
أخبار العالم : "لا أعرف من يمكن الوثوق به"، دروز سوريا قلقون من التهميش ما بعد الحرب
نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
قُتل أكثر من مئة شخص في أحداث عنف طائفي في ضاحيةٍ جنوبي دمشق في أبريل/نيسان.
Article Information Author, لينا سنجاب Role, مراسلة بي بي سي للشرق الأوسط
قبل 15 دقيقة
حين بدأ إطلاق النار خارج منزلها في ضاحية أشرفية صحنايا بريف دمشق، أمسكت لمى الحسنية بهاتفها وأغلقت على نفسها باب الحمام.
لساعات، كانت ترتجف خوفاً، فيما كان مقاتلون يرتدون زياً عسكرياً مموهاً يتجولون في شوارع الحي. كانت هناك رشاشات ثقيلة منصوبة على مركبة عسكرية أسفل شرفة منزلها.
"جهاد ضد الدروز"، و"سنقتلكم أيها الدروز"، كانت تلك بعض العبارات التي صرخ بها المهاجمون.
لم تكن لمى تعرف من هم هؤلاء الرجال: هل هم متطرفون؟ عناصر من قوات الأمن الحكومية؟ أم طرف آخر تماماً؟- لكن الرسالة كانت واضحة: لأنها درزية، لم تكن آمنة.
ولطالما شغل الدروز، وهم طائفة لها معتقداتها وممارساتها الخاصة، وانبثقت ديانتهم من رحم الإسلام الشيعي، وشغلوا تاريخياً موقعاً هشاً في النظام السياسي السوري.
تحت حكم الرئيس السابق، بشار الأسد، حافَظ كثير من الدروز على ولاء هادئ للدولة، على أمل أن يوفر لهم هذا الموقف حماية من حمّام الدم الطائفي الذي اجتاح مناطق واسعة من سوريا خلال الحرب الأهلية التي استمرت 13 عاماً.
شارك عدد من أبناء الطائفة في الاحتجاجات الشعبية، لا سيما في السنوات اللاحقة. لكن، وفي محاولة لتقديم نفسه كحامٍ للأقليات من خطر التطرف الإسلامي، تجنّب الرئيس بشار الأسد استخدام القبضة الأمنية ذاتها ضد المتظاهرين الدروز، كما فعل في مدن أخرى ثارت ضد حكمه.
شكّل الدروز جماعة مسلحة للدفاع عن مناطقهم في وجه جماعات سنية متشددة كانت تعتبرهم "منشقة عن العقيدة"، فيما تجنّبت القوات الموالية للأسد التدخل في مناطقهم.
لكن بعد الإطاحة بالأسد على يد فصائل سنية إسلامية قادت تشكيل حكومة مؤقتة، بدأت تلك المعادلة غير المعلنة تتفكك، وبدأ القلق يتصاعد في أوساط الدروز من احتمال تهميشهم واستهدافهم في سوريا ما بعد الحرب.
وساهمت هجمات شنتها مؤخراً جماعات مسلحة إسلامية مرتبطة بشكل غير مباشر بالحكومة في دمشق على تجمعات درزية، في تعزيز حالة انعدام الثقة المتنامية تجاه الدولة.
بدأت القصة أواخر أبريل/نيسان، عندما سُرّب تسجيل صوتي يُقال إنّه لرجل دين درزي يسيء فيه إلى النبي محمد. ورغم نفي الشيخ المعني أن الصوت يعود إليه، وتأكيد وزارة الداخلية السورية لاحقاً أن التسجيل مفبرك، إلا أن الضرر كان قد وقع بالفعل.
انتشر مقطع فيديو لطالب في جامعة حمص وسط البلاد، دعا فيه المسلمين إلى "الانتقام الفوري" من الدروز، مما أجّج "عنفاً طائفياً" في أنحاء متفرقة من البلاد.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقرّه بريطانيا، إن ما لا يقل عن 137 شخصاً قُتلوا في عدة أيام من القتال في أشرفية صحنايا وجرمانا جنوب دمشق، وفي كمين على طريق السويداء- دمشق. وشملت الحصيلة 17 مدنياً، و89 مقاتلاً درزياً، و32 عنصراً من قوات الأمن.
وقالت الحكومة السورية إن العملية الأمنية التي نفّذتها في أشرفية صحنايا هدفت إلى استعادة الأمن والاستقرار، وإنّها جاءت رداً على هجمات استهدفت عناصرها أسفرت عن مقتل 16 منهم.
في هذه الأثناء، كانت لمى زاهر الدين، وهي طالبة صيدلة في جامعة دمشق، على وشك إنهاء دراستها عندما وصلت أعمال العنف إلى قريتها. ما بدأ كقصف بعيد، تحوّل إلى هجوم مباشر، وإطلاق نار وقذائف وفوضى اجتاحت الحي.
وصل عمّها في حافلة صغيرة، وطلب من النساء والأطفال الفرار تحت القصف، فيما بقي الرجال للدفاع عن القرية بأسلحة خفيفة.
تقول لما: "المهاجمون كانوا يملكون رشاشات ثقيلة وقذائف هاون. أما رجالنا فلم يكن لديهم ما يضاهي ذلك".
ولم تتوقف أعمال العنف عند حدود قريتها. فقد جرى اقتحام غرف سكن الطلاب في جامعة دمشق، وتعرض بعضهم للضرب بالسلاسل.
وفي إحدى الحالات، طُعن طالب بعد أن سُئل ببساطة إن كان درزياً.
التعليق على الصورة،
تقول طالبة جامعية، واسمها أيضاً لمى، أن جامعتها شهدت أعمال عنف ضد الدروز.
قالت لمى: "هم يقولون إننا تركنا جامعاتنا بإرادتنا. لكن كيف لي أن أبقى؟ كنت على بُعد خمس محاضرات ومشروع تخرج واحد فقط من إنهاء شهادتي. لماذا كنت سأتركها لو لم يكن الوضع خطيراً؟".
ومثل كثيرين في طائفتها، لا يقتصر خوف لمى على الاعتداءات الجسدية، بل يمتد إلى ما تعتبره فشلاً من الدولة في حمايتهم.
وأضافت: "تقول الحكومة إن هؤلاء مجرد خارجين عن القانون لا علاقة لهم بها. حسنٌ، متى سيحاسبون إذن؟".
وتابعت أن ثقتها اهتزت أكثر حين سخر منها بعض زملائها في الجامعة، من بينهم طالبة أرسلت لها رمزاً تعبيرياً ضاحكاً رداً على منشور كتبته تحكي فيه عن فرارها من قريتها.
"أنت لا تعرف حقاً كيف يراك الناس. لم أعد أعرف من يمكن الوثوق به".
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
متطوعون دروز يحاولون حماية مناطقهم
ولا أحد يعرف على وجه التحديد إلى من ينتمي هؤلاء المهاجمون، لكن ما بات واضحاً هو أن كثيراً من أبناء الطائفة الدرزية باتوا يخشون من أن تنزلق سوريا نحو نظام تهيمن عليه الطائفة السنية، ولا مكان فيه للأقليات الدينية.
قال هادي أبو حسّون لبي بي سي: "نحن لا نشعر بالأمان مع هؤلاء الناس".
كان هادي أحد رجال دروز السويداء الذين دُعوا لحماية أشرفية صحنايا اليوم الذي اختبأت فيه لمى في الحمام.
وقد تعرّضت القافلة التي كان فيها لكمين، هاجمتهم فيه جماعات مسلّحة باستخدام قذائف الهاون والطائرات المسيرة. أُصيب هادي برصاصة في الظهر، اخترقت رئته وتسببت في كسر عدة أضلاع.
ويقول إن ذلك بعيد كل البعد عن سوريا التي تضم الجميع التي كان يحلم بها في عهد ما بعد الأسد.
وأضاف: "هؤلاء يتحركون بدافع ديني، لا وفقاً للقانون أو الدولة. ومن يتصرف بدافع كراهية دينية أو طائفية لا يمثلنا".
"ما يمثلنا هو القانون والدولة. القانون هو الذي يحمي الجميع... أريد حماية القانون."
وتؤكد الحكومة السورية مراراً على سيادة الأراضي السورية ووحدة مكونات المجتمع السوري، بما في ذلك الطائفة الدرزية.
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
اخترقت رصاصة رئة هادي.
ورغم تراجع حدّة الاشتباكات والهجمات، فإن الثقة في قدرة الحكومة على حماية الأقليات تضاءلت.
