
أين أوروبا من نزاعات الشرق الأوسط في زمن القرار الأميركي؟
في خضمّ الصراعات المتتالية التي تهزّ الشرق الأوسط، من الحرب المدمّرة في غزة إلى المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، يبرز سؤال جوهري: أين أوروبا من كل هذا؟ فعلى الرغم من النداءات المتكررة لدور أوروبي مستقل وفاعل في القضايا الدولية، تكشف الأحداث الأخيرة عن غياب شبه تام، أو في أفضل الأحوال، حضور رمزي بلا تأثير يُذكر. وبينما تواصل الولايات المتحدة فرض نفسها بقوة، تبدو القارة العجوز متخبطة بين التصريحات الدبلوماسية والتحالفات الاستراتيجية.
غزة ودعوات التهدئة
تستمر الحرب في قطاع غزة، بظل أوضاع إنسانية متدهورة وأزمة سياسية معقدة. وفي كل مرة، يبدو الصوت الأوروبي خجولا في ظل الجلبة التي يحدثها الصدى القادم من الضفة الأخرى للأطلسي وحالة الانقسام داخل الجسد الأوروبي الواحد ما ينتج عنه إصدار بيانات تعرب عن "قلق عميق" و"دعوات للتهدئة".
الاتحاد الأوروبي، ورغم كونه من أكبر الداعمين الماليين للسلطة الفلسطينية، عجز عن ترجمة هذا التمويل إلى نفوذ سياسي حقيقي على الأرض. كما لم يتمكن من لعب دور وساطة جادّ، حيث تمسك واشنطن بخيوط اللعبة وحرية المبادرة.
حاولت دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا الضغط لوقف إطلاق النار، لكن هذه الجهود بقيت ضمن إطار الاتصالات الهامشية، في وقت كانت الولايات المتحدة ترسم خطوط التهدئة بالتنسيق مع القاهرة والدوحة وتل أبيب.
الملف الإيراني: المفاوضات التي لم تُثمر
منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، خسر الأوروبيون قدرتهم على التأثير الفعلي في الملف الإيراني. ورغم الجهود التي بذلتها الترويكا الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) لإحياء الاتفاق، لم تسفر محادثاتهم مع طهران عن أي نتائج ملموسة.
وخلال اللقاءات الأخيرة مع المسؤولين الإيرانيين، والتي جاءت في ظل التصعيد الإقليمي بين إيران وإسرائيل، بدت أوروبا في موقع المتلقي لا المبادر. لم تتمكن من كبح التصعيد ولا من دفع طهران لتقديم تنازلات، في حين كانت واشنطن تقود الضربات الجوية وترسم خريطة الردود والردود المضادة.
أحد الدبلوماسيين الأوروبيين السابقين، في حديث لمجلة "Foreign Policy"، وصف الموقف الأوروبي بـ"الرمزي"، قائلاً: "نحن موجودون على الطاولة، لكن من دون أدوات ضغط أو قدرة على التأثير".
البُعد البنيوي للأزمة الأوروبية
يكمن جزء من المشكلة في البنية السياسية والأمنية للاتحاد الأوروبي، الذي لا يملك جيشًا موحدًا ولا سياسة خارجية واحدة. تتضارب المصالح بين دوله الأعضاء، فبينما تميل دول مثل فرنسا للانخراط السياسي في الشرق الأوسط، تفضل دول أخرى الحذر وعدم الانجرار إلى مناطق التوتر.
كما أن الاعتماد الأوروبي العميق على المظلة الأميركية، من خلال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يجعل من الصعب تبني مواقف مغايرة لواشنطن، خصوصًا في قضايا تمس الأمن الإقليمي والاستراتيجية النووية.
أمريكا: "الكل بالكل" في المنطقة
في مقابل الشلل الأوروبي، تبدو الولايات المتحدة حاضرة في كل تفاصيل الشرق الأوسط. فهي من ترسم حدود التدخل العسكري، وتفاوض في الخفاء وتعلن في العلن.
من قصف المنشآت النووية الإيرانية، إلى ترتيب الهدن في غزة، مرورًا بإدارة علاقات إسرائيل مع جيرانها العرب، لا تكاد تخلو قضية في المنطقة من البصمة الأميركية.
