتتبع الكتابات التاريخية التي دبجها المؤرخون عن بعض الدول والإمارات، ما يعني أن الكتابة التاريخية تكاد تكون المصدر الأول بالنسبة لعلماء الآثار وهم يستقون منها معلومات عن أماكن تاريخية تهم البحث فيها. إن الباحث الأثري يعمد إلى المصادر التاريخية من أجل التحليل والتفسير، انطلاقا مما يعثر عليه من شواهد ولقى أثرية وتحف فنية مختلفة، مما يقوده إلى التدقيق في الآثار وتحديد أعمارها والمراحل التاريخية التي تنتمي إليها. في حين يعمل المؤرخ الفني المهتم بالعمارة على كتابة دراسات علمية، انطلاقا مما يوفره له عالم الآثار من معلومات عن الطرز المعمارية، والنصب الأثرية، والتحف الفنية، والزخرفة وغيرها. فهو يبني مادته التأريخية اعتمادا على المادة الأركيولوجية التي يستقيها من الميدان. فتقاطع وتلاقي المؤرخ والأركيولوجي لا يشكل حاجزا بالنسبة للباحث كما قد يعتقد، بل يمثل أفقا علميا يتيح له إمكانية كتابة بحث تاريخي علمي يمزج في ثناياه بين المعرفة التاريخية المستندة إلى المصادر والتحف، وتحليل أصيل لمختلف مظاهر العمارة العسكرية، وما يربط جمالياتها من صلة بين الأبراج والأسوار والأبواب والقصبات وغيرها. ويأتي تكامل هذه العلاقة في سياق الطفرة الإبستمولوجية التي شهدها مجال البحث التاريخي، وذلك بعد توسيع مفهوم الشاهدة أو الوثيقة التاريخية. إذ إن المدرسة المنهجية أو الوضعية، مع شارل سينيوبوس ولانغلوا، ظلت تنظر إلى التاريخ وفق رؤية تقليدية تربطه بمفهوم الحدث. في المقابل، عملت مدرسة الحوليات، مع كل من مارك بلوك، ولوسيان فيفر، وفرناند بروديل لاحقا، ضمن ما سمي بـ "التاريخ الجديد"، على توسيع مفهوم الوثيقة ليشمل النصب الأثرية، والتحف الفنية، والأفلام، واللوحات، والصور الفوتوغرافية، والمسكوكات (أو النميات)، والأدب التاريخي، وغيرها. ومنذ تلك اللحظة، أصبح من حق المؤرخ أن ينفتح على وثائق جديدة، منها ما يقدمه عالم الآثار من لقى أثرية تلعب دورا بارزا في تطوير الكتابة التاريخية. فهذا الانفتاح على وُرش ومختبرات علماء الآثار ساعد المؤرخ نفسه على الكتابة وفق نزعة علمية مختلفة، لا تستقرئ التاريخ انطلاقا من المصادر والوثائق التقليدية فحسب، بل أيضا من الأبواب، والأسوار، والأفلام، ومحاكم التفتيش، على سبيل المثال. ملامح العمارة العسكرية يقصد بالعمارة العسكرية كل بقايا التحف الأثرية التي أنجزت لغايات عسكرية، مثل الأسوار، والتحصينات، والأبراج، والخنادق، والمعسكرات، وغيرها. ونظرا لقيمة هذا الشكل المعماري، فإن المؤرخين والمصممين يعتبرونه نوعا من أنواع الهندسة المعمارية، فهو نمط له تاريخه وجمالياته في المغرب، بحكم وجود العديد من المدن التي تتميز بهذا النمط المعماري المختلف من حيث الشكل والنسق. ورغم وجود العديد من المدن المغربية التي تتوافر على هذا النموذج من العمارة العسكرية، فإن مدينة فاس تظل أكثر المدن التي عرفت انتشارا واسعا لهذا النمط، وذلك بسبب الأدوار التاريخية التي لعبتها، والمكانة الاعتبارية التي راكمتها من الناحية السياسية. يقول الباحث منير أقصبي، في حديث خاص لـ "الجزيرة نت"، إنه بمجرد أن "نحصي في الميدان حاليا بفاس ما تبقى من تحصينات تاريخية (قصبات، وأبراج، وأسوار، وأبواب)، نجد أنها لا تمثل سوى الثلث مما شيد لأغراض حربية على مدى تاريخها. وأقدمها يعود إلى الفترة الموحدية، وأحدثها