وخلال أيام القتال، نفّذت إسرائيل ضربات جوية في محيط أشرفية صحنايا، وقالت إنها كانت تستهدف "عناصر" يهاجمون الدروز لحماية هذه الأقلية.
كما شنّت غارات قرب القصر الرئاسي السوري، مؤكدة أنّها "لن تسمح بانتشار قوات جنوب دمشق أو بأي تهديد يستهدف المجتمع الدرزي".
وتضم إسرائيل عدداً كبيراً من المواطنين الدروز، إضافة إلى دروز يعيشون في مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
وفي أشرفية صحنايا، قالت لمى الحسنية إن الأجواء تغيّرت، وباتت "أهدأ، لكن يسودها الحذر".
وتابعت أنّها عادت لرؤية جيرانها، لكن مشاعر القلق لم تغب.
"الثقة انكسرت. هناك أشخاص في البلدة الآن لا ينتمون إليها، جاؤوا خلال الحرب. من الصعب أن نعرف من هو من بعد الآن".
ولا تزال الثقة في الحكومة ضعيفة.
وتساءلت لمى: "يقولون إن.هم يعملون من أجل حماية جميع السوريين. لكن أين الخطوات الفعلية؟ أين العدالة؟"

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

يمرس
منذ 8 ساعات
- يمرس
جدد التأكيد على الثبات في الموقف نصرة لفلسطين.. قائد الثورة : الإمام الحسين.. مدرسة ملهمة للأجيال في مواجهة الطغاة
وقال السيد القائد في كلمة له ايوم امس ، ضمن مسيرات إحياء استشهاد الإمام الحسين عليه السلام بأمانة العاصمة والمحافظات، "المخطط الصهيوني هو مخطط عدواني تدميري، يستهدف الأمة في دينها ودنياها، فلن نألوا جهدًا في مواجهة ذلك العدو مع إخوتنا في محور القدس والجهاد والمقاومة وأحرار الأمة". وأضاف "مهما كانت التحديات والصعوبات وحجم التضحيات ومستوى اللوم والضغوط والهجمات الإعلامية، وغير ذلك مما نواجه به من كل أشكال الحرب والاستهداف من أمريكا وإسرائيل وعملائهما الموالين والمؤيدين لهما والمعادين لأي توجه لا يقبل بالخنوع لأمريكا ، فإن ثباتنا على مواقفنا هو خيارنا الحاسم الذي لا يمكن التراجع عنه، مستعينون بالله ومتوكلون عليه، واثقون به وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير". وأشار قائد الثورة إلى ثبات الشعب اليمني على الانطلاقة الإيمانية في المشروع القرآني المبارك الذي يقوم على أساس التمسك بالقرآن الكريم وحمل راية الإسلام، والتحرك في إطار المسؤوليات الإسلامية المقدسة في الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأوضح أن إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين، مواساة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولما يعنيه من امتداد من موقع الهداية والأسوة، مشيرًا إلى أن الإمام الحسين عليه السلام هو صاحب قضية، وقضيته هي الإسلام. وأوضح أن الإسلام الذي مضى عليه الإمام الحسين عليه السلام هو الإسلام الذي يصنع السلام لا استسلام، مبينًا أن تحول المعالم الكبرى للإسلام أوصلت إلى أن يواجه سبط رسول الله الإمام الحسين الغربة والتخاذل. ولفت السيد القائد إلى أن الإمام الحسين عليه السلام، قدّم للأمة من بعده حتى قيام الساعة أعظم الدروس في الاستجابة الإيمانية لله والنهضة للحق، والقيام لله بأمر الإسلام والعزة الإيمانية، ومعه أهل بيته والقلة القليلة من الأنصار. وتابع "الإمام الحسين عليه قدّم أيضًا أعظم الدروس في الإيمان والصدق والوفاء والثبات على الحق، في أقسى الظروف والمراحل وكسر حاجز الصمت وأحيا في الأمة الحرية وتتابعت الثورات من بعده حتى أطاحت بطغاة بني أمية وأعطى للحق دفعًا وامتدادًا عبر الأجيال". واستشهد بكلمات خالدة للإمام الحسين حينما حاصره الأعداء الذين امتلأت بهم صحراء كربلاء ووضعوه بين خيارين إما الذلة والاستسلام للطغاة والمجرمين، وإما الحرب والقتل والإبادة فقال عليه السلام "ألا وأن الدّعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، ونفوس أبية، وأنوف حمية، تؤثر مصارع الكرام على طاعة اللئام". مدرسة ملهمة وعد الإمام الحسين، مدرسة ملهمة للأجيال ومواجهة الطغاة في كل زمان ومكان، ولاتخاذ القرار الصحيح حينما توضع الأمة بين هاذين الخيارين، إما السلة وإما الذلة في كل ساحة من ميادين المواجهة وليبقى للحق امتداده وليسعى المؤمنون لاستعادة الإسلام في نقائه وكماله ومعالمه الكبرى ومبادئه الأساسية التي تتحقق بها ثمرته في الدنيا تحررًا من الطاغوت وسموًا في الأخلاق والقيم وعزًا وكرامة وعدلًا ونورًا وبصيرة ومنهجًا ربانيًا للحياة. وقال "إن معركتنا في مواجهة الطغيان الأمريكي، والإسرائيلي، هي من منطلق ثورة الإمام الحسين، لما يمثله الأمريكي، والإسرائيلي من خطر على الأمة في طمس هويتها الدينية واستهداف مقدساتها والسعي للسيطرة عليها والاستبعاد لها وإذلالها واستباحتها". إبادة جماعية وأشار السيد القائد "إلى ما يرتكبه العدو بحق هذه الأمة بدءًا بما يفعله في فلسطين من إبادة جماعية وانتهاك لحرمة المقدسات وكل أشكال الظلم والإجرام، وفي غير فلسطين من العالم الإسلامي وفي حربه الناعمة الشيطانية، التي يستهدف بها الأمة، ومخططه العدواني الهادف لاحتلال الأوطان ونهب الثروات واستعباد المجتمعات، كل ذلك يحتم علينا كمسؤولية إيمانية دينية وأخلاقية أن نواجه الطغيان الأمريكي والإسرائيلي، والتصدي لإجرامهما". التصدي للطغيان وأضاف "مسؤوليتنا الدينية أن نتصدى لإجرام الطغيان الأمريكي والإسرائيلي وأن نتحرك ضد فسادهم وباطلهم، وألا نقبل أبدًا بالخنوع لهم، ولا بالطاعة للطغيان الأمريكي والإسرائيلي، لأن في ذلك خسارة في الدنيا والآخرة". وأكد قائد الثورة، "أنه مهما كانت الصعوبات والتحديات وحجم التضحيات فالقضية مقدسة تستحق منا التضحية التي لها أعظم ثمرة في الدنيا والآخرة، في الدنيا أن نكون أحرارًا أعزاء، نتشرف بذلك ونتشرف بقيم الإسلام وننعم بذلك، وفي الآخرة ما وعد الله به من الجنة والرضوان والنجاة من عذاب الله والفوز العظيم، وهو الخيار الأسلم في مقابل خسارة الاستسلام والخنوع التي ثمنها فظيع ونتائجها كارثية في الدنيا والآخرة". وتابع "إن انطلاقتنا في مسيرة الحق والإسلام والقرآن، هي بثقة تامة بوعد الله تعالى بالنصر لعباده المؤمنين، ونحن نشاهد تنامي هذه الانطلاقة لأمتنا في الموقف الحق ضد الطغيان الأمريكي والإسرائيلي". وتطرق السيد القائد إلى أن من النماذج الراقية، الصمود والثبات والاستبسال في غزة ولبنان، والجمهورية الإسلامية في إيران وأحرار العراق والنهضة الإيمانية الكبرى في يمن الإيمان وأحفاد الأنصار بزخمها المليوني وتضحياتها الكبيرة وثباتها الحديدي وصبرها العظيم واستمرارها دون كلل ولا ملل". فيما يلي نص الكلمة : أَعُوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين. السَّلَامُ عَلَى سِبطِ رَسُوْلِ الله، سَيِّدِ الشُّهَدَاء الإِمَامِ الحُسَيْن، وَعَلَى أَهْلِ بَيتِهِ وَأَنْصَارِه؛؛؛ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات فِي كُلِّ السَّحَات وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛ وَعَظَّمَ اللَّهُ لنَا وَلَكُمُ الأَجْر، فِي ذِكْرَى الفَاجِعَةِ الكُبْرَى: ذِكْرَى اسْتِشْهَادِ سِبْطِ رَسُوْلِ اللهِ مُحَمَّد "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" الإِمَامِ الحُسَيْنِ، مَعَ أَهْلِ بَيتِهِ وَأَنْصَارِهِ الأَوفِياء، فِي كَرْبَلَاء، سَنةَ إِحْدَى وَسِتِينَ لِلهِجرَة. إن إحياءنا لهذه الذكرى هو أولاً: من المواساة لرسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، فلو كان رسول الله على قيد الحياة حين استشهاد سبطه وحفيده، لكان العزاء له، وفي منزله في المدينة. وثانياً: لما يعنيه لنا الإمام الحسين "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وهو سبط رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، والامتداد الأصيل له في موقع الهداية، والقدوة، والقيادة، والأسوة، وهو كما قال فيه وفي أخيه الحسن "عَلَيْهِمَا السَّلَامُ": ((الحَسَنُ وَالحُسَين سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّة))، وكما قال عنه أيضاً: ((حُسَينٌ مِنِّي، وَأَنَا مِنْ حُسِين، أَحَبَّ اللهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَينًا، حُسَينٌ سِبطٌ مِنْ الأَسبَاطِ))، إضافةً إلى غير ذلك من النصوص النبوية، التي تُعَرِّفُنا من هو الحسين، وماذا يعنيه لنا، وما هي منزلته عند الله تعالى، وعن دوره في الإسلام، وعن كماله الإيماني العظيم، الذي تجلَّى أيضاً مع النصوص النبوية في مسيرة حياته، وتجلَّى في أعلى المستويات في نهضته "عَلَيْهِ السَّلَامُ" في مرحلةٍ مصيريةٍ، تُشَكِّل خطورةً رهيبةً جدًّا على المسلمين في إسلامهم؛ وبالتالي في حُرِّيَّتهم، وكرامتهم... وكل المبادئ والقيم العظيمة، التي أتى بها الإسلام، وأخرجهم بها من ظلمات الجاهلية، إلى نور الله ونهجه الحق، بكتابه القرآن الكريم، ورسوله خاتم النبيين محمد "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ". فالحسين "عَلَيْهِ السَّلَامُ" هو صاحب قضية، وقضيته هي الإسلام بأصالته ونقائه، وهي الحق الذي أرساه الإسلام نهجاً للحياة، وأساساً لمسيرة الأُمَّة المنتمية للإسلام. الإسلام الذي يُحَرِّر الناس من كل أشكال العبودية للطاغوت، إلى العبودية لله وحده ربِّ العالمين. الإسلام الذي يُزَكِّي النفوس، ويربيها على مكارم الأخلاق، ويسمو بالإنسان في قيمه وأخلاقه ومبادئه؛ فتتجلَّى في أعماله، ومواقفه، وتصرفاته، ويتطهَّر من الرذائل والمفاسد، ويتنزَّه من الجرائم، كما كانت مهمة التزكية من المهام الأساسية في الرسالة الإلهية؛ ولذلك أتى الحديث عنها في القرآن الكريم في هذا السياق: في الحديث عن مهام رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، بقول الله تعالى: {وَيُزَكِّيهِمْ}، وتكرَّرت في القرآن الكريم كثيراً، وتحدث القرآن كثيراً عن أهمية التزكية في رسالة الله تعالى، وعن القيم والأخلاق التي تُحقِّق زكاء النفس. الإسلام الذي يَمْقُتُ الظلم، ويلعن الظالمين، ويواجه المستكبرين، ويُقَدِّم العدل والقسط منهجاً، ونظاماً، وحكماً، ومسؤوليةً أيضاً لأتباعه والمنتمين إليه، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ}، وآياتٍ كثيرة عن هذا المعلم المهم للإسلام. الإسلام الذي يبني أتباعه والمنتمين إليه في إطار مسؤوليتهم المقدَّسة والعظيمة، التي نهض بها رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، والأخيار من الأُمَّة، وصفوتها وأبرارها، لتبقى مسؤوليةً قائمةً على الأُمَّة في كل زمان، تتحرَّك فيها على أساس القرآن الكريم منهجاً، والنبي قدوةً وهادياً، هذه المسؤولية التي تقترن بها خيرية الأُمَّة، وإذا أضاعتها فلا خير فيها، ولا يبقى لها أيضاً أي خير، وهي كما أعلنها الله في القرآن الكريم، في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}. الإسلام الذي يبني أتباعه والمنتمين إليه ليكونوا أُمَّةً مجاهدةً، قادرةً على حماية نفسها، وعلى دفع الشر عنها، وعن المستضعفين في الأرض، وعلى مواجهة الطغيان والأشرار، وعزيزةً، منيعةً، قويةً، ليست بنياناً ضعيفاً هشاً في بنيتها الاجتماعية، ومعنوياتها النفسية، ولا فريسةً للمجرمين والمستكبرين، ولا لقمةً سائغةً للطامعين والظالمين؛ بل كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}، وكما قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}، وكما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}، أُمَّةً تحقِّق لنفسها السلام الحقيقي، من موقع القوَّة، والقدرة، والثبات على الحق؛ وليس عبر الاستسلام، بالتنازل عن المبادئ والقيم، والعرض والأرض، والخنوع للكافرين، ثم تسمِّي ذلك سلاماً وتطبيعاً. الإسلام بنوره، وهدايته، وبصيرته، بالقرآن الكريم، والرسول "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، في معلمٍ أساسيٍ من معالم الإسلام، ومهام الرسالة الإلهية، كما في قول الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}، وكما في قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وكما في قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا}، بهذا النور، وبهذه البصيرة، وبهذا الهدى، مقترناً أيضاً بالهداة الذين يسيرون بالأُمَّة عليه، يرتقي الإسلام بأتباعه والمنتمين إليه، وبحسب إقبالهم، وتقبُّلهم، والتزامهم، إلى أرقى مستوى من الوعي والفهم، ويُحَصِّنهم ويحميهم من كل المضلِّين، والمخادعين، والملبِّسين، والمحرِّفين، والمزورين، والمنحرفين، من الكافرين والمنافقين، ومن كل وَسْوَاسٍ خَنَّاس، يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ. هذا الإسلام، أرسى دعائمه، وأقام بنيانه، وشيَّد أركانه، رسول الله وخاتم أنبيائه، محمد "صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، بجهده الدؤوب، وجهاده الكبير، وصبره العظيم، وتضحياته الكبيرة، مع أتباعه وأنصاره، بدءاً من نقطة الصفر، وصولاً إلى سيادة الإسلام في الجزيرة العربية، ثم انتشار نوره إلى مختلف أرجاء الدنيا، وانتقل بالعرب من أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ، جاهليةٍ، وثنيةٍ، مشركةٍ، متناحرةٍ، وضائعةٍ، ليس لها هدف ولا رسالة، وغشومةٍ، يسودها الظلم والإجرام، وتَئِدُ البنات، وتقتل البنين خشية الإملاق، ويأكل القوي منها الضعيف، وترتكب الفواحش، وتعتقد الخرافات والأباطيل، ولا تعرف حلالاً ولا حراماً؛ نقلها بنور الإسلام إلى صدارة الأمم؛ فارتقت بالإسلام عن جاهليتها، وأصبحت عند المقارنة بغيرها من الأمم الأرقى، والأهدى، والأزكى، وتبوَّأت- آنذاك- مكانتها المميَّزة، وتهاوت الإمبراطوريات الكبرى أمام نور الإسلام في ذلك العصر. هذا الإسلام، الذي هو إرث الأنبياء والرسل "صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِم أَجْمَعِين"، بخاتمهم، وأكملهم، وأعلاهم منزلةً عند الله: رسول الله محمد "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، الذي اصطفاه الله، ليكون هو القائد، والقدوة، والأسوة، والهادي لهذه الأُمَّة، وللبشرية جمعاء؛ وبالقرآن الكريم، أعظم كتب الله، وأقدسها، والمهيمن عليها، والمحفوظ من الله في نصه المبارك إلى قيام يوم الدين، والنور التَّام، والهدى الكامل، والمعجزة الكبرى الباقية الدائمة للرسول والإسلام. هذا الإسلام، الذي هو رحمةٌ للعالمين، وسموٌ وكرامةٌ للإنسانية، وعزٌّ ومنعةٌ، وحمايةٌ من الظلم والطغيان والإجرام، ما الذي