
تدمير نووي إيران.. إسرائيل تنتظر «مفتاح بي-2» الأمريكي
وسط تسارع السباق نحو المواجهة، تجد إسرائيل نفسها أمام معضلة كبرى: لا يمكنها القضاء على المنشآت النووية الإيرانية دون دعم القوة الجوية الأمريكية، لكن أي تدخل مباشر سيؤدي إلى تصعيد غير مسبوق في المنطقة.
ورغم أن تل أبيب تمتلك مقاتلات متطورة، إلا أن تدمير التحصينات العميقة في نطنز وفوردو يتطلب قاذفات استراتيجية لا تملكها سوى واشنطن، وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوهات عسكرية أكثر تعقيدًا.
وفي ظل تضاؤل فرص التوصل إلى اتفاق نووي، تتزايد المؤشرات على أن الخيار العسكري بات أقرب من أي وقت مضى، خصوصًا بعد مهلة الشهرين التي منحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن ضرورة حسم الملف الإيراني.
فهل إسرائيل قادرة على توجيه ضربة لإيران؟
يقول موقع «بيزنس إنسايدر»، إن إسرائيل تحاول شن ضربات استباقية على إيران لكنها ستحتاج على الأرجح إلى قوة جوية أمريكية، الأمر الذي يعتبره محللون عسكريون تصعيدًا كبيرًا خاصة إذا استهدفت الضربات تدمير المنشآت النووية تحت الأرض.
وفي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز"، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ٦ مارس/آذار الجاري "هناك طريقتان للتعامل مع إيران إما عسكريًا أو من خلال إبرام صفقة.. أفضل إبرام صفقة". وأضاف أن الولايات المتحدة "في وضع حرج مع إيران، سيحدث قريبًا جدًا".
لكن المؤشرات الأولية للاتفاق كانت غير مبشرة مع تصعيد ترامب للضغط على إيران بعد الضربات الأمريكية على الحوثيين محذرًا من أن "كل رصاصة يطلقها الحوثيون ستُعتبر، من الآن فصاعدًا، طلقة أطلقتها أسلحة وقيادة إيران" وذلك وفقا لما ذكره موقع "بيزنس إنسايدر" الأمريكي.
وفي تصريحات لـ«بيزنس إنسايدر»، قال ريان بول، كبير محللي شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة RANE لاستخبارات المخاطر إنه «للقضاء على المنشآت النووية الإيرانية، ستحتاج الولايات المتحدة وإسرائيل إلى تنفيذ ضربات متكررة بأسلحة بعيدة المدى مثل صواريخ كروز».
وقد تتطلب مثل هذه الضربات أيضًا قاذفة «نورثروب بي-2 سبيريت» الشبحية والتي تُعد الطائرة الوحيدة القادرة على حمل قنبلة "جي بي يو-57" الخارقة للذخائر الضخمة الأمريكية التي يبلغ وزنها 15 طنًا، وهي أكبر قنبلة أمريكية خارقة للتحصينات، وواحدة من أقوى القنابل غير النووية والتي سبق وقصفت مواقع أسلحة تحت الأرض مُحصنة تابعة للحوثيين في اليمن في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقال بول: «سيكون ذلك إنجازًا كبيرًا في تاريخ الحروب إذا شهدنا ضربة إسرائيلية أمريكية مشتركة على إيران»، مضيفًا: «سيُعطينا ذلك فكرةً عن كيفية أداء هذه الأنظمة الأمريكية ضد روسيا والصين».
ووسط التراشق بين إدارة ترامب وإيران، أجرت قاذفة قنابل من طراز «بي-52 ستراتوفورتس» تابعة لسلاح الجو الأمريكي تدريباتٍ مع طائرات "إف-35" الشبحية ومقاتلات "إف-15" التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، كما أجرى سلاح الجو في البلدين عدة تدريباتٍ في السنوات الأخيرة استعدادًا لهجومٍ مُحتمل على إيران.
وكانت أكبر مناورة على الإطلاق هي مناورة "جونيبر أوك" في يناير/كانون الثاني 2023، عندما أسقطت طائرات الشبح الأمريكية والإسرائيلية من طراز إف-35، وطائرات بدون طيار، وقاذفات استراتيجية أمريكية، أكثر من 180 ألف رطل من الذخائر الحية.
وقال بول: "منحتنا مناورة جونيبر أوك نظرة ثاقبة على كيفية تطور سيناريو التصعيد الأقصى في ظل العمليات المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة".
ويتكون أسطول إسرائيل المقاتل من طائرات "إف-15" و"إف-16" أمريكية الصنع من الجيل الرابع، وطائرات "إف-35" الأكثر تطورًا من الجيل الخامس من إنتاج شركة "لوكهيد مارتن"، لكنها لا تمتلك قاذفات ثقيلة قادرة على حمل ذخائر كبيرة خارقة للتحصينات.
أهداف الضربات
والهدفان الرئيسيان لأي ضربات سيكونان منشأتي تخصيب اليورانيوم تحت الأرض الأولى في نطنز وتقع في عمق الأرض، ومحمية بالخرسانة المسلحة في محافظة أصفهان بوسط البلاد، حيث أشارت صور الأقمار الصناعية عام 2023 إلى أن إيران حفرت أنفاقًا عميقة بالقرب من الموقع بحيث لا يمكن حتى لقنبلة" GBU-57" تدميرها، أما المنشأة الثانية فتقع في فوردو وقد حفرتها إيران داخل جبل لبنائها بالقرب من مدينة قم المقدسة.
ويجب أن تكون الغارات الجوية الأمريكية الإسرائيلية جزءًا من حملة أوسع وأكثر تعقيدًا تستهدف أيضًا الدفاعات الجوية الإيرانية والصواريخ الباليستية بذخائر تُطلق من الجو والبحر، والمسيرات والهجمات الإلكترونية، وقد تكون الغارات محدودة، وفقًا لنيكولاس هيراس، المدير الأول للاستراتيجية والابتكار في معهد نيو لاينز.
كانت إسرائيل قد ألحقت بالفعل أضرارًا واسعة النطاق بدفاعات "إس-300" الجوية الإيرانية روسية الصنع خلال غاراتها الجوية في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وقد تكون جولة أخرى من الضربات، وخاصةً بمشاركة أمريكية، أكثر تدميرًا.
وإذا ترددت أمريكا وإسرائيل في شن حملة طويلة وإذا لم تستهدف الحملة الأمريكية الإسرائيلية الترسانة العسكرية الإيرانية على نطاق واسع، فقد تشن طهران ردًا انتقاميًا كبيرًا.
ولسنوات، امتلكت إيران أكبر ترسانة من الصواريخ الباليستية في المنطقة لكن هذه الصواريخ فشلت في إلحاق أضرار جسيمة خلال الهجمات على إسرائيل في أبريل/نيسان وأكتوبر/تشرين الأول 2024 إلا أنها لا تزال قادرة على تهديد القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط أو إجبار إسرائيل على إنفاق المزيد من صواريخها الاعتراضية الباليستية عالية الارتفاع من طراز "آرو" باهظة الثمن والمحدودة العدد لصدّها.
وقال بول "من الممكن أن تتجاوز إيران أسوأ السيناريوهات وتعيد بناء نفسها"، لأن القنابل والصواريخ قد تفشل في تدمير جميع أجهزة الطرد المركزي الإيرانية المستخدمة لتخصيب اليورانيوم.