إلى فترة الاستعمار الفرنسي". إعلان ويوضح أن "هناك أشكالا وتصاميم مختلفة، إذ يمكننا من عدة نماذج رسم صورة واضحة لتطور العمارة العسكرية في المغرب عموما؛ (أبواب ذات مدخل مباشر وأخرى مرفقية، أبراج مستطيلة أو ذات شكل محرود أو نجمية، شرافات مختلفة هرمية ومسننة، وغيرها)". ويضيف: "واقعها لا بأس به، على اعتبار أن أغلبها استفاد من الترميم. فهناك بعض الأبراج تحتاج إلى توظيف لتسهم في التنمية، مثل برج سيدي بونافع وبرج بوطويل، وبعض القصبات تحتاج إلى الإفراغ التام من محتليها لمباشرة ترميمها وتأهيلها، مثل قصبة مولاي الحسن. وقد تم تقييد أغلبها في عداد الآثار الوطنية". أما عن طراز العمارة العسكرية بفاس، فيقول إنها تتميز "بالطابع الحربي الصرف، حيث إن سمك أسوارها المصنوعة من الطابية يصل إلى أكثر من مترين، وتخلو من العناصر الزخرفية. فقد كان التركيز في هندستها على مناعتها وقوة صمودها. هناك أسوار مزدوجة في فاس الجديدة، وعدد كبير من الأبراج حول القصر الملكي لحراسته جيدا. أما واجهات الأبواب، فتخلو من الزخارف الكثيرة، ما عدا بعض التشكيلات الهندسية مثل الشبك". وفي الوقت الذي حظيت فيه أنماط معمارية أخرى بنصيب وافر من الدراسات العلمية، سواء من لدن باحثين عرب أم أجانب، ظلت العمارة العسكرية بمنأى عن كتابات الباحثين، وكأن الأمر يتعلق بعمارة محظورة لا ينبغي الاقتراب منها. في حين أن هناك دراسات أخرى اهتمت بالعمارة الدينية، وصدرت عنها أبحاث أصيلة رصدت سيرة بعض المساجد وتاريخها، إلا أن هذه الدراسات نفسها ركزت في مجملها على الجوانب التاريخية المتفرقة في المصادر الوسيطية، ولم تعن عناية كافية بالجانب الاستطيقي للعمارة، مما يضع القارئ أمام كتابة تاريخية أحادية المنظور المعرفي، كونها لا تستلهم مناهج حديثة أو تخصصات موازية. إن ما يوجد اليوم من أسوار وقصبات وأبراج، يظل في كثير من الحالات مجرد أطلال، تدفع الباحث إلى طرح أسئلة قلقة عن هذه العمارة وتاريخها وجمالياتها. غير أن الملاحظ فيها أنها تنتمي إلى حقب زمنية مختلفة، وهو ما منح هذا الشكل المعماري بعدا مركبا من حيث خصائصه الفنية البسيطة.


الجزيرة
١٠-٠٦-٢٠٢٥
- الجزيرة
"خطارات مراكش".. تراث بيئي مستدام بمواجهة الإجهاد المائي
مراكش – من يزور مدينة مراكش من الباحثين في مجال البيئة، لا يمكن أن يتغاضى عن وجود قنوات كانت تستعمل لجلب المياه العذبة لكيلومترات عديدة من المناطق المحيطة، لتصل الى المدينة ويتم توزيعها بشكل مدروس على عدد من المرافق الحيوية، واستغلالها في سقي المساحات الخضراء، أو المزروعة أو في الاستعمال اليومي للمواطنين. وتشكل الخطارات نظاما مائيا تقليديا يعكس خبرة الإنسان المغربي في تدبير الماء، وهو كان يرتبط ارتباطا وثيقا بالحدائق التقليدية مثل حدائق المنارة وأكدال ذات المساحة الواسعة وبها صهاريج مياه كبيرة، أو الحدائق الصغيرة في المنازل التقليدية (الرياض)، والمساحات الخضراء العمومية (العراصي والجنانات) والتي تمثل نموذجا مستداما للتنظيم البيئي. يقول الباحث المغربي عبد الرزاق ناهض في حديث للجزيرة إن قيام الحضارة الإنسانية يرتبط بوجود الماء على مر العصور وفي كل الأمكنة، وهكذا كان الحال بالنسبة لوجود الخطارات في مراكش وأحوازها. ويستحضر ناهض في كتابه "خطارات حوز مراكش، الماضي، والحاضر، والمستقبل" مقولة الباحث المغربي المعروف