جرى حتى تحوَّلت معالمه الكبرى، وعناوينه الرئيسية، بعيدةً إلى حدٍ كبير عن واقع الأُمَّة، وأشبه بالمدائح لحقبةٍ في غابر الزمن، وإلى أُمْنِيَّةٍ يتمناها من يكتوي من نار جاهلية العصر، وإلى أن يكون امتداده في الأُمَّة، على مستوى الفكرة، ومحاولات التطبيق، محارباً، وغريباً، ومستهدفاً بكل أشكال الاستهداف، إلى درجة أن يكون سبط رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ": الإمام الحسين "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وهو النسخة الأصلية الراقية للإسلام في كل معالمه تلك، وفي تلك المرحلة المبكِّرة من التاريخ، يواجه تلك الغربة، وذلك التخاذل، ثم يتجنَّد عشرات الآلاف لقتله، وقتل أهل بيته ورفاقه، في حادثةٍ لم يسبق مثلها في تفاصيلها الإجرامية والوحشية في تاريخ العرب، حتى في جاهليتهم الأولى، وفي يومٍ فريدٍ في حجم المظلومية والمأساة، وكان ذلك بقدر الموقف الجاهلي من القيم والحق والمبادئ الكبرى للإسلام، التي يحملها الإمام الحسين "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، واستمرَّت مأساة الأُمَّة جيلاً بعد جيل، فما الذي حدث؟ إنَّه الانقلاب الأموي على الإسلام. إنَّ الزُّمرة الأموية، التي كانت تقود جبهة الشرك، وحملت رايته في محاربة رسول الله محمد "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، والإسلام، سعت بكل جهدها للقضاء على الإسلام، وحاولت قتل رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، وشنَّت عليه الحروب العسكرية، والدعائية، والاقتصادية... وكل أشكال الحروب، وواجهته بعدائها وصدِّها عن سبيل الله، تحت راية الشرك والكفر الصريح على مدى عشرين عاماً، حتى مكَّنه الله من فتح مكَّة، حيث ظهر أمر الله وهم كارهون، وحينها استسلمت الزُمرة الأموية- آنذاك- مرغمةً صاغرة، هي وأتباعها وأنصارها، وسمَّاهم رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" ب (الطلقاء)؛ ليكون عنواناً يُبَيِّن حقيقتهم؛ حتى لا يخترقوا عنوان المهاجرين، أو الأنصار، أو يدَّعوا لأنفسهم منزلةً في الإسلام، أو مِنَّةً على المسلمين. وقد يئست الزمرة الأموية بعد فتح مكَّة، وما تلاه من انتصاراتٍ أخرى، ودخول الناس في الإسلام أفواجاً، من إمكانية القضاء على الإسلام، من خلال محاربته تحت راية الشرك والكفر المعلن؛ فقررت الانتقال إلى مُرَبَّعٍ آخر، وهو مُرَبَّع النفاق؛ لتتحرك من خلاله، وتواصل مشوارها الهادف إلى تحريف مفاهيم الإسلام، وإلى استعادة نفوذها، والاستعباد للمسلمين، والاستئثار بخيرات الأُمَّة، واستغلالها في الترف، وتقوية النفوذ، وإحكام السيطرة، وشراء الذمم والولاءات. وكان رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" قد حذَّر الأُمَّة منهم، ومن أهدافهم تلك، وسعى للفت انتباه الأُمَّة إلى ذلك، في عناوين ثلاثة، جامعة، وشاملة، وكاملة، لخَّصت كل تلك التفاصيل المهمة، وكشفت النَّهج الشيطاني، الإجرامي، المضل، الذي سيسير عليه طغاة بني أُمَيَّة، إذا استحكمت قبضتهم على الأُمَّة، ووصلوا إلى موقع السلطة والقرار، والإمرة والقيادة، قال عنهم: ((اتَّخَذُوا دِينَ اللَّهِ دَغَلًا، وَعِبَادَهُ خَوَلًا، وَمَالَهُ دُوَلًا))، إلَّا أنَّهم استفادوا من الغفلة، والأخطاء، وما هندسوا له من فتنٍ، وما مارسوه من أساليب الخداع والإغراء من بعد وفاة رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"... وغير ذلك من الأسباب والأساليب التي استخدموها وساعدتهم للوصول- في نهاية المطاف- إلى موقع القيادة، والسلطة، والتحكُّم بالأُمَّة، ثم ساروا فيها بتلك السيرة، التي حذَّر رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" أمَّته منهم ومنها، فعملوا على الإفساد للناس، والتحريف لمفاهيم الدين، والاستعباد للناس بالترغيب والترهيب، وتحويل الأُمَّة وإمكاناتها ومقدراتها إلى ثروةٍ بشريةٍ وماديةٍ لهم، وفرَّغوا الإسلام من مضمونه الحقيقي، وأسسه الكبرى؛ لتبقى بعض طقوسه وشعائره مفصولةً عن أهدافها وغاياتها، ومحرَّفةً حتى في شكلها، ثم كانت الطَّامة الكبرى عندما أتوا بيزيد، ليجعلوه حاكماً على رقاب المسلمين، ومن هو يزيد؟ للاختصار نذكر ثلاثة عناوين، تكشف عن حقيقة شخصيته: العنوان الأول: كان يزيد في حقيقة أمره غير معترفٍ بالإسلام، وصرَّح بذلك في عِدَّة مناسبات، حتى في أبيات شعرية، وكانت الأبيات الشعرية ذات أهمية كبيرة جدًّا بالنسبة للعرب، في التعبير عن مواقفهم وآرائهم، ومن شعره الذي عبَّر عن هذه الحقيقة بالنسبة له، قوله: لعبت هاشم بالملك فلا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل وهو هنا يجحد بالوحي (بالقرآن الكريم)، وبالوحي على رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، وتصوره عن رسول الله أنَّه مجرَّد انتهازي ومخادع للناس باسم الوحي والرسالة، وهذه رؤية كفر، ونظرة كفر. ثانياً: كان حاقداً شديد الحقد على رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، ويحمل عقدة الانتقام منه، ويريد أن يصفِّي حساباته في الثأر لجده عتبة، وكذلك لخاله الوليد، ولأخيه وقومه الذين قُتِلوا في غزوة بدرٍ الكبرى، وهم يقاتلون رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، ويقاتلون المسلمين، وكان قد اتَّخذ قراره أن يحقق هذا الثأر من رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" بقتل عترته، وقتل أيضاً من حضر من صحابة رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" في غزوة بدرٍ الكبرى، ممن بقي منهم على قيد الحياة، إلى حين وصل يزيد إلى موقع السلطة، فهو اتَّخذ قراراً بقتل من بقي منهم جميعاً، وكذلك بقتل الأنصار، والاستباحة لهم، (الأوس، والخزرج)، الذين يعتبر أنَّ لهم الدور الكبير في نصرة رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ". ثالثاً: كان مستبيحاً لكل الحرمات، معلناً بالفسق والفجور، ومُحِلاً لما حرَّم الله، وكان صريحاً في ذلك، لا يُقِرُّ بحلال ولا بحرام، ينتهك كل الحرمات، ومعلناً بذلك. رابعاً: كان مستبيحاً لحرمة كل المقدَّسات؛ ولذلك استباح قتل عترة رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، والاقتحام لمدينة رسول الله، والاستباحة لحرمة مسجد رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، والقتل حتى للمستضعفين من أهل المدينة على قبر رسول الله حتى أغرقه بالدماء، والاقتحام لمكَّة، والإحراق للكعبة، والقصف لها بالمنجنيق. خامساً: كان غشوماً، مسرفاً في الدماء، ظلوماً، ليس لديه أي حرمة للنفس البشرية. بكل هذه المواصفات الإجرامية والفظيعة، كان تمكُّنه واستحكام قبضته على الأُمَّة، يعني: ضياع الإسلام، كما قال الإمام الحسين "عَلَيْهِ السَّلَامُ": ((وَعَلَى الإِسْلَامِ السَّلَام، إِذ قَد بُلِيَّتِ الأُمَّةُ بِرَاعٍ مِثْلَ يَزِيد)). وقد تجلَّت الآثار السيئة بشكلٍ كبير جدًّا للدور الأممي في واقع الأُمَّة، فحينما نهض الإمام الحسين "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وهو معروفٌ في أوساط الأُمَّة بمكانته، ومقامه، ومنزلته، إضافةً إلى أنَّه يحمل قضيةً هي حقٌّ واضح، وهي لنجاة الأُمَّة، ولمصلحتها وإنقاذها، فكان التخاذل في أوساط الأُمَّة إلى مستوىً رهيب، لم تستجب له، ولم تتحرَّك معه، رغم مكانته الواضحة والمعروفة، وقضيته الواضحة، والحق الواضح، وتجنَّد في المقابل عشرات الآلاف في صف الباطل. لقد كانت الوضعية كما عبَّر عنها الإمام الحسين "عَلَيْهِ السَّلَامُ" بقوله: ((أَلَا تَرَونَ أَنَّ الحَقَّ لَا يُعمَلُ بِه، وَأَنَّ البَاطِلَ لَا يُتَنَاهَى عَنهُ))، هذا هو التأثير للدور الأموي، يصل بالأُمَّة إلى ألَّا يبقى للحق لديها أي قيمة، الحق في الموقف، الحق في المبدأ، الحق في المعتقد، الحق في كل مجالاته، لا يبقى له أي قيمة في حيِّز الواقع، وفي مقام العمل، والالتزام، والاتِّباع، بقي عنواناً قد يُطْلَق على سبيل التحريف على مضامين باطلة. ((وَأَنَّ البَاطِلَ لَا يُتَنَاهَى عَنهُ))، وهي حالة خطيرة حينما تصل الأُمَّة إلى درجة التَّقَبُّل للباطل، الخنوع للباطل، عدم الاستيحاش من الباطل، فيبقى الباطل سائداً لا يُتَنَاهى عنه، ((لِيَرغَبِ المُؤمِنُ فِي لِقَاءِ اللهِ مُحِقًّا، فَإِنِّي لَا أَرَى المَوتَ إِلَّا سَعَادَة، وَلَا الحَيَاةَ مَعَ الظَالِمِين إِلَّا بَرَمًا وَشَقَاوَة))؛ لأنه إذا ضاع الحق من واقع الحياة، وحلَّ محلَّه الباطل؛ يَحِلُّ الظلم، والطغيان، والجبروت، ويسوء واقع الحياة، وتضيع القيم، يتحوَّل واقع الحياة إلى واقع سيء جدًّا. ومع كل ما عاناه الإمام الحسين "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، من جهة المتخاذلين، وأيضاً من الناكثين والغادرين، وما عاناه أيضاً من وحشية وطغيان وإجرام المجرمين، الذين تجنَّدوا مع الفراعنة الأمويين؛ إلَّا أنَّه قدَّم للأُمَّة من بعده، وإلى قيام الساعة، أعظم الدروس في الاستجابة الإيمانية لله، والنهضة للحق، والقيام لله بأمر الإسلام، والعِزَّة الإيمانية، ومعه أهل بيته، والقِلَّة القليلة من الأنصار في قافلته، حيث قدَّم أعظم الدروس في الإيمان، والصدق، والوفاء، والثبات على الحق، في أقسى الظروف، وأصعب المراحل، وكسر حاجز الصمت، وأحيا في الأُمَّة الحُرِّيَّة؛ فتتابعت الثورات من بعده؛ حتى أطاحت بطغاة بني أميَّة، وأعطى للحق دفعاً وامتداداً عبر الأجيال، وكانت كلماته الخالدة، وقد حاصره الأعداء، الذين امتلأت بهم صحراء كربلاء، ووضعوه بين خيارين: إمَّا الذِّلَّة، والاستسلام للطغاة المجرمين، أمثال: ابن زياد، ويزيد؛ وإمَّا الحرب، والقتل، والإبادة؛ فقال "عَلَيْهِ السَّلَامُ": ((أَلَا وَإِنَّ الدَّعِي ابن الدَّعِي قَد رَكَزَ بَينَ اثنَتِين: بَينَ السِّلَّةِ، وَبَينَ الذِّلَّة، وَهَيهَاتَ مِنَّا الذِّلَّة، يَأبَى اللَّهُ لَنَا ذَلِكَ، وَرَسُولُهُ، وَالمُؤمِنُون، وَنُفُوسٌ أَبِيَّة، وَأُنُوفٌ حَمِيَّة، تُؤثِر مَصَارِعَ الكِرَامِ عَلَى طَاعَةِ اللئَامِ))، كانت هذه الكلمات وغيرها أيضاً في خطبه ورسائله، مصحوبةً ومقترنةً بأعظم المواقف، وأعظم التَّضحيات، مدرسةً هاديةً وملهمةً لكل الأجيال، ولمواجهة الطغاة في كل زمانٍ ومكان، ولاتِّخاذ القرار الصحيح، حينما توضع الأُمَّة بين هذين الخيارين: إمَّا السِّلَّة، وإمَّا الذِّلَّة، في كل زمان، وفي كل ساحةٍ من ميادين المواجهة، وليبق للحق امتداده، وليسعَ المؤمنون إلى استعادة الإسلام في نقائه وكماله، ومعالمه الكبرى، ومبادئه الأساسية، التي تتحقَّق بها ثمرته في الدنيا: تَحَرُّراً من الطاغوت، وسمواً بالأخلاق والقيم، وعِزّاً وكرامة، وعدلاً، ونوراً، وبصيرةً، ومنهجاً ربَّانياً للحياة. أيُّها الإخوة والأخوات في كل الساحات: إنَّ معركتنا في مواجهة الطغيان الأمريكي والإسرائيلي هي من هذا المنطلق، فما يمثِّله العدو الأمريكي والإسرائيلي من خطرٍ على الأُمَّة: في طمس هويتها الدينية، واستهداف مقدَّساتها، والسعي للسيطرة عليها، والاستعباد لها، ولإذلالها واستباحتها، وما يرتكبه العدو بحق هذه الأُمَّة، بدءاً بما يفعله في فلسطين ، من: إبادةٍ جماعية، وهتكٍ للأعراض، وانتهاكٍ لحرمة المقدَّسات... وكل أشكال الظلم والإجرام، وفي غير فلسطين من العالم الإسلامي؛ وفي حربه الناعمة، المفسدة، المُضِلَّة، الشيطانية، التي يستهدف بها الأُمَّة والمجتمعات البشرية؛ وفي مخططه الظالم العدواني، الهادف إلى الاحتلال للأوطان، ونهب الثروات، واستعباد المجتمعات؛ كلُّ هذا يُحَتِّم علينا كمسؤوليةٍ إيمانيةٍ، دينيةٍ، أخلاقيةٍ: أن نواجه الطغيان الأمريكي والإسرائيلي. وأن نتصدى لإجرامهم. وأن نتحرَّك ضد فسادهم وباطلهم. وأن لا نقبل أبداً بالخنوع لهم، ولا بالطاعة لهم؛ لأن في ذلك الخسارة في الدنيا والآخرة، والخزي والذل. ومهما كانت الصعوبات والتحديات، وحجم التَّضحيات، فالقضية مقدَّسة، تستحق منَّا التَّضحية، التي لها أعظم ثمرةٍ في الدنيا وفي الآخرة: في الدنيا: أن نكون أحراراً، أَعِزَّاء، نتشرَّف بذلك، ونتشرَّف بالإسلام، بشرفه وقيمه، وننعم بذلك. وفي الآخرة: ما وعد الله به من الجنَّة، والرضوان، والنجاة من عذاب الله، والفوز العظيم. وهي الخيار الأسلم، في مقابل خسارة الاستسلام والخنوع، التي ثمنها فظيع، ونتائجها كارثية في الدنيا والآخرة. إنَّ انطلاقتنا في مسيرة الحق والإسلام والقرآن، هي بثقةٍ تامَّة بوعد الله تعالى بالنصر لعباده المؤمنين، ونحن نشاهد تنامي هذه الانطلاقة في أُمَّتنا، في الموقف الحق ضد الطغيان الأمريكي والإسرائيلي، ومن النماذج الرَّاقية: هذا الصمود والثبات والاستبسال في غزَّة، ولبنان، والجمهورية الإسلامية في إيران ، وأحرار العراق ، والنهضة الإيمانية الكبرى في يمن الإيمان، وأحفاد الأنصار، بزخمها المليوني، وتضحياتها الكبيرة، وثباتها الحديدي، وصبرها العظيم، واستمرارها دون كللٍ ولا ملل. وإننا في يوم الحسين "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، يوم الوفاء والعطاء، والتأكيد على الثَّبات على الموقف الحق، نؤكِّد على التالي: أولاً: نؤكِّد ثباتنا على الانطلاقة الإيمانية القرآنية، في مشروعنا القرآني المبارك، الذي يقوم على أساس التَّمَسُّك بالقرآن الكريم، وحمل راية الإسلام، والتَّحَرُّك في إطار المسؤوليات الإسلامية المقدَّسة، في: الجهاد في سبيل الله تعالى، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. ثانياً: نؤكِّد ثباتنا على موقفنا في نصرة الشعب الفلسطيني ، والعداء للعدو الإسرائيلي والأمريكي، الذي هو عدوٌ للإسلام وللمسلمين، ويشكِّل خطورةً على الأُمَّة الإسلامية بكلها، ومخططه الصهيوني هو مخططٌ عدوانيٌ تدميريٌ، يستهدف الأُمَّة في دينها ودنياها؛ ولذلك فلن نألو جهداً في مواجهة ذلك العدو، مع إخوتنا في المحور (محور القدس والجهاد والمقاومة)، ومع أحرار الأُمَّة. ثالثاً: مهما كانت التحديات والصعوبات، ومهما كان حجم التضحيات، ومهما كان مستوى اللوم، والضغوط، والهجمات الإعلامية... وغير ذلك مما نُوَاجَه به من كل أشكال الحروب والاستهداف، من أمريكا وإسرائيل، ومن عملائهم الموالين لهم، المؤيِّدين لهم، المعادين لأي توجُّه لا يقبل بالخنوع معهم لأمريكا ، فإنَّ ثباتنا على مواقفنا هو خيارنا الحاسم، الذي لا يمكن التراجع عنه، ونحن مستعينون بالله