ولعل أبرز تجلٍ لهذا التفرّد كان في الهجمات الأخيرة التي نفذتها واشنطن ضد مواقع نووية إيرانية، دون أن يُسجَّل اعتراض أوروبي يُذكر، بل غالبًا ما تُترك المهمة لوزارة الخارجية الأميركية لتوضيح أو تبرير هذه العمليات.
نحو دور أوروبي أكثر واقعية؟
يرى مراقبون أن على أوروبا أن تعيد تعريف أولوياتها الإقليمية، وتبحث عن أدوات أكثر فاعلية من مجرد الإدانة أو المساعدات الإنسانية. البعض يطرح فكرة تفعيل سياسة "الاستقلال الاستراتيجي" التي دعا إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. لكن هذا الطرح، رغم أهميته، لا يزال يواجه مقاومة داخل الاتحاد الأوروبي نفسه.
في ظل هذه التحديات، قد يبقى الدور الأوروبي في الشرق الأوسط مجرد ظلّ لما ترسمه واشنطن، ما لم تبادر القارة العجوز إلى إعادة هيكلة أدواتها الدبلوماسية والعسكرية، وصياغة سياسة خارجية أكثر توحدًا وصلابة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


يورو نيوز
منذ 19 ساعات
- يورو نيوز
فون دير لاين تدعو المجر إلى رفع الحظر عن مهرجان "بودابست برايد"
ويمثّل هذا التصريح أول نداء مباشر من المفوضية الأوروبية إلى حكومة أوربان في ما يتعلّق بهذه القضية. وقالت فون ديرلاين في رسالة مصوّرة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مساء الأربعاء: "إلى مجتمع المثليين في المجر وخارجها، سأظل دائمًا حليفتكم. لديكم كل الأسباب لتفخروا بأنفسكم". وأضافت: "أوروبا أقوى وأغنى بفضلكم. أنا إلى جانبكم، اليوم وكل يوم". وكان البرلمان المجري قد أقرّ الربيع الماضي قانونًا مثيرًا للجدل يحظر الفعاليات العامة التي تُعتبر مخالفة لـ"قانون حماية الطفل"، وهو تشريع يفرض قيودًا مشددة على إظهار المثلية الجنسية في الفضاء العام. ويمنح القانون السلطات صلاحية استخدام تقنيات التعرف على الوجه لتحديد هويات منظّمي ومشاركي الفعاليات المحظورة، ما قد يؤدي إلى فرض غرامات تصل إلى 200,000 فورنت مجري (485 يورو). وفي حال عدم تسديد الغرامات، تُحصَّل كمستحقات ضريبية. واستنادًا إلى هذا القانون، حظرت الشرطة لاحقًا إقامة مهرجان الفخر في بودابست، الذي يستقطب آلاف الزوار إلى المدينة سنويًا. وقد ردّ رئيس بلدية بودابست الليبرالي، جيرجيلي كاراكسوني، على الحظر بإعلان تنظيم فعالية بديلة تحت اسم "يوم الحرية"، في خطوة تنطوي على تحدٍ واضح. وقال كاراكسوني الأسبوع الماضي: "ستنظّم بلدية بودابست مسيرة الفخر في 28 حزيران/يونيو بصفتها فعالية محلية". وفي رسالتها، أعربت فون دير لاين عن "دعمها وتضامنها الكاملين" مع مجتمع المثليين في المجر. وقالت: "في أوروبا، المسيرة من أجل حقوقكم تُعدّ حرية أساسية. من حقكم أن تحبوا من تشاؤون، وأن تكونوا كما أنتم تمامًا". وأضافت: "اتحادنا يقوم على المساواة ورفض التمييز. هذه هي القيم الجوهرية المنصوص عليها في معاهداتنا، ويجب احترامها دائمًا وفي جميع الدول الأعضاء". وقد سارع رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان إلى الرد على الرسالة المصوّرة، قائلاً: "سيدتي الرئيسة العزيزة، أحثّ المفوضية الأوروبية على الامتناع عن التدخل في شؤون إنفاذ القانون في الدول الأعضاء، إذ لا دور لها في ذلك". وأضاف أوربان: "أدعو المفوضية إلى تركيز جهودها على التحديات الملحّة التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، وهي مجالات تقع ضمن صلاحياتها ومسؤولياتها الواضحة، وقد ارتكبت فيها أخطاء جسيمة خلال السنوات الأخيرة، مثل أزمة الطاقة وتراجع القدرة التنافسية لأوروبا". ولم تعلن المفوضية حتى الآن عن اتخاذ أي إجراءات قانونية بحق المجر.