في مجال البيئة محمد الفايز، والذي اعتبر فيها أن مدينة مراكش هي هبة الخطارات، كما كانت "مصر هبة نهر النيل"، حسب هيرودورت. نظام ري مستدام ينسج تاريخ مراكش وتاريخ هذه الشبكة الجوفية المنتشرة تحت نسيجها العمراني أسطورة مشتركة، كما يعبر عن ذلك الباحث ناهض، مبرزا أن حضارة المدينة الحمراء شيدت في قلب الجفاف، وهو ما يثير الكثير من الاهتمام والإعجاب. من جهته، يؤكد الباحث المغربي في التاريخ الاجتماعي رشيد شحمي للجزيرة نت أن مراكش عرفت بالحر الشديد، و"فيها يسقط الطير من شدته" كما يقال، لكن المرابطين استطاعوا تحويلها الى جنة خضراء فيحاء بعد أن جلبوا لها الماء من جبال الأطلس المحيطة عبر الخطارات، وأصبحت واحة النخيل في مراكش بهجة الناظرين وواحة فيحاء للمتنزهين. ويضيف أنها إلى جانب كونها وسيلة أو منشأة مائية للسقي والري وتحويل وجلب المياه، فهي أيضا نظام بيئي يحافظ على جودة الماء عبر ثقب التهوية وكذلك تحافظ على الرطوبة الجوية كما أنها وسيلة فعالة في نقل الماء من مسافة بعيدة دون تبخره. من جانبها، تقول الأكاديمية المغربية حنان حمودا للجزيرة نت إن الخطارة في المغرب ساهمت في مواجهة إشكالية ندرة الموارد المائية، نظرا لأن مجتمع الواحة قام بإنتاج نظام توزيع عرفي محلي لمياه الخطارة، قائم أساسا على تدبير فترات الندرة والخصاص، عبر تمسك سكان الواحات المغربية بتطبيق قوانين وأعراف الماء القديمة. مختبرات بيئية تشكل الخطارات في مدينة مراكش مختبرات طبيعية وبيئية عريقة جدا، أثارت اهتمام العديد من الباحثين، في مجال يميزه ندرة المياه، كما هو الشأن في عدد من الواحات المغربية. ويعتمد نظام الخطارة، وتسمى أيضا في الجنوب المغربي بالفجارة، على نقل المياه عبر قنوات باطنية، تتخللها أجواف أو ثقب لأجل التهوية، معتمدة على الانحدار الطبوغرافي. وتشير الأكاديمية المغربية سعاد بلقزيز في حديث للجزيرة نت إلى أن الباحثين لاحظوا أن مراكش تتمتع بموقع جغرافي فريد في مخروط رسوبي محاط بسلاسل جبلية، مما يسمح بتدفق المياه من الطبقات الجوفية والأودية، وهي نقطة تقاطع لعدة مكامن مائية تم استغلالها بفضل عبقرية تصميم الخطارات. وتضيف أن هذه المنشآت تلعب دورا أساسيا في توازن المياه في المنطقة، فتصميمها تحت السطح يجعلها قادرة على توجيه المياه إلى المناطق الزراعية من دون هدر أو تبخر مفرط، وبالتالي تعتبر نموذجا للإدارة المستدامة للموارد المائية، والحفاظ على النظم البيئية. بينما تضيف الباحثة حمودا أن التدبير المستدام لدورة مياه الخطارة، يعتمد دورة وتوقيت محدد، وساعة خاصة وصارمة، يراقبها ويسهر عليها شيخ الخطارة، بضوابط وقواعد اجتماعية تتحكم في توزيع حصص الفرد من الماء. فيتم توزيع الماء بالتتابع وحسب نظام الحصص. نجاعة وصمود لا يقتصر الاهتمام المتجدد بالخطارات على هندستها العبقرية ودورها التاريخي في تدبير شح الموارد المائية، بل يتعداه لتصبح مصدر إلهام لحلول مستقبلية في مواجهة التغيرات المناخية. وتؤكد حنان حمودا وهي مستشارة في مؤسسة مفتاح السعد (مؤسسة غير حكومية تهتم بالتراث المائي) على التقدير الدولي الكبير الذي تحظى به الخطارات، وذلك لعبقريتها الاجتماعية في فلسفتها المقتصدة للماء وحفظه جوفيا، ولدورها في الحفاظ على الرابط الاجتماعي للواحات المغربية العريقة. وتبرز أن البحث العلمي ينظر بإعجاب لهذه التقنية