تعالى، متوكِّلون عليه، واثقون به، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الوَكِيل، نِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير. أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالأَخَوَات: أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَكْتُبَ أَجْرَكُم عَلَى هَذَا الحُضُورِ الكَبِير فِي هَذِهِ المُنَاسَبَة، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِلثَّبَاتِ عَلَى نَهجِهِ الحَقّ، فِي دَرْبِ الْإِمَامِ الحُسَينِ "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، دَرْبِ الهُدَى، صِرَاطِ اللهِ المُسْتَقِيم، طَرِيقِ الحَقِّ، وَالِاقْتِدَاءِ بِرَسُوْلِ اللهِ مُحَمَّد "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، طَرِيقِ أَعْلَامِ الهُدَى، طَرِيقِ الأَخْيَارِ وَالصَّالِحِين مِنْ أَبْنَاءِ الأُمَّة. وَنْسَألُ اللهَ تَعَاَلَى أَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ المَظْلُوم، وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء. السَّلَامُ عَلَى سِبْطِ رَسُوْلِ اللهِ سَيِّدِ الشُّهَدَاء الْإِمَامِ الحُسَينِ، وَعَلَى أَهْلِ بَيتِهِ وَأَنْصَارِه؛؛ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ- أَيُّهَا الْإِخْوَة- وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛ رَعَاكُمُ اللَّه، وَكَتَبَ اللهُ أَجْرَكُم، وَبَارَكَ فِيكُم.

الدستور
منذ 9 ساعات
- الدستور
مستشار "أبومازن": نتوجه بالشكر لمواقف مصر بشأن القضية الفلسطينية
استضافت لجنة الشؤون العربية والخارجية بنقابة الصحفيين، الأحد، د.محمود الهباش، مستشار الرئيس الفلسطينى، فى لقاء مفتوح بمقر النقابة، وذلك حول التطورات الأخيرة بشأن وقف إطلاق النار فى غزة. فى البداية، رحب محمد السيد الشاذلي، رئيس لجنة الشئون العربية والخارجية بنقابة الصحفيين بمستشار الرئيس الفلسطينى في بلده الثاني، وبين أهله، وناجى الناجى، المستشار الثقافي لسفارة فلسطين بالقاهرة، مؤكدًا أن القضية الفلسطينية ستظل قضيتنا الأولى. وأضاف الشاذلي أننا سنبقى معا صوتًا واحدًا في وجه الظلم، ولن نتوقف عن دعم أشقائنا الفلسطينيين حتى ينكسر الحصار وتنتصر الحقيقة، مؤكدًا الدعم الكامل للقضية الفلسطينية، ووقوفنا الثابت إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق في نضاله المشروع من أجل استرداد أرضه، ورفضنا الكامل لعمليات التهجير القسري الذي يقوم به الاحتلال الإسرائيلي. شدد "الشاذلي" على الإدانة لكل جرائم الاحتلال التى ترتكب بحق الأشقاء الفلسطينيين، مؤكدا تمسك نقابة الصحفيين بجميع قرارات الجمعية العمومية والخاصة بحظر كل أشكال التطبيع المهني والنقابي والشخصي مع الكيان الصهيوني. وأكد خالد البلشي، نقيب الصحفيين أن النقابة كانت وستظل بيتًا لكل الصحفيين، مشددًا على أن القضية الفلسطينية ستبقى دومًا القضية المركزية الأولى للنقابة، باعتبارها امتدادًا استراتيجيًا ووطنيًا لمصر، كما أن مصر تمثل بدورها عمقًا حيويًا لفلسطين وشعبها. وقال البلشي إن موقف نقابة الصحفيين كان واضحًا منذ اللحظة الأولى للعدوان، حيث أعلنت دعمها الكامل للقضية الفلسطينية، ووقوفها إلى جانب الزملاء الصحفيين الفلسطينيين الذين يواجهون آلة القتل والقمع في محاولاتهم لنقل الحقيقة. وأضاف: "نأمل أن نكون قد اقتربنا من الأيام الأخيرة لهذا العدوان الوحشي، وأن نجد مسارًا حقيقيًا لإنهائه، بما يفتح الباب أمام تحقيق انتصار حقيقي للرواية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة تحمي أرضه وهويته". وشدد نقيب الصحفيين على أن اللحظة الراهنة تفرض علينا جميعًا الوقوف في مواجهة عدو جامح لا يعرف الإنسانية، مشيرًا إلى أن ما نحتاجه اليوم هو واقع جديد يليق بصمود الشعب الفلسطيني، ويعيد الاعتبار للحق العربي في التحرر والاستقلال. وتابع "هذا أوان استعادة الحق، والدفاع عن كل من يدفع ثمن تمسكه بالحقيقة.. والسؤال الذي يجب أن نطرحه الآن: ماذا بعد انتهاء العدوان؟" وقال د.محمود الهباش، مستشار الرئيس الفلسطينى، إن نقابة الصحفيين هرم من أهرامات مصر الثابتة لحراسة الحقيقة والوعي والعقل المصري والعربي، موجهًا التحية لكل الصحفيين المصريين، متذكرًا شهداء الصحافة الفلسطينية الذين استشهدوا وهم يحاولون الاستئثار بالصورة كما هي بعيدا عن تشويه بعض وسائل الإعلام بشأن ما يجري في فلسطين. ووجه 'الهباش' الشكر والتقدير لمواقف مصر قيادة وشعبا وهى مواقف ليست جديدة وليست طارئة أو افتعالية بينما هى حقيقية وانفعالية منذ بداية القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن مصر في كل معارك النضال من أجل فلسطين قدمت آلاف الشهدا والجرحى ولا ننسى أن مصر رفضت إقامة مخيمات للاجئين الفلسطينيين وتعاملت مع اللاجئين كالمواطنين المصريين؛ لأنها كنانة الإسلام التي تنافح وتدافع عن وجود الأمة واستمرارها. ووجه 'الهباش' التحية للجيش المصري العظيم الذي وصفه بالسد الأخير الذي بقي حاميا، موضحا أن الحديث عن فلسطين الآن يتجاوز التاريخ والجغرافيا إلى ما هو أهم من ذلك، فالحديث يتركز عن الغد أي اليوم التالي، متسائلا: "أليس من حق الشعب الفلسطيني أن ينعم بحياة كبقية الشعوب في تحقيق مصيره وحماية الفنون الدولي". وأكد أنه يؤمن بأن فلسطين الكاملة من البحر إلى النهر هي الوطن التاريخي للفلسطينيين ولا أحد يستطيع محو هذه الحقيقة، ففلسطين كلها وطننا التاريخي والطبيعي ولا أحد يملك الحق في مصادرة هذا الحقيقة. لفت إلى أن الاحتلال ارتكب مئات المذابح وجرائم الحرب، ودمر أكثر من ٥٥٠ قرية فلسطينية ولكنه لم ينجح في محو الحق الفلسطيني، وبقي الشعب متفوقا في وجوده، والآن نحن أغلبية ديموغرافية وبعد 20 عاما سنكون أغلبية مطلقة. وأكد أنه لا يوجد فلسطيني يتمنى الخروج بينما قد يضطر إلى ذلك في ظل الظررف الإنسانية الصعبة، لافتا إلى أن جولدا مائير قالت بعد عدوان يونيو 1967: أين هو الشعب الفلسطيني. والآن الشعب يفرض نفسه ووجوده حقيقة لا يمكن لأحد أن يتجاوزها. وأكد أنه لولا موقف مصر الصارم لعدم فتح الحدود قسرا لنجحت إسرائيل في هذه المؤامرة منذ زمن طويل وكذلك الموقف الأردني ومن خلفهم العرب والمسلمين، ليأخذ العالم بأسره هذا الموقف لتثبت الدول العربية أنها قادرة على إقناع العالم بموقفها، وأشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن رفض موسكو لتهجير الفلسطينيين يستند إلى الموقف العربي. واختتم الهباش حديثه بالتأكيد على 4 أولويات تمثل أساس الموقف الفلسطيني في الوقت الحالي، وهي أولا وقف الحرب فلا نريد مزيدا من الدماء كل شهيد هو خسارة استراتيجية للشعب الفلسطيني والخسائر ليست تكتيكية. وأضاف أن الأمر الثاني هو إفشاء المخطط الإسرائيلي لتهجير الفلسطينيين، وثالثا توفير الاحتياجات لبقاء الفلسطينيين في غزة، لافتا إلى نجاح السلطة الفلسطينية في إيصال ما استطاعت إيصاله رغم الحصار الإسرائيلي، مختتما حديثه بأن عدم عودة العدوان، هو أولوية كبيرة لمنع المزيد من الضحايا بغض النظر عن المصالح فلا توجد مصلحة أغلى من حقن الدم الفلسطيني.