هيراس من معهد نيولاينز أضاف: "لا شك أن حملة عسكرية أمريكية إسرائيلية مشتركة ضد البرنامج النووي الإيراني ستكون واحدة من أكبر الحملات، وبالتأكيد الأكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية، في تاريخ البشرية".
aXA6IDQ3LjE0OC4yMjkuMjgg
جزيرة ام اند امز
US
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سكاي نيوز عربية
منذ 29 دقائق
- سكاي نيوز عربية
سياسات ترامب الاقتصادية تهدد مكانة أميركا العالمية.. لماذا؟
هذه المرة، لا تقتصر المخاوف على التحليلات النظرية، بل تدعمها مؤشرات فعلية من الأسواق وتقارير دولية توثق تراجع الثقة في الأصول المقومة بالدولار، وسط تزايد القلق من اتساع العجز المالي الأميركي وتضخم الدين الفيدرالي. الرسائل التي ترسلها الإدارة الأميركية الجديدة - رغم تأكيدها على استعادة النمو - تُقابل بردود فعل حذرة في أسواق المال، حيث بدأ المستثمرون يعيدون توزيع أصولهم بعيداً عن الدولار، بحثاً عن ملاذات بديلة أكثر استقراراً. في هذا السياق، تتزايد الأصوات المحذرة من تآكل الدور المحوري الذي لطالما لعبته الولايات المتحدة في النظام المالي العالمي. ومع استمرار الضغوط السياسية على بنك الاحتياطي الفيدرالي ، والتشريعات المثيرة للجدل التي تعزز الدين العام، يبدو أن واشنطن باتت تُعامَل في بعض التقديرات كمجرد "سوق ناشئة" لا كقوة اقتصادية مستقرة، في انعكاس حاد لحجم التحول الذي طرأ على صورة الاقتصاد الأميركي في عهد ترامب الثاني. صحيفة فايننشال تايمز البريطانية نقلت تحذيرات خبراء اقتصاديين -ضمن استطلاع للرأي أجراه مركز كينت أ. كلارك للأسواق العالمية في كلية بوث لإدارة الأعمال بجامعة شيكاغو -من أن "تجاوزات السياسة المالية المذهلة" التي ينتهجها دونالد ترامب وهجماته على استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي قد تؤدي إلى تقويض مكانة الولايات المتحدة باعتبارها الملاذ الأخير للمستثمرين الأجانب. أظهر الاستطلاع أن أكثر من 90 بالمئة من خبراء الاقتصاد الذين شملهم الاستطلاع كانوا قلقين إلى حد ما أو إلى حد كبير بشأن الدور الذي تلعبه الأصول المقومة بالدولار الأميركي كملاذ آمن على مدى السنوات الخمس إلى العشر المقبلة. بينما يصر البيت الأبيض هذا الأسبوع على أن السياسات الاقتصادية لترامب سوف تساعد في خفض الديون الأميركية، حيث بذل جهوداً أخيرة لكسب تأييد صقور المالية العامة في مجلس الشيوخ والحصول على مشروع قانون الضرائب الرئيسي للرئيس. لكن التقديرات المستقلة، بما في ذلك تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس، وهو هيئة الرقابة المالية، تشير إلى أن التدابير الواردة في مشروع قانون الميزانية - الذي أطلق عليه ترامب "مشروع القانون الجميل الكبير" - سوف تدفع الدين الفيدرالي الأميركي إلى ما هو أبعد من أعلى مستوى له بعد الحرب العالمية الثانية في وقت لاحق من هذا العقد. في حين أن الدولار عادة ما يرتفع خلال نوبات الذعر في السوق العالمية، فإن عمليات البيع الحادة في أسواق الأسهم العالمية في أعقاب كشف ترامب عن الرسوم الجمركية المتبادلة العدوانية في الثاني من أبريل كانت مقترنة بانخفاض قيمة العملة الأميركية. ووفق التقرير يبدو أن أصول الملاذ الآمن هي الفرنك السويسري والذهب. بينما تبدو الولايات المتحدة كسوق ناشئة، حيث يؤدي عدم اليقين السياسي إلى ارتفاع علاوات المخاطر، مما يدفع العائدات طويلة الأجل إلى الارتفاع وانخفاض قيمة العملة، وفقًا لساروج بهاتاراي من جامعة تكساس في أوستن. تراجع الثقة من جانبه، يقول رئيس قسم الأسواق العالمية Cedra Markets، جو يرق، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "إن المكانة الحالية للولايات المتحدة كملاذ آمن بدأت تتراجع.. ويرى كثير من الاقتصاديين أن الدولار مُقيم بأكثر من قيمته الحقيقية بنسبة تتراوح بين 10 و 15 بالمئة". "السياسات التي يتبعها الرئيس ترامب تمثل ضغطاً اقتصادياً، مما يدفع المستثمرين إلى إعادة توزيع أصولهم بعيداً جزئياً عن الدولار الأميركي". "الحصص العالمية من الاحتياط الدولاري تراجعت خلال العقدين الماضيين، من نحو 70 بالمئة إلى نحو 50 بالمئة، رغم أنها لا تزال العملة المسيطرة". "رغم أن اليورو والصين يحاولان لعب دور بديل بعد تراجع ثقة المستثمرين في أميركا، إلا أن أكبر المخاوف تكمن في النمو المتضخم للدين الأميركي، وخصوصاً إذا تم تنفيذ تشريعات تزيد الدين من 3.6 تريليون إلى نحو 5 تريليونات دولار". يحذّر يرق من أن كل الأدوات المالية المقومة بالدولار قد تتعرض لضغوط قوية، وعلى الرغم من بعض المزايا للاقتصاد الأميركي وللدين المقوّم بالدولار، فإن المنافسة وغياب الاستقرار قد يؤديان إلى مخاطر تضخمية. ويشير تقرير لـ ipsos، إلى أن ستة من كل عشرة (61 بالمئة) في المتوسط يرون أن السياسات الاقتصادية للرئيس الأميركي ترامب ستؤثر سلباً على اقتصادهم العالمي. بينما يعتقد 18بالمئة فقط في المتوسط أن هذه السياسات الاقتصادية ستعزز الاقتصاد العالمي. في 28 دولة من أصل 29 دولة شملها استطلاع نشرته المنصة، يميل الناس أكثر إلى الاعتقاد بأن سياسة "أميركا أولاً" ستؤثر سلباً على التجارة العالمية. بينما الهند هي الدولة الوحيدة التي تؤيد هذه الأجندة أكثر من غيرها، حيث يرى 40 بالمئة أنها ستؤثر إيجابياً، بينما يرى 25 بالمئة أنها ستكون سلبية. ويُسجل أعلى معدل اعتقاد بأن هذه السياسة ستؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمي في كوريا الجنوبية (78 بالمئة) والسويد (76 بالمئة). يمتد هذا القلق بشأن تأثير الرسوم الجمركية إلى شعور الناس بتأثيرها على اقتصاد بلادهم. ففي 28 دولة (لم يُطرح هذا السؤال في الولايات المتحدة)، يشعر 58 بالمئة من المشاركين أن سياسات ترامب الاقتصادية ستؤثر سلباً. ويبلغ هذا القلق ذروته في كوريا الجنوبية وكندا. ويعتقد 16 بالمئة فقط من المشاركين في 28 دولة أن هذه السياسات ستعزز اقتصاد بلادهم. وتُعدّ الهند والأرجنتين الدولتين الوحيدتين اللتين يميل الناس فيهما إلى الاعتقاد بأن