المائية العرفية والتاريخية، فهناك العديد من التجارب العلمية الدولية التي تحاول نقل الخبرات والمعارف وتقنيات بناء الآبار الجوفية للخطارة وطرق إيصال الماء من "المنبع" إلى "المصرف"، مع الاعتراف بمدى نجاعتها في الصمود أمام موجة التغيرات المناخية والجفاف الهيكلي، بناء على فلسفتها المقتصدة للماء. ويؤكد الباحث عبد الرزاق ناهض أن هذا الاهتمام المتجدد الذي تحظى به الخطارات يجب في جميع الأحوال، أن يبرر بأبحاث متعددة التخصصات ومشاريع ترميم وصون تراثي تدمج حماية هذه التقنية والمحافظة عليها مع ترويجها كتراث، مع إشراك مختلف الفاعلين. ويشير إلى أن ذلك ينبغي أن يراعي الخصوصيات الهيدروليكية الجوفية، ويأخذ عين الاعتبار مختلف الأبعاد الزمانية والمكانية لهذه التقنية التقليدية للريّ واحتياجات كل منطقة من التراب المغربي. كفاءة بيئية ومع تصاعد الضغوط المائية، تبرز الحاجة إلى إعادة تأهيل الخطارات والحدائق التقليدية بصفتها خطوة نحو تبني حلول مستدامة تستند إلى مبادئ الهندسة الخضراء. وترى الأكاديمية بلقزيز أنه على الرغم من صعوبة تنفيذ الخطارات اليوم بسبب تعقيد بنائها الذي يتطلب قوة عمل كبيرة إلا أنها تملك القدرة على إلهام الأعمال الهيدروليكية الحديثة. وتشير إلى أن مشروع طريق المياه في المغرب هو مثال بارز على هذا الإلهام، إذ تم نقل المياه من مناطق الشمال إلى الجنوب، مستفيدا من الأساليب القديمة لمواجهة التحديات المائية المعاصرة. وتؤكد بلقزيز أن هذا المشروع يطبق نهجا مشابها بإنشاء قنوات تحت الأرض، لتحسين كفاءة نقل المياه وتقليل التأثير البيئي، متماشيا مع المبادئ الأساسية للخطارات، لا سيما الإدارة المستدامة والفعالة للمياه. بدوره، يقول الباحث المغربي عبد الرزاق ناهض إن الخطارات تشكل مرجعا نموذجيا للهندسة في تدبير المياه، لذلك يجب إحياؤها بإدماجها ضمن مشاريع مائية من خلال اعتماد تقنية مائية ناعمة وبيئية محلية. ويشير إلى كونها تمثل اختراعا عالميا بارعا، وينبغي حمايتها بهدف نقل الذاكرة الجماعية في إطار تنمية مستدامة، من شأنها أن تصون وتعيد الاعتبار لتراث يعكس الثقافة والقيم المغربية.


الجزيرة
٠٤-٠٦-٢٠٢٥
- الجزيرة
'لن أنساك'.. فيلم للوثائقية يحصد جائزة أفضل إخراج في مهرجان 'فيلمار لا ستورا'
فاز فيلم 'لن أنساك'، من إنتاج الجزيرة الوثائقية وإخراج المخرج المغربي محمد رضا كزناي، بجائزة أفضل إخراج في مهرجان 'فيلمار لا ستورا – Filmare la Storia' الإيطالي، الذي يكرّم الأفلام الوثائقية ذات البعد التاريخي والإنساني. يروي الفيلم قصة اكتشاف المخرج المغربي لشريط صوتي سجّله جده خلال مشاركته في حرب أكتوبر عام 1973، لينطلق إثر ذلك في رحلة بحث في ذاكرة منسية، يلتقي خلالها محاربين قدامى طواهم النسيان، ويعيد من خلالهم إحياء جانب مهم من التاريخ. وقد أشادت لجنة تحكيم المهرجان بالفيلم، مشيرة إلى أهمية الموضوع الذي يتناوله، والاختيار الدقيق لربط السرد بقصة عائلية انطلاقًا من أرشيف صوتي نادر، إضافة إلى التوظيف الفعّال للقطات السينمائية التقليدية والرسوم المتحركة، ما أضفى على التجربة طابعًا إنسانيًا وعاطفيًا قويًا. ويأتي هذا التتويج تأكيدًا على التزام الجزيرة الوثائقية بدعم الإنتاجات الإبداعية التي تروي قصصًا من زوايا جديدة، وتعيد فتح صفحات منسية من التاريخ بروح فنية وإنسانية متميزة.