نافذة على العالم
منذ 9 ساعات
- نافذة على العالم
أخبار العالم : يوتوبيا: قصة المدينة الفاضلة التي وُلدت كبديل للطغيان والفساد
الأحد 6 يوليو 2025 08:40 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، السير توماس مور مؤلف كتاب يوتوبيا تم إعدامه في عام 1535 Article Information Author, وليد بدران Role, بي بي سي قبل 52 دقيقة في 6 يوليو/ تموز من عام 1535 أُعدم توماس مور، أحد أبرز المفكرين في تاريخ الفلسفة السياسية والاجتماعية الأوروبية، والذي ترك إرثاً فكرياً عميقاً من خلال كتابه الشهير "يوتوبيا" الذي نُشر لأول مرة عام 1516. وُلد توماس مور في لندن عام 1478، وكان محامياً، ثم أصبح مستشار الملك هنري الثامن، وعُرف بتدينه الكاثوليكي العميق، ورفضه الانفصال عن الكنيسة البابوية، ما أدى إلى سجنه وإعدامه عام 1535 بعد رفضه الاعتراف بشرعية زواج هنري الثامن من آن بولين. وكتب مور "يوتوبيا" خلال بعثة دبلوماسية إلى فلاندر عام 1515، وبدأ بكتابة الجزء الثاني أولاً، حيث وصف نظام الدولة الفاضلة، ثم كتب الجزء الأول بعد عودته إلى إنجلترا عام 1516 ليقدم فيه نقداً لاذعاً للأوضاع الاجتماعية والسياسية في أوروبا، وخصوصاً إنجلترا. ولم يكن كتابه "يوتوبيا" مجرد سرد خيالي لجزيرة مثالية، بل كان انعكاساً نقدياً لواقع أوروبا في القرن السادس عشر، حيث استغل مور هذا الشكل الأدبي ليطرح رؤية فلسفية واجتماعية وسياسية عما يمكن أن تكون عليه الحياة إذا قامت على مبادئ العقل والعدالة والمساواة. نموذج نقدي كان كتاب"يوتوبيا" بداية لاستخدام مفهوم المدينة الفاضلة كنموذج نقدي وبديل للطغيان والفساد الاجتماعي، وهي فكرة أثّرت تأثيراً عميقاً على الفكر الغربي منذ عصر النهضة وحتى العصور الحديثة. واسم "يوتوبيا" نفسه هو تركيب لغوي ابتدعه مور من اللغة اليونانية، ويعني "لا مكان"، في إشارة إلى أن هذه المدينة لا توجد في الواقع، بل هي من نسج الخيال الفلسفي. والمدينة الفاضلة عند مور لم تكن مجرد حلم بعيد المنال، بل كانت دعوة لإعادة التفكير في الأسس التي تقوم عليها المجتمعات الأوروبية آنذاك، والتي كانت تعاني من الظلم الطبقي، والفساد السياسي، والفقر المدقع الذي يعانيه الفلاحون مقابل تراكم الثروة في أيدي الأرستقراطيين والإكليروس (رجال الدين). وفي كتاب "يوتوبيا"، يصور مور جزيرة خيالية ذات نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي متكامل، حيث يعيش الناس في مساواة تامة، ويتقاسمون الثروات، ويعملون جميعاً لصالح المجتمع. ولا توجد ملكية خاصة في هذه المدينة، وكل شيء مشترك بين السكان، مما يؤدي إلى اختفاء الحسد والطمع والنزاع الطبقي. وتقوم المدينة الفاضلة عند مور على نظام دقيق ومنظم، حيث تُقسم الجزيرة إلى عدد من المدن المتساوية في الحجم والسكان، وكل مدينة تضم عدداً معيناً من الأسر، وتُدار وفق مبدأ المشاركة الجماعية في العمل واتخاذ القرار. ويتم توزيع الأعمال بين المواطنين بطريقة عادلة، بحيث يعمل الجميع لعدد محدد من الساعات يومياً، ويُمنح كل فرد الوقت الكافي للتثقيف الذاتي والراحة. وتُشجع المدينة الفاضلة التعليم والثقافة، ويُنظر إلى الفلسفة والمعرفة على أنها أدوات رئيسية لبناء إنسان أفضل ومجتمع أرقى. كذلك، تُمنع البطالة، ويُفرض العمل على الجميع، مما يخلق مجتمعاً لا يُهمل فيه أحد ولا يُستغَل فيه أحد. صدر الصورة، Getty Images الحريات وهناك توازن دقيق في "يوتوبيا"، بين الحرية الفردية والمصلحة العامة حيث لا تُفرَض القيود إلا حين تتعارض رغبات الفرد مع رفاهية الجماعة، ويُشجَّع الناس على التعاون والتعاطف بدلاً من المنافسة. أما الدين، فيُترك للأفراد حرية اعتناقه، شرط ألا يؤدي إلى الإخلال بالنظام العام أو زرع الفتن، وهذا تسامح ديني نادر في ذلك العصر الذي كان يهيمن عليه التعصب الطائفي والانقسامات الكنسية. وفيما يتعلق بالنظام القضائي في المدينة الفاضلة، فهو بسيط وفعال، ويُمنع فيه تراكم القوانين المعقدة التي لا يفهمها إلا المحامون، كما لا يُسمح للقضاة بأن يكونوا من الطبقة النخبوية، بل يُنتخَبون من الشعب ويُقيَّمون باستمرار بناء على نزاهتهم وعدالتهم، ويهدف هذا النظام إلى ضمان الشفافية وسرعة البت في القضايا، دون الانغماس في البيروقراطية أو تعقيد الإجراءات القضائية. وفي "يوتوبيا"، النظام السياسي ديمقراطي حيث تنتخب كل وحدة محلية قائداً لها يُدعى "فيلارك"، والقادة بدورهم يختارون ممثلين بصورة أعلى يُطلق عليهم "ترانيبور"، وعلى قمة هذا الهيكل يوجد الأمير، الذي يُنتخب مدى الحياة بشرط ألا يكون طاغية. وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن المدينة الفاضلة تتبنى مبدأ الاقتصاد التعاوني، حيث يتم الإنتاج من قبل الجميع، وتُوزَّع المنتجات حسب الحاجة وليس حسب الرغبة أو القوة الشرائية. وتُلغى النقود كوسيلة للتبادل داخل المجتمع، مما يُقلل من فرص الجشع والاحتكار، ويجعل من الإنتاج وسيلة لخدمة الحياة لا لتحقيق الربح. ومن أبرز مظاهر المدينة الفاضلة في يوتوبيا هو النظام التربوي، إذ يُولَى التعليم أهمية قصوى، ويُعتبر مسؤولية جماعية، ويبدأ التعليم منذ الطفولة ويستمر طيلة الحياة، ويشمل العلوم والفلسفة والأخلاق، مع التركيز على التفكير النقدي والسلوك القويم. ولا يُنظَر إلى التعليم على أنه وسيلة للارتقاء الطبقي أو التميز الفردي، بل هو حق للجميع ووسيلة لصناعة مواطنين صالحين يسهمون في رفاهية المجتمع. صدر الصورة، Getty Images نموذج أولي للاشتراكية واللافت أن توماس مور، رغم أنه كان رجل دولة ومستشاراً للملك هنري الثامن، لم يُقدِّم أطروحته كبرنامج سياسي مباشر، بل كتبها في صورة سردية خيالية على شكل حوار بين توماس مور نفسه، ورفيقه بيتر جايلز، والمسافر البرتغالي الخيالي رافائيل هايثلوداي، ويروي هايثلوداي رحلته إلى جزيرة "يوتوبيا"، حيث يصف