يورو نيوز
منذ يوم واحد
- يورو نيوز
أين أوروبا من نزاعات الشرق الأوسط في زمن القرار الأميركي؟
في خضمّ الصراعات المتتالية التي تهزّ الشرق الأوسط، من الحرب المدمّرة في غزة إلى المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، يبرز سؤال جوهري: أين أوروبا من كل هذا؟ فعلى الرغم من النداءات المتكررة لدور أوروبي مستقل وفاعل في القضايا الدولية، تكشف الأحداث الأخيرة عن غياب شبه تام، أو في أفضل الأحوال، حضور رمزي بلا تأثير يُذكر. وبينما تواصل الولايات المتحدة فرض نفسها بقوة، تبدو القارة العجوز متخبطة بين التصريحات الدبلوماسية والتحالفات الاستراتيجية. غزة ودعوات التهدئة تستمر الحرب في قطاع غزة، بظل أوضاع إنسانية متدهورة وأزمة سياسية معقدة. وفي كل مرة، يبدو الصوت الأوروبي خجولا في ظل الجلبة التي يحدثها الصدى القادم من الضفة الأخرى للأطلسي وحالة الانقسام داخل الجسد الأوروبي الواحد ما ينتج عنه إصدار بيانات تعرب عن "قلق عميق" و"دعوات للتهدئة". الاتحاد الأوروبي، ورغم كونه من أكبر الداعمين الماليين للسلطة الفلسطينية، عجز عن ترجمة هذا التمويل إلى نفوذ سياسي حقيقي على الأرض. كما لم يتمكن من لعب دور وساطة جادّ، حيث تمسك واشنطن بخيوط اللعبة وحرية المبادرة. حاولت دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا الضغط لوقف إطلاق النار، لكن هذه الجهود بقيت ضمن إطار الاتصالات الهامشية، في وقت كانت الولايات المتحدة ترسم خطوط التهدئة بالتنسيق مع القاهرة والدوحة وتل أبيب. الملف الإيراني: المفاوضات التي لم تُثمر منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، خسر الأوروبيون قدرتهم على التأثير الفعلي في الملف الإيراني. ورغم الجهود التي بذلتها الترويكا الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) لإحياء الاتفاق، لم تسفر محادثاتهم مع طهران عن أي نتائج ملموسة. وخلال اللقاءات الأخيرة مع المسؤولين الإيرانيين، والتي جاءت في ظل التصعيد الإقليمي بين إيران وإسرائيل، بدت أوروبا في موقع المتلقي لا المبادر. لم تتمكن من كبح التصعيد ولا من دفع طهران لتقديم تنازلات، في حين كانت واشنطن تقود الضربات الجوية وترسم خريطة الردود والردود المضادة. أحد الدبلوماسيين الأوروبيين السابقين، في حديث لمجلة "Foreign Policy"، وصف الموقف الأوروبي بـ"الرمزي"، قائلاً: "نحن موجودون على الطاولة، لكن من دون أدوات ضغط أو قدرة على التأثير". البُعد البنيوي للأزمة الأوروبية يكمن جزء من المشكلة في البنية السياسية والأمنية للاتحاد الأوروبي، الذي لا يملك جيشًا موحدًا ولا سياسة خارجية واحدة. تتضارب المصالح بين دوله الأعضاء، فبينما تميل دول مثل فرنسا للانخراط السياسي في الشرق الأوسط، تفضل دول أخرى الحذر وعدم الانجرار إلى مناطق التوتر. كما أن الاعتماد الأوروبي العميق على المظلة الأميركية، من خلال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يجعل من الصعب تبني مواقف مغايرة لواشنطن، خصوصًا في قضايا تمس الأمن الإقليمي والاستراتيجية النووية. أمريكا: "الكل بالكل" في المنطقة في مقابل الشلل الأوروبي، تبدو الولايات المتحدة حاضرة في كل تفاصيل الشرق الأوسط. فهي