اقتصاداتهما ستستفيد بدلًا من أن تعاني. تقويض الثقة من جانبه، يشير خبير أسواق المال، محمد سعيد لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن القلق المتنامي بشأن مكانة الأصول المقومة بالدولار كملاذ آمن لم يعد مجرد انطباع محدود، بل تحوّل إلى توجه واضح في أوساط المستثمرين والمؤسسات المالية العالمية. ويوضح أن السياسات المالية لإدارة الرئيس دونالد ترامب لعبت دوراً محورياً في هذا التحول، في ظل تفاقم العجز المالي الأميركي وتصاعد الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة (..) مشيراً إلى أن التخفيضات الضريبية من شأنها وضع المالية العامة الأميركية على مسار غير مستدام، ما قد يؤدي إلى تضخم العجز الأولي. ويضيف سعيد: السياسات التجارية لترامب زادت الضغوط على الاقتصاد، لا سيما قرارات فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات، خاصة من الصين، والتي تسببت في تقلبات حادة في الأسواق. نتيجة لذلك، لم تعد الأسواق تتعامل مع الدولار كملاذ آمن تلقائي في أوقات الأزمات، وبدأت تتحول تدريجياً نحو عملات مثل الين الياباني والفرنك السويسري، بالإضافة إلى الذهب الذي سجل قفزات تاريخية خلال الأشهر الأخيرة. مؤشر الدولار الأميركي تراجع إلى أدنى مستوياته منذ سنوات، مسجلًا انخفاضًا بنحو 10 بالمئة منذ بداية العام، وهو ما يعكس، بحسب وصفه، فقداناً واضحًا للثقة في الاستقرار الاقتصادي الأمريكي على المدى الطويل. يتداول الدولار عند أدنى مستوى في ثلاث سنوات وسط مخاوف بشأن الاستدامة المالية وعلامات استفهام حول استقلال مجلس الاحتياطي الفيدرالي، مع استمرار ترامب في مهاجمة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بسبب تردده في خفض أسعار الفائدة وسط مخاوف من أن الحرب التجارية العالمية قد تدفع التضخم إلى الارتفاع. كما يشير في سياق متصل إلى أن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي الأميركي باتت تمثل عاملاً بالغ الحساسية في هذه المرحلة، لافتًا إلى أن الهجمات المتكررة من ترامب على البنك المركزي ومحاولات التدخل السياسي في قرارات السياسة النقدية أثارت قلقاً واسعاً بين المستثمرين الدوليين.


سكاي نيوز عربية
منذ ساعة واحدة
- سكاي نيوز عربية
هدنة ترامب في غزة.. فرصة تسوية أم فخ سياسي؟
ولكن خلف لغة "الفرصة الأخيرة"، تتشكل معادلات دقيقة من المصالح والضغوط والانقسامات الداخلية، ما يجعل هذه الهدنة المفترضة أقرب إلى اختبار سياسي وجودي للطرفين، منه إلى خطوة أولى نحو سلام مستدام. ترامب يفرض الإيقاع: التهدئة أو التصعيد ظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذه المرة أكثر إصرارا على فرض اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة. في منشور على منصته "تروث سوشيال"، أعلن موافقة إسرائيل على شروط اتفاق هدنة لستين يومًا، مؤكدًا أن واشنطن ستتولى التنسيق مع الوسطاء القطريين والمصريين لإنهاء الحرب خلال هذه المهلة، ومطالبا حماس بالموافقة، محذرًا من أن "البديل سيكون أسوأ". لم يخفِ ترامب أيضًا نيته الضغط على نتنياهو لإنهاء الحرب خلال لقائهما المرتقب في واشنطن، وهو ما يعكس تصميمه على تحقيق اختراق سياسي في ملف غزة، يعزز مكانته كـ"صانع صفقات"، ويقدم إنجازا يمكن استثماره داخليا وخارجيا، خاصّة مع رغبته في توسيع اتفاقات أبراهام نحو مزيد من الدول العربية. إسرائيل: موافقة مشروطة ورسائل تهديد مزدوجة ورغم ما أعلنه ترامب من "موافقة إسرائيلية"، إلا أن الرسائل الآتية من تل أبيب تكشف واقعًا مغايرًا. فقد أفادت القناة 14 الإسرائيلية بأن أي وقف للعمليات العسكرية سيكون مشروطًا بـ"رسالة ضمان" أميركية، تتيح لإسرائيل استئناف العمليات العسكرية إذا لم تلتزم حماس بشروط تتعلق بنزع سلاحها واستبعاد قادتها. كما نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤولين إسرائيليين تهديدا صريحا بأن الجيش الإسرائيلي مستعد لتحويل غزة والمخيمات إلى "رفح ثانية" إذا لم تحرز مفاوضات الهدنة وتبادل الأسرى أي تقدم. وبحسب مسؤول سياسي بارز، فإن استمرار العمليات العسكرية يبقى خيارًا مطروحًا، ما لم تتجاوب حماس مع الطروحات الإسرائيلية. من الجانب الآخر، عبّرت حماس عن استعداد مشروط للتجاوب مع المبادرة. ففي حديثه إلى "سكاي نيوز عربية" عبر برنامج الظهيرة، قال إبراهيم المدهون، مدير مؤسسة "فيميد" الإعلامية، إن الحركة تضع أولوية مطلقة لوقف الحرب وحقن الدماء، لكنها ترفض بشكل قاطع أي طرح يتعلق بنزع سلاحها أو إبعاد قياداتها، معتبرًا ذلك "ليس فقط مرفوضًا، بل غير قابل حتى للنقاش". المدهون أكد أن القرار داخل حماس مؤسساتي، وأن القيادة الداخلية، رغم ظروف الحرب، تملك الكلمة الفصل. وأوضح أن حماس منفتحة على إطلاق سراح الأسرى مقابل انسحاب إسرائيلي كامل وضمانات حقيقية لوقف دائم للحرب، لكنها تشكك في نوايا واشنطن وتعتبر أن ترامب يتحدث "بلسان إسرائيل" في بعض مواقفه. وأشار إلى أن الحركة لا تتخذ قراراتها بضغط خارجي، بل عبر مشاورات بين قيادتها العسكرية والسياسية، في الداخل والخارج، وعلى رأسها المكتب السياسي ومجلس الشورى و كتائب القسام ، مع التشاور مع الحلفاء الإقليميين مثل قطر و تركيا و مصر. وشدّد على أن القبول بهدنة لا يعني القبول بإملاءات سياسية أو شروط استسلام. ترامب ونتنياهو.. علاقة ملتبسة وضغوط متبادلة يرى طارق الشامي، الباحث والكاتب السياسي، من جهته أن علاقة ترامب بنتنياهو تمر بمرحلة غير مسبوقة من الضغط والتداخل. فالرئيس الأميركي لا يكتفي بدعم سياسي أو عسكري لإسرائيل، بل بات يوجه انتقادات علنية ويتدخل في ملفات داخلية إسرائيلية، في مشهد لم يُسجل في تاريخ العلاقات بين واشنطن وتل أبيب. وبحسب الشامي، فإن ترامب يرى في اللحظة الراهنة فرصة ذهبية للضغط على نتنياهو ، الذي ارتفعت شعبيته في الداخل الإسرائيلي بعد الضربات التي وجهت إلى إيران. ومع ذلك، فإن نتنياهو يواجه مأزقا داخليا، إذ إن أي تنازلات قد يفقده دعم اليمين المتطرف، ما يجعله يبحث عن توازن صعب بين إرضاء واشنطن والحفاظ على