نظاماً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً قائماً على العقل، والمساواة، والعمل الجماعي، وغياب الملكية الخاصة. وهذه الصيغة الأدبية سمحت له بأن يطرح أفكاره الجذرية دون أن يُتَّهم مباشرة بمعارضة النظام القائم، لكنها في الوقت نفسه حملت نقداً لاذعاً للسياسات الاجتماعية والاقتصادية والكنسية في بريطانيا وأوروبا عموماً. ومع أن مور نفسه لم يكن ثورياً بالمعنى الحرفي، بل كان كاثوليكياً محافظاً رفض الإصلاح الديني وتعرض لاحقاً للقتل بسبب رفضه الاعتراف بشرعية انفصال كنيسة إنجلترا عن روما، فإن كتابه "يوتوبيا" كان من أكثر الكتب راديكالية في عصره. بل إن العديد من المفكرين اللاحقين، مثل كارل ماركس وفريدريك إنجلز، رأوا في "يوتوبيا" نموذجاً أولياً لفكرة الاشتراكية، وإن اختلفوا في الوسائل والغايات، كذلك، ألهم الكتاب حركات الإصلاح الاجتماعي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حيث استخدم كثير من المصلحين هذه الفكرة كحافز لتغيير الواقع وليس فقط للحلم به. ومن المهم أن نلاحظ أن المدينة الفاضلة عند توماس مور لم تكن مثالية بشكل مطلق، إذ تضمنت بعض السمات التي قد تُعتَبَر اليوم تسلطية أو مقيدة للحريات، مثل نظام الرق الذي سمح بوجود عبيد من الأسرى والمجرمين الذين يخدمون المجتمع، وإن كان يتم التعامل معهم برأفة ويُمنحون فرصة الاندماج، كما أن الأسرة كانت تخضع لقواعد صارمة، والحياة العامة تسير وفق نظام مراقبة دقيق. وهذا ما يشير إلى أن مور لم يكن يسعى إلى خلق جنة على الأرض، بل إلى تقديم تصور أكثر عدالة وإنصافاً مما كان عليه واقع أوروبا آنذاك، حتى وإن تطلب ذلك بعض التنازلات عن الحريات الفردية لصالح النظام العام. ولا تزال المدينة الفاضلة عند توماس مور إلى اليوم مصدر إلهام ونقاش فلسفي لا ينضب حيث أسّس هذا المفهوم لبنية نقدية تسمح للمفكرين بالتأمل في النظم الاجتماعية والسياسية القائمة، كما دفعت بالأدب السياسي لأن يصبح أداة للنقد والإصلاح. كما أن القيم التي طرحها مثل العدالة، والمساواة، والتربية، والعمل الجماعي، لا تزال قيماً يمكن البناء عليها في أي مجتمع يسعى إلى تحسين واقعه والارتقاء بإنسانيته. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، خريطة جزيرة يوتوبيا في كتاب السير توماس مور المجتمعات الفاضلة وقد كتب عدد من الفلاسفة والمفكرين أعمالاً مشابهة لكتاب "المدينة الفاضلة" لتوماس مور، حيث سعوا إلى تخيّل مجتمعات مثالية تقوم على العدالة والمساواة وتجاوز مشكلات الواقع. وكان أفلاطون من أوائل من قدّموا تصوراً فلسفياً لهذا النوع من المجتمعات في كتابه "الجمهورية"، الذي وصف فيه مدينة يحكمها الفلاسفة وتُبنى على مبدأ العدالة. كما جعل فرانسيس بيكون في "أطلنطس الجديدة" من المعرفة العلمية أساساً للتقدم، ثم تومّازو كامبانيلا في "مدينة الشمس" التي قدّم فيها نموذجاً لمجتمع جماعي يديره العقل والدين، كما عبّر جان جاك روسو في "العقد الاجتماعي" عن تصوّر لنظام سياسي مثالي يقوم على الإرادة العامة والمساواة بين المواطنين. وبالتزامن مع الأدب الفلسفي حول المدينة الفاضلة، كانت هناك أيضاً محاولات عديدة من قِبل جماعات دينية ومصلحين سياسيين لإنشاء مجتمعات فاضلة، خاصة في الأمريكتين. فعلى مدار قرنين بين عامي 1663 و1858 تم تأسيس حوالي 138 مستوطنة انطلاقاً من فكرة المدينة الفاضلة في أمريكا الشمالية. وذلك بحسب دائرة المعارف البريطانية. وتندرج في هذا الإطار المستوطنات التي اُقيمت على يد جماعة الشاكرز الذين أنشؤوا 18 مستوطنة في 8 ولايات، وقد اتّبع بعضهم مبدأ العفة والامتناع عن الزواج. ولا تزال بعض الطوائف الدينية اليوم، ومن أكبرها جماعة الهوترايت، تقيم مثل هذه المستوطنات وهي تنتشر بشكل رئيسي في الولايات المتحدة وكندا، ولها مستعمرات أيضاً في باراغواي وإنجلترا. وكانت إحدى أولى المجتمعات العلمانية هي نيو هارموني، التي تأسست عام 1825 عندما اشترى الصناعي البريطاني روبرت أوين بلدة هارموني في ولاية إنديانا من جماعة رابّيتس، وقد كانت مجتمعاً تعاونياً أكثر منها شيوعياً، وعلى الرغم من أن التجربة فشلت في النهاية، إلا أنها كانت رائدة في تأسيس أول روضة أطفال، وأول مدرسة مهنية، وأول مكتبة مجانية، وأول مدرسة عامة مدعومة من المجتمع المحلي في الولايات المتحدة. وكان لأفكار المصلح الاجتماعي الفرنسي شارل فورييه تأثير قوي على المصلحين الأمريكيين في أربعينيات القرن التاسع عشر، وخاصة على قادة مزرعة بروك في ولاية ماساتشوستس. وبين عامي 1841 و1859، تم إنشاء نحو 28 مستعمرة فورييرية في الولايات المتحدة. أما الإيكاريون، وهم أتباع إيتيان كابي، فقد أسسوا مجتمعات في عدة ولايات منها إلينوي (في مدينة نوفو، التي كان المورمون قد استوطنوها سابقاً)، وميسوري، وآيوا، وكاليفورنيا. وكانت هناك تجربة جماعة أونيدا التي أسسها جون همفري نويس في بوتني بولاية فيرمونت عام 1841، ثم نُقلت إلى أونيدا بولاية نيويورك عام 1848. وقد مارست الجماعة ما عُرف بـ"الزواج المعقّد"، حيث كان يُعتبر جميع الرجال والنساء شركاء مشتركين. وقد قال نويس إن جماعة أونيدا كانت امتداداً لمزرعة بروك، وكان يؤمن بأن الاشتراكية مستحيلة بدون الدين، وأن نظام "العائلة الموسعة" من شأنه أن يُذيب الأنانية ويُظهر إمكانية نجاح هذا النمط من الحياة، وكان الأطفال يبقون مع أمهاتهم حتى يتمكنوا من المشي، ثم يُنقلون بعد ذلك إلى حضانة جماعية مشتركة. وبعد الحرب الأهلية الأمريكية، تراجَع الحماس تجاه التجارب الفاضلة العلمانية، وظهرت بعض المستوطنات الجديدة في تسعينيات القرن التاسع عشر، بعد نشر كتيّبات فاضلة مثل الكومنولث التعاوني (1884) للورنس غرونلوند، والنظر إلى الوراء لإدوارد بيلامي، لكن هذا الزخم كان قد بلغ نهايته، وسرعان ما اندمجت تلك الحركات الأخيرة في إطار الاشتراكية السياسية.