من ترسم حدود التدخل العسكري، وتفاوض في الخفاء وتعلن في العلن. من قصف المنشآت النووية الإيرانية، إلى ترتيب الهدن في غزة، مرورًا بإدارة علاقات إسرائيل مع جيرانها العرب، لا تكاد تخلو قضية في المنطقة من البصمة الأميركية. ولعل أبرز تجلٍ لهذا التفرّد كان في الهجمات الأخيرة التي نفذتها واشنطن ضد مواقع نووية إيرانية، دون أن يُسجَّل اعتراض أوروبي يُذكر، بل غالبًا ما تُترك المهمة لوزارة الخارجية الأميركية لتوضيح أو تبرير هذه العمليات. نحو دور أوروبي أكثر واقعية؟ يرى مراقبون أن على أوروبا أن تعيد تعريف أولوياتها الإقليمية، وتبحث عن أدوات أكثر فاعلية من مجرد الإدانة أو المساعدات الإنسانية. البعض يطرح فكرة تفعيل سياسة "الاستقلال الاستراتيجي" التي دعا إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. لكن هذا الطرح، رغم أهميته، لا يزال يواجه مقاومة داخل الاتحاد الأوروبي نفسه. في ظل هذه التحديات، قد يبقى الدور الأوروبي في الشرق الأوسط مجرد ظلّ لما ترسمه واشنطن، ما لم تبادر القارة العجوز إلى إعادة هيكلة أدواتها الدبلوماسية والعسكرية، وصياغة سياسة خارجية أكثر توحدًا وصلابة.


يورو نيوز
منذ 2 أيام
- يورو نيوز
بولندا تعزز حدودها مع روسيا بمشاريع دفاعية ضخمة تحسبًا للتوترات المتصاعدة
تعمل بولندا على تعزيز حدودها في محاولة لصد التهديدات وسط تصاعد التوترات الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية. وكانت الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي قد عززت أيضا قدراتها العسكرية بشكل ملحوظ. وأفادت السلطات في وارسو بإضافة حقول ألغام إلى مشروع "الدرع الشرقي"، وهو الحاجز الحدودي الذي بدأ تشييده في نوفمبر من العام الماضي، ويُنفذ العمل فيه الآن طوال أيام الأسبوع دون انقطاع. يمتد هذا الحاجز على طول أكثر من 20 كيلومترًا على الحدود البولندية القريبة من جيب كالينينغراد الروسي الممتد إلى بحر البلطيق. وصرّح كارول فرانكوفسكي، المتحدث باسم الجيش البولندي، بأن هذه الإجراءات تُعد استعراضًا للقوة، مؤكدًا أن الهدف منها هو حماية الحدود تحسبًا لأي هجوم محتمل، في ظل ما شهدته أوكرانيا خلال الصراع الجارِي. أشاد ماريك فويرتشينسكي، رئيس مكتب الأمن والشؤون الدولية في "بوليتكا إنسايت"، بالتقدم المحرز في مشروع "الدرع الشرقي"، مشيرًا إلى أن "تقسيمًا جديدًا في أوراسيا يتشكل أمام أعيننا". لبولندا حدود مع روسيا من الشمال عبر منطقة كالينينغراد أوبلاست، ومع بيلاروسيا من الشرق. ويُعد الممر البري الضيق الواصل بين هاتين الدولتين نحو ليتوانيا ودول البلطيق نقطة ضعف محتملة في إطار سيناريوهات النزاع. أوضح وزير الخارجية البولندي سيزاري تومتشيك أن إنجاز مشروع "الدرع الشرقي" على طول الحدود مع روسيا وبيلاروسيا سيستغرق ثلاث سنوات، وهو مشروع يتلقى تمويلاً بالمليارات من ضمنه مساهمات من الاتحاد الأوروبي. في مارس الماضي، أعلنت وزارة الدفاع البولندية أن بنك الاستثمار الأوروبي وافق من حيث المبدأ على تخصيص مليار يورو لتمويل المشروع. من المتوقع أن يضم المشروع شبكة من الحواجز المضادة للدبابات والملاجئ والمخابئ المحصنة كجزء من البنية الدفاعية الشاملة.