تحالفاته. ترامب، من جانبه، يتعامل مع الملف بعقلية صانع صفقات، لكنه ليس ميلاءً لتقديم "ضمانات مكتوبة"، كما يشير الشامي، بل يمارس نفوذه عبر التهديد بالتصعيد أو استثمار القنوات الإقليمية في تمرير مقترحاته، ويراهن على أن "اللحظة الفارقة" قد تجبر الطرفين على قبول شروطه. حسابات حماس.. بين الواقع الميداني والضمانات الغائبة في المقابل، تبدو حماس أكثر ميلا إلى الهدنة هذه المرة، لكن بشروط تضمن استمرار المفاوضات لما بعد فترة الستين يومًا، مع اشتراط وقف الحرب بالكامل، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وإطلاق سراح الأسرى. فالحركة، كما يقول المدهون، تدرك فداحة الكارثة الإنسانية في غزة ، لكنها لا تقبل بحل جزئي يُستخدم كغطاء لعودة الاحتلال بعدها بيد أكثر دموية. ويؤكد المدهون أن أي طرح يهدف إلى نزع سلاح حماس أو تهجير قادتها هو تمهيد لمشروع تهجير فلسطيني أوسع، لا تقبله لا حماس ولا السلطة الفلسطينية ولا أي طرف فلسطيني. ويشدّد على أن مرونة الحركة مرهونة بضمانات سياسية واضحة ومراقبة دولية تضمن عدم استغلال الهدنة لمصالح إسرائيلية تكتيكية. دور الوسطاء واحتمالات انتشار نموذج 'قوة عربية مشتركة' في ظل تعقيد المشهد، يتزايد الحديث عن مقترحات غير معلنة تشمل نشر قوات عربية مشتركة لإدارة غزة، بدعم أميركي. وتشير معلومات تسربت عن محادثات واشنطن إلى أن الفكرة تتضمن مشاركة عربية، في إدارة المرحلة الانتقالية، مع إبعاد حماس عن الواجهة، دون مواجهتها مباشرة. لكن هذا السيناريو، وإن كان مرضيا لإسرائيل والولايات المتحدة، يواجه رفضًا شعبيًا وميدانيًا في غزة، فضلًا عن أنه يتطلب توافقًا دوليًا معقدًا، وإجماعًا فلسطينيًا غير متوفر حاليًا. على الأرض، لا تزال آلة الحرب الإسرائيلية تعمل بكثافة. وأشار مراسل سكاي نيوز عربية في القدس، بشار زغير، في هذا الخصوص إلى أن مشاهد القصف والدمار، مثلما حدث في استراحة شاطئ غزة، تتكرر بلا توقف، رغم محاولات تبريرها المتكررة من الجانب الإسرائيلي. ويرى أن رواية إسرائيل باتت تتعامل مع سكان غزة وكأنهم "كتلة واحدة" تُختزل في حماس، ما يُفاقم مناخ الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ويجعل من الصعب على أي وساطة أن تكتسب المصداقية في أعين سكان القطاع ما لم تقترن بضمانات حقيقية ووقف كامل للعدوان. رغم الحزم الذي يبديه ترامب، والانفتاح الحذر من قبل حماس، والموافقة المشروطة من تل أبيب، فإن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة لا يزال محفوفًا بالمخاطر. فالتهدئة، كما تُطرح حاليًا، ليست سوى مرحلة مؤقتة قد تفتح الباب لحل أوسع، أو تعيد الجميع إلى مربع النار. ويبقى السؤال: هل يملك ترامب ما يكفي من النفوذ لإلزام الطرفين بقبول تسوية شاملة؟ وهل تستطيع حماس أن تقبل هدنة دون أن تدفع ثمنًا سياسيًا وأمنيًا؟ وهل يسمح اليمين الإسرائيلي بأي تنازل يُنظر إليه كـ"نصر لحماس"؟. الإجابة ستكون ميدانية أولًا، وسياسية ثانيًا، وخاضعة لحسابات الإقليم في نهاية المطاف.


صحيفة الخليج
منذ ساعة واحدة
- صحيفة الخليج
إسرائيل: دعوة ترامب لهدنة مع غزة فرصة لإطلاق الرهائن
(أ ف ب) شدد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، الأربعاء، على أهمية «عدم تفويت فرصة» لتأمين الإفراج عن الرهائن في غزة، وذلك غداة إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على «الشروط اللازمة» لهدنة تمتد 60 يوماً في القطاع. وأسفرت الحرب عن دمار واسع في القطاع المحاصر، وأوضاع إنسانية كارثية يعيشها سكانه البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة، مع مواصلة إسرائيل ضرباتها. ويأتي ذلك غداة تأكيد الجيش الإسرائيلي «توسيع نطاق» عملياته في غزة في إطار الحرب التي اندلعت قبل نحو 21 شهراً. ودعا ترامب حماس، الثلاثاء، إلى قبول هدنة لمدة 60 يوماً في غزة، مشيراً إلى أن إسرائيل وافقت على إنجاز التفاصيل المتعلقة باتفاق على هذا النحو. ودون الإشارة المباشرة لتصريحات ترامب، قال ساعر: إن «الغالبية العظمى من الشعب والحكومة تؤيد اتفاقاً يفضي إلى تحرير الرهائن». وأضاف: «يتعين عدم تفويت فرصة كهذه إن توفرت». ولا يزال 49 إسرائيلياً محتجزين في غزة، من بينهم 27 أعلنت إسرائيل أنهم لقوا حتفهم. قتلى وجرحى في قطاع غزة ميدانياً، أفاد المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل، بأن الجهاز أحصى «العديد من الضحايا بينهم عدد من الأطفال وعشرات المصابين في غارات نفذها الاحتلال منذ فجر اليوم». وأوضح أن من بينهم خمسة أشخاص قتلوا جراء غارة استهدفت «خيمة للنازحين لعائلة أبو طعيمة» في مخيم البركة في المواصي بخان يونس في جنوب القطاع. ورغم إعلانها منطقة آمنة في كانون الأول/ ديسمبر 2023، لا تزال المواصي تتعرض للقصف الإسرائيلي المتكرر. وأظهرت لقطات مسعفين يعالجون أطفالاً ملطخين بالدماء بالقرب من مستشفى ناصر في خان يونس. وبدت ملامح الذعر على عدد من الأطفال، بينما افترش بعضهم أسرّة المستشفى بملابسهم المضرجة بالدماء. «إنهاء الحرب» في غزة وفي شمال القطاع، أفاد بصل بأن غارة طالت منزلاً يعود لعائلة زينو في حي التفاح بمدينة غزة، ما أسفر عن «مقتل أربعة مواطنين هم أحمد عيد زينو وزوجته آيات مندو وطفلاه، زهرة وعبيدة». وأضاف: «قتل خمسة من بينهم طفلان وسيدة وعدد من الإصابات إثر غارة نفذتها طائرة مسيرة إسرائيلية صباح اليوم استهدفت منزلاً قرب مسجد البخاري في منطقة البركة جنوب دير البلح». ورداً على استفسار من «فرانس برس»، قال الجيش الإسرائيلي، إنه لا يحوز معلومات كافية للتعليق على التقارير، إلا أنه شدد على أنه «يعمل على تفكيك القدرات العسكرية لحماس. وكان الجيش أعلن الثلاثاء أن قواته وسعت نطاق عملياتها في مختلف أنحاء القطاع، وأنه «قضى على عشرات المسلّحين، وفكّك مئات من مواقع البنية التحتية فوق الأرض وتحتها». جهود الوساطة وبعد شهور من تعثر جهود الوساطة في غزة، قال ترامب، الثلاثاء: إن إسرائيل تدعم الجهود الجديدة التي تأتي عقب وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران بعد حرب استمرت 12 يوماً. وأوضح عبر منصته «تروث سوشال» أن إسرائيل «وافقت على الشروط اللازمة لإبرام هدنة مع حماس لمدة 60 يوماً تمهيداً لإنهاء الحرب، مناشداً الحركة الموافقة على هذا «المقترح النهائي» الذي تعمل عليه القاهرة والدوحة». وأضاف أنّ «القطريّين والمصريين الذين عملوا بلا كلل للمساهمة في السلام، سيقدّمون هذا المقترح النهائي». وتابع: «آمل، من أجل الشرق الأوسط، أن تقبل حماس بهذا الاتفاق، لأنّه لن يتحسّن، بل سيزداد سوءا فحسب». ويستعد نتنياهو لزيارة واشنطن للقاء ترامب ومسؤولين الأسبوع المقبل، عقب تأكيده أن الحرب مع إيران وفّرت «فرصاً» لتأمين الإفراج عن الرهائن.