الذكاء الاصطناعي لتنظيم المرور: هل اقتربنا من إنهاء أزمات السير؟
نشهد حاليًا تزايدًا ملحوظًا في أعداد المركبات وتنوّعًا في الأنشطة التجارية والعمرانية، مما انعكس على الطرقات الرئيسة وزاد من حدّة الاختناقات المرورية. في ظل هذا المشهد، يبرز الذكاء الاصطناعي كإحدى التقنيات الواعدة لتحقيق نقلة نوعية في إدارة المرور، بفضل قدرته الفائقة على تحليل كميات ضخمة من البيانات والتنبؤ بأنماط الازدحام في الوقت الفعلي.
تشير دراسة حديثة نُشرت في مجلة Transportation Research عام 2023 إلى أن اعتماد أنظمة تحكّم ذكية في الإشارات الضوئية، تعتمد على خوارزميات التعلّم الآلي، ساهم في تقليص مدة الانتظار عند التقاطعات بنسبة تصل إلى 30%. وتعتمد هذه الأنظمة على أجهزة استشعار وكاميرات موزعة في نقاط حيوية حول المدينة، حيث تجمع بيانات متجددة طوال اليوم. بعد ذلك، تقوم الخوارزميات المتطورة بتحليل هذه البيانات وتعديل توقيت الإشارات المرورية تلقائيًا بما يتناسب مع تدفق المركبات في كل اتجاه.
ومن الأمثلة البارزة على نجاح هذه التقنيات ما قامت به مدينة هانغتشو الصينية عبر مشروع City Brain، الذي استخدم الذكاء الاصطناعي لإدارة الحركة المرورية. وفقًا للتقارير المحلية في الصين، نجح النظام في تقليل الازدحام بنسبة فاقت 15% في بعض الطرقات الرئيسة، حيث يعتمد المشروع على تحليل البيانات الضخمة من الكاميرات والهواتف الذكية، ثم يوجّه تنبيهات فورية إلى مشغّلي المرور وحتى السائقين بشأن المسارات الأكثر انسيابية.
أما في الولايات المتحدة، فقد ساهم النظام المركزي ATSAC في لوس أنجلوس في التحكم بالإشارات المرورية في أكثر من 4000 تقاطع، باستخدام مستشعرات وكاميرات ترصد الحركة وتعدّل الإشارات تلقائيًا وفقًا للكثافة المرورية. وقد أدى هذا النظام إلى تحسين تدفق الحركة وتقليل فترات الانتظار، مما أسهم في خفض استهلاك الوقود وانبعاثات الغازات الضارة. وفي نيويورك، ساعد نظام Midtown in Motion، الذي يربط مئات الكاميرات والرادارات بقاعدة بيانات مركزية، على تحسين سرعة التنقل بنسبة 10% في مانهاتن من خلال ضبط توقيت الإشارات وفقًا للحركة الفعلية للمركبات.
وعلى الصعيد المحلي، تبنّت بعض المدن في المنطقة العربية مشاريع لإنشاء قواعد بيانات مركزية تجمع معلومات عن الكثافة المرورية، وأوقات الذروة، ومعدلات الحوادث، إضافة إلى رصد الإغلاقات والتحويلات الطارئة. يتم تخزين هذه البيانات في خوادم موحدة ومعالجتها عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي، التي تبني نماذج تنبؤية لتحديد أماكن الازدحام قبل وقوعه. وبمجرد ظهور مؤشرات على زيادة الكثافة في منطقة معينة، يتم إرسال توصيات بتغيير مسارات الحافلات أو توجيه المركبات عبر طرق بديلة. ووفقًا لتقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2022، فإن اعتماد هذه التقنيات يُحسّن تدفق الحركة المرورية بنسبة تصل إلى 25% في المدن التي تطبّقها بشكل متكامل.
لكن هل يمكن للذكاء الاصطناعي وحده القضاء على أزمات المرور؟، دراسة نُشرت عام 2023 في Journal of Advanced Transportation تؤكد أن الحل الأمثل يكمن في تكامل التقنيات الذكية مع بنية تحتية متطورة، تشمل تركيب كاميرات ذات دقة عالية وأجهزة استشعار متقدمة، إلى جانب الصيانة الدورية لضمان كفاءتها. كما تلعب السياسات الداعمة دورًا مهمًا، مثل تعزيز ثقافة استخدام وسائل النقل العام وتوسيع شبكات الحافلات، مما يقلل الاعتماد على المركبات الخاصة ويخفف الضغط على الطرقات.
في الختام، يبدو واضحًا أن الذكاء الاصطناعي يشكّل فرصة حقيقية لإحداث نقلة نوعية في إدارة المرور، لكنه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى استعدادنا لتهيئة الأطر القانونية والإدارية، وتوفير الخبرات التقنية اللازمة. كما يعتمد نجاح هذه الأنظمة على مدى استعداد القطاعات المختلفة للتعاون وتبادل البيانات بشكل آمن وسريع لضمان كفاءة التطبيق وتحقيق الأهداف المنشودة.
مع تطور أنظمة الإشارات الذكية، وتطبيقات الملاحة الفورية، والمشاريع المعتمدة على قواعد بيانات مركزية، تتزايد الآمال في جعل المدن أكثر تطورًا وانسيابية، مع تقليل معدلات التلوث وتخفيف الضغط على سكانها. لقد بدأنا بالفعل السير نحو مستقبل مروري أكثر ذكاءً، ويبقى السؤال: إلى أي مدى يمكننا توظيف الذكاء الاصطناعي لدعم التحول الرقمي في إدارة المرور؟.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ 11 ساعات
- عمون
هل امتحان الثانوية العامة بصيغته الحالية يواكب متطلبات وظائف المستقبل؟
في خضم التحولات التقنية المتسارعة التي يشهدها العالم، وتحوّل الاقتصادات نحو الرقمنة والذكاء الاصطناعي، يبرز سؤال جوهري لدى التربويين وصنّاع القرار: هل ما زال امتحان الثانوية العامة (التوجيهي)، بصيغته التقليدية، مناسبًا لإعداد الأجيال القادمة لوظائف المستقبل؟ أولًا: نظام تقليدي في عالم متغير يُعد امتحان الثانوية العامة في معظم الدول العربية، ومنها الأردن، المحطة الحاسمة التي تحدد المسار الجامعي والمهني للطالب. إلا أن هذا النظام التقييمي، الذي ما زال قائمًا على الاختبارات الورقية الموحدة، يركّز في الغالب على قياس المهارات المعرفية الدنيا مثل الحفظ والاسترجاع، ويغفل المهارات الأكثر طلبًا في سوق العمل المستقبلي. في المقابل، تسير وظائف المستقبل في اتجاه مغاير تمامًا، إذ تتطلب قدرة على التفكير النقدي، حل المشكلات المعقدة، الإبداع، المهارات الرقمية، العمل الجماعي، والمرونة العالية. ومع صعود وظائف جديدة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، تحليل البيانات، الأمن السيبراني، وتقنيات البلوك تشين، بات من الواضح أن مخرجات التعليم التقليدي لم تعد كافية. ثانيًا: الفجوة بين المخرجات التعليمية وسوق العمل تشير دراسات مثل تقرير 'مستقبل الوظائف' الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن أكثر من 50% من مهارات القوى العاملة ستتغير بحلول عام 2030. وفي حين تتهيأ الاقتصادات المتقدمة لإعادة هيكلة نظمها التعليمية بما يتماشى مع هذه التحولات، ما زالت الكثير من أنظمتنا التعليمية تدور في فلك نماذج القرن العشرين. امتحان الثانوية العامة، بوضعه الحالي، لا يقيس مهارات مثل: ● البرمجة والتفكير الحاسوبي ● التواصل الرقمي والتعاون الافتراضي ● ريادة الأعمال والذكاء العاطفي ● المرونة والتعلم المستمر هذه المهارات تُعتبر الآن جوهرية للنجاح المهني في عصر الذكاء الاصطناعي، ولا يمكن اكتسابها أو تقييمها من خلال امتحان نهائي واحد، يُقدَّم في ظروف ضاغطة، ويعتمد على نماذج تقليدية في القياس. ثالثًا: نحو نموذج بديل للتقييم إصلاح امتحان الثانوية العامة لا يعني إلغاؤه بالضرورة، بل إعادة تصميمه جذريًا ليصبح أداة لقياس الجاهزية المستقبلية للطلبة، لا مجرد أداة لتصنيفهم أكاديميًا. ويمكن أن يشمل هذا الإصلاح: ● إدماج التقييم المستمر والمشاريع التطبيقية ضمن العلامة النهائية. ● استخدام ملفات الإنجاز الرقمية (Digital Portfolios) لعرض مهارات الطلبة وإبداعاتهم. ● تنويع أدوات القياس لتشمل عروضًا تقديمية، دراسات حالة، تجارب ميدانية، وغيرها. ● تبني مسارات تعليمية مرنة تسمح بالتخصص المبكر في مجالات تقنية أو تطبيقية. رابعًا: التوصيات الإستراتيجية لضمان مواءمة نظام الثانوية العامة مع متطلبات سوق العمل المستقبلي، نقترح ما يلي: 1. إعادة تعريف النجاح الأكاديمي ليشمل الكفاءات الشخصية والتقنية، لا الدرجات فقط. 2. إشراك القطاع الخاص والتقنيين في تصميم المناهج والتقييمات لضمان ارتباط التعليم بالواقع المهني. 3. تضمين مفاهيم الذكاء الاصطناعي، الحوسبة، وريادة الأعمال في المرحلة الثانوية. 4. تدريب المعلمين على مهارات المستقبل وأساليب التقييم غير التقليدية. 5. تجريب نماذج بديلة في مناطق أو مدارس نموذجية، ثم تعميمها تدريجيًا على النظام التعليمي بأكمله. لا يمكن أن يكون امتحان الثانوية العامة مجرد روتين تقليدي في زمن يتطلب الابتكار والتجديد. وإذا أردنا بالفعل إعداد جيل قادر على المنافسة، وقيادة اقتصاد المعرفة، وتحقيق التحول الرقمي المنشود، فعلينا البدء بإصلاح جريء وشامل لنظم التقييم، ليصبح التعليم استثمارًا في المستقبل، لا عبئًا على الحاضر.


الوكيل
٠٨-٠٤-٢٠٢٥
- الوكيل
استراتيجيات فعالة لتأهيل الموظفين ومواجهة نقص المهارات...
الوكيل الإخباري- في عالم يتسم بالتغيرات التكنولوجية السريعة والاقتصاد المتقلب، تواجه المؤسسات تحديًا رئيسيًا يتمثل في "نقص المهارات" لدى الموظفين. هذا النقص لا يقتصر على المهارات التقنية فقط، بل يشمل أيضًا المهارات السلوكية مثل مهارات التواصل، القيادة والعمل الجماعي. اضافة اعلان طرق تعزيز مهارات الموظفين: 1 - تحليل الفجوة المهارية: قبل البدء في التأهيل، يجب على المؤسسات تحليل الفجوة بين المهارات الحالية والمتطلبات المستقبلية. يتم ذلك من خلال: تحليل الأداء الفردي والجماعي. استطلاع آراء المدراء وأصحاب المصلحة الرئيسيين. استخدام أدوات تحليل الفجوات المهارية الرقمية. 2 - تصميم برامج تدريبية موجهة: التدريب أثناء العمل. التعلم الإلكتروني. ورش العمل التفاعلية. برامج الإرشاد والتوجيه. 3 - اعتماد استراتيجية التطوير المستمر: تشجيع الموظفين على حضور جلسات التدريب، مكافأة المتفوقين، وتشجيع تبادل المعرفة بين الموظفين. 4 - التعاون مع مؤسسات التعليم التقنية: توفير مواد تدريب بالتعاون مع الجامعات والمعاهد التقنية مثل كورسيرا وأوديمي. 5 - تمكين القادة من التخطيط: تعليم القادة كيفية إدارة الفرق وتحفيزهم على التعلم المستمر. اتجاهات المهارات المستقبلية: 1 - تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي: يشير إلى أن 44% من المهارات الحالية ستتغير خلال الخمس سنوات القادمة، ويتوقع التركيز على: التفكير التحليلي والإبداعي. المرونة والقدرة على التكيف. التعلم المستمر. الذكاء العاطفي والعمل الجماعي. 2 - تقرير LinkedIn Learning 2024: يسلط الضوء على أهمية المهارات اللينة مثل: التواصل الفعال. القيادة بدون مسمى وظيفي. إدارة الوقت. استراتيجيات كبرى الشركات العالمية: شركات مثل Google وIBM وMicrosoft اعتمدت نماذج توظيف تستند إلى المهارات بدلاً من الشهادات الأكاديمية، وتدعم برامج الشهادات المصغرة. خطوات استراتيجية لمواكبة التغيير: تحديث خريطة المهارات المؤسسية بشكل دوري. استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الموظفين. إتاحة حرية الاختيار للموظفين لتطوير مهاراتهم بما يتماشى مع اهتماماتهم.


الوكيل
٠٨-٠٤-٢٠٢٥
- الوكيل
استراتيجيات فعالة لتأهيل الموظفين ومواجهة نقص المهارات...
الوكيل الإخباري- في عالم يتسم بالتغيرات التكنولوجية السريعة والاقتصاد المتقلب، تواجه المؤسسات تحديًا رئيسيًا يتمثل في "نقص المهارات" لدى الموظفين. هذا النقص لا يقتصر على المهارات التقنية فقط، بل يشمل أيضًا المهارات السلوكية مثل مهارات التواصل، القيادة والعمل الجماعي. اضافة اعلان طرق تعزيز مهارات الموظفين: 1 - تحليل الفجوة المهارية: قبل البدء في التأهيل، يجب على المؤسسات تحليل الفجوة بين المهارات الحالية والمتطلبات المستقبلية. يتم ذلك من خلال: تحليل الأداء الفردي والجماعي. استطلاع آراء المدراء وأصحاب المصلحة الرئيسيين. استخدام أدوات تحليل الفجوات المهارية الرقمية. 2 - تصميم برامج تدريبية موجهة: التدريب أثناء العمل. التعلم الإلكتروني. ورش العمل التفاعلية. برامج الإرشاد والتوجيه. 3 - اعتماد استراتيجية التطوير المستمر: تشجيع الموظفين على حضور جلسات التدريب، مكافأة المتفوقين، وتشجيع تبادل المعرفة بين الموظفين. 4 - التعاون مع مؤسسات التعليم التقنية: توفير مواد تدريب بالتعاون مع الجامعات والمعاهد التقنية مثل كورسيرا وأوديمي. 5 - تمكين القادة من التخطيط: تعليم القادة كيفية إدارة الفرق وتحفيزهم على التعلم المستمر. اتجاهات المهارات المستقبلية: 1 - تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي: يشير إلى أن 44% من المهارات الحالية ستتغير خلال الخمس سنوات القادمة، ويتوقع التركيز على: التفكير التحليلي والإبداعي. المرونة والقدرة على التكيف. التعلم المستمر. الذكاء العاطفي والعمل الجماعي. 2 - تقرير LinkedIn Learning 2024: يسلط الضوء على أهمية المهارات اللينة مثل: التواصل الفعال. القيادة بدون مسمى وظيفي. إدارة الوقت. استراتيجيات كبرى الشركات العالمية: شركات مثل Google وIBM وMicrosoft اعتمدت نماذج توظيف تستند إلى المهارات بدلاً من الشهادات الأكاديمية، وتدعم برامج الشهادات المصغرة. خطوات استراتيجية لمواكبة التغيير: تحديث خريطة المهارات المؤسسية بشكل دوري. استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الموظفين. إتاحة حرية الاختيار للموظفين لتطوير مهاراتهم بما يتماشى